ج16: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - هل كان الجن والشياطين يستمعون للوحي القرآني من السماء أثناء البعثة النبوية - لماذا زادت الحراسة عند بعثة النبي - هل توجد إشارة روحانية يفهمها المؤمن من منع الشياطين عن السماء حينما نزل القرآن - هل كان الشياطين يستمعون لشيء من أخبار أهل الأرض بعد البعثة النبوية - هل كان منع الشياطين في زمن النبي عن سماع الغيبيات ليس فيه أي استثناءات بإمكانية حدوث سماع للشياطين لأخبار عن أهل الأرض - هل المعلومة المخطوفة من السماء كانت تصل لكهنة أهل الأرض أم لا - وكيف يحدث ذلك مع وجود الشهاب الثاقب - هل يصاب بالشهب جميع الشياطين الذين اشتركوا في تبليغ المعلمة للكاهن أم يصاب الشيطان الأول فقط - هل كان يتم رمي الجن والشياطين بالشهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم - ما هو خلاصة القول في معرفة سماع الشياطين للغيبيات ورميهم بالشهب في زمن البعثة النبوية

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء السادس عشر)

* فهرس:
:: الفصل السادس عشر:: عن سماع الجن والشيطان للغيبيات أثناء البعثة النبوية ::
1- س84: هل كان الجن والشياطين يستمعون للوحي القرآني من السماء أثناء البعثة النبوية ؟  
2- س85: هل توجد إشارة روحانية يفهمها المؤمن من منع الشياطين عن السماء حينما نزل القرآن ؟ ولماذا زادت الحراسة عند بعثة النبي ؟
3- س86: هل كان الشياطين يستمعون لشيء من أخبار أهل الأرض أثناء البعثة النبوية ؟
4- س87: هل كان منع الشياطين في زمن النبي عن سماع الغيبيات ليس فيه أي استثناءات بإمكانية حدوث سماع للشياطين لأخبار عن أهل الأرض ؟
5- س88: هل المعلومة المخطوفة من السماء كانت تصل لكهنة أهل الأرض أم لا ؟ وكيف يحدث ذلك مع وجود الشهاب الثاقب ؟!!
6- س89: هل يصاب بالشهب جميع الشياطين الذين اشتركوا في تبليغ المعلمة للكاهن أم يصاب الشيطان الأول فقط ؟!!  

7- س90: هل كان يتم رمي الجن والشياطين بالشهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

8- س91: ما هو خلاصة القول في معرفة سماع الشياطين للغيبيات ورميهم بالشهب في زمن البعثة النبوية ؟

 ********************

:: الفصل السادس عشر ::

:: عن سماع الجن والشيطان للغيبيات أثناء البعثة النبوية ::

*********************

(أثناء البعثة النبوية – وفيما يتعلق بسماع الغيبيات)

..:: س84: هل كان الجن والشياطين يستمعون للوحي القرآني من السماء أثناء البعثة النبوية ؟ ::..

 
- اعلم أخي الحبيب .. أن الجن والشياطين لم يستمعوا لشيء من السماء أثناء البعثة النبوية أي أثناء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذا فيما يتعلق بأمور الوحي الإلهي القرآني ..
- ودليل ذلك:
#- أولا: من القرآن نجد الآتي ..
1- يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن26-28.
 
- قوله (فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ): هذا يتعلق بالوحي الإلهي للأنبياء والرسل .. كما سبق وأظهرت لك ذلك أخي الحبيب في بداية هذه الرسالة فارجع للأسئلة رقم (9-24-25) ..
 
2- قوله تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 210-212 ..
 
- فقوله (عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ): أي عن سماع الوحي الإلهي وهو القرآن المنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم .
 
- وأجد إشارة في كلمة (لمعزولون): فاللام تفيد التأكيد اليقيني التام والمحكم للعزل .. وكلمة العزل نفسها تعطيك إشارة إلى أن هذا الجانب في السماء الذي يتم إرسال الوحي من خلاله .. لا معرفة للشياطين به من أساسه ولا حيلة لهم فيه لمعرفته ..
 
- بل وأن كلمة العزل أيضا لا تعني فقط عزل أبدان فقط وإنما تعني عزل أسماع أيضا .. فكأن طريقة تلقين الوحي نفسها تتم بأسلوب وبشفرة لا تعلمها سائر المخلوقات .. أي ليس لهم إدراك عقلي لها حتى ولو سمعوه .. وكأنه مجرد ذبذبات صوتية مشفرة .. ولم يخلق الله في عقول الإنس والجن إدراك وفهم لها من أساسه إلا فقط للمتلقي لهذا الوحي هو الذي يستطيع أن يفهم ذلك .. والله أعلم .
 

****************************

(إشارة انتبه إليها)

..:: س85: هل توجد إشارة روحانية يفهمها المؤمن من منع الشياطين عن السماء حينما نزل القرآن ؟ ولماذا زادت الحراسة عند بعثة النبي ؟

::..

 
- جاء في رواية البخاري السابق ذكرها: (فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا له، فَقالوا: هذا واللَّهِ الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ) صحيح البخاري..
 
#- أولا: وفيما سبق من أدلة تظهر لنا إشارة قرآنية تتعلق بالعالم الروحاني ومن يمارسه:
- وهذه الإشارة هي .. إذا كان نزول القرآن سببا في منع الشياطين من التجسس على أخبار السماء .. فبالتالي أن من يقرأ القرآن ويعمل به سيكون في ذلك سببا له في منع الشياطين من التجسس عليه ومعرفة أحواله .. بل ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) الإسراء45.
 
- فالذي يقول أنه يقرأ القرآن ويعمل به .. ثم يزعم أن جماعة الروحانيين تتجسس عليه ويعرفون أخباره .. فهو لا يعمل بالقرآن ولا يلتزم به .. لأن الملتزم بالله هو من ألزم قلبه في طاعة مولاه .. ومن ألزم قلبه طاعة مولاه فهو في معية الله .. ومن هو في معية الله فهو في ستر الله .. ومن هو في ستر الله فلا يكشفه ولا يفضحه ولا يهتك ستره أحد لأنه في ستر وحماية الله الأحد .. فكيف يُهتك سترك وأنت في ستره ؟!! .

#- ثانيا: لماذا زادت الحراسة في السماء عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

- أجد ذلك لسببين:

- الأول: هو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم تحدى بها أهل الكهانة .. وكان في ذلك تأييدا لنبوته صلى الله عليه وسلم ..

- الثاني: لأن القرآن كان ينزل متفرقا وليس كباقي الكتب السماوية الاخرى التي نزلت مرة واحدة .. فظل تأمين السماء حتى ختام زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

- والله أعلم .

  

**********************

(أثناء البعثة النبوية – وفيما يتعلق بسماع الغيبيات)

..:: س86: هل كان الشياطين يستمعون لشيء من أخبار أهل الأرض أثناء البعثة النبوية ؟ ::..

 
- قد يخطر ببالك أخي الحبيب سؤال فتقول: إذا كان الوحي القرآني الشياطين عنه هم معزولون .. فهل غير الاستماع للوحي كان ممكن أن يحدث ذلك بأن يستمعوا لمعلومات غيبية لأحوال أهل الأرض أثناء وجود النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- تم حجب الشياطين من مقاعد السمع في السماء وأصبح من الصعب التجسس على السماء لسماع الغيبيات كما كان الحال قبل البعثة النبوية ..
 
- واختلف العلماء في كون الحجب مطلقا للكهانة أم قد يحدث ذلك نادرا بخطف شيء يتعلق بأحوال أهل الأرض ..؟!!
 
- والحقيقة أنه لا يوجد خلاف من أساسه .. لأن المنع كليا فعلا قد تم بالفعل حينما تم منعهم من مقاعد السمع في السماء .. ولأن الخطف ليس معناه سماعهم للغيب كما كان يحدث من قبل .. وإنما هو خطف لشيء من اخبار أهل الأرض .. وقد يسمح الله بوصول ما تم خطفه وقد لا يسمح .. فهذا في تقدير الله .. وسيأتي بيان ذلك في سؤال منفرد ..
 
- ولكن لنبصر أدلة من قالوا بالمنع مطلقا للكهانة .. ومن قالوا بالمنع إلا نادرا ..
 
#- فأصحاب الرأي الذي يرى المنع مطلقا من سماع أي شيء .. قد استدلوا بالآتي .. بقوله (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) الصافات8 ..، وبقوله (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9 ..
- وجعلوا الإستثناء في الآيات بمعنى المحاولة في الخطف والإستراق .. أي بمعنى أن من يحاول أن يسترق ويخطف فسيحدث له الرمي بالشهب .. وبالتالي لا تصل المعلومة المخطوفة لأهل الأرض ..
 
#- وإليك تصور لما استدلوا به من آيات:
1- يقول تعالى: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات8-10.
 
- فقوله (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى): أي لا يجدون مقاعد للسمع يتسمعون منها إلى الملائكة التي تتلقى الوحي كما كانوا يفعلون ذلك من قبل ..
 
- قوله (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ): دليل على حماية السماء من كل جانب ممكن أن يستمع من الجن والشياطين إلى أخبار السماء .. وهذا يدل على حماية السماء حماية كاملة من الإستماع لأي شيء من الغيبيات .. وإلا ما كان الله قال (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) ..
- والاستثناء يتعلق بخطف معلومة تتعلق بخبر عن أهل الأرض وليس له علاقة بوحي الانبياء والرسل .. ومع هذا الخطف الذي قد يحدث فإنه لا تصل المعلومة للكهنة لإصابة الشياطين بالشهب .
 
2- قوله تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر17-18.
 
- فالسماء محفوظة من الشيطان الرجيم .. ومن يسترق السمع فيلحقه شهاب يحرقه فلا تنفعه المعلومة التي سرقها .. والاستثناء إن حدث فهو يتعلق بسرقة خبر عن أهل الأرض وليس بالوحي الإلهي الخاص بالأنبياء والرسل .
 
3- جاء في سورة الجن: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.
 
- فقوله (كُنَّا) ثم قوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ): في ذلك دلالة على تطور كامل وشامل وذلك بإلغاء الحال الذي كانوا عليه قبل البعثة النبوية من وجود مقاعد للسمع يستمعون منها من جوانب معينة فيها .. وأصبح الحال مختلف بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فتم منع جميع الجوانب وانتهاء زمن مقاعد السمع ..
 
4- وفي رواية الحديث جاء عن عبد الله بن عباس قال: (انْطَلَقَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طَائِفَةٍ مِن أصْحَابِهِ عَامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظٍ، وقدْ حِيلَ بيْنَ الشَّيَاطِينِ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وأُرْسِلَتْ عليهمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إلى قَوْمِهِمْ، فَقالوا: ما لَكُمْ؟ فَقالوا: حِيلَ بيْنَنَا وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قالوا: ما حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إلَّا شيءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا ما هذا الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بنَخْلَةَ عَامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظٍ، وهو يُصَلِّي بأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا له، فَقالوا: هذا واللَّهِ الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ، وقالوا: يا قَوْمَنَا: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إلى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا به ولَنْ نُشْرِكَ برَبِّنَا أحَدًا} [الجن: 2]، فأنْزَلَ اللَّهُ علَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّه اسْتَمع نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} [الجن: 1] .. وإنَّما أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ) صحيح البخاري ..
 
- فقوله (وقدْ حِيلَ بيْنَ الشَّيَاطِينِ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ) .. وقوله (ما هذا الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ) .. فيه دلالة على منع الشياطين عن خبر السماء ..
 
- وقوله (فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا له، فَقالوا: هذا واللَّهِ الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ): فيه دلالة على كرامة الوحي القرآن وأنه كان سببا في منع الشياطين عن الإطلاع على غيبيات السماء ..
 
5- وفي رواية لابن عباس قال: (كانَ الجنُّ يصعدونَ إلى السَّماءِ يستمعونَ الوحيَ فإذا سمِعوا الكلمةَ زادوا فيها تسعًا فأمَّا الكلمةُ فتَكونُ حقًّا وأمَّا ما زادوهُ فيَكونُ باطلًا .. فلمَّا بعثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مُنِعوا مقاعدَهم فذَكروا ذلِكَ لإبليسَ ولم تَكنِ النُّجومُ يُرمَى بِها قبلَ ذلِكَ .. فقالَ لَهم إبليسُ ما هذا إلَّا من أمرٍ قد حدثَ في الأرضِ .. فبعثَ جنودَهُ .. فوجدوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ قائمًا يصلِّي بينَ جبلينِ .. أُراهُ قالَ بمَكَّةَ .. فلقوهُ فأخبروهُ هذا الحدثُ الَّذي حدثَ في الأرضِ) صحيح الترمذي.
 
- قوله (أُراه قال بمكة): أي قال الترمذي مخرج الحديث .. أن أحد الرواة يظنه قد قال لفظ (بمكة) بعد كلمة (جبلين) .. والله أعلم .
- قوله (فلقوه فأخبروه): أي فتلاقى جنود إبليس معه فأخبروه بما حدث ..
- قوله (ولم تَكنِ النُّجومُ يُرمَى بِها قبلَ ذلِكَ): أي لم يكن يرمى بها بكثرة كما هو الحال الآن بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ..
 
6- وقد يقال أنه لو كان الإمتناع عن سماع الغيبيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمتناع عن سماع الوحي القرآني فقط .. فما الجديد في ذلك إذ كان دائما وأبدا هناك منعا من سماع الوحي الإلهي المرسل للأنبياء والرسل في كل زمان بدليل قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الجن 26-27 ..؟!!
 
#- ولذلك قال بعض العلماء أن منع الجن والشياطين عن سماع الغيبيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو منع مطلق .. وهذا المنع المطلق هو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .. حيث لم يكن منعا عن سماع أخبار الوحي فقط .. وإنما أيضا هو منعا من سماع أي أخبار تتعلق بأهل الأرض .. وهذا ما لم يكن في زمن أي نبي آخر .. والله أعلم .
 

************************

(أثناء البعثة النبوية – وفيما يتعلق بسماع الغيبيات)

..:: س87: هل كان منع الشياطين في زمن النبي عن سماع الغيبيات ليس فيه أي استثناءات بإمكانية حدوث سماع للشياطين لأخبار عن أهل الأرض ؟ ::..

 
- أما عن أصحاب الرأي القائل بأن منع الشياطين عن سماع الغيب كان مطلقا إلا ما ندر حدوثه .. فقالوا: إذا كان عدم مقدرة الجن والشياطين من الاستماع لخبر السماء في أي جانب من جوانب السماء وبالتالي لم يعد لهم مقاعد للسمع .. وهذا هو الأصل الذي حدث عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. إلا أنه يوجد استثناء .. كما في آيات سورة الحجر والصافات .. كما في قوله تعالى (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر18..، وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات10.
 
- والرأي الأصح من وجهة نظري – والله أعلم .. هو الرأي الثاني .. حيث أنه لم يتم الحجب إلا عن مقاعد السمع أي منعهم من الاستقرار في السماء كما كان يحلو لهم .. ولكن هذا لا يمنع أن الشيطان المارد منهم قد يخطف الخطفة .. وخطف معلومة هو أمر نادر الحدوث وإن حدث فهو لحكمة يعلمها الله منها فتنة لبعض أهل الأرض .. والخطف إنما يكون لشيء يتعلق بشيء من احوال أهل الأرض ولا علاقة له بالوحي القرآني كما سبق وذكرنا ذلك ..
 
#- وإليك سبب أخي الحبيب سبب اختياري لهذا الرأي:
1- نجد في قوله تعالى عن حديث الجن حيث قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن8-9.
 
- فقوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ): أي الآن منذ ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. وفي ذلك دلالة على نفي فكرة أن يكون لأحد القدرة على أن يجد له مكان يقعد فيه ليستمع كما كان الحال من قبل بعثة النبي ..
 
- وقوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ): أيضا فيه دلالة على أنه لازال من الممكن أن محاولة الإستماع ولكن دون ان يكون لهم مقاعد في السماء كما الحال سابقا .. ولكن سيترتب على ذلك عقاب له حيث سيجد له شهابا يترصده أي مراقبا له وينطلق نحوه لو تطاول وتجرأ أن يستمع .. والله أعلم .
 
2- قوله تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر17-18.
 
- فقوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ): نجد أن قوله (استرق) هو فعل من الممكن حدوثه وإلا ما كان لحقه شهاب مبين ليحرقه ويقتله .. ولكن من فعل ذلك الفعل يترتب على ذلك أن يلحق به شهاب مضيء يظهر واضحا في السماء ليؤذيه ..
 
- وليس في الآيات دليل على المنع التام وإلا فما فائدة الإستثناء .. وما فائدة الفعل الماضي في قوله (استرق) للدلالة على تأكيد إمكانية حدوث ذلك .. وما فائدة قوله (فأتبعه) إلا لو كان تم خطف شيء فعلا ..!!
 
- ملحوظة: الذي يأخذ من قوله (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) هو حفظا عاما من سماع الشياطين لأي شيء في الغيب في أي زمن من الازمنة .. فهو قد أخطأ لأنه بذلك سيعارض القرآن حينما أقر بمقولة الجن أنهم كان لهم مقاعد للسمع يستمعون منها للغيبيات .. بقدر ما يسمح الله بذلك .
 
3- قوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.
 
- فقوله (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ): دليل على إمكانية حدوث الخطف للمعلومة .. ولكن سيترتب على ذلك عقاب بالشهاب المبين الثاقب ..
 
- وليس في الآيات دليل على المنع التام وإلا فما فائدة الإستثناء .. وما فائدة الفعل الماضي في قوله (خطف) للدلالة على تأكيد إمكانية حدوث ذلك .. وما فائدة قوله (فأتبعه) إلا لو كان تم خطف شيء فعلا ..!!
 
4- أما عن الحديث المستدل به عن بن عباس رضي الله عنه .. فالمقصد منه أنه حيل بين الشياطين وخبر السماء لمنعهم من مقاعد السمع .. فهذا إشارة لقوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.. وقد سبق توضيح هذه الجزئية المتعلقة بهذه الآية منذ قليل فارجع إليها حينما تكلمت عن قوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ) ..
 
5- وقد يقال عن الجديد في منع الشياطين عن غيب السماء .. فإنما هو بمنعهم من أن يكون لهم مقاعد للسمع كما كان سابقا قبل البعثة النبوية .. وهذا في ذاته معجزة نبوية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم .. فليس المنع من سماع الوحي القرآني فقط .. وإنما منعهم من تواجدهم في السماء للسمع إلا من قد يخاطر ويتجرأ ويحاول أن يسترق معلومة ويخطفها ..
 
#- وخلاصة القول:
1- أن الرأي القائل بأن المنع كان مطلق إلا ما ندر حدوثه أجد فيه الصواب – والله أعلم – لأنه متوافق مع سياق النص القرآني .. أما إذا كان هذا الخطف السريع للمعلومة .. قد يصل لكهنة أهل الأرض أو لا يصل .. فهذا له سؤال خاص به سيأتيك بعد قليل ..
 
2- خطف المعلومة ليس فيه إنقاص للمعجزة النبوية في منع الشياطين من مقاعد السمع في السماء .. لأنه بالفعل تم حجبهم من مقاعد السمع ولم يعد لهم القدرة على الاستماع والتنصت كما كان عليه الحال قبل البعثة النبوية .. ولذلك فالمعجزة النبوية لازالت موجودة .. لأنها مثبتة بالقرآن وهي منع مقاعد السمع للشياطين ..
 
- وليس الخطف لمعلومة له علاقة بالمعجزة النبوية .. وإنما له علاقة بحكمة الله في فعل شيء ما يريده بأهل الأرض .. حيث أن هذه المعلومة المخطوفة قد يراد بها فتنة لأهل الأرض .. بل وقد لا تصل لأهل الأرض .. ولو وصلت فإنها مجرد شيء تم سماعه ولا نعرف أيضا هل سمعه صح أم خطأ ..!!
 

***************************

(أثناء البعثة النبوية – وفيما يتعلق بسماع الغيبيات)

..:: س88: هل المعلومة المخطوفة من السماء كانت تصل لكهنة أهل الأرض أم لا ؟ وكيف يحدث ذلك مع وجود الشهاب الثاقب ؟!! ::..

 
- إذا كان هناك إمكانية لخطف معلومة على السريع والهرب بها من الشيطان المارد .. فهل الشهاب الذي يلحق بهذا الشيطان المارد يدركه قبل إلقاء المعلومة للكاهن أم لا ؟ وإذا كان ممكن حدوث ذلك فكيف يحدث ذلك مع وجود الشهاب الثاقب الذي يصيبه فيحرقه أو يقتله ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- يقول تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.
 
- فقوله (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ): فيه دلالة على إمكانية حدوث الخطف للمعلومة .. وليس معنى أنه أتبعه شهاب ثاقب فهذا فيه دليل على أنه لم يرسل المعلومة التي خطفها .. بل قد يكون قد أرسلها لبعض الشياطين قبل أن يلحقه الشهاب ..
 
- ودليل ذلك .. ما جاء في رواية الحديث عن أبي هريرة .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قَضَى اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ، ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بأَجْنِحَتِها خُضْعانًا لِقَوْلِهِ، كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ علَى صَفْوانٍ، فإذا فُزِّعَ عن قُلُوبِهِمْ قالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا لِلَّذِي قالَ: الحَقَّ، وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - ووَصَفَ سُفْيانُ بكَفِّهِ فَحَرَفَها، وبَدَّدَ بيْنَ أصابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فيُلْقِيها إلى مَن تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيها الآخَرُ إلى مَن تَحْتَهُ، حتَّى يُلْقِيَها علَى لِسانِ السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ، فيُقالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يَومَ كَذا وكَذا: كَذا وكَذا، فيُصَدَّقُ بتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ) صحيح البخاري.
 
- ملحوظة: قد تم شرح معاني الحديث السابق تفصيليا في السؤال رقم(64) فارجع إليه ..
 
#- وتأمل أخي الحبيب بعض من ألفاظ الحديث:
1- قوله (فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ) .. دليل على أن الإحتمال قد يحدث وقد لا يحدث .. حسب قدر الله في ذلك .. فإن حدث فهو يحدث لفتنة أهل الأرض بهؤلاء الكهنة حتى يتبين من يتبعهم يصدقهم ومن لا يتبعهم ولا يصدقهم ..
 
#- واعلم أخي الحبيب .. أن الغالب هو أن الجن بيكون كاذب أصلا في معلومته من البداية ولم يخطف شيئا من الملائكة .. فمثلا يذهب شخص لعراف وشيطانه يخبره بأن هذا الشخص سيتقدم لفتاة .. فيخبره بمواصفاتها وأن العلاقة لن تستمر رجما بالغيب .. أو يعرف أنه سيدخل في علاقة تجارية ويخبره الشيطان على لسان العراف أن هذه التجارة لن تنجح وأن شريكك سيخدعك .. وبالتالي يفسد عليه تجارته ويشككه في شريكه .. وما شابه ذلك .. ويريد الشيطان بذلك إنزال الحسرة والإنكسار والإكتئاب في نفس هذا الإنسان الذي يستمع له ..!!
 
2- وقوله في الحديث (فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ - قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ): فيه دلالة على أن إدراك وإلحاق الشهاب بالشيطان سيحدث فعلا لا محاله ..
 
- وهنا قد يخطر ببالك سؤال .. فتقول: هل الشيطان الذي سيصاب .. هو الشيطان الأول فقط أم كل من اشترك في الجريمة من جماعة الشياطين ؟!!
- تابع السؤال التالي ..
 

****************************

 

..:: س89: هل يصاب بالشهب جميع الشياطين الذين اشتركوا في تبليغ المعلمة للكاهن أم يصاب الشيطان الأول فقط ؟!! ::..

 

- في الحديث السابق الذي يظهر فيه إصابة الشياطين بالشهب عند إلقاء المعلومة للكاهن .. قد يظهر سؤال للعقل وهو: هل يصاب كل الشياطين المشتركين في الجريمة بالشهب أم الذي يصاب فقط هو الشيطان الأول الذي استرق السمع وخطف المعلومة ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- حتى نعرف الإصابة تتعلق بالشيطان الأول أم بكل جماعة الشياطين المشتركة بالجريمة .. فهذا يتوقف على قوله في الحديث (فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ) .. وما يهمنا التركيز عليه هنا هو قوله (قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها) هل يعود على الشيطان الأول فقط الذي خطف المعلومة .. أم أن قوله (قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها) يعود على آخر شيطان وصلت إليه المعلومة وهو الذي يبلغها للكاهن ؟!!

 

#- وهنا نجد أن اللفظ يحتمل الرأيين .. ولكن لكل رأي تعليقه ..

 

- أولا: لو قلنا أن قوله (قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها) يعود إلى الشيطان الأول الذي تسمع للمعلومة وخطفها .. وقد يزكي من هذا القول .. قوله تعالى (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات10.. فالكلام هنا على الذي خطف المعلومة ..

 

- وكذلك يؤيد ما سبق هو ما جاء في رواية الحديث عن بن عباس قال: (تَصْعَدُ الشَّيَاطِينُ أَفْوَاجًا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، قَالَ: فَيَنْفَرِدُ الْمَارِدُ مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ فَيُصِيبُ جَبْهَتَهُ أَوْ جَنْبَهُ أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُ فَيَلْتَهِبُ، فَيَأْتِي أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَلْتَهِبُ، فَيَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَذْهَبُ أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَهَنَةِ، فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ أَضْعَافَهُ مِنَ الْكَذِبِ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ صَدَّقُوهُمْ بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ) رواه الطبري في تفسيره .. والحديث صحيح إلا أنه يوجد في الحديث (الأعمش) ولم يصرح بالتحديث وهذا يضعف الرواية وإن كان لها نظائرها في الصحيح ولكن لم يأت فيها بهذا الوصف الخاص بإصابة الشيطان الأول فقط ..!! ..

 

- ثانيا: وقد يميل العقل إلى أن قوله (قبل أن يلقيها) المقصود به آخر شيطان يستمع للمعلومة .. وعلى هذا فإن الشهاب يصيب جميع من يعرف المعلومة .. فيكون كل من اشترك في الجريمة قد احترق ..

 

#- ولكن هذا التفكير قد يترتب عليه سؤال مهم فتقول: إذا كان الشيطان يحترق بالشهب في السماء كما سبق بيان ذلك .. فكيف حينئذ يلقي الشيطان الأخير المعلومة إلى الكاهن .. وهذا يكون في السماء وذاك في الأرض ؟!!.

 

- فيجاب عما سبق:

1- أن إبليس كان يوسوس لآدم وهو في الجنة وإبليس خارجها .. فالشياطين لهم المقدرة على إلقاء الوسوسة من مسافات بعيدة .. وليس بالضرورة التواجد بجوارك .. والله أعلم ..

 

2- ما جاء في الحديث .. حيث أن جماعة من الصحابة قالوا: (يَا رَسولَ اللهِ، إنَّ الكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قالَ: تِلكَ الكَلِمَةُ الحَقُّ، يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ) صحيح مسلم.

- فقوله (فَيَقْذِفُهَا): القذف هو الإلقاء السريع .. ويأتي بمعنى الرمي من مسافات بعيدة .. وهذا يدل على إمكانية إلقاء المعلومة في أذن الكهنة بسرعة ومن مسافات بعيدة .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول أن هذه الآراء خطرت على عقلي فأحببت أن أثبتها لعلها قد تخطر على عقل أحد ..

1- الذي أراه صوابا هو الرأي الأول .. لأن العقاب في الأصل هو لمن يسترق فيخطف .. أي على الشيطان المارد الجريء على اقتحام السماء .. وقوله في سورة الصافات واضح .. وكذلك ما جاء في رواية بن عباس السابقة فيها ما يدل على ذلك .. وما فيها من ضعف لا يمنع من الأخذ بها لأنها رواية محتملة بين الصحة والضعف .. والله أعلم ..

 

2- وقد يزكي هذا الرأي الأول أيضا .. هو ما جاء في رواية السيدة عائشة حيث قالت: (أنَّهَا سَمِعَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: إنَّ المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ) صحيح البخاري.

- ولذلك لم يذكر في هذه الرواية إلقاء الشهب .. لأن هذه الرواية تتكلم باختصار عن مسألة الاستراق .. فكانت رواية موجزة أراد منها التفهيم عن أن تبليغ المعلومة يكون على يد آخر شيطان فيوصلها للكاهن .. ولذلك لم يذكر الشهب في هذه الرواية .. لأن الذي يصاب بالشهاب هو الشيطان الأول الذي استرق وخطف والقاها لجماعة الشياطين الذي كانوا معه .. فتفهم أنه حينما تكلم عن تبليغ المعلومة فإنما يتكلم باعتبار المبلغ الأخير من جماعة الشياطين الذي يذهب للكاهن فيبلغه بالمعلومة .. والله أعلم .

يتطلب حضور قريب من المصاب بها المس .. !!

 

3- ويزكي أيضا الرأي الأول .. هو أن جماعة الشياطين الذين يسمعون المعلومة من الشيطان الأول .. فإنما يسمعونها من الشيطان الأول .. بخلاف الشيطان الأول فهو الذي استرق المعلومة وخطفها من السماء .. شتان بين سماع هذا وذاك ..

 

4- ملحوظة : قد يزكي الرأي الثاني بأن العقاب جماعي ..

- هو ما جاء في سورة الجن: (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.. فهذا قد يشمل كل من يشترك في جريمة السماع سيكون له عقاب الشهاب ..

- قلت لك: ويحتمل أيضا أن يكون خاصة بالأول فقط بالذي يستمع أو يسترق ويخطف المعلومة كما جاء في سورة الصافات وهو الأقرب للصواب .. أما باقي إخوانه من الشياطين فهم مجرد مستمعون لما ألقاه الشيطان الأول وليسوا مستمعين لأخبار السماء .. وهذا هو الأقرب للصواب ..

- والله أعلم ..

 

#- كل ما سبق في هذا السؤال هو مناقشة عقلية استوقفتني وجالت بخاطري وأحسب أنها قد تجول في عقل أحد غيري .. فأحببت أن أشاركه الإجابة ولعله قد يجد فيها ما يطيب له عقله .. والله ولي التوفيق ..

 

***********************

 

(أثناء البعثة النبوية – وفيما يتعلق برمي الشهب)

..:: س90: هل كان يتم رمي الجن والشياطين بالشهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ::..

 
- قد يكون السؤال غريب عليك أخي الحبيب .. لأن الإجابة المنطقية هي أن الشياطين لم يكن يتم رميهم بالشهب في زمن النبي .. لأنهم أصلا ممنوعين عن سماع الغيبيات فلماذا يتم رميهم بالشهب حينئذ ؟!! فإذا لم يظهر السبب الموجب لرمي الشهب وهو سماع الشياطين .. فلا رمي للشهب حينئذ ..!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من المنطقي هو ما ظننته أخي الحبيب .. على افتراض أنه لا يحدث سمع للغيب من السماء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. وبالتالي طالما لا يوجد سماع للغيب فلا وجود لرمي الشهب ..!!
 
- ولكن هذا الإفتراض بأن الشياطين لم تسمع مطلقا .. هو افتراض غير صحيح لأنه يوجد استثناء بخطف المعلومة من السماع .. وإنما المنع إنما هو للقعود في السماء لمنع التسمع وهو الإنصات جيدا لما قد يسمعوه .. وإذا كان التسمع قد تم منعه إلا أن الخطف للمعلومة لم يتم منعه مطلقا .. ولذلك فإن منع تسمع الشياطين للسماء محاط باستثناء سمعي قد يحدث ..  وهو أن الشيطان المارد الجريء على الله قد يخطف خطفة من السماء .. وهذا هو الذي يتم رميه بالشهاب المبين الثاقب .. وهذا كما أوضحنا أنه من الممكن أن كان يسترق السمع فيخطف خطفة .. وطالما خطف فيكون قد سمع شيئا وطالما سمع شيئا فقد استحق العقاب رميا بالشهب لتحرقه ..
 
- إذن فمن الممكن أن يتم رمي الشهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان نادرا .. إلا أنه قد يحدث لأن الله قد جعل استثناء لبعض الشياطين في استراق المعلومة وخطفها .. ولذلك يترتب على ذلك رجم بالشهب .
 

- ودليل ما سبق هو ما جاء في الحديث عند عبد الله بن عباس حيث قال: (أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الأنْصَارِ، أنَّهُمْ بيْنَما هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رُمِيَ بنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولونَ في الجَاهِلِيَّةِ، إذَا رُمِيَ بمِثْلِ هذا؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فإنَّهَا لا يُرْمَى بهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ، إذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ العَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هذِه السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قالَ: الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ العَرْشِ لِحَمَلَةِ العَرْشِ: مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ فيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قالَ: قالَ فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ بَعْضًا، حتَّى يَبْلُغَ الخَبَرُ هذِه السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَوْنَ به، فَما جَاؤُوا به علَى وَجْهِهِ فَهو حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فيه وَيَزِيدُونَ) صحيح مسلم.

- فقوله (رُمِيَ بنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ) .. دلالة على حدوث هذا الفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. وإلا ما كان أخبرهم ما سببه ..!!

- وقوله (فَتَخْطَفُ الجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ وَيُرْمَوْنَ به) فيه دلالة على انه لو كان انتهى هذا الأمر لكان اخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .. ولكنه يشرح الأمر وكأنه مستمر .. وكذلك قوله (يرمون به) أي يرمون بالشهب .. والله أعلم .

 

- وأيضا الدليل على وجود الرمي بالشهب حتى ولو في زمن النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر17-18.. وقوله تعالى: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات8-10.

 

- ويمكنك الرجوع إلى إمكانية استراق المعلومة وخطفها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. في السؤال رقم (85) .. فارجع إليه .

  

*************************

 

..:: س91: ما هو خلاصة القول في معرفة سماع الشياطين للغيبيات ورميهم بالشهب في زمن البعثة النبوية ؟ ::..

 

#- وخلاصة القول في سماع الغيبيات وإلقاء الشهب في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:

1- فيما يتعلق بالوحي القرآني ..

- فنجد أن الشياطين تم عزلهم عن سماع الوحي القرآني تماما .. وطريقة تلقينه للنبي صلى الله عليه وسلم كان بطريق مجهول المصدر وفي خفاء تام عن أن تعرف الشياطين هذا الطريق .

 

2- فيما يتعلق بالغيب الأرض وأخبار الناس ..

- نجد أن الشياطين تم منعهم كذلك عن إدراك غيب السماء فيما يتعلق بأحوال أهل الأرض .. حيث يقذفون من كل جانب في السماء حتى لا يتمركزون للسماع لينصتوا للغيبيات .. كما كان الحال قبل البعثة النبوية حيث كان لهم مقاعد للسمع ..

 

- ولكن هذا المنع بخصوص أحوال أهل الأرض قد يحدث له استثناء .. وهو أن بعض الشياطين قد يخطف معلومة غيبية يدركها سمعه فيهرب بها ولكن يلحقه شهاب مبين ثاقب ليحرقه ويقتله ..

- ونتيجة لما سبق أصبحت المعلومات الغيبية نادرة الحدوث ..

 

3- فيما يتعلق بالشهب:

- فالشهب يتم إلقائها لمن يسترق السمع فيخطف الخطفة محاولا الهرب بما فعله .. ولكنه يدركه شهاب ثاقب يحرقه .

- ونتيجة لما سبق أصبحت الشهب أيضا قليلة الحدوث .. ولكن ليست ممتنعة تماما . لأن خطف المعلومة قد يحدث ..

 

4- فيما يتعلق بالمعلومة التي قد يخطفها الشيطان:

- ما يخطفه الشيطان من معلومة قد يترتب على ذلك وصول المعلومة للكاهن لو ألقاها الشيطان قبل أن يدركه الشهاب .. وقد لا تصل المعلومة للكاهن لأن الشهاب قد أدرك الشيطان قبل أن يلقي المعلومة .. ولكن في كل الأحوال الشيطان يصيبه الشهاب ويحرقه.

 

#- وبهذا يكون ختام المرحلة الثانية من مراحل سماع الشياطين ورميهم بالشهب في أثناء البعثة النبوية .. ويلي ذلك إن شاء الله المرحلة الثالثة وهي تتعلق بأحوال سماع الغيبيات وإلقاء الشهب بعد البعثة النبوية ..

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .