ج3: رسالة الإحسان خواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية - ما هو التذوق الإيماني - ما الدليل على التذوق الإيماني - ما المقصود بهذا التذوق الإيماني - كيف الوصول للتذوق الإيماني في القلب - هل هناك أسباب أخرى تؤدي لحلاوة الإيمان .

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الثالث)

* فهرس:

- مصطلح (الحال القلبي الإيماني) ..

1- س1: ما هو التذوق الإيماني ؟

2- س2: ما الدليل على التذوق الإيماني ؟

3- س3: ما المقصود بهذا التذوق الإيماني ؟

4- س4: كيف الوصول للتذوق الإيماني في القلب ؟

5- س5: هل هناك أسباب أخرى تؤدي لحلاوة الإيمان ؟

***********************************

..:: مصطلح (التذوق الإيماني) ::..

..:: س1: ما هو التذوق الإيماني ؟ ::..

 
- التذوق الإيماني: هو الأثر الذي تشعر به في قلبك حين فعلك لما يطلبه الله منك وأنت راضيا عنه وعن دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم ..

- أو بتعريف آخر: هو الإحساس بوجود لذة مع كل ما يتعلق بالإيمان سواء في العبادات أو المعاملات ..

- أو بتعريف أبسط: هو لذة أو حلاوة في القلب تحدث نتيجة عمل مع الله برضا .

 
- ونتيجة طبيعية للتذوق الإيماني يأتي التذوق الإشاري للمعاني .. وهو يطلق على معرفة ما يورده الخاطر في النفس من إشارات لها فهم خاص له لذة وأثر جميل في القلوب يحدث لك انبساطا حين معرفته لأنه يقربك من الله بلذيذ الخطاب والفهم ..
 
- والتذوقات الإشارية للمعاني الإيمانية .. لا تكون في مخالفة الأحكام .. وإنما في الفوائد اللطيفة المستنبطة من المعنى الظاهر ومن وراء المعنى الظاهر .. دون ان تعارض ظاهر اللفظ لغة ولا تعارض الكتاب ولا السنة ..!!
 

- وكمثال للإشارة الذوقية في معاني الألفاظ ..

- فالبعض يجد أن إحياء الأرض بعد موتها .. إشارة لقدرة الله على أنها إحياء للقلوب بعد موتها ..  

- وكذلك البعض يرى في لفظ الجنة .. هو معرفة الله والتلذذ بالقرب منه .. كما أن لفظ الجنة معناها المحجوبة عن الاعين الدنيوية أو المحاطة بالأشجار .. فكذلك الحال فإن معرفة الله محجوبة عن القلوب الغافلة ومحاطة بالأسرار المبهرة ولا يعرفها إلا من دخل في معية الله ..

- وكذلك يرى البعض النار رمزا للبعد عن الله حسرة .. لأن نار البعد تنشأ فيك إحراقا من الغفلة عنه والجحود له والجهل به  ..

 

- فكانت الجنة والنار رمزا على البعد والقرب من الله .. أو رمزا للمعرفة بالله والجهل بالله  ..

 

- انتبه إلى أن قولنا (نار المحبين) .. هذه النار تسمى شوقا .. وهو مجاز عن شدة الحب والشوق للقاء الله والمؤانسة به.. ولا علاقة له برمزية لفظ (النار) ..!!

- وخلاصة القول: في الإشارات المستنبطة من اللفظ أنها ليست تفاسير للألفاظ .. وإنما إشارات رمزية تتفق من معاني الألفاظ  ..

*************************

*************************

 

..:: س2: ما الدليل على التذوق الإيماني ؟ ::..

 
- جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا) صحيح مسلم.
 
- قوله (ذاق): أي وجد أثر حلاوة الإيمان في باطنه أي قلبه .. كما يجد آكل الطعام تذوقا حين بداية استطعامه للأكل ..
 
- (طعم): هو ما يجده الذائق من حلاوة أو مرارة حين تذوق الأكل .. وكذلك المؤمن الراضي حين فعل العبادات والمعاملات لله .. سيجد حلاوة الإيمان .
 
* انتبه للآتي لتتذوق كلام النبي صلى الله عليه وسلم:
- هناك فعل وهو أكل الطعام .. وهناك أثر يظهر على هذا الفعل وهو إدراك التذوق له هل هو حلو أو مر .. وحتى يظهر هذا الأثر لابد من وجود حاسة للتذوق سليمة ..
 
- فكذلك الحال مع الإيمان له أفعال عبادات ومعاملات .. وله أثر في القلب وهو حلاوة القرب من الله .. وحتى يظهر وتجد أثر حلاوة أعمالك أو إيمانك .. لابد من سكون الرضا في قلبك ..
 
- فحلاوة الإيمان لا تظهر أثرها .. إلا بخاصية الرضا عن الله ودينه والرسول صلى الله عليه وسلم .. وسيأتيك شرح ذلك ..
 

*******************************

 

..:: س3: ما المقصود بهذا التذوق الإيماني ؟ ::..

 
- وقد تسأل أخي الحبيب فتقول: ما المقصود بهذا التذوق أو اللذة أو الحلاوة الإيمانية ؟
- قلت لك .. أن المقصود منها هو نور الطمأنينة وانشراح الصدر .. والمؤانسة بالله ولذة القرب من الله .. لأنه يفعل ذلك دون ضيق ولا كراهة في النفس حين فعل طاعة أو ترك معصية ..!!
 
1- كمثال للتوضيح .. يقول تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد28.
- فبذكر الله تطمئن القلوب حقا .. ولكن هل تحققت بالإيمان الذي أساسه الرضا .. حتى تجد الإطمئنان القلبي الذي هو أثر حلاوة الذكر ..؟!
 
2- مثال آخر أوضح .. يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) الاعراف201 .
- فالمتقي لله الذي يكون راضيا بالله ودينه ورسوله.. حينما يصيبه وسواس أو خاطر سوء .. ينتبه ويستعيذ بالله .. فيجد أثر حلاوة هذه الإستعاذة في نفسه بان الله يمحو هذا الوسواس ويطرده عنه .
 
- وكذلك هناك تذوق معرفي .. فيعرفك الله عليه ويجعلك تتذوق ما في أسماءه من معاني الجمال والجلال .. وذلك ليؤنسك به .. ويكشف لك عن جمال حبيبه حال كونه رؤوفا رحيما ونورا وهاديا ويجعله موصولا سامعا برد السلام عليه من النبي صلى الله عليه وسلم كلما سلم المؤمن الراضي على النبي .. بل ويكشف له عن الحكمة في شريعته وقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
 
- وكل ذلك هو أثر للإيمان الذي يجده الراضي عن الله ودينه ورسوله ..
 

***************************

 

..:: س4: كيف الوصول للتذوق الإيماني في القلب ؟ ::..

 
- أوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم .. الطريق الذي به تتذوق الإيمان .. وهو الرضا عن الله وعن دينه وعن رسوله .. فقال صلى الله عليه وسلم : (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا) صحيح مسلم.
 
1- الرضا بالشيء .. هو الإقتناع بالشيء والإكتفاء به .. والمقصد منه في الحديث هو سكون القلب مع أحكامه التي أرتضاها لك ..
 
2- والرضا بالله .. هو أن تكتفي بالله مدبرا للوجود وحده ولا تجعل له شريك .. وترضى به حكما عدلا في تدبيره واختياره لك .
 
3- والرضا بدينه .. هو أن تكتفي به وتختاره عن سائر الأديان فلا تلتفت لديانات أصلها سماوية كاليهوديه ولا المسيحية .. ولا حتى لديانات مصطنعة كالبوذية والهندوسية  ..
 
4- والرضا بسيدنا محمد رسولا .. هو أن تكتفي به معلما ومرشدا في طريقك إلى الله .. فتتبعه وترضى بكل ما حكم به وفعله وأقره وقال به .. دون أن يكون في نفسك أي حرج أو ضيق من كلامه أو فعله .. كما قال تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء65..
 
* و ببساطة تقول ممكن أن تقول أن معنى (الرضا بالله والإسلام والرسول): هو الخضوع لمراد الله منك وقبول التشريع واتباع الرسول برضا ..
 
* قال الشيخ ابن عطاء اللَّه الإسكندري رحمه الله (المتوفى: 709هـ):
- قوله صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا .. ) فيه دليل على أن من لم يكن كذلك، لا يجد حلاوة الإيمان، ولا يدرك مذاقه، وإنما يكون إيمانه صورة لا روح فيها وظاهرا لا باطن له، ومرتسما لا حقيقة تحته.
 
- وفيه إشارة: إلى إن القلوب السليمة من أمراض الغفلة والهوى تتنعم بملذات المعاني كما تنعم النفوس بملذوذات الأطعمة. وإنما ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، لأنه لما رضي بالله ربا، استسلم له وانقاد لحكمه، وألقى قياده إليه خارجا عن تدبيره واختياره، إلى حسن تدبير الله واختياره، فوجد لذاذة العيش وراحة التفويض.
 
- ولما رضي بالله ربا .. كان له الرضا من الله .. كما قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) المائدة119.
التنوير في إسقاط التدبير ص20
 

***********************

 

..:: س5: هل هناك أسباب أخرى تؤدي لحلاوة الإيمان ؟ ::..

 
- لا نستطيع أن نسميها أسباب .. لأن حقيقتها أحوال مترتبة على حدوث الرضا، وهذه الأحوال تسبب حلاوة الإيمان .. فمن هذه الأحوال القلبية ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ) صحيح البخاري.
 
- فبوجود ثلاث أحوال دائمة وكائنة في الإنسان المؤمن لو اجتمعوا سيجد طعم الإيمان في قلبه ..  وهي حب الله ورسوله – والإخلاص في معاملة المخلوق لا لمصلحة وإنما محبة خالصة – كراهية العودة إلى حالة غلبة النفس الأمارة بالسوء الطالبة للجحود والكفر وهذه الكراهية تكون كحال من يخاف أن يتم قذفه في النار ..
 
- وهذه الأحوال الثلاثة .. إنما لا تظهر إلا عن رضا عن الله ودينه ورسوله .. لأن عن صفة الرضا تظهر صفات القلب القوية كاليقين والمحبة والتوكل والإخلاص وغير ذلك ..
 
- وحب الله ورسوله كان يكفي ذكره لثبات حلاوة الإيمان .. لأن ما بعد ذلك يترتب على هذا الحب بالتأكيد .. ولكنه ذكر طلب المعاملة مع المخلوق بالإخلاص .. والإحتراز من الكفر .. للإهتمام والإعتناء بهذين الأمرين ولا تغفل عنهم .. فتنتبه وتتيقظ ..!!
 
- مما سبق يتبين لك أن الأصل لتحقيق التذوق الإيماني .. هو الحديث الأول الخاص بالرضا عن الله ودينه ورسوله ..
 
- ولا يتم ذلك إلا بطلب من الله واجتهاد في ذلك .. ولا تظن أن صفات القلب تأتي بمجهودك أنت .. لا .. وإنما أحوال القلوب يمنحها الله لمن صدق في التوجه إليه .. مع إظهار عمل طاعة في عباداتك ومعاملاتك يدل على ذلك وتظل مستمرا عليه ..!!
 
- ومن الأمور التي تؤثر في قلبك وتقوي التذوق الإيماني .. والمترتبة عن الرضا أيضا .. هو الإعتقاد بيقين في صفات الله وأسماءه .. وفي كلامه الذي تقرأه .. وفي دعاء النبي الذي تدعو به وأنت موقن أن فيه بركة وخير وكرامة عند الله ..

 - ولذلك من لم تكن عزيمته قرآنية ، وهمته أسمائيه ، ودعوته نبوية .. فكيف يتذوق طعم الإيمان أو تكون له رابطة إيمانية في قلبه مع الله ..؟!!

 - وبهذا يكون ختام الكلام على مصطلح (التذوق الإيماني) ..

 *********************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .