ج5: رسالة الإحسان خواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية - عن التوسل بالنبي - مصطلح (بحق جاه النبي – بحق النبي الأمي – بحق النبي) - ما معنى الجاه – وما المقصود من قول البعض "بحق جاه النبي" - ما هي الضوابط المشتركة عند أهل العلم في التوسل الجائز وكيف نطبقها على مفهوم (بحق جاه النبي) - هل هناك ما يزكي القول بأن هناك في النصوص الشرعية ما فيه حق لله والنبي والقرآن وغير ذلك - لماذا الصراع حول حديث (أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ) - كيف نفهم جزئية (إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ) - لماذا لم يدعو النبي للأعمى مباشرة فيقول (اللهم رد إليه بصره) .. بدلا من هذه الطريقة الذي وصفها للأعمى.

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الخامس)

* فهرس:
- عن التوسل بالنبي - مصطلح (بحق جاه النبي – بحق النبي الأمي – بحق النبي) ..
1- س1: ما معنى الجاه – وما المقصود من قول البعض "بحق جاه النبي" ؟
2- س2: ما هي الضوابط المشتركة عند أهل العلم في التوسل الجائز وكيف نطبقها على مفهوم (بحق جاه النبي) ؟
3- س3: هل هناك ما يزكي القول بأن هناك في النصوص الشرعية ما فيه حق لله والنبي والقرآن وغير ذلك ؟
4- س4: لماذا الصراع حول حديث (أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ) ؟
5- س5: كيف نفهم جزئية (إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ) ؟
6- س6: لماذا لم يدعو النبي للأعمى مباشرة فيقول (اللهم رد إليه بصره) .. بدلا من هذه الطريقة الذي وصفها للأعمى ؟

  *************************

..:: مصطلح (بحق جاه النبي) - (بحق النبي الأمي) -  (بحق النبي) ؟ ::..

***********************

..:: س1: ما معنى الجاه – وما المقصود من قول البعض "بحق جاه النبي" "بحق النبي الأمي" ؟ ::..
 
- كثير من الناس حتى بعض أصحاب العلم .. قد حدث لديهم خلط كبير في فهم هذا المصطلح .. منذ مئات السنين وليس الآن فقط .. حيث أن البعض ظن أن المقصود هو التوسل بذات النبي .. والبعض لم يمانع التوسل بذات النبي .. وحدث صراع فقهي حول هذه المسألة الفرعية والتي ترتب عليها مزيد من النفور بين أبناء الدين الواحد .. وكل واحد يتعصب للجانب الذي تربى على أفكاره ..!! في حين أنه يمكن أن نفصل مسألة الذات دي تماما من الموضوع ..!!
 
- لكن في الحقيقة المسألة بسيطة لو وضعناها في مكانها الصحيح وضابطها الصحيح .. !!
 
- أولا: ما هو معنى الجاه ؟
- الجاه هو المنزلة والشرف والمقام والقدر والمكانة الكريمة لشخص ما .. وهذه الوجاهة جاءت في القرآن في قوله تعالى (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) آل عمران45 .. وفي قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) الاحزاب69.
 
- إذن فالوجاهة في القرآن للأنبياء هي من محض فضل الله عليهم وفعله بهم .. وليست أمرا كسبيا فعلوه ليستحقوا عليه الجاه عند الله ..!!
 
- ثانيا: ما هو ما الذي يقصده البعض حينما يتوسل إلى الله قائلا (بحق جاه النبي) ؟ فما هو جاه النبي الذي ينطق به بعض المحبين ويسأل الله به أو يتوسل به إلى الله ؟
- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- هذا الجاه هو مقام النبوة .. الذي أعطاه له الله من فضله العظيم .. كما تبين ذلك من الآيات عن سيدنا عيسى وموسى عليهما السلام .
 
- وكأن هؤلاء المحبين .. يتوسلون بالوجاهة التي أعطاها للنبي وهو مقام النبوة .. كما أعطاها لسيدنا عيسى وسيدنا موسى .. وإن لم تذكر صراحة للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنها مثبته بالتبعية من فضل قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الأحزاب57 .. وكما قلنا أن الصلاة على النبي من الله هي العطف عليه بكل أنواع الفضل والكمالات الجمالية والجلالية بما لم يحدث لبشر إلى قيام الساعة .. (راجع رسالة أطيب الكلام ومسك الختام في شرح الصلاة والسلام على سيد الأنام) ..

*****************************

 

..:: س2: ما هي الضوابط المشتركة عند أهل العلم في التوسل الجائز وكيف نطبقها على مفهوم (بحق جاه النبي) ؟ ::..

 
- بعيدا عن أي صراع دار بين ما قاله المؤيد والمعارض في مسألة التوسل .. فسنأخذ القدر المتفق عليه عند الجميع ونمشي عليه .. وإن شاء الله يحدث التوفيق ..
 
- فالقدر المشترك عند الفريقين:
1- هو أنه لا مانع من التوسل بعمل أنت عملته كان خالصا لله .. كالثلاثة الذين توسلوا بأعمالهم حينما انغلقت عليهم الصخرة ..
 
- وهنا نسأل .. أليس إيماننا بالنبي هو عمل لنا خالصا عند الله ؟
- بلى إيماننا به هو عمل لنا خالصا عند الله .. يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) النساء36 ..، يقول تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ....) الأعراف156-157 ..، حتى قال تعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف158.
 
- فقول بعض المؤمنين: بحق النبي الأمي أو بحق النبي او بجاه النبي .. فهذا معناه بحق إيماني بالنبي الأمي تقبل أعمالي يارب كما وعدت بذلك لمن يؤمن به .
 
2- ولا مانع من التوسل بفعل الله إلى الله ..
- مثال أول .. يقول تعالى: (كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) يونس103..
- فقد تقول اللهم بحق وعدك بنجاة المؤمنين فأنجنا يارب ..
 
- مثال ثاني .. يقول تعالى: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم47 ..
- فقد تقول اللهم بحق نصرك للمؤمنين فانصرنا يارب ..
 
- مثال ثالث .. يقول تعالى: (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) الشورى24 ..
- فقد تقول بحق كلماتك أثبت الحق في قلوبنا يارب .
 
- مثال أخير .. أو تقول: يارب بحق إجابة الدعاء للمضطرين وكشف السوء عنهم فأجب دعائي واكشف عني السوء لأنك قلت وقولك حق: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) النمل62.
 
- وهنا نسأل .. أليس حب الله لنبيه هو من أفعال الله ؟
- بلى هو كذلك .. يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الأحزاب56 .. والصلاة عليه .. هي العطف والتجلي عليه بكل رحمة وحب وكرامة وبركة وسلام إلى غير ذلك من كرامات الله عليه صلى الله عليه وسم .
 
- فكون المؤمن يقول: بحق جاه النبي أو بحق النب الأمي أو بحق النبي .. أي بحق حبك لنبيك صلى الله عليه وسلم .. أحبني وأكرمني واغفر لي وارحمني .. وتجلى على بمحض كرمك وفضلك يارب .
  
3- لا مانع من التوسل بفضل الله ..
- كأن تقول بحق يوم الجمعة أو بحق شهر مضان .. او بحق الكعبة أو بحق الجنة أو بحق يوم القيامة .. أو بحق القرآن .. لأن أنت تتوسل بما جعله الله من فضيلة في هذا التوقيت أو هذا المكان أو في هذا الكلام .. فأنت تتوسل إلى الله في هذا التوقيت أو المكان أو بخصوصية كلام القرآن ولا تتوسل بالمكان ولا بالتوقيت ولا بمجرد حروف القرآن المكتوبة .. !! فانتبه .
 
- وهنا نسأل .. هل النبي ليس من فضل الله علينا ؟
- بكل تأكيد هو من فضل الله علينا .. ألم يقل تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الجمعة2-4 ..، وقال تعالى (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) التوبة61 ..، وقال تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة128 .. 
 
- فقول المؤمن بحق النبي الامي .. أو بحق النبي .. أو بجاه النبي .. إنما هو توسل بفضل الله علينا بما أنعم علينا من نعمة إرسال النبي الأمي ..
 
* ختام المسألة:
- هل قولنا بحق الله وبحق القرآن وبحق النبي .. هو لإثبات للحق أم للباطل ؟
- بكل تأكيد هم حقا .. فما المانع بالتوسل بالحق الذي أثبته الله من محض فضله وكرمه وعطاءه ..!!
 
- فقد تقول اللهم بحقك وحق نبيك .. أي بحق إيماننا بك وبحق ما يليق بك من كمالات .. وبحق إيماننا بنبيك وبحق حرمة نبيك وفضلك على نبيك الذي لا يحيط به غيرك .. وبحق حبك لنبيك الذي أنت تعلمه .. اجعلنا من أولياءك المقربين ولا تجعلنا من المطرودين ..
 
- فهنا أنت توسلت بإيمانك بنبيك .. وتوسلت بفضل الله على نبيه بنبوته .. وتوسلت إلى الله بفعل حبه لنبيه .
 
- وحرمة النبي وفضله من فعل الله له وعليه .. ويجمعهما آيتين : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) الاحزاب57-58.
 

**********************

 

..:: س3: هل هناك ما يزكي القول بأن هناك في النصوص الشرعية ما فيه حق لله والنبي والقرآن وغير ذلك ؟ ::..

 
- وقد تقول أخي الحبيب .. هل هناك ما يزكي القول بأن هناك ما فيه حق لله والنبي والقرآن وغير ذلك ؟

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

 - نعم يوجد .. وليطمئن قلوبك بيقين من القول .. فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، أنْتَ نُورُ السَّمَواتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَواتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ، أنْتَ الحَقُّ، ووَعْدُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، ولِقاؤُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ، وإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، أوْ: لا إلَهَ غَيْرُكَ) صحيح البخاري.
 
- فتأمل الحق الذي أثبته النبي صلى الله عليه وسلم .. فهل لو قلت يارب بحق الجنة وحق النار وحق النبيين وحق محمد نبيك وبحق الساعة .. ووو .. هل ستكون قد أخطأت ؟!! كل تأكيد .. لا ..
 
- يبقى اتقي الله يا من تريد الفتنة في الأرض بالتفرقة بين المسلمين .. ولا تقول بكلام تفتري به على العباد وتجعل من كلامك شريعة تكفر بها الناس .. واعلم أنك ستقف امام الله بعد أنفاس قليلة ..!! فماذا ستقوله له ؟!!
 

*************************

 

..:: س4: لماذا الصراع حول حديث (أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ) ؟ ::..

 

- استكمالا للموضوع .. هناك صراع طائفي كبير حول شرح حديث للنبي صلى الله عليه وسلم .. والأولى كان يتركوا هذه الطائفية .. ويهتموا بلفظ الحديث .. جيث لم ينتبه البعض منه إلى جزئية التوسل بالنبوة في الحديث .. !!
 
- فقد جاء عن الصحابي عثمان بن حنيف أنه قال: (أنَّ رجلًا ضريرَ البَصرِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ : ادعُ اللَّهَ أن يعافيَني قالَ : إن شئتَ دعوتُ ، وإن شِئتَ صبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ . قالَ : فادعُهْ ، قالَ : فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ .. إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه أحمد وبن ماجه .. وذكره الألباني في صحيح الترمذي وقال إسناده صحيح في تخريج مشكاة المصابيح ..
 
- وفي رواية بلفظ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ .. يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط في تخريج المسند: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
 
- وفي رواية بلفظ: (أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي. فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ ذَلِكَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ» . قَالَ: فَادْعُهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى لِي .. اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ) رواه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ .

* قلت (خالد صاحب الرسالة): 
- وقوله (شَفِّعْهُ فِيَّ): في قضاء حاجتي .. أي اقبل دعوته في أن ترد إلي بصري .
- وقوله (شفعني فيه): أي قبوله كوسيلتي .. أن تقبل مني وسيلتي إليك .. وهي أن يشفع لي عندك النبي صلى الله عليه وسلم .
 
- وفي رواية بلفظ: (اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي، وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ، وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ " قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ هَذَا مِرَارًا .. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: "أَحْسِبُ أَنَّ فِيهَا: أَنْ تُشَفِّعَنِي فِيهِ" .. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ .. فَبَرَأَ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.
 
- وفي رواية بلفظ: (وشفع نبيي في رد بصري: وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) رواه أبو بكر بن أبي خيثمة في (تاريخه) بسند صحيح .. وقد اعترض بن تيمية على هذه الزيادة وجعلها منكرة ، وهذه الزيادة هي قوله: (وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) .. ورد البعض على بن تيمية قال: أن الزيادة من الثقة مقبولة في علم الحديث .. (والخلاصة أن هناك خلاف على هذه الجزئية فقط في رواية هذا الحديث) ... وهو خلاف لا يشغلنا في شيء ولا يؤثر في مسألة التوسل بالنبي ..!!

* قلت (خالد صاحب الرسالة): 
- ما يهمنا في هذا الحديث هو كلمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه للرجل الأعمى .. ما هذه الكلمة ؟
 
- قال له (وأَتَوَجَّه إليكَ بنبيكَ مُحَمَّدٍ) .. ولم يقل له (أتوجه إليك بمحمد) .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن التوسل يكون بما فيه فضل الله ليكون مقبول عند الله .. فأتي بمقام النبوة المقبول يقينا عند الله .. ولم يقل للأعمى أن يتشفع بكونه بشرا .. لا .. وإنما بكونه نبيا .. أي يتوسل بحق إيمانه بالنبي وبحق فضل الله وبما له من كرامة مخصوصة عند الله وبحق حب الله على النبي وما له عليه من عناية ورعاية خاصة .. ..  فانتبه لهذا الأمر الهام .
 
- وليس الأمر خاص بالتوسل بذات محمد .. وإنما هي خصوصية تشريف نبوية .. توسل بالخصوصية النبوية .. ولا علاقة لها بذاته صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم .
 
- وأما ما يزعمه البعض بأن هذا الحديث خاص بحياة النبي فهذا خطأ كبير .. وجرأة بالتقول على النبي صلى الله عليه وسلم .. برأي ولا دليل له على ذلك إلا محض الهوى ..!!
 
- فالحديث لا إشارة فيه لتخصيص حال حياة النبي أو مماته .. وإنما إرشاد لكيفية فعل في التوجه إلى الله .. ومن ينكرها فقد أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم بلا دليل ..!! وحسابه عند ربه فيما تقول به برأيه على توجيه النبي صلى الله عليه وسلم ..!!
 
- بل جاء في رواية الحديث الموقوف "من فعل الصحابي" .. أن الصحابي عثمان بن حنيف راوي الحديث السابق .. قد أرشد أحد الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليفعل مثل هذا الدعاء في قضاء حاجة له ..!! وهذه هي الرواية (أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف، فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان: ائت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل، فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إليَّ حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله عليه، فأجلسه معه على الطنفسة "بساط أو سجادة" .. وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فتصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ائت الميضأة، فتوضأ ثم صلِّ ركعتين، ثم ادعُ بهذه الدعوات)) قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط) رواه الطبراني في الكبير والدعاء .. وقال: روى هذا الحديث شعبة، عن أبي جعفر واسمه عمير بن يزيد، وهو ثقة، تفرد به عثمان بن عمر، عن شعبة، قال أبو عبد الله المقدسي: والحديث صحيح.
- وتعقبه الشيخ بن تيمية في قاعدة جليلة ص212 (مؤكدا صحة الرواية) فقال: قلت: والطبراني ذكر تفرده بمبلغ علمه، ولم تبلغه رواية روح بن عبادة، عن شعبة. وذلك إسناد صحيح، يبين أنه لم ينفرد به عثمان بن عمر.
- وصحح هذه الرواية خلاف الطبراني وبن تيمية .. كذلك الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 279) ، والمنذري  في الترغيب والترهيب (1/ 476) .
- وضعف الشيخ الألباني الرواية .. ولم يوفق في تحقيقه الذي ذكره حيث قد فاته بعض التحقيق كما ذكر ذلك بعض أهل العلم كالشيخ الغماري وغيره ..
- ويكفيك تصحيح حفاظ الأحاديث لهذه الرواية من علماء الحديث ..
 
- وعموما يكفيك أن حديث النبي المتفق عليه .. لا تخصيص فيه لزمن دون زمن .. ولا لفعل دون فعل ..!! ومن يقول بالتخصيص فليأت بالدليل .. وإلا فهو معتدي بالتقول بغير الحق على النبي صلى الله عليه وسلم ..!!
 
- ولا يخفى أن الرجل الأعمى قد تعلم الدعاء من النبي وذهب منعزلا يقول الدعاء وهو بعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم .. كمناجاة بينه وبين الله منعزلا لوحده ..!!
 

***********************

 

..:: س5: كيف نفهم جزئية (إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ) ؟ ::..

 
- أما عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ) .. وفي رواية بلفظ ( يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي ...) رواه أحمد ..
 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- فقد تقف أخي الحبيب .. عند هذا الجزء من الحديث .. وتحاول أن تستعقله ..؟!! ولكن لا مجال للعقل فيه ؟!!
- ومن غريب عقول البعض .. أن يقول: أن ذلك غير معقول وهو النبي ميت .. !!
 
- فنقول له: وهل كان معقول وهو النبي حيا ولم يكن جالسا بجواره ولا يسمعه .. ؟!!
- وإلا كان جاء في الرواية (فدعا له النبي بعد أن قال له "يا محمد ...") ولكن هذا لم يحدث .. أو لكان النبي قال له: (اذهب وتوضأ واجلس بجواري وادعوا بهذا الدعاء) ولكن هذا لم يحدث أيضا ..!! بل ولم أجد أحد من شراح الحديث قال بان الاعمى عاد وجلس بجوار النبي حينما دعا ..!! بل وروايات الحديث المختلفة تدل على أن الأعمى دعا في مكان ما ثم جاء للنبي وهو يبصر .. ودليل ذلك قول عثمان بن حنيف في رواية الطبراني (فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط).. وفي لك دلالة على أنه كن منعزلا لوحده يدعو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم .
 
- فالمعقولية الإدراكية أي إدراك السببية المادية في الكيفية .. مفقوده في الحالتين سواء كان النبي حيا أو ميتا ..!!
 
- ولكن يتبقى هنا السؤال .. كيف يمكن أن نفهم توجيه النبي صلى الله عليه وسلم في إرشاده لجزئية (يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي)  ؟
- كما تفهم قولك في التشهد (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .. فالذي يبلغ النبي السلام وهم الملائكة .. بكل تأكيد هم من أبلغوا النبي برجاء هذا الأعمى في ان يشفع له عند ربه .. ولا معقولية في هذا غير ذلك .. وهي معقولية شرعية لأنها مسألة غيبية ..!!
 

***********************

..:: س6: لماذا لم يدعو النبي للأعمى مباشرة فيقول (اللهم رد إليه بصره) .. بدلا من هذه الطريقة الذي وصفها للأعمى ؟ ::..

 
- وقد تقول: لماذا لم يدعو النبي له مباشرة دون الحاجة لهذه الطريقة .. أن يذهب ويتوضأ ثم يدعو الله .. ثم يتخيل رابطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم يشفع له النبي بعد ذلك ؟!! فلماذا كل هذا الطريق ؟!! بل كان من الممكن أن يقول النبي (اللهم رد إليه بصره) وتنتهي المسألة ؟!! مش كده ولا إيه ؟!!
 
* قلت (خالد صاحب الرسالة):
- الذي يظهر لي – والله أعلم – أن سبب إرساد النبي لذلك هو إظهار صدق محبة هذا الرجل للنبي .. لأنه طلب منه ما نسميه (رابطة روحية أو قلبيه) .. وهذه الرابطة لا تكون إلا عن محبة خالصة .. فإذا ظهرت المحبة حدث الوصل .. وكان الإخلاص سببا في استجابة الله .. لأنه يكون بذلك أظهر محبته للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكانت سببا في قبول شفاعة النبي إلى الله بسبب صدق وغلبة هذه المحبة التي ظهرت من الأعمى .. والله أعلم .
 
* كلمة أخيرة في الحديث ..
1- أن الأعمى دعا الله ولم يدعو النبي .. ولكن التوسل كان بالنبي ..!!
2- والأعمى طلب من النبي أن يدعو له الله .. ولم يطلب من النبي أن يرد هو إليه بصره ..!!
3- هذه الطريقة التي أرشد إليها النبي هذا الأعمى .. لا ينتج أثر فعلها لمن لم يكن حب النبي غالب على قلبه .. وإلا فليتوجه إلى الله بالطلب المباشر دون وسيلة .. وذلك لقوة غلبة حب الله على قلب المؤمن غالبا .. (هذا رأيي والله أعلم) ..
4- كوني لا أرى التوسل بالذات هو الصواب .. فذلك لأن التوسل بحق النبي الأمي هو الأشرف والأكمل بين يدي الله .. وإلا فلو لم يكن سيدنا محمد هو النبي الأمي .. ما كنا عرفنا عن سيدنا محمد شيئا .. صلى الله عليه وسلم ..!!
 
- والله أعلم في كل ما سبق واجتهدت فيه ..

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .