ج20: رسالة الإحسان خواطر قلبية - ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الباطن - وما هي أنواع القسم على الله - هل هناك أدلة على أن النبي كان متصرفا بالدعاء وبالفعل (من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم) .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الإحسان

مفاهيم وخواطر قلبية حول معاني ايمانية وروحية

 (الجزء العشرون)

* فهرس:

:: مصطلح (تابع / أهل التصريف) ::

1- س4: ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الباطن ؟ وما هي أنواع القسم على الله ؟

2- س5: هل هناك أدلة على أن النبي كان متصرفا بالدعاء وبالفعل ؟ (من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم) .

***************************

(تابع/ مصطلح أهل التصريف)

***************************

..:: س4: ما هي الأدلة على وجود أهل التصريف في عالم الباطن ؟ ::..

 

- أخي الحبيب .. قبل أن تقرأ الأدلة على وجود تصريفا من طريق الغيب .. فالأدلة هي إثباتات على وجود طرق لله غيبية يتم من خلالها تحقيق أمور وجودية .. من أهم هذه الطرق هي الدعاء لله .. سواء الدعاء مباشرة للشخص أو بظهر الغيب ..

 

- وإذا ثبت وجود طرق غيبية لتحقيق موجودات .. فهذا يثبت لك وجود رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد أجرى على أيديهم الخير للغير من واسع فضله وكرامته عليهم .. فانتبه .

 

- ثانيا: من الأدلة على وجود أهل التصريف في الباطن بالدعاء إلى الله:

1- في الحديث من طريق اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ) رواه الحاكم وقال حديث صحيح .. ووافقه الذهبي وقال: صحيح ولا علة له .. وهذا التصحيح من طريق غير الطريق الذي ضعفه به الألباني .. فانتبه ..!! وسبق أوضحت تخريجه بالتفصيل في الجزء السابق .. فارجع إليه لو أحببت .

 

- سبب الإستدلال بهذا الحديث .. ستعرفه بعد قليل مع قصة البراء بن مالك وقصة أويس القرني .. فاحدهما صحابي والثاني تابعي وكلاهما كان متصرفا بالدعاء .. وكلاهما كانا أتقياء وأخفياء لم يعرف حالهما إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

* من شرح الحديث:

- قوله (الأخفياء): الذين أخفوا أحوالهم مع الله حتى يحافظوا على إخلاصهم معه .. ومنهم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) صحيح البخاري.

 

- قوله (لم يفتقدوا): لَمْ يُطلبوا لمعرفة حالهم، ولا يلتفت أحد من الناس إلى معرفة حالهم ومكانهم .. لقلة شأنهم عند الناس .

 

- قوله (لم يعرفوا): مجهولون عن الناس عند حضورهم بينهم .. حيث لم يشتهروا عند الناس بعلو المكانة والمنزلة والنفوذ والسلطة والمال والعلم .. 

 

- قوله (قلوبهم مصابيح الهدى): أي لهم قلوب منيرة بالحق لأنفسهم ولغيرهم .. لأن الله رزقهم نور البصيرة ..

 

- قوله (يخرجون من كلّ غبراء مظلمة): أي يعتزلون من كل فتنة ومشكلة وجهالة مفسدة للقلوب والنفوس المؤمنة .. لأن نور الحق في قلوبهم يصرفهم عن هذه الفتن والمشاكل والجهالات .

 

- من قصص الأخفياء الذين أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ولهم تصرف بالدعاء:

 

أ- البراء بن مالك .. رضي الله عنه .. متصرفا بالدعاء.

- قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كم من أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ له لو أَقْسَمَ على اللهِ لَأَبَرَّه منهم البَرَاءُ بنُ مالكٍ) صحيح الترمذي.

- قوله (أشعث): أي شعر رأسه متفرقا .. لا يملك مشطا ليقوم بتسريحه ..

- قوله (أغبر) أي يعلوه عفرة وتراب على ملابسه نتيجة السفر أو النوم على الأرض ..

- قوله (ذي طمرين): أي ثوبين ممزقين .. لأنه لا يملك غيرهما .

- قوله (لا يؤبه): لا يلتفت إليه الناس وينفرون منه .. لأنه غير ذي قيمة لهم لشكله الذي يرونه عليه .. ومع ذلك فهو ذو كرامة عند رب العالمين لأنه خاضعا لربه تعالى متحققا بما أمره به الله ورسوله .

- قوله (لو أقسم على الله لأبره): أي لو طلب من الله تعالى أمراً لأجاب دعاءه .. أو لو قال أقسمت عليك يارب أن تفعل كذا .. لفعل الله كذا .. أو يقول بحقك يارب افعل كذا .. فيفعل الله كذا ..

- والقصد هو أقسمت بك عليك يارب أن تفعل كذا .. (وذلك من باب حسن الظن بالله ويقينا فيه – وليس من باب الإعتقاد في النفس أنه مستحق لما أقسم به على الله) .. فانتبه ..!!

 

- وحينما تقول لشخص أقسمت عليك بالله أن تسامحني .. فمعناه هو أنني جعلت الله وسيلتي إليك متشفعا به في أن تسامحني .. والله أعلم .

 

- وهناك نوع من القسم على الله عاقبته الخسران المبين .. وهو القسم بسلب الرحمة .. أي بأن الله سيسلب عن فلان رحمته .. فالذي أقسم بذلك لابد أن في نفسه محتقرا لغيره ومعجبا بعمله ومعتقدا في نفسه قبول أعماله وأنه صاحب كرامة على الله ..!! وهذا النوع من الناس هو الذي يتألى على الله أي يحلف على الله بأنه سيسلب رحمته وغفرانه عن فلان .. فيحكم على العباد بأحكام إلهية أخروية هي من حق الله وحده .. كما جاء في الحديث (أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ) صحيح مسلم .

 

- قوله (أحبطت): أي أبطلت عملك .. وقد يكون المقصود من الإحباط هو تكذيب المتألي على الله فيما ظنه من سلب الله رحمته بالعاصي .. فيعاقبه على هذا الكذب على الله .. والله أعلم .

 

- وهناك قسما بالله عليه بجلب الرحمة والخير .. من باب حسن الظن بالله ويقينا في رحمته .. وليس حكما على الله ولا اعتقادا في النفس بأنها صاحبة كرامة على الله ..!! مثل ما فعله البراء بن مالك في القصة التالية .

 

 - فمن قصص البراء بن مالك في كونه يتصرف بالدعاء "في خلافة عمر بن الخطاب": 

- قال أخيه أنس بن مالك: (إِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَوْجَعَ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ» ، فَقَالُوا: يَا بَرَاءُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّكَ لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّكَ، فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ» ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، ثُمَّ الْتَقَوْا عَلَى قَنْطَرَةِ السُّوسِ، فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا بَرَاءُ، أَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لِمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ، وَأَلْحَقْتَنِي بِنَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ، وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا) رواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد .. ووافقه الذهبي .

- قوله (منحتنا أكتافهم): أي مكنتنا منهم وأيدتنا عليهم .

- قوله (قنطرة السوس): مكان بجنوب فارس (إيران) .

 

ب- ومن الصحابة الذين لهم تصريف بالدعاء كان أويس القرني رضي الله عنه :

- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن خير التابعين رجل يقال له أويس. وله والدة، وكان به بياض. فمروه فليستغفر لكم) صحيح مسلم.

 

- عَنْ أُسَيرِ بْنِ جَابِرٍ، قَال: (كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، إِذَا أَتَى عَلَيهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيسٍ. فَقَال: أَنْتَ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَم. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِها بَرٌّ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ". فَاسْتَغْفِرْ لِي .. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.

فَقَال لَهُ عُمَرُ: أَينَ تُرِيدُ؟ قَال: الْكُوفَةَ. قَال: أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَال: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ.

قَال: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهمْ. فَوَافَقَ عُمَرَ. فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيسٍ. قَال: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ ..

قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَأتِي عَلَيكُمْ أُوَيسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ. إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَم. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَأَتَى أُوَيسًا فَقَال: اسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أسْتَغْفِرْ لِي. قَال: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. قَال: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَال: نَعَمْ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ. فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ.

قَال أُسَيرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً. فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَال: مِنْ أَينَ لأُوَيسٍ هذِهِ الْبُرْدَةُ؟) صحيح مسلم.

- قوله (أمداد أهل اليمن): جمع مدد، وهم الجماعة الغزاة الذين يأتون لتقوية جيش خرج قبلهم. وكانت الأمداد تأتي إلى المدينة، فترسل إلى الشام والعراق في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

 

- قوله (لو أقسم على الله لأبره): أي لو قال اقسمت عليك يارب أن تفعل كذا .. لاستجاب له الله .. أي لو دعا لاستجاب له الله .. ، وهناك رأي آخر قال أنها بمعنى لو حلف بالله بأن الأمر يكون كذا فإن الله يظهره كذلك حتى يبر قسمه.. والله أعلم .

 

- (من مراد): أي من قبيلة مراد في اليمن ..، (من قرن): أي فرع من فروع قبيلة مراد اسمها قرن ..

 

- قوله (رث البيت): هو بمعنى لديه متاع متهالك وفي حالة من ضيق العيش الشديد.

 

- قوله (ألا أكتب لك إلى عاملها): أي أكتب لك توصية إلى العامل على بيت المال في الكوفة ليجعل لك نصيبا من بيت المال ..

 

- (مع غبراء الناس): أراد أن يكون مع الضعفاء الذين لا يُلتفت إليهم ..، وقد أراد أويس أن يكون غير معروف بحيث لا يُلتفت إليه، طالباً السلامة من فتنة العجب ..

 

- (أحبُّ إلي) من أن أكون مشهورًا بين الناس مرتزقًا من بيت المال .

 

- (فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) يحتمل أن يكون هذا من تتمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، يحكيه عمر، ويحتمل أن يراد به وصية من عمر للرجل.

 

- قوله (فأتى أويسا): أي أن الرجل الذي سمع قصة أويس من عمر .. ذهب إلى أويس .. وقال له استغفر لي يا أويس .

 

- قوله (أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي): أي قال له أويس أنت أفضل مني فأنت قد جئت من سفر الحج وتكون مباركا فأنت الذي تستغفر لي .. !! ثم كرر الرجل الطلب على أويس وكرر أويس عليه نفس الرد .. ثم كرر الرجل الطلب مرة ثالثة .. وهنا فهم أويس أن هذا الرجل قابل عمر بن الخطاب وحكي له ..!! وفعلا استغفر له أويس ..

 

- قوله (ففطن له الناس) وانتبه الناس لحال أويس القرني وعلموا ما قاله فيه النبي صلى الله عليه وسلم .. وأخذوا يطلبون منه الاستغفار.

 

- قوله (فانطلق على وجهه): رحل عن الكوفة لما اشتهر أمره بين الناس .. وترك كل شيء حتى يظل مختفيا ولا يعلم حاله احد من الناس ..

 

- قوله (قال أسير: وكسوته بردة): أي قال أسير راوي القصة أنه أعطى أويس كسوة مثل العباية .. فقبلها منه ولبسها .

 

- قوله (فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟ ): استغرابا وتعجبا، حيث لا يملك ثمن بردة، ولم يتعود لبس مثلها.

 

- ونجد في الحديث:

- واستحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح .

- فضيلة عدم الشهرة والظهور بمظهر الولاية بين الناس، وكتم حال الصلاح .. وفضيلة بر الوالدين .. وفضيلة العزلة .

 

 - وكان أويس القرني رضي الله عنه من أولياء الله المختفين الذين لا يعرفهم احد ولا يلتفت إليه أحد .. لشدة فقره وضعف معيشته التي يعيشها من ضيق العيش وملبسه المرقع ..!! ولم يقابل النبي ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بحاله ووصفه ومكانه .. ومدحه بأنه خير التابعين .. وكان بارا بوالدته وهو مستجاب الدعاء .

 

- ولعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عمر لو رأى أويسا أن يستغفر له .. حتى يفهم الناس أن الخيرية في أمته صلى الله عليه وسلم متجددة ولا تنتهي مع صحابته الكرام ..، وكذلك تنبيها على أن الإنسان لا غنى له عن فضل ربه كلما وجد من فضل الله اغتنم منه مهما بلغت رتبته ودرجته .

 

2- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ .. قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ) صحيح مسلم وصحيح الأدب المفرد.

- وفي رواية بلفظ: (مَن دَعَا لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ، وَلَكَ بمِثْلٍ) صحيح مسلم .

 

- قوله (لأخيه): أي أخوه في الإيمان .. والمقصد هو كل مؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..

 

- وفي الحديث السابق أن هناك طريق للدعاء بظهر الغيب للغير .. قد جعله الله وسيلة يتصرف بها البعض في معونة أخوانهم المؤمنين ..

 

3- التصرف عن طريق الإلهام والكشف ..

- عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:(قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ) (قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ) صحيح مسلم.

 

- وفي رواية البخاري بلفظ: (لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ) صحيح البخاري.

 

* قال الإمام أبو العباس القرطبي في شرح مسلم (المتوفى: 656هـ) :

- معنى (محدثون):  فسَّر ابن وهب المحدَّثين بالملهمين، أي: يُحدَّثون في ضمائرهم بأحاديث صحيحة، هي من نوع الغيب، فيظهر على نحو ما وقع لهم، وهذه كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من صالحي عباده ..، وقد قال بعضهم: إن معنى (محدَّثين): مكلَّمون ، أي: تكلِّمهم الملائكة ..

- قلت (أي القرطبي) : وهذا راجعٌ لما ذكرته، غير أن ما ذكرته أعم، فقد يخلق الله تعالى الأحاديث بالغيب في القلب ابتداء من غير واسطة ملك، وقال بعضهم: إن معناه أنهم مصيبون فيما يظنونه، وإليه ذهب البخاري، وهذا نحو من الأول، غير أن الأوَّل أعم، والله أعلم.

المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ج6 ص259-260 .. باختصار في كلامه .

 

* قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852هـ) :

- قَوْلُهُ (مُحَدَّثُونَ) بِفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ مُلْهَمٌ قَالَهُ الْأَكْثَرُ قَالُوا الْمُحَدَّثُ بِالْفَتْحِ هُوَ الرَّجُلُ الصَّادِقُ الظَّنِّ وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَكُونُ كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْرُهُ بِهِ .. وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ وَقِيلَ مَنْ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَقِيلَ مُكَلَّمٌ أَيْ تُكَلِّمُهُ الْمَلَائِكَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ وَهَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُحَدَّثُ ؟ قَالَ تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ" .

 

- وَيَحْتَمِلُ رَدُّهُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ: "أَيْ تُكَلِّمُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ مُكَلِّمًا فِي الْحَقِيقَةِ" فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِلْهَامِ .. وَفَسرهُ بن التِّينِ بِالتَّفَرُّسِ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ .. "الْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ بِالصَّوَابِ الَّذِي يُلْقَى على فِيهِ" .. وَعند مُسلم من رِوَايَة بن وَهْبٍ "مُلْهَمُونَ" .. وَهِيَ "الْإِصَابَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ" ..، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن بعض أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ مُحَدَّثُونَ يَعْنِي مُفَهَّمُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ إِبْرَاهِيم يَعْنِي بن سَعْدٍ رَاوِيهِ قَوْلُهُ مُحَدَّثٌ أَيْ يُلْقَى فِي رُوعِهِ انْتَهَى .

فتح الباري ج7 ص50 .. باختصار في كلامه.

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- المحدَّث: هو الموفق لقول الحق .. من خلال تأييد الملائكة له بجريان الحق على قلبه ولسانه .. والله أعلم.

- والإلهام والكشف من وسائل التصريف الغيبي .. حيث قد يلهم الله بعض عباده بما فيه منفعه للغير .. من حيث لم يكن يدري ولا يعلم .

- وهناك قصة تظهر ما سبق بيانه .. حيث كان الكشف لعمر والإلهام لقائد جيشه .. ففي قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع قائد جيشة سارية .. حيث قام عمر بتوجيه سارية إلى الإحتماء بالجبل .. فقال له (يا سارية الجبل) .. وكان عمر وقتها في المدينة .. وسارية في العراق ..!! وسمع سارية مقولة عمر وهو ينادي عليه قائلا (يا سارية الجبل) ..

 

- وهذه هي القصة وروايتها .. :

- ما رواه عبد الله بن وهب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر: (أن عمر وجه جيشا ورأس عليهم رجلا يقال له: (سارية) قال: فبينما عمر يخطب فجعل ينادي: يا سارية الجبل يا سارية الجبل (ثلاثا) ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر؟ فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل (ثلاثا) فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك) رواه أبو نعيم في الدلائل واللالكائي في السنة .. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: إسناده حسن.. ورواه أحمد في فضائل الصحابة (1/269) ..، وذكره الآجري في الشريعة (4/1888) ..، ذكره بن كثير في البداية والنهاية (7/131) وقال: إِسْنَادٌ جَيِّدٌ حَسَنٌ .. وقال عن باقي الروايات أنها يشد بعضها بعضا .. أي يقوي بعضها بعضا ..،  والشيخ الألباني ذكر هذه الرواية في الصحيح بلفظها .. ولم يعتمد غيرها من الروايات ..

 

4- ومن طرق التصرف هي الإلهام الباطني بالإرشاد إلى مساعدة الآخر .. سواء يقظة أو مناما ..

- ففي حال اليقظة .. ما جاء في الحديث عن أن أبا سعيد الخدري كان يرقي أحد المصابين من لدغة عقرب أو أفعى بسورة الفاتحة .. وحينما رجع إلى النبي وسأله النبي قائلا: (وما يُدريكَ أنَّها رُقْيةٌ؟ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، شيءٌ أُلقيَ في رُوعي) سنن الدارقطني .. وقال الأرنؤوط: صحيح .

- قوله (روعي): أي في خاطري او في نفسي .. كإلهام من الله .

 

- أما في حال النوم .. فقد ياتيك إرشاد لمساعدة إنسان أنت تعرفه .. وهذا لا يحتاج لدليل على إثباته لأنه مدرك ومعلوم لعموم الناس .

 

4- وهناك تصرف بطريق روحاني ..

- وذلك يكون من خلال مواهب أعطاها الله لبعض خلقه من خلال التأثير في عالم الشيطان بظهر الغيب أي بطريق غير مرئي أو غير ظاهر للعوام .. فيكون لهم من الدعاء ما يدفعون به ضرر الشيطان عن عباد الله .. سواء كان لهم كشفا روحانيا أم ليس لديهم كشفا ..!!

 

- ومن ينكر ذلك التصريف .. فعليه ان ينكر أولا أن الساحر ليس له تصريف في جلب شر الشيطان ..!! فإن لم يستطع أن ينكر ذلك .. فلن يستطيع أن ينكر أن يكون لبعض عباد الله تصريف بالخير في دفع شر الشيطان ..!! وإلا فإن هذا المنكر سيكون متهما في عقله بكل تأكيد ..!!

 

- وهناك بعض الناس من يسمح لهم الجن بأن يتصرفوا فيهم بالمساعدة .. ولكن هذا أمر نادر .. لأنه يتطلب أن تكون مطلوب ولست طالب .. وإلا كنت مستمتعا بهذا العالم .. ودخلت في دائرة المحرم عليك شرعا ..!! وأشهر من جاء عنه التصرف في عالم الجن من خلال التواصل معهم وإرسالهم .. هو الشيخ بن تيميه وقد تحدث عن ذلك بنفسه ..!!

 

 5- من قصص أهل التصريف في القرآن بطريق غيبي باطني:

أ- قصة الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام ..

ب- قصة الذي عنده علم من الكتاب الذي أتي بعرش بلقيس إلى سيدنا سليمان عليه السلام ..

ج- وقصة سليمان عليه السلام في تصرفه في عالم الجن .

 

- وقد تركت ما جاء في القصص القرآني كأخر دليل .. حتى لا يقال أن هؤلاء أنبياء .. ولا يقاس عليهم .. !! وإن كان الخضر والذي عنده علم من الكتاب مختلف عليهما .. هل هما عبدين صالحين أم أنبياء ..!!

 

**********************

 

..:: س5: هل هناك أدلة على أن النبي كان متصرفا بالدعاء وبالفعل ؟ ::..

- لا تتعجب أخي الحبيب من هذا السؤال .. لأن التصرف بالدعاء وبالفعل ليس لكل إنسان .. وإنما هو خصوصية عطاء من الله .. ولذلك كان الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم .. له فيه خصوصية كرامة من الله في حياته وفي برزخه ويوم القيامة ... كما سأوضح لك ذلك إن شاء الله تعالى.

- وهناك تصريفات أخرى بالفعل كانت للنبي صلى الله عليه وسلم .. مثل سقاية الجيش من بين أصابعة الشريفة .. وكفاية الطعام للكثيرين .. وغير ذلك .. سأذكر لك بعضا منها .. لتعرف قدر حبيبك صلى الله عليه وسلم عند ربك .

 

- أولا: سيدنا محمد : تصريف بالدعاء

1- قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) النساء64.

 

2- عن أنس بن مالك قال: (أنَّ رَجُلًا، دَخَلَ المَسْجِدَ يَومَ جُمُعَةٍ مِن بَابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمًا، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا .. قالَ أنَسٌ: ولَا واللَّهِ، ما نَرَى في السَّمَاءِ مِن سَحَابٍ، ولَا قَزَعَةً وما بيْنَنَا وبيْنَ سَلْعٍ مِن بَيْتٍ ولَا دَارٍ، قالَ: فَطَلَعَتْ مِن ورَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أمْطَرَتْ، فلا واللَّهِ، ما رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلكَ البَابِ في الجُمُعَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والظِّرَابِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، ومَنَابِتِ الشَّجَرِ قالَ: فأقْلَعَتْ، وخَرَجْنَا نَمْشِي في الشَّمْسِ) صحيح البخاري.

- قوله (قزعة): سحابة صغيرة جدا .

- قوله (سلع): جبل بالمدينة .

- قوله (ترس): ظهرت سحابة في شكل دائري كبير امتدت من جبل سلع حتى بيوت أهل المدينة ..

- قوله (ستا): أي استمر السحاب يغطي هذه المنطقة ستة أيام حاجبا للشمس ..

- قوله (هلكت الأموال): أي لم تعد المواشي تستطيع الرعي بسبب أن النبات قد هلك من كثرة المطر .

- قوله (انقطعت السبل): اي لم نعد نستطيع السير في الطرقات لقضاء حاجاتنا واشغالنا .. بسبب كثرة المياة التي أغرقت الطرقات.

- قوله (حوالينا): أي بعيدا عنا يارب حتى لا نغرق ولا تهلك البيوت ..

- قوله (الآكام): هو الجبال الصغيرة والكبيرة .

- قوله (الظراب): الهضاب المرتفعة والمنخفضه .

- قوله (بطون الأودية): الممرات التي يخرج منها الأعشاب للرعي .. وهي أماكن خارج حدود السكن .

– قوله (منابت الشجر): ما يحتاج إليه الشجر لينمو به من الماء .. ويكون في بساتين وحدائق خارج مدينة السكن غالبا في ذلك الوقت ..

 

3- عن جابر بن عبد الله قال :(استأذَنَتِ الحُمَّى على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: مَن هذه؟ فقالت: أمُّ مِلْدَمٍ، فأمَر بها إلى أهلِ قُباءٍ، فلقُوا منها ما يعلَمُ اللهُ، فأتَوْه فشكَوْا ذلكَ إليه، فقال: ما شِئْتُم، إنْ شِئْتُم دعَوْتُ اللهَ لكم فيكشِفُها عنكم، وإنْ شِئْتُم أن تكونَ لكم طَهُورًا، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وتفعَلُ؟! قال: نَعم، قالوا: فدَعْها) رواه أحمد . وقال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح ، وقال الأرنؤوط : رجاله رجال الصحيح ، وفي متنه غرابة ..

 

- وله شاهد في البخاري (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا للمدينة أن تُنقل حُماها إلى الجُحفة) .. والجُحفة ميقات أهل مصر والشام إذا لم يدخلوا المدينة ..

 

- وفي رواية بلفظ: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَتِ الْحُمَّى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَنْ أَنْتِ؟ " فَقَالَتْ: أَنَا أُمُّ مِلْدَمٍ؟ قَالَ: "انْهَدِي إِلَى قُبَاءَ فَأْتِيهِمْ" قَالَ: فَأَتَتْهُمْ فَحُمُّوا أَوْ لَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى مَا لَقِينَا مِنَ الْحُمَّى قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ طَهُورًا" قَالُوا: بَلْ تَكُونُ طهورا) صحيح بن حبان .. وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .. وذكره الهيثمي في "المجمع" "2/305-306" وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح.. وذكره الألباني : في صحيح الترغيب .

 

- معنى (أم ملدم) : هي كُنية الحمَّى .. يُقال: ألْدَمَت عليه الحُمَّى، أي: دامَت، وقِيل: من لدمه، أي: لَطَمَه وضرَبَه، واللَّدْمُ: الضَّربُ، فشبَّهوا ما يكونُ مِن الحُمَّى بالضَّربِ الذي يُؤلِمُ .

- معنى (انهدى) : أي انهضي واذهبي إلى ..

 

4- وكذلك الدعاء للمرأة التي كانت تصرع ، وأتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: (إنِّي أُصْرَعُ، وإنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ ولَكِ الجَنَّةُ ، وإنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ: أصْبِرُ، فَقَالَتْ: إنِّي أتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لي أنْ لا أتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا) صحيح البخاري ومسلم .

 

5- والدعاء كذلك للرجل الأعمى الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنَّ رجلًا ضريرَ البَصرِ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ : ادعُ اللَّهَ أن يعافيَني قالَ : إن شئتَ دعوتُ ، وإن شِئتَ صبرتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ . قالَ : فادعُهْ ، قالَ : فأمرَهُ أن يتوضَّأَ فيُحْسِنَ وضوءَهُ ويدعوَ بِهَذا الدُّعاءِ : اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ محمَّدٍ نبيِّ الرَّحمةِ ، إنِّي توجَّهتُ بِكَ إلى ربِّي في حاجَتي هذِهِ لتقضى ليَ ، اللَّهمَّ فشفِّعهُ فيَّ) صحيح الترمذي .

 

6- والتصريف بالدعاء العام لكل أمته في كل صلاة .. عن السيدة عائشة قالت : (لما رأيتُ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طِيبَ نفسٍ قلت يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي قال اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم من ذنبِها وما تأخرَ وما أسرَّت وما أعلنت فضحكت عائشةُ حتى سقط رأسُها في حِجرِها من الضحِكِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيسرُّكِ دعائِي فقالت وما لي لا يسرُّني دعاؤُكَ فقال واللهِ إنها لَدعوتِي لأمتي في كلِّ صلاةٍ) رواه بن حبان .. وذكره الألباني في الصحيحة.

 

7- وفي برزخه .. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحدٌ يُسلِّمُ عليَّ إلا ردَّ اللهُ عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلامَ) صحيح أبي داود .

- ورد السلام ما هو إلا دعاء بالسلام من النبي على من أرسل إليه السلام .. وهذه تصريف برزخي وكرامة نبوية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم .

- وإلا فكيف يكون دعاءه سكن للمؤمنين (إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) التوبة 103.. ومعنى الصلاة هنا هي الدعاء ..

 

8- وفي الآخرة .. سيكون له حق التصرف بالدعاء لوحده فقط .. في أن يدعو الله في بدأ الحساب .. ثم التصرف بالدعاء في الشفاعة لأمته بإذن من الله ..

- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فيَقولونَ: اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، فيَقولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ علَيْكُم بإبْرَاهِيمَ فإنَّه خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إبْرَاهِيمَ، فيَقولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ علَيْكُم بمُوسَى فإنَّه كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فيَقولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ علَيْكُم بعِيسَى فإنَّه رُوحُ اللَّهِ، وكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فيَقولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ علَيْكُم بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونِي، فأقُولُ: أنَا لَهَا، فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بهَا لا تَحْضُرُنِي الآنَ، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ له سَاجِدًا، فيَقولُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي، فيَقولُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ منها مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِن إيمَانٍ ...) صحيح البخاري .

 

- ثانيا: سيدنا محمد - والتصريف بالفعل:

1- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم (الفقير)، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) صحيح البخاري ومسلم.

- فاتبع النبي لو كنت تريد الله .. حيث يقول تعالى:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب21.

 

2- عن جابر بن عبد الله قال: (عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ منها، ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ؟ قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ به ولَا نَشْرَبُ، إلَّا ما في رَكْوَتِكَ، قالَ: فَوَضَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ في الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ. قالَ: فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا فَقُلتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئذٍ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً) صحيح البخاري.

 

- وفي واقعة أخرى: جاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: (خرَجْنا مع رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَخْرجًا، فلَمْ نُصِبْ ماءً نتوضَّأُ منه، ولا نشربُهُ، ومع رسولِ اللَّهِ إداوةٌ فيها شيءٌ مِن ماءٍ، فصبَّهُ في إناءٍ، ووضَعَ كفِّهِ عليه، ثُمَّ قال: هَلُمَّ. قال: فلقَدْ رأيتُ ما بينَ أصابعِهِ تَفَجَّرَ عُيونًا) رواه الذهبي في سير اعلام النبلاء .. وقال الأرنؤوط: صحيح .

 

- وفي واقعة أخرى: عن أنس بن مالك قال: (رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَانَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلكَ الإنَاءِ يَدَهُ، وأَمَرَ النَّاسَ أنْ يَتَوَضَّئُوا منه قالَ: فَرَأَيْتُ المَاءَ يَنْبُعُ مِن تَحْتِ أصَابِعِهِ حتَّى تَوَضَّئُوا مِن عِندِ آخِرِهِمْ) صحيح البخاري.

 

4- عن أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ مَخْمَصَةٌ، فَاسْتَأْذَنَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظُهُورِهِمْ، وَقَالُوا: يُبَلِّغُنَا اللهُ بِهِ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي نَحْرِ بَعْضِ ظَهْرِهِمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ بِنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَا الْقَوْمَ غَدًا جِيَاعًا رِجَالًا؟ وَلَكِنْ إِنْ رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَدْعُوَ لَنَا بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ فَتَجْمَعَهَا، ثُمَّ تَدْعُوَ اللهَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيُبَلِّغُنَا بِدَعْوَتِكَ - أَوْ قَالَ: سَيُبَارِكُ لَنَا فِي دَعْوَتِكَ - فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُجِيئُونَ بِالْحَثْيَةِ مِنَ الطَّعَامِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَعْلَاهُمْ مَنْ جَاءَ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَجَمَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ فَدَعَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ دَعَا الْجَيْشَ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْتَثُوا، فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ، وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهَا إِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أحمد وغيره .. وقال الأرنؤوط: إسناده قوي.

 

- قوله (رجالا): جمع راجل .. أي كيف سنواجه العدو ونحن جوعي .. فلن تستطيع أن تحملنا أرجلنا لضعف الجسم بدون طعام ..

 

- قوله (بِبَقَايَا أَزْوَادِهِمْ): أي ما تبقى معهم من طعام .

 

- قوله (الحثية من الطعام): القليل من الطعام بقدر كف اليد .

 

- قوله (دعا الجيش): أي طلب منهم أن يحضر كل شخص بوعاءه الذي يكفيه .

 

- قوله (يحتثوا): أي كل واحد يضع كفي يديه ويغرف ويملأ وعاءه .

 

- قوله (وبقي مثله): ظل ما تم جمعه من طعام في البداية .. كما هو لم ينقص شيئا ..!!

 

***************************

(تابع/ مصطلح أهل التصريف)

- مسائل على مصطلح أهل التصريف -

***************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .