بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
"الغيب والعرافة والكهانة"
والفرق بين الكرامة والإهانة
(الجزء التاسع عشر)
* فهرس:
:: الفصل التاسع عشر :: تساؤلات عن سماع الشياطين للغيبيات بعد زمن النبي ::
1- س98: ما هي الإعتراضات
التي تمنع من أن تكون الشياطين بعد وفاة النبي قد عادت لحالها الأول في سماع
الغيبيات الأرضية كما كانت قبل بعثة النبي ؟
2- س99: ما هو خلاصة القول في استماع الشياطين لغيبيات السماء
ورميهم بالشهب بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟******************** :: الفصل التاسع عشر :: :: تساؤلات عن سماع الشياطين للغيبيات بعد زمن النبي ::*********************(بعد زمن النبوية – وفيما يتعلق
بسماع الغيبيات ورمي الشهب)..:: س98: ما هي الإعتراضات التي تمنع من
أن تكون الشياطين بعد وفاة النبي قد عادت لحالها الأول في سماع الغيبيات الأرضية
كما كانت قبل بعثة النبي ؟ ::..
#- من
الإعتراضات التي قد تقال اعتراضا على الرأي الرابع (الخاص بصاحب الرسالة) .. وشيئا
من الإعتراض على الرأي الثالث .. فنجد الآتي:
:: الفصل التاسع عشر ::
1- الإعتراض الأول:-
قد يقال أن هذا الرأي الرابع .. يعيبه أنه لا دليل على خصوصية حفظ السماء بالشهب في زمن
النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. !! بل ولا تساعد الأحاديث في ذلك أيضا .. حيث لا
دليل منها على أنها خاصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. بل وبعد زمنه ..!!
#- الرد على هذا
الإعتراض:
1-
أيضا لا يوجد دليل على أن حفظ السماء من التسمع وبالشهب .. مستمر بعد زمن
النبي صلى الله عليه وسلم .. كما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. !!
2-
وإذا قيل أن ظاهر الآيات والأحاديث قد تشير لاستمرارية هذا الحفظ مع الاستراق والخطف
.. إلا أنه يقال ردا على ذلك: بأنها استمرارية
طوال تواجد النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته لاستمرار المعجزة النبوية
والتحدي للروحانيين الكهنة والعرافين والمنجمين وأشباههم ..
3-
ثم ان القول باستمرارية ذلك .. يجعلنا نتسائل فنقول: لماذا ظهر الكهنة بعد زمن النبي صلى الله
عليه وسلم .. بل ومنتشرين في عصرنا هذا كانتشار الجراد .. في الوسائل المسموعة
والمرئية والمكتوبة ..!!
################## 2-
الإعتراض الثاني:
-
وقد يقال: يعيب هذا الرأي الرابع .. القائل بأن هذا الحفظ هو معجزة نبوية تتعلق بزمنه
.. وذلك من أجل المحافظة على الوحي الإلهي القرآني .. فهذا غلط لأن هذا الوحي
الشياطين هم عنه معزولون أصلا ولا سبيل لهم إليه بأي حال من الأحوال .. فيتبين مما
سبق أن العلة المذكورة في الرأي الرابع بعدم استمرار الحفظ السماء كما كان في زمن
النبي .. هو علة خاطئة وغير صحيحة ..
#- الرد على هذا
الإعتراض:
-
لم أقل أن علة المنع من التسمع وبالشهب هي للمحافظة على الغيب الإلهي للوحي القرآن
.. وإنما قلت أن علة المنع هي تأييدا للنبوة ومعجزة له صلى الله عليه وسلم .. وفي نفس الوقت كان نوع من التحدي القرآني للكهنة في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم في معرفة شيء له قيمة أي له دلالة وبيان وحجة يستطيع بها الكاهن أن يتحدى بها نبوة
النبي صلى الله عليه وسلم .. ولذلك لم يستطع الكهنة أن يفعلوا شيئا ولا شياطينهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ..
- فالمنع من التسمع وبالشهب .. إنما هو إظهار للنبوة وكمعجزة نبوية للدلالة على نبوته .. ثم للتحدي والإعجاز لجماعة الروحانيين من الكهنة والمنجمين والعرافين ..
- وليس المنع من التسمع والرمي بالشهب هو لحفظ الوحي القرآني .. لا .. لأنه هو أصلا
محفوظ ولا سبيل لمعرفة تلقينه من أساسه ..!!
################## 3-
الإعتراض الثالث:
- قد يعيب
هذا الرأي الرابع وكذلك الرأي الثالث .. أنه متعارض مع قوله: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9.
-
فقوله (فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ) .. فيه دلالة على
انتهاء سماع الغيبيات من السماء للجن والشياطين .. أن المنع لازال مستمر كما كان
عليه الحال وقت النبي صلى الله عليه وسلم ..
#- الرد على هذا
الإعتراض:
1- إذا كان قوله (الآن)
من قوله (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) .. هو ظرف
حال يدل على الاستقبال .. إلا أنه لا يمكن الجزم بأن هذا يشير إلى حال مستقبلي
يتعلق بوجود النبي صلى الله عليه وسلم فقط أم يشمل ما بعد زمن النبي صلى الله عليه
وسلم .. !! أي هل يدل على المستقبل طوال فترة حياة النبي صلى الله عليه وسلم أم
يمتد لما هو بعد ذلك ؟!!
- والأقرب للعقل أنه يقصد به زمن النبي صلى
الله عليه وسلم .. وذلك للآتي:
أ-
لأنه متحديا بذلك الروحانيين من أهل الكهانة والمنجمين وأشباههم فيمن كانوا
يتلقون الأخبار من شياطينهم .. ولو كان لفظ (الآن) يشمل بعد زمان النبي أيضا .. فنجد أن الكهانة لازالت
موجودة حتى الآن كما هو مرئي ومسموع ومكتوب .. ..
وبالتالي فهذا يكون وسيلة طعن في القرآن نفسه ..!!
ب-
وبدليل ما جاء في رواية الحديث عن عبد الله بن
عباس قال: (انْطَلَقَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ في طَائِفَةٍ مِن أصْحَابِهِ عَامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظٍ، وقدْ حِيلَ
بيْنَ الشَّيَاطِينِ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وأُرْسِلَتْ عليهمُ الشُّهُبُ،
فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إلى قَوْمِهِمْ، فَقالوا: ما لَكُمْ؟ فَقالوا: حِيلَ
بيْنَنَا وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قالوا: ما حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ إلَّا شيءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأرْضِ
ومَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا ما هذا الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ
إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بنَخْلَةَ عَامِدِينَ إلى سُوقِ
عُكَاظٍ، وهو يُصَلِّي بأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا له،
فَقالوا: هذا واللَّهِ الذي
حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إلى
قَوْمِهِمْ، وقالوا: يا قَوْمَنَا: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي
إلى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا به ولَنْ نُشْرِكَ برَبِّنَا أحَدًا} [الجن: 2]،
فأنْزَلَ اللَّهُ علَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ
أنَّه اسْتَمع نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} [الجن: 1] .. وإنَّما أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ
الجِنِّ) صحيح البخاري ..
-
فرواية الحديث السابقة توضح .. أن علة المنع وحدوث هذا الحائل بين الشياطين وسماع
خبر السماء إنما تم بسبب نزول القرآن ووجود النبي صلى الله عليه وسلم .. ففهموا
أنه حفظ لمقام النبوة
بوجود تحدي رباني بمنع التسمع للغيبيات حتى لا يتشابه أحد الكهنة بحال النبوة
ويزعم أنه يعرف الغيب فيختلط حال الكهنة بحال النبوة على الناس .. وذلك تم منع
مقاعد السمع مع التحذير بالشهب ..
- ولذلك قوله تعالى (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ) إنما يدل على زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وهو طوال فترة نزول الوحي القرآني والذي استمر على مدى 23 سنة .. وطوال هذه الفترة
تم منع الشياطين من سماع الغيبيات جملة وتفصيلا إلا ما ندر حدوث ذلك ولو حدث فهو
بلا قيمة ولا حجة فيه ولا بيان .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع حدوث ذلك كليا
بل قد أثبت إمكانية حدوث الخطف قبل زمنه وفي زمنه مع نزول العقاب بالشهاب الثاقب
.. كما في رواية البخاري الأخرى والتي جاء فيها: (فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ
السَّمْعِ هَكَذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ .. فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فيُلْقِيها إلى
مَن تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيها الآخَرُ إلى مَن تَحْتَهُ، حتَّى يُلْقِيَها علَى لِسانِ
السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فَرُبَّما
أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ،
فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ) صحيح البخاري.
#-
ملحوظة: لا يفهم من قوله في الحديث (فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا له، فَقالوا: هذا
واللَّهِ الذي حَالَ بيْنَكُمْ وبيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ) أن قراءة القرآن هي التي منعتهم من معرفة الغيبيات .. لا .. وإنما يقصد
به قراءة القرآن مع النبي الذي يقرأه .. ومن ذلك فهموا منه حفظ مقام النبوة من أن
يتشبه به أحد الكهنة بمعرفته للغيب مثل النبي ..
- ودليل ما سبق هو قوله تعالى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ
عَلَيْهِ لِبَدًا) الجن19 .. أي ولما قام عبد الله - محمد - في صلاته يعبد الله
كاد الجن يكونون عليه جماعات ملتفة، تعجباً مما رأوه وسمعوه.. (نقلا من تفسير
المنتخب) .
-
فضلا عن أن الرواية لم تتكلم عن أنهم منعوا بسبب نزول القرآن .. حتى لا يقول أحد أنهم تم منعهم بسبب نزول
القرآن حتى لا يسمعوه .. لأن هذا شيء لا قدرة لهم على سماعه أصلا لأنهم معزولين عن
سماع شيء منه تماما .. ولكن لما سمعوا القرآن بوجود نبي يقرأه .. ففهموا أن الذي منعهم هو حفظ مقام
النبوة .. حيث أن من تأييد النبوة هو الكلام في الغيبيات كما هو معلوم ..
- والله أعلم .
################## 4-
الإعتراض الرابع: 2-
وقد يقال .. من خلال قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي
السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
مُبِينٌ) الحجر16-18..، وكذلك يقول تعالى : (إِنَّا
زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ
شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى
وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.
-
فالمنتبه لقوله (يَسَّمَّعُونَ) ولقوله (يُقْذَفُونَ)
.. فهذه أفعال تدل على دوام الفعل واستمراره .. وكذلك المنتبه لقوله (وَحَفِظْنَاهَا) وقوله (وَحِفْظًا)
فأيضا ألفاظ تدل على الثبوت والتمكين بالحفظ وهذا يدل على دوام ذلك ..
- فكيف يقال
بعد ذلك .. أن هذه الآيات تتعلق بزمن النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. وأن الجن
رجع لتسمع الغيبيات بعد انتقال النبي لجوار ربه ..؟!!
#- الرد على هذا
الإعتراض:
-
أولا: قول المعترض بأنه كيف يكون رجع الجن لتسمع الغيبيات بعد وفاة النبي .. فهو
بالظبط كما كان يتسمع قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!
- فما وجه
الإستغراب ؟!!
- ثانيا: أما
عن التعليق بما استدللت به .. فإليك بيانه:
1-
فإن قوله (يَسَّمَّعُونَ) وقوله (يُقْذَفُونَ) .. لم أقل أنها ليست افعال تدل على
الاستمرار والحدوث .. وإنما يستمر فعلها طوال فترة زمن النبي صلى الله عليه وسلم
تأمينا وحفظا وتأييدا لنبوته فيما يخص زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك يحدث
طوال فترة 23 سنة في زمن النبي .. وهذا الكلام يقال كذلك عن قوله (وَحَفِظْنَاهَا) من زمن النبي .. وقوله (حفظا) من زمن النبي .. وهي ألفاظ تدل على تمكين الحفظ
فعلا سواء الفعل الماضي أو الاسم .. ولكن تمكين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
2-
وقد يرد المعترض على ما سبق فيقول: لماذا التخصيص بزمن النبي إذا كانت ألفاظ
الآيات مطلقة دون تخصيص ؟!!
-
أقول له: طالما أنت لا ترى لها تخصيص في رأيي فلماذا جعلت لها تخصيص في رأيك وجعلتها
تخص زمن النبي وما بعد زمن النبي ؟!! فلماذا لم تجعل آيات الصافات والحجر .. تخص
كل الأزمنة حتى قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخصصتها بأنها في زمن النبي وبعد
زمن النبي ؟! ألا ترى أنك خصصت الآيات بما تراه لرأيك .. فلماذا الإنكار حينئذ على
غيرك طالما لازال اللفظ يحمل رأيه ؟!!
-
والحقيقة في منعك من أن تجعل هذه الآيات متعلقة بزمن ما قبل النبي صلى الله عليه
وسلم .. لأنك لو قلت بذلك سيظهر لك تناقض مع وجود الجن لمقاعد لهم للسمع قبل زمن
النبي .. فيقال حينئذ كيف كان للجن مقاعد في السماء يتسمعون منها قبل زمن النبي ..
وفي نفس الوقت كانوا لا يتسمعون ويقذفون من كل جانب ؟!!
3-
وقد يقول المعترض: سبب تخصيص الآيات بزمن النبي .. بسبب قوله تعالى ما جاء
في سورة الجن (فمن يستمع الآن) .. فقوله (الآن) مرتبط بعد ذلك بما ظهر في سور الصافات والحجر ..
ولذلك هذه الآيات قيل عنها أنها متعلقة بزمن النبي ..
-
قلت ردا على ذلك: وأتفق معك في ذلك .. ويعاد السؤال مرة أخرى .. هل قوله (الآن) تشمل حياة النبي فقط ؟ ام تشمل حياته وما بعد
حياته ؟ وإجابة هذا السؤال في الاعتراض الثالث .. فارجع إليه .
#####################5-
الإعتراض الخامس:
-
قد يقال: أن سورتي الصافات والحجر حكمهما سابق لآية الجن .. أي كان هناك استراق وخطف
ثم تم منع ذلك ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. ؟
#- الرد على هذا
الإعتراض:
1-
قلت لك: كيف ذلك وسورة الجن سابقة في النزول على كلتا
السورتين ؟!! وقد سبق وشرحت ذلك في السؤال رقم (95) في ترتيب آيات النزول ..
2-
وكيف سيكون التوفيق حينئذ مع الأحاديث التي تقول بوجود الإستراق
والخطف حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟!! مثل حديث: (مَاذَا كُنْتُمْ
تَقُولونَ في الجَاهِلِيَّةِ، إذَا رُمِيَ بمِثْلِ هذا؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ
اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فإنَّهَا لا يُرْمَى بهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا
لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ، إذَا قَضَى أَمْرًا
سَبَّحَ حَمَلَةُ العَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، حتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هذِه السَّمَاءِ الدُّنْيَا،
ثُمَّ قالَ: الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ العَرْشِ لِحَمَلَةِ العَرْشِ: مَاذَا
قالَ رَبُّكُمْ؟ فيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قالَ: قالَ فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ
السَّمَوَاتِ بَعْضًا، حتَّى يَبْلُغَ الخَبَرُ هذِه السَّمَاءَ الدُّنْيَا،
فَتَخْطَفُ الجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَوْنَ
به، فَما جَاؤُوا به علَى وَجْهِهِ فَهو حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فيه
وَيَزِيدُونَ) صحيح مسلم.
- فقوله وقوله (مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولونَ في الجَاهِلِيَّةِ إذَا رُمِيَ بمِثْلِ هذا؟): فيه دلالة على أن القذف كان يحدث قبل زمن النبي صلى الله
عليه وسلم .. وحدث في زمن النبي بدلالة أنه رآه .. وأثبت أن هذا الشهاب لرميه على
الشياطين .. وليس شهاب عادي !! فانتبه .
3-
وكيف التوفيق حينئذ مع الواقع الذي نعيشه من الكهانة المنتشرة من حولنا (سماعي ومرئي
وكتابي) إذا كان الزعم هو بانتهاء سماع الغيب تماما بعد زمن النبي ..؟!!
4-
بل أن وجود الكهانة في زماننا .. مع القول بأنه قد انتهت الكهانة بانتهاء سماع
الجن للغيبيات تماما بدلالة آية الجن فقط .. فهذا يؤدي إلى الطعن في القرآن حينئذ
..!!
5-
بل وكيف تكون انتهت الكهانة ولها حكم في الشريعة للذين يذهبون لهؤلاء العرافين والكهنة ؟!!
- أيعطي الله أحكاما لما ليس له وجود في الواقع .. أهذا يعقل ؟!!
#####################6-
الإعتراض السادس:
-
وقد يقال .. أن سورة الصافات تتكلم عن حفظ سماع الشياطين من الملأ الأعلى في السماء
العلى .. فتكون السماء محفوظة من سماعهم بكل حال من الأحوال .. ويكون الجوانب
المقصود منها في الآيات هو جوانب هذه السماء الملكوتية وليس جوانب السماء الدنيا
.. أما عن قوله (خطف) في سورة الصافات ..
وقوله (استرق) في سورة الحجر .. فهما للدلالة
على مجرد المحاولة والتي يترتب عليها شهاب قاتل .. وبالتالي فلا سماع للغيبيات في
زمن النبي قد حدث .. ولا حتى بعد زمن النبي ..!!
#- الرد على هذا
الإعتراض:
-
قلت لك .. من المهم ان ننظر في الآيات .. من خلال قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا
لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا
مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18..،
وكذلك يقول تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا
يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ
فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الصافات6-10.
-
أولا: من أين أتيت في سورة الصافات بأنها السماء الملكوتية إذا كان الله ذكرها
بأنها السماء الدنيا فقال: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ
الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) ؟!!
-
ثانيا: أما عن قوله (خطف) في
سورة الصافات .. وقوله (استرق) في سورة الحجر
.. كيف يكون معناها بانهما مجرد المحاولة .. في حين أن الألفاظ أتت بصيغة الماضي
الدال على الفعل يقينا أي يدل على إمكانية حدوثة .. وإلا فما فائدة وجود الشهاب
المبين الثاقب إن لم يكن أعطى الله المقدرة للشيطان الرجيم المارد على الاستراق
والخطف ؟!!
-
ثالثا: كيف يعلم الشياطين بمكان السماء الملكوتية وهم عنها في حجاب منذ
طرد إبليس منها .. وكيف يصلوا لحدودها أصلا وهي من الغيب الممنوع عن غير أهله ؟!!
-
رابعا: كيف يقال أن الشياطين لم يسمعوا الغيبيات لا قبل زمن النبي ولا بعده .. في
حين أن هذا يخالف قول الجن أنفسهم من قوله تعالى: (وَأَنَّا
كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) الجن9 ..!!
-
فالقول بأن الشياطين لم يسمعوا الغيبيات قبل زمن النبي فيه تعارض واضح للآية
السابقة ..
-
وقد يقال بأن آية الجن أتت بمنع ما كان يحدث في آيات الحجر والصافات فمنعت كذلك الاستراق
والخطف ..!!
-
وهذا خطأ .. لأن آية الجن سابقة عليهم في النزول .. فضلا عن أن هذا القول مستحيل يجمع
بين الأحاديث والآيات .. لأن الاحاديث تؤكد سماع الجن والشياطين لخبر السماء قبل
بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ..!!
-
خامسا: ولا يمكن أن نجعل منع التسمع في السماء قبل زمن النبي في
كل جوانب السماء ولكن في جانب دون جانب .. لأن لو قلنا أن السماء كانت محفوظة من كل
جانب قبل زمن النبي .. فهذا سيكون متعارض مع قوله تعالى (وَأَنَّا
كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) الجن9 .. فهذا فيه دلالة
واضحة على أن السماء كانت لهم فيها جوانب معينة أو جانب معين .. يستمعون منه الأخبار دون شهب أو
منع مِن فعلهم ذلك .. ولكن لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم تم المنع من كل جانب
تأييدا للنبوة والرسالة ومعجزة له صلى الله عليه وسلم وقهر للروحانيين من أهل
الكهانة .. والله أعلم .
-
سادسا: الملأ الأعلى .. هو وصف يقال للملائكة لكونهم أعلى شأنا من
أهل الأرض بسبب طهارتهم ونورانيتهم وسكناهم في السماء وهو المكان الأعلى من الأرض
.. سواء كانوا يسكنون السماوات العلى أم سماء الأرض ..
-
فضلا عن أن الحديث وصف بأن سرقة المعلومات تحدث من الملائكة في السماء
الدنيا .. كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ
المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في
السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ،
فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ) صحيح البخاري.
-
وقوله (العنان) .. يقصد به الأفق وهو السماء الدنيا ويشار
بالسحاب إلى السماء .. لأن استراق السمع إنما يكون في السماء كما في آيات سورة
الحجر .. إلا أن هذه الرواية مختصرة فلم تذكر حال الشهب لمن يسترق ..
-
وقوله (قضي في السماء): أي في سماء الملكوت الغيبي .. بما أوحى الله
به إلى الملائكة الكبار كجبريل لينقلونه للملائكة المسئولة عن تدبير أهل الأرض كما
سبق وأوضحنا ذلك في السؤال رقم (66) فارجع
إليه ..
-
وبيان هذه الرواية السابقة في الرواية التالية ليتضح لك الأمر .. حيث قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (إذا قَضَى
اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ، ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بأَجْنِحَتِها خُضْعانًا
لِقَوْلِهِ، كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ علَى صَفْوانٍ، فإذا فُزِّعَ عن قُلُوبِهِمْ
قالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا لِلَّذِي قالَ: الحَقَّ، وهو العَلِيُّ
الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذا
بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - ووَصَفَ سُفْيانُ بكَفِّهِ فَحَرَفَها، وبَدَّدَ بيْنَ
أصابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فيُلْقِيها إلى مَن تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيها
الآخَرُ إلى مَن تَحْتَهُ، حتَّى يُلْقِيَها علَى لِسانِ السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ،
فَرُبَّما أدْرَكَ
الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ،
فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ، فيُقالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يَومَ كَذا وكَذا:
كَذا وكَذا، فيُصَدَّقُ بتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ) صحيح البخاري.
###################7- الإعتراض السابع:
4-
القول بعودة السماء إلى ما كانت عليه فهذا معناه أنه لم يعد في السماء حرسا
شديدا وشهبا .. وفي ذلك إيقاف وتعطيل لحكم إلهي بلا دليل .. وبالتالي فإن الحراسة
والشهب مستمرة حتى الآن .. وهي مخصصة لمنع وصول أخبار أهل الأرض للكهنة .. !!
#- الرد على هذا
الإعتراض:
1-
لم أقل أنه لم يعد في السماء حرسا وشهبا .. وإنما قلت أنه ما المانع أن يكون قد عاد
الحال إلى ما كان عليه قبل بعثة النبي .. وهو عدم وجود الزيادة بالحراسة والشهب ..
وبالتالي يظل الحراسة والشهب موجودين ولكن بنسبة أقل كما كانت قبل بعثة النبي ..
وفي جانب دون جانب .. إذا افترضنا أن سورة الصافات والحجر متعلقتان بزمن النبي صلى
الله عليه وسلم فقط كمعجزة نبوية خاصة به لتأييده ..
2-
أما عن القول بوجود تعطيل وإيقاف لحكم إلهي .. فهذا كلام غير صحيح .. لأن هذا الحكم كان
موجود سابقا .. فما المانع أن يكون لاحقا ..؟!! وهذا لا يعيب الحفظ السماوي في شيء
.. وقد تكلمنا عن ذلك بالتفصيل .. ويمكنك الرجوع إليه في الفصل السابع عشر عند
الاسئلة رقم (92-96) .
- والله أعلم
.
**************************
..:: س99: ما هو خلاصة القول في استماع
الشياطين لغيبيات السماء ورميهم بالشهب بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ::..-
قد يصيبك أخي الحبيب .. نوعا من الحيرة من المناقشات السابقة .. ولكن لا داعي
للحيرة فالموضوع بسيط .. ودعني ألخصه لك في الآتي:
1- قبل زمن النبي:
-
كان هناك استراق للسمع وخطف للمعلومات وإصابة بالشهب أيضا .. ولكن الإصابة بالشهب كانت قليلة والتسمع كان
كثيرا .. والذين كان يتم إصابتهم بالشهب هم من كانوا يحاولون أن يتسمعوا في جانب
ممنوع عليهم أن يتسمعوا فيه وغالبا هو المقصود بالغيبيات الخمسة ومن يحاول فعل ذلك
منهم فكان يصيبه الشهاب .. ولكن كان هناك جوانب أخرى في السماء لهم فيها مقاعد
للسمع يسمعون منها أخبار أهل الأرض ..
2- أثناء بعثة
النبي:
-
تم منع الشياطين من كل جانب في السماء .. وبالتالي تم منعهم من مقاعد السماء فلا قدرة
لهم على التسمع في أي جانب .. ففسد عليهم حال الإدراك الجيد لسماع المعلومة
الغيبية .. وذلك بسبب منع التسمع وهو الإصغاء براحتهم من خلال جلوسهم في السماء ..
فإذا حاول منهم أحد خطف معلومة من أي جانب في السماء كان مصيره الهلاك .. ولكن قد
يرمي المعلومة للكاهن قبل أن يدركه الشهاب أم لا .. فهذا حسب مراد الله وقدره ..
إلا أن السماع ليس بشيء لأنه مجرد خطف لسماع ولا حجة فيه ولا بيان ليحتج بها
الكاهن على معرفته بكونه عرف شيئا من الغيب ..
3- بعد زمن النبي:
-
قال غالب العلماء أن استماع الشياطين للغيب مستمر ولكن
نادرا وقليل .. ولا أدري ما هو مفهوم القليل والنادر عندهم .. لأنه لو
كان المقصد أنه قليل ونادر كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي يقال
أن الكهانة لا حجة لها ولا بيان ودليل عليها .. ولكن هذا سيخالف الواقع بعد زمن
النبي صلى الله عليه وسلم .. بل حتى زماننا هذا الذي نعيشه والذي أصبحت فيه
العرافة مرئية ومسموعة ومكتوبة .. !!
#-
وإما أن تختار اخي الحبيب .. ما اخترته من رأي خاص بي (وهذا ما أرجحه كصاحب
الرسالة) .. وهو أن الأمر في السماء عاد كما كان قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم
.. لأن ما حدث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان تأييدا لنبوته ومعجزة له صلى
الله عليه وسلم .. وفي نفس الوقت كان تحديا للروحانيين من اهل الكهانة في أن يعرف
أحد شيئا يتحدى به نبوته صلى الله عليه وسلم .. وبالتالي يكون آيات سور الحجر
والصافات والجن تتعلق بزمن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالغيبيات والشهب
.. وبعد زمن النبي قد يكون الأمر عاد كما كان قبل زمن النبي كما كان يحدث بعد زمن
كل نبي ورسول .. كما تحدثنا عن ذلك سابقا ..
#-
ومن الصحابة من كان يعلم أن استراق الغيب لازال موجودا حتى بعد موت النبي صلى الله
عليه وسلم .. ودليل ذلك ما جاء عن قصة عمر بن الخطاب مع غيلان بن سلمة .. حيث يقول
عبد الله بن عمر: (طَلَّقَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ
الثَّقَفِيُّ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، - قَالَ: فِي خِلَافَةِ
عُمَرَ -. فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَقَالَ: «طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ، وَقَسَمْتَ
مَالَكَ بَيْنَ بَنِيكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى
الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ، فَأَلْقَاهُ فِي
نَفْسِكِ، فَلَعَلَّكَ أَنْ لَا تَمْكُثَ إِلَّا قَلِيلًا ..) رواه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح ..
- فلو لم يكن عمر يعلم بأن استراق السمع لازال يحدث ما كان قال قوله هذا لغيلان بن سلمة .. والله أعلم .
#- ومن أقول العلماء في استمرار استراق الغيب بعد زمن
النبي هو ما قال الإمام بن حجر في فتح الباري (8/673) بعد أن ذكر بعض الأدلة مثل
قصة عمر بن الخطاب السابق ذكرها .. ثم قال:
-
أن استراقهم للسمع استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. فكانوا يقصدون استماع
الشيء مما يحدث .. فلا يصلون إلى ذلك إلا إن اختطف أحدهم بخفة حركته خطفة فيتبعه
الشهاب .. فإن أصابه قبل أن يُلقيها لأصحابه فاتت .. وإلا سمعوها وتداولوها .. (انتهى
النقل) .
#- أخي الحبيب :#- ملخص كل الأزمنة السابقة بأحداثها أجده في الرواية التالية:
- جاء في رواية الحديث عن أبي هريرة .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قَضَى اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ، ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بأَجْنِحَتِها خُضْعانًا لِقَوْلِهِ، كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ علَى صَفْوانٍ، فإذا فُزِّعَ عن قُلُوبِهِمْ قالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا لِلَّذِي قالَ: الحَقَّ، وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - ووَصَفَ سُفْيانُ بكَفِّهِ فَحَرَفَها، وبَدَّدَ بيْنَ أصابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فيُلْقِيها إلى مَن تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيها الآخَرُ إلى مَن تَحْتَهُ، حتَّى يُلْقِيَها علَى لِسانِ السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ، فيُقالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يَومَ كَذا وكَذا: كَذا وكَذا، فيُصَدَّقُ بتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ) صحيح البخاري.
- فقوله (قَضَى اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ) .. هو قول عام في كل زمن .. وليس مختص بزمن دون زمن .. ولكن يقال أن الفرق بين زمن النبي وقبل زمنه وبعده .. أن زمن النبي امتاز بزيادة السماء بالحراسة والشهب مع حفظها من كل جانب ..
- وكذلك جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس قال: (أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِنَ الأنْصَارِ، أنَّهُمْ بيْنَما هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رُمِيَ بنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولونَ في الجَاهِلِيَّةِ، إذَا رُمِيَ بمِثْلِ هذا؟ قالوا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فإنَّهَا لا يُرْمَى بهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ، إذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ العَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هذِه السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قالَ: الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ العَرْشِ لِحَمَلَةِ العَرْشِ: مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ فيُخْبِرُونَهُمْ مَاذَا قالَ: قالَ فَيَسْتَخْبِرُ بَعْضُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ بَعْضًا، حتَّى يَبْلُغَ الخَبَرُ هذِه السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَتَخْطَفُ الجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ، وَيُرْمَوْنَ به، فَما جَاؤُوا به علَى وَجْهِهِ فَهو حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فيه وَيَزِيدُونَ) صحيح مسلم.
- وقوله (مَاذَا كُنْتُمْ تَقُولونَ في الجَاهِلِيَّةِ، إذَا رُمِيَ بمِثْلِ هذا؟): فيه دلالة على حدوث رمي هذه الشهب قبل البعثة النبوية .. وأثناء البعثة النبوية .. بدلالة أن النبي رآه هو ومن يجلسون معه ..
- وقوله (فَتَخْطَفُ الجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ): فيه دلالة على خطف الجن للسمع ..
- وسبق وذكرنا أن استراق السمع وهذه الشهب التي كانت قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. أنها كانت مرتبطة بما يحاول الجن بالتجسس عليه من الغيبيات الممنوعين عنها كالغيبيات الخمسة التي يسمعها الملائكة .. لأنها من الغيبيات الممنوع عن الشياطين معرفتها في كل الأزمنة .. ويعرفون جانب تلقينها (بخلا الوحي الإلهي للأنبياء لا يعرفونه أصلا) .. ولذلك ترك لهم جانب معرفة الغيبيات الخمسة فتنة لهم إلا أن محاولة معرفتها قد تكلف الشياطين حرقهم بالشهب .
- وأثناء زمن النبي .. تم منعهم من كل جانب في السماء .. وزيدت الحراسة وزيدت الشهب ..
- وبعد زمن النبي .. إما أن يكون المنع رجع إلى ما كان عليه قبل النبوة في جانب دون جانب .. وإما أن يكون مستمرا كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذا ما لا دليل عليه .. إلا أن هناك رأي يقول بذلك ميلا إلى ظاهر ألفاظ الآيات في كونها معجزة نبوية لازالت مستمرة مع وجود شيئا من الإستراق والخطف ..
#- وخلاصة القول:
- الذي أميل إليه .. هو أن ما عليه الحال الآن هو ما كان عليه الحال قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. ولا مانع من وجود محاولات لخطف معلومة من السماء من جانب ممتنع عليهم سماع شيء منه .. من خلال استراق السمع وخطف المعلومة .. والاستراق هو اختلاس المعلومة في خفاء فيخطفها الشيطان بسرعة ويجري بها .. ثم قد تصل المعلومة للكاهن وقد لا تصل .. فهذا حسب تقدير الله ..
#- وبهذا يكون ختام الأسئلة .. التي تتعلق بزمن سماع الشياطين والجن لأخبار السماء ورميهم بالشهب .. سواء قبل البعثة النبوية أو أثناء البعثة النبوية أو بعد البعثة النبوية .. والله أعلم في كل ما سبق بيانه ..
*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .
ماشاء الله لاقوة إلا بالله
ردحذفمدد ياالله مدد
ماشاء الله ...
ردحذفجمييييل جدا جدااا جدااا..
لقد وُفقت توفيقا رااائعا في ترتيب المسألة واقناع عقلي حتى اطمأن قلبي بعد ان كانت الحيرة واللخبطة غلبت علي .. فاللهم لك الحمد
فجزاك الله كل خير استاذنا الفاضل
وأكرمك بالمزيد من البصيرة والحكمة مع التأييد
وأقرّ عينك وقلبك بمحبته ورضاه في ارضه وسماه
آمين امين امين يارب العالمين
الله انورك استاذنا الكريم الحمد لله على نعمة العقل والايمان وعلى جميع النعم : ذوالعقل يشقى في النعيم بعقله واخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ردحذفاللهم لك الحمد ولك الشكر ان اخرجتنا من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والايمان
بارك الله فيك استاذي الكريم وجزاك الله عنا خير الجزاء
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الاولين والاخرين
دمت لنا معلما دمت لنا مرشدا دمت لنا محبا في الله
ردحذفجزاك الله عنا كل خير أستاذنا الغالي الله يبارك لنا فيك ويزيدك نور علي نور
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم
جزاك الله كل خير
ردحذفوأمدك بمدده يا رب العالمين
العزيز بالله لا يكسر قلبه أحد
ردحذفقلب معلق بالله يحب لله ويبعض لله
يقترب لله و يعمل لله ويسامح لله ويعفو لله
قلبك منح لله و أحب لله وعامل لله لا يندم أبدا على ما قدم مهما رأى
قلب معلق بالله لا يفسد سلامه مغادر ولا مقبل محب ولا مبغض
قلب معلق بالله لا يكسره أحد
قلب معلق بالله يكسره الذنب فقط
من ذاق من بحر حب الله لا يشقيه فقد و لا بعد ولا حرمان
من ذاق من بحر حب الله عرف السلام
من جاور السلام حل به وعليه السلام
من ذاق إشتاق و من حبه ما فاق
مشغول به لا يشغل عنه مهما ترأى له من سقم أو فرح
حين رأيت الله فاعلا رأيت كل الكائنات ملاحا
مهما لقيت من الدنيا و أهلها أنت لي شغل عما أرى منهم
ما الخلق إلا ظل في يد الخالق
من أقبل كنت أنت مرسله و من أدبر كنت أنت مبعده
نفسي وروحي وقلبي فداك يا غاية المنى
فليتك ترضى و كل ناس ساخطة
وليتك تقبل وكل ناس مدبرة
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
نظرة حب منك يا سندي تحيي وتشفي وتكفي وتغني
لا يشقى قلب الله له حبيب وطبيب و أنيس و رفيق
لا يشقى قلب و الله مطلع عليه و شاهد على ما حوى
لا يشقى قلب إن خانتنه مفرداته و تصرفاته كان الله مطلع على مكنون صدره و صفاء روحه وشاهدا عليه
وحده الله لا يحتاج لشاهد ولا برهان ولا مبرر
وحده الله مطلع على مكون الضمائر
ما ضرك ما قيل فيك وعنك إن كان الله يعرفك
ماضرك ما قيل فيك و عنك إن كان الله شاهدا عليك
الناس لها ظاهرك والله له باطنك
الحمد لله الذي الذي ما لنا رب ولا حبيب سواه
عطر الجنة
جزاك الله كل خير وزادك علمآ ترتيب جميل جداً ورد مقنع تسلم ياطيب الاصل
ردحذفالسلام لقلبك
ردحذفيحدث أن تلتهب روحك بحرارة الإبتلاء و تنقطع عنك كل الأسباب و تغلق في وجهك كل الأبواب
لا عليك الله معك الله ناظر إليك الله شاهد عليك
ضع يدك على قلبك وردد يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم
تحسس على روحك بنسمات اللطف و تطلع دوما إلى الرجاء في رحمة الله لا تسمح لليأس أن يتسلل قلبك مهما رأيت تمسك بحبال الأمل والرجاء في الله ولن يخيبك
ربما لا يعلم أحد حجم الألم في قلبك
ربما لا يشعر أحد بنار المرض على جسدك
ربما لا يرى أحد ثقل الهم على صدرك
ربما قدر الله لك أن تسير في طريق بلاءك وحدك لا صاحب حنون ولا قريب عطوف
ربما قدر الله لك أن تخرج للناس باسم الوجه و قلبك يعتصر ألما ، تطلق الضحكات و روحك تحترق وجعا دون أن تلحظها عين أو يشرحها حرف
التعب بصمت موجع و التمسك بإيمانك بالخير فيما أراده الله جهاد كبير
المحافظة على نقاء قلبك و بياضه و صفاء روحك رغم كل الأذى حول جهاد أيضا
التمسك بعروق طيبتك رغم بشاعة وقسوة من حولك جهاد أيضا
في الإبتلاء كل شيء يظهر نفسيا، الدمعة الخوف، الرجاء، الدعاء، الغصة، النبضة ،...
الكلمة تكتبها وأنت أحوج الناس إليها
البسمة تزرعها و أنت أفقر الناس لها
الطبطبة تمنحها و أنت أكثر الناس بحثا عنها
إياك أن تيأس ، إياك أن تندم ،إياك أن تتوقف عن العطاء مهما رأيت
كله يذهب لله لا تلتف للناس الناس دوما ناسية و جحودة ولكن الله لا ينسى
أكمل طريقك إليه مشيا إن لم تسطع فجر كسورك إليه جرا ، لكن لا تتوقف ولا تغير وجهتك
كله شاق لكن الله يستحق أن تتحمل لأجله كل المشاق
هي دار بلاء ما كانت يوما دار هناء أصبر فموعدك الجنة وليست الجنة فقط إجعل طلبك وطمعك أكبر منها
موعدك لقاء الحبيب والنظر إلى وجهه الكريم
موعدك لقاء الرسول صل الله عليه وسلم و إحتضانه و الجلوس معه
أولا يستحق أن تكمل الطريق وتصبر
بلى لا يستحق غيره تحمل العناء لأن عناءه راحة
كلما شعرت بالتعب وخارت قواك ذكر نفسك
موعدك مع الرفيق الأعلى فصبرا يا نفس لم يبقى الكثير
والسلام لقلبك
هذه قصة تروى في زمن مضى عن أحد الصالحين و فيها معنى و الله أعلم.
ردحذفمَر رجلان من الصالحين في أحد شوارع المدينة بشاب في مقتبل العمر كان مُنهمكا في توجيهِ عُمال بناءِ قصره ، فقال أحدهما للآخر : ما أحوجني أن أدعو الله أن يخلصه فلعله يجعله من شباب أهل الجنة ، ثم تقدما و سلما على الحاضرين و منهم الشاب ، و لم يَعرفه حتى أشاروا إليه بأنه فلان الصالح فأسرعَ إليهما ، سائلا : أتأمرانني بشيء ؟ قال الرجل الصالح : بكم سـتبني قصرَك ؟ أجابَ الشابُ : بمئة ألف دينار، قال الرجل الصالح : تعطيني هذا المال فأضعُه في حاجته على أن يكونَ لك قصرٌ خير منه في الجنة ، لم يَـبنه بان و إنما قال له الجليلُ سبحانه كن فكان ، فقال الشاب : موعدنا غدا في نفس المكان .
عاد الرجل الصالح إلى بيته وهو يفكرُ فيما كان من يومِه ، فلما كان وقتُ السحر دعا فأكثر في الدعاء ..
في صباح اليوم الموالي ، ذهب الرجلُ الصالح إلى حيث الشاب فوجدَه جالسا ينتظر قدومَه وما إن رآه حتى هرولَ إليه مستبشرا ، فقال الرجل الصالح : ما تقولُ فيم قلتَ بالأمس؟ تفعلُ ؟ قال الشاب : نعم ،
دعا الرجل الصالح بقرطاس و دواة و كتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما ضمن فلان بن فلان لفلان بن فلان ، ضمنت لك قصرا بهذا المال في ظل ظليل الى جوار العزيز الجليل ، و قدمَ الورقةَ للشاب ..فعل الرجل الصالح ذلك و كله أملٌ في الله و رجاءٌ منه سبحانه و افتقارٌ إليه فيما أفضى إليه ، ولم يمس حتى كان كل المال قد أنفقَه على محتاجيه ثم عاد إلى بيته .
و ما مضى على الشاب أربعون يوما حتى وجدَ الرجلُ الصالح كتابا في محرابه ، نشره فإذا هو مكتوب على ظهره بلا مداد : أوفينا الشابَ ما وعدتَه و له منا زيادة..بقي الرجلُ الصالح متعجبا ، أخذ الورقة و أسرع إلى حيث القصر فسأل عن منزل الشاب الذي كان يهم ببنائه فأرشده الناس إليه. وصل إلى البيت ، فإذا بجمع غفير ، و وجوه يَعتليها الحزن ، سأل عن الأمر فقيل له أن شابا توفي ليلا و قد دفن صباحا ، بحثَ عمن غسّله ، فأخبره المُغسل أن وصيته كانت أن توضع ورقةٌ بين الكفن و بدنه ..أخرجَ الرجل الصالح الورقة قائلا : أتقصد هذه ؟ دهش الرجل إذ أنها هي ،فـكـثرَ البكاءُ في المكان ..
ثم قام شابٌ و قال للرجل الصالح: خذ مني مئتي ألف دينار و اضمن لي مثل هذا،
فأجابه قائلا: هيهات كان ما كان و فات ما فات واللهُ يفعلُ ما يشاء و يحكم ما يريدُ.. و كان كلما ذَكرَ الشابَ بكى و دعا له .
الجزء الأول من القصة فستجده في تعليقات الموضوع المنشور بتاريخ 02 مارس 2022
ردحذف( ج 16 : رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة - هل كان الجن والشياطين يستمعون للوحي القرآني من السماء أثناء البعثة النبوية - هل توجد إشارة روحانية يفهمها المؤمن من منع الشياطين عن السماء حينما نزل القرآن - هل كان الشياطين يستمعون لشيء من أخبار أهل الأرض بعد البعثة النبوية - هل كان منع الشياطين في زمن النبي عن سماع الغيبيات ليس فيه أي استثناءات بإمكانية حدوث سماع للشياطين لأخبار عن أهل الأرض - هل المعلومة المخطوفة من السماء كانت تصل لكهنة أهل الأرض أم لا - وكيف يحدث ذلك مع وجود الشهاب الثاقب - هل يصاب بالشهب جميع الشياطين الذين اشتركوا في تبليغ المعلمة للكاهن أم يصاب الشيطان الأول فقط - هل كان يتم رمي الجن والشياطين بالشهب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم - ما هو خلاصة القول في معرفة سماع الشياطين للغيبيات ورميهم بالشهب في زمن البعثة النبوية )
رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/16_2.html
*****************************
الجزء الثاني من القصة في تعليقات الموضوع الخاص ب " رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة – الجزء 18 " ما هي الآراء في مسألة سماع الشياطين للغيبيات بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم - وما هو رأي صاحب الرسالة الخاص بهذه المسألة ؟ المنشور بتاريخ 13 مارس 2022
رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/18.html
************
نكمل القصة
30-///
ردحذفعندما خدعني الجني شمهورش
كنت في زيارة لزوجة عمي التي لا تكبرني إلا بسنوات قليلة، في شقتها بميدان " تريومف " بمصر الجديدة. عندما أقبلت لزيارتها إحدى جاراتها في العمارة، و تطرق الحديث إلى معاناتي من الصداع، و قالت لي الجارة:
- و الله أنا شاكة إن يكون حد عامل لك " عمل "؟
و رددت عليها في استنكار:
- يا شيخة، هوه في حاجة اسمها " عمل "؟ إنتي بتصدقي الكلام ده؟
و عادت تقول في تأكيد:
- طبعا فيه حاجة اسمها " عمل "، هوه إنتي مش في الدنيا و اللا إيه؟
و رددت عليها قائلة:
- المشكلة إني ما بصدقش الحكايات دي، و ما باعتقدش فيها، و بعدين مافيش بيني و بين حد حاجة تخليه يكرهني و يؤذيني.
و تعود الجارة تتساءل في شك و اتهام:
- يكونش حماتك، أو حد من أهل جوزك عاملك عمل؟
و أدافع عن حماتي و عن أهل زوجي بشدة و أنا أعترض قائلة:
- يا شيخة حرام عليكي، حماتي ست طيبة، و أهل جوزي بيحبوني زي أنا ما بأحبهم.
و تثير الجارة نقطة جديدة و هي تقول في تساؤل:
- مش فاكرة إنك و قعتي في الحمام مرة؟ أو تكوني اتخضيتي خضة جامدة؟
أو إنك كنتي قاعدة لوحدك في الشقة و النور انطفأ عليكي فجأة؟
و أهز رأسي معارضة إياها و أنا أقول ضاحكة:
- الحاجات دي بتحصل لكل الناس كل يوم، لو الكلام ده حقيقي، يبقى الناس في كل حثة في الدنيا راكبها الجن و العفاريت.
و انتهى الحوار بعدم استسلامي للجارة و لفكرة إني " ملبوسة " بعفريت.
*****
و جاء يوم كرهت فيه آلامي و كرهت عجزي و عدم قدرتي على ممارسة حياتي بصورة عادية كالآخرين. و رفعت سماعة التليفون ، و اتصلت بالجارة، جارة زوجة عمي. قررت ألا أستسلم للألم، و أن أتمرد عليه، حتى و لو كان ذلك عن طريق الجن و العفاريت.
31-///
حذفو ذهبنا ثلاثتنا إليه في شبرا، الشارع حارة ضيقة تكاد بيوتها الحقيرة أن تختفي وسط تلال القمامة.
و دخلنا بيتا متهالكا مكونا من طابق واحد، و مررنا بصالة صغيرة مظلمة امتلأت بمجموعة من النساء الشاحبات، و قد غرق معظمهن في ملابسهن و طرحهن السوداء، و دخلنا حجرة جانبية ذات أثاث بسيط رث. و ما أن استوينا على مقاعدنا، حتى دخل علينا الحاج ( س )، كان متوسط القامة، أميل إلى الامتلاء في نحو الستين من عمره، و كان يرتدي قميصا و بنطلونا نظيفين رغم آثار السنين، و منحنى وجهه ذو الملامح الطيبة الوقورة، و علامة الصلاة المحفورة في جبهته نوعا من الطمأنينة. و جلس على الأريكة المقابلة لنا،و سأل عن المشكلة التي لجأنا إليه من أجلها، و حكيت له قصتي مع الصداع.
و لم يعقب الحاج " س" بكلمة، أمسك بمسبحته في يده يداعب حباتها بأصابعه، و أغمض عينيه و قد سدد وجهه إلى الأرض و هو يتمتم بكلمات هامسة تخللتها بعض الآيات القرآنية، ثم رفع رأسه سائلا عن اسمي و إسم أمي، و مشيرا لي بيده طالبا أن أناوله " الإيشارب" الذي كنت ألفه حول رقبتي، و أمسك بكرف الإيشارب بين أصبعي يديه الإبهام، و أغمض عينيه بينما خلا وجهه من أي تعبير، و خيل إلي أنه قد راح في غيبوبة.
و ساد صمت عميق ...
32-///
حذفو انتفض الرجل فجأة، و ارتسمت على وجهه أمارات غضب و انزعاج هائل، و انهالت كلمات الاستنكار الشديد مختلطة ببعض الآيات القرأنية و هو يقول:
- يا ساتر يا رب، يا مغيث، يا حفيظ ، إيه ده يا بنتي، إيه الحرب اللي عليكي دي، ده إنتي مرشوش لك، و مكتوب لك، و مدفون لك.
و انتقل لي انزعاجه رغم أنني لم أفهم شيئا مما قال، و طلبت منه مزيدا من الإيضاح.
و أخبرني أنني قد تعرضت لحملة من تسليط الجن لإيذائي عن طريق أعمال السحر، و أنه قادر بمشيئة الله على " فك " كل هذا السحر". و طلبت منه و أنا مكذبة ومصدقة أن يبدأ فورا. و أخبرني أن ذلك لا بد و أن يتم خارج جدران بيته. و رفض طويلا أن يأخذ مني أي نقود، و اكتفى بطلب خمسة جنيهات فقط إزاء إصراري، و أشار إلى أنه يقوم بمثل هذه الخدمات لوجه الله و بدون مقابل، و أن أية نقود تأتيه عن هذا الطريق ينفقها في رحلات الحج و العمرة فقط. و تركته و انصرفنا على أن أتصل به تليفونيا لأحدد معه موعدا.
*****
و ناقشت الأمر مع زوجي، و اتهمني بالكفر و الجنون، و قرر عدم السماح بممارسة هذه الخزعبلات و التخاريف في بيتنا و تحت أنظار أولادنا. و تمردت على قرار زوجي.
و فكرت .. و خططت ... و نفذت ...
33-//
حذفوصل الحاج ( س) إلى بيت عمي في نحو العاشرة صباحا، و افترشنا سجادة في شرفة البيت الواسعة الخالية من أي أثاث و المحكمة الغلق " بالألوميتال "، و جلس متربعا بعد أن توضأ و صلى و قد وضع أمامه مبخرة يتصاعد منها الدخان و عطر البخور، و طلب مني كوبا نظيفا مليئا بالماء وضعه أمامه، و طلب مني أن أحضر من المطبخ " حلة" نظيفة مملوءة إلى نصفها بالماء، و سحبت "الحلة" من دولاب المطبخ بنفسي، و غسلتها و ملأتها بنفسي، و حملتها إلى الشرفة بنفسي، و لم تلمسها يد، سوى يدي.
و جلست في مواجهته بعيدا عنه، و وضعت " الحلة " على " حجري" و أنا أجلس معقودة الساقين على الأرض. و غطيت " الحلة" بغطائها النظيف الذي غسلته بيدي، و جلست زوجة عمي و جارتها يراقبان. كنت قد نبهت عليهما أن ينتبها، و أن يفتحا أعينهما، و أن "يصحصحا" فربما كان شيء مخبوء في جيبه أو كمه أو تحت قميصه.
و شمر الحاج ( س ) أكمامه، و بدأ الطقوس، و تحولت كل ذرة في كياني إلى عيون مفتوحة " مبحلقة " لكل حركة من حركاته. كنت ألاحظ ... ألاحق ... أدقق ... و تأكدت تماما من أنه لن يستطيع أن يمارس معي أي لعبة من ألعاب الهواة، أو خفة اليد. و تناول الحاج ( س) جرعة واحدة من الماء بعد أن قرأ عليه بعض الآيات القرآنية، ثم أعاد الكوب إلى جوار المبخرة ... ثم وجه إلي الكلام قائلا:
- حطي إيدك على غطاء الحلة، و قولي ورايا: يا ملك البحار، إذا جبت لي حاجتي، حأجيب لك رغيف عيش. و فعلت ما طلب، و رددت وراءه ما قال "كالبغبغان". فلم أكن أفهم ما أقول.
34-//
حذفو عاد الحاج ( س ) إلى تلاوة القرآن بضع دقائق، و سمعته يوجه كلامه و أوامره إلى بعض الكائنات المجهولة التي بدا أنه يراها و لا نراها، و طلب منهم أن يحضروا كل أعمال السحر المكتوبة و المدفونة و المرشوشة الخاصة بي. و توقف للحظة، و كأنما يترك الفرصة لهذه الكائنات أن تتحرك و تنشط لتنفيذ أوامره.
و تحول إلي و هو يطلب مني أن أضع يدي داخل أحد جوانب "الحلة" ، دون أن أزيح الغطاء كلية، راجيا إياي عدم الخوف إذا شعرت بوجود أي شيء داخلها. و فعلت، و مددت يدي في بطء و حذر و توجس.
لم أكن أعرف طبيعة ما ينتظر يدي داخل "الحلة"، هل سأجد "الحلة" و قد خلت من الماء؟ هل سيتحول الماء إلى برودة أو إلى السخونة؟ هل ستقبض يدي على رقبة الجن الذي ربما يكون قد تحول إلى قزم داخل "الحلة" ؟ لم أكن أعرف، و لكني فعلت.
و لم أجد شيئا. و طلب مني أن أعيد غطاء "الحلة" إلى مكانه.
و عاد مرة أخرى لتلاوة القرآن، و أصدر أوامره للكائنات غير المرئية، ثم عاد يطلب مني البحث داخل " الحلة"، و لم أجد شيئا.
35-//
حذفو تكررت المحاولات مرات و مرات، و بدأ صوت الحاج ( س ) يعلو غاضبا أحيانا.
و هو يتلو القرآن و يستدعي الجان بكلمات و لهجة آمرة قاسية، ثم يعود يرجوها مرة أخرى في صوت منخفض متوسل أن تساعده و أن تساعدني للتخلص من آلامي، و يستحلفها بالله و قرآنه و بقوة سيدنا سليمان أن تحضر كل أعمال السحر التي تتعلق بي، و يعلو صوته صارخا آمرا في وجه الكائنات المجهولة، و تتقاذف من بين شفتيه الأيمان و اللعنات و التهديد بالويل و الثبور و عظائم الأمور.
و استمرت المحاولات لأكثر من الساعة و النصف، و استمر الجن في " زرجنته " و تمرده، و ظلت "الحلة" خالية إلا من الماء الذي وضعته فيها.
و فجأة، و في إحدى المرات التي دسست فيها يدي داخل " الحلة" انتابتني رعدة سرت في كل كياني عندما قبضت يدي داخل الماء على كتلة من الطين اللزج في حجم قبضة اليد، و أسرعت أسحب يدي من الماء في هلع، و صرخت و قد ملأني الرعب.
- بسم الله الرحمن الرحيم! فيه حاجة في الميه، فيه حاجة في الميه.
و هبت زوجة عمي و جارتها مع صرختي من جلستهما واقفتين، و تراجعتا إلى الوراء حتى التصقتا بالحائط، بينما كان الحاج ( س ) يناشدنا الهدوء و عدم الاستسلام للخوف، طالبا مني أن أزيح غطاء " الحلة" بأكمله.
و في بطء و تردد و توقع و خوف ... فعلت. و رأيت ما لم تصدقه عيناي، و وجدت ما لم يتسع له عقلي.
36-///
حذفتحول الماء الصافي داخل " الحلة " إلى اللون الطيني المائل إلى السواد، كأنما هناك من ألقى فيه بعدة حقنات من الطين المخلوط بأجزاء صغيرة من العشب الجاف و الحصى الصغير. و رأيت في طيات الماء الأسود لفة يغلفها الطين اللزج في حجم كف اليد، لا يكاد يظهر منها إلا قمتها.
و طلب مني الحاج ( س) أن أستخرج اللفة.
و مددت يدي و قد ملأتني الرهبة الممزوجة بالتقزز، بينما فقدت السيطرة على دموعي، و تناولت اللفة بأطراف أصابعي في هلع و تردد، و أنا أزيل عنها الطين اللزج الذي كان يغلفها. و تنفست الصعداء و أنا أضعها جانبا على غطاء "الحلة". فقد اعتقدت أن مهمتي المخيفة المقززة قد انتهت.
و عاد الحاج ( س ) يطلب مني البحث داخل الماء عن أي شيء آخر قد يكون مستقرا في قاع "الحلة" ، و استأنفت مرة أخرى مهمتي الثقيلة. و خرجت يداي بما هو أغرب و " أعجب" من اللفافة المغلفة بالطين. خرجت يدي بأكثر من عشر قطع معدنية صغيرة مختلفة الأحجام بعضها على شكل الماشاء الله، و بعضها على هيئة صلبان محفور عليها جميعا نوع من الكتابة غير المفهومة. و خرجت يدي بمجموعة من قطع " الدوبار " كل منها يزيد طوله على الشبر، و قد تم عقد كل منها عدة عقد على أبعاد شبه متساوية.
و كان صوت الحاج ( س ) يتعالى بالاستنكار و السخط كلما خرجت يدي بشيء من الحلة قائلا:
- أعوذ بالله! أعوذ بالله! حوش يا حواش، كل ده سحر؟ كل دي أذية؟
و كلما تعالى صوته بالاستنكار و الاستعاذة ازدادت دموعي الصامتة انهمارا، و ازدادت زوجة عمي و جارتها في مكانهما انكماشا. كنت أبكي ألما و أملا، الألم من وقع الظلم و الشر الذي أراد أحدهم إلحاقه بي، و الأمل في الخلاص من عذاب الصداع.
37-///
حذفو طلب مني فتح اللفافة، و بدأت افتحها بيدي المرتعشتين. كانت اللفافة عبارة عن قطعة كبيرة من القماش الجاف لا أثر فيها للبلل، تحتوي داخل طياتها ورقة بيضاء في حجم الفولسكاب مطوية عدة طيات بطريقة منتظمة، و في كل طية منها قطعة معدنية على هيئة الماشاء الله أو الصليب تحمل تلك الكتابة غير المفهومة. و حدقت ببصري في الورقة المليئة بالكتابة من أول سطر فيها حتى آخر سطر، و عجزت للوهلة الأولى عن قراءة هذه الكتابة التي كانت عبارة عن مجرد مجموعة من الحروف الأبجدية العربية.
و رفض الحاج ( س) أن يلمسها بيده و أنا أناوله إياها، و اقترب مني قليلا، و هو يحرك أصبعه أمام الحروف المكتوبة، و سرعان ما بدأت أقرأ معه، إذ كانت هذه الحروف عبارة عن جمل متكاملة متصلة ببعضها البعض، و قرأت ... و يا لهول ما قرأت!
لا أذكر تماما نص ما كان مكتوبا فيها، و لكنها كانت رسالة أو أمرا مرسلا من الشخص ذي القوة الشيطانية الخارقة الذي يقوم بتسخير الجن، و كانت موجهة إلى جني اسمه " شمهورش"، و بلهجة آمرة و مسيطرة تطلب منه تسخير كل أعوانه من المردة و الشياطين الذين وردت أسماؤهم في الرسالة و التي لا أذكرها، لإيذائي و إلحاق الضرر بي، و و تردد اسمي في الورقة و اسم أمي و اسم زوجي في أكثر من موقع بهدف التأكيد على أنني الشخصية المراد إيذاؤها، و بلغت قسوة و بشاعة أوامر التنكيل بي ما أشاع الرعدة في أوصالي و جعلها تبقى محفورة في ذاكرتي حتى الآن. كانت بعض أوامر التنكيل هي :
" عقد حياتها عقدة مجوسية لا يحلها جان و لا جنية و لا إنس و لا إنسية "
" صبها بالصداع و الهذيان و آلام العظام"
" فرق بينها و بين زوجها " فلان" بن "فلانة"، و حول حياتها معه إلى جحيم"
و استمرت أمثال هذه العبارات تتكرر في الرسالة التي انتهت بتهديدها للجني "شمهورش" متوعدة إياه إذا لم ينفذ كل هذه الأوامر، و جاء في النهاية ما معناه " و إذا ما تهاونت في تنفيذ أوامري، فسأقول إنك قد سجدت لبني آدم".
38-///
حذفو ما أن انتهينا من قراءة الورقة. حتى انهارت آخر شكوكي، و تيفنت أنني كنت هدفا لحملة شرسة من الجان لإلحاق كل أنواع الأذى بي، و أخذت أجهش بالبكاء و أنا أردد في أسى:
- ليه بس كده يا ربي ! ده أنا عمري ما كرهت حد، ده أنا عمري ما آذيت حد.
و رفض الحاج ( س) أن يطلعني على أسماء من سعوا لإيقاع الشر بي، و أنا أرجوه و أتوسل إليه بصوتي المختنق بالبكاء. و طلبت منه أن يترك لي الورقة و الأشكال المعدنية و قطع الدوبار التي وجدناها في "الحلة" حتى يراها زوجي، و رفض قائلا:
- مستحيل يا بنتي، كل الحاجات دي حأحطها في رغيف عيش، و حأرمي الرغيف في البحر، إنتي مش و عدتي ملك البحار، أنه إذا جاب حاجتك، حتجيبي له رغيف عيش؟
و لم أستطع صبرا، أسرعت إلى التليفون و اتصلت بزوجي و قصصت عليه طرفا مما حدث، و طلبت منه الحضور على الفور.
و جاء ... و رأى ... و أيقن و صدق
39-///
حذفو هنأني الحاج ( س) بخلاصي نهائيا من سطوة الجان، و أن كل الأعمال و العكوسات ضدي قد حلت و فسدت كلها و إلى الأبد.
و بدأ إجراءاته الخاصة بوقايتي و تحصيني ضد أي شرور و أعمال أخرى قد أتعرض لها من قبل الجان، و قام الرجل و صلى عدة ركعات، و أوقد البخور، و تلا آيات من القرآن، ثم استغرق في كتابة مجموعة من التعاويذ و الأحجية.
علي أن أحمل هذا الحجاب الصغير دائما في أي جزء من جسمي، و لا أتخلى عنه إلا في أثناء الاستحمام.
تلك الورقة التي تحمل بعض الآيات علي أن أضعها في الماء ثم أشربه، و تلك أضعها في ماء و أغتسل به، و تلك... و تلك ... و تلك ... ثم طلب مني ترديد بعض الآيات القرآنية المعينة عقب كل صلاة، و خلال النهار، و عند النوم.
و انهالت التهاني بالشفاء من شفتي الحاج ( س )، فالشفاء و الفرج آتيان بأمر الله، و ربما فورا ربما بعد ساعات ربما بعد أيام قليلة و هكذا قال لي.
سألته عن المبلغ الذي يطلبه، و رفض بشدة في البداية، و لكني ألححت عليه، و أصررت. فقد كنت في حالة نفسية تجعلني أتنازل له عن كل ما أملك، حتى إذا كان ذلك ثوبي الذي أرتديه، و أخيرا لم يقبل أن يأخذ أكثر من عشر جنيهات.
و بدأت أراقب آلام الصداع بعد أن قمت بإجراء كل الطقوس التي كان قد طلبها، و أحسست أن الآلام قد أصبحت محتملة، و ارتفعت معنوياتي بصورة غير مسبوقة، فأخيرا وجدت الخلاص، حقق لي الجن ما عجز الطب عن تحقيقه!
و لكن القصة لم تتم ...
** يتبع **
رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين مرة أخرى استسمح للاخ حسن لم اطلع على المدونة بالامس، حتى وإن كان لفظ او اسم عرقوب مزاحا
حذفلا داعي للإعتذار أو طلب المسامحة أخي الحبيب صالح .. لا عليك أعرف أنك لا تقصد ذلك، مع أني كنت أظن أنك تتحدث عن شاطئ اسمه " عرقوب " يوجد بمدينة شفشاون شمال المغرب و هو بحر هادئ و جميل و محترم و به جبال و خضرة و مياهه صافية زرقاء و تتواجد به صخور كبيرة لمن يعشق القفز و النط في البحر و أنصحك بزيارته هههههه ..
حذفثم بعدها ظننتك تتحدث عن عرقوب و هو الوَتَرٌ أو العَصَبٌ الغليظ فوق عَقِب الإنسان أو الحيوان ، فذهبت مخيلتي بهذا التعريف إلى أبعد من ذلك، فقلت في نفسي ممكن تتحدث عن انحرافات المعالجين الروحانيين خصوصا مع الجنس الناعم النساء، فبوزت دماغي يا عم صالح هههه و قلت في نفسي ده بيقصد عرقوب المرأة الذي يعتبر مقياس لجمال المرأة و شكل جسمها و مدى اعتنائها بنفسها و لذلك سابقا كانوا يلبسون خلخالا في القدم جهة العرقوب حتى تلفت الانتباه هههه .. فقلت أنك تحاول أن تربط ذلك بما يفعله الروحانيين الفاسدين بحيث كانوا ينظرون إلى عرقوب أقدام ضحاياه من النساء الساذجات أثناء جلسات العلاج حتى يتبينوا مدى جمال المرأة و اعتنائها بنفسها، فإن تبين له جمالها فتكون و بالتالي يحاول استغلالهن جنسيا
و لعل في مزحك و خفة دمك أخي صالح خير حتى نعرف " قصة عرقوب " .. يا سادة يا كرام و لمن لا يعرف القصة
حذفهناك مثل يقول "أَخْلَفُ مِنْ عُرْقُوبِ"
تعود قصته الى شخص يدعى عرقوب: و هو رجل من العماليق (العمالقة)، في الْجَاهِلِيَّةِ القديمة قبل الإسلام بقرون عديدة، وقبل سيدنا موسى، كان مشهوراً بإخلافه للوعود، فقد كان يعد الناس ولا يفي بوعده.
قصة هذا المثل الشعبي مواعيد عرقوب، هو مثل يضرب في المماطلة والحنث بالوعد والكذب، فعندما تعطي وتخلف تصبح كمواعيد عرقوب، وعرقوب هذا هو أحد العماليق (العمالقة)، في الْجَاهِلِيَّةِ القديمة قبل الإسلام بقرون عديدة، وقبل سيدنا موسى، كان مشهوراً بإخلافه للوعود، فقد كان يعد الناس ولا يفي بوعده.
قصة مواعيد عرقوب:
قال أبو عبيد: هو رجل من العماليق، أتاه أخ له يسأله أي يطلب منه مسألة فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحا، فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوًا، فلما زهت قال: دعها حتى تصير رُطَبا، فلما أرْطَبَتْ قال: دعها حتى تصير تمراً، فلما أتمرت عمد إليها عرقوبٌ من الليل فجدها ولم يعط أخاه شيئاً، فصار مثلاً في الخُلْفِ.
ما قاله الشعراء في مواعيد عرقوب:
– جاد الشعراء على عرقوب فذكروه في شعرهم لما أرادوا الحديث عن الخلف بالوعد فاتخذوه مثلًا فقال عنه الأشجعي في أحد أشعاره:
وعدت وكان الخلف منك سجية *** مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
– جاء الشاعر كعب بن زهير شاعر رسول الله وصاحب القصيدة الشهيرة في مدح النبي صل الله عليه وسلم ( بانت سعاد ) على ذكر مواعيد عرقوب في قصيدته فقال:
ولا تَمَسَّكُ بالعَهْدِ الذي زَعَمْتْ إلاَّ كَما يُمْسِكُ الماءَ الغَرابِيلُ
فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ إنَّ الأمانِيَّ والأحْلامَ تَضْليلُ
كانَتْ مَواعيدُ عُرْقوبٍ لَها مَثَلا وما مَواعِيدُها إلاَّ الأباطيلُ
– وقال فيه أحد الشعراء:
أمنجزٌ أنتمُ وعدًا وثقت به **** أم اقتفيتم جميعًا نهجَ عرقوب
إياك أخي و أختي وأن تكون مثل عرقوب و مثل حسن المغربي هههههههه ؟
حذفلم يكن عرقوب مخلف للوعد فقط بل كان بخيًلا على أخيه وهو ما جعله يمنيه ويعده بأنه سوف يعطيه من طرح هذه النخلة، وما زاد من غلظة فعلته، أن في كل مرة كان يضاعف الأماني عند أخيه ولم يخبره أنه لن يعطيه، بل تركه يحلم بالتمر ولذته حتى حانت لحظة اقتطاف التمر اختصه لنفسه في غفلة من أخيه، لذلك صار مضرب المثل في اللؤم والمماطلة والخلف بالوعد وهو ما حذرنا منه رسول الله.
فقد وصانا رسول الله صل الله عليه وسلم بعدم الخلف بالوعد وضرب لنا مثًلًا على ذلك بأنها أحد صفات المنافق والتي يجب على المسلم أن ينصرف عنها، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } [سورة النساء: 145]، فجزاء المنافق هو النار وليست أي نار بل الدرك الأسفل منها أعاذنا الله وإياكم منها، فكن صادق الوعد غير مخلف، سخي العطاء غير بخيل واتبع نهج نبيك صلوات الله وسلامه عليه حتى تفوز بمرافقته في الجنة بإذن الله.
تحياتي لك أخي الحبيب صالح و للجميع .. و غفر الله لنا و لكم و لمن لهم الحق علينا و لوالدينا و لجميع المسلمين و المسلمات و المومنين و المومنات الأحياء منهم الأموات من إنس وجان في كل زمان ز مكان .. أمين أمين أمين .. يا رب العالمين
*******************************
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله و سلم
40-///
حذفكانت إحدى قريباتي ممن يترددون دوريا على قريتنا في الدقهلية تعلم الكثير عن معاناتي و جولاتي مع الطب و الأطباء. و وجدتها أمامي في بتي بالقاهرة، ربما بعد أسبوع واحد من الأحداث السابقة، و أخرجت لي من حقيبتها يده ورقة كبيرة ضعف ورقة الفولسكاب ذات قوام سميك و لون بني كالح. و قرأتها، قرأتها و غرقت في ذهولي.
كانت مكتوبة بنفس طريقة الكتابة التي وجدناها في الورقة التي كانت داخل اللفافة القماش في " الحلة"، و كانت تحمل نفس المضمون تقريبا و لكن بعبارات و كلمات مختلفة، و أخبرتني و قد ملأتني الدهشة بما حدث.
قالت إنها ذهبت إلى شيخ ضرير في إحدى القرى المجاورة لقريتنا و الذي شاع عنه براعته في استخراج الأعمال و إبطال السحر، حيث طلب منها صورة لي قام بوضعها على ركبته، بينما أمسكت بيديها " الحلة" مليئة بالماء بلا غطاء، ثم قام بأداء بعض الطقوس التي لا تختلف كثيرا عما قام به الحاج ( س )،و انتهت الطقوس عندما تغير لون الماء فجأة لى اللون الطيني، و برزت منه لفافة من القماش كان بداخلها هذه الورقة التي حملتها إلي. و بين مكذبة و مصدقة، انطلقت بسيارتي إلى شبرا، و طلبت من الحاج ( س ) أن يفسر لي ما حدث، و كان التفسير الذي أفقدني إيماني بالجن و العفاريت و الشياطين و الشيوخ و الدجالين و المشعوذين، و حتى كتابة هذه السطور.
قال إن هناك بعض الناس القادرين على تسخير الجن، و إن الجن قادر على جمع بعض المعلومات عن الأشخاص و عن مشكلاتهم، كما أنه قادر على إعداد بعض الأشياء المادية مثل الورقة المكتوبة أو القطع المعدنية أو الطين، حيث يقوم بإلقائها في الماء عند استحضاره، و أن هذه التمثيلية التي تتم بالاتفاق بين الجن و الشخص الذي يقوم بتسخيره، تجد نوعا من العلاج النفسي للأشخاص أصحاب الحاجات و المشكلات.
و عدت إلى البيت أحمل صداعي معي، و قد ملأني الإيمان بأن ما تم على يد الحاج ( س ) كان مجرد تمثيلية محبوكة الأطراف، أعدها و أخرجها الحاج بالتعاون مع أتباعه من الجن و العفاريت.
و مع أنني فقدت إيماني بهم جميعا، فلم أتب، و عدت أستنجد بهم و ما زلت، فربما أجد من بينهم جنيا أو عفريتا " ابن حلال " لا يكذب، و لا يحب التمثيل.
و عدت مرة أخرى أرتمي في أحضان الطب و الأطباء و " أبلبع" المهدئات و المسكنات لشهور طويلة.
حتى أخذتني إحدى صديقاتي إليه ... إلى الشيخ ( ك )
************
تتمة القصة مع الشيخ ( ك )، تجدها في الموضوع الجديد المنشور بتاريخ 19 مارس 2022 (ج20: رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة - هل حديث بن عباس في صحيح البخاري هو حديث نبوي - لماذا عليك أن تنتبه لحديث بن عباس في صحيح البخاري بأنه ليس حديث نبوي... )
رابط الموصوع : https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/20.html
الحديث رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول .. ورواه أبو نعيم في الحلية .. ورواه بن شاهين في الترغيب .. والجميع ينهي سنده إلى الهيثم ويزيد ..
ردحذف- يقول بن شاهين: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدُ بْنُ شَاهِينَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنِي عَمِّي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَّاكِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ صَوْتٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَبْدٍ لَهْفَانٍ - قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا اللَّهْفَانٌ؟ قَالَ: " عَبْدٌ أَصَابَ ذَنْبًا فَكُلَّمَا ذَكَرَهُ امْتَلَأَ قَلْبُهُ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَبَّاهُ) رواه بن شاهين في الترغيب ..
ولكن هذا الحديث ضعيف لوجود علتين فيه
- العلة الأولى: (الْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ) وهو ضعيف عن أهل الحديث والبعض قال متروك الحديث ..
- العلة الثانية: (يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ) وهو ضعيف عند أهل الحديث ..
فالحديث بذلك يكون ضعيف .. والله اعلم
************************************
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم