ج17: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - ما هو المقصود بحفظ السماء من الشياطين - هل كانت السماء محفوظة دائما من الشياطين في كل الأزمان بأسلوب واحد - ما هي أنواع الحفظ السماوي للغيب - كيف نفهم ترتيب آيات حفظ السماء من الشياطين وعلاقة ذلك بمعرفتهم بالغيب ورميهم بالشهب - ما معنى قوله (رجوما للشياطين) وهل المقصد بقوله (وجعلناها) هو السماء أم زينة السماء

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء السابع عشر)

* فهرس:

:: الفصل السابع عشر :: عن حفظ السماء من سماع الشياطين للغيبيات ::

1- س92: ما هو المقصود بحفظ السماء من الشياطين ؟

2- س93: هل كانت السماء محفوظة دائما من الشياطين في كل الأزمان بأسلوب واحد ؟

3- س94: ما هي أنواع الحفظ السماوي للغيب ؟

4- س95: كيف نفهم ترتيب آيات حفظ السماء من الشياطين وعلاقة ذلك بمعرفتهم بالغيب ورميهم بالشهب ؟

5- س96: ما معنى قوله (رجوما للشياطين) وهل المقصد بقوله (وجعلناها) هو السماء أم زينة السماء ؟

********************

:: الفصل السابع عشر ::

:: عن حفظ السماء من سماع الشياطين للغيبيات ::

*********************

..:: س92: ما هو المقصود بحفظ السماء من الشياطين ؟ ::..

 

- يقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18.

 

- حفظ السماء من الشياطين .. معناه منع التجسس على أخبار الوحي الإلهي المرسل لأنبيائه ورسله .. بدلالة ما بعد ذلك من كلام وهو قوله (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ..) .. فالآية تتعلق بحفظ السماء من الغيبيات ..

 

- وهذه الغيبيات هي من وحي الله لملائكته لينفذوا أوامره .. وهي درجات .. فمنها ما هو قد يتم السماح به لمعرفة شيئا منه للشياطين كفتنة لأهل الأرض .. ومنها ما هو ممنوع معرفته .. وإليك تفصيل ذلك ..

 

1- فمنها غيب الوحي الإلهي للأنبياء والرسل .. فهذا غير مسموح به معرفته ولا سبيل للشياطين إليه بأي حال من الأحوال .. ولذلك حينما قال تعالى عن الوحي القرآني: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 212 .. أي أنهم لا يعرفون من أساسه كيفية وطريقة تنزيل وتلقين هذا الوحي للنبي .. وبالتالي لا يعرفون ما هو هذا الوحي ولا متى ينزل ويظهر لأهل الأرض على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو يتم تلقينه في خفاء تام لأنه من غيب الله المطلق الغير مسموح لأحد معرفته .. ولذلك يقول تعالى في عموم الوحي للأنبياء والرسل: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن26-27.

- والغيب في الآية السابقة كما سبق وأوضحنا في هذه الرسالة أنه يتعلق بالوحي الخاص للأنبياء والرسل ..

 

2- ومن الوحي الغير مسموح به .. هو الغيبيات الخمسة الخاصة بأهل الأرض .. وهي المذكورة في قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام59 .

 

- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ .. لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ) صحيح البخاري.

 

- والممنوع معرفته فيها هو تفاصيلها والإحاطة بها ظاهرا وباطنا وما يترتب عليها من أحداث .. كما سبق وشرحنا ذلك بالتفصيل في السؤال رقم (15-16) .. فارجع إليه لمعرفة تفاصيل ذلك ..

 

3- ومن الوحي الذي قد يسمح بسماعه للشياطين كفتنة لأهل الأرض .. فهو معرفة بعض أحوال الناس في زواجهم وتجارتهم وأشغالهم .. أو أخبار عامة تخص أهل الأرض كمعرفة حدوث حرب أو موت ملك أو ما شبه ذلك ..

 

#- وهنا حقيقة عليك أن تنتبه لها أخي الحبيب..

- وهذه الحقيقة هي أن الشياطين لا يستمعون إلا لما سمح الله به أن يستمعوا له .. وليس عن قدرة منهم في السماع .. لا .. وإنما عن سماح الله لهم بذلك بأن يسمعوا ما شاء لهم أن يسمعوه .. فتنة لأوليائهم من عالم الإنس الروحانيين الكهنة وتابعيهم ..

 

#- وخلاصة القول:

1- أنه في غير وجود النبي والرسول فكانوا يستمعون لأخبار الناس وشيئا من حوادث الدنيا العامة ..

 

2- ولكن في حال وجود النبي والرسول فلا مجال للاستماع لخبر السماء بأي حال من الأحوال ولا حتى أحوال أهل الأرض .. ومن يفعل ذلك فيتم عقابه بالشهب الحارقة له ..

 

- ولذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .. لم يعد لهم مقاعد للسمع ليستمعوا كما كان حالهم قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. ولذلك قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن8-9.

 

#- ملحوظة .. جاء في رواية الحديث لفظ (يستمعون الوحي):

- عن ابن عباس قال: (كانَ الجنُّ يصعدونَ إلى السَّماءِ يستمعونَ الوحيَ .. فإذا سمِعوا الكلمةَ زادوا فيها تسعًا .. فأمَّا الكلمةُ فتَكونُ حقًّا وأمَّا ما زادوهُ فيَكونُ باطلًا .. فلمَّا بعثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مُنِعوا مقاعدَهم فذَكروا ذلِكَ لإبليسَ .. ولم تَكنِ النُّجومُ يُرمَى بِها قبلَ ذلِكَ .. فقالَ لَهم إبليسُ ما هذا إلَّا من أمرٍ قد حدثَ في الأرضِ .. فبعثَ جنودَهُ .. فوجدوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ قائمًا يصلِّي بينَ جبلينِ .. أُراهُ قالَ بمَكَّةَ .. فلقوهُ فأخبروهُ هذا الحدثُ الَّذي حدثَ في الأرضِ) صحيح الترمذي.

 

#- قوله (يستمعونَ الوحيَ): أي ما يلقيه الله إلى الملائكة من أوامر لينفذوها في الأرض .. ويقصد بها هنا ما يتعلق بأخبار أهل الأرض وليس الوحي الخاص بالأنبياء والرسل لأن الشياطين عنهم معزولون تماما ..

 

- فانتبه لمفهوم ألفاظ الحديث حتى لا يختلط عليك الأمر وتظن ان كلمة (الوحي) تتعلق بوحي الأنبياء والرسل .. لا .. هذا خطأ لو فهمت ذلك .. ولذلك جاء في روايات أخرى بدلا م لفظ (الوحي) جاء بلفظ (خبر السماء) .. كما في رواية البخاري (وقدْ حِيلَ بيْنَ الشَّيَاطِينِ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ) ..

 

- ملحوظة: قد سبق شرح ألفاظ باقي الحديث السابق في السؤال رقم (84) .. فارجع إليه ..

 

***********************

 

..:: س93: هل كانت السماء محفوظة دائما من الشياطين في كل الأزمان بأسلوب واحد ؟ ::..

 

- لطالما كانت السماء محفوظة من الشياطين .. وذكرنا أن الحفظ من الشياطين يقصد به هو منعهم من سماع الغيبيات كما أوضحنا ذلك في السؤال السابق .. وقد يقصد بالحفظ أمور أخرى لا نعلمها .. ولكن الحفظ من سماع الغيبيات هو المقصود الظاهر لنا من الآيات ..

 

1- يقول تعالى: (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) الحجر17 .

- وقوله (وَحَفِظْنَاهَا) أتى بالفعل الماضي للدلالة على أن حال السماء هو الحفظ من الأزل إلى الأبد ...

 

2- ويقول تعالى: (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) الصافات7.

- وقوله (وَحِفْظًا) أتى بالإسم هنا للدلالة على تمكن هذا الفعل في السماء منذ أن خلقها جل شأنه ...

 

- فحفظ السماء من الشياطين هو حفظ أزلي إلى يوم القيامة .. وهذا الحفظ معناه القدرة على حماية السماء ومنعها من الشياطين .. إلا إن شاءت قدرة الله أن يسمح لأحد الشياطين بخطف معلومة تتعلق بأهل الأرض لتسبب للبعض منهم فتنة ..

 

#- وهذا الاستراق أو الخطف لا يقلل من حفظ السماء في شيء .. لأن الذي حفظها هو الذي سمح بهذا الاستراق والخطف فتنة للذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله من خلال اتباع العرافة والكهانة والتنجيم .. 

 

#- وانتبه أخي الحبيب:

 - ليس أن السماء محفوظة في كل الأزمان من سماع الغيبيات .. فهذا معناه أن الحفظ كان ثابتا على نمط واحد وأسلوب واحد .. لا .. فأحيانا كان الله يترك مقاعد للسمع لعالم الشياطين ليتنصتوا منها على أخبار أهل الأرض وذلك فتنة لأهل الأرض بالكهنة .. ثم تم حفظ السماء بدرجات حماية أعلى عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ...

 

*************************

..:: س94: ما هي أنواع الحفظ السماوي للغيب ؟ ::..

 

#- اعلم أخي الحبيب أنه يوجد نوعين من الحفظ:

1- حفظ للغيب المطلق .. إنما هو خاص بالوحي الإلهي للأنبياء والرسل وهو من الغيب المطلق .. والشياطين عنه معزولون تماما ولا يعرفون هذا الجانب من أساسه في كيفية نزول الوحي وتلقينه .. ولذلك لم يذكر الله الشهب كعقاب لهم حينما تكلم عن العزل .. لأنهم لا يعرفون أصلا كيفيته ولا طريق تلقينه وبالتالي فكيف سيحاولون أن يتجسسوا عليه .. وبالتالي لماذا يكون لهم عقابا بالشهب ..؟!!

 

- وهناك أيضا في زمن الأنبياء والرسل حفظ خاص بمنع الكهانة في أزمانهم من معرفة شيئا من أخبار الأرض .. إلا ما ندر ذلك .. ويكون عقابه الشهب ..

 

2- حفظ للغيب النسبي .. وهو يكون متعلقا بمعرفة شيء من أحوال أهل الأرض ..

- ففي زمن الأنبياء فتكون أخبار أهل الأرض نادرا ما يعرف عنها أحد شيئا من الشياطين لكثرة رميهم بالشهب .. وخاصة بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .

- وفي زمن غير الأنبياء يتم حفظ السماء إلا ما يسمح به الله من فتنة لأهل الأرض بالكهنة وهذا يكون كثيرا خاصة قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. ولعل حكمة السماح بهذه الفتنة كثيرا ليميز الخبيث من الطيب والعاصي من المطيع .. والله أعلم .

 

- والله أعلم.

 

*************************

 

..:: س95: كيف نفهم ترتيب آيات حفظ السماء من الشياطين وعلاقة ذلك بمعرفتهم بالغيب ورميهم بالشهب ؟ ::..

 

- حينما نقرأ كلام الله فيما يتعلق بمسألة حفظ السماء من الشياطين .. سنجد أربعة سور تحدثت عن ذلك بالترتيب حسب النزول .. وهي (الجن – الحجر – الصافات- الملك) .. وإليك بيان ذلك :

1- نجد في قوله تعالى عن حديث الجن حيث قالوا: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن8-9.

 

2-  يقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18.

 

3- يقول تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.

 

4- يقول تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) الملك5 ..

 

#- ومن خلال تتبع الترتيب للآيات السابقة من خلال تتبع نزولها .. نفهم الآتي:

- أن الآيات ترشدنا أن علاقة الشياطين بغيبيات السماء بدأ منعها  وحجبها كثيرا من وقت ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. وذلك المنع هو منع مقاعد السماء للتنصت على أخبار السماء وإن كان قد يحدث استثناء في خطف سمع معلومة .. وهذا ما أفهمه حينما قمت بترتيب الآيات حسب نزولها حتى أتبين الأمر بصورة أوضح .. ولعل ذلك لم ينتبه إليه أحد ليفعله .. وعموما إليك ما أظنه وأفهمه من كلام الله من خلال ترتيب النزول للآيات ..

- أولا: أفهم من سورة الجن .. أنه كان الجن قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون في السماء لبعض الغيبيات الغير متعلقة بوحي الأنبياء .. وإنما متعلقة بشيء من أحداث الحياة الخاصة بأهل الأرض .. وكان يوجد رميا بالشهب وإن كان قليلا .. بدلالة قوله (ملئت) والتي تدل على وجود الحراسة والشهب من قبل ذلك .. إلا أنها زادت بكثرة جدا سببت فزع ورعب للجن أنفسهم ..

- وأفهم أن قوله (فمن يستمع الآن) .. أن كلمة (الآن) .. هي التي ترتب عليها مزيد من الحفظ بالحراسة والشهب .. وهذا الذي ظهر كيفيته في سورة الحجر ثم الصافات .. والله أعلم .

  

- ثانيا: ثم أتت سورة الحجر .. لتوضح أن الله بالرغم من حفظه للسماء من وحي الأنبياء .. إلا انه قد ترك شيئا من الغيبيات وهو شيئا من غيبيات أهل الأرض وترك طريق ذلك معلوما طريقة سماعه للشياطين ولم يعزلهم عنه .. لأنه لو عزلهم فما فائدة الشهب حينئذ إذا كانوا معزولين بما لا قدرة لهم على سماعه ..!!

 

- ولكن الله ترك للشياطين سبيلا لهم في معرفة شيئا من الغيب بالرغم من منعهم من السماع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء غيبي .. إلا أنه ترك لهم القدرة على استراق السمع .. وهذا الإستراق أي سرقة المعلومة بخفاء (لأن من قدر الله ان يحدث ذلك) .. وليس لأن الله غافل عنهم ولا لأن حراسة الملائكة نائمة عن استراقهم .. ولكن لأن حكمة الله اقتضت أن يسرق هذا الشيء .. ثم بعد أن يفعل ذلك يتبعه شهاب مبين ..

 

- ثالثا: ثم أتت سورة الصافات .. لتوضح مسائل تفصيلية أكثر فيما يتعلق بمنع الشياطين الذي تم في سورة الجن وسورة الحجر ..

- فأوضحت أيضا أن المنع من كل جانب وليس في جانب دون جانب .. لا .. بل في كل جانب من الممكن أن يكون لهم إليه سبيل في سماع الغيب منه .. إلا ما تم خطفه من أخبار أهل الأرض ويتم وصوله لبعض الكهنة .

- وأوضحت السورة أن سماعهم للغيب إنما يكون من خلال سماعهم للملائكة (الملأ الأعلى) .. وهم الملأ الأعلى لأن أهل الأرض هم الملأ الأدنى .. أو لأنهم الأعلى نورا وطهارة ..

- ولعل الله ذكر الملأ الاعلى في آيات الصافات .. وكأن أحد أراد أن يستعلم عمن يتم سرقة هذه الغيبيات ؟ فكان الجواب أنه يتم من خلال الاستماع للملأ الأعلى .. وذلك حتى لا يظن أحد أنهم يسرقونها أثناء تلقين الله للملائكة .. لا .. بل قد يحدث ذلك أثناء تلقين الملائكة للملائكة أنفسهم ..

- وأوضحت السورة أيضا طبيعة فعل هذا الشيطان .. وأوضحت كيفية فعل الشهاب في الشيطان بأنه يثقبه أي يخترقه ..

- رابعا: ثم أتت سورة الملك .. لتوضح حقيقة كل ما سبق من تفصيل في جملة واحدة إجمالية وهي (رجوما للشياطين) .. دون أي تفصيل زائد .. لأن التفصيل تم شرحه ووصفه في سور الجن والصافات والحجر .. وكأن سورة الملك إجمال بعد تفصيل ..

 

#- وهذا التفسير للآيات السابقة إنما هو عن اجتهاد مني في ذلك .. حيث وجدت في ترتيب النزول اكتمال تفسير لهذه الآيات .. والله اعلم .

 

#- علما بأن بعضا من العلماء قالوا أن الأصل هو ما كان عليه الاستراق والخطف .. ثم بظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. لم يعد يوجد استراق ولا خطف .. وجعلوا من آيات سورة الجن .. هي الأصل المعتمد في المنع من السماء حتى أنه لم يعد يوجد استراق ولا خطف ..!!

- ولكن كيف يكون ذلك وآيات سورة الجن متقدمة على آيات سورتي الحجر والصافات ؟!! فضلا عن أن آية الجن منعت مقاعد السمع أي منعت القدرة على الإنصات .. ولم تمنع خطف السمع ؟!!

#- وخلاصة القول:

- الآيات تكلمت عن حال الشياطين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما أصبحت عليه السماء من وضع جديد بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن استمرارية هذا الوضع أو عدم استمراريته بعد زمن النبي .. وهذا ما سنذكره في سؤال قادم إن شاء الله تعالى ..

**********************

..:: س96: ما معنى قوله (رجوما للشياطين) وهل المقصد بقوله (وجعلناها) هو السماء أم زينة السماء ؟ ::..

 

- يقول تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ) الملك5

- وهنا في هذه الآية يوجد سؤال .. وهو كيف المصابيح وهي النجوم أو الكواكب .. رجوما للشياطين .. في حين أن الرجوم يكون كما هو معلوم بالشهب .. والنجوم والكواكب لا ينفصل عنها شهب ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- في كتب التفسير .. نجد أن أحد الآراء التفسيرية في تفسير قوله (وَجَعَلْنَاهَا) أي جعلنا المصابيح وسيلة لرجم الشياطين .. فقال أهل التفسير: أنه ينفصل من الكواكب أو النجوم مثل الشهب وينطلق ليحرق الشيطان الذي يسترق السمع .. ولكن في الحقيقة هذا كلام غير صحيح لأن النجوم والكواكب لا ينفصل عنها شهب .. وإنما الشهب تظهر من اصطدام كويكبات ببعضها وينتج عنها هذا الركام الصخري والذي قد يحدث له جذب للأرض لأسباب فلكية .. ويمكنك مراجعة هذا الأمر في السؤال رقم (62-58) ..

 

2- ولو تأملنا الآية سنجد أن قوله (وَجَعَلْنَاهَا) .. تعود إلى السماء وليس إلى المصابيح .. وهذا أحد الآراء التفسيرية الأخرى .. ودليل ذلك هو قوله تعالى: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) الصافات6-7 .. وكذلك ما قاله الجن أنفسهم:(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) الجن8 ..

- إذن فالمقصد هو أن السماء محفوظة من الشياطين ويتم إرسال الشهب من خلال السماء على الشياطين دون تعيين لمصدرها ..

 

3- وقوله (وَجَعَلْنَاهَا) أي وجعلنا هذه السماء سببا في رجوم الشياطين كما جعلناها سببا لوجود المصابيح فيها ..

- ولولا السماء ما كان هناك وجود للكواكب والفضاء الذي نراه .. ولذك يوم القيامة يقول الله: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) إبراهيم48.

4- وهناك رأي تفسيري ذكره الإمام الفخر الرازي رحمه الله  (المتوفى: 606هـ) .. وهو أن قوله (رجوما للشياطين) أي جعلنا السماء فتنة لشياطين الإنس في رجومهم بالغيب .. فيستخدمها المنجمون كوسيلة للوصول إلى معرفة الغيبيات من خلال ما يظنونه من أشكال النجوم في السماء .. وهذا رجما منهم بالغيب في أشكال السماء ..

- وعن رأيي هذا رأي تفسيري محترم وله وجاهته .. وإن كان المفسرين لا يميلون إليه ..!!

#- ملحوظة: سبب إدراج هذا السؤال.. هو أن بعض الملحدين يذكرون هذا السؤال على بعض المواقع للدلالة على عدم مطابقة القرآن للعلم .. وبالتالي فهو كلام بشر واجتهاد بشر .. !!

- وقد أوضحت لك الحقيقة اخي الحبيب .. وأظهرت لك فساد ما يرمي إليه جماعة الملحدين .. والحمد لله .. حتى يطمئن قلبك .

- فانتبه أخي الحبيب .. لكلام الله جيدا .. واعلم أنه الحق .. ويجب عليك أن تفهم كلام الله بما لا شبهة فيه ..

 

#- فإذا قرأت أخي الحبيب هذا الفصل جيدا بكل أسئلته .. فهذا مهم جدا لمناقشة ما سيأتي في الفصل التالي إن شاء الله حين الكلام على سماع الغيب ورمي الشهب بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .