ج7: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - ما هي طرق الوصول للغيب النسبي - ما هو حكم من يزعم معرفة الغيب النسبي - ما الذي نفهمه من خلاصة ما سبق عن الغيب المطلق والغيب النسبي.

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء السابع)

* فهرس:

:: الفصل السابع :: عن الطرق المباحة والمنحرفة في تحصيل الغيب النسبي ::
1- س33: ما هي طرق الوصول للغيب النسبي ؟
2- س34: ما هو حكم من يزعم معرفة الغيب النسبي ؟
3- س35: ما الذي نفهمه من خلاصة ما سبق عن الغيب المطلق والغيب النسبي ؟

**********************

:: الفصل السابع ::

:: عن الطرق المباحة والمنحرفة في تحصيل الغيب النسبي::

**************************

..:: س33: ما هي طرق الوصول للغيب النسبي ؟ ::..

- هناك طريقين للوصول إلى الغيب النسبي .. طريق مشروع مباح وطريق غير مشروع ومحرم ..
 
- أولا: الطريق المشروع المباح لمعرفة الأمور الغيبية..

- إما بإرادة من الإنسان في معرفة ذلك .. أو بدون إرادة منه ..
 
1- فأما الذي بدون إرادة منه .. وهو طريق الوحي للأنبياء والرسل .. والإلهام .. والمرائي ..
- ومثال ذلك عن الوحي النبوي: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود49.

- ومثال ذلك من الإلهام والخاطر: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص 7

- ومثال المرائي عن رؤيا ملك مصر: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) يوسف43.

2-  أما الذي بإرادة من الإنسان في تحصيل ذلك الغيب النسبي .. فتحصيله بالعلم .. ومثاله هو معرفة الأرصاد الجوية – ونوع الجنين في بطن الأم .. وما شابه ذلك بواسطة أدلة وأسباب يجعلنا ندرك بها أمور قبل ظهورها وحدوثها .. بأسباب منطقية معلومة .
 
#- وإجمالا .. فإدراك الغيب النسبي المباح والمشروع .. إما أن يكون عن طريق لا سبب للإنسان فيه ولا سعي منه ولا إرادة فيه للبحث عن الغيب كالوحي والإلهام والمرائي .. وإما أن يكون عن إرادة منه بأسباب العلم المدركة للحس وبداهة العقل ..
 
- ثانيا: الطريق الغير مشروع والمحرم لمعرفة الأمور الغيبية النسبية ..
1- التجسس وتتبع عورات الناس على مستوى الأفراد والأُسر .. فهذه معرفة غيبية نسبية .. ولكنها لا تندرج ضمن العرافة وإنما ضمن التجسس وتتبع عورات الناس لمعرفة أخبارهم وما تخفيه بيوتهم ..
- إلا من يتجسس على قدر الله لمعرفة ما يخبئه القدر .. فهذا كاهن وعراف ..
 
- ودليل النهي عن التجسس .. هو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) الحجرات12 .
 
- ودليل النهي عن تتبع عورات الناس .. هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتَّبعوا عوراتِهم ، فإنه من اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه ، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه) صحيح أبي داود.
 
- والعورات يقصد بها هنا .. هي الأفعال الخاطئة التي يفعلها البعض .. ويريد الناس أن يتعرفوا عليها ويطلعوا عليها .. والمقصود بهؤلاء من لديهم فضول ورغبة في البحث عن فضائح الناس ومعرفتها ونشرها .. 
 
2- الإستعانة بالجن طالبا خدمتهم لك استمتاعا بهم لجلب منفعة أو دفع مضرة .. من خلال عزائم روحانية في استحضار الجن لسؤالهم .. أو من خلال أدوات يستخدمها خدام الجن في الوصول لهذه المعرفة مثل الويجا والتاروت والفنجان والكوتشينة والودع والحجارة الرقمية وغير ذلك .. بحثا عن القدر المستقبلي ..
- والبعض يستخدم الجن باستحضاره لمعرفة الكنوز وأماكنها .. وغير ذلك مما يفعله خدام الجن وأولياؤه في استمتاعهم بالجن مما يطلبونه منهم ..
- والبعض يستخدم الجن بحثا عن الأموال الضائعة والأشياء المفقودة .. مثل من يستخدم في المندل والناظور وغير ذلك من أفعال خدام الجن وأولياؤه ..
- والبعض يستخدم الجن ويستحضره عمدا في العلاجات لمعرفة الأسحار وأماكنها ومن فعلها .. مستمتعا بطلب هذه الخدمة من الجن له ..
 
- وليس كل مستعينا بالجن هو عراف .. لأن العرافة تتطلب تعمد اقتحام الغيب الماضي أو الحاضر تجسسا على خلق الله .. أو اقتحام غيب المستقبل تجسسا على قدر الله .. وسيأتي بيان ذلك في الفصول الخاصة بالعرافة إن شاء الله تعالى ..
 
- ودليل النهي عن الاستمتاع بالجن طلبا لخدماتهم .. هو قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) الأنعام128.
 
#- وخلاصة القول:
1- كل ما خرج من خزينة الله وعلمه بعض خلقه سواء علمه الملائكة أو الجن أو الإنس .. فهو أصبح غيب نسبي ..
 
2- وهذا يشمل أيضا معرفة مَلك الأرحام .. الذي يعلم شيئا من قدر الطفل من حال شكله ورزقه وأجله .. فهذا حينئذ غيب نسبي .. لأنه خرج من علم الله إلى علم هذا المَلك .. فيسمى غيب نسبي .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذَا مَرَّ بالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قالَ: يا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ أَجَلُهُ، فيَقولُ رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يقولُ: يا رَبِّ رِزْقُهُ، فَيَقْضِي رَبُّكَ ما شَاءَ، وَيَكْتُبُ المَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ المَلَكُ بالصَّحِيفَةِ في يَدِهِ، فلا يَزِيدُ علَى ما أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ) صحيح مسلم.
 
- لكن إذا كان الملك يعلم من قدر الإنسان شيئا .. فهذا لازال غيبا للإنسان ولا يعلمه .. ولا يحق له التجسس عليه .. لأن الله منعه عن التجسس على هذا الغيب القدري المستقبلي .. فإذا كان ما يخفيه عنك إنسان ممنوع عليك أن تتجسس عليه .. فما بالك بما أخفاه الله تعالى في قدره .. كيف يحق لك أن تتجسس عليه ؟!! .
 
3- كل ما تعرفه الشياطين وتلقي به إلى الكهان والعرافين .. فهو من باب الغيب النسبي وليس الغيب المطلق .. لأن الملائكة في الأصل قد عرفته .. ولذلك جاء في الحديث: (إنَّ المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ) صحيح البخاري.
 

************************

 

..:: س34: ما هو حكم من يزعم معرفة الغيب النسبي ؟ ::..

 
- الغيب النسبي .. يختلف حكمه باختلاف وسيلة تحصيله .. وإليك تفصيل ذلك:
1- فما كان تحصيله بدون إرادة من الإنسان كالوحي والإلهام والخواطر والمرائي .. أو بإرادة من الإنسان من خلال الإدراك العقلي المعلوم وله أسبابه المنطقية المعلومة بالعلم .. فهذا حكمه مباح أن يتكلم في هذا الغيب .. ويندرج في ذلك التخطيط للمستقبل ووضع منهجيات فيه للوصول إلى المطلوب تحقيقه ..
 
2- وما كان تحصيله بإرادة من الإنسان بوسيلة غير مشروعة بالتجسس أو بالإستعانة بالجن .. فهذا الغيب حكمه حرام أن يتم الوصول إليه لأن طريقة الوصول إليه محرمة ..
 

*****************************

 

..:: س35: ما الذي نفهمه من خلاصة ما سبق عن الغيب المطلق والغيب النسبي ؟ ::..

 
- وجدت من المناسب أن أذكر لك أخي الحبيب .. بعض النقاط المهمة والخلاصة لكل ما سبق والذي قد تكلمنا عنه في الفصول الماضية ..
 
- ومن هذه النقاط المهمة التي أحبك أن تنتبه إليها:
 
1- معنى وصف (عالم الغيب) .. أي المحيط بكل صغيرة وكبيرة في الكون ولا يغيب عنه شيء في الدنيا والآخرة .. فهذا هو العليم بالغيب أو العالم بالغيب أو من يعلم الغيب .. أما من يعرف معلومة فهذا ليس بعالم للغيب .. وإنما قد يعرف شيئا من الغيب .. ولا يصح أن يقال عليه أنه يعلم الغيب .. لأن العلم بالغيب لن يكون إلا لله لأنه يتطلب إحاطة بهذا الغيب في كل الكون وما بعد الكون ..وهذا لن يكون لمخلوق أبدا مهما كان ..
 
- وانتبه حينما أقول لك (العلم بالغيب) ولا أقول لك (معرفة شيء من الغيب) .. ففرق بين العلم الغيبي (وهو الإحاطة بكل شيء في هذا العلم) .. وبين المعرفة الغيبية (وهي أن تعرف جزئية أو معلومة من هذا العلم الغيبي) .
 
2- الغيب المطلق .. هو ما لا يدركه العقل ولا الحس ولا إنس ولا جن ولا ملك .. مثل معرفة ماهية ذات الله ..
 
3- الغيب النسبي .. هو ما يعرفه أحد الخلق ولا يعرفه الآخر .. سواء كان يعرفه إنس أو جن أو ملك .. فطالما ظهرت المعرفة فهذا يسمى غيب نسبي .. وليس غيب مطلق .
 
3- لا أحد يستطيع أن يعلم الغيب .. وإنما قد يعرف شيئا من الغيب بأسباب توصله إلى ذلك .. كالذي يخبر أن له موعد تليفزيوني الساعة كذا في يوم كذا .. أو كالذي سينشر كتابه في يوم كذا .. أو كالذي يضبط المنبه ليقوم الساعة كذا .. فكل هذه الأمور وأمثالها وإن كانت غيب من حيث اللغة لأنها أمور لم تحدث .. ولكن في الحقيقة هي أمور معلومة وليست غيبية بدليل أنك تعلمها .. ولكنها غيب من حيث أنها لم تحدث .. ولذلك ليست من المعرفة الغيبية المذمومة .. لأنها مبنية على معلومية واقعية ولها أسباب علمية ومنطقية وعقلية تحكمها فهي من عالم الشهادة حينئذ .. لأنك اتخذت من قانون الأسباب والعلم ما يوصلك إلى غايتك .. ولا غيب في حقيقة ذلك لأنك تعلم أنه سيحدث .. فكيف يكون غيب حينئذ وأنت تعلمه ؟!!
 
4- قد يخبر الله أحد بشيء من الغيب .. وهذا لا يجعل من هذا الشخص عالما للغيب .. لأنه لا يمكن ولن يكون له ذلك العلم .. لأن هذا يتطلب إحاطة بغيب السموات والأرض حتى يقال عنه عالما بالغيب ..!!
- فالغيب المطلق يظل غيب مطلق .. لأنه لم يطلع عليه أحد من خلقه فإن اطلع عليه أحد فهو ليس غيب مطلق حينئذ وإنما غيب نسبي .. لأن البعض قد عرفه سواء كان ملائكة أو جن أو إنس ..!!
 
5- ثق تمام الثقة أن كل ما يظهر للعرافين والكهنة ممن قد يصادفوا صوابا في تخمينهم للغيب .. فإنما هو من الغيب النسبي الذي أظهره الله لبعض خلقه ولم يظهره لآخرين .. وله في ذلك حكمة .. وقد شرحنا ذلك سابقا .. ويمكن الرجوع في ذلك للسؤال رقم (11) تحت عنوان: (هل الغيب المطلق من الممكن أن يظهره الله لأحد غير الرسل والأنبياء ؟).   
 
6- العرافة والكهانة وادواتهم مثل ضرب الودع والتاروت والفنجان والحجارة وكل أدوات العرافة .. ما هي إلا وسائل للبحث عن الغيب النسبي الذي يكون الله قد أخرجه من خزائن معرفته .. وقد يكون ممن أطلع الله عليه ملائكته لتنفيذه في الوجود ..
 
7- من يزعم أنه يعلم الغيب المطلق .. فقد كفر بإجماع المسلمين .. لأنه بذلك يكون قد زعم أنه يعلم غيب السموات والأرض وقد أحاط بكل شيئا علما .. وقد أحاط علما وإدراكا وكشفا ومشاهدة لذات الله ..!!
- ولم أسمع بأحد من المسلمين قال بذلك عن نفسه .. في أنه يعلم الغيب المطلق أو أحاط علما وإدراكا ومشاهدة وكشفا للذات الإلهية .. !!
 
#- فإذا علمت ما سبق أخي الحبيب .. وفهمت جيدا الفرق بين الغيب المطلق والنسبي .. ومدلول الآيات والأحاديث .. والفرق بين كون الإنسان بكونه عالما للغيب وكونه عارفا للغيب .. فتبقى أن أذكر لك بعض المسائل البسيطة التي قد تخطر ببالك عن الغيب وقد تصادفك في القرآن .. أو قد تخطر ببالك حينما تقرأ فتوى معينة ..

 ********************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .