ج7: إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية - بعض الإشارات واللطائف الإيمانية والشرعية في قصة الطفل البصير بالحق - ما الإشارة إلى رضاعة الولد من ثدي أمه في قصة الطفل البصير بالحق - لماذا لم تتعجب الأم من رد فعل ابنها حينما تكلم معها ورد عليها - ما المانع أن لا يكون الطفل يلقنه شيطان - كيف أدرك الطفل البصير بالحق هذه المعرفة الغيبية.

  بسم الله الرحمن الرحيم

(إشارات ولطائف ذوقية في القصة النبوية)

(2)

(قصة الثلاثة الذين تكلموا في المهد)

(عن قدرة الله – كرامات الأولياء – إظهار الحق)
(الجزء السابع للقصة)

:: الفصل السابع :: مسائل عن قصة الطفل البصير بالحق ::

1- س44: ما الإشارة إلى رضاعة الولد من ثدي أمه في قصة الطفل البصير بالحق ؟

2- س45: لماذا لم تتعجب الأم من رد فعل ابنها حينما تكلم معها ورد عليها ؟

3- س46: ما المانع أن لا يكون الطفل يلقنه شيطان ؟

4- س47: كيف أدرك الطفل البصير بالحق هذه المعرفة الغيبية ؟

 ***********************

:: الفصل السابع ::

:: مسائل عن قصة الطفل البصير بالحق ::

***********************

 

..:: س44: ما الإشارة إلى رضاعة الولد من ثدي أمه في قصة الطفل البصير بالحق ؟ ::..

 
- هناك مشهد في قصة الطفل البصير بالحق .. جعلني أفكر فيه .. فدعني أذكرك بهذا المشهد .. حيث قال صلى الله عليه وسلم ((وَبَيْنَا صَبِىٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ ^{(حسنة جميلة قوية تسر العين)} ،  وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ^{(الهيئة والملبس الحسن)} .
- فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ، اجْعَلْ ابْنِى مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْىَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْنِى مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ .. "قَالَ ^{"أي أبو هريرة"}: فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِى ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ في فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا".....) صحيح مسلم ..
 
- فتأمل فعل الصبي في عودته لثدي أمه .. وتأمل قول الصحابي أبي هريرة وهو يصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان النبي يصف كيفية فعل الطفل في شرب اللبن ...!!
 
- هذا المشهد قد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم .. وكان من الممكن أن لا يذكره ..!! ولكنه ذكره بوضوح تام حتى أنه استغرق في وصف رضاعته وحكاها لصحابته ..!! فهذا كان مشهد ملفت للإنتباه .. ومثيرا في نفسي ما الداعي أو الإشارة في ذكر هذا المشهد .. حتى استغرق النبي في وصفه لصحابته ..!!
 
- وحاولت التفكر فيه .. وخرجت بالآتي:
 
1- انشغاله بكسب ما يحتاجه بدنه من أسباب الحياة وهي "شرب اللبن" .. لم يكن في ذلك حجاب له عن إدراك حقائق الأشياء ..!! لأنه لم ينشغل بهذا عن ذاك ..!!
 
2- وأن هذا الكسب الذي يشربه الطفل إنما هو يسري من دم حلال لا شبهة فيه .. ولذلك كان يشرب مستمتعا .. وكأن الحلال الذي يشربه يكسبه حقا في نفسه ويؤثر فيه روحيا لطهارة ما يدخل فيه ..!!
- كما أننا نجد أن الكسب الحرام هو مدخلا للباطل في أنفسنا وبالتالي يؤثر علينا روحيا وسلوكيا ..!! 
 
3- فاسعى للكسب بالحلال في الوجود .. ولا تنشغل به عن الحق المعبود .. فقد يكسبك من وراء انشغالك به كرامة الشهود .. لأنه صاحب العطاء الجود ..
 

****************************

 

..:: س45: لماذا لم تتعجب الأم من رد فعل ابنها حينما تكلم معها ورد عليها ؟ ::..

 
* قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من الطبيعي أي طفل في المهد لا يستطيع الكلام .. فلماذا لم تتعجب الأم أو تستغرب من كلام طفلها .. بل وتفاعلت معه وكأنه شخص بالغ تدير معه حوار العقلاء الذين يدركون التمييز والبصيرة في حقائق الأمور ..؟!!
 
- لا يوجد أدني شك عندي في أن هذا المشهد تكرر معها كذا مرة .. حتى اعتادت عليه .. وكأن الموضوع أمر عادي بالنسبة إليها .. حتى أنها لم تناقشه في معرفته .. ولا كيف عرف .. وكأنها اعتادت الامر .. بل وتبين لها صدق حكمته ومعرفته .. ولذلك سألته على الحكمة في مخالفة دعائها بدعاء آخر .
 
- والله أعلم .
 

**********************

 

..:: س46: ما المانع أن لا يكون الطفل يلقنه شيطان ؟ ::..

 
- قد يدور بعقلك سؤال .. فتقول ما المانع أن لا يكون الطفل يلقنه شيطان .. ولا علاقة للموضوع بالإلهام من الله ؟
 
* قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- هو أن الشيطان لا يهمه إلا تزيين الباطل والإنتصار له .. فتزيين الباطل كان في قصة الفارس الجميل الهيئة .. فإنما يهم الشيطان أن يفتن به الناس وينجذبوا إليه ليستمر بكفره فيهم بل وينشره على يديه بينهم .. أم عن الإنتصار للباطل فكان في قصة الفتاة حيث يريد أن يظهر المؤمن بمظهر المتهم حتى يدرك باقي المؤمنين أن الله قد تركهم ورحل عنهم .. فييئسوا ويكفروا بالله ..!!
 
- فلو كان تلقين الصبي الرضيع هو تلقين شيطان .. ما كان خالف حقيقة المظاهر وقال الحق .. وما كان ليطفيء زينة الفارس وما كان ليكشف حقيقة إيمان الفتاة ..!!
 
2- أذكرك أخي الحبيب بأن الشيطان لا يستطيع أن يستخدم من الإنسان إلا ما هو متاح لدى هذا الإنسان وكان يستطيع فعله بالواقع .. ولذلك فإن الشيطان لا يستطيع أن يتكلم على لسان صبي لا يستطيع الكلام .. بل ولا يستطيع الكلام على لسان إنسان أخرس حتى ولو كان عمره عشرون عاما !!
 
- فالشيطان لا قدرة لديه على هذا الفعل .. بأن تكون له مخالفة لقانون الأسباب المعلومة في الحياة .. فلا يجعل من الغبي إنسان ذكي .. ولا يجعل من الاخرس إنسان متكلم .. لأن الشيطان لا قدرة له على ذلك ..!!
- ولذلك لا قدرة للشيطان على استنطاق هذا الطفل .. أو الكلام على لسانه .. حتى وإن كان ممكن أن يوسوس له .. إلا إن الأمر غير نافع .. لأنه لن يستطيع أن يعطيه القدرة على التكلم أو إيجاد نشاط عقلي مميز وإدراك للفهم فريد من نوعه .. لأن الشيطان لا قدرة له على ذلك .
 
3- وأريدك أن تعرف شيء مهم أخي الحبيب .. وهو أن هناك فارق كبير .. بين الملهم من الله .. وبين العراف من الشيطان ...!!
 
- فالملهم بالحق: هو من يلهمه الله في خاطره بحقائق غيبية وليس طالبا لها لأنه مشغول بالله عن غيره .. ولا يكون متفكرا في المسألة وإنما هي خواطر تأتيه دون طلب منه في ذلك .. وكأنه شيئا ألقي في صدره ..
 
- والعراف بالشيطان: هو من يلقى الشيطان في خاطره بحقيقة مخلوطة بأكاذيب لأن هذه النفسية تطلب ذلك وتسعى إلى هذه المعرفة الغيبية .. لأن مراده هو طلب الشهرة وإثبات الأنا بأنه يعرف ما لا يعرف الآخرون ..!! فانتبه ..!!
 

***********************************

 

..:: س47: كيف أدرك الطفل البصير بالحق هذه المعرفة الغيبية ؟ ::..

 
- وقد تثير قصة الطفل البصير بالحق فيك فضولا أخي الحبيب .. وتقول كيف علم هذا الطفل الرضيع الغيب في مسألة كفر الفارس ومسألة الفتاة المتهة ظلما ؟ وتبحث عن كيف أدرك فهما وهو صبي في المهد يرضع ومن المفترض أنه لا يستطيع التمييز ؟!! وما هي الكيفية التي أدرك بها هذا الطفل هذه المعرفة الغيبية .. ليتحدث بهذه الثقة وهذا اليقين ؟
 
* قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: أما عن كيفية إدراك الصبي ..
- فقد يكون الله خلق له إدراكا وفهما خاصا .. خارق للعادة .. والله قدير .. وطالما نتكلم عن القدرة الإلهية .. فلا قانون أسباب يحكم الله لأن الله هو الذي يخلق الأسباب ويتحكم فيها .. ولذلك فإن خلق عقل لصبي صغير يستطيع التمييز والإدراك .. ليس مجال للإستغراب ..!!
- وقد نرى في حياتنا أن هناك أطفالا لهم ذكاء مميز بل وخارق للعادة ويفوق الكبار بمراحل كبيرة .. وهذا نجده كثيرا في مجالات التكنولوجيا خاصة الكمبيوتر .
 
- ثانيا: أما عن الوسيلة في  كيفية إدراكه لهذه المعرفة الغيبية ..
1- إما إلهاما من الله .. الذي خلق النفس وسواها .. وألهمها فجورها وتقواها .. وإذا قلت كيف ذلك والصبي لا يعقل إدراكا .. قلت لك .. كما ألهم كل المخلوقات الغير عاقلة بكيفية تدبير أمورها ..!!
 
2- وقد يكون من باب أن الملائكة كانت تجري بالحق على لسانه ..
- جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُرَّ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» قَالُوا: جِنَازَةُ فُلَانِيِّ الْفُلَانِ كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَسْعَى فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ» وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، قَالُوا: جِنَازَةُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَانَ يُبْغِضُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَيَسْعَى فِيهَا، فَقَالَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُكَ فِي الْجِنَازَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهَا أُثْنِيَ عَلَى الْأَوَّلِ خَيْرٌ، وَعَلَى الْآخَرِ شَرٌّ فَقُلْتَ فِيهَا وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، فَقَالَ: «نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ») أخرجه الحاكم .. وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ .. وذكره الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع .
 
- قوله (تنطق على ألسنة بني آدم): ليس بمعنى أن الملائكة تتحكم في إنسان بالمس وتستحوذ عليه وتنطق على لسانه .. لا .. فهذا فعل الشيطان .. ولكن يفهم من الحديث أن قول الحق .. قد يجريه الله على ألسنة الخلق من خلال إلهام الملائكة لهم بأن ينطقوا بذلك .. بأن يمدحوا أهل الصلاح أو يشيروا إلى من عادى الله ورسوله ..
 
- كما كان عمر بن الخطاب من الملهمين بالحق .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنَّه قدْ كانَ فِيما مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وإنَّه إنْ كانَ في أُمَّتي هذِه منهمْ فإنَّه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ) صحيح البخاري.
- قوله (محدثون): أي ملهمون بالحق من الله .. فيجريه على ألسنتهم .

***********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .