ج13: طرق العلاجات الربانية من القرآن والأحاديث النبوية - متى تظهر قوة الإيمان في مواجهة الخوف ؟ (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. قصة موقعة حمراء الأسد من أروع قصص الإيمان - هل الآيات السابقة يصح ان يقال عنها أنها قيلت في موقعة بدر الصغرى - ما هو المقصد من تفويضنا ب (حسبنا الله ونعم الوكيل) - هل اكتفى النبي والمؤمنون بقولهم (حسبنا الله ونعم الوكيل) - هل الحسبنة هي دعاء على أحد - هل هناك أحاديث قيلت في فضل (حسبنا الله ونعم الوكيل) - ماذا أفاد قوله تعالى (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) - كيف يأمرنا الله بأن لا نخاف في حين أن الخوف هو من طبيعة تكوين الإنسان - لماذا قال تعالى (إن كنتم مؤمنين) في حين هم مؤمنون بالفعل - هل هناك قصص أخرى دلت على مواجهة الخوف بعزة الله ولم يستسلموا.

        بسم الله الرحمن الرحيم

****************************

..:: طرق العلاجات الربانية ::..

- من القرآن والأحاديث النبوية -

******************************

(الطريقة العلاجية الثامنة / ج2)

علاج الخوف من الإنس والجن

وعلاج وسواس الخوف من الموت

 ********************************

* فهرس:

1- س11: متى تظهر قوة الإيمان في مواجهة الخوف ؟ (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. قصة موقعة حمراء الأسد من أروع قصص الإيمان .

2- س12: هل الآيات السابقة يصح ان يقال عنها أنها قيلت في موقعة بدر الصغرى ؟

3- س13: ما هو المقصد من تفويضنا ب (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟

4- س14: هل اكتفى النبي والمؤمنون بقولهم (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟

5- س15: هل الحسبنة هي دعاء على أحد ؟

6- س16: هل هناك أحاديث قيلت في فضل (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟

7- س17: ماذا أفاد قوله تعالى (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ؟

8- س18: كيف يأمرنا الله بأن لا نخاف في حين أن الخوف هو من طبيعة تكوين الإنسان ؟

9- س19: لماذا قال تعالى (إن كنتم مؤمنين) في حين هم مؤمنون بالفعل ؟

10 - س20: هل هناك قصص أخرى دلت على مواجهة الخوف بعزة الله ولم يستسلموا ؟

*************************

 ..:: س11: متى تظهر قوة الإيمان في مواجهة الخوف ؟ ::..

(حسبنا الله ونعم الوكيل)

 :: موقعة حمراء الأسد ::

- حتى تظهر قوة الإيمان في مواجهة الخوف .. فيجب أن تكون عزيزا بالله أي متعلقا بالله .. أي موقنا حقا أن الله هو حسبك أي كافيك .. وأن الله وكيلك في تدبير أمورك .. فحينما يواجهك خوف أو فزع .. فالجأ بصدق توجه إلى الله وأنت متعلقا به ومفتقرا له ومنكسرا إليه قائلا بيقين: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ..
 
- وهذه الآية (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .. وأحب أن أوصفها بأنها آية العزيز بالله .. لأنه لا يمكن أن يتوسل بها أحد إلا إن يكون عزيزا بالله وقلبه متعلقا بمولاه .. ويكفيك أن تعرف أن قالها سيدنا إبراهيم عليه السلام وقالها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته .. فقد قال ابْنِ عَبَّاسٍ: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ .. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ .. وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} آل عمران173) صحيح البخاري.
 
- ولهذه الآية العظيمة قصة من أروع قصص الإيمان التي يمكن أن تقرأها .. حتى تعرف كيف تواجه مخاوفك في الحياة.
 
- يقول تعالى: ( الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران172-175
 
* المعنى من تفسير المنتخب:
- الذين لبّوا دعوة الرسول إلى استئناف الجهاد من بعد ما أصابهم في غزوة أُحد من الجرح العميق، وبذلك أحسنوا، واتقوا عصيان أمر الله ورسوله، فاستحقوا الأجر العظيم في دار الجزاء والنعيم.
- الذين خوفهم الناس بأن قالوا لهم: إن أعداءكم قد جمعوا لكم جيشاً كثيفاً فخافوهم، فما ضعفوا وما وهنوا، بل ازدادوا إيماناً بالله وثقة بنصره، وكان ردّهم: الله كافينا، وهو المتولي أمورنا، وهو نِعْمَ من يفوّض إليه الأمر كله.
- ثم خرجوا للجهاد ولقاء الجيش الكثيف، ولكن المشركين جبنوا عن اللقاء، فعاد المؤمنون فائزين بنعمة السلامة مع الرغبة في الجهاد، وفوزهم بثوابه وفضل اللَّه عليهم في إلقاء الرعب في قلوب عدوهم فلم ينلهم أذى. وابتغوا رضوان اللَّه فصاروا أهلاً لفضله، واللَّه صاحب الفضل العظيم.
- يبين اللَّه سبحانه للمؤمنين أن أولئك الذين يخوفونكم بأعدائكم لتجْبنوا عن لقائهم ليسوا إلا أعواناً للشيطان الذى يخوف أتباعه فيجعلهم جبناء ولستم منهم. فلا تحفلوا بتخويفهم وخافوا اللَّه - وحده - إن كنتم صادقي الإيمان، قائمين بما يفرضه عليكم هذا الإيمان".أ.هـ

* قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وسبب نزول هذه الآيات كانت في غزوة حمراء الأسد .. غزوة حمراء الأسد حدثت في السنة الثالثة للهجرة، في منطقة حمراء الأسد 20 كلم جنوب المدينة المنورة. كان هدفها مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد. ثم علمت قريش بخروج الرسول محمد وفضلت الهرب خوفاً من المسلمين الذين بقوا 3 أيام في حمراء الأسد ثم رجعوا إلى المدينة.
 
1- قوله تعالى: (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) قد حذف فيه المفعول .. فلم يقل جمعوا جيشا كبيرا .. وذلك ليذهب خيال السامع لكلامهم إلى كل ما يمكن أن يتخيله في إمكانية ما يملكه هذا الجيش من الكفار من قوة السلاح وعدد الرجال والفرسان .. فيكون ذلك أشد تخويفا في نفوسهم.
 
2- قوله تعالى (فاخشوهم): الخشية هي فزع عن أمر متوقع حدوثه .. ولكن لفظ الخوف يكون عن أمر حاضر ..
 
3- هذه الآيات تتكلم عن غزوة حمراء الأسد التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة .. وكانت يوم الأحد في شهر شوال .. وهي استكمال لغزوة أُحد .. التي كانت قبلها في يوم السبت ..
 
4- والهدف من الخروج هو منع أبا سفيان من العودة ودخول المدينة .. حيث قد بلغ النبي أن أبا سفيان يخطط للعودة لإبادة المسلمين .. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا ممن حضر أُحُد ومن بينهم الجرحى .. وقيل أن العدد أزيد من ذلك .
 
5- ففي صباح يوم الأحد .. أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتمع الجيش الذي قاتل بالأمس فقط عند جبل أحد .. ولا يخرج أي شيء للقتال غير من قاتل بالأمس إلا جابر بن عبد الله هو الوحيد الذي قد سمح النبي له بالمشاركة .. والذين خرجوا كانوا لازالوا في جراحهم .. فكان فيهم آلاما عضوية وجراحا ، وكان فيهم آلاما نفسية إما بسبب الهزيمة وإما بسبب فقد عزيزا لديهم ..
 
- والجميل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نادى بجمع الجيش الذي حارب بالأمس .. فالجيش اجتمع من استطاع منهم ذلك وهم على ما هم عليه من حال ضعف شديد .. ولم ينكسر مؤمن فيهم من هزيمة الأمس وما حدث فيها من ضرر وأذى .. ولم يعترض مؤمن ويقول نؤخر القتال حتى نداوي جراحنا ..!!
 
- بل لمجرد أن طلب النبي صلى الله عليه وسلم الخروج للقتال .. فقد اجتمعوا خرجوا وعسكروا في منطقة حمراء الأسد .. وهي تبعد عن المدينة ببضع وعشرون كيلو متر .. وهو الممر المستقبل لجهة القادم من مكة إلى تجاه المدينة ..
 
- وكان جيش مكه بقيادة أبو سفيان في منطقة الرويحاء تبعد حوالي سبعون كيلو من المدينة .. وقد أجمعوا أمرهم على العودة للمدينة للتخلص التام من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ليستغلوا حالتهم التي هم عليها ..
 
- وحدث أن أبا سفيان أرسل رسالة تخويف للمسلمين .. فأرسل مع قافلة أو ركب متجها للمدينة .. أن يقولوا للمسلمين وللنبي صلى الله عليه وسلم: أن أبا سفيان وأهل مكة سيعودون إليكم ليستأصلوكم ويهلكوكم وينتهي أمركم .
 
- فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبروهم برسالة له أبو سفيان .. وقالوا للمسلمين‏:‏ ‏(‏إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ..
 
* ولكن المؤمنون الصادقون .. ماذا حدث لهم لما سمعوا ذلك ؟
- (فَزَادَهُمْ‏ ‏إِيمَاناً)‏ .. أي لم يكن هذا التخويف لهم إلا زادهم عزيمة وثباتا مع الله لأنهم أعزة بالله ..
 
- والزيادة في الإيمان هنا لا تعني أنه كان يوجد نقص في الإيمان .. وإنما المقصد اشتعال الغيرة الإيمانية والعزة بالله في مواجهة هذا التخويف .. دلالة على عزمهم على ما هم عليه في حق الله ورسوله .. وكأن زيادة الإيمان هو ما رآه مرسال العدو في عزيمتهم بالرغم من تخويفهم ..
 
وبماذا أجابوا على مرسال الكفار ؟
- قالوا: (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) .. فإذا كان العدو اكتفى بنفسه وسلاحه .. فنحن كفايتنا بالله وعزنا به .. وعليه نتوكل ونعتمد في تدبير شئوننا .. فقضاؤه فينا خير .. فخيره خير وشره خير .. وله الحكم والأمر .. وفي قضاءه حكيم .. وفي قدره عدل ..
 
- وكيف كانت كرامة الله لهم بعد أن أعلنوا عزتهم بالله بتفويض الأمر له والإعتماد عليه ؟
- يقول تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ..
- قوله (فانقلبوا): أي رجعوا وعادوا .
- قوله (بنعمة): النعمة هي العطاء الذي فيه منفعة .. والمقصد هو نفعهم ماديا من العافية والسلامة .. ونفعهم معنويا من الإنتصار على عدوهم ومحو انكسار هزيمة موقعة أحد .. ونفعهم بحياتهم لمزيد من الطاعة مع الله ..
- وبعض المفسرين قال أنهم غنموا مالا .. (وهذا على تفسيرهم أن هذه الآيات نزلت في وقعة بدر الصغرى) وسيأتيك تفصيل ذلك بعد قليل...!! والله أعلم .
- قوله (فضل): مزيد عطاء من النعمة .. وهو احتساب فضيلة الجهاد لهم .
- قوله (لم يمسسهم سوء): لم يلاقوا حربا مع المشركين .. فلم يصاب منهم أحد بضرر ..
- قوله (واتبعوا رضوان الله): أي اتبعوا ما فيه رضا الله باتباع وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالجهاد .
- قوله (والله ذو فضل عظيم): أي بالتوفيق لهم على طاعته وتثبيتهم على الحق .
 

*****************************

..:: س12: هل الآيات السابقة يصح ان يقال عنها أنها قيلت في موقعة بدر الصغرى ؟ ::..

 
- جاء في رواية أخرى أن سبب نزول الآيات السابقة .. هو ما حدث فيما يسمى (بدر الصغرى) ..
 
* وفي تفسير الشيخ المراغي رحمه الله بعد ان ذكر موقعة حمراء الأسد .. ثم قال:
- روى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة أن الآية نزلت فى غزوة بدر الصغرى.
- ذاك أن أبا سفيان قال حين أراد أن ينصرف من أُحد: يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك بيننا وبينك إن شاء الله، فلما كان العام القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل (مجنّة) من ناحية (مرّ الظهران) فألقى الله الرعب في قلبه ..
- فبدا له الرجوع فلقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان: إني واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى بموسم بدر، وإن هذا عام جدب، ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا لي أن أرجع .. وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيزيدهم ذلك جرأة، فالحق بالمدينة فثبطهم، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها فى يدى سهيل بن عمرو..
- فأتى نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون لميعاد أبى سفيان فقال لهم: ما هذا بالرأى، أتوكم فى دياركم وقراركم ولم يفلت منكم إلا شريد، فتريدون أن تخرجوا إليهم وقد جمعوا لكم الجموع عند الموسم، فو الله لا يفلت منكم أحد، فكان لكلامه وقع شديد فى نفوس قوم منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسى بيده لأخرجنّ ولو وحدي»
- فخرج ومعه سبعون راكبا يقولون (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) حتى وافى بدرا الصغرى (بدر الموعد) فأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان .. فلم يلق أحدا لأن أبا سفيان رجع بجيشه إلى مكة .. وكان معه ألفا رجل فسماه أهل مكة جيش السّويق .. وقالوا لهم إنما خرجتم لتشربوا السويق .
- ووافى المسلمون سوق بدر، وكانت معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا أدما وزبيبا فربحوا وأصابوا بالدرهم در همين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
نقلا عن تفسير المراغي ج4 ص135

* قلت (خالد صاحب الرسالة): 
- والرأي الذي عليه عموم المفسرين هو أن الآيات نزلت في موقعة حمراء الأسد .. لأنها متوافقه مع ما قبلها من الآيات ومتصلة ببعض .. والله أعلم.
 
- ما يهمنا هو رد المؤمنين على هذا التخويف .. سواء كانت الآيات تتعلق بموقعة حمراء الأسد أو بدر الصغرى .. وإنما أحببت أن أذكر لك الأوجه حتى تكون على علم وبصيرة من كلام اهل التفسير رضون الله عليهم .
 

*******************************

 

..:: س13: ما هو المقصد من تفويضنا ب (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟ ::..

 
- مقصدك من هذا التفويض لله .. هو أنك تقول لله .. دبر لي الأمر يا رب فيمن يريد أذيتي أو أذاني (بالمال بالسلطة بالعلم بالروحاني أو بأي شيء قولا أو فعلا) .. فإنه لا قدره لي في عالم الأسباب على دفع ضره إلا بك .. فإذا كان عزهم بأسباب الحياة .. فأنت عزَّي وسببي في النجاة ..
 

***************************

 

..:: س14: هل اكتفى النبي والمؤمنون بقولهم (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟ ::..

 
- انتبه جيدا:
- هل الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم .. اكتفوا بقولهم (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. لا .. هذه عزيمة القلب وعزة المؤمن .. ولكن أظهروا ذلك بالثبات في أرض الجهاد انتظارا للعدو .. حتى مكثوا ثلاثة أيام .. ولم يرجعوا حتى جائهم الخبر بأن جيش قريش قد تراجعت لمكه ..
 

***********************

 

..:: س15: هل الحسبنة هي دعاء على أحد ؟ ::..

 
- يظن البعض أن الحسبنة أي (حسبنا الله ونعم الوكيل) هي دعاء على الناس .. وهذا ليس صحيح .. وإنما هي نوع من الدعاء أقوى من الدعاء على الشخص .. لأنه دعاء إلى الله بالتفويض لتدبير أمر المغلوب على أمره .. أي هو توجه إلى الله طالبا منه أن يكون حسبك ووكيلك في أمورك كلها لأنك مغلوب على أمرك .. وليفعل الله ما يراه هو مناسبا لنا في هذه المسألة التي لا حيلة لنا فيها ..
 
- فهي دعاء نتوجه به إلى الله بالتفويض في تدبير أمورنا فيمن أراد تخويفنا أو قهرنا أو ظلمنا أو تأخيرنا أو شتمنا أو الشهادة الزور علينا أو ضرنا وأذيتنا روحانيا أو ماديا سواء بنفسه أو بغيره ..
 
- فإذا كانت هذه النفوس المؤذية عزها بما تملك من قدرات روحانية أو قدرات مادية بالمال أو بالسلطة أو باللسان "بالقول" أو باليد "بالفعل" .. فنحن عزنا بالله ..
 
- وإذا كانت هذه النفوس المؤذية .. حسبها ووكيلها نفسها وما تملكه من أسباب مادية أو روحانية .. فنحن حسبنا ووكيلنا هو الله ونعم الوكيل ..
 
- وإذا كانت هذه النفوس المؤذية ارتضت بنزول الضر بالمؤمنين استمتاعا لما تهواه .. فقد جعلنا وكلينا في نحورهم هو الله .. 
 
- فحينما نقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) في فلان .. كأنك تقول: أسألك يا ألله أن تتجلى بما في هذه الآية من عزة ومدد وكفاية بك عن غيرك .. فتقهر فلان وتبطل فعله بعزيز قدرتك .. فلا يصل إلى ضره وتدفع عني شره .. وقد وكلت إليك أمري .. فإني مغلوب على أمري .. فانتصر لي يا رب .. لأنك أنت حسبي ونعم الوكيل .. 
 
* خلاصة القول:
1- أن الحسبنة أو قولنا (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. إنما هو تفويض لله بتدبير الأمر للمؤمن ممن ظلمه واعتدى عليه وأذاه ..
- ومن الممكن أن يذكرها المؤمن عبودية لله دون أن يكون هناك مشكلة .. وكأنه يستمتع ويتذوق العزة بالله من خلال ذكره لله بهذه الآية .. وكأنك تطلب منه أن يجعلك عزيزا به دائما ولا تطلب غيره ولا تحتاج لسواه .
 
2- إذا وجدت شخص يصرخ في وجهك قائلا: (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. وأنت تعلم أنك لست ظالما له .. فافرح بما طلبه من الله .. لأنه طلب من الله القصاص العدل فيما بينك وبينه .. فلعله قد دعا على نفسه من حيث لا يدري .. فانقلب الأمر عليه ..!!
 
3- ولكن لو كنت ظالما له فخاف على نفسك لأنك منذ لحظة هذه الدعوة فأنت تتعامل مع الله وليس مع العبد .. وإذا لم تصلح ما أفسدته فانتظر عدل الله فيك وسيأتي الله بالحق منك إلى الشخص الذي قام بتوكيله .. وإذا تركك الله في الدنيا لحكمة هو يعلمها .. فعليك الحسرة والندامة يوم العرض عليه .. فانتبه ..!!
 

*****************************

 

..:: س16: هل هناك أحاديث قيلت في فضل (حسبنا الله ونعم الوكيل) ؟ ::..

 
- يكفينا فضيلة ذكرها في القرآن الكريم .. ولكن هناك بعض الأحاديث قد ذكرت فضيلة لها .. أذكرها لكم وأبين لكم درجتها من الصحة والضعف ..
 
- روي حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكنهما ضعيفين ..
- الأول: عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبى الله ونعم الوكيل .. أمان كل خائف) رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان .. وذكره الألباني في الضعيفة وضعيف الجامع .. وذكره الأرنؤوط في سير أعلام النبلاء بأن إسناده ضعيف .
 
- الثاني:  عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقعْتُمْ في الأمرِ العظيمِ .. فقولوا حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ) رواه بن مردويه في تفسيره .. وقال بن كثير انه حديث غريب .. وذكره الألباني في الضعيفة وضعيف الجامع .
 
- الثالث: ولكن هناك حديث موقوف صحيح على سيدنا بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ .. قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ .. وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} آل عمران173) صحيح البخاري.
 
- الرابع: وهناك قصة حدثت جاء فيها ذكر (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. ولكنها جاءت بسند ضعيف ..
- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قال: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ، فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ») رواه أبي داود .. وذكره الألباني في الضعيفة بأنه ضعيف .. وكذلك شعيب الأرنؤوط قال بأنه ضعيف .
 
- قوله (العجز): التقصير في الإحتياط والأخذ بالأسباب التي يضمن بها حقه .
 
- قوله (الكيس): أي الذي يأخذ احتياطه ومتيقظ لأحواله .
 
- والمقصد هو أن الله يعاتب الذي لم يتأدب بأخذ الأسباب التي تضمن له حقه .. ولكن عليك أن تكون منتبها يقظ في تدبير أمورك .. ولكن إلا تم خداعك بطريقة من حيث لم تكن تحتسب .. فهنا قل (حسبنا الله ونعم الوكيل) ..
 
- شرحت الحديث بالرغم من ضعفه .. حتى تفهمه وتكون على ما فيه من علم .. ورأيت أن فيه حكمة ترشدك إلى الأخذ بالإحتياط ..
 

*******************************

 

..:: س17: ماذا أفاد قوله تعالى (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ؟ ::..

 
- يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران173-157.
 
- بعد أن ذكرت الآيات لنا قصة موقعة حمراء الأسد وما كان فيها من عزة المؤمنين بمولاهم .. وما أكرمهم به من فضل عليهم ..
 
- جاء بعد هذه الآيات .. بآية مهمة .. وهي (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ..
 
- قوله (الشيطان): المراد به وساوسه التي يرسلها من خلال أتباعه الذين ينشرون أفكاره لكي يرهبوا المؤمنين ويخوفوهم .. كجماعة بنى عبد القيس (كما في رواية حمراء الأسد) أو نعيم بن مسعود المجاشعي (كما في رواية بدر الصغرى) .
 
- (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) : أي يخوفكم أولياءه فحذف المفعول الأول كما تقول: أعطيت الأموال .. أي أعطيت القوم الأموال .. والمعنى يكون .. إنما ذلكم الشيطان الذي قال: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم .. فهذا الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه واتباعه المنتصرون لأفكاره والمؤيدون لشيطنته .. فيوهمكم أنهم عدد كثير وأولو قوة وبأس شديد .. وأن من مصلحتكم أن تقعدوا عن لقائهم ولا تواجهوا عدوكم  .. وذلك حتى يكسروا شوكتكم ويضعفوا عزيمتكم ..
 
- (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي فلا تخافوا أولئك الأولياء اتباع الشيطان .. ولا تهتموا بقولهم .
 
- وفي زمننا نجد أن الإعلام هو الوسيلة العظمي للشيطان في نشر أفكاره على التلفاز والنت .. وغير ذلك من وسائل الميديا .!!
 
- رأي تفسيري آخر: وقيل أن معنى قوله (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ): أي يخوف أولياءه المنافقين وضعفاء الإيمان ليقعدوا عن مقاتلة المشركين .. أما أنتم أيها المؤمنون الصادقون فإنكم لن يقعدكم تخويفه، لأن هذا التخويف لا أثر له في قلب المؤمن .. والله أعلم .
 
* خلاصة القول:
- لا تستسلم للشيطان ووساوس الشيطان ولا لأولياء الشيطان الذي ينشرون أفكاره بالخوف منهم .. بل جاهدهم قدر استطاعتك .. ولا تخافهم بالدرجة التي تمنعك عن جهادهم .. واستعن بالله واصبر بالله وقل يا رب .. وطالما تستطيع أن تجاهد فجاهد .. واجرك على الله .. إن كنت ممن صدقوا في إيمانهم بالله .. والله يحب المؤمنين.
 

*********************************

 

..:: س18: كيف يأمرنا الله بأن لا نخاف في حين أن الخوف هو من طبيعة تكوين الإنسان ؟ ::..

 
- قد يسأل البعض فيقول: كيف ينهانا الله عن الخوف .. في حين أن الخوف هو تكوين من طبيعة الإنسان التي لا تنفصل عنه .. وأيضا لا قدرة له على دفع ذلك عنه .. وهذا يكون تكليف بما لا نستطيع فعله ..!!
 
* قلت (خالد صاحب الرسالة):
هذا سؤال تكلم فيه المفسرون .. وارجعوه إلى أن المقصد ليس محو الخوف .. وإنما هو التدريب في الوصول إلى درجة الثبات والصبر في مواجهة الخوف ..
 
- وهذا الرأي وإن كان جيد .. ولكن فيه نظر .. لأن ما تكلموا فيه إنما هو لا علاقة له حقيقة بقوله (فلا تخافوهم) ..!! لنه هل سينتظر الرسول صحابته أن يتدربوا حتى يصلوا لمرحلة عليا في الثبات ..!! أكيد .. لا ..
 
- ولكن لي رأي (خالد صاحب الرسالة) .. والله أعلم .. وأرجو أن أكون موفق فيه .. فأقول لك:

- أولا: السؤال فيه بعض الخطأ .. لأن الله لم ينهى المؤمنين عن الخوف مطلقا .. لا .. وإنما نهاهم عن الخوف في مواجهة عدو الله ..
- إذن النهي هنا متعلق بموقف إيماني محدد .. وليس له علاقة بعموم الحياة .. حيث ان الخوف كطبيعة إنسانية ممكن أن يحدث بأي صورة وفي كذا موقف .. !!
 
- ثانيا: قوله (فلا تخافوهم) ليس المقصود به محو الخوف من نفوسهم .. لأن هذه طبيعة انسانية .. وإنما المقصود هو عدم الاسترسال في الإعتقاد بأن لهم قدرة عليكم فيصيبكم الخوف ويسكن في داخلكم .. حتى تتركوا الجهاد في سبيلي .. لا .. وإنما استحضروا خوفي في أنكم إلىَّ راجعون فأعاقبكم لو عصيتم رسولي .. فلا تعصوا رسولي واخرجوا معه للجهاد .. ومن استحضر خوفي فلا يصح أن يستحضر خوف الشيطان في نفسه .. واتخذوا من الأسباب ما يعينكم على طرد الخوف وهو الصبر وصدق التوجه إلى الله ..
 
- فكأن الله يقول لهم: لا تخافوهم لدرجة أن يستوطن الخوف فيكم فتجبنوا .. ولكن خافوني حتى يستوطن خوفي فيكم فتأمنوا .. إن كنتم مؤمنين بي . والله أعلم .
 
- ولذلك وصف حال المؤمنين في مواجهة الأحزاب .. بأنه أصابهم زلزال شديد في مواجهة أعداء الله .. وهذا الزلزال هو أعلى درجات الخوف والإضطراب والفزع .. (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) الاحزاب11.
 
- ولكن انتبه .. فإن هذا الخوف لم يمنعهم من مواصلة الجهاد والاستمرار فيه .. !!
 
- يبقى حاول أن تنتبه أن الخوف المنهي عنه في الآية (فلا تخافوهم) هو نهي عن الخوف الذي يتملكك بالدرجة التي تجعلك تتراجع عن أداء الواجب منك في مواجهة عدو الله .. أما ما يحدث لك من خوف أثناء المواجهة فهذا أمر طبيعي لأنه صفة في النفس .. ولكن الله يثبت المؤمنين .
- هذا رأيي والله أعلم .
 

****************************

 

..:: س19: لماذا قال تعالى (إن كنتم مؤمنين) .. في حين هم مؤمنون بالفعل ؟ ::..

 
- قد يخطر ببالك عند قوله (إن كنتم مؤمنين): فتقول كيف ذلك وهم مؤمنون بالفعل وصادقون أيضا في إيمانهم  ؟
- قلت لك .. لا أنت فهمت خطأ .. وإنما هذا أسلوب تحريض للمؤمنين على اشعال وإلهاب الحمية والعزيمة فيهم .. فيقولوا بل مؤمنين يا رب وسترى منا ما يرضيك ..!!
 
- كما تقول لشخص لديه جسم قوي .. لو كنت رجل قوي ساعدني في رفع هذه الصخرة الكبيرة من الطريق .. !! فأنت تعلم أنه يستطيع ذلك .. ولكنك تحرك فيه العزيمة والهمة وتحرضه على فعل ذلك .
- والله أعلم .
 

****************************

..:: س20: هل هناك قصص أخرى دلت على مواجهة الخوف بعزة الله ولم يستسلموا ؟ ::..

 
- بالرغم من تفسير الآيات السابقة والتي فيها من الإيمان ما يجعلك ترتقي به في معاملتك مع الله .. ولكن أحببت أن أذكر لك بعض القصص التي قد تجد فيها إشارات في نفسك ..
 
1- موقف سحرة فرعون أمام فرعون حينما أخافهم .. (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى . قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى . قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى . وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى . جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ) سورة طه 70-76..
 
2- وكذلك موقف مؤمن آل فرعون حينما اتخذ من التفويض الإلهي سببا إلى الله .. (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) من سورة غافر44-45 ..
 
3- موقف سيدنا بلال حينما تم تعذيبه .. فقد روي بن الجوزي عن عروة بن الزبير، عن أبيه .. (أن ورقة بن نوفل كان يمر ببلال، وهو يعذب فيقول له: أحد أحد يا بلال، ثم أقبل على أمية بن خلف وهو يصنع ذلك ببلال فقال له: والذي نفسي بيده، لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانًا (أي موضع بركة ورحمة فأتمسح به متبركًا) ، حتى مر به أبو بكر الصديق يوماً وهم يصنعون ذلك به فقال لأميه : ألا تتقي الله عز وجل في هذا المسكين؟ حتى متى؟ قال: أنت أفسدته فأنقذه عما ترى، قال أبو بكر: أفعل) رواه  بن الجوزي في صفوة الصفوة ج1 ص164.
 
- والشاهد من قصة بلال رضي الله عنه .. أنه في قمة تعذيبه كان عزيزا بالله ولم يتوقف لسانه وقلبه عن قوله (أحد أحد .. أحد أحد .. أحد أحد ....) .. فكان ذكر الله هو عزه في محنته وابتلاءه .. ولم يزيده عذابهم له إلا مزيد عزة بالله وتعلق به جل جلاله ..
 
4- وموقف السيدة سُمَيَّة وزوجها ياسر رضي الله عنهما .. قال ابن هشام في السيرة النبوية: (وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر ، وبأبيه وأمه ـ وكانوا أهل بيت إسلام ـ إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة (وهي الرمل الحار من شدة حرارة الشمس)، فيمر بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: ( صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدَكم الجنة) ، فأما أمه فقتلوها ، وهي تأبى إلا الإسلام) سيرة بن هشام ج1 ص189
 
* والشاهد من القصة .. بالرغم من شدة التعذيب .. إلا أن السيدة سمية رضي الله عنها قد فضلت الموت وهي عزيزة بالله .. ولم تتراجع ظاهرا ولا باطنا عن عزتها بالله .
 
- وغير ذلك من القصص القرآنية الكثيرة التي فيها مواجهات بين الحق والباطل .. فإن الخوف لم يثني هؤلاء عن الوقوف أمام الباطل بكل قوة قلبية .. بالرغم من فقد الحيلة والأسباب في غالب الحالات .. ولكن كانت لهم قوة قلبية تمسكوا بها وهي التي تسمى الإيمان واليقين في الله .. لأنهم ارتضوا بأن يكون أعزة بالله .. لأن قلوبهم تعلقت به جل جلاله .
 
- والمنتبه للقصص السابقة سيجد أمر مهم .. وهو أن هناك من خرج من الابتلاء وكسيدنا بلال ومؤمن آل فرعون .. وهناك من مات مقتولا كالسيدة سمية زوجة ياسر وكسحرة فرعون الذين تابوا .. ولكن الجمع كان قد ضحى بحياته لله قبل أن يموت .. لأنه أعلن أنه عزيز بالله . والعزيز بالله هو حي بالله في معية مولاه .. حتى ولو قتله عدو الله .. ولكن هي أقدار يريدها الله لحكمة .. والله عنده حسن الثواب .
 
- فدائما مع ظهور عوارض الخوف أو الأمور التي تدعو إلى الخوف إلا أن الإيمان كان يعلو على غريزة الخوف .. لسكون القلب في محراب مولاه عزيزا به .. وأن الدنيا دار ابتلاء وأنه لن يصيب الإنسان إلا ما قدره له الله .. والعاقبة للمتقين ..

******************************* 

- فإذا علمت ما سبق .. من إيمان وتوكل عزة بالله .. فهذا أوان بعض الطرق التي تعينك على تقويتك أمام مخاوفك .. بإذن الله .. وإن كان ما سبق هو طرق علاجية للخوف لو كنت بصيرا ..!!
 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

 والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -   ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..