ج56: رسالة الحق والنور - كيف يكون صحيح البخاري صحيحا وفيه أن الصحابة يتنازلوا بالطلاق عن زوجاتهم لبعض أهذا كلام يعقل في الدين - مفهوم جمله (صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن) - ما الذي حدث في قصة سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف - هل معنى النظر للزوجتين معناه التفكر والتدبر في الإختيار وليس بمعنى الرؤية - هل انفعال صاحب الشبهة في محله وله حق الإعتراض فعلا على هذه الرواية - كيف نفهم قصة سعد بن الربيع من الناحية الشرعية والنفسية وبدون انفعالات وغضب حتى يصح الحكم - هل القصة فيها ما يشير إلى كون الزوجه مثل البهائم أو العبيد أو مجرد سلعة يتم تداولها - لماذا لم ينكر أحد من الصحابة بل ولم ينكر النبي ما حدث بين الصحابيان في هذه القصة.

            بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الحق والنور

في موجز علم تدوين الحديث الشريف

وتبرئة البخاري ممن شهد عليه بالزور

(الجزء السادس والخمسون)

* فهرس:

:: الفصل الخامس والخمسون :: تابع/ شبهات حول صحيح البخاري ::

1- س170: كيف يكون صحيح البخاري صحيحا وفيه أن الصحابة يتنازلوا بالطلاق عن زوجاتهم لبعض .. أهذا كلام يعقل في الدين ؟ 

#- ثانيا: مفهوم جمله (صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن).

#- ثالثا: ما الذي حدث في قصة سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ؟

#- رابعا: هل معنى النظر للزوجتين معناه التفكر والتدبر في الإختيار وليس بمعنى الرؤية ؟

#- خامسا: هل انفعال صاحب الشبهة في محله وله حق الإعتراض فعلا على هذه الرواية ؟

#- سادسا: كيف نفهم قصة سعد بن الربيع من الناحية الشرعية والنفسية وبدون انفعالات وغضب حتى يصح الحكم ؟

#- سابعا: هل القصة فيها ما يشير إلى كون الزوجه مثل البهائم أو العبيد أو مجرد سلعة يتم تداولها ؟

#- ثامنا: لماذا لم ينكر أحد من الصحابة بل ولم ينكر النبي ما حدث بين الصحابيان في هذه القصة ؟

#- تاسعا: خلاصة القول في قصة الصحابيان سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف .

*************************

:: الفصل الخامس والخمسون ::

:: تابع/ شبهات حول بعض نصوص صحيح البخاري ::

************************

 ..:: س170: كيف يكون صحيح البخاري صحيحا وفيه أن الصحابة يتنازلوا بالطلاق عن زوجاتهم لبعض .. أهذا كلام يعقل في الدين ؟ ::..

 

- قال بعض المنكرين على البخاري بعض مروياته .. أنه كيف يكون صحيح البخاري صحيحا وفيه من الأمور ما لا يمكن أن يقبلها عقل ولا شرع .. مثل قصة سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف .. حيث أراد الأول أن يعرض زوجاته على الآخر وينظر أيا منهن تعجبه فإن أعجبته سيطلقها له ليتزوجها الآخر .. أهذا دين ؟!!

 

- فهل يقبل أحد أن يطلق زوجته من أجل الآخر لأنه نزل ضيف عليه ؟!!

 

- وهل النساء مجرد تجارة كالبهائم والعبيد لا إرادة لهن حتى يتم تداولها بين الرجال بهذا الأسلوب ؟!!

 

- كيف يعقل أن هذا ممكن يكون دين ؟!! بل هي قصص باطلة وليست بصحيحة لأن أمثال هذه القصص لا يمكن أن تكون إرشاد في دين الله .. وهل بهذا يكون (صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن) كيف يعقل ذلك ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

- أولا: سأتفق مع صاحب هذه الشبهة في انفعاله .. ولكن سأختلف معه في مفهومه لكلمة حديث .. بل واختلف معه في فهم بعض الرواية بنظرة أخرى خلاف ما رآها بها .. واعترض عليه بكل تأكيد في إنكاره لصحيح البخاري بسبب رواية في سيرة الصحابة .. وليست حديث نبوي ولا علاقة لها بالدين من أساسه كما سنظهر ذلك ..!!

- ولكن دعنا نناقش ما جاء في هذه الشبهة من أفكار ..

 

#####################

 

#- ثانيا: مفهوم جمله (صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن).

 

- دائما نكرر ونذكر أن جملة "صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن" .. فالعلماء يقصدون بذلك ما فيه كلام أو أفعال أو تقريرات النبي صلى الله عليه وسلم .. وليس كل صحيح البخاري أحاديث نبوية وإنما فيه من الآراء الفقهية والكلام التابعين وكلام الصحابة وبعض السيرة .. ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم (152) .. تحت عنوان (ما معنى قول الإمام النووي (أصح الكتب بعد القرآن الصحيحان البخاري ومسلم) ؟.

 

- وهذه القصة الذي أشار إليها صاحب الشبهة على رواية البخاري إنما هي حادثة أو واقعة حصلت في السيرة بين اثنين من الصحابة ..

 

- وإليك بيان ذلك .. حيث حدثت هذه القصة عند قدوم المهاجرين للمدينة ..

#######################

 

#- ثالثا: ما الذي حدث في قصة سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ؟

 

- تقول الرواية عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ عَلِمَتْ الْأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا .. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ .. فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْيَمْ .. ؟!! قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) صحيح البخاري.

 

#- من شرح ألفاظ الحديث:

- قوله (ثم تابع الغدو): أي الذهاب في صبيحة كل يوم إلى السوق للتجارة.

- قوله (الأقط): أي جبن اللبن وهو مثل الجبنة القريش التي تباع في مصر .

- قوله (صُفْرَةٍ): أي ما يتعلق على الثياب من حناء العروس .. أو هو أثر عطر من زعفران له لون ويظهر على من يضعه .

- قوله (مَهْيَمْ): أي ما حالك، وما شأنك، وما الخبر .

- قوله (وزن نواة من ذهب): ما يعادل خمسة دراهم فضة ويبلغ وزن الدرهم 2.975 جرام.

- قوله (أولم بشاة): أي اجعل وليمة عرس كبركة لهذا الزواج واذبح فيها شاة .

 

- وفي رواية أخرى بلفظ: (لَمَّا قَدِمْنا المَدِينَةَ آخَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْنِي وبيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فقالَ سَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصارِ مالًا، فأَقْسِمُ لكَ نِصْفَ مالِي، وانْظُرْ أيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لكَ عَنْها، فإذا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها. قالَ: فقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ: لا حاجَةَ لي في ذلكَ، هلْ مِن سُوقٍ فيه تِجارَةٌ؟ قالَ: سُوقُ قَيْنُقاعٍ. ...... إلى آخر الرواية) صحيح البخاري.

 

- وفي رواية بلفظ: (ولِيَ امْرَأتانِ، فانظُرْ أَعجبَهُما إليكَ فسَمِّها لي أُطلِّقْها) صحيح البخاري .

 

###############

 

#- رابعا: هل معنى النظر للزوجتين معناه التفكر والتدبر في الإختيار وليس بمعنى الرؤية ؟

 

- من الغريب أن البعض حاول تبرير ألفاظ الحديث وقام بتفسير (النظر إلى الزوجتين) .. بمعنى أن يتفكر ويتدبر وليس بمعنى الرؤية .. !!

 

- وهذا كما لا يخفى على ذي عقل .. أنه رأي محال عقلا .. لسببين :

- الأول: لأنه كيف يمكن لإنسان أن يتفكر ويتدبر ويختار بين امرأتين مجهولتين له ، فالإنسان لا يختار إلا بين ما يعلمه لا بين ما يجهله ..! !

 

- الثاني: فضلا عن أن الحديث واضح بألفاظ رواياته أن المقصود هو الرؤية البصرية .. ففي الرواية الأولى للبخاري جاء فيها (ولِيَ امْرَأتانِ، فانظُرْ أَعجبَهُما إليكَ فسَمِّها لي أُطلِّقْها) ..، وفي الرواية الثانية (وانْظُرْ أيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لكَ عَنْها) ..!! فهل هذه ألفاظ تدل على نظرة التدبير أم نظرة الرؤية ؟ بكل تأكيد نظرة الرؤية .. فلا داعي حينئذ للإلتفات وراء النصوص لنقول بكلام لا وجود له في متن الرواية ..!!

 

#####################

 

#- خامسا: هل انفعال صاحب الشبهة في محله وله حق الإعتراض فعلا على هذه الرواية ؟

 

#- لا أخفي عليك أخي الحبيب .. أن الحقيقة التي أقر بها لصاحب الشبهة في انفعاله هو أمرين وجدت لهما في نفسي غُصة أي ضيق في باديء الأمر .. والأمرين هما:

1- أن مبدأ أو منطق أن يتنازل أحد عن زوجته لآخر بطلاق واحدة منهما .. فهذا شيء غير مقبول بأي حال من الأحوال لأنها تظهر القصة فعلا وكأنها شيء لا إرادة له كأنهن عبيد لا إرادة لهن في حين هن زوجات ..!!

- وهذا شيء يثير الغضب في نفسية أي أحد .. ويجعله يقول على هذا الأساس والمنطق من الممكن أن كل مؤمن يزور أخيه المؤمن فلا مانع حينئذ أن يطلب منه أن يطلق زوجته ليتزوجها هو .. من باب الأخوة في الله ..!! وهذا سيكون كلام مُخرفين وحمقى حينئذ ..!!

- ولكن هذا التفكير من هذه الزاوية .. هو تفكير خاطيء وسأظهر لك خطأه بعد قليل ..

 

2- والشيء الآخر هو طريقة العرض التي سمح بها سعد بن الربيع .. وهو مبدأ سماحه أن ينظر لزوجتيه ويختار بينهما (وإن لم يحدث ذلك) ولكن المبدأ كان موجود ..!! وهذا شيء غير طبيعي وغير تقليدي في البيئة العربية أو غير العربية ..!! وكأنه يعاين سلعة سيشتريها فينظر إليها هل ستعجبه أم لا وكأنهن بهائم لا إرادة لهن ؟!!

 

- ولكن هذا التفكير من هذه الزاوية .. هو أيضا تفكير خاطيء وسأظهر لك خطأه بعد قليل ..

 

3- وبالرغم من كوني سأظهر لك تفسيرا قد لا تجده في مكان وسيظهر لك خطأ الإنفعال بالأفكار السابقة .. وهذا فضل من الله .. لكني فعلا كنت منفعلا وجال بخاطري ما جال بخاطر صاحب هذه الشبهة .. ولكن ما زادني انفعالا هو الآتي:

 

أ- في كل عام في ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم .. يتكلم بعض من يعتلو المنابر في المساجد يوم الجمعة ويذكر هذه القصة على أنها فضيلة ..!! فإذا كانت هذه فضيلة فهل أنت تقبل أن تعرض زوجتك على آخر من باب المحبة له لتطلقها له حتى لو كنت تحبها ؟!!

 

ب- وبدلا من أن يقولوا مثلا: ومن شدة فرحة الصحابي سعد بن الربيع حينما آخاه النبي بعبد الرحمن بن عوف .. حتى غلبت الفرحة في قلبه على تفكيره .. لدرجة أنه حاول أن يشاركه في كل شيء يملكه لدرجة أنه عرض عليه أن يطلق يطلق أحدى زوجاته ليزوجها له .. وهذا خطأ طبعا حدث له من غلبة الفرحة على قلبه .. !!

 

- ولكنهم بدلا من ذلك .. جعلوا من فعل سعد بن الربيع .. فضيلة دينية ..!!

- أهذا كلام يعقله عاقل يا مؤمن ..!!

 

ج- بل والأدهى والأمر .. أنك تجد بعض المشايخ على المنابر يستدل على قصة سعد بن الربيع .. بقوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر9 ..

- وأتسائل قائلا .. هل الإيثار يكون بأبغض الحلال عند الله وهو الطلاق ..!!

- بل أن هذا اعتبره نوع من الإلحاد في تفسير الآية .. لأن الآية نزلت في غير ذلك ..!! وإليك الدليل:

 

#- جاء في البخاري ما هو نصه :

عن أبي هريرة (أتَى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ : يا رسولَ اللهِ ، أصَابَنِي الجَهْدُ ، فأَرْسَلَ إلى نِسَائِهِ فلمْ يجِدْ عنْدَهُنَّ شيئًا ، فقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( ألا رجلٌ يُضَيِّفُهُ هذهِ الليلةَ ، يرْحَمُهُ اللهُ ) . فقامَ رجلٌ من الأنصارِ فقالَ : أنَا يا رسولَ اللهِ ، فذَهبَ إلى أهْلِهِ فقالَ لامرأَتِهِ : ضَيْفُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، لا تَدَّخِريهِ شيئًا ، قالتْ : واللهِ ما عنْدِي إلا قوتُ الصَّبْيَةِ ، قالَ : فإذَا أرادَ الصِّبْيَةُ العشاءَ فنَوِّمِيهِمْ وتعَالَيْ ، فأَطْفِئِي السِّرَاجَ ، ونَطْوِي بطُونَنَا الليلةَ ، ففَعَلَتْ ، ثمَّ غَدَا الرجلُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالَ : ( لقدْ عَجِبَ اللهُ عزَّ وجلَّ ، أوْ : ضَحِكَ من فلانٍ وفلانَةَ ) . فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) .رواه البخاري ..

 

- فهل يا مؤمن ترى أن سبب نزول الآية الواضح في الحديث السابق .. يتشابه مع قصة سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ..!! بكل تأكيد .. لا .

 

د- فحقيقة المشكلة ليست في القصة .. وإنما في الذي يروج للقصة وكأنها دين أو فضيلة دينية أو ايثار على النفس ..!! فهذه مصيبة ؟!! وهذا أكثر ما كان يضايقني فعلا ويسبب انفعالا ..!! لأنها قصة لا علاقة لها بالدين ..!! فهذا موقف شخص ..!! وجعلوا منه فضيلة دينية ..!! بل وألحدوا في تفسير كلام الله عن مقاصده ..!!

- فمن أين جاؤوا بهذه الفضيلة فيما عرضه سعد بن الربيع ..؟

- إنما جاؤوا بها من عند أهوائهم النفسية وبلا تعقل ولا تفكر فيما ينقلونه ..!!

 

###################

 

#- سادسا: كيف نفهم قصة سعد بن الربيع من الناحية الشرعية والنفسية وبدون انفعالات وغضب حتى يصح الحكم ؟

 

- فإذا تفهمت أخي الحبيب .. سبب قبولي لانفعال صاحب الشبهة بل ولم أخفي انفعالي معه ..

 

- فإليك توضيح لهذه الرواية بعيدا عن الإنفعالات .. وبهدوء شديد .

- أولا: من الناحية الدينية والشرعية:

- هذه القصة لاعلاقة لها بالدين من قريب أو بعيد .. ولا وجود لها في الشريعة لا قبل القصة ولا بعد القصة .. ولا علاقة للقصة بالقرآن ولا بالنبي من قريب ولا من بعيد ..!! إنما هذه قصة حدثت بين صحابيين.

 

- وإذا كان هذا موقف خاص بصحابي ولا علاقة له بالدين ولا بالشريعة .. فلذلك لم يترتب عليه آثار شرعيه أي لا يبنى عليه حكم .. ولم يفعله أحد من الصحابة .. بل ولم يقل أحد من الصحابة أو التابعين أن هذا الأمر شرعي أو يترتب عليه أحكاما شرعية ..!! 

 

- ثانيا: من الناحية الإجتماعية:

- من المستحيل أن يعرض سعد هذا العرض دون الرجوع لزوجاته .. ورضائهن بذلك ..!! لأن نساء الأنصار تختلف تماما عن نساء المهاجرين في الطباع هذا لمن درس السيرة فهو يعلم ذلك جيدا أن لديهن شدة وقوة في المعاملة رجاحة في العقل قوية ..!!

 

- فالذي أحسبه هو أنه شاور زوجتيه في الأمر .. ووافقن على مطلبه .. ليه بقولك كده ؟!!

 

- لأن العقل لابد أن يسأل سؤال وهو:

- كيف يقدم رجل سيدا وغنيا جدا في قومه مثل هذا العرض ؟

- يبقى العقل لازم يقول: أن من تزوج بهن هن من سيدات وأكابر المدينة وهن كذلك فعلا ..!! وبالتالي لن تقبل واحدة منهن بأن تكون وسيلة انتقال بين الرجال بهذه الكيفية .. !!

 

#- يبقى بالعقل ببساطة: هتفهم أن سعد بن الربيع رضي الله عنه كان بالتاكيد سأل زوجتيه في ذلك وقد أبَحنَ له ذلك .. لأنه شرف لهن أن يتزوجن أحد العشرة المبشرين بالجنة .. فضلا عن كونها ستكون زوجة أولى له ..!!

 

- ثالثا: من الناحية النفسية:

أ- وإذا كانت مجرد فكرة سعد بن الربيع في طلاق أحدى زوجاته هو تفكير خاطيء بكل تأكيد .. ولكن أحسب أن فرحة المؤاخاة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم .. أكسبته حالة من الفرحة حتى غلبت على تفكيره .. وجعلته يحاول أن يبذل كل ما في وسعه حتى أعز ما يملكه في حياته وهن أزواجه .. ومثال ذلك كالضيف العزيز الذي يأتي عندك في منزله وتريد أن تبذل كل ما في وسعك له محبة في زيارته لك ..

 

ب- وأحيانا الإنسان من شدة الفرحة يخطأ في توجهاته .. ومثال ذلك ما جاء في صحيح مسلم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِن أَحَدِكُمْ .. كانَ علَى رَاحِلَتِهِ (أي ناقته) بِأَرْضِ فلاةٍ (أي صحراء) .. فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ .. فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ .. فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ .. فأخَذَ بِخِطَامِهَا .. ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ ... أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ) صحيح مسلم.

 

ج- بل ويدلك أيضا على خطأ سعد بن الربيع من شدة فرحته .. أنه لم ينتبه قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) النور30 .. أو لم يصله توجيه النبي لسيدنا علي: ( يا عليُّ لاَ تتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ فإنَّ لَكَ الأولى وليست لَكَ الآخرةُ) صحيح الترمذي ..

 

- وقد جاء في القصة أنه طلب من عبد الرحمن بن عوف أن ينظر ويتخير ما أعجبه من زوجتيه كما جاء في الرواية (وانظر أي زوجتي هويت فأنزل لك عنها) ..!! فهذه مخالفة لنص القرآن وتوجيه النبي .. لأن المرأتين كانتا لازالتا زوجتي سعد .. !!

 

- ولذلك شكر عبد الرحمن بن عوف صنيع سعد ودعا له بالبركة .. ولم يلبث إلا وخرج للسوق .. وكأنه استشعر غلبة الفرحة على سعد بما جعله يغفل عن حكم شرعي ..!!

 

د- ويخطر على بالي أن سعد بن الربيع فهم من المؤاخاة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف هو المشاركة في كل شيء من خصوصياته .. ولعله بسب ذلك أقدم على هذه الفكرة التي خطرت بباله حينئذ .. والله أعلم ..

 

#################

 

#- سابعا: هل القصة فيها ما يشير إلى كون الزوجه مثل البهائم أو العبيد أو مجرد سلعة يتم تداولها ؟

 

- بخصوص مسألة أن القصة توحي بأن الزوجة مثل البهائم:

- ليس الأمر كما قد نظن بسبب القراءة الأولية للقصة .. حيث أن الإنفعال يورث أفكار غير حقيقية .. !! ليه بقولك كده ؟

- لأن البهائم تباع وتشترى .. وفي قصتنا الزوجة لا هي بهيمة ولا هي تباع ولا تشترى .. حتى يتم وصفها بهذا الوصف بهذا الأسلوب القبيح والمخالف للواقع .. وبالتالي فهو وصف كاذب ..!!

 

- بل وبنفس هذا التفكير السابق .. فعلى المرأة أن لا تقبل مهر الزواج لأنها بذلك ستتساوى بالبهائم .. حيث تم قبض ثمن لها ؟!!أهذا كلام يعقل ؟! بكل تأكيد .. لا .. ليه ؟

 

- لأن المهر هو هدية تقدير ومحبة للعروس الذي سيرتبط بها .. فلا يمكن تحويل كلمة الهدية لكلمة ثمن وكلمة بيع .. وكأن الأهل يبيعوا ابنتهم ..!! فهذا تزوير في الألفاظ .. ومنطق فاسد .. فانتبه .

 

- يبقى قبل ما نضع تصورات خاطئة حول القصة .. لازم نهدأ الأول حتى لا نخطأ أخطاء قد تكلفنا كثيرا بعد ذلك في تضليل الآخرين بأفكارنا الخاطئة .. لأن وقت الإنفعال يحضر الشيطان ويزين لك ما يدور في نفسك من أفكار ..

 

2- بخصوص أن القصة توحي بأن الزوجات يتم معاملتهن معاملة العبيد:

- فليس الأمر أن الزوجات ظهرت بمظهر العبيد .. لا .. فهن زوجات ولسن عبيد .. ولا بيع فيهن ولا شراء .. ولا يصح أن تضع في القصة ما ليس فيها .. ولو كانوا عبيد ما كان هناك طلاق ..!!

 

3- من الأفكار الإنفعالية الخاطئة لبعض الناس .. قال تعليقا على الرواية:

-  اذهب في الوقت الحالي .. إلى زوجتك وأخبرها أنك ستعرضها على صديق لك ولو اعجبتيه سأطلقك لتتزوجيه ..!! فانظر ما ستفعل بك ؟ على أحسن تقدير لو كانت حكيمة وعاقلة هتضربك بالجزمة .. ولو كانت انفعالية كما حال غالب النسائ في هذه المواقف فلن تكتفي بالجزمة فقط وإنما ستنشرك على صفحات الفيس بوك لتكون عبرة لمن يعتبر ..!!

 

- فأقول لصاحب التعليق والمثال السابق .. قياسك باطل لأنه خطأ ومخالف للعقل .. لأنك افترضت افتراض لا وجود له في القصة .. فإذا أردت أن تضرب مثالا فاضرب مثالا واقعيا ومطابقا للقصة .. حيث أن القصة لم تكن فيها إمرأة واحدة وإنما إمرأتين ..

 

* وفي الوقت الحالي: أعتقد لو أنت خيرت إمراة ومعها ضرة .. وقلت لها سأطلقك وتتزوجين أفضل الرجال مكانة ومنصب ومال وستكوني زوجة أولى .. فانظر لها ماذا سيكون رد فعلها ..!! اعتقد أنها لن تمانع خاصة لو كانت أحداهن متزوجة بدون حب فقط زواج للستر .. يبقى من باب أولى تعيش بدون ضرة ..!! مش كده ولا إيه ؟!!

 

####################

 

#- ثامنا: لماذا لم ينكر أحد من الصحابة بل ولم ينكر النبي ما حدث بين الصحابيان في هذه القصة ؟

 

1- وقد تقول لماذا لم ينكر أحد ما حدث من الصحابي سعد بن الربيع ؟

- قلت لك: كيف يتم الإنكار على ما لا تحقيق له ولا وجود له قد حصل أمام الناس ؟!! حيث أن عبد الرحمن بن عوف لم يهتم بما قاله سعد بن الربيع .. بل ولم يجلس في بيته ورحل فورا للسوق .. فلا هو نظر لزوجتيه ولا حتى جالسه في بيته ..!!

 

- وعدم اعتراض أحد على هذا الفعل من سعد بن عبادة .. فلأنه لم يحدث على الملأ ليعترض أحد .. وبالتالي ليس هناك سكوت رضائي من الصحابة على فعل سعد بن الربيع حتى يكون في المسألة يوجد حكم شرعي كما يظن بعض المخطئين ..!!

 

- فهذه حادثة خاصة .. بين طرفين من الصحابة في منزل أحدهما .. وانتهت ولم تتكرر ..

 

- ودليل عدم تكرارها هو عدم حدوثها مرة أخرى مع أي أحد .. ولعل هذه القصة بلغت النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه ولكن لم يظهر ذلك في روايات للحديث .. وليس كل أحداث السيرة قد رويت لنا .. !!

 

2- بل قد يستدرجك شيطانك ويقول لك: لماذا لم ينكر النبي هذا الفعل ؟

- قلت لك: إقرار بأي فعل ؟!! وهل يوجد فعل حدث حتى يُقرُّه أو ينهي عنه ..!!

 

- ثم ما أدراك أنه لم يبلغ هذا الخبر للنبي ثم نهى الصحابة عنه .. ولكنه لم يبلغنا هذا الخبر .. بدليل أنه لا يوجد موقف مشابها له من قريب أو بعيد في كل الأحاديث ..!!

 

######################

#- تاسعا: خلاصة القول في قصة الصحابيان سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف .

 

# وخلاصة ما أريد قوله لك أخي الحبيب ..

1- وأعتقد اخي الحبيب قد تبين لك بكل وضوح وعقلانية كيف تفهم سبب تصرف سعد بن الربيع رضي الله عنه .. من خلال فهم أبعاد هذه القصة الدينية والإجتماعية والنفسية ..

 

2- قصه سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وعليهما السلام .. هي مجرد قصة .. ولا علاقة لها بالدين .. وليست فضيلة دينية .. مجرد موقف حدث من انسان مع انسان .. سواء أصاب في فعله أو أخطأ فيه .. ففي النهاية ليس دين وليس سنة .. ورضي الله عن جميع أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. آمين .

 

3- أما عن البخاري فهو روى قصة من السيرة حدثت بين صحابيين .. وليس في القصة حكم ديني ولا شرعي .. وإنما يظهر في ختام الحديث قصة أخرى حدثت بين عبد الرحمن بن عوف وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. وهو فضيلة عمل الوليمة لمن كان حديث عهد بعرس .. وهي كانت إرشاد عن النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن لا علاقة لها بقصة الصحابيان ..!!

 

- وبذلك يكون الإنتهاء من هذه الشبهة .. والحمد لله رب العالمين .

 

**************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسائل العلمية مصدرها مدونة الروحانيات فى الاسلام - ومؤلفها / الأستاذ خالد أبوعوف - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات  ..