ج13: رسالة الحق والنور - لماذا تم تزكية الإمام الزهري لتدوين الحديث النبوي - هل الإمام الزهري هو أول من كتب الحديث النبوي - هل الإمام الزهري كان يحب كتابة الحديث النبوي - هل الإمام الزهري كان متواطيء مع الحكام والسلاطين ويكتب ما يرضيهم - هل ضاعت الكتب التي كتبها الإمام الزهري والإمام أبي بكر بن حزم - ما السبب الذي جعل الخليفة عمر بن عبد العزيز يجمع الحديث - ما هي الأحاديث الضعيفة بكتابة الحديث النبوي والتي يجب الإنتباه لها في زمن التابعين.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الحق والنور

في موجز علم تدوين الحديث الشريف

وتبرئة البخاري ممن شهد عليه بالزور

(الجزء الثالث عشر)

* فهرس:

:: الفصل الثاني عشر :: تابع - مراحل تدوين الحديث الشريف والإعتناء به ::

- تابع/ المرحلة الثالثة .. (زمن التابعين) ..

1- س40: هل الإمام الزهري كان يحب كتابة الحديث النبوي ؟

2- س41: لماذا تم تزكية الإمام الزهري لتدوين الحديث النبوي ؟

3- س42: هل الإمام الزهري هو أول من كتب الحديث النبوي ؟

4- س43: هل الإمام الزهري كان متواطيء مع الحكام والسلاطين ويكتب ما يرضيهم ؟

5- س44: هل ضاعت الكتب التي كتبها الإمام الزهري والإمام أبي بكر بن حزم ؟

6- س45: ما السبب الذي جعل الخليفة عمر بن عبد العزيز يجمع الحديث ؟

7- س46: ما هي الأحاديث الضعيفة بكتابة الحديث النبوي والتي يجب الإنتباه لها في زمن التابعين ؟

***************************

:: الفصل الثاني عشر ::

:: تابع/ مراحل تدوين الحديث النبوي والإعتناء به ::

:: تابع/ المرحلة الثالثة .. (زمن التابعين) ::

(مناقشة مسائل تتعلق بالإمام الزهري رحمه الله)

***********************

 

..:: س40: هل الإمام الزهري كان يحب كتابة الحديث النبوي ؟ ::..

 

- من المهم أن تعرف أن الإمام الزهري رحمه الله لم يكن يحب كتابة الحديث النبوي إلا فقط لمن يحفظه كمذاكره شخصية .. وليس لنشره على الناس .. ولذلك كان يكتب العلم ويحتفظ به لنفسه .. لأنه كان يرى أن التلقين والحفظ هو ما كان عليه الحال من زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. والكتابة إنما كانت حال شخصي للحفظ أيضا والمذاكرة .. ولكن تراجع عن كراهيته لكتابة الحديث وسمح بنشره للعامة .. لسببين:

 

1- حينما طلب منه السلطان أن يفعل ذلك .. كعمر بن عبد العزيز .. ومن جاء بعده .. حيث يقول الإمام الزهري: (كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَةَ الْعِلْمِ، حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَمْنَعَهُ أَحَدًا) رواه الدارمي وقال محققه الشيخ حسين الداراني: إسناده صحيح.

- وفي رواية بلفظ: (كُنَّا نَكْرَهُ كِتَابَ الْعِلْمِ حَتَّى أَكْرَهَنَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءُ فَرَأَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم .. وقال محققه سعد عبد الغفار: إسناده صحيح.

 

2- وسبب آخر لكتابته العلم وخاصة الحديث النبوي .. هو ما قاله الإمام الزهري: (لَوْلَا أَحَادِيثَ تَأْتِينَا مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ نُنْكِرُهَا لَا نَعْرِفُهَا .. مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا وَلَا أَذِنْتُ فِي كِتَابِهِ) رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم .. ورواه بن سعد في الطبقات ..

- وفي رواية بلفظ: (مَا كَتَبْتُ حَرْفًا .. وَلَا أَذِنْتُ فِي كِتَابَتِهِ) رواه الفسوي في المعرفة التاريخ.

- (قلت خالد صاحب الرسالة على رواية الخطيب): الحديث صحيح .. كله ثقات وأهل صدق .. وبن أخو الزهري هو (الإمام العالم الثقة أبو عبد الله ، محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني) .

- والله أعلم .

 

************************

 

..:: س41: لماذا تم تزكية الإمام الزهري لتدوين الحديث النبوي ؟ ::..

 

- كثيرا ما تقرأ .. أن أول من دوَّن أو جمع الحديث النبوي هو بن شهاب الزهري التابعي الثقة .. وذلك كان بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة 99 هجرية .. بأن يجمع الأحاديث مجموعة على أبواب التشريع بما بلغه من العلم بالحديث ..

- ولكن ما الأسباب التي جعلت من الإمام بن شهاب الزهري محل ثقة ليقوم بتدوين الحديث أي جمعه مرتبا .. ؟!!

 

* إليك ثلاثة أسباب رئيسية في تزكية الإمام بن شهاب في تدوين الحديث:

1- قوة الحفظ ..

- جاء عن ابْنُ وَهْبٍ أنه قال: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبِي قَطُّ شَيْئًا فَنَسِيتُهُ) رواه الخطيب البغدادي في أخلاق الراوي، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح كله ثقات إلا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ فإنه صدوق حسن الحديث.

 

- وعن إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قال: حَدَّثَنِي مَعْنٌ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: (جَمَعَ ابْنُ شِهَابٍ الْقُرْآنَ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وإسناده صحيح.. وإبراهيم بن المنذر صدوق حسن الحديث .

 

- وفي رواية بسند ضعيف أذكرها لك لتنتبه منها ويكررها كثير من أهل العلم ليستدلوا على قوة حفظ الإمام الزهري .. وهذه الرواية هي عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: (مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا قَطُّ، وَلا شَكَكْتُ فِي حَدِيثٍ إِلا حَدِيثًا وَاحِدًا فَسَأَلْتُ صَاحِبِي فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ) رواه بن الجوزي في كتاب الحث على حفظ العلم .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفي سنده عبد الرحمن بن اسحاق .. وهو ضعيف الحديث.

 

2- الثاني: كتابته لكل ما سمعه بسند:

- عن صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ (تابعي) قَالَ: (اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَقُلْنَا: نَكْتُبُ السُّنَنَ فَكَتَبْنَا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَقُلْتَ أَنَا: لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَا نَكْتُبُهُ، وَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ) رواه بن عبد البر في جامع العلم .. وقال محققه الشيخ أبو الأشبال الزهيري: إسناده صحيح.

 

- وفي رواية عن صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: (كُنْتُ أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ، وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَنْ نَكْتُبَ السُّنَنَ فَكَتَبْنَا كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ بِنَا مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: لَا، لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَقَالَ هُوَ: بَلْ هُوَ سُنَّةٌ، وَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ، فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ) رواه بن عبد البر في جامع العلم .. وقال محققه الشيخ أبو الأشبال الزهيري: إسناده صحيح.

 

- وهذا يدل على أن الإمام الزهري كان يكتب ليس فقط حديث النبي صلى الله عليه وسلم .. بل وكان يكتب ما بلغه عن الصحابة رضي الله عنهم أيضا .

 

- تنبيه: يوجد رواية منتشرة في الكتب للدلالة على أن بن شهاب كان يكتب الحديث .. وهي رواية لا تصح وهي ضعيفة جدا أو موضوعة: عن الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (كُنَّا نَكْتُبُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ) رواه الخطيب البغدادي في أخلاق الراوي .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف جدا أو موضوع .. وأَبُو غَزِيَّةَ هذا متروك الحديث هو محمد بن يحيى المدني.

 

3- وهناك سبب ثالث .. وهو شهادة أهل العلم له بالعدالة والضبط والتوثيق .. وهذه الشهادة مدونة في كتب وتراجم أهل العلم .. بما يغني عن ذكرها ..

 

*******************************

 

..:: س42: هل الإمام الزهري هو أول من كتب الحديث النبوي ؟ ::..

 

- قلنا في أجزاء سابقة .. أن الحديث تم كتابته من زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. فليس الإمام الزهري ليس أول من كتب الحديث .. وإنما أول من قام بتدوين الحديث أي جمعه مرتبا ..

 

- البعض يختلط عليه مسألة مهمة وهي أنه يظن أن الإمام الزهري هو أول من كتب الحديث .. وهذا خطأ .. وإنما هو أول من قام بتدوين الحديث .. أي جمعه ورتبه على أبواب التشريع .. فجمع أحاديث الصلاة مع بعض وأحاديث الزكاة مع بعض .. وهكذا .. وليس ما كان من خلال أسانيده فقط .. وإنما بما وصل إلى دار الخلافة حينئذ في زمن عمر بن عبد العزيز .. من الذين كانوا بلغهم حديث النبي بالسند وكتبوه وأرسلوه إلى دار الخلافة في الشام كما كان طلب منهم الخليفة عمر بن عبد العزيز .. ثم قام الزهري بجمع هذه الأحاديث ورتبها على أبوابها ووضعها في دفترا أو مجلد واحد .. وتم إرسال هذا الدفتر إلى كل البلاد التي تخضع لسلطان الخليفة حينئذ .

 

- فالزهري لم يكتب الحديث النبوي .. وكأنه كان هو فقط من كان يعرف الحديث .. أو أصبح يسعى في الطرقات يسأل عمن يعرف حديثا للنبي فيكتبه .. فهذا تصور ساذج يريد أن يظهره بعض جماعة القرآنيين للعامة حتى يوهموهم بأنه كيف يتم كتابة الحديث بعد مائة سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ..!! وقولهم هذا هو مطلق الكذب مع مطلق الجهل .. !! لأن ليس هذا ما فعله الزهري .. بل وهناك فرق بين كتابة الحديث وتدوين الحديث ..

 

- وإليك تفصيل ما سبق:

1- فما فعله الزهري في زمن عمر بن عبد العزيز .. إنما هو تدوين لم يسبقه إليه أحد مرتبا على أبواب التشريع .. فجمع ما لديه .. وما تم إرساله إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز مما تم إرساله من البلاد التي كنت تحت سلطانه .. ثم قام الزهري بتدوين ذلك وترتيبه .

 

2- والفرق بين الكتابة والتدوين ..

- هو أن الكتابة: لفظ يقال على ما يخطه الإنسان كتابة .. وليس بالضرورة أن يكون مرتبا أو مجموع في كتاب واحد ..

 

- والتدوين: هو لفظ يقال على ما يخطه الإنسان مجموعا ومرتبا ..

 

- ومثال ذلك: كتابة القرآن كانت مكتوبة على رقاع متعددة .. ولكن لما جمعها أبو بكر في كتاب واحد .. كان هذا يسمى تدوين القرآن .. أي جمعه في مكان واحد ..

 

* ولذلك المدونات التي يتم صناعتها على الإنترنت .. فهي اسمها مدونة .. لأنها تجمع علم صاحب هذه المدونة في مكان واحد .

 

* روايات لم تصح .. وعليك أن تنتبه لها:

- يوجد روايات يتم نشرها في الكتب وفي مواقع الإنترنت لبيان أن بن شهاب هو أول من دون الأحاديث .. ولكن لما تتبعتها وجدتها لم تصح .. ووجدت روايات أخرى لم ينتبه لها أهل العلم وهي روايات صحيحة تدل على أن بن شهاب هو أول من دون الأحاديث ..

 

- أولا: الروايات الغير صحيحة:

1- عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ) رواه بن عبد البر في جامع العلم وفضله .. وقال محققه الشيخ أبو الأشبال الزهيري: إسناده موضوع.

 

2- روي عن بن شهاب أنه قال: (لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني)  (قلت خالد صاحب الرسالة): ذكره صاحب الرسالة المستطرفة بدون سند ..!! ولم أجد له أي سند فيما توافر لدي من كتب أهل العلم ..!! ولكني وجدت ما يشير لمعناه في المعرفة والتاريخ للفسوي رحمه الله .. وسيأتيك بيانها في الروايات الصحيحة التالية .

 

- ثانيا: عن الروايات الصحيحة :

1- عن يعقوب الفسوي قال: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: (مَا صَبَرَ أَحَدٌ عَلَى الْعِلْمِ صَبْرِي، وَلَا نَشَرَهُ أَحَدٌ نَشْرِي) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث صحيح إسناده ثقات .

- وقوله (وَلَا نَشَرَهُ أَحَدٌ نَشْرِي): مثل تدويني .. أي لم يفعل أحد في نشر العلم من خلال كتابته تدوينه ونشره مثلي ..

- ولعل من هذا الحديث تم تداول مفهوم (لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني) .. بدلا من قوله (وَلَا نَشَرَهُ أَحَدٌ نَشْرِي) .. والله أعلم .

 

2- عن يعقوب الفسوي قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأويسي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: (أَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ لِلنَّاسِ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ ابْنُ شِهَابٍ) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): إسناده صحيح ورواته كلهم ثقات.

- وقوله (أول من وضع هذه الاحاديث): أي دونها وجمعها ورتبها في مجلد أو دفترا .. وأخرجها للناس لتكون مرجعا لهم مكتوبا.. بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز .

- وهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد .. أفضل وأصح في الرواية بدلا من حديث أنس بن مالك الغير صحيح ..

- والله أعلم .

 

*********************************

 

..:: س43: هل الإمام الزهري كان متواطيء مع الحكام والسلاطين ويكتب ما يرضيهم ؟ ::..

 

 - من الأمور السيئة جدا والتي ما كنت أتصور أن يكتب فيها أحد .. هو أن تجد بعض جماعة القرآنيين وهو يخوض مغتابا في نزاهة الإمام الزهري .. متهما له بالمداهنة والكذب في رواية الحديث ..!!

 

- ومعنى كلمة المداهنة .. هي كسب الود والدعم من خلال التساهل فيما يهواه ويفعله البعض من منكرات .. والسكوت عن شرورهم .. ولا إنكار عليهم لما فيه ظلم ومخالفة يفعلونها .. وكأنك تظهر الرضا أمامهم بما يفعلون حتى ولو كان داخلك منكر لهم .. لأنك تفعل هذه المداهنة لمكاسب دنيوية تعود عليك .. في حين كان لديك القدرة على الإعتراض والإنكار وابداء النصح لهم بالحق .    

 

- قولا زورا قيل على الإمام الزوهري من بعض جماعة القرآنيين:

- قالوا بعض جماعة القرآنيين .. أن الإمام الزهري كان يداهن أهل السلطة بالباطل من أجل المال .. وكان يكذب في رواية الحديث لإرضائهم .. حتى جعلوه معلما لأبنائهم ..!!

 

- وللجواب على ذلك أقول:

1- في إثبات العلم ونفيه إنما يكون بالعلم والدليل .. وليس بالنيل من مقام الناس ونزاهتهم إغتيابا لهم والشهادة الزور عليهم .. لأن هذا إن دل فإنما يدل على نفسية من شهد بالزور .. بأنه قد امتلأ بالحقد حتى عمى قلبه عن إدراك الحق ..، وما قالوه هذه الجماعة القرآنية من شهادة زور، واغتياب بالباطل في حق هذا العالم الجليل .. فحسبهم ما قالوه .. وعليهم من الله ما يستحقون .. وما أقبح أن يجعل الإنسان انتصاره بالكذب والشهادة الزور على عباد الله ..!!

 

2- كيف يُعقل أو يُقبل مثل هذا الإتهام الوقح بهذه الشهادة الزور .. وقد شهد من حضر معه وجالسه بعدالته ونزاهته وثقته وإمامته وإتقانه في العلم ؟!! ثم يأتي بعد أكثر من ألف وثلاثمائة سنة من يتهمه بالكذب في كتابة الحديث ومداهنة الأمراء والسلاطين بالباطل .. ؟!!

 

- فمن الأولى بالتصديق حينئذ .. الذين عاصروه وجالسوه وترجموا له .. أم الذين جاؤوا بعد أكثر من ألف وثلاثمائة سنة ليطعنوا فيه ؟!! أفلا تعقلون يا ناس ..؟!!

 

- وكيف لعاقل أن يقبل كلام هؤلاء القرآنيون ممن شهد زورا في حق علماء شهد لهم القريب والبعيد بالنزاهة الفضل ؟!! وهل يُعقل أن تصدق حكم أحد على شخص جاء بعد ألف وثلثمائة سنة ليتهمه ويشهد عليه بشهادة زور .. من خلال رواية أو قصة أو واقعة قرأها في كتاب .. ؟!!

 

3- عن أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ: (ما ادهن ابْنُ شِهَابٍ لِمَلِكٍ قَطُّ دَخَلَ عَلَيْهِ .. وَلَا أَدْرَكَ أَحَدٌ خِلَافَةَ هِشَامٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَفْقَهُ مِنْهُ) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سند ضعيف لأن فيه أيوب بن سويد..، ولكن يؤيدها ما قاله فيه أئمة المسلمين ممن عاصروه أو أخذوا عنه أو ترجموا له ..

 

4- أما عن كون بن شهاب كان يجالس أهل السلطة أو يعلم أبنائهم .. فهذا لا شبهة فيه حتى ولو كانوا ظالمين .. إلا لو كان هذا المغتاب الطاعن في نزاهة الإمام الزهري .. مكذبا لكلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم .. حيث يقول تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) الممتحنة8.

- ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّه سيكونُ بعدي أمراءُ فمَن دخَل عليهم، وصدَّقهم بكذبِهم، وأعانهم على ظُلمِهم .. فليس منِّي ولستُ منه ولا يرِدُ علَيَّ الحوضَ .. ومَن لم يدخُلْ عليهم، ولم يُصدِّقْهم بكذبِهم، ولم يُعِنْهم على ظُلمِهم .. فهو منِّي وأنا منه وسيرِدُ علَيَّ الحوضَ) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح .

 

- فالمجالسة مع الظالم ليست مشكلة في ذاتها .. وإنما المشكلة في اتباع الظالم وموافقته على ما كان يفعله ومعونته على ذلك .. والله أعلم.

 

5- أما عن كون الإمام الزهري كان يقبل العطية من الحكام .. فهذا لا شبهة فيه .. لأنه منذ متى وكانت العطية أمرا منكرا ؟!! .. ألم يأت في الحديث عن خالد بن عدي الجهني قال: (مَنْ بلغَهُ عن أَخِيهِ مَعْرُوفٌ من غَيْرِ مسألةٍ ولا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ ولا يَرُدَّهُ، فإنَّما هو رِزْقٌ ساقَهُ اللهُ إليهِ) رواه بن حبان والحاكم .. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي .. وذكره الألباني في الصحيحة.

 

- وفي رواية لقصة بين عمر بن الخطاب وأحد الصحابة وهو عبد الله بن السعديِّ .. جاء فيها: (أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ أعطى ابنَ السَّعديِّ ألفَ دينارٍ فأبى أنْ يقبَلَها وقال: أنا عنها غنيٌّ فقال له عمرُ: إنِّي قائلٌ لك ما قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا ساق اللهُ إليك رزقًا مِن غيرِ مسألةٍ ولا إشرافِ نفسٍ فخُذْه فإنَّ اللهَ أعطاكه) صحيح بن حبان .. وأصل القصة في سنن النسائي .. وقال الأرنؤوط في تحقيق بن حبان: إسناده صحيح على شرط مسلم ..

 

- قوله (من غير مسألة): من غير طلب منك .

- قوله (إشراف نفس): أي لا تتطلع إليه في نفسك طامعا فيه .. بأن تظهر نفسك لمعطي المال عسى أن يعطيك منه ..

- والقصد في قوله (غير مسألة ولا إشراف نفس): هو أنه لو أتاك عطاء من المال من باب الله من غير ما كان يخطر على بالك ولم تكن تفكر فيه .. فخذه وأقبله (حتى لو كنت غير محتاج وكنت غنيا) .. لأنه عطاء ورزق من الله أرسله إليك.

 

- قال الشيخ محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي (المتوفى:1426 هـ):

- في اختلاف أهل العلم في حكم أخذ الشخص ما جاءه من المال، من غير مسألة، ولا إشراف، وفي عطيّة السلطان:

- قال النوويّ - رحمه اللَّه تعالى -: اختلف العلماء فيمن جاءه مالٌ، هل يجب قبوله، أم يُندبُ؟ على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحبّ في غير عطيّة السلطان، أما عطيّة السلطان، فحرّمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أَعطَى من لا يستحقّ، وإن لم يغلب الحرام، فمباحٌ، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقالت طائفة: الأخذ واجبٌ من السلطان وغيره.

- وقال آخرون: هو مندوبٌ في عطيّة السلطان، دون غيره .. واللَّه أعلم انتهى كلام النوويّ.

- وقال الحافظ: والتحقيق في المسألة أن من عُلِمَ كون ماله حلالًا، فلا تردّ عطيّته، ومن عُلم كون ماله حرامًا، فتحرم عطيّته، ومن شُكّ فيه، فالاحتياط ردّه، وهو الورع، ومن أباحه أَخَذَ بالأصل.

- قال ابن المنذر: واحتجّ من رخّص فيه بأن اللَّه تعالى قال في اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}، وقد رهن الشارع درعه عند يهوديّ، مع علمه بذلك، وكذلك أَخَذَ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير، والمعاملات الفاسدة انتهى.

- قال الجامع (عبد الله الولوي) - عفا اللَّه تعالى عنه - أرجح الأقوال عندي:

- في مسألة القبول .. القولُ بالوجوب لظواهر النصوص .. إذ هي بصيغة الأمر، ولا صارف له إلى الندب، وما ادعاه بعضهم من الإجماع على الندب غير صحيح .. لما عرفت من الخلاف.

- وأما عطيّة السلطان .. فالتفصيل الذي ذكره الحافظ - رحمه اللَّه تعالى- هو الصواب ..

- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

شرح سنن النسائي المسمى "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ج 23 ص 272 – 273

 

*******************************

 

..:: س44: هل ضاعت الكتب التي كتبها الإمام الزهري والإمام أبي بكر بن حزم ؟ ::..

 

- ظن البعض أنه يوجد روايات تدل على ضياع الكتب التي قام بكتابتها كلا من الإمام أبي بكر بن حزم وبن شهاب الزهري .. وعموما نناقش هذه المسألة من روايتين:

1- الرواية الأولى: وهي الخاصة بأبي بكر بن حزم ..

- عن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عمرو بن حزم وكان عُمر قد أَمَّرَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَاضِيًا .. قال مالك: وَقَدْ وَلِيَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ الْمَدِينَةَ مَرَّتَيْنِ أَمِيرًا .. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: السُّنَنُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَتَبَهَا لَهُ .. قَالَ مَالِكٌ: فسألت ابنه عبد الله بن أبي بكر عَنْ تِلْكَ الْكُتُبِ فَقَالَ: ضَاعَتْ) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): محمد بن أبي زكير يحيى بن إسماعيل الفقيه .. صدوق الحديث .. قد ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام (برقم424 ج5 ص935 ) .. والله أعلم .

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قوله (فكتبها له): تدل على أنه كتبها وأرسلها له .. وبكل تأكيد كانت لديه نسخة منها محتفظ بها احترازا من ضياع النسخة المرسلة لأي سبب .. فكانت لديه هذه النسخة محتفظا بها .. وهي النسخة التي سأل عنها الإمام مالك ..

- قوله (ضاعت): ليس المقصود أن ما كتبه أبي بكر بن حزم قد ضاع قبل وصوله لعمر بن عبد العزيز .. لا .. وإنما المقصد هو ضياع النسخة التي كان محتفظا بها .. والله أعلم .

 

2- الرواية الثانية: وهي الخاصة بابن شهاب الزهري ..

- عن يعقوب الفسوي قال: حَدَّثَنِي أبو بكر بن عبد الملك حدثنا عبد الرزاق قال: قال معمر: (كنا نرى أنا قَدْ أُكْثِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى قُتِلَ الْوَلِيدُ، فَأُخْرِجَتْ دَفَاتِرُ الزُّهْرِيِّ قَدْ حُمِلَتْ عَلَى الدَّوَابِّ) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.. (قلت خالد صاحب الرسالة): إسناده صحيح .. وأبو بكر هو  محمد بن عبد الملك بن زنجويه.

 

- وفي رواية ذكرها الإمام الذهبي بلفظ: (كُنَّا نَرَى أَنَّا قَدْ أَكْثَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى قُتِلَ الْوَلِيدُ فَإِذَا الدَّفَاتِرُ قَدْ حُمِلَتْ عَلَى الدَّوَابِ مِنْ خَزَائِنِهِ، يَعْنِي مِنْ عِلْمِ الزُّهْرِيِّ) رواه الذهبي في تاريخ الإسلام .. ثم قال الذهبي: (قُلْتُ: يَعْنِي الْكُتُبَ الَّتِي كُتِبَتْ عَنْهُ لِآلِ مَرْوَانَ).

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ولعل الإمام الذهبي يشير إلى مثل هذه الرواية - عن هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَامِيُّ قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ: (أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ الزُّهْرِيّ أَنْ يُمْلِيَ عَلَى بَعْضِ ولده، فدعا بكاتب فأملى عَلَيْهِ أَرْبَعَ مِائَةِ حَدِيثٍ، ثُمَّ خَرَجَ الزُّهْرِيُّ مِنْ عِنْدِ هِشَامٍ قَالَ: أَيْنَ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ الْحَدِيثِ: فَحَدَّثَهُمْ بِتِلْكَ الْأَرْبَعِ مِائَةِ حَدِيثٍ، ثُمَّ أَقَامَ هِشَامٌ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ الَّذِي أَمْلَيْتَ عَلَيْنَا قَدْ ضَاعَ. قَالَ: فَلَا عَلَيْكَ ادْعُ بِكَاتِبٍ. فَدَعَا بِكَاتِبٍ فَحَدَّثَهُ بِالْأَرْبَعِ مِائَةِ حَدِيثٍ، ثُمَّ قَابَلَ هِشَامٌ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ فَإِذَا هُوَ لَا يُغَادِرُ حَرْفًا وَاحِدًا) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح وكله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي وإن كان ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره .

 

* قلت (خالد صاحب الرسالة):

- مما سبق يتبين لك أن الكتب التي كانت عند آل مروان .. إنما هي ما كان يمليها الزهري في تعليمه في بيت الخلافة .. ولكن هذه الكتب خلاف ما كتبه في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز .. لأنها تم نشرها وتوزيعها على البلاد الإسلامية في ذلك الوقت .. ودليل ذلك:

 

- ما جاء في رواية عن مَعْن بن عيسى قال: حدثنا سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ مَوْلَى الزُّهْرِيّين مُعَلِّمُ كُتَّابِ دَارِ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَاب يُحَدِّثُ سَعْد بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: (أَمَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيْز بِجَمْعِ السُّنَنِ فَكَتَبْنَاهُ دَفْتَرًا دَفْتَرًا فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٌ دَفْتَرًا) التاريخ الكبير لابن أبي خيثمه .. (قلت خالد صاحب الرسالة): إسناده صحيح أو حسن .. لأن سعيد بن زياد وثقه الذهبي .. وقال بن حجر: مقبول الحديث ..

 

* وانتبه من هذه المعلومة الخاطئة:

- قد ذكر البعض أن كُتب الزهري ضاعت ولم يتم نشرها في عهد عمر بن عبد العزيز .. وهذا كلام خطا .. ليه ؟

- لأنه جاء في رواية عن مَعْن بن عيسى قال: حدثنا سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ مَوْلَى الزُّهْرِيّين مُعَلِّمُ كُتَّابِ دَارِ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَاب يُحَدِّثُ سَعْد بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: (أَمَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْد الْعَزِيْز بِجَمْعِ السُّنَنِ فَكَتَبْنَاهُ دَفْتَرًا دَفْتَرًا فَبَعَثَ إِلَى كُلِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٌ دَفْتَرًا) التاريخ الكبير لابن أبي خيثمه .. (قلت خالد صاحب الرسالة): إسناده صحيح أو حسن .. لأن سعيد بن زياد وثقه الذهبي .. وقال بن حجر: مقبول الحديث ..

 

- فهذه الرواية توضح أنه تم إرسال ما قام بتدوينه الإمام الزهري إلى كل مكان في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز وليس بعد وفاته .. بدليل قوله (فَبَعَثَ (أي عمر بن عبد العزيز) إِلَى كُلِّ أَرْضٍ لَهُ عَلَيْهَا سُلْطَانٌ دَفْتَرًا) ..

- والله أعلم .

 

*************************

 

..:: س45: ما السبب الذي جعل الخليفة عمر بن عبد العزيز يجمع الحديث ؟ ::..

 

- لعل السبب الأقوى في جمع الأحاديث .. هو ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: (كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ : أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَكَ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِحَدِيثِ "عَمرة بن عبد الرحمن" ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَهُ) رواه الدارمي .. وقال محققه الشيخ حسين الداراني: إسناده صحيح.

 

- قوله (دروس العلم وذهابه): أي ضياع العلم ..، وهذا هو السبب الرئيسي في جمع الأحاديث حيث قد انتهى عصر الصحابة كبار وصغار وانتهى عصر كبار التابعين وبقي صغارهم .. فخاف أن يضيع العلم خاصة وأن كثير من العلماء كان يفضل تلقين العلم بدون كتابة ..!!

 

- قوله (عُمْرَةٍ): هي (عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية) .. قد روت الحديث عن السيدة عائشة لكثرة مصاحبتها لها .. وروى عنها الحديث كثير من أئمة التابعين مثل سليمان بن يسار ، عروة بن الزبير، وعمرو بن دينار، وبن شهاب الزهري .. وغيرهم كثيرين .

 

*****************************

 

..:: س46: ما هي الأحاديث الضعيفة بكتابة الحديث النبوي والتي يجب الإنتباه لها في زمن التابعين ؟ ::..

 

- أخي الحبيب .. جمعت لك بعض الروايات المشهورة والمتداولة في كتب بعض أهل العلم عن بعض التابعين .. ولكن لا يصح الإحتجاج بها للضعف الذي في هذه الروايات مما يثير في النفس ريبة وشك .. وقد أثبتها لك لتكون على علم بها حتى تحترز من نقلها ولا تظن أنها صحيحة .. وبالرغم من أنها ليست أحاديث نبوية .. إلا أنها أيضا أقوال ليست صحيحة فيمن نقلت عنهم من التابعين ..

 

* وانتبه لشيء مهم أخي الحبيب ..

- ستجد بعض هذه الروايات قد ذكرت لك ما يشبهها في الأدلة الصحيحة .. ولكن ليست مثلها .. ومثال ذلك ستجدني هنا أذكر لك روايات عن سعيد بن جبير وأقول لك أنها ضعيفة .. في حين روايات أخرى عن سعيد بن جبير بنفس المعنى أو قريبة منها قد ذكرت لك الصحيح منها وأثبته لك فيما قبل .. وذلك لأن الإسناد في الروايات التي أذكرها لك هنا هي أسانيد ضعيفة ولا يصح تدوينها إلا للإحتراز منها والتنبيه على أنها روايات ضعيفة أو موضوعة .. حتى لا ياخذها البعض حجة عليك كما سأوضح لك ذلك بعد قليل ..  

 

- وكمثال عن رواية صحيحة: عن سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: (كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي طَرِيقِ مَكَّةَ لَيْلًا، وَكَانَ يُحَدِّثُنِي بِالْحَدِيثِ فَأَكْتُبُهُ ....) رواه الدارمي .. وقال محققه الشيخ حسين الداراني: إسناده صحيح.

* ولكن هذه رواية ضعيفة .. عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (كُنْتُ أَكْتُبُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي صَحِيفَةٍ) رواه الدارمي .. وقال محققه الشيخ حسن الداراني: رجاله ثقات غير أن ابن مندة قال: جعفر بن أبي المغيرة ليس بالقوي في سعيد بن جبير.

 

- فمما سبق ستجد تشابه في المعنى بين الروايتين ولكن أحدهما صحيحة والأخرى ضعيفة ..

 

- وسبب ما يجعلني أكتب لك ذلك .. هو وجود بعض النفوس التي تجد متعة خاصة بالخيانة العلمية في النقل من خلال نقل وسرد الروايات الضعيفة تاركا الصحيح منها .. حتى يوهمك بأن كل الروايات التي تدور حول هذا التابعي "سعيد بن جبير" هي روايات ضعيفة ولم تصح وكل معانيها واحدة .. فكيف تستدل بها ؟!! ولذلك يأتيك بالرواية التي سندها ضعيف وأنت لا تعرف بذلك .. ويبدأ في زرع الشك فيك ..!!

 

- ولذلك عليك أخي الحبيب أن تنتبه جيدا لهذه المسألة .. وهي أن هناك روايات تكون بنفس الألفاظ ولكنها مرة صحيحة ومرة ضعيفة .. وذلك بسبب إسناد كل رواية .. حيث أن الإسناد قد يكون صحيح وقد يكون ضعيف .. فانتبه ..!!

 

* وإليك جملة مما اشتهر كتابته في كتب أهل العلم من الروايات الضعيفة أو الموضوعة عما تم نقله عن التابعين:

1- ضعيف .. عن سعيد بن جبير كان يقول: (كنتُ أكتب عند ابن عباس في صحيفتي حتى أملأها .. ثم أكتب في كفي) رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم .. قال محققه الشيخ سعد عبد الغفار: إسناده ضعيف.

 

2- ضعيف ..  وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: (كُنْتُ أَكْتُبُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي صَحِيفَةٍ) رواه الدارمي .. وقال محققه الشيخ حسن الداراني: رجاله ثقات غير أن ابن مندة قال: جعفر بن أبي المغيرة ليس بالقوي في سعيد بن جبير.

 

3- ضعيف جدا أو موضوع .. عن الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (كُنَّا نَكْتُبُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ) رواه الخطيب البغدادي في أخلاق الراوي .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف جدا أو موضوع .. وأَبُو غَزِيَّةَ هذا متروك الحديث هو محمد بن يحيى المدني.

 

4- ضعيف .. عن الأعمش عن الحسن البصري قال: (إن عندنا كتبا نتعاهدها) رواه الخطيب في تقييد العلم .. وقال محققه الشيخ سعد عبد الغفار: إسناده ضعيف..

- وفي رواية بلفظ: (إنما نكتبه لنتعاهده – أي الحديث -) رواه الخطيب في تقييد العلم .. وقال محققه الشيخ سعد عبد الغفار: إسناده ضعيف..

 

5- ضعيف .. عن سلمة بن تمام عن الحسن قال: (ما قُيِّد العلم بمثل الكتاب) رواه الخطيب في تقييد العلم .. وقال محققه الشيخ سعد عبد الغفار: إسناده ضعيف..

 

6- ضعيف جدا .. عن تمام بن نجيح عن الحسن البصري قال: (أنه كان يكتب للناس العلم ويعرضه لهم) رواه الخطيب في تقييد العلم .. وقال محققه الشيخ سعد عبد الغفار: إسناده ضعيف جدا..

 

7- حديث موضوع .. عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ ابْنُ شِهَابٍ) رواه بن عبد البر في جامع العلم وفضله .. وقال محققه الشيخ أبو الأشبال الزهيري: إسناده موضوع.

 

- وفي رواية عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ: (أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْعِلْمَ وَكَتَبَهُ ابْنُ شِهَابٍ) رواه بن عبد البر في جامع العلم وفضله .. وقال محققه الشيخ أبو الأشبال الزهيري: إسناده موضوع.

 

8- حديث ضعيف .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: (كُنْتُ أَنْطَلِقُ أَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، إِلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: فَنَسْأَلُهُ عَنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَعَنْ صَلَاتِهِ .. فَنَكْتُبُ عَنْهُ وَنَتَعَلْمُ مِنْهُ) رواه الخطيب البغداي في تقييد العلم .. وقال محققه أبو الأشبال الزهيري: إسناده ضعيف.

 

9- حديث ضعيف .. عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: (مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا قَطُّ، وَلا شَكَكْتُ فِي حَدِيثٍ إِلا حَدِيثًا وَاحِدًا فَسَأَلْتُ صَاحِبِي فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ) رواه بن الجوزي في كتاب الحث على حفظ العلم .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وفي سنده عبد الرحمن بن اسحاق .. وهو ضعيف الحديث.

 

10- رواية مجهولة .. قال بن شهاب: "لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني" ذكره صاحب الرسالة المستطرفة بدون سند ..!! وكثير من أهل العلم ينقل عن صاحب الرسالة المستطرفة .. !! لم أجد له أي سند فيما توافر لدي من كتب أهل العلم ..!! ولعله قد تم روايته بالمعنى .. وقد أثبت لك ما يماثله بلفظه منذ قليل .. في السؤال الخاص بسبب اختيار الإمام الزهري لتدوين الحديث .. فارجع إليه .

 

* أخي الحبيب:

- بهذا يكون ختام الكلام على كتابة الحديث النبوي في زمن التابعين .. وننتقل بعده إلى كتابة الحديث النبوي في زمن تابعي التابعين وتابعيهم .. ورضي الله على جميع المخلصين الذين خدموا كلام الله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

***************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..