ج8: رسالة الإحسان خواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية - مصطلح (جذبة الذكر) - ما الذي نقصده بجذبة الذكر - هل للذكر حضور نوراني ملائكي مع العبادات والمعاملات - هل تعلم أن ذكرك لله هو وسيلة روحية تنطق بإسمك عند العرش بأنك من الذاكرين لله - هل ذكر الله بالتمجيد يجعل لك كرامة خاصة في السماء وفي الأرض - هل جذبة الذكر تجعلك روحاني الطبع - هل جذبة الذكر التي تمنعك عن السعي هي حال ناقص عليك تصحيحه - لماذا يقول بعض أهل الله: لا يغيب رسول الله عني.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني إيمانية وروحية

 (الجزء الثامن)

* فهرس:

:: مصطلح (جذبة الذكر) ::

1- س1: ما الذي نقصده بجذبة الذكر ؟

2- س2: هل للذكر حضور نوراني ملائكي ؟

- أولا:الملائكة في حال ذكرك لله بالمعاملات الطيبة مع الناس.

- ثانيا: الملائكة في حال ذكرك لله بالذكر التعبدي تمجيدا لله.

3- س3: هل تعلم أن ذكرك لله هو وسيلة روحية تنطق بإسمك عند العرش بأنك من الذاكرين لله ؟

4- س4: هل ذكر الله بالتمجيد يجعل لك كرامة خاصة في السماء وفي الأرض ؟

5- س4: هل جذبة الذكر تجعلك روحاني الطبع ؟

6- س5: هل جذبة الذكر التي تمنعك عن السعي هي حال ناقص عليك تصحيحه ؟

7- لماذا يقول بعض أهل الله: لا يغيب رسول الله عني؟

 **********************

..:: س1: ما الذي نقصده بجذبة الذكر ؟ ::..

 
- جاء في الحديث .. عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم! لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا) رواه الحاكم وقال: " صحيح الإسناد "..، ووافقه الذهبي ..، ووافقهما الشيخ الألباني في الصحيحة ج3 ص347.
 
- قوله (تفرغ لعبادتي): أي متبعا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .. وليس بمزاجك أنت ..!!
- قوله (املأ قلبك غنى): أي أكفي قلبك بذكري فلا تلتفت لغيري .
- قوله (أملأ يديك رزقا): أي لا تحتاج لأحد لأني متفضلا عليك من أبواب فضلي .
 
- وهذا التفرغ للعبادة يحتاج إلى جذب إلهي كالهداية لتكون لك معونة من الله .. وهذا الجذب له وسيلة هامة جدا وهي الذكر ..
 
- الجذب نقصد به هنا ما يجذب القلب للبقاء مع الله سواء بالإجتباء لخاصة الخلق كالأنبياء أو بالهداية لعموم الناس .. ومثال ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى13.
 
- والجذب قد يحدث بأسباب وقد يحدث بلا أسباب .. وما يهمنا هنا هو الكلام عن الجذب القلبي نتيجة الأخذ بالأسباب .. والأسباب هنا هي ذكر الله ..
 
- وجذبة الذكر .. نقصد بها الوسيلة التي يترتيب عليها جذب من الله لقلب المؤمن ليظل في معية الله جزاء لإحسانه من خلال اتخاذ العبد وسيلة الذكر إلى الله بصدق العبادة والمعاملة له .. أي سواء لذكرهم لله تعبدا أو لذكرهم لله بحسن معاملة خلقه ..
 
- وهذه الجذبة القلبية بسبب الذكر .. قد يترتيب عليها آثار ملموسة كالهداية والإنابة كما في الآية السابقة .. ولكن لها آثار أخرى مثل قلة رغبة وتعلق بالدنيا لانشغال القلب بالله .. وإن كانت هذه الجذبة لا تمنعه من تحقيق ما يأمله في الدنيا من فضل الله ولأن هذه الجذبة تجعله يسعى في الدنيا برضا بما يجريه عليه القدر ..
 
- وذكر الله في العموم هو كل عمل تفعله ترجو الله من وراءه أي يكون المقصد من وراءه ابتغاء مرضاة الله وعفوه وغفرانه .. سواء كان عبادة أو معاملة .. ويكفيك في ذلك قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) البقرة152.
 
- ويجمع كل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ..
- وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..
- وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..
- وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ..
- وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ ..
- وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ) صحيح مسلم.
 
- فالحديث بدأ المعاملات ثم بالعبادات للتنبيه عليها .. لأن المعاملات مع الناس بمساعدتهم هي دليل الإيمان الصادق الذي له تطبيق في الواقع ويكشف حقيقة إيمانك .. لأن بمساعدتك للمجتمع تسقط الأنانية من نفسك بمساعدتك لغيرك .. فتكون أطعت ربك بحثا عن ثوابه وساعدت إنسان وهذا له تكريم آخر من الله .. بخلاف العبادات التي فيها بحثا عن حظوظ نفسك فقط بحثا عن الثواب .. !! والله أعلم .
 
- وجذبة الذكر غالبا تحدث مع الذكر التعبدي في تمجيد الله .. لأن الإنسان يظل مداوما عليه ليلا ونهارا .. مما يسمح له بتواجد ملائكي مستمر من حوله ويترتب على ذلك آثار نورانية في النفس ..
 

 *************************

 

..:: س2: هل للذكر حضور نوراني ملائكي مع العبادات والمعاملات ؟ ::..

 
- اعلم أخي الحبيب ..
- أولا: أن الذكر له قوة جذب لعالم الأرواح الشريفة (الملائكة) طالما تذكر الله ابتغاء مرضاة الله وليس لحظوظ نفسك .. ودليل ذلك:
 
- أولا: الملائكة في حال ذكرك لله بالمعاملات الطيبة مع الناس:
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن رجلٍ يعودُ مريضًا مُمسيًا، إلَّا خرجَ معَهُ سَبعونَ ألفَ ملَكٍ يستَغفرونَ لَهُ حتَّى يُصْبِحَ، وَكانَ لَهُ خريفٌ في الجنَّةِ، ومن أتاهُ مُصبحًا، خرجَ معَهُ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يستغفرونَ لَهُ حتَّى يُمْسيَ، وَكانَ لَهُ خَريفٌ في الجنَّةِ) صحيح أبي داود .
- قوله (خريف في الجنة): أي بستان في الجنة.
 
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عادَ مريضًا ، أو زارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ ناداهُ مُنادٍ: أن طِبتَ وطابَ مَمشاكَ وتبوَّأتَ مِنَ الجنَّةِ منزلًا) صحيح الترمذي.
- قوله (في الله): أي محبة في الله طالبا منها الود لله .. وليس من أجل مصلحة من وراء هذه الزيارة .
- قوله (ناداه مناد): أي ملك من الملائكة (كما يظهر من رواية أخرى) .. ناداه داعيا له بأن قبل الله سعيه في الخير وأكرمه الله بالجنة منزلا جزاء له .
 
3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته مَلَكَا قال : أين تريد ؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية . قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله . قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم .
 
4- إذا لم ترد على المسيء أوجد الله لك ملك يدافع عنك .. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أنَّ رَجُلًا شتَمَ أبا بَكرٍ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالِسٌ، فجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعجَبُ ويتَبَسَّمُ، فلمَّا أكثَرَ؛ رَدَّ عليه بَعضَ قَولِه، فغضِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقامَ، فلَحِقَه أبو بكرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، كان يَشتِمُني وأنتَ جالِسٌ، فلمَّا ردَدتُ عليه بَعضَ قَولِه غضِبتَ وقُمتَ! قال: إنَّه كان معكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عنكَ، فلمَّا ردَدتَ عليه بَعضَ قَولِه؛ وقَعَ الشَّيطانُ، فلم أكُنْ لِأَقعُدَ مع الشَّيطانِ.
- ثم قال: يا أبا بكرٍ؛ ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: ما مِن عَبدٍ ظُلِمَ بمَظلَمةٍ فيُغْضي عنها للهِ عزَّ وجلَّ؛ إلَّا أعَزَّ اللهُ بها نَصْرَه، وما فتَحَ رَجُلٌ بابَ عَطيَّةٍ، يُريدُ بها صِلَةً، إلَّا زادَه اللهُ بها كَثرَةً، وما فتَحَ رَجُلٌ بابَ مَسأَلةٍ، يُريدُ بها كَثرَةً؛ إلَّا زادَه اللهُ عزَّ وجلَّ بها قِلَّةً) رواه البزار والطبراني .. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح‏ ..، وذكره الألباني في الصحيحة بأن إسناده جيد ..، وقال الأرنؤوط في تخريج أعلام النبلاء: حسن.
 
- قوله (يغضي عنها): أي يتجاوز عنها ولا يرد عليها إكراما لله ..
- قوله (باب عطية يريد بها صلة): أي جعل له باب صدقة لينفق مما أعطاه الله .. يريد بها صلة أرحامه خاصة أو صلة بالله على العموم بابتغاء رضاه جل جلاله ..
- قوله (باب مسألة يريد بها كثرة): أي يسأل الناس مرارا وتكرارا ليكثر من المال عنده .. وليس على قدر حاجته فقط ..!
- والله أعلم .
 
* وخلاصة ما سبق هو أن الاعمال مع الآخرين لها مدد نوراني ملائكي .. وذلك تكريما لعملك مع الله بالمحبة والإخلاص فيه .
 
- ثانيا: الملائكة في حال ذكرك لله بالذكر التعبدي تمجيدا لله:
1- يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) صحيح مسلم.
 
2- وفي حديث آخر: (إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ " قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ " .....) صحيح البخاري .
 
- قوله (يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ): يبحثون عنهم طالبين لهم ليجالسوهم ويستمعوا لذكرهم لله .
 
- قوله (هَلُمُّوا): أَيْ: تعالوا مسرعين .
 
- قوله (إِلَى حَاجَتِكُمْ): من استماع الذكر ومجالسة الذاكر .
 
- قوله (فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ): يديرون أجنحتهم حول الذاكرين وكأن أجنحتهم هيئتها مثل خيمة حول الذاكرين . 
 
3- ودليل آخر حتى لا تظن أن هذا حال الملائكة مع جماعة الذاكرين فقط .. لا .. وإنما مع كل ذاكر لله .. ولو منفردا .. ودليل ذلك ما جاء في قصدة الصحابي أسيد بن خضير حيث جاء في الرواية: (بيْنَما هو يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ، وفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ، إذْ جالَتِ الفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجالَتِ الفَرَسُ، فَسَكَتَ وسَكَتَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجالَتِ الفَرَسُ فانْصَرَفَ، وكانَ ابنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْها، فأشْفَقَ أنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إلى السَّماءِ، حتَّى ما يَراها، فَلَمَّا أصْبَحَ حَدَّثَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: اقْرَأْ يا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يا ابْنَ حُضَيْرٍ، قالَ: فأشْفَقْتُ يا رَسولَ اللَّهِ أنْ تَطَأَ يَحْيَى، وكانَ مِنْها قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فانْصَرَفْتُ إلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلى السَّماءِ، فإذا مِثْلُ الظُّلَّةِ فيها أمْثالُ المَصابِيحِ، فَخَرَجَتْ حتَّى لا أراها، قالَ: وتَدْرِي ما ذاكَ؟، قالَ: لا، قالَ: تِلكَ المَلائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، ولو قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إلَيْها، لا تَتَوارَى منهمْ) صحيح البخاري.. وقد رواه البخاري معلقا محذوفا بداية اسناده وابتدأه بالليث .. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم الْحَافِظ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن خَلاد حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن ملْحَان، حَدثنَا يحيى بن بكير، حَدثنَا اللَّيْث بن سعد حَدثنِي يزِيد بن الْهَاد.
 
- وفي رواية أخرى: عن البراء بن عازب قال: (كانَ رجُلٌ يَقْرَأُ سورَة الكَهْفِ وَإِلَى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْن، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدنُو، وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفرُ. فلَمَّا أصْبَحَ أَتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لهُ فَقَالَ: تلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآن) صحيح البخاري.
 
- معنى (شطنين) : مربوط بحبلين .
 
4- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من صلَّى عليَّ صلاةً .. لم تزَلِ الملائكةُ تُصلِّي عليه ما صلى عليَّ ، فلْيُقِلَّ عبدٌ من ذلك ، أو لِيُكْثِرْ) رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: حسن .
- وفي رواية بلفظ: (ما مِن مُسلِمٍ يصلِّي عليَّ إلَّا صلَّت عليهِ الملائِكةُ ما صلَّى علَيَّ فليُقلَّ العَبدُ من ذلِكَ أو ليُكثِرْ) صحيح بن ماجة .. وقال الألباني: حسن .
 
* مما سبق تفهم أن ذكر الله ابتغاء مرضاة الله .. له تكريم من الله بأن الملائكة تحضر معك تأنس بمجالستك لأنك تحب الله ومخلصا له في عملك لأنك تبتغي غفرانه وعفوه ورضوانه .. من خلال مرضاته بذكره وشكره وحُسن عبادته ..
 
- ولكن انتبه:
- لو ذكرت الله لغير ما وصفه الله لك .. كأنك تذكر الله لاستحضار جن أو جذب طاقة كونية أو ما شابه هذه الضلالات .. أو طلبا لشهوات نفسك المذمومة بحثا عن الرياء والشهرة والسمعة بين الناس من وراء هذا الذكر الذي تظن أنه سيكسبك كرامات نورانية تجعل منك شيخ وولي .. .. فاعلم أن الشيطان سيكون دليلك ومرشدك .. ولا تلوم غير نفسك ..!!
 

************************

 

..:: س3: هل تعلم أن ذكرك لله تمجيدا هو وسيلة روحية تنطق بإسمك عند العرش بأنك من الذاكرين لله ؟ ::..

 
- الذكر لله تمجيدا له خصوصية عطاء .. وهو وسيلة روحية غير معلوم كيفيتها .. إلا أن كل ما نعلمه أن ذكر الله تعبدا أو تمجيدا له .. ينتج عنه حالة روحية تذكر اسمك عند الله بالخير .. ودليل ذلك ما قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ ممَّا تذكرونَ من جلالِ اللهِ التسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ ينعطِفْنَ حولَ العرشِ لهنَّ دويٌّ كدويِّ النحلِ تُذكِّرُ بصاحبِها .. أمَا يُحبُّ أحدُكم أن يكونَ له أو لا يزالَ له من يُذكرُ به) صحيح بن ماجه..
 

***********************

 

..:: س4: هل ذكر الله بالتمجيد يجعل لك كرامة خاصة في السماء وفي الأرض ؟ ::..

 
- مع المداومة على ذكر الله ابتغاء مرضاته .. يحدث لك شيئين:
1- الشيء الأول: تشريف من الله لك .. بأنك يجعل من ذكرك له كأن له روح تذكر اسمك في الملأ الأعلى دليلا على إخلاص طلبك لله ..
 
- وكأن الله جعل لك مددا في السماء يذكر اسمك دلالة على أنك من المحبين لله فتكون أحق بدعاء ملائكة العرش فيك .. وهذا ممكن استنباطه من قوله تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) غافر7.
 
2- الشيء الثاني: تشريف من الله لك .. بأن يجالسك عالم النور وهم الملائكة المحبون لذكر الله ومجالس الذكر ..
 
- وكأن الله جعل لك مددا في الأرض من الملائكة السياحين لمؤانستك .. لإحاطتك بالسكينة والرحمة .. كشفا وبيانا من الله لك بأنك في معيته ورعايته .. كما جاء في الحديث (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) صحيح مسلم
 
* يبقى أصبح لك مددا لك في السماء بأذكار تنطق بإسمك عند العرش وبملائكة يستغفرون لك ، ومددا في الارض بكونه سمح لك بأن تذكره وبملائكة يرجون الرحمة لك من الله .. وذلك للدلالة على تكريمك وعلى أنك من أهل معية الله .. فضلا عن إحاطتك بالرحمة والسكينة والدعاء لك بالغفران ..
 
- وهذا المدد الإلهي لك .. يترتب عليه حال يظهر على بعض الذاكرين .. هو ما نسميه جذبة الذكر .
 

***********************

 

..:: س5: هل جذبة الذكر تجعلك روحاني الطبع ؟ ::..

 

(لماذا يقول بعض أهل الله: لا يغيب رسول الله عني؟)

 
- إذا عرفت أخي الحبيب ما ذكرته لك سابقا .. فاعلم أن المداومة على الذكر وما يلازمها من تكريم إلهي .. ينتج عن ذلك حال يحدث لبعض الذاكرين .. وهو جذبة قلبية عن الرغبة في الدنيا .
 
- يترتب على ذلك أن يحدث لك جذبة إلى عالم الأرواح .. ؟ يعني إيه الكلام ده ؟
- أي تصبح نفسك تميل إلى أن تكون روحي الطبع .. أي يغلب على نفسك أحوال الملائكة بدوام الطاعة دون انقطاع .. حتى يظهر ذلك في نفسك فتجد قلبك يذكر لوحده وكأن الله جعل فيه لسانا وشفتين .. وتجد عقلك يزن أمور الحياة بحكمة الشريعة .. وتشعر وكأن كل فعل لك تسعاه تجد من يقول بداخلك: انتبه هل تعلم ماذا كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الفعل ؟!! ..
 
- ومن هنا تفهم كلام أهل الله والعارفين حينما يقولون: لا يغيب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر في نفسه في كل سلوك يسلكه في حياته .. لأنه يريد أن يمحو نفسه بإثبات نفس النبي صلى الله عليه وسلم .
 
- الكلام السابق بأسلوب آخر:
- مع الجذبة الروحية من الذكر .. يصبح قلبك فيه نور يجعلك موصول بالله لا تغفل عنه وكأن القلب حاضر يدي الله راضيا بسكونه إلى الله .. فيحدث للإنسان حالة انطواء وزهد وقلة كلام .. لغلبة النور الإيماني على قلبه .. مما يزيد من إلتفاف الملائكة حولك ومصاحبتها لك بسبب هذا النور الساكن فيك من الله .. وهذا النور الرباني او الإيماني مع هذه المجالسة الملائكية النورانية .. ستجعلك لا تلتفت لغير الله حتى تظل في معية الله .. ولذلك تبدأ تظهر على الانسان أعراض الأنطواء في حياته أو يحب العزلة ويميل للخلوة بنفسه كثيرا‎ .. حتى لا يعصي الله قدر المستطاع .. ويلتزم جانب الطاعة قدر المستطاع ..
 
- أخي الحبيب ..
- أردتك فقط أن تعلم أن هذه الجذبة الروحية أو القلبية .. هي أمر طبيعي جدا ونتيجة متوقعة مع المداومة على الذكر .. وما يصاحب ذلك من أحوال باطنة في ارتقاء للذاكر بصفاته القلبية من إخلاص ورضا ويقين وتوكل وغير ذلك .. وقد يترتب على هذه الجذبة أيضا أحوال ظاهرة عزلة أو زهد وغير ذلك .. فلا تظن أنه أصابك مكروه أو حدث لك سحر أو أصابك مس أو ما شابه ذلك من كلام المخرفين الجاهلين بأحوال الذاكرين ..!!
 

*********************

 

..:: س6: هل جذبة الذكر التي تمنعك عن السعي هي حال ناقص عليك تصحيحه ؟ ::..

 
- اعلم أخي الحبيب .. أن الآثار المترتبه على جذبة الذكر .. مثل حدوث عزلة أو خلوة أو انطواء لا تمنع من تحقيق ما تريده من فضل الله في الحياة .. لأن هذه أحوال وإن كان ظاهرها الزهد أو العزلة إلا أن حقيقتها هي الزهد لتقويم النفس والعزلة عن المعصية .. وليس للإمتناع عن السعي في الحياة ..!! فانتبه لما قلته لك .
 
- وهذه الجذبة قد تقلل حركة البعض في مساعي الحياة لفترة .. لكثرة ما يغلب عليه من السكينة وراحة البال .. وليس لأن هناك من يمنعك عن السعي ..!!
 
- واحذر من استمرار حال الهدوء والسكينة التي تجعلك خامل عن السعي في الحياة ... لأن هذا يسمى حال ناقص .. ليه ؟
 
- لأن المؤمن يرتقي دائما في حالة إلى الله ليكون متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم له حال مع الله أو وقت لا يسعه فيه مجالسة أحد من الإنس ولا الملائكة ولا الجن كما كان يعتكف أو يقيم الليل .. فكان غالب أحواله مجاهدا في سبيل الله بنشر الدعوة ..، ومع الناس مرشدا لهم إلى ما يحب الله ..، ومعينا لهم على قضاء حوائجهم ..!!
 
- ولكن حال أهل الكمال وهم كثيرون لا تمنعهم جذبة الذكر عن الحركة في الحياة لقوة عزيمة أعطاها لهم الله لشدة تعلقهم بالنبي ورغبتهم أن يكونوا مثله .. فلا يغلبه حال السكينة عن حال عزيمة السعي في الحياة كسبا وعملا وتحقيقا بحال النبي صلى الله عليه وسلم .. !!
 
- وفي أحوال نادرة .. قد يحدث خمول كامل للنفس عن السعي في الحياة نتيجة غلبة سلطان الذكر على الذاكر فيجعله ساكنا دائما .. وغالبا ما يكون هذا السكون فيه كفايته أيضا في الحياة .. ولا يحتاج لسعي أكثر مما يفعله في حال وقته .. والله يكفيه بأقل القليل ..
 
- وهذا الحال السابق وهو غلبة سلطان الذكر على الذاكر حتى يقلل من حركة سعيه .. لا يجعل من الذاكر أن يتسول بما في أيدي الناس .. لأنه مكتفي بالله .. وغالبا رزقه يأتيه من حيث لا يحتسب .. وقد يكفيه الله بما يذكره به كرامة منه وفضلا .. ولكن يظل حاله الإيماني ناقص .. حتى يكون له ارتباط بالمجتمع .. لأن هذا الحال الإعتزالي الدائم ليس حال النبي صلى الله عليه وسلم .. !!
 
* وإلى هنا نكتفي بالكلام على جذبة الذكر .. وننتقل لمصطلح آخر .. إن شاء الله تعالى .
 
- وكما قلت لك ينتج عن جذبة الذكر .. أحول أخرى ..
- مثل حال الزهد .. الذي هو عدم الرغبة في رفاهية الحياة لعدم الحاجة إليها بسب سكون القلب مع الله .. فلا يريد الإنسان حينئذ أن يشغله شيئا عن الله .
 
- وكذلك ينتج حال الفناء .. وهو غيبة مؤقتة تحدث للذاكر ويشعر فيها وكأنه واقف بين يدي الله يناجيه .. ولا يشعر بأي شيء مما حوله وكأنه انفصل عن عالم المادة تماما ..!! 
 
- وهذا يجعلنا نتكلم قليلا عن حال الزهد وحال الفناء .. كأحوال ناتجة عن الذكر .. ونخصص لحال الزهد ما يترتب عليه من (عزلة وخلوة واعتكاف) .. لتتعرف على أحوال جذبة الذكر لبعض أهل الله .. وحتى تبصر أنه ليس من أحوال الذكر أن يضيعك الله ولا أن يسلبك عقلك .. كما يزعم من يزعم .. وحتى تكون على بصيرة و لا يضللك جاهل بكلام لا وجود له في الدين ..!!

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .