ج5: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - كيف نفهم معرفة العرافين والشياطين لعلم الغيب طالما الله هو من يعلم الغيب - ما هو التجلي الذي يسمح به الله من خلاله لبعض خلقه ليتذوقوا منه بعضا من الأمور الغيبية (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) - كيف يعرف العراف شيئا من الغيب إذا كان الله يقول (لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) - كيف يعلم بعض العرافين شيئا من الغيب في حين أن الله يقول (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) - ما هو حقيقة الرأي القائل بأن الغيب لا يعلمه إلا الرسل فقط - هل تصورك أو تخطيطك للمستقبل وتوقعك للنتائج هو اقتحام لغيب الله.

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الخامس)

*فهرس:
:: الفصل الخامس :: تابع/ أسئلة مهمة جدا على آيات الغيب المطلق يتسائلها العقل وقد تتعارض مع الواقع ::
1- س22: كيف نفهم معرفة العرافين والشياطين لعلم الغيب طالما الله هو من يعلم الغيب ؟!
2- س23: ما هو التجلي الذي يسمح به الله من خلاله لبعض خلقه ليتذوقوا منه بعضا من الأمور الغيبية ؟
3- س24: كيف يعرف العراف شيئا من الغيب إذا كان الله يقول (لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) ؟
4- س25: كيف يعلم بعض العرافين شيئا من الغيب في حين أن الله يقول (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) ؟
5- س26: ما هو حقيقة الرأي القائل بأن الغيب لا يعلمه إلا الرسل فقط ؟

6- س27: هل تصورك أو تخطيطك للمستقبل وتوقعك للنتائج هو اقتحام لغيب الله ؟

**********************

:: الفصل الخامس ::

:: تابع/ أسئلة مهمة جدا على آيات الغيب المطلق يتسائلها العقل وقد تتعارض مع الواقع ::

**************************

..:: س22: كيف نفهم معرفة العرافين والشياطين لعلم الغيب طالما الله هو من يعلم الغيب ؟! ::..

 
#- انتبه أخي الحبيب للآتي جيدا:
1- معرفة الشياطين .. هي في الأصل معرفة نسبية وليس معرفة غيب مطلق لأن يستمعون إلى الملائكة التي تكون عرفت بهذا الغيب .. وطالما الملائكة عرفت فهذا ليس بغيب مطلق .. وإن كان هو لازال غيب عن الإنسان لأنه لم يحدث في الوجود ..
 
2- معرفة العرافين .. إنما هي مجرد لمحات أو إشارات أو إلقاء من شيطان في نفوسهم بشيء من الغيب الذي ينشره الشياطين في نفوسهم .. وقد يكون صحيح أو غير صحيح ..
 
3- وصف العراف بالعرافة يجعلنا نفهم .. أن كونه عرف شيئا من الغيب فهذا لا يجعل منه عالما بالغيب .. ففرق بين أن يعرف مجرد خبر ودون تفاصيل .. وبين أأأأأن يكون محيطا بالأخبار عالما بعلم القدر وما فيه من تفاصيل .. ولذلك هو لن يكون عالما للغيب بأي حال من الأحوال .. لأن المعرفة إنما تكون خصوصية شيء بخلاف العلم الذي هو الإحاطة بمعرفة الشيء .. 

- ولذلك معرفة العراف تندرج تحت باب الرجم بالغيب لأنها مخلوطة بالأكاذيب والظنون المحتملة للصواب والخطأ .. ولا يمكن أن تسمى علما بالغيب .

 

#- فإذا علمت ما سبق وتحققت منه:
- فاعلم أنه لا عالم للغيب إلا الله .. وما يعرفه أي أحد من الخلق سواء كافر أو مؤمن .. فإنما هو معرفة حدث عن طريق إشارة أو حلم أو هاتف أو غير ذلك ..  لأن العلم بالغيب يتطلب أن تكون إلها محيطا بالأزمان الثلاثة والبرزخ والقيامة لتكون محيطا بكل غيب فيها مع إحصائها .. ولن يكون له ذلك مهما بلغ إلا لو كان إله .. ولا إله إلا الله .. فعالم الغيب فقط هو الله ..
 
- وهنا سؤال معرفي مهم .. وهو من أين يتم سقاية الخلق جميعهم من هذه التذوقات الغيبية سواء بطريق صحيح كالإلهام والمرائي .. أو بطريق غير صحيح كالعرافة بأنواعها كالفنجان والكوتشينة والتاروت والكف وما شابه ذلك .. ؟!!
- تابع السؤال التالي .. وستجد فيه الإجابة إن شاء الله تعالى ..
 

*************************

 

..:: س23: ما هو التجلي الذي يسمح به الله من خلاله لبعض خلقه ليتذوقوا منه بعضا من الأمور الغيبية ؟ ::..

(وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)

 
#- اعلم أخي الحبيب ..
- أنه طالما قد سمح الله لبعض خلقه بأن يعرف شيئا من الغيب .. فهذا معناه أن الله قد تجلى بإذنه لحدوث ذلك .. وكل العلوم والمعارف الغيبية قد أتت من قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) البقرة255.
 
- ولذلك ستجد في هذه الآية الإذن من الله بحدوث شيئا من علمه لخلقه .. وهذا الشيء هو معرفة بسيطة قد سمح بها أن تحدث للناس .. ويتبين لك الآتي:
 
1- ستدرك أن معرفة الشياطين والعرافين .. إنما هي مستمدة بسبب الإذن الإلهي المسموح به في التعرف على شيء .. وإنما سماحه لهؤلاء إنما سماح بحدوث الفتنة .. ليظهر من يتبع الله ورسوله ومن يعصي الله ورسوله ..
 
2- وستدرك أن كل من يلهمه الله من أهل الله أو يكشف له عن شيء .. فهو من باب هذه الآية (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) البقرة255..
- ولا سماح ولا إذن في معرفة شيء إلا بتدبير الله ولابد أن يسمح بذلك.
 
3- وستدرك أن كل العلوم أو المعارف التي كانت مجهولة وفي عالم الغيب .. وظهرت في عصرنا من علوم الكهرباء والتكنولوجيا والطب والهندسة وغيره .. فإنما هو باب قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) البقرة255..
 
#- انتبه أخي الحبيب ..
- وافهم مسألة الغيب جيدا وتدبير ألفاظ الآيات جيدا .. لأنه قد تحير فيها كثير من الناس لقلة علمهم وجهالتهم بها .. بل وترتب على ذلك الجهل ظهور بعض الفتاوى التي تدل على جهل قائليها .. والتي تدل على المخالفة للنص القرآني الذي يستدلون به .. وتخبطوا في فتاويهم ولم يعرفوا كيف يوفقون بين النص والواقع الذي يظهر فيه أن البعض يعرف أمور غيبية ..!! ولعجزهم عن توضيح المسألة تجد البعض منهم يأخذ مأخذ التكفير وتضليل العباد .. في حين أن صاحب هذه الفتوى هو أصلا إنسان جاهل ..!!
 

*************************

 

..:: س24: كيف يعرف العراف شيئا من الغيب إذا كان الله يقول (لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) ؟ ::..

 
- حينما تقرأ في الأدلة على أن الغيب المطلق لله .. فتصادفك هذه الآية وهي قوله تعالى:  (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل65 .
 
- وهنا قد تسأل نفسك فتقول: كيف العراف من أصحاب الكوتشينة والتاروت والفنجان والكف وغيرهم .. يعرفون من الغيب أشياء بل ونجد أنها تحدث .. وهذا لا نجده يتوافق حينئذ مع قوله تعالى: (لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .. أو بمعنى أدق نجد الواقع يتعارض مع هذه الآية ؟
 
- وبمعنى آخر: كيف يعرف بعض العرافون أشياء من الأحداث المستقبلية .. أليس هذا من الغيب الذي لم يحدث ولا أمارة عليه ولا دليل .. فيكون بذلك عالما للغيب ..؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- إذا كانت الآية تشير بقوة إلى أن الغيب في السموات والأرض لا يعلمه إلا الله .. إلا أنك أخي الحبيب لم تنتبه إلى ثلاثة أمور ..
 
1- الأمر الأول: أن الله لم يقل أنه (يعرف الغيب) بل قال أنه (يعلم الغيب) .. وهذا يشمل كل صغيرة وكبيرة .. وكل ما هو ظاهر وباطن في المكونات ونفوس الكائنات .. ويشمل الأزمنة في الماضي والحاضر والمستقبل .. في عالم السموات والأرضين .. ولذلك قال تعالى في الآية: (لا يعلم) ولم يقل (لا يعرف) ..!!
- وبالتالي فإن الذي قد يعلم معلومة خاطفة عن حدث معين .. فهذا ليس عالما للغيب .. وإنما عرف معلومة غير تفصيليه عن حدث ما .. وقد يصدق فيه وقد لا يصدق .. كالذي يرى ذلك في المنام .
 
2- الأمر الثاني: لا مانع أن يظهر الله شيئا من ذلك العلم لأحد .. فهذا يندرج تحت قوله تعالى: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) .. ولذلك ظهر عالم المرائي والذي هو أحد فروع النبوة ..
 
- أما عن قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن26-27.. فهذه الآية كما سبق وأوضحنا ذلك .. أنها تتعلق بخصوصية علم الوحي الإلهي وهذا لم يكن ولن يكون لغير الرسول والنبي .. ولا رسول ولا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. فانغلق هذا العلم إلى يوم القيامة .
 
3- والأمر الثالث والمهم .. هو أن علمه بالغيب ليس معناه أن يمنع فضله وخصوصية عطاءه عن أحد والذين منهم هم خاصة عباده أو حتى من لهم أحوال طيبة مع الله.. خاصة وأن المحبين لله ورسوله يعلمون أن إلهامهم بمعلومة غيبية فإنما هو من فضل ربهم وليس بطلب من أنفسهم ورغبة في ذلك !!
 
- إما عن العراف وهو الذي يسعى ليتجسس على قدر الله .. فهو أيضا غير ممتنع عليه أن يظهر الله له شيئا لأنه العليم بغيب السموات والأرض .. وظهور شيء للعراف على افتراض صحته ما هو إلا محض فتنة له ولمن طلب منه عرافته .. وليس محض فضل كما هو يمنح الله لخاصة أهل مودته حيث أنهم لا يطلبون ذلك ولا يسعون إليه ولا يبحثون فيه.
 
- والجميع محكوم بقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) البقرة255 ..
 
- ومثل العراف الذي يسعى بالعرافة وقد يسمح الله له بذلك .. فحاله كما هو الساحر الذي يسعى بالضر وقد يسمح الله له بذلك .. كما يقول تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة102.
- وكلاهما يصل لمبتغاه بطريق منحرف .. ولكن بإذن الله .. أي لو سمح الله له بذلك السعي ووفق حكمته وإرادته جل شأنه .. وليس بمزاج الشخص وليس برغبته وليس كما يريد ويخطط له هذا الساحر أو العراف .. لأن الجميع محكوم بمشيئة الله وإذنه.
 
- وإذا كان العراف يحاول الوصول لمعرفته بطريقة محرمة .. إلا أن أكبر أخطاءه هي أنه جريء على الله في أنه يتجسس على قدره وتدبيره جل شأنه !!
 
 

******************************

 

..:: س25: كيف يعلم بعض العرافين شيئا من الغيب في حين أن الله يقول (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) ؟ ::..

 
- حينما تقرأ أخي الحبيب .. في أدلة الغيب المطلق ستجد قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن26-27.
 
- وهنا تسأل سؤلا فتقول: كيف يعلم العراف والكهنة وبعض المؤمنين وبعض الكافرين شيئا من الغيب .. في حين أن الآية اختصت بتعريف الغيب للرسل ؟
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- لعلك لم تنتبه لقوله (عالم الغيب) .. والعلم بالغيب هو الإحاطة والشمول بكل تفاصيل الغيب في كل زمان ومكان بل وفي البرزخ والقيامة وما يترتب على ذلك ..
 
- ولا يمكن لأحد أن يحيط علما بذلك إلا الله .. وبالتالي فمهما عرف العراف شيئا فهو ليس بعالم للغيب ولن يكون ذلك وصفه مهما عرف .. وقد سبق الشرح لمفهوم العلم والمعرفة في الأسئلة السابقة وقلنا أن المعرفة تكون جزئية ولكن العلم يكون كلي وشامل ومحيط لكل المعارف .. ولذلك الله (عليم) وليس (عارف) ..
 
2- قوله (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) .. تفيد بأن الله لا يطلع أحد على غيبه إلا من اختص به واجتبى به رسولا من رسله ..
 
- وقوله (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) .. فيه دلالة على نفي إظهار خصوصية غيب من غيوبه .. وإلا كان قال (فلا يظهر على الغيب أحد من خلقه) .. وهذا الغيب المقصد به في الآية هو الوحي الإلهي .. ولذلك قال بعد ذلك (يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) أي يجعل حراسة من الملائكة لتبليغ رسالة الوحي كما هي دون أن يتدخل الشيطان فيها بأي حال من الأحوال .. ولذلك ختم كلامه جل وعلا: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) فالغرض من هذا الغيب وحمايته هو تبليغ رسالة الله المطلوبة من هؤلاء الرسل ..
 
- ولذلك يكون قد أخطأ من يستدل بهذه الآية في نفي الغيب كله إلا للرسول فقط .. لا .. لأن النفي لخصوصية غيب .. وهو الوحي الإلهي وما فيه من تكاليف ومعارف ربانية ..
 
3- ولذلك حينما يقول أحد .. كيف يعلم العراف والكهنة وبعض المؤمنين وبعض الكافرين شيئا من الغيب .. في حين أن الآية اختصت بتعريف الغيب للرسل ؟
 
- فأقول له: عفوا يا أخي الحبيب .. أنت قرأت الآية ولم تنتبه لقوله (على غيبه) .. وللآية التي بعدها من كلام الله .. فأخذت المعنى على أنه كل الغيب .. لا .. وإنما هي خصوصية غيب أو بعض الغيب والمقصود به الوحي بدلالة ما بعده من الكلام .. وانتبه لكلام الله جيدا ..
 
- وبعض العلماء كالفخر الرازي أوقفها على غيب علم الساعة بدلالة ما قبل الآية .. بخصوص كلامها عن يوم القيامة .. حيث أخبر الله بعض رسله عن علامات يوم القيامة وما سيحدث فيها من أحداث .. وما يتبع ذلك من الحساب والجنة والنار .. وهذه أمور لا يتم معرفتها إلا بالوحي ولا يقوم بتبليغها إلا رسول أو نبي .. 
 

************************

 

..:: س26: ما هو حقيقة الرأي التفسيري القائل بأن الغيب لا يعلمه إلا الرسل فقط ؟ ::..

 
- عند قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن26-27.
- نجد أن بعض الآراء التفسيرية .. يقول بأن هذه الآية فيها دلالة واضحة بأن الغيب لا يمكن معرفته إلا من خلال رسول .. وبناء على رأيهم فقد بنى عليه البعض في فتاويه اتهامات بالباطل لكثير من الناس حيث رجموهم في فتاويهم بأنهم يعلمون الغيب وبالتالي كفروهم .. وهذه فتاوى غير صحيحة .. لأن الرأي الذي استندوا إليه هو غير صحيح على إطلاقه ..!! ولذلك نناقش هذا الرأي التفسيري ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- ما ذهبوا إليه أصحاب هذا الرأي من نفي معرفة الغيب بصورة كلية عن الخلق إلا للرسل فقط .. فهذا قول لا يحتمله نص الآية على إطلاقه .. بل وهو قول مخالف للقرآن .. ومخالف للواقع ..
 
#- أولا: رأيهم بأن الغيب في الآية يقصد به كل الغيب فهو ليس ما تحتمله الآية:
- فما قالوه هو رأي لا تحتمله الآية .. لأنه إن كانت الآية تنفي عدم إظهار الغيب إلا للرسل .. إلا أن المقصد بنفي إظهار الغيب في الآية إنما هو غيب الوحي بدلالة الآية التي قبلها وكذلك بدلالة ما بعدها من كلام الله كما سبق وشرحنا ذلك .. وليس المقصد هو نفي إظهار الغيب كليا عن كل الخلق إلا الرسل ..!!
 
- فالله تبارك وتعالى لم يقل: (فلا يظهر على الغيب أحدا) وإنما قال جل شأنه (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا) .. والفارق كبير بين الجملتين لمن انتبه ..!!
  
#- ثانيا: أما عن مخالفة رأيهم للنصوص الشرعية:
1- فما قولهم حينئذ لقوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) البقرة255 .. حيث أن هذه الآية لم تنفي أن يعرف أحد شيئا من علم الله وليس مخصوص به رسل أو غيرهم ..!!
 
2- وكيف عرفت السيدة مريم الصديقة بأن الله يبشرها بالمسيح عيسى وكانت حينئذ في عمر العشر سنوات تقريبا ..!!
 
3- وكيف عرف عيسى عليه السلام أنه نبي رسول وكان طفل حينئذ ؟!!
 
4- وكيف عرفت أم موسى بأن الله سيرد إليها ولدها ؟!!
 
5- وكيف عرف الخضر في قصة موسى الحكمة الغيبية من أفعاله ؟!! (على افتراض الرأي القائل بأن الخضر وليا وليس نبيا) .
 
6- وما قولهم في المرائي التي يراها غير المؤمن ؟!! كرؤيا ملك مصر في زمن سيدنا يوسف ؟!! وكان هذا الملك حينئذ على غير الإيمان ..!! أليس هذه المرائي كلها غيب ..
 
7- وما قولهم في المرائي التي يراها المؤمنون وهي من المبشرات والمنذرات ؟!! أليس هذه المرائي كلها غيب ..
 
#- ثالثا: أما عن مخالفة كلامهم للواقع:
1- كيف عرف العرافون في زمن فرعون خبر اقتراب ظهور طفل سيزلزل عرشه ويكون سبب هلاكه ؟!!
 
2- وكيف عرف أبو بكر أن ما في بطن زوجته هي أنثى ولم يكن قد تم ولادتها حتى وفاة أبو بكر ؟!!
 
3- وكيف كان ينطق عمر بن الخطاب بما كان ينزل به قرآن بعد ذلك ؟!!
 
4- وكيف كان عمران بن حصين تسلم عليه الملائكة .. والملائكة نفسها من غيب الله ..!!
 
5- وكيف يعرف بعض أهل الله من غيب الله من خلال هواتف يلقيها الله في صدره فيدرك بها أمورا قد تحدث مثل اقتراب موته أو مكان موته أو قد يعرف امورا اقترب حدوثها أو ما شابه ذلك .. وهذا كان كثيرا يحدث ومعلوم عند بعض أهل الله ممكن يكشف لهم الله عن ذلك .. ؟!!
 
6- وكيف عرف العلماء كل العلوم التي ننتفع بها الآن .. وهي كانت من عالم الغيب الذي لم يحيط به فكر إنسان من قبلهم ..!!
 
7- بل ونرى أن بعض ما ينطق به بعض العرافين قد يحدث .. ولذلك نقول لأصحاب هذا الرأي ماذا عن كيفية إدراك هذه المعرفة الغيبية .. ؟!! فكيف عرفوا ذلك طالما الآية مانعة منعا كليا عدم معرفة أحد لأي شيء في الغيب إلا الرسل فقط ؟!!
 
- ولكن طالما العرافون قد عرفوا فنحن بين أحد أمرين إما أن يكون تفسير البعض هو خطأ لفهم الآية .. وإما أن تكون الآية غير صحيحة ومخالفة ومعارضة للواقع .. وهذا شيء لا يقول به عاقل ولا مؤمن ؟!! فبكل تأكيد أن هذا الرأي التفسيري هو خطأ .. وهو الرأي الذي يزعم أن الآية تتكلم عن المنع الكلي لمعرفة الغيب إلا للرسل فقط .. هو رأي خطأ في تفسير الآية لمخالفته القرآن والواقع كما سبق وأوضحنا ذلك .. والله أعلم .
 
#- ملحوظة: قد يقول بعض أصحاب الرأي التفسيري السابق مناقشته .. بأن العراف يعرف عن طريق الشياطين التي قد تكون سمعت من الملائكة وبالتالي هذا لم يعد علم غيبي بدلالة علم الملائكة به ..
- فأقول لهم: وطالما هو غيب نسبي فلماذا العراف هو محرم الذهاب إليه ؟ ولكن الحقيقة هي أنه طالما المعلومة لازالت غيبا عن الإنسان ولم تحدث في الوجود الظاهري .. فهذا يندرج تحت قول النبي بأنه من مفاتيح الغيب والتي منها (يعلم ما في غد) .. لأنه لا إدراك للإنسان فيه .. إلا ما قد يمنحه الله من فضله لبعض خلقه بالكشف أو الإلهام أو الرؤيا .. كما سبق وأوضحنا ذلك .
 
- والله أعلم .

 *************************

..:: س27: هل تصورك أو تخطيطك للمستقبل وتوقعك للنتائج هو اقتحام لغيب الله ؟ ::..

 
- قد تظن أخي الحبيب أن تصورك لحالك في المستقبل أو التخطيط له هو اقتحام لغيب الله .. وهذا خطأ منك لو ظننت بذلك .. ليه ؟
 
1- لأن تصورك للمستقبل ما هو إلا استبشارا لفضل الله ورحمته .. وتفاؤلا بما قد يحدث لك من خير .. سواء كانت لديك علامات أو إشارات تدل على ذلك .. أو ليس لديك سوى حسن ظنك بالله ..
 
2- وكذلك كل الأعمال الفردية القائمة على التدابير المستقبلية .. فهي ليست اقتحام للغيب .. وإنما هي نتيجة تجربة وخبرة ترتب عليها هذه التدابير والإجراءات التي يظن منها ورائها الإنسان أنه لو فعلها ستأتي بنتائج طيبة ..
 
3- وكذلك الحال بالنسبة للدراسات المستقبلية والتخطيط المستقبلي على مستوى الشركات والدول .. ما هو إلا تصحيح لخطاء الحاضر والماض .. أي هي تفادي سلوك سيء بسلوك صائب .. أو ارتقاء في سلوك عما هو عليه إلى ما هو افضل منه عن طريق الأدلة والأسباب ... فكل هذا لازال يدخل في معطيات السببية وليس ضربا من الكلام العشوائي الذي لا يستند لمنطقية سببية كما يفعل العراف والمنجم ..!!
 
4- وكذلك الحال بالنسبة لتوقع النتائج .. فما هاذ التوقع إلا نتيجة لخبرات الحياة واحتمالية حدوث ذلك .. وطالما الموضوع هو وضع احتمالات لنتائج قد تحدث نتيجة التجربة والخبرة .. فهي مجرد ظنون مترتبة على خبرة الحياة في هذا المجال الذي تم وضع التوقعات له .. ولا علاقة له بالغيب من قريب أو بعيد ..!!
 
- وبهذا يكون ختام الكلام على الغيب المطلق وما يتعلق به من مسائل .. وبعد ذلك نتكلم إن شاء الله على الغيب النسبي .. والله ولي التوفيق .

 **********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .