ج3: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - هل الغيب المطلق من الممكن أن يظهره الله لأحد غير الرسل والأنبياء - ما الفرق في المعرفة الغيبية بين معرفة الرسل ومعرفة غير الرسل - ما هو الدليل على أن الله قد يكشف عن بعض غيبه لبعض المؤمنين من غير الأنبياء والرسل - ما الدليل على أن الله قد يكشف عن بعض غيبه لغير المؤمن.

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الثالث)

*فهرس:
:: الفصل الثالث :: الغيب المطلق وخصوصية إظهار معرفة غيبية لأحد ::
1- س11: هل الغيب المطلق من الممكن أن يظهره الله لأحد غير الرسل والأنبياء ؟
2- س12: ما الفرق في المعرفة الغيبية بين معرفة الرسل ومعرفة غير الرسل ؟
3- س13: ما هو الدليل على أن الله قد يكشف عن بعض غيبه لبعض المؤمنين من غير الأنبياء والرسل ؟  
4- س14: ما الدليل على أن الله قد يكشف عن بعض غيبه لغير المؤمن ؟

**********************

:: الفصل الثالث ::

:: الغيب المطلق وخصوصية إظهار معرفة غيبية لأحد ::

**************************

..:: س11: هل الغيب المطلق من الممكن أن يظهره الله لأحد غير الرسل والأنبياء ؟ ::..

 
- ذكرت أن الغيب المطلق هو الذي اختص الله به نفسه بمعرفته .. وهذا لن يحدث لأي مخلوق أن يكون له الغيب المطلق .. والذي نقصد به إحاطة العلم بالغيب في كل زمان ومكان سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أو ما يحدث في البرزخ والقيامة وأحداثها ..
 
- ولكن هناك علوم ومعارف من هذا الغيب المطلق قد يظهرها الله لبعض خلقه .. وهذه العلوم والمعارف لا تكون إلا من خلال الوحي الإلهي الذي هو بعضا من غيب الله المطلق بكل ما فيه من علوم ومعارف .. وهذا يكون لأنبياءه ورسله ..
            
- وهذا الغيب المطلق قد يظهر منه لمحات أيضا لبعض خلقه (سواء مسلم أو غير مسلم) .. في شكل إشارات أو رموز أو هواتف أو مرائي (يكون لها ظهور في عالم الشهادة بعد ذلك) .. وهذه اللمحات الغيبية إنما هي لحكمة هو يعلمها وقد يريد من وراء هذه الحكمة هو الرحمة أو الفتنة .. وأقصد بالرحمة هو أن يحسن إليك بهذه المعرفة الغيبية .. أو قد يفتنك بها ..
 
- ولكن هذه المعرفة بدون أن يعرفك الله عليها .. فلا سبيل لك إليها بحال من الأحوال .. لأنها معرفة خارجة عن نطاق الإدراك العقلي والحسي ولا دليل عليها لأنها تكون من عالم الغيب الذي لم يحدث ..
 
- واعلم أخي الحبيب .. أنه إذا كان البعض يدرك شيء من هذه المعرفة الغيبية .. فهذا ليس معناه أن هذا الشخص يعرف الغيب المطلق .. لا .. لأن الغيب المطلق يشمل غيب الظاهر والباطن بكل تفاصيله ودقائقه في كل أزمنة الوجود إلى ما يحدث في يوم القيامة وما بعده .. وليس مجرد معلومة خاصة بحدث ما ..!! فانتبه ..
 
#- وخلاصة القول أخي الحبيب:
- من خلال تتبع القرآن ..
1- نجد أن القرآن نفى أن يكون .. إحاطة العلم بالغيب بتفاصيله ودقائقه في الظاهر والباطن .. والدنيا والآخرة .. وفي كل الأزمنة والأماكن .. ولكل الكائنات والمكونات .. لغير الله .. وهذا طبيعي وأمر لازم وإلا كان الله موصوف بالجهل وحاشاه جل جلاله .. ولذلك قال تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل65 .
 
2- المعرفة الغيبية الوحيدة التي منع الله ظهورها هي ما كان متعلقا بتلقي الوحي الإلهي ومعارفه وعلومه .. إلا لمن اصطفاه نبيا ورسولا .. ولن يحدث ذلك لأي أحد غير الذين اصطفاهم الله بهذا الوحي التكليفي .. ولذلك يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن26-27 ..
 
- وقوله (يظهر) فيه دلالة على دوام التلقي لهذا العلم الغيبي .. لا انقطاع فيه وإنما هو شيء مستمر لدوام اتصال النبي الرسول بالله للتلقي عن مولاه .
 
3- ولكن القرآن لم ينفي أن يكون شيئا من الغيب من الممكن أن يطلع عليه أحد على سبيل الرمزية أو الإشارة أو مجرد معلومة أو ما شابه ذلك كما حدث مع رؤيا ملك مصر .. لأن هذا ليس علم بالغيب لأنه ليس علم إحاطة بتفاصيل كل شيء في الغيب في كل زمان ومكان .. وإنما هي مجرد إشارة أو معلومة من الغيب قد يأذن بإظهارها لشخص ما لحكمة ما هو يعرفها وأراد من وراء إظهارها حكمة ..
 
- وبعد ما سبق بيانه قد يخطر على بالك سؤال وهو:
- ما هي الأدلة على أن الله قد يظهر لبعض خلقه شيئا من المعرفة الغيبية كإشارة أو معلومة عن حدث ما ؟ وهل يظهرها للمؤمن فقط أم للمؤمن وغير المؤمن ؟!!
 
- وهذا ما أجيبك عليه في الأسئلة التالية إن شاء الله تعالى .. ولكن بعد أن نعرف الفرق في المعرفة الغيبية .. بين معرفة الرسل ومعرفة غير الرسل .. ؟!!
 

**************************

 

..:: س12: ما الفرق في المعرفة الغيبية بين معرفة الرسل ومعرفة غير الرسل ؟ ::..

 
- قد يخطر على بالك أخي الحبيب سؤال فتقول .. ما الفرق بين معرفة الرسل لشيء من غيب الله .. ومعرفة عموم الخلق لشيء من غيب الله ؟
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة) عليك أن تنتبه للآتي:
- أولا: معرفة الرسل ..
1- من حيث سعة المعرفة ودوام التلقي من معرفة الغيب .. نجد أن معرفة الرسل إنما هي تلقين علم بالوحي الإلهي .. فهي تشمل بالتعريف بالله وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار .. وتفاصيل كل ذلك .. وهذا ما لن يبلغه أحد من الخلق مهما بلغوا من معرفة لأنه لا سبيل لهم إلى كل هذه العلوم الغيبية .. بل ولا سبيل لهم إلى تنزيل كتاب سماوي إليهم من الله ..!!
 
- ولذلك يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن26-27 .. وهذا الغيب المخصوص المصحوب بتلقين علم ومعرفة تفصيليه في هذه الآية هو يتعلق بالوحي .
- وقوله (يظهر) فيه دلالة على دوام التلقي لهذا العلم الغيبي .. لا انقطاع فيه وإنما هو شيء مستمر لدوام اتصال النبي الرسول بالله للتلقي عن مولاه .
 
2- من حيث نتيجتها وعصمتها .. فنجد أن معرفة الرسل يصاحبها الرحمة ومعصومة من الفتنة ..
 
3- من حيث توجيه هذه المعرفة .. معرفة الرسل هي معرفة خاصة للرسول ومعرفة عامة بالإرشاد لجميع الخلق إلى الإيمان بالغيب وما فيه كمال صلاح للدين والدنيا وخير الآخرة .. وليس مجرد معرفة لحدث ما في حياة فرد أو جماعة ..!!
 
4- من حيث صحة هذه المعرفة .. هذه المعرفة تكون أساسها اليقين المؤكد ولا ظن فيه بأي حال من الأحوال .
 
- ثانيا: معرفة غير الرسل ..
1- من حيث سعة المعرفة .. نجد أن معرفة ما يحدث لغير الرسل ما هي إلا معرفة فقيرة جدا وقاصرة على مجرد إشارة أو رمز أو مشهد أو رؤيا أو معلومة عامة لحدث أو لشيء ما في حياة شخص أو جماعة .. وليس فيها تلقين علم غيبي موسع فيه معارف إلهية وربانية  ..
 
2- من حيث نتيجتها وعصمتها .. قد تكون مصحوبا برحمة فيها بشارة أو إنذار لشيء ما .. وقد تكون فتنة لمن يعرف فيفتتن بذلك ويفتن من حوله ..!!
 
3- من حيث توجيه هذه المعرفة .. ليس فيها معرفة علم ولا إرشاد للشخص ولا للغير إلى ما فيه كمال صلاح لدينه ودنياه وآخرته .. وإنما فقط مجرد إشارة لشيء ما ..
 
4- من حيث صحة هذه المعرفة .. هذه المعرفة تكون أساسها الظن لأنه لا يقين فيها ..
 
- ما سبق هو اجتهاد مني .. والله أعلم .
 

************************

 

..:: س13: ما هو الدليل على أن الله قد يكشف عن بعض غيبه لبعض المؤمنين من غير الأنبياء والرسل ؟ ::..

 
- سبق وذكرت لك أخي الحبيب .. أن الله قد يطلع أو يكشف لبعض أحبابه والمقربين على شيئا من الغيب .. وذلك لحكمة أراد الله أن يثبته بها من خلال هذه المعرفة ..
 
- ولكن ما الدليل على ما سبق ؟!!
 
- أولا: الدليل من القرآن ..
1- قوله تعالى لأم موسى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص 7 .
- وأم موسى ليست بنبي ولا رسول .. ولكن الله ألهمها بأن لا تخاف ولا تحزن وأنه سيرده إليها ويكون من المرسلين .. وكلها أمور غيبية لا قدرة لأحد على معرفة تدبير القدر فيها ..!!
       
2- قوله تعالى للسيدة مريم عليها السلام: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) آل عمران45.
- وهذه كلها مبشرات للسيدة مريم عليها السلام ولم تكن حينئذ قد تخطت عمر العشر سنوات .. وفي كل الاحوال هي صديقة وليست نبي ولا رسول ..!!
 
3- قوله تعالى عن سيدنا عيسى وهو في المهد حينما أنطقه فقال :(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) مريم30-31.
- وعيسى عليه السلام حينئذ لم يكن نبيا .. بل مجرد طفلا في المهد ..!!

4- وكل ما حدث مع العبد الصالح في سورة الكهف وهو المعروف باسم الخضر وهو الذي قابله موسى عليه السلام .. لو افترضنا الرأي القائل أنه وليا من الأولياء وليس نبيا من الأنبياء .. فكل ما حدث معه فهو عن معرفة غيبية ..

  
5- يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت30-31.
- فالتنبيه على عدم الخوف أو الحزن والبشرى بالجنة والولاية لهم بتأييد الله .. كلها مسائل مستقبلية غيبية .. سواء أدركها المؤمن أم لم يدركها ولكنه مؤمن بها .. لأن الله طالما أخبرنا بذلك فهي علم يقين بالنسبة إلينا .. ويشعر المؤمن بهذا التنزل الملائكي .. كلما صفت سريرته واستولى الرضا على قلبه .. أما عن مكاشفة ذلك فهذا عطاء آخر .. وإن كان يحدث عين اليقين بهذا حين نزع الروح وتبشير المؤمن بالخير من الله ..!!
 
- ومثال ذلك .. ما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: (أنَّ رَجُلًا شَتَمَ أبا بَكرٍ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسٌ، فجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعجَبُ ويَبتَسِمُ، فلمَّا أكثَرَ رَدَّ عليه بعضَ قَولِه، فغَضِبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقامَ، فلَحِقَه أبو بَكرٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، كان يَشتُمُني وأنتَ جالِسٌ، فلمَّا رَدَدتُ عليه بعضَ قَولِه، غَضِبتَ وقُمتَ! قال: إنَّه كان معك مَلَكٌ يَرُدُّ عنك، فلمَّا رَدَدتَ عليه بعضَ قَولِه، وَقَعَ الشَّيطانُ، فلم أكُنْ لِأَقعُدَ مع الشَّيطانِ) رواه أحمد والبزار وغيرهما .. وذكره الألباني في الصحيحة بأن إسناده جيد .. وذكره الأرنؤوط في تخريج المسند: بأنه حسن لغيره .
 
- قوله (وَقَعَ الشَّيطانُ): أي جلس الشيطان واستقر في المكان .
 
- فوجود الملك ليدافع عنك ليس بالضرورة أن تراه .. وإنما يكفي أن تعلم أن ذلك يحدث .. وطالما أخبرك الله فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ...) الحج38 .. فاطمئن لتدبير الله لك وكن متعلقا به .
 
- وعجبا لبعض الناس .. يثبتون أن الشياطين تنزل على الكفار فيخبرونهم بما قد يصح .. ولكنهم ينفون عن المؤمنين نزول الملائكة بالحق على قلوبهم وينكرون حدوث ذلك لهم ..!! أفلا يعقلون ؟!!
 
- ثانيا: الدليل من الأحاديث ..
1- الرؤيا الصالحة إما أن يراها المؤمن أو ترى له .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلَّا المُبَشِّراتُ. قالوا: وما المُبَشِّراتُ؟ قالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ) صحيح البخاري.
- والمبشرات ما هي إلا هواتف الحق بما يدل على مستقبل فيه خير وتفاؤل للشخص .. وهذا يثبت أنه يجوز أن يلهم الله العبد في الرؤيا بما فيه كرامة خير وتفائل له .. أو قد ينذره الله ويحذره في رؤيا بما فيه شرا له وذلك من فضل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) الحج38 ..
 
2- الإستخارة هي مطلب من غيب إلهي .. فعن جابر بن عبد الله قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يقولُ: إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِن غيرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أرْضِنِي قالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ») صحيح البخاري.
 
- ثم قد يلهمك الله بشيء بعد هذا الدعاء الطيب المبارك .. فيحدث لك مثل قبض أو بسط .. أو قد ترى رؤيا .. فتفهم من ذلك علامة على سعيك أو توقفك عما تسأل عنه ..
 
- ملحوظة .. ليس بالضرورة أن تصلي ركعتين قبل هذا الدعاء (وإن كان هذا فيه زيادة خير لك) .. بل يصح قول الدعاء بدون صلاة .. وقد ذكرنا الأدلة على ذلك تفصيليا في أحدى رسائلي .. وهي (رسالة المناجاة في جواز الاستخارة والسجود بغير صلاة).
 
3- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقَدْ كانَ فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فإنْ يَكُ في أُمَّتي أحَدٌ، فإنَّه عُمَرُ) صحيح البخاري.
- قوله (مُحَدَّثُونَ): أي ملهمون بالحق .. فيجريه الله على قلوبهم وألسنتهم .. وهذا الإلهام قد يكون فيه إدراك لما هو غيب .. فيذكره على سبيل التبشير بالخير ..  
 
4- حينما اقتربت وفاة أبو بكر الصديق اجتمع بابنته السيدة عائشة .. فتقول السيدة عائشة: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: " وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ. وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ، وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ، إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَمَنِ الْأُخْرَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ، أُرَاهَا جَارِيَةً) رواه مالك والبيهقي في السنن الصغري والكبري .. وقال الأرنؤوط في تخريج شرح السنن: إسناده صحيح.. وقال الألباني في ارواء الغليل بأنه صحيح .
 
#- من شرح ألفاظ الحديث:
- قولها (نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا): أي أعطاها حصاد من ثمار النخل ما قدره عشرين وسقا .. والوسق مقداره 130 كيلو تقريبا ..
- قوله (جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ): أي تم قطفه وحيازتك له .. فهو لك .. ولكن إن لم يكن فعلتي ذلك فهو يدخل ضمن الميراث .. من حق (أخواك وأختاك).
- قوله (أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ): والأخوين هما عبد الرحمن ومحمد .. والأختان .. منهما أسماء .. ولكن لم يكن هناك أخت أخرى حينئذ للسيدة عائشة ؟!! ولذلك استغربت من كلام أبو بكر ..!!
- قولها (إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ، فَمَنِ الْأُخْرَى؟): أي ليس لي أخت سوى أسماء فمن الاخرى التي تقصدها ؟
- قوله (ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ): يقصد ما في بَطنِ زَوْجتِه حَبيبةَ بِنْتِ خارِجةَ الأنْصاريِّ.
- قوله (أراها جارية): أي قد يكون رأها فعلا في رؤيا أنها ستكون أنثى أو ألهمه الله بذلك في خاطره ..
 
#- وقال البعض أن قوله (أراها) يكون بمعنى الظن والتخمين ..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): لو بمعنى الظن والتخمين فلماذا لم يظن أنها ذكرا ؟!! ولماذا جزم في سابق القول فقال (أختاك) ؟!! ولماذا لم يقل بالمراعاة في القسمة لهذا الجنين الذي سيأتي دون تحديد ؟!! ثم كيف ظن أنها أثني في أنه قد لا يكتمل نموه وقد ينزل ميتا ؟!!
 
- والشاهد من هذه القصة هو معرفة أبو بكر بما هو لم يكن .. وهذا لا حرج فيه ولا مانع منه .. لأن وجود الجنين في بطن الأم هو وجود معلوم ولا غيب فيه إلا بقدر استتاره في بطن الأم ..!! وإلا فكيف تم نفخ الروح فيه من الملك إلا إذا كان الملك قد عرف حقيقة وماهية وجود جنين في هذه البطن ؟!! فحقيقة الأمر أنه من الغيب النسبي وليس من الغيب المطلق الذي اختص به نفسه .. بدلالة تنفيذه فعلا في الوجود .. وإن كان لايزال في حيز المجهول معرفته للإنسان ..
 
- بل وفي الحديث معرفة أخرى لأبي بكر .. وهي أن الجنين ليس أنثى فحسب .. وإنما سيكون لها ميراث .. فأدرك أن الله سيجعل لها وجود فعلا .. فهذه معرفة أخرى .. فانتبه .. والله أعلم .
 
5- قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لصحابته: (إنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ ورَقُها، وإنَّها مَثَلُ المُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي ما هي فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ البَوادِي قالَ عبدُ اللَّهِ بن عمر: ووَقَعَ في نَفْسِي أنَّها النَّخْلَةُ، فاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قالوا: حَدِّثْنا ما هي يا رَسولَ اللَّهِ قالَ: هي النَّخْلَةُ) صحيح البخاري.
- وفي رواية بلفظ: (وَأُلْقِيَ في نَفْسِي، أَوْ رُوعِيَ) صحيح مسلم.
 
- ووجه الدلالة بهذا الحديث هو أن بن عمر علم في خاطره بما هو غيب ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد نطق به ..
 
6- عن أبي سعيد الخدري قال: (بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعثًا، فكُنتُ فيهم، فأَتَيْنا على قَريَةٍ، فاسْتَطعَمْنا أهْلَها، فأبَوْا أنْ يُطعِمونا شَيْئًا، فجاءَنا رَجُلٌ من أهْلِ القَريَةِ، فقال: يا مَعشَرَ العَرَبِ، فيكم رَجُلٌ يَرْقي؟ فقال أبو سَعيدٍ: قُلتُ: وما ذاك؟ قال: مَلِكُ القَريَةِ يَموتُ. قال: فانطَلَقْنا معه فرَقَيْتُه بفاتحةِ الكِتابِ، فرَدَّدتُها عليه مِرارًا، فعُوفيَ، فبَعَثَ إلينا بطَعامٍ، وبغَنَمٍ تُساقُ، فقال أصْحابي: لم يَعهَدْ إلينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا بشَيءٍ، لا نَأخُذُ منه شَيْئًا حتى نَأْتيَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسُقْنا الغَنَمَ حتَّى أَتَيْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَدَّثْناهُ، فقال: كُلْ وأَطعِمْنا معك، وما يُدريكَ أنَّها رُقْيةٌ؟ قال: قُلتُ: أُلْقيَ في رُوعي) رواه احمد .. وقال الأرنؤوط: صحيح.
 
- وفي رواية بلفظ: (وما يُدريكَ أنَّها رُقْيةٌ؟ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، شيءٌ أُلقيَ في رُوعي .. قال: فكُلوا، وأطعِمونا منَ الغَنَمِ) رواه الدارقطني في سننه .. وقال الأرنؤوط: صحيح .
 
- قوله (رُوعي): أي ألقي في خاطري أو نفسي بأن استخدم سورة الفاتحة لعلاج هذا الرجل من لدغة عقرب قد أصابته ..
- فكيف عرف الصحابي هذه المعلومة ؟!! وهي التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبره بها ؟!!
- عرفها بإلهام من الله له ..
- وهل اعترض النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ؟
- لا  .. لم يعترض .. على ما حدث لهذا الصحابي من إلهام الله له.
 

***********************

 

..:: س14: ما الدليل على أن الله قد يظهر بعض غيبه لغير المؤمن ؟ ::..

 
- أخي الحبيب .. سبق في السؤال رقم (11) تحت عنوان (هل الغيب المطلق من الممكن أن يظهره الله لأحد غير الرسل والأنبياء ؟) .. وقد ذكرت لك فيه أنه لا يمكن أن يحيط أحد بالغيب المطلق بكل تفاصيله ودقائقه في كل الأزمنة وما بعد الأزمنة كالبرزخ والقيامة .. ولكن هذا لا يمنع أن يكشف لأحد شيئا من الغيب على سبيل الرمزية أو الإشارة أو كمعلومة عن حدث ما قد يحدث .. وإذا كان هذا سبق وأوضحنا أنه قد يحدث ذلك للمؤمن .. فهو أيضا يحدث لغير المؤمن .. ولكن ما الدليل على ذلك ؟
 
# أولا: الدليل من القرآن ..
- يقول تعالى في قصة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) يوسف43.
- وكما هو معلوم أن ملك مصر لم يكن من المؤمنين بما عليه يوسف ويعقوب وإبراهيم عليهم السلام ..
 
- وكانت هذه الرؤيا هي رؤيا حق ورسالة غيبية مما سيحدث في المستقبل .. بدليل أن يوسف عليه السلام قد فسرها وقال: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف47-49.
 
- فهذه الرؤيا أوضحت ما سيكون عليه البرنامج الإقتصادي لمصر خلال خمسة عشر عاما مستقبلية ..!!
- والمتلقي لهذه الرؤيا هو من غير المؤمنين ..!!
- وقد عرف شيئا من القدر المستقبلي في جزئية تتعلق باقتصاد دولة ..!!

#- ثانيا: من الأحاديث ..

- قد يسمح الله لبعض الشياطين معرفة شيئا من الغيب من خلال خطف معلومة يسمعونها من عالم الملائكة المنفذة لأوامر الله في الأرض .. فيلقيها الشياطين هذه المعلومة لأوليائهم من عالم الإنس .. ودليل ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (أنَّهَا سَمِعَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: إنَّ المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ) صحيح البخاري.

  
#- ثالثا: الدليل من الواقع ..
- نجد أن كثير من غير المؤمنين يرون مرائي لها دلالات مستقبلية وتتحقق .. ونجد أن كثيرا من أصحاب الرياضات النفسية الذين يبحثون عن السلام والصفاء الداخلي .. يظهر لهم من إشارات الغيوب ما يتم إلقاءه في خاطرهم ..
 
- فلا تستعجب حينئذ من ظهور بعض الإشارات الغيبية لغير المؤمن .. لأن هذا غير ممتنع عنهم ..حيث قد يكون لهم فتنة وقد يكون لهم رحمة .. حسب حكمة الله في تدبيره مع خلقه ..
 
- ولا يقال أن ذلك للمؤمن هو كرامة .. لا .. فقد يكون فتنة وقد يكون رحمة .. وكما أخبرتك سابقا أن القصد بالرحمة هو أن يحسن إليك بهذه المعرفة الغيبية فيبشرك أو ينذرك أو يلهمك بشيء فيه خير لك .. وأقصد بالفتنة هو أن تزكي نفسك على الله وتعتقد أنك وليا لله فتغتر بما يكشف لك .. بل والبعض قد يتخذ من ذلك مهنة له ويصبح عرافا ..!!
 
- فهذه المعرفة البسيطة والتي قد تحدث كهاتف أو كخاطر وأحيانا من إلقاء الجن والشيطان لمن لديهم تفعيل روحاني .. إنما مثلها مثل كل شيء يمنحه الله في الدنيا .. قد يكون فيه رحمة وقد يكون فيه فتنة .. فانتبه لحالك .. والله ولي المتقين .
 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .