ج19: رسالة الإحسان خواطر قلبية - من هم أهل التصريف - هل أهل التصريف يعملون بطرق ظاهرة ومرئية - ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الظاهر.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني ايمانية وروحية

 (الجزء التاسع عشر)

* فهرس:

:: مصطلح (أهل التصريف) ::

1- س1: من هم أهل التصريف ؟

2- س2: هل أهل التصريف يعملون بطرق ظاهرة ومرئية ؟

3- س3: ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الظاهر ؟

***************************

(مصطلح أهل التصريف)

***************************

..:: س1: من هم أهل التصريف ؟ ::..

 

- أخي الحبيب .. هناك مصطلح آخر يتم تداوله كثيرا وهو مصطلح أهل التصريف .. والذي يغلب تداوله عند من ينتمون للطرق الصوفية .. وإن كان غلب على هذا المصطلح كثيرا من التحريف لأسباب سيتم ذكرها لاحقا إن شاء الله تعالى.

 

- وقبل أن أجيبك على هذا السؤال فعلينا أن نفهم شيئين :

- الأول: أريدك أن تفهم الآتي جيدا :

1- وهو أن الله هو المتصرف والقادر على إيجاد حلول لكل شيء .. لأن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق2-3.

- ويقول تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) الطلاق4.

- ويقول تعالى (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ..) الأنعام64.

- ويقول تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يونس107.

- ويقول تعالى (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة117.

 

2- يبقى نفهم من كلمة (مَخْرَجًا) وجملة (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وجملة (فَهُوَ حَسْبُهُ) وجملة (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) وجملة (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) وجملة (فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) وجملة (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .. فكل هذه الإشارات اللفظية تدل على أن الله المتصرف الوحيد في الوجود بقدرة من ذاته وله المقدرة على تغيير مجريات الأمور بكن فيكون هو الله جل جلاله.

 

3- ويتضح جيدا أن يجعل لك مخرجا أي تصريفا لكل ضيق وكرب ومشكلة .. بل وله تدبير خفي أنت لم تكن تظنه ولا تحتسبه (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ..!!

 

4- فاللجوء إلى الله هو دليل على صدق توجهك وعبوديتك لله .. ثم اتركه هو يدبر لك أمرك سواء كان بأسباب يوجدها لك أم يحل لك امورك بطريق خفي أنت لا تعلمه .. فلا تشغل بالك طالما فوضت أمرك لله .. وتأدبت ظاهرا بأخذ الأسباب وسعيت .

 

- الثاني:  أريدك أن تعرف ما معنى كلمة تصريف ؟!!

1- الصرف: معناه التحويل من جهة إلى جهة أخرى أو من حال إلى حال ..

- ولفظ التصريف .. هو تفعيل من الصرف .. والمقصود به المبالغة في تحقيق الفعل كلما تطلب الأمر .. أي يفيد التكثير في تحقيق الفعل ..

 

- فتصريف الأمور: هو تحويلها من حال عسر إلى حال يسر .. أو من حال ضيق إلى حال سعة .. أو من حال قبض إلى حال بسط .. أو من حال منع إلى حال عطاء .. أو من حال ضر إلى حال نفع .. وهكذا ..

 

2- ولفظ التصريف نجده في قوله تعالى: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة164.

- وتصريف الرياح هو تقليبها في الجهات المختلفة، ونقلها من حال إلى حال، وتوجيهها على حسب إرادته ووفق حكمته.

- ولفظ التصريف .. له ألفاظ أخرى مشتقة منه في القرآن .. وقد اكتفيت لك بما هو ظاهر من لفظة ..

 

3- والمتصرف من العباد:

- المتصرف: هو من لديه قدرة أو معونة في حل الأمور .. فيقال نريد شخصا ما يتصرف في هذه المشكلة .. أي متصرفا يتصرف في المشكلة .. بأن يوجد لها حل .

 

- التصريف في أحوال العباد: هو توجيه أو تحويل الأمور لما فيه منفعه للغير أو صرف ضر عن الغير ..

 

4- فأهل التصريف في مفهوم أهل الله .. موجودون في كل زمان ومكان .. يقضون حوائج الناس بما أعطاهم الله .. ابتغاء مرضاة الله ..

- فهم جماعة من المؤمنين يبتغون مرضاة الله ، لديهم قدرة ممكنة في تسيير الأمور المتوقفة بما أعطاهم الله من فضله .. فييسرون أحوال العباد من حال توقف إلى حال حركة وبركة .. أو من حال الشر إلى حال الخير .. أو حال الضيق إلى حال الفرج .. وهكذا ..

 

5- وتستطيع أن تقول أن أهل التصريف .. هم أهل قضاء الحوائج للغير .. أو أهل الإحسان إلى الغير .. أو أهل الشفاعة الحسنة في الغير .. أو أهل المعونة والخير مع الغير .. أو أهل النجدة للغير .. بشرط أن يكون هذا حالهم الدائم مع العباد كلما استطاعوا ذلك .. وبشرط أن يكون فعلهم ابتغاء مرضاة الله .. ولذلك هم في معية الله يرعاهم ويحسن إليهم ..

- ولذلك يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل 128.

- ولفظ (اتقوا) : أتى به بصيغة الفعل الماضي .. للدلالة على تحقيق التقوى فيهم لأنها من لوازم الإيمان ..

 

- ولفظ (محسنون): أتي به بصيغة الأسم .. للدلالة على أنها صفة ثابته في النفس وراسخة فيها بدوام الإحسان منهم قولا وعملا ..

 

6- وأهل التصريف لهم وسائط في تحقيق الأمور .. قد تكون وسائط مادية (كاستخدام المال أو النفوذ والسلطة أو العلم ) أو معنوية (بالدعاء أو التوجيه والإرشاد) ..

 

7- غاية أهل التصريف: ابتغاء مرضاة الله .. ولا يريدون جزاء ولا شكورا .. كما قال تعالى في وصف حال من يطعمون الطعام للمحتاجين (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) الإنسان9.

- أي لا نريد منكم مكافأة أو تعويض لما قدمناه لكم .. ولا نريد منك أن تظهرونا بأننا أصحاب فضل عليكم .. لأن كل ما فعلناه إنما هو حبا في الله ..

 

8- قلوب أهل التصريف: تفويض الأمر لله والرضا بما قسمه الله .. ولهم عزيمة عمل مع الله ابتغاء مرضاته.

 

 **********************

 

..:: س2: هل أهل التصريف يعملون بطرق ظاهرة ومرئية ؟ ::..

 

- أخي الحبيب .. أهل التصريف هم على قسمين .. قسم له تيسير من الله له في عالم الظاهر .. وقسم له تيسير من الله في عالم الباطن ..

 

- وفي الإجمال أهل التصريف .. هو كل من يقدم يد المعونة بلا تردد وبلا توقف مهما حدث له من أذى الناس .. لأنه ارتضى أن يكون خادما لله وجندا من جنوده .. بما أعطاه الله من فضله ..

 

- وهذه الخدمة يقصد بها العناية بالطاعة وعدم المخالفة لله .. لأن الخادم مطيع لسيده ومتبعا له .. أي يخدمونه بالعبودية له جل جلاله .. فهم خداما أي عبادا لله متوكلون عليه ويهتمون بالإخلاص له قولا وعملا وسعيا في الأرض .. 

- وأهل التصريف .. كحال كل رتبة عند الله .. هم درجات ومقامات بقدر عبودية وإخلاص كل واحد في حاله مع الله ..

  

- وأهل التصريف على صنفين:

- الصنف الأول: وهم أهل التصريف في الظاهر .. من عالم المرئيات .. وهم الذين يأتون إليهم الناس فيسعون في قضاء حوائج الناس .. وقد يتدخلون فجأة للمساعدة إن وجدوا لزوم المساعدة وكانت في استطاعتهم .. وقد يسمون بأهل النجدة .. أي الذين ينجدون الناس في أزماتهم.

 

- الصنف الثاني: وهم أهل التصريف في الباطن .. من عالم الغيبيات .. وهؤلاء صنفين:

1- من تأتيهم هواتف روحانية بمساعدة بعض العباد .. ويتبعون هذه الهواتف ويقومون بتنفيذها .. كمن يرى رؤيا بمساعدة إنسان .. أو يسمع هاتفا يقول له اذهب للمكان الفلاني ستساعد إنسان .. أو ينهض للشفاعة الحسنة في حق إنسان ..

- وحينما ترى القلوب هذه المرائي أو تسمع لهذه الهواتف .. فإنها تستجيب فورا دون تراخي .. وكأنه أمر لها بأن تتحرك .. لأنها تعرف أنها تعمل في خدمة الله .

 

2- من يساعدون بطريق روحاني أنت لا تعلمه وقد لا تعلمه .. مثل الذين يدعون بظهر الغيب .. ومثل الذين يستخدمون قواهم الروحانية في دفع الأذى عن البعض دون ان يقولون لأحد أن يفعلون ذلك .. وهناك من يقومون بتوصيل المال للمحتاجين في أماكنهم ولا يعلم هذا المحتاج كيف أتاه المال ..!! وهناك من يرشد بصوته روحانيا توجيها لبعض الناس ليحجبهم عن الغلط أو ليمنعهم عن خطر أو ليرشدهم لخير ..

 

- والمساعدة بطريق الغيب لها طرق كثيرة .. وأهلها أخفياء .. وهذه المساعدة تندرج تحت التصريف الإلهي الخفي .. أو ما يسمى باللطف الإلهي الخفي .. والجميع يندرج تحت قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) المدثر31.

-  ومثال ذلك في القرآن .. سيدنا الخضر .. والذي عنده علم من الكتاب .. 

- وكذلك ما جائنا عن عمر بن الخطاب أنه من الملهمون من الله .. وله حادثة مشهورة في قصة مع قائد جيشه سارية .. حينما نادى عمر عليه وكان بالمدينة وسارية في العراق .. وقال له عمر (يا سارية الجبل) أي احتمي به من العدو .. 

 

- وغالبا ما يكون حال هؤلاء المتصرفون في خفاء .. هم نوع من الأخفياء بين العباد .. وقلت لك هم نوع من الأخفياء .. لأن الأخفياء ليسوا دائما هم المتصرفون في قضاء حوائج العباد .. وإنما قد يكونوا أخفياء في عبادتهم لله لشدة إخلاصهم له جل جلاله .. ففي الحديث من طريق اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ) رواه الحاكم.

 

* من شرح الحديث:

- قوله (الأخفياء): الذين أخفوا أحوالهم مع الله حتى يحافظو اعلى إخلاصهم معه .. ومنهم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنه).

 

- قوله (لم يفتقدوا): لَمْ يُطلبوا لمعرفة حالهم، ولا يلتفت أحد من الناس إلى معرفة حالهم ومكانهم .. لقلة شأنهم عند الناس .

 

- قوله (لم يعرفوا): مجهولون عن الناس عند حضورهم بينهم .. حيث لم يشتهروا عند الناس بعلو المكانة والمنزلة والنفوذ والسلطة والمال والعلم ..  

 

- قوله (قلوبهم مصابيح الهدى): أي لهم قلوب منيرة بالحق لأنفسهم ولغيرهم .. لأن الله رزقهم نور البصيرة ..

 

- قوله (يخرجون من كلّ غبراء مظلمة): أي يعتزلون من كل فتنة ومشكلة وجهالة مفسدة للقلوب والنفوس المؤمنة .. لأن نور الحق في قلوبهم يصرفهم عن هذه الفتن والمشاكل والجهالات .

 

- تحقيق الحديث:

- قال الإمام الحاكم في تعليقه على الحديث السابق: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدِ احْتَجَّا جَمِيعًا بِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الصَّحَابَةِ، وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ مِصْرِيٌّ صَحِيحٌ وَلَا يَحْفَظُ لَهُ عِلَّةٌ .. ووافقه الذهبي وقال: صحيح ولا علة له .

 

- وقال الشيخ الأرنؤوط في تحقيق سنن بن ماجه ج5 ص147: وعياش بن عباس لا يُعرف بتدليس، وزيد بن أسلم مات بعده بثلاث سنين. والليث أثبت من نافع بن يزيد، فإن ثبت سماع عياش لهذا الحديث من زيد، فالإسناد صحيح.

 

- وقال الدكتور أبو سليمان الدوسري في الرَّوضُ البَّسَام ج5 ص66 : والليث أثبت وأحفظ من نافع، كما أن عيّاشًا لم يُوصف بتدليس، وهو معاصرٌ لزيد، فقد توفي سنة (133) أي قبل وفاة زيد بثلاث سنين. فالظاهر أنه سمعه ابتداءً بواسطة عيسى، ثمّ شافهه به زيد بلا واسطة، وعليه فيتّجه تصحيح الحاكم لهذا الإسناد، والله أعلم.     

 

- وقال الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله في تنبيه القارئ لتقوية ما ضعفه الألباني ج1 ص99 : قال الحاكم: هذا حديث صحيح ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا ولعل المؤلف (أي الشيخ الألباني) لم يقف على هذا الإسناد ولذلك لم يعز إليه، وإنما عزاه إلى ابن ماجة وإسناد ابن ماجة ضعيف، وأما هذا فقد احتج أهل الصحيح برواته.

 

- ملحوظة هامة جدا: ستجد البعض يضعف هذا الحديث .. بسبب تضعيف الشيخ الألباني له في ضعيف بن ماجة وضعيف الجامع والسلسلة الضعيفة وضعيف الترغيب .. وهذا كلام صحيح من الشيخ الألباني في تحقيقة لما ذكره من أسانيد .. إلا أنه لم يطلع على كل روايات الحديث وخاصة روايات إسناد الحاكم .. حيث أن الحاكم رواه من ثلاث طرق .. وقد حقق الشيخ الألباني طريقين ولم ينتبه للطريق الثالث .. وهو الذي عليه التصحيح عند عموم العلماء وهو طريق الليث بن سعد الذي أثبته هنا لك أخي الحبيب .. !! وراجع كلام الشيخ عبد الله الدويش السابق .. 

 

********************

 

..:: س3: ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الظاهر ؟ ::..

 

- أخي الحبيب .. قد تظن أنه لا وجود لأهل التصريف في الشريعة الإسلامية وهذا خطأ منك .. لأن أهل التصريف هم أهل المعونة والإحسان والمساعدة والخير .. ولكن لفظ التصريف إنما قاله البعض لوصف قدرة هؤلاء على تغيير الأحوال بما أعطاهم الله من فضله وكرمه .. 

 

- أولا: من الأدلة على وجود أهل التصريف في الظاهر:

1- قال تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾ النساء85.

 

- معنى الشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة مشروعة له، أو دفع مضرة عنه .

 

2- قال تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ المائدة2.

 

3- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ ، مغاليقَ للشَّرِّ ، وإنَّ منَ النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ مغاليقَ للخيرِ ، فَطوبى لمن جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيهِ ، وويلٌ لمن جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يديهِ) صحيح بن ماجه .. بمجموع طرقه .

 - وقوله (مفاتيح): أي أعطاهم أسباب فتح أبواب الخير للغير على يديهم من مال وعلم وإرشاد ومعونة ونجدة وغير ذلك .. وكأن لفظ المفاتيح دليل على أن هؤلاء هم وسائل وأسباب يتم من خلالها الوصول للخير .. والله أعلم .

- قوله (مغاليق): أي أعطاهم الله القدرة على غلق أبواب الشر والفتن.

- قوله (فطوبى): أي فطيبا وهنيئا لهم .. أولئك لهم معيشة طيبة وعاقبة محمودة ..

  

4- قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَزَائِنَ مِنَ الْخَيْرِ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ) رواه الطبراني وغيره .. وذكره الألباني في صحيح الجامع بأنه حديث حسن .. وضعفه آخرون.

- قوله (مفاتيحها الرجال): ليس لأن النساء ليسوا من أهلها .. لا .. وإنما لغلبة هذه العزيمة عند الرجال من تحصيل العلم والقوة والمعونة والنجدة .. وقد يكون مقصود الرجال هنا على سبيل المجاز فيشمل كل من له قوة وعزيمة في فعل الخيرات . والله أعلم . 

  

5- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ) صحيح البخاري.

 

- قوله (ويقضي الله على لسان نبيه):  أي وأنكم إِذا شفعتم إِلَيّ فِي حق طَالب الْحَاجة فَقضيت حَاجته بِمَا يقْضِي الله على لساني فِي تَحْصِيل حَاجته .. حصل للسَّائِل الْمَقْصُود، وَلكم الْأجر.

 

- وفي الحديث دلالة على أن مجرد السعي للشفاعة هو له أجر بدليل قوله (اشفعوا تؤجروا) .. وذلك غير أجر تحقيق المطلوب من وراء الشفاعة .. لأن تحقيق النتيجة المرجوة منها في علم الله ..!!

 

6- قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما مِنْ عبدٍ أنْعم الله عليه نِعْمةً فأسْبَغَها عليه، ثُمَّ جعلَ مِنْ حوائجِ الناسِ إليه فتَبَرَّمَ؛ فقدْ عرَّض تلكَ النِّعْمَة لِلزَّوالِ) رواه الطبراني .. وقال المنذري اسناد جيد .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه حسن .

 

- قوله (فتبرم): أي سخط وتضايق من قضاء حوائج الناس ..

 

7- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أقْواماً اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنَافعِ العِبادِ، يُقرُّهُم فيها ما بَذلُوها، فإذا مَنَعُوها نَزَعها منهم، فَحوَّلها إلى غَيْرِهِمْ) رواه الطبراني .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه حسن لغيره .

 

8- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ .. 

- وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..

- وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ..

- وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ ..

- وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ .. 

- وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ) صحيح مسلم.

 

- قوله (نفَّس عن مؤمن): أي رفع عنه كرب أو مشقة أو حزن أو بلوى أو مصيبة ..

 

9- عن عبد الله بن عمر قال: (قِيلَ: يا رسولَ اللَّهِ .. 

- مَن أحبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ؟ قال: أحبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ تعالى أنفَعُهم للنَّاسِ .. 

- وأحبُّ الأعمالِ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ سُرورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تَقْضي عنه دَيْنًا، أو تطرُدُ عنه جوعًا ..

- ولَأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكِفَ في هذا المسجِدِ -يَعْني مسجِدَ المدينةِ- شهرًا ..

- ومَن كَفَّ غضبَهُ ستَرَ اللَّهُ عَورتَهُ .. 

- ومَن كظَمَ غَيظَهُ ولو شاء أنْ يُمضيَهُ أمضاهُ ملَأَ اللَّهُ قلبَهُ رجاءً يَومَ القيامةِ .. 

- ومَن مشَى مع أخيهِ في حاجةٍ حتَّى تتهيَّأَ لهُ أثبَتَ اللَّهُ قدمَهُ يَومَ تزولُ الأقدامُ ..

- وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفسِدُ العملَ كما يُفسِدُ الخَلُّ العسلَ) رواه الطبراني ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء .. وقال الأرنؤوط في تخريج أعلام النبلاء: إسناده حسن ..، وذكر الألباني في الصحيحة.

 

- قوله (ومَن كَفَّ غضبَهُ ستَرَ اللَّهُ عَورتَهُ .. ): أي من منع غضبه عن فضيحة أحد من العباد قد عرفها عنه .. فإن الله يستره .. كما ستر على أخيه ..

 

10- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ) صحيح البخاري.

- قوله (لا يسلمه): أي لا يتركه واقع في الظلم .. فيحاول مساعدته قدر استطاعته ليرفع الظلم عنه .. ولا يتركه في مصيبة نزلت به حيث يحاول مساعدته قدر المستطاع .

 

11- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرِضتُ فلم تعدني - (تَزُرْني) - قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك، فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي) صحيح مسلم .

- قوله (لو عدته): أي لو قمت بزيارته .

 

- فهؤلاء القائمون بمعونة الناس ومساعدتهم وجبر خاطرهم .. هم أهل الخير والمتصرفون بالخير في عباد الله بما أعطاهم الله .. فحاول أن تكون منهم أخي الحبيب .

 

12- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فقالوا: يا نَبِيَّ اللَّهِ، فمَن لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يَعْمَلُ بيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: يُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ .. قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَلْيَعْمَلْ بالمَعروفِ، ولْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ .. فإنَّها له صَدَقَةٌ) صحيح البخاري.

 

- وقوله (فإنها له صدقه): أي كل الأعمال المذكورة تكون له صدقة إن فعلها .. فالصدقة تكون بالمال أو بالعمل والمجهود .. أو بعمل الطاعات مع الله أو بترك المعاصي والابتعاد عن الشر ..

 

- قوله (فيُعينُ صاحِبَ الحاجةِ المَلهوفَ): وهو العاجِزُ أو المظلومُ .. وكذلك كلُّ مَن وقعَتْ له مُصيبةٌ واستغاثَ عليها. 

- فكن من أهل المعونة أخي الحبيب .. واعلم أنها تحسب لك صدقة عند الله يكافئك عليها ..

 

* أخي الحبيب .. 

- كل ما سبق من أعمال أهل التصريف الذين يتصرفون في الخير للغير .. وحالهم هو الدوام على ذلك دون سخط أو ملل .. ويبتغون من وراء أعمالهم رضا الله ولا يريدون مصلحة ولا تعويض .. فقد جعلهم الله مفتايح للخير وموصولين برحمته جل جلاله .. 

 

* من أقوال السلف رضي الله عنهم:

1- قال مطرف بن عبدالله بن الشِّخير رحمه الله لصاحب له: "إذا كانت لك إلي حاجة، فلا تكلمني فيها، ولكن اكتبها في رقعة، ثم ارفعها إلي، فإني أكره أن أرى في وجهك ذلَّ المسألة"؛ (القناعة والتعفف؛ لابن أبي الدنيا، ص 31).. وعبد الله بن الشخير هو تابعي بصري ومن أاحد رواة الحديث النبوي وهو ثقة عدل .

 

2- قال محمد بن المنكدر رحمه الله: "لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان"؛ (آداب الصحبة؛ لأبي عبدالرحمن السلمي، ص 102، رقم 150).. ومحمد بن المنكدر هو من التابعين الثقات .

 

**************************

4: ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الباطن ؟ ::..

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية.