ج11: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - هل الجن والشيطان تتنزل على أوليائهم من عالم الإنس فيوسوسون لهم بأمور غيبية - ما هو مفهوم استراق الشياطين للسمع ؟ وما الذي يَسْتَرِقوه - ما الفرق بين العلم بالغيب وسماع الغيب - كيف يسمع الشياطين في أن الله يقول (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) - ما الحكمة من عزل ومنع الشياطين عن سماع أي شيء من الوحي الإلهي لكل نبي أو رسول - ما هي حالات الجن والشياطين في سماع الغيب كما ذكرها القرآن.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الحادي عشر)

* فهرس:
:: الفصل الحادي عشر:: عن الشياطين والجن واستماعهم للغيب ::
1- س52: هل الجن والشيطان تتنزل على أوليائهم من عالم الإنس فيوسوسون لهم بأمور غيبية ؟
2- س53: ما هو مفهوم استراق الشياطين للسمع ؟ وما الذي يَسْتَرِقوه ؟
3- س54: ما الفرق بين العلم بالغيب وسماع الغيب ؟
4- س55: كيف يسمع الشياطين في أن الله يقول (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ؟
5- س56: ما الحكمة من عزل ومنع الشياطين عن سماع أي شيء من الوحي الإلهي لكل نبي أو رسول ؟
6- س57: ما هي حالات الجن والشياطين في سماع الغيب كما ذكرها القرآن ؟

**********************

:: الفصل الحادي عشر ::

:: عن الشياطين والجن واستماعهم للغيب ::

**************************

 

..:: س52: هل الجن والشيطان تتنزل على أوليائهم من عالم الإنس فيوسوسون لهم بأمور غيبية ؟ ::..

 
#- أخي الحبيب:
- من الأمور المهم لك أن تعرفها في القرآن .. هو أن الشياطين تتنزل على أوليائهم من عالم الإنس من جماعة الروحانيين الذي ارتضوا أن يكونوا خداما للجن والشيطان كالسحرة وغيرهم .. ويوسوسون لهم ببعض الأمور الغيبية ..
 
- ودليل ذلك:
- أولا: من القرآن الكريم:
- يقول تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء221-223.
 
- وسبب هذه الآية .. هو أن الكفار طعنوا في النبي صلى الله عليه وسلم واتهموه بأن هذا القرآن تلقين من الشياطين كما يحدث مع الكهان الذين يتلقون من الجن والشياطين أخبارهم .. فكذلك هو القرآن يتلقاه من الشياطين ..!!
 
- فرد القرآن عليهم وقال: أن الشياطين لم تتنزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن سأنبئكم على من تتنزل الشياطين .. أنها تتنزل على من حاله الكذب الدائم .. والكثير الإثم لكثرة تضليله للخلق وخداعهم بأنه يوحى إليه من خبر السماء متشبها بأحوال الأنبياء والرسل .. فهؤلاء الكاذبون الآثمون المضللون للخلق يلقون أسماعهم بقوة إنصات لينتبهوا لما يلقونه شياطينهم إليهم .. حيث كان يرفع الكاهن رأسه إلى السماء حينما يستفسر أحد عن مسألة ما ليوهم السائل بأنه يتلقى من السماء الخبر مباشرة .. وكأنه يتلقى الوحي نازل عليه يخبره بحقيقة المسألة ..!! ولكن هؤلاء كاذبون في أكثر أقوالهم .. والوحي الإلهي ليس فيه كذب لأنه كلام الله الحق المتحدي به في كل زمان ومكان ..
 
- فكيف يتشابه حال النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تعلمون أنه الصادق الأمين .. بهؤلاء الكهنة الذين حالهم هو الكذب الأصيل في نفوسهم والإثم الدائم الذي يكتسبونه نتيجة تضليلهم للعباد لكسب أموالهم بالباطل ..!!
 
#- والآيات السابقة توضح لنا الآتي:
1- أنه كان قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم تتنزل الشياطين بأخبار من السماء يسمعونها من السماء من خلال كلام الملائكة مع بعضها ..
 
2- وقوله (يلقون السمع): فيه دلالة على أن شدة الإنصات بقوة لما يلقيه الشياطين على أسماعهم ..
 
3- وقوله (يلقون السمع): يحتمل أن يكون المقصد هو أن الشياطين يلقون السمع إلى خبر السماء ثم يتنزلون به إلى اوليائهم من عالم الإنس وهم الكهنة وأشباههم .. ويحتمل أن يكون أن الكهنة الأفاكون الآثمون هم من يلقون السمع إلى الشياطين .. وهذا هو الإحتمال الأقرب – والله أعلم .
 
- وسواء كان الإحتمال الأول أو الثاني .. فكلاهما يصب في نتيجة واحدة وهو أن الشياطين تلقي من أخبار السماء التي يسرقونها إلى أوليائهم من عالم الإنس الكهنة .. ويخلطونها بمائة كذبة .. سواء كانت الشياطين يلقون الأخبار مصحوبة الأكاذيب أو يلقون الخبر الصادق ثم الكاهن هو من يزيد في أكاذيبه على الخبر الذي تم إلقاءه إليه ..
 
4- الآيات تشير في النهاية إلى حدوث تواصل بين الشياطين واوليائهم من عالم الإنس من الكهنة .. وهؤلاء الكهنة هم ينتمون لجماعة معروفين في عصرنا بأنهم روحانيون .. ولكن الكهانة تتطلب مواصفات خاصة ..
- وانتبه أخي الحبيب .. ليس كل الروحانيين كهنة .. ولكن لابد أن يكون كل كاهن هو روحاني .. وليس كل روحاني هو منحرف وعاصي .. ولكن كل من ارتضى أن يطلب خدمات الجن مستمتعا بذلك فهو منحرف وعاصي .
 
#- ثانيا: جاء في رواية الحديث بما يوافق الآيات السابقة ..
- أن جماعة من الصحابة قالوا: (يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ الكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قالَ: تِلكَ الكَلِمَةُ الحَقُّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ) صحيح مسلم.
 
- وفي رواية أخرى جاء فيها: (سَأَلَ أُنَاسٌ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الكُهَّانِ؟ فَقالَ لهمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَيْسُوا بشيءٍ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكونُ حَقًّا، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحق يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِن مِئَةِ كَذْبَةٍ) صحيح مسلم والبخاري.
 

**********************

 

..:: س53: ما هو مفهوم استراق الشياطين للسمع ؟ وما الذي يَسْتَرِقوه ؟ ::..

 
- ستجد أخي الحبيب .. في آية من آيات القرآن .. أن الشياطين تسترِق السمع من السماء .. فما معني هذا الإستِرَاق وما هو الذي يسترقوه ؟!!
 
#- أولا: ما هو دليل استراق الشياطين للسمع ؟
1- يقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18.
 
- حفظ السماء من الشياطين معناه منع التجسس على أخبار الوحي الإلهي المرسل لأنبيائه ورسله .. وفي غير وجود النبي والرسول فكانوا يستمعون لأخبار الناس وشيئا من حوادث الدنيا .. ولكن في حال وجود النبي والرسول فلا مجال لسماع اخبار أهل الأرض إلا بقد الإستراق والخطف ..

- ولذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .. لم يعد لهم مقاعد للسمع ليستمعوا كما كان حالهم قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. ولذلك قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن8-9.
 
2- ودليل آخر من الحديث .. حيث أن جماعة من الصحابة قالوا: (يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ الكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قالَ: تِلكَ الكَلِمَةُ الحَقُّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ) صحيح مسلم.
 
#- ثانيا: ما هو معنى استراق السمع ؟
- استراق السمع .. الإستراق هو افتعال من السرقة والمقصد منه هو أخذ الشيء في خفية من خلال الخطفة السريعة .. واللفظ يدل على التكلف في الفعل وكأن فاعله يعلم ان في ذلك مخاطرة كبيرة سيترتب عليها عقاب مؤذي له لو انكشف أمره .. والسمع في الآية المقصود به الكلام المسموع من الملائكة التي تنفذ أوامر الله في الأرض ..
 
- ويقصد من استراق السمع .. هو سرقة المعلومة واختلاسها من خلال التجسس الخاطف والسريع لما يتكلم به الملائكة من أخبار الغيب التي يتم تنفيذها على أهل الأرض حيث أن هذه الملائكة هي المدبرات أوامر الله فينفذوها ..
 
- وكأن خطف الكلمة المسموعة : مثل السرقة التي يسرقها أحد في خفاء دون أن يشعر به أحد .. كذلك يسرقون الكلمة من الملائكة عن غير ما تنتبه الملائكة إلى ذلك .. إلا أن الله يعلم بذلك وقد يسمح بذلك لحكمة هو يعلمها ..
 
#- وهنا حقيقة عليك أن تنتبه لها أخي الحبيب..
- وهذه الحقيقة هي أن الشياطين لا يستمعون إلا لما سمح الله به أن يستمعوا له .. وليس عن قدرة منهم في السماع .. لا .. وإنما عن سماح الله لهم بذلك بأن يسمعوا ما شاء لهم أن يسمعوه .. فتنة لأوليائهم من عالم الإنس الروحانيين الكهنة وتابعيهم ..
 
#- ثالثا: ما هو الذي يتم استراقه ؟
- والذي يتم سرقته وسماعه هو شيئا مما تتكلم به الملائكة من تدبير الله الذي أمر بتنفيذه في أهل الأرض ولازال غيبا لم يعرفه أحد إلا الملائكة فقط ..
- ولكن لا يستمعون ولا يسترقون لأي شيء مما فيه وحي الأنبياء والرسل في زمن بعثهم .. وإنما فقط يخطفون ما فيه معلومة عامة عن حدث ما قد يحدث في الأرض ..
 
#- وكل ما سبق .. قد يترتب عليه سؤال مهم وهو:
- ما الفرق بين علم الغيب وسماع الغيب طالما كان الجن والشياطين يسمعون من الغيب وفيه شيئا من الحق حتى وإن كان أغلبه أكاذيب ؟!! أليس هذا الحق الذي سمعوه ولو معلومة واحدة يعتبر علما بالغيب ؟!!
- أجيبك على ذلك في السؤال التالي إن شاء الله ..
 

************************

 

..:: س54: ما الفرق بين العلم بالغيب وسماع الغيب ؟ ::..

 
- حتى لا يختلط عليك الأمر أخي الحبيب .. وتظن أن المعلومة التي قد يسمعها الجن والشيطان وتحتمل نسبة أن تكون معلومة واحدة صحيحة من جملة مائة معلومة .. فهذا ليس علما بالغيب وإنما يسمى سماعا من الغيب ..
 
#- وإليك بيان ذلك في التفرقة بين هذا وذاك ..
 
1- أولا: من حيث اليقين ..
- العلم بالغيب يتطلب يقينا بالمعلومة .. بخلاف السماع الذي قد يتم ظنا لأنه قد يكون سمع بالخطأ أو يحتمل فهما خاطئا لما سمعه وقد يحتمل حقا ..
 
2- ثانيا: من حيث الإحاطة بالمعلومة ..
- العلم بالغيب يتطلب الإحاطة بالمعلومة واليقين فيها في كل زمان ومكان وظاهرا وباطنا وما يترتب عليها .. ويعلم ما كان وما يكون وما سوف يكون .. وهذا لن يكون إلا لله رب العالمين .. ولذلك لن يكون هناك أحد عالما للغيب إلا الله .. لأنه المحيط علمه بكل شيء ..
 
3- ثالثا: من حيث القدرة على المعرفة الكمالية للغيب ..
- ظهور معلومة غيبية ليس معناه علما بالغيب .. وإنما معرفة شيئا من علم الغيب .. لأن من يزعم علم الغيب فهو يزعم بذلك أن له المقدرة على معرفة غيب السموات والأرضين في كل الازمنة وما بعد الأزمنة .. وهذا محال معرفته لأنه علم مطلق مرتبط بالقدير القيوم جل شأنه .. !!
 
- وانتبه وتذكر أخي الحبيب .. إلى أن ما يتم إظهاره لملائكته فهو أصبح علم نسبي ويجوز معرفته لمن أراد الله له ذلك .. كما سبق وأخبرنا أن هذا ممكن أن يحدث إلهاما أو مناما ..
 
- وأيضا قد يمنع الله معرفته لهذا الغيب النسبي الذي تعرفه الملائكة فلا يطلع عليه أحد من الإنس ولا الجن .. لأنه لا يريد إظهار ذلك .. ومثال ذلك كإخفاء موت سليمان عليه السلام .. فقد كان يعرفه ملك الموت .. ولكن لم يعرفه أحد غيره ..!!
 
- ففرق بين من يسمع بوجود خبر ما .. وبين من يعلم تفاصيل هذا الخبر .. كالفرق بين الظن واليقين .. والفرق بين النور والضباب ..!!
- والله أعلم ..
 
- ملحوظة: قد سبق في الرسالة وأوضحنا الفرق بين معرفة الرسول ومعرفة غير الرسول .. فارجع إلى الفصل الثالث سؤال رقم(12) تحت عنوان: (ما الفرق في المعرفة الغيبية بين معرفة الرسل ومعرفة غير الرسل ؟).
 

*************************

 

..:: س55: كيف يسمع الشياطين في أن الله يقول (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) ؟ ::..

 
- قد يخطر ببالك أخي الحبيب سؤال مهم .. وهو نتيجة أنك انتبهت للآتي:
- أولا: انتبهت لقوله تعالى (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 212 ..
 
- ثانيا: ثم انتبهت لقوله تعالى عما نطق به الجن فقالوا: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9 .. وكذلك انتبهت لقوله: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر17-18.
 
- فمن الآيات السابقة في (أولا وثانيا) .. قد يظهر لك تضارب وتعارض .. فتقول: كيف هم معزولون عن السمع .. وكيف هم يسمعون أو يسترقون السمع ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: الآية الأولى التي استدللت بها أخي الحبيب وهي قوله تعالى: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 212 ..
 
- لو رجعت إلى ما قبلها من الآيات لوجدت الآتي: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء210-212 ..
 
- وبالتالي فأنت تنتبه أن هذا خاص بوحي القرآن .. حيث اتهم الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الوحي من إملاء الشياطين عليه .. ولكن الله رد عليهم وقال أن هذا ليس تنزيل من الشياطين ولا استطاعة لهم في فعل ذلك ..
 
- إذن هذه الآية تتعلق بالوحي الإلهي القرآن .. ويندرج حكمها في كل وحي سماوي لكل نبي ورسول في كل زمان ومكان ..
 
- وهذا هو ما اتفق عليه العلماء .. وهو أن الوحي الإلهي لا سبيل للشياطين على معرفته لأنه من الغيب المحظور إلا لمستحقه فقط .. وهو المذكور في قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن26-27.
 
#- ثانيا: أما بخصوص الآيات المتعارضة مع الآية السابق ذكرها فإليك بيان ما فيها:
- فقوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9..، وكذلك قوله تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر17-18.
 
- فهذه الآيات تتعلق بأخبار أهل الأرض العامة .. مثل معرفة حدوث حرب ما بين طائفتين .. أو معرفة حدوث كارثة طبيعية في مكان ما .. أو معرفة حدوث طاعون في مكان ما .. أو معرفة أخبار خاصة بأفراد كموت ملك من ملوك الدنيا في عام كذا  .. أو ما شابه ذلك ..
 
- ولكنهم لا سبيل لهم في الاستماع إلى وحي السماء الخاص بالأنبياء والرسل لأنهم معزولون عن سماعه ..  
 
#- بالتالي فآية العزل عن سماع الغيب السماوي هي تتعلق بوحي الأنبياء والرسل في زمن وجودهم .. وباقي الآيات تتعلق بأحداث الحياة العامة التي لا علاقة لها بالوحي الخاص بالأنبياء والرسل ..
 

************************

 

..:: س56: ما الحكمة من عزل ومنع الشياطين عن سماع أي شيء من الوحي الإلهي لكل نبي أو رسول ؟ ::..

 
- العزل والمنع للشيطان عن سماع الوحي .. معناه عدم القدرة من أساسه على سماع شيء .. وكأن الله ألغى فيهم خاصية سماع شيء من الوحي وكأنه أصابهم الصمم فيما يتعلق بالوحي ..
 
- وهذا يرشدنا إلى أن تلقي الوحي الإلهي للأنبياء والرسل .. كأنه كانت له شفرة خاصة يتم التحدث بها إلى الملائكة لا تعهدها مسامع باقي الخلق .. ولا يعلمها أحد من الخلق سوى الملائكة الذين هم واسطة بين السماء والأنبياء .
 
- أما عن حكمة وسبب عزل الشياطين عن معرفة شيئا من الوحي الإلهي للأنبياء والرسل .. فذلك له سببين:
1- حتى لا ينقل أحد الشياطين من كلام الوحي شيئا إلى الكهنة .. فينطقون به الكهنة أمام الناس فيختلط على الناس الأمر حينئذ ويقولون كيف يكون هذا وحيا إلهيا ويعرفه الكاهن الذي يتلقى من الشيطان وحيه ؟!!
- ولذلك تم منع الشياطين من معرفة أي شيء من الوحي الإلهي النبوي في كل أزمنة الوجود لكل نبي ورسول ..
 
2- حتى يطمئن الناس إلى أن الوحي الإلهي معصوم طوال حياة النبي والرسول .. ولا سبيل للشيطان إليه بأي حال من الأحوال ..
 
#- واعلم أخي الحبيب ..
- أنه لا يمكن أن يتشكل أحد الشياطين في صورة ملك من الملائكة ويأتي للرسول على أنه ملك من الملائكة .. لأنه يوجد رصد من الملائكة مخصص لذلك بمنع الشيطان من الظهور بأي مظهر من مظاهر الملائكة حتى لا يأتي إلى الرسول والنبي فيخدعه بأنه ملك من الملائكة .. ودليل ذلك قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن26-28.
- وسبق شرح هذه الآيات في الفصل الثاني .. راجع السؤال رقم (8-9-10) ..
 

***************************

 

..:: س57: ما هي حالات الجن والشياطين في سماع الغيب كما ذكرها القرآن ؟ ::..

 
- الجن والشياطين لهم ثلاث حالات في سماع الغيب قد أثبت ذلك القرآن في كتابه ..
 
1- الحالة الأولى: قبل البعثة النبوية ..
-  كانوا يستمعون من الغيب ما شاء الله لهم أن يسمعوا ليفتنوا به أهل الأرض .. ودليل ذلك قوله تعالى عن خبر الجن حينما قالوا: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.
 
- فقوله (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ): دليل على تمكنهم وتمركزهم في أماكن يسمعون منها المعلومات الغيبية .. بل ودليل على علم الله بذلك وعدم منعهم من هذا الفعل ..

2- الحالة الثانية: أثناء البعثة النبوية ..

- وكانوا لا يسمعون شيئا من الوحي الإلهي ولا غير ذلك من غيبيات أهل الأرض .. لأنه لم يعد لهم مقاعد للسمع في السماء .. ودليل ذلك: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.

 

- فقوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا): دليل على منع وجودهم في السماء للإستماع نهائيا .. بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. وإن كان يجوز لهم استراق السمع والخطفة السريعة للمعلومة ..

 

#- إشارة في لفظ (شِهَابًا رَصَدًا):

- فيه دلالة على أن هذه الشهب مخصصة لهذه المهمة .. لأن الرصد معناه الترقب أو المراقبة لشيء ما يتوقع حوثه ..

 

- فتم تصوير هذه الشهب كأنها شخص لديه إدراك ويراقب حركة السماء .. فإن وجد حركة ممنوع تواجدها فإنه يطلق قذيفة مثل الصاروخ لطرد من يشعر بوجوده أو لإصابته قتلا أو حرقا لمن يحاول الإقتراب بعد أن ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

- فكأن الشهب لديها إدراك حقيقي وفهما خاص أودعه الله فيها بالمراقبة والدفاع حيث لو رصدت أو استشعرت حركة من عالم الشياطين في السماء (بعد بعثة النبي) فإنها تصعقه في الحال بما لا مهرب منها أبدا .. وفي ذلك دلالة على أنه سيتم الإصابة بهذا الشهاب لا محالة لمن يتصدى لهذه المهمة من عالم الشياطين .. كما قال تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18..، وكما قال تعالى: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.

3- الحالة الثالثة: بعد البعثة النبوية .. وانتقاله لجوار ربه ..

- اختلف في ذلك العلماء فمنهم من قال ظلت السماء كما هي مملؤة بالحراسة والشهب .. وظل سمع الغيبيات عبارة عن خطف معلومة واستراقها .. ومنهم من قال أن الكهانة انتهت بداية من ظهور النبي وبعد زمن النبي ..

 

- وسيأتي شرح وبيان كل ما سبق تفصيليا في فصل خاص به .. إن شاء الله تعالى ..

 

- ولكن كما تعرفنا على مفهوم سماع الجن والشياطين للغيب .. فلنتعرف على مفهوم الشهب وأنواعها وأسباب ظهورها منيرة .. وقول العلم فيها .. وما هي نوع الشهب التي تكون عقاب لمن يخطف المعلومات الغيبية منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ..

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .