ج4: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - ما هي مفاتيح الغيب وهل هي من الغيب المطلق - هل من الممكن أن يعرف أحد شيئا من مفاتيح الغيب الخمسة المذكورة في الآية أو الحديث - كيف لبعض العرافين أن يعرف ما في ضمائر البعض إذا كان الله قد اختص نفسه بغيب الضمائر لما قال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) - لماذا العراف أو الروحاني قد يسمح له الله بأن يعرف معلومة عن شخص ما - هل من الممكن أن يطلع بعض المؤمنين أو غير المؤمنين على غيب النفوس - ما الفرق بين معرفة ما قد تخفيه النفوس بالنسبة للمؤمن وغير المؤمن - هل قراءة الأفكار تندرج تحت مسمى معرفة ما في النفوس.

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الرابع)

*فهرس:
:: الفصل الرابع :: أسئلة مهمة جدا على آيات الغيب المطلق يتسائلها العقل وقد تتعارض مع الواقع ::
1- س15: ما هي مفاتيح الغيب وهل هي من الغيب المطلق ؟
2- س16: هل من الممكن أن يعرف أحد شيئا من مفاتيح الغيب الخمسة المذكورة في الآية أو الحديث ؟
3- س17: كيف لبعض العرافين أن يعرف ما في ضمائر البعض  إذا كان الله قد اختص نفسه بغيب الضمائر لما قال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) ؟
4- س18: لماذا العراف أو الروحاني قد يسمح له الله بأن يعرف معلومة عن شخص ما ؟
5- س19: هل من الممكن أن يطلع بعض المؤمنين أو غير المؤمنين على غيب النفوس ؟
6- س20: ما الفرق بين معرفة ما قد تخفيه النفوس بالنسبة للمؤمن وغير المؤمن ؟
7- س21: هل قراءة الأفكار تندرج تحت مسمى معرفة ما في النفوس ؟

**********************

:: الفصل الرابع ::

:: أسئلة مهمة جدا على آيات الغيب المطلق يتسائلها العقل وقد تتعارض مع الواقع ::

**************************

..:: س15: ما هي مفاتيح الغيب وهل هي من الغيب المطلق ؟ ::..

 
- أولا: التعريف بمفاتيح الغيب ..
- يقول تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام59 .
 
- قوله (مفاتح الغيب) .. فيه دلالة على أنه وحده من يملك خزائن المعرفة الغيبية .. لأنه هو وحده من يملك مفاتيح هذه الخزائن الغيبية أي ما يوصل إلى هذه المعارف الغيبية .. ولا علم لأحد بهذه المفاتيح (الطرق أو الأسباب) الموصلة إلى هذه المعارف الغيبية التي اختص الله بها نفسه .. فكانت من الغيب المطلق الذي لا سبيل للوصول إليه وبالتالي لا سبيل إلى معرفته .
 
- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه المفاتيح الغيبية: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ .. لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ) صحيح البخاري.
 

- وقوله (لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ): فيه دلالة على إحاطة العلم بكل تفاصيلها وما يترتب عليها من أحداث .. لا يحيط بذلك علما إلا الله ..

 

1- فالأرحام يقصد به هل الرحم يحمل فيه قابلية لحياة طفل أم لا .. ولو كان طفل فهو يعلم كل تاريخ حياة الطفل من لحظة بدايته كنطفة إلى لحظة وفاته وما سيحدث له في برزخه إلى حين قيامته ..
2- وكذلك يعلم تفاصيل كل شيء يحدث مستقبلا من خير أو شر ونفع وضر وبسط وقبض ومنع وعطاء وما شابه ذلك ..
3- والمطر لا أحد يعلم بموعد نزوله وما يحمل معه من تكليف يترتب على هذا النزول .. هل هو ينزل رحمة للعباد أم لضرر يصيب العباد وما هو مقداره ومتى يبدأ ومتى ينتهي ومن سينتفع منه ومن لا ينتفع منه وهكذا ..
4- ولا يدري أحد بأي مكان سيموت .. في بر أو بحر أو في السماء كالذي يموت في انفجار طائرة .. وهذا المكان في محيط أي بلد سيحدث .. وحكمة ذلك الموت في هذا المكان ..
5- وكذلك لا أحد يعلم وقت قيام الساعة سواء باعتبار نفخة الصعق أو باعتبار نفخ البعث .. وكلاهما موجود في قوله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) الزمر68 ..
 
#- والمعنى من تفسير أيسر التفاسير للشيخ أسعد حومد رحمه الله:
- يخبر الله تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال العظيمة، والآيات والزلازل ، ويقول تعالىإن الصور (وهو قرن إذا نفخ فيه أحدث صوتا) ينفخ فيه نفختان: نفخة يموت فيها الخلق ومن في السموات والأرض من المخلوقات، ويصعقون إلا من شاء الله أن يستثنيه من الصعق .. ثم ينفخ فيه النفخة الثانية فيقوم الخلق من قبورهم أحياء ينظرون حولهم بعد ان كانوا عظاما ورُفاتا. (انتهى النقل من التفسير).

#- ثانيا: وهذه الغيبيات وصفت بكونها مفاتيح كما قال بعض العلماء وذلك للآتي ..

- قيام الساعة مفتاح لليوم الآخر .

- ونزول الغيث مفتاح لحياة الأرض .

- وعلم ما في الأرحام مفتاح لحياة المخلوقات .

- وما تدري نفس ماذا تكسب غدا مفتاح للأرزاق .

- وما تدري نفس بأي أرض تموت مفتاح للقيامة الصغرى لكل إنسان بحسبه .

- والله أعلم .

***********************

 

..:: س16: هل من الممكن أن يعرف أحد شيئا من مفاتيح الغيب الخمسة المذكورة في الآية أو الحديث ؟ ::..

 
#- من الأسئلة التي قد تخطر ببالك أخي الحبيب فتقول .. إذا كان الله قال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) الأنعام59 .. هل من الممكن أن يعرف أحد شيئا من غيب المفاتيح الخمس المذكورة في الآية أو الحديث ؟ وإذا كان ممكن أن يعرف احد شيئا .. أليس في هذا يكون تعارض مع الآية حينئذ ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) انتبه للآتي أخي الحبيب:
- صحيح أن مفاتيح الغيب هي من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله .. ولكن هناك فرق بين أن نقول أن الله محيط علمه بغيب السموات والأرض ولا قدرة لأحد أن يعلم ذلك إلا الله .. وبين أن نقول هل يستطيع أن يخبر الله أحد بشيء من هذا الغيب .. فكلاهما مسألتين مختلفتين لم ينتبه إليهما بعض من تفكر في الآية الخاصة بمفاتيح الغيب .. وجعل من الآية أنها تفيد إحاطة العلم الغيبي .. وتفيد النهي عن إطلاع أحد على هذا الغيب .. وهذا كلام خطأ ولا تحمله الآية .. حيث أنها تفيد إحاطة الله للعلم الغيبي .. ولكنها لا تفيد النهي عن إطلاع الله لأحد من خلقه على شيء من هذا الغيب .. ليه ؟
- لسببين:
 
- الأول: نفي العلم بهذه الغيبيات الخمسة .. لم يصاحبه النفي بأنه ممكن أن يخبر أحد بشيء منها ..!!
- فإحاطة الله بعلم ومعرفة كل الغيب .. ليس معناه أن لا يخبر منه أحد .. ولكن الآية أثبتت أن العلم الغيبي كله ملك لله .. كما أن الرزق كله لله ولكن هذا لم يمنع أن يرزق الله عباده من هذا الرزق ..
 
- الثاني: من الصواب أن نقول أنه لا أحد يعلم غيب هذه المفاتيح الخمسة بكل تفاصيلها ودقائقها بكل ما تحمله كلمة غيب فيها .. أي بكل ما تخفيه هذه المفاتيح الخمسة .. لأن كلمة الغيب أتت بحرفي التعريف (ال) الدالة على الشمولية والإحاطة لكل تفاصيل ما هو غيب كثيره وقليله .. وظاهره وخفيه .. وخيره وشره .. وعمومه وخصوصه .. ونفعه وضره .. وبسطه وقبضه .. وبلاءه ولطفه .. وأوله وآخره .. ودقائقه وتفاصيله وخصائصه ونواقضه .. وهكذا ..
 
- ولكن قد يطلع الله بعض عباده على جزئية أو لمحة من هذه الغيوب سواء بدلالة علمية أو بإلقاء في خاطر احد .. فهذا غير ممتنع .. ودليل ذلك:
1- الطبيب يستطيع أن يعرف ما في الأرحام من حيث كونه ذكر أو أنثى .. ولكنه لا يستطيع أن يعرف أحوال هذا الجنين وما سيكون عليه شكلا وفعلا وكلاما .. وهل سيكتب له الولادة أم سيموت في بطن الام .. وغير ذلك من أحداث ستحدث له .. فالطبيب لا يعرفها ولن يعرفها مهما بلغ من العلم ..
 
2- خبير الأحوال الجوية .. نجده قد يستنبط وجود عاصفة أو أمطار ستحدث في مكان ما .. وذلك نتيجة علامات وإشارات تم إلتقاطها من أجهزة علمية صورت ذلك .. ولكنه لا يعلم ما تحمله هذه العاصفة من خير أو شر وما سيترتب عليها من احداث في الوجود في كل مكان ستحدث فيه هذه العاصفة .. وكذلك الحال بالنسبة للأمطار ..
 
3- بعض الناس قد يلهمهم الله في الرؤيا بأحداث مستقبلية قد تحدث .. ثم يجدونها تحدث فعلا .. وهذا يعتبر من علم ما في غد .. ولكن من يعرف معلومة فهو لا يعرف تفاصيلها وإنما يعرف خبر عام .. كالذي يقرأ خبر مكتوب بالفونت الكبير في جريدة ولكنه لا يعرف تفاصيل هذا الخبر .. كالذي يعلم خبر موت شخص ولكنه لا يعرف في أي ساعة لولا كيف سيموت وما الحكمة في موته وما سيترتب على موته ومن سيرثه .. وهكذا ..
- وكذلك بعض العرافين الذين قد يصدفون في بعض قولهم .. فما هو إلا أخبار عامة وليس تفصيليه للقدر .. فانتبه .

4- وهذا يشمل أيضا معرفة مَلك الأرحام .. الذي يعلم شيئا من قدر الطفل من حال شكله ورزقه وأجله .. فهذا حينئذ غيب نسبي .. لأنه خرج من علم الله إلى علم هذا المَلك .. فيسمى غيب نسبي .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ أَجَلُهُ، فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ) صحيح مسلم.

 

- لكن إذا كان الملك يعلم من قدر الإنسان شيئا .. فهذا لازال غيبا للإنسان ولا يعلمه .. ولا يحق له التجسس عليه .. لأن الله منعه عن التجسس على هذا الغيب القدري المستقبلي .. !!

  
#- ولذلك أخي الحبيب ..
- اقرأ كلام الله وتفكر فيه بهدوء حتى تستوعب ما يقوله تعالى .. ولا تتبع أقوال برائحة فتاوى انفعالية وهي متعارضة مع ظاهر لفظ القرآن ومع الواقع .. فتتسبب في حدوث تضارب لإيمان المؤمنين .. فانتبه .
 
- فليس معنى أن يعرف أحد جزئية أو لمحة عن حدث ما .. فهذا معناه أنه يعرف الغيب .. لا .. فمعرفة الغيب تستوجب إحاطتك بعلم الغيب حتى تقول أنه يعلم الغيب .. طالما الشخص لم يزعم لنفسه أنه عالما للغيب .. !!
 
#- ولذلك قال الإمام المناوي رحمه الله (المتوفى: 1031هـ) في فيض القدير ج3 ص458 في بداية شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره:
- (خمس لا يعلمهن إلا الله) على وجه الإحاطة والشمول كليا وجزيئا فلا ينافيه اطلاع الله بعض خواصه على كثير من المغيبات حتى من هذه الخمس لأنها جزئيات معدودة . (انتهى النقل من فيض القدير) .
 

*****************************

 

..:: س17: كيف لبعض العرافين أن يعرف ما في ضمائر البعض  إذا كان الله قد اختص نفسه بغيب الضمائر لما قال (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) ؟ ::..

 
- حينما تقرأ قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ....) آل عمران179.
 
- فقوله (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) والغيب هنا يقصد به ما غاب وخفي في النفوس والضمائر .. وهذا يظهر بدلالة ما قبله من الكلام ..
 
- والمعنى المقصود هو – والله أعلم - : ما كان ليترككم أيها المؤمنون على ما أنتم عليه من عدم التمييز بين المؤمن والمنافق .. حتى يختبركم في إيمانكم فيتبين ويظهر وينكشف حقيقة المؤمن الصادق من المنافق الذي يخفي نفاقه بينكم .. ولكن جرت سنة الله أن يكون الإختبارات والمحن وفرض الأوامر والنواهي التكليفية .. هي وسائل إظهار وكشف حقائق النفوس وليس من خلال أن يطلعكم الله على ما في النفوس وضمائر الناس .. ومن خلال هذه الوسائل التي يختبر الله بها عباده ينكشف لكم من هو المؤمن ومن هو المنافق والكافر .. ومن هو الصادق ومن هو الكاذب ..
- وقوله (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ) أي يختار من رسله من يطلعه على ما في ضمائر بعض الناس ليحذرهم ويحذر المؤمنين منهم .. 
 
- وهنا قد تسأل أخي الحبيب سؤالا فتقول: إذا كان الله قد اختص نفسه بعلم ضمائر النفوس .. فكيف للبعض أن يعرف ما في ضمائر الناس ؟!!
- فمثلا : كيف يعرف العراف من قارئي الفنجان والودع والرمل والتاروت وغيرهم ما في ضمير بعض الناس ويقول لك أن فلان في ضميره يحمل كذا من ناحيتك ؟!! أليس هذا حينئذ يكون مخالف للآية ومعارض لها ؟
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- الآية السابقة توضح أن علم الغيب بما هو كائن في الصدور من حق وباطل .. فإنما يعلم به الله وحده .. وقد يطلع الله بعضا من هذا الغيب لبعض رسله وحيا منه إليهم .. ولذلك علم ما في الصدور ليس معناه أن فلان قد يشير أن فلان إنسان غير جيد أو يريد بك الأذى .. لا .. فهذه معلومة ظنية .. وعلى افتراض صحة هذا الظن .. فإن هذا ليس معناه إطلاع على ما في الضمائر .. ليه ؟
 
#- لثلاث أسباب رئيسية:
- السبب الأول: أن الله تعالى قد قال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)
وكلمة (الغيب) أتت بالتعريف أي بالألف واللام .. وهذا فيه دلالة على شمولية وأحاطة علمه تعالى بكل ما غاب في الصدور من صفات ورغبات وأهواء وأطماع .. وما كان منه وما هو حاضر وما سيكون .. يقينا مؤكدا بهذه المعرفة .. وليس مجرد معلومة يظنها العراف من خلال إشارة في فنجان أو هاتف من الجن يهتف في خاطره بحال فلان .. قد يصدق فيها وقد لا يصدق .. لأنها مجرد معلومة ظنية لا يقين فيها ..!!
- ولذلك قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي على شمولية ما تحتويه النفوس مما غاب فيها من صفات ورغبات وأهواء وإيمان ونفاق وغير ذلك مما تحتويه الصدور..
 
- السبب الثاني: لو كان العراف يعرف ما في الضمائر لكان عرف ما أنت آتي لتسأله عنه ؟!! فعدم معرفته بما في ضميرك من السؤال .. فهذا معناه أنه لا يعرف شيئا ولا قدرة له على معرفة ذلك إلا بواسطة ما يوسوس به الجن إليه في نفسه ..
 
#- وأذكر لكم في ذلك قصة لطيفة ..
- أنه ذات يوم دخل منجم على الحجاج بن يوسف الثقفي وكان واليا على العراق في العهد الأموي ..  فأراد الحجاج أن يختبره .. فقبض الحجاج بعض الحصوات وعدها ووضعها في يده دون أن يراها المنجم ..
- وقال الحجاج للمنجم: أخبرني بعدد الحصوات التي في يدي ..
- فأجابه المنجم: بأن عدد الحصوات هو كذا ..وقد أصاب فعلا العدد كما هو ..
- ثم أخرجه الحجاج خارج الغرفة .. ثم طلب حضوره مرة أخرى .. وكان الحجاج قد قبض على حصوات عشوائيا بقبضة يده ولم يعدها كما في المرة الأولى ..
- وقال للمنجم: كم في يدي من الحصوات ؟
- فأجاب المنجم: وقال العدد خطأ خلاف ما في يد الحجاج ..!!
- ثم قال المنجم للحجاج: أظنك لَا تعرف عددها ؟!!
- فقال الحجاج: نعم لا أعرفها .. ولكن ما الفرق بين المرة الأولى حينما عرفت والثانية حينما لم تعرف ؟
- فقال المنجم: في المرة الأولى حينما أحصيت الحصى وعددته فقد خرج عن حد الغيب والمجهول فأصبح معلوما لك عدده .. ولكن في المرة الثانية أنت لم تحصيه فهو ظل في حيز الغيب الغير معلوم ولا يعلم الغيب في السموات والأرض إلا الله أيها الوالي ..
 
- السبب الثالث: المعلومة التي عرفها العراف هو ليس من معرفة ضمير هذا المسئول عنه .. لا .. وإنما يقوم شيطان المصاحب له بالوصول إلى قرين هذا الشخص المسئول عنه ليعرف منه إجابة هذا السؤال من خلال معرفة القرين بهذا الشخص .. ولكن هل هذا القرين أصلا يعلم ما في ضمير هذا الشخص المصاحب له ؟!! بكل تأكيد .. لا .. وإنما هو أيضا يخبر بالظن والتجربة من خلال تواجده مع هذا الشخص ..!!
 
- ولا يخفى على مؤمن .. أن حيازة المعلومة وتوصيلها للعراف .. تكون بقدر ما يسمح به الملائكة الحفظة ويأذن الله به في تبليغ هذه المعلومة للعراف أم لا ..!! حيث قد لا يأذن الله لهذا القرين المصاحب للشخص أن ينطق بشيء ..!! أو قد ينطق بما فيه وهم وظن حتى يتم نقل المعلومة مغلوطة أو يترجمها العراف ترجمة خاطئة لمن يسأل عن هذا الشخص ..!!
 
#- وخلاصة القول أخي الحبيب:
1- حينما يخبرك أحد العرافين .. من قارئي الفنجان والودع والحجارة والكوتشينة والتاروت وأشباههم عما في ضمير أحد الناس .. فاعلم أنه كذاب .. وإن صدق في شيء فهذا لأن شيطانه المصاحب له قد ذهب ليستفسر عن أحوال المسئول عنه من قرينه .. كما سبق وشرحت لك ..
 
2- أن الله لا يطلع أحد على ما في صدور العباد .. إلا بعد ظهور حاله أي يكون بشيء أظهره الشخص فعلا من تصرفاته وكلامه ..
 
3- وقد يظهر الله المخفي في نفوس بعض العباد مثل ما هو خصوصية عطاء للرسل .. وذلك لتأييدهم بمعرفة هؤلاء المخادعين في الدين ليحذروهم ويحذروا المؤمنين منهم ..
 
4- وقد يظهر الله شيئا ما في نفس أحد لمن خصوصية مدد من الله لإرشاده وتوجيهه وتنبيهه وتذكيره بالله .. كالذي يسمع ويرى بالله وقد سمح الله له بذلك في لحظة ما ويكون حال هذا الولي هو كأنه موجه لهذا الشخص لتنبيهه وتذكيره بالله .. وسيأتيك بيان ذلك بعد قليل ..
 

******************************

 

..:: س18: لماذا العراف أو الروحاني قد يسمح له الله بأن يعرف معلومة عن شخص ما ؟ ::..

 
- بعد إجابة السؤال السابق ومعرفتك بأن العراف أو بعض الروحانيين قد يرسلون أوليائهم من الجن للتجسس على حال بعض الناس .. وهنا قد تسأل أخي الحبيب مستفسرا عن الحكمة في توصيل معلومة للعراف أو الروحاني من أساسه عن شخص ما ؟ أي لماذا قد يسمح الله بهذا الفعل ويمنح العراف أو بعض الروحانيين القدرة على التجسس ولو بمعلومة بسيطة ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- طالما أردت الحكمة . فإليك بيان ما خفي عنك .. واعلم أن هذا من بديع صنع الله .. حيث أن تبليغ هذه المعلومة للعراف أو بعض الروحانيين يترتب عليها أحكاما وحكمة:
 
#- أولا: من الأحكام:
1- بالنسبة للفاعل وطالب التجسس بالعرافة .. هو ثبوت العصيان على السائل لاستعانته بما لا يحق له الاستعانة به .. حيث استعان بالشيطان ليتجسس على آخر .. بل ودفع للعراف مالا بالباطل لتحقيق مراده ..!!
- ففعل بذلك أربعة معاصي لها أربعة أحكام .. الاستعانة بالجن مستمتعا به – معرفة غيب ما في النفوس وهو خاص بالله – التجسس على أحوال الناس – صرف المال في الباطل ..
 
2- وبالنسبة للذي تم التجسس عليه .. فمن الأحكام أن يجعل الله لك قصاص من هذا العراف ومن طلب منه المعرفة .. يوم القيامة .. مع فضيحتهما أمام الخلائق .. إلا من تاب واخلص لله في توبته فإن الله غفور رحيم وهو من يراضي الخصوم بمحض فضله ورحمته .
 
#- ثانيا: من الحكمة:
1- بالنسبة للفاعل .. فالذي يطلب من العراف أو أحد الروحانيين أن يتجسس له على شخص ما ويعرف عنه أخباره .. فهذا الذي طلب سيتسلط الشيطان عليه بمزيد من الوسواس عقابا له .. لأن بسؤاله للعراف قد سمح لشيطان العراف وأعطاه الإذن في أن يتسلط على طالب التجسس كيفما شاء ووقتما شاء .. لأنه هذا الطالب كما طلب أن يستمتع بمعرفة الشيطان له عن الآخر ليتجسس له .. فللشيطان أن يستمتع في الطالب منه بما يراه هو أيضا حقا له .. فلا يوجد مجانيات في العالم الروحاني ..!!
 
- أما إذا كان سؤال بعض العرافين أو الروحانيين عن حال أحد برغبة منهم في ذلك وليس عن طلب سائل منهم ذلك .. فهذا أيضا يزيد من تمكين الجن منهم واستيلائهم عليه ليستمتعوا بهذا العراف أو الروحاني كما هو يستمتع بهم .. ويستبيحوه كما هو استباحهم في ما حرمه الله عليه ..
 
2- أما عن الحكمة بالنسبة للذي تم التجسس عليه .. حتى يزداد تعلقا بالله وعملا مع الله .. ليحميه من الجن وخدام الجن من عالم الإنس .. فيظل يقظ في علاقته بالله حتى يظل في معية الله .. ومن في معية الله فالله كافيه .. ومن كفاه الله فهو في ستر الله .. ومن ستره الله فلا يهتك ستره أحد.
 
#- واعلم أخي الحبيب ..
1- أن العراف ما هو إلا وسيلة للفتنة التي يزينها لك الشيطان .. ويجعلك تظن أنك من خلاله (أي العراف) تحقق ما ترجوه منه من فضولك الغيبي وتعرف أشياء عن فلان أو فلان ..!!
 
2- أما عن الروحانيين الذين يتجسسون على خلق ربنا .. فاعلم أن الله بهم محيط .. وسخطه عليهم نازل .. ورحمته عنهم مرفوعة وإلا ما كان سلط عليهم الشيطان لهم قرينا يوحي إليهم ويستمتعون به .. إلا من تاب منهم ورجع إلى الله فهو الغفور الرحيم ..
- ويكفي لهم مهانة في أنفسهم أن جعلهم خداما للجن وجعل الجن أولياء لهم ليستمتعوا بهم كيفما شاؤوا .. ومن تتبع عورات احد .. تتبع الله عورته .. والله ليس بغافل عما يعملون ..
 
#- وخلاصة القول أخي الحبيب:
- كما تدين تُدان .. وكما تفعل يُفعل بك .. فإذا ذهبت لتتعرف على أحول العباد فيما ظهر منها أو تطلع على غيب النفوس كما تزعم .. فأنت هتكت حرمات الله مرتين ..
- الأولى: حينما استبحت التجسس على خلق ربنا ..
- الثانية: حينما استعنت بالجن لتستمتع بخدماته لك فيما تريد .. فللجن حينئذ الحق فيك أن يستمتع بك كأجر له على ما قدمه لك .. ومن اتخذ الجن والشيطان له ولي حميم .. فلا يسأل بعد ذلك لماذا انقلبت حياته إلى جحيم .. !!
 

******************************

 

..:: س19: هل من الممكن أن يطلع بعض المؤمنين أو غير المؤمنين على غيب النفوس ؟ ::..

 
- إذا كان الله محيط بعلم الغيب بما في ذلك غيب النفوس ..فهل من الممكن أن نجد أحد المؤمنين أن يلهمه الله بما تفعله النفوس وتخفيه ؟
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- نعم أخي الحبيب من الممكن أن يطلع الله بعض خلقه من أهل الإيمان وغيرهم على بعض ما تخفيه بعض النفوس .. وهذا له حالتين:
 
- الحالة الأولى: نزول القبض أو الراحة على نفس المتلقي ..
- فيخلق الله في نفس المتلقي حالة نفسية تشعره بوجود خطأ ما في الشخص الواقف أمامه .. أو وجود حالة راحة من تواجدك مع هذا الشخص ..
- وهذه الحالة ليست بمعنى أن يسمع ما في صدر الواقف أمامه من كلام .. وإنما بأن يخلق الله في نفس الآخر ما يقبضه من هذا الشخص فيفهم أن هذا الشخص غير مريح أو غير مقبول أو من الأفضل الابتعاد عنه .. أو قد تجد ما يفهمك عن هذا الشخص بأنه غير منضبط أو فيه خلل واعوجاج .. أو قد تجد في نفسك راحة ناحية هذا الشخص فتدرك أن فيه خيرا وقلبه طيب ..
- وأحيانا قد يظهر الله رائحة المخادعين لبعض خلقه .. حيث أن المعاصي لها روائح تميزها ولها علامات تظهر على الشخص ويظهرها الله لمن يريد أن يظهرها له من عباده لأن له إدراك بالله ..
- ولا تستغرب من قولي .. فإذا كان الظراط ورائحته من الإنسان دلالة على وجود خلل في معدته .. فمعاصي الإنسان هي أيضا لها رائحة تدل على وجود خلل في هذا الإنسان .. وسبحان من ستر العباد بفضله ورحمته .  
 
- الحالة الثانية: أن تسمع ما تتحدث به النفوس بإذن الله ..
- وذلك أن يفتح الله لك مسامع في نفسك تسمع بها ما يريده الشخص الواقف أمامك أو يكشف لك أمام عين قلبك ما لا يراه الآخرون في هذا الشخص .. وهذا يحدث غالبا مع أهل الإيمان المتعلقين بالله تعلق محبة .. ولا إدراك فيه لغير المؤمن بأي حال من الأحوال ..
 
#- وإليك أمثلة على ذلك:
- أولا: أمثلة من أهل الإيمان:
1- يقول الله في الحديث القدسي: (وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) صحيح البخاري.
- فإذا كان هناك من يسمع بالله .. فما الحرج حينئذ أن يسمع ما تخفيه الصدور طالما هو بإذن من الله وليس من نفسه .. وبالتالي لله في ذلك حكمة .. واهل الله لا يطلعون على أسرار العباد إلا لإصلاحهم وتوجيههم وإرشادهم وتنبيههم .
 
#- ومثال ذلك ما جاء عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: (جَاءَ رجل من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله كَلِمَات أسأَل عَنْهُن فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْلِسْ وَجَاء رجل من ثَقِيف فَقَالَ يَا رَسُول الله كَلِمَات أسأَل عَنْهُن فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَقَك الْأنْصَارِيّ فَقَالَ الْأنْصَارِيّ إِنَّه رجل غَرِيب وَإِن للغريب حَقًا فابدأ بِهِ فَأقبل على الثَّقَفِيّ فَقَالَ إِن شِئْت أَنْبَأتك عَمَّا كنت تَسْأَلنِي عَنهُ وَإِن شِئْت تَسْأَلنِي وأخبرك فَقَالَ يَا رَسُول الله بل أجبني عَمَّا كنت أَسأَلك قَالَ جِئْت تَسْأَلنِي عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالصَّلَاة وَالصَّوْم فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأت مِمَّا كَانَ فِي نَفسِي شَيْئا .. قَالَ فَإِذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك ثمَّ فرج أصابعك ثمَّ اسكن حَتَّى يَأْخُذ كل عُضْو مأخذه وَإِذا سجدت فمكن جبهتك وَلَا تنقر نقرا وصل أول النَّهَار وَآخره فَقَالَ يَا نَبِي الله فَإِن أَنا صليت بَينهمَا قَالَ فَأَنت إِذا مصل وصم من كل شهر ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة فَقَامَ الثَّقَفِيّ .. ثمَّ أقبل على الْأنْصَارِيّ فَقَالَ إِن شِئْت أَخْبَرتك عَمَّا جِئْت تَسْأَلنِي وَإِن شِئْت تَسْأَلنِي وأخبرك فَقَالَ لَا يَا نَبِي الله أَخْبرنِي بِمَا جِئْت أَسأَلك قَالَ جِئْت تَسْأَلنِي عَن الْحَاج مَا لَهُ حِين يخرج من بَيته وَمَا لَهُ حِين يقوم بِعَرَفَات وَمَا لَهُ حِين يَرْمِي الْجمار وَمَا لَهُ حِين يحلق رَأسه وَمَا لَهُ حِين يقْضِي آخر طواف بِالْبَيْتِ فَقَالَ يَا نَبِي الله وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأت مِمَّا كَانَ فِي نَفسِي شَيْئا قَالَ فَإِن لَهُ حِين يخرج من بَيته أَن رَاحِلَته لَا تخطو خطْوَة إِلَّا كتب الله بهَا حَسَنَة أَو حط عَنهُ بهَا خَطِيئَة فَإِذا وقف بِعَرَفَات فَإِن الله عز وَجل ينزل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي شعثا غبرا اشْهَدُوا أَنِّي قد غفرت لَهُم ذنوبهم وَإِن كَانَت عدد قطر السَّمَاء وَرمل عالج وَإِذا رمى الْجمار لَا يدْرِي أحد مَا لَهُ حَتَّى يتوفاه الله يَوْم الْقِيَامَة وَإِذا قضى آخر طواف بِالْبَيْتِ خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه) رواه بن حبان .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب بأنه حسن .. وضعفه الأرنؤوط في تخريج صحيح بن حبان ..!!
 
- وإذا كان حدث للنبي صلى الله عليه وسلم إدراك ما في النفوس .. فلا يمتنع أن يحدث ذلك لغيره من المؤمنين لأن الحديث عام في كل عبد مؤمن استولت محبة الله على قلبه .. فهو يدرك بالله ما لا يدركه الآخرون ..
 
2- وفي ذلك أحكي لك قصة تروى حدثت مع الإمام الجنيد رضي الله عنه وهو من علماء أهل السنة والجماعة جامعا بين الشريعة التصوف الشرعي .. ويعتبر من أتباع التابعين..  
- حيث كان جالسا بالمسجد وحوله جموع من الناس .. فبرز رجل وَسَأَلَهُ عَن معنى حَدِيث: (اتَّقوا فراسة الْمُؤمن) فَأَطْرَقَ قَلِيلا (أي مال برأسه للأسفل صامتا) ثمَّ قَالَ لَهُ: أسلم فقد آن لَك أَن تسلم، فَقَامَ وَجَثَا بَين يَدَيْهِ وَأسلم .. وانكشف أَن ذَلِك الرجل من النَّصَارَى لما سمع أَخْبَار النَّاس بِأَن الْجُنَيْد سيتكلم فِي ذَلِك الْمحل فِي ذَلِك الْوَقْت .. لبس لباس الْمُسلمين وَدخل مَعَهم مختبراً لِلْإِسْلَامِ وَأَهله، فَكَانَ فِي ذَلِك سعادته الأبدية. (راجع هذه القصة في كتاب الولاية والطريق إليها للشوكاني ج1 ص511).
 

************************

 

..:: س20: ما الفرق بين معرفة ما قد تخفيه النفوس بالنسبة للمؤمن وغير المؤمن ؟ ::..

 
- اعلم أخي الحبيب .. أكرر عليك حتى لا تنسى .. أن الله قد يكشف لبعض أحبابه شيئا من غيب النفوس لإصلاح ومساعدة الناس وليس لهتك سترهم وفضيحتهم .. وإلا فكيف يكون من أهل الله وأحبابه ..؟!!
 
- والفرق بين معرفة أو إلهام أهل الله وغيرهم .. هو اليقين الساكن في القلب من المعلومة التي بلغتهم وكأنهم يسمعونها أو يشاهدونها بحواسهم الظاهرة بما لا مجال للشك فيه طرفة عين ..
 
- ولكن بعض العرافين والروحانيين ممن استولت على قلوبهم محبة الجن واستولى عليهم شيطان الهوى محركا نفوسهم الأمارة بالسوء .. ويعيشون خداما للجن ليستمتعوا بخدماتهم .. فإليك شيئا من حالهم .. احكيه لكم في قصة حدثت مع النبي صلى الله عليه وسلم ..
   
#- قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع بن صياد:
- حدثت قصة مع النبي صلى الله عليه وسلم حينما قابل ابن صياد وكان غلاما وهو ابن لأمراة يهودية وكانت أحدى عينية ممسوحة والأخرى جاحظة . وشك بعض الصحابة أنه هو الدجال .. وقد علم عنه النبي أنه يخبر من أمور الغيب شيئا .. فأراد أن يختبره فمر عليه في جماعة من أصحابه وكان منهم عمر بن الخطاب:
 
- فجاء في رواية الحديث: (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يَأْتِيكَ؟ " قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِطَ لَكَ الْأَمْرُ "، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا " وَخَبَأَ لَهُ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ!! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ") رواه أحمد .. وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين .
 
#- من معاني رواية الحديث:
- قوله (يأتيني صادق وكاذب): أي يختلط علي الأمر فتارة تلقي إلي هواتف فيها صدق وأخرى فيها كذب ..
- قوله (خُلِّط لك الأمر): أي تم خلط الحق بالباطل في الهواتف التي تأتيك حتى لا تعرف الحق من الباطل فيها .. تلاعبا من الشيطان بك ..
- قوله (خبأت لك خبيئا): أي أخفيت لك في نفسي شيئا فهل تعلم ما هو ؟ ..
- قوله (الدخ): أي قال فقط نصف كلمة (الدخ) .. ولم يستطع أن يعرف باقي الكلمة (الدخان) .. ولم يقوى على معرفة الآية ..
- وسبب معرفته ببعض الكلمة .. ليس لأنه عرف ما في ضمير النبي .. لا .. وإنما هو لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بها بعض أصحابه الذي ذهب معهم لمقابلة بن صياد .. فلعل الشيطان تنصت فلم يستمع إلا فقط لحرفين وهما (الدخ) .. والله أعلم .
 
#- وفي قصة بن صياد تدرك أمرا مهما .. وهو أن بن صياد لم يعرف ما خبأه النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنه كان يسمع بما أملاه عليه شيطانه الذي كان يأتيه ..
- والفرق بين سماع أهل الله وخدام الجن .. أن أهل الله يسمعون بالله ويرون بالله .. ولكن خدام الجن المستمتعين بهم فإنهم يسمعون بالجن ويرون بالجن .. وفرق بين من يدرك بربه .. وبين من استعان على الإدراك بمعصية ربه ..
 

************************

 

..:: س21: هل قراءة الأفكار تندرج تحت مسمى معرفة ما في النفوس ؟ ::..

 
#- قد تسأل أخي الحبيب عن بعض الذين يقرأون الأفكار .. فتقول أليس هذا من باب معرفة ما في الضمائر ؟!!
 
- فأقول لك إن قراءة الأفكار ليست بالذي تظنه أن شخص يجلس أمام شخص ويقرا أفكاره .. لا .. وإنما هذه القراءة لها معنيين :
- الأول: وهو أن تقرأ ما يدور في خاطر من يجلس أمامك دون إرادة منك وكأنه قد حدث انتقال لفكرة ما في نفس من يجلس أمامك وانطبعت فيك .. وهذا قد يكون عن مفهوم كلام ما يدور في داخله .. أو قد يشعر بإحساس ما يحس به ..
 
- وقد يدرك أحد ممن لديهم تفعيل روحاني .. شيئا مما يدور في عقلك على سبيل توارد الخواطر .. وكأنه حدث انتقال لهذه الفكرة من شخص لآخر .. ومثال ذلك كالذي يحس بمشاعر انسان دون أن يتكلم .. فهذا توارد خاطر ولكن عن الإحساس وليس عن الأفكار ..

- ولكن يتبقى السؤال هنا: وهو ما الضامن على أن ما تحسه أو تستشعره من أفكار حول الآخر أو من الآخر هو صواب ؟!! وليس تداخل من الشيطان ليتلاعب بك كما كان يحدث مع بن صياد كما ظهر ذلك من قصته السابق ذكرها ..

- فانتبه أخي الحبيب .. من الفتنة الروحانية ..

  
#- ملحوظة هامة: كلما قويت عزيمة الشخص الجالس أمامك سواء في عقله فكان من أهل التدبر والتفكر أو كانت له عزيمة في نفسه بالإيمان الصادق مع الله .. كلما كان من الصعب تحصيل أي شيء عنه .. فيما يتعلق بالأفكار .. أم فيما يتعلق بالإحساس فهذا لا حرج منه بأي حال من الأحوال .. ويكون غالبا عن رابطة روحية بينك وبين من تشعر به ..
 
- الثاني: هو أن تكون قراءة الأفكار من خلال علامات أو تصرفات .. مثل العينين أو حركات في الجسم .. فتدرك بذلك ما قد تفهمه من وراء هذه العلامات .. أو قد يحدث تصرف ما من شخص فيدرك منه الطبيب النفسي أن هذا الشخص به خلل نفسي .. أو يدرك الظابط من وراء هذا التصرف أن هذا الشخص مريب .. وهكذا بما يعتمد على الخبرة والتجربة الدنيوية .
 
#- ولكن لا سبيل لمعرفة ما في الضمائر بأي حال من الأحوال .. إلا بقدر ما يظهر من الشخص من تصرفات وأفعال وأقوال قد تدل على ما في باطن هذا الإنسان .. ولكن يظل ما في النفوس علمه بيد الله .. حتى يظل المنافق والكذاب والغشاش والنصاب والمخادع .. يمارسوا مهامهم التي ارتضوها بكل أريحية حتى تستمر حكمة الله في الكون ويكونوا من أسباب البلاء والابتلاء للعباد ..
 
- فلا تنخدع أخي الحبيب بمن يقول لك أنه يعرف ما في الضمائر .. لأنه لو كان يعلم .. لكان أدرك أن باطنه فاسد وإلا ما كان تجرأ على الله وزعم لنفسه ما هو لله وقال أنه يعرف ما في الضمائر ..!!
 
- ومن اعتقد في عراف أو في روحاني خادما من خدام الجن وتعلق به .. فالله يسلطه عليه عقابا له .. لأنه كما طلب استمتاع الجن من خدام الجن .. فليكن عقابه بنفس استمتاعه وليكن الجن وكيله ونصيره ومدده ..
 
- ومن اعتقد في الله وتعلق به .. فالله وكيله وحسيبه ونصيره ومدده ..
 
- وأنت واختيارك .. إما الله وإما الجن .. ولكن تذكر أن الأنفاس قليلة ويوم القيامة قريب .. وانتبه لقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) الجاثية15.
 
- وبهذا يكون ختام الأسئلة حول قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) .. وهي الأسئلة من رقم (17-21) .. فيما يتعلق بغيب النفوس وما شابه ذلك .. وننتقل بعده لمسائل أخرى إن شاء الله حول آيات أخرى من آيات الغيب المطلق التي استدللنا بها في بداية رسالتنا .. وذلك لنستزيد علم منها من خلال بعض المسائل التي قد يتسائلها العقل وكيف يطابقها لما يحدث في الواقع .. والله ولي التوفيق .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .