ج8: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - ما معنى الرجم بالغيب والقذف بالغيب - ما الفرق بين الرجم بالغيب والقذف بالغيب - هل الغيب في القرآن يتعلق بالمستقبل فقط - هل من يزعم معرفة شيء في المستقبل فهو كافر لأن المستقبل غيب مطلق - ماذا تفعل حينما تجد مسألة تتكلم عن الغيب.

     بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الثامن)

* فهرس:

:: الفصل الثامن :: مسائل مختلفة عن الغيب وبعض مصطلحاته في القرآن ::

1- س36: ما معنى الرجم بالغيب والقذف بالغيب ؟

2- س37: ما الفرق بين الرجم بالغيب والقذف بالغيب ؟

3- س38: هل الغيب في القرآن يتعلق بالمستقبل فقط ؟

4- س39: هل من يزعم معرفة شيء في المستقبل فهو كافر لأن المستقبل غيب مطلق ؟

5- س40: ماذا تفعل حينما تجد مسألة تتكلم عن الغيب ؟

 **********************

:: الفصل الثامن ::

:: مسائل مختلفة عن الغيب وبعض مصطلحاته في القرآن ::

**************************

..:: س36: ما معنى الرجم بالغيب والقذف بالغيب ؟ ::..

 

- جاء في القرآن لفظين لهما تعلق بكلمة الغيب .. هما (الرجم بالغيب) (والقذف بالغيب) .. وأعتقد أن هذا أمر يحتاج إلى توضيح وشرح ..

 

#- أولا: عن الرجم بالغيب .. يقول تعالى عن اختلاف الناس في معرفة عدد أصحاب الكهف: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً) الكهف22.

 

#- من معاني لآية:

1- معنى الرجم .. هو الرَّميُ بالرِّجامِ .. وهي الحجارة الصغيرة ..

 

2- ومعنى بالغيب .. أي بطريق الظن الغيبي .. أي يرجمون القول بالظن والتخمين في مسألة أصحاب الكهف بالغيبة عنهم حيث لم يشاهدوهم ..

#- قال الإمام الواحدي رحمه الله (المتوفى: 468هـ): وقوله تعالى: (بِالْغَيْبِ) الباء هاهنا ظرف للرجم، والتأويل: يرجمون القول فيهم بالغيبة عنهم، وتلخيصه: بالمكان الغائب عنهم، كما تقول: هو يحسن القول فيك بالغيب، ويظهر الغيب، والمعنى: أنهم يقولون هذا القول من غير مشاهدة. (التفسير البسيط ج13 ص578).

 

3- وفي الآية (رَجْماً بِالْغَيْبِ) تم استعارة لفظ الرجم لرمي الكلام ظنا وتخمينا بدون دليل ولا برهان عليه .. كأن الله يقول: يرمون بالظن والتخمين منهم بما حدث في هذه المسألة الغيبية ..

 

4- وقد تم تشبيه حال من لا علم له بمسألة غيبية ويتكلم فيها .. بحال من يرمي بحجر في ظلام لا يرى الهدف الذي يقصده .. ونظرا لعدم إدراكه لهذا الهدف فغالبا لا يصيبه ..!!

 

5- الرجم بالغيب .. وإن كان لا دليل عليه ولا يقين فيه .. فإنه لا يقال عن قائله أنه عراف أو مشعوذ .. إلا باعتبار ادعاءه معرفة المستقبل فيما سيحدث من قدر الله من خلال قراءة النجوم أو أدوات العرافة عموما .. أي يتكلم فيما سيحدث في غد بدون دليل من الأسباب الشرعية التي أجازها الله وهيئها للناس (كالعلم) أو (كالرؤيا) .. كما سبق وتكلمنا عن ذلك في طرق معرفة الغيب النسبي .. راجع السؤال رقم (33-34) في الفصل السابع .. تحت عنوان (الطرق المباحة والمنحرفة في تحصيل الغيب النسبي).

 

- وعموما الكلام بالظن والتخمين في مسألة غيبية قد حدثت بالفعل .. هو رجما بالغيب .. لأنه لا سبيل لمعرفتها على وجه اليقين .

 

- فمثلا لا يقال للباحثين عن الآثار أو الباحثون في تاريخ الأحداث الماضية في تخميناتهم أنهم عرافون .. لأنهم وإن كانوا يرجمون بالغيب أي بالظنون والتخمينات فيما يمكن أن يكون قد حدث إلا أن هذا في مسألة ماضية وقد يعرفها البعض وتغيب عن الآخرين .. وليست عن غيب مستقبلي يبحث في قدر الله بالظن والتخمين .. ولذلك لا يتم وصفهم بالعرافين.

 

- وانتبه: كذلك لا يقال كذلك علماء الأرصاد الجوية أنهم عرافون وإن كانوا قد يعلمون حالة الجو خلال أسبوع قادم مثلا .. أو حتى يتوقعون حدوث انهيار جليدي في منطقة ما خلال سنوات قادمة .. فذلك يعرفونه من خلال الأسباب العلمية التي رزقهم بها الله في عالم المادة وهي الأدوات علمية التي تصور وتقيس حالة الجو فيفهمون منه ما قد تسير عليه الأحوال الجوية خلال فترة زمنية في مكان ما ..

 

#- ثانيا: عن القذف بالغيب .. يقول تعالى: (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) سبأ53.

1- القذف .. في أصله هو الرمي بسرعة .. ويأتي للرمي بعيدا ..

 

2- والقذف بالغيب .. هو رمي الكلام وإلقاء التهم والأقاويل بما لا دليل عليه بقصد الإيهام أنها حقيقة لترسيخها في النفس .. كما هو حال الملحد والكافر الذي يوهمك لا وجود للبعث أو لا وجود للقيامة بل يتصور أنه لا وجود لله .. ولذلك قال تعالى: (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) سبأ53.

- قوله (كفروا به من قبل): أي كفروا بالحق حينما كانوا في عالم الدنيا ..

 

#- قال الشيخ طنطاوي رحمه الله (المتوفي:1431 هـ):

- وقوله- تعالى-: (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) بيان لما كانوا عليه في الدنيا من سفاهة في القول، وجرأة في النطق بالباطل، وفيما لا علم لهم به.

والعرب تقول لكل من تكلم فيما لا يعلمه: هو يقذف ويرجم بالغيب، والجملة الكريمة معطوفة على قوله: (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ).

- أي: لقد كفروا بهذا الدين في الدنيا، وكانوا ينطقون بأقوال لا علم لهم بها، وبينها وبين الحق والصدق مسافات بعيدة.

- فقد نسبوا إلى الله- تعالى- الولد والشريك ..

- ويقولون في الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنه ساحر ..

- وفي شأن البعث: إنه لا حقيقة له ..

- وفي شأن القرآن: إنه أساطير الأولين ..

- فالمقصود بالآية تقريعهم وتجهيلهم، على ما كانوا يتفوهون به من كلام ساقط، بينه وبين الحقيقة مسافات بعيدة.

التفسير الوسيط ج11 ص311

 

3- وهناك في القرآن القذف بالحق .. وهو عكس القذف بالغيب .. كما يقول تعالى (إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحَقِّ عَلامُ الغُيُوبِ) سبأ48 .. أي أن الله يلقي بالحق على الباطل فيبطله ويمحيه وهو يعلم كل غيب في السموات والأرض فيكون قذف بالحق يصيب كل موضع للباطل فيمحيه .. بخلاف من يقذف بالباطل ولا يعلم أي موضع يصيبه لأنه جاهلا وأعمى عنه .. ولذلك أتي بصفة علام الغيوب لتنتبه أن قذف الله بالحق يصيب لأنه لا يغيب عنه شيئا في الأرض ولا في السماء .. والله أعلم .

 

*********************

 

..:: س37: ما الفرق بين الرجم بالغيب والقذف بالغيب ؟ ::..

 

- الذي أحسبه من التفرقة بين الرجم بالغيب والقذف بالغيب كما يظهر لي من الآيات ..

- القذف بالغيب .. يكون رمي بافتراءات وأقاويل لم تحدث أصلا وليس لها وجود من أساسه إلا في وهم من نطق به .. بل ولن تحدث ..

- الرجم بالغيب .. يكون رمي ظنون احتمالية لحدث موجود أصلا .. ولكن تفاصيله مبهمة وغائبة ومخفية ولا يعرفها أحد .. وهذه الظنون يحتمل أن تكون خطأ ويحتمل أن صواب ..

 

- هذا رأيي والله أعلم .. وإن كان الكثير من العلماء يساوي بين القذف بالغيب والرجم بالغيب .. ولعل هذا التساوي بسبب التقارب في كونهما يشتركان في رمي الكلام بالظن والتخمين من حيث اللغة .. إلا أنهما يختلفان في شرح آيات القرآن من حيث كون أحدهما وهو الرجم قيل في التخمين لتفاصيل حدث كان له وجود .. والآخر وهو القذف قيل في التخمين فيما ليس له وجود أصلا ولن يحدث ..!!

 

***********************

 

..:: س38: هل الغيب في القرآن يتعلق بالمستقبل فقط ؟ ::..

- قد يظن البعض بالخطأ أن الغيب يتعلق بالمستقبل فقط .. لا .. وإنما يتعلق بكل الازمنة الماضي والحاضر والمستقبل .. وكذلك زمن البرزخ والقيامة وما بعدها ..

 

- والدليل العام على ذلك: ﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾ النسلء126 ..

- والإحاطة بكل شيء .. هي إحاطة بالزمان والمكان وما في ذلك من مخلوقات .. وكل ما يتعلق بالخلق عموما ..

 

#- أما عن الدليل التفصيلي في ذلك:

1- وأيضا من الدليل على كونه يعلم غيب الماضي: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود49.

 

2- ومن الدليل على غيب الحاضر الذي لا يعلمه الإنسان: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) يونس61.

- قوله (وما يعزب): أي ما يغيب عنه .

 

3- ومن الدليل على غيب المستقبل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام59 .

 

4- ومن الدليل على غيب البرزخ: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون99-100.

 

5- ومن الدليل على غيب القيامة: (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) المائدة105 ..، وكذلك قوله (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجمعة8.

 

6- ومن الدليل على غيب ما بعد القيامة: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود105-108.

 

- قوله (غير مجذوذ): أي غير منقوص ولا منقطع.

 

#- وخلاصة القول في إحاطة الغيب:

1- أن الله محيط بكل عالم الغيب في كل الأزمنة والأمكنة ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة .. لأنه علام الغيوب كما يقول تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) التوبة78.

 

2- الإعتراف بأن الله علام الغيوب أو عالما للغيب كله .. فهذا شيء واجب على المؤمن أن يؤمن به ويعتقده في الله فقط دون غيره .. لأنه لابد للإله أن يكون عالما للغيوب كلها .. ومحيطا بكل شيء .. وإلا كان جاهلا عن معرفة الأشياء وغافلا عنها .. ولكن هو سبحانه العليم ولا يغيب عنه شيء .. وله الكمال جل جلاله ..

 

********************

 

..:: س39: هل من يزعم معرفة شيء في المستقبل فهو كافر لأن المستقبل غيب مطلق ؟ ::..

- وجدت للبعض على شبكة الإنترنت يكتب فقال: المستقبل هو غيب مطلق لا يعلمه إلا الله .. ومن يدعي ذلك فهو كافر ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- ما ذهب إليه صاحب هذا الكلام السابق إنما هو كلام خطأ واختلط عليه الأمر .. ولا يصح ما كتبه على إطلاقه هكذا كما كتب .. وإنما يقال أن علم المستقبل بكل تفاصيله في كل العوالم والأزمنة والأمكنة .. إن زعم أحد معرفته فهو كافر .. لأنه قد ساوى نفسه بعلم الله .. فكأنه قد جعل من نفسه عليم وعالم للغيب كما وصف الله نفسه .. فإن لم يزعم ذلك فهو ليس بكافر .. وإنما عاصي لله لأنه يستمد معرفته من طريق منهي عنه شرعا ..

- ولعل صاحب الكلام الذي أستخدم أسلوب التكفير لم ينتبه لما سبق بيانه .. حيث لم يتبين لعقله مفهوم الغيب بصورة واضحة حتى التبس عليه الأمر.

 

2- والغيب من حيث الزمن .. فهو يشمل كل الأزمنة التي يمر عليها الإنسان في حياته ومماته وبعد بعثه وقيامته ..

- والغيب من حيث المعرفة به .. فهو ينقسم إلى غيب نسبي وغيب مطلق .. ويجب على المسلم أن ينتبه لذلك ..

- وقد سبق التعريف بأنواع الغيب من حيث الزمن في السؤال السابق .. وسبق التعريف بالغيب من حيث المعرفة به في السؤال رقم (7) .. تحت عنوان (ما هي أنواع الغيب في الشريعة الإسلامية ؟) .

 

3- هناك فرق بين المستقبل والغيب المطلق ..

أ- فالغيب المطلق: هو ما اختص الله به نفسه ولم يطلع عليه أحد من خلقه لا إنس ولا جن ولا ملائكة .. فإن أظهر الله ذلك للملائكة فهذا لا يسمى غيب مطلق .. وإنما غيب نسبي (أي يعلمه بعض الخلق ويغيب عن البعض) .. وحينئذ لا يسمى غيب مطلق .. كما سبق وشرحنا هذا بالتفصيل في الفصول السابقة ..

 

ب- أما المستقبل .. وهو ما يحدث ولو بعد لحظة وليس بالضرورة أن يحدث في غد .. فهذا يظهر في الغيب النسبي والغيب المطلق .. ولذلك يندرج فيه ما هو معلوم وفيه ما هو مجهول ..

 

4- فما هو معلوم حدوثه في المستقبل ولو بعد لحظة وهو من الغيب النسبي:

أ- كتوقع حركة الآليات في كل مكان .. وكما هو متوقع نتيجة كشفه بالأجهزة الطبية والجوية وغير ذلك ..

 

ب- ما يأتي من خلال الرؤيات والإلهامات والخواطر الإرشاية لشيء ما في المستقبل .. وقد يستخير الإنسان الله في مسألة غيبية فيلهمه الله بما فيها من خير ..

 

ج- أو نتيجة الدعاء المصحوب بحسن الظن بالله والرجاء فيه والتفائل بفضله .. فيحدث انشراح في النفس يحمل يقينا في نفس المؤمن بحدوث الأحسن فيما طلبته من الله .. ثم يحدث فعلا .. واليقين هنا هو علم سكن في القلب بالإطمئنان إلى رعاية الله .

- ومن الدعاء بحثا عن توجيه في مسألة غيبية .. يأتي دعاء الإستخارة .. والإستخارة ما هي إلا استبصار بتوجيه رباني لما هو غائب عنا ونريد إرشاد للخير فيه .. فالمؤمن يستخير الله وهو طالبا إرشاد من الله في مسألة معينة فيرى في ذلك رؤية أو رؤيا أو خاطر في نفسه لما عليه ان يفعله في هذه المسألة الغيبية عنه والتي يريد فيها بيان للخير في أي طريق يسلكه فيها ..

 

5- أما ما هو مجهول معرفته في المستقبل ومنه ما هو غيب نسبي وما هو غيب مطلق:

أ- فمما هو مجهول في المستقبل ولكنه غيب نسبي .. حيث قد تعلمه الملائكة ولكن يظهر تنفيذه في الوجود وهذا يسمى غيبا عن عالم الإنسان والجن .. ولا يسمى حينئذ أن الملائكة تعلم الغيب .. لا .. لأن الله أظهر ذلك لهم ..

ب- ومما هو مجهول معرفته في المستقبل وهو غيب مطلق .. فهو الإحاطة بكل ما هو غائب من أحداث وتفاصيلها سواء في الدنيا أو الآخرة .. أو ظاهرا وباطنا .. وهذا مستحيل حدوثه ومعرفته .. ولا يقدر عليه إلا الله القادر جل شأنه ..

- بعض المسلمين يختلط عليه مفهوم الغيب المستقبلي .. ولا يميز بين الغيب المطلق والغيب النسبي في هذا الغيب المستقبلي .. ولا يميز بين الرجم بالغيب والعلم بالغيب .. ويختلط عليه الأمور ببعض .. فيحدث له متاهة في عقله .. لأن الأمور لم يتم وضعها في مكانها الصحيح ..!!

 

5- ما يزعمه العرافين والمنجمين:

- أما عما يزعمه بعض العرافين والمنجمين من حدوث بعض الأمور في غد .. فهذا ليس اطلاع على علم الغيب .. ولا يصح أن نقول ذلك عنهم .. وإلا فكيف يخطيء .. إذ لو كان عالما فعلا ما كان أخطأ في كثير مما ينطق به ؟!! ولو كان عالما لكان علم كل تفاصيل ما أخبر عنه من معلومات وتكلم في حقيقة ما تكلم عنه ظاهرا وباطنا ..

- فمثلا لو قيل من عراف أو منجم .. أن فلان سيموت هذا العام .. فهل عرف كيف ومتى سيموت .. وما هو حاله مع الله لحظة موته .. وفي أي أرض سيدفن .. وما مصيره في برزخه وقيامته وحسابه ..!! بكل تأكيد .. لا يعرف .. ولذلك لا يصح أن يقال عن هؤلاء أنهم يعلمون الغيب .. وإنما يقال عنهم أنهم يتخبطون في الغيب يريدون معرفته .. وهو ما يسمى رجما بالغيب ..

 

- وما تم معرفته لو حدث فعلا .. فإنما عرفه بواسطة تلقين من الشياطين وهذه تسمى كهانة .. أو بواسطة تشكيل نجمي معين يفهم منه أنه سيترتب عليه حدث معين كما دلت على ذلك التجربة وهذا يسمى رجما بالغيب .. وسيأتي توضيح بيان كل ذلك إن شاء الله تعالى ..

 

*************************

 

..:: س40: ماذا تفعل حينما تجد مسألة تتكلم عن الغيب ؟ ::..

 

- حينما تجد مسألة تتكلم عن الغيب في كتاب أو على اليوتيوب أو الفيسبوك أو ما شابه ذلك .. فاسأل نفسك الآتي:

#- أولا: ما هو توصيف الشخص مصدر هذه المعلومة ؟

- هل أحد الأشخاص المشهود لهم بصلاح الحال مع الله أم مشهور عنه أنه منجم وعراف ؟!!

1- فلو كان مشهود له بصلاح الحال مع الله .. فقد يكون ما ذكره هو مجرد إلقاء في منام أو في خاطره أو كشف أظهره الله له فتبين منه أمرا ما أراد الله له أن يعرفه ويظهره للناس .. وكما سبق وذكرنا بأن الإلهامات والتي منها الكشوفات هي وسائل مشروعة لأنها رسالة من الله .. وليس سعيا ولا طلبا من الإنسان في تحقيق ذلك ..

 

2- ولو كان الشخص مشهور عنه العرافة .. فهذا الذي تحذره وتبتعد عنه لأن اتخذ من عرافته وتنجيمه وسيلة لكسب الرزق وهذا هو الموصوف بوصف العراف والكاهن .. فانتبه منهم لأنهم اتبعوا ما نهى الله عمدا ورغبة منهم في ذلك .. فلا تتبعهم فإنهم مصدر فتنة وحجاب لك بينك وبين الله إلا من يتوب فإن الله غفور رحيم ..

 

3- إن كان لم يظهر لك مصدر هذه المعلومة .. كأن يقال أنها في مخطوطة قديمة مكتوب أنه قد يحدث كذا .. وكاتب هذا الكلام مجهول حاله وغير معروف .. فهذا الكلام حينئذ لا يصدق ولا يكذب .. لأنه يعتبر بمثابة الرجم بالغيب .. ولا سبيل لاتهام هذا الشخص لأننا لم يتبين لنا حاله وبالتالي لم نعرف طريقة وصوله لهذه المعلومة .. والأفضل أن لا نخوض في معرفته هذه حتى لا تكون سبب فتنة .. وحتى لا تفتح باب شر لكل جاهل ليبحث عن قدره الغيبي لأنه جاهل ولم يفهم أن هذا لم يكن بحثا في الغيب وإنما هي مجرد إشارة أو رؤيا أو خاطر أو كشف حدث لهذا الشخص وليس سعيا منه لمعرفة غيب كما يظن كثير من الجهلاء ..!!

 

#- ثانيا: هل الذي يتكلم عن الغيب .. يزعم أنه يعلم الغيب .. أم لا ؟

1- فلو قال أنه يعلم الغيب بمعنى أنه عليم للغيب أو يعلم الغيب متى أراد ذلك .. وكأنه محيط بعلم الغيب .. فهذا كافر بالله بكل تأكيد .. لأنه ساوى نفسه بالله ..

 

2- وإن وجدته يزعم أنه يعرف بعض الأمور الغيبية .. وهنا ننظر في طرق حصوله على هذا الغيب النسبي الذي وصل إليه وصادف حدوثه:

- فإن كان بطريق مباح .. فهذا لا مانع منه ..

- وإن كان بطريق غير مباح .. فهذا ممنوع ومحرم شرعا ويترتب عليه أحكام خاصة حينئذ بالعرافة والكهانة وسيأتي ذكرها في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى ..

 

#- والخلاصة فيما سبق:

1- لا تتعجل بالحكم على مسألة تجدها تتكلم عن الغيب .. ولا تتوهم أن الغيب كله الذي قد يظهر على يد عراف أو غيره .. هو من علم الغيب الخاص بالله او الغيب المطلق .. لا .. فهو غيب نسبي معلوما في الوجود .. ولكن البعض يعرفه والبعض لا يعرفه .. ولكن طرق الحصول على هذه المعرفة هو التي يكون عليها الكلام والأحكام ..!!

 

2- لا تنبهر ولا تتعجب مما تسمعه على اليوتيوب أو الفيسبوك أو ما شابه ذلك على شبكة الإنترنت .. من كون فلان أخبر بحدوث شيء وقد حدث .. فهذا ليس من علم الغيب الذي اختص الله به نفسه .. وإنما هو غيب نسبي قد أطلعه الله عليه لحكمة فيها فتنة لمن هو مفتون بهذه الأمور .. ويتوب الله على من تاب والله غفور رحيم .

 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .