ج21: رسالة الغيب والعرافين والمنجمين - هل الشياطين تعرف لغة الملائكة - هل الشياطين من جنس الملائكة حتى يتكلموا بكلامهم ويفهموا لغاتهم - هل الشياطين الذين في السحاب غير الشياطين الذين في السماء - ما الدليل على أن السماء قبل زمن النبي كانت محفوظة في جانب دون جانب - هل يوجد أقوال للعلماء تحتاج إلى تصحيح في مفهوم حفظ السماء من الشيطان الرجيم - هل يوجد روايات غير صحيحة تظهر بأن السماء لم تكن يتم حراستها ولم تكن يتم رميها بالشهب قبل زمن النبي - لماذا ترك الله الجن يصعدون للسماء ويخطفون شيئا من الغيب وهو قادر على أن يمنعهم ويعزلهم عزلا تاما عن السماء أو يجعل الوحي بلغة غريبة لا يعلمها الجن - ما الذي يستفيده الشيطان من استراق المعلومة وهو يعلم أنه قد يموت حرقا بالشهب

   بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

"الغيب والعرافة والكهانة"

والفرق بين الكرامة والإهانة

 (الجزء الحادي والعشرون)

* فهرس:

:: الفصل الحادي والعشرون :: مسائل مختلفة على بعض الأحاديث التي تتكلم عن سماع الشياطين للغيبيات ::

1- س108: هل الشياطين تعرف لغة الملائكة ؟

أ- هل الشياطين من جنس الملائكة حتى يتكلموا بكلامهم ويفهموا لغاتهم ؟

ب- إذا لم يكن الشياطين أو الجن من جنس الملائكة .. فكيف عرفوا لغاتهم حتى أنهم كانوا يجلسون في السماء يحاولون أن يتسمعون لهم ؟!!

ج- ما الخطورة التي يجب أن نلتفت إليها ما وراء معرفة أن بعض الجن يعرف لغة الملائكة ؟

2- س109: هل الشياطين الذين في السحاب غير الشياطين الذين في السماء ؟

3- س110: ما الدليل على أن السماء قبل زمن النبي كانت محفوظة في جانب دون جانب ؟

4- س111: هل يوجد أقوال للعلماء تحتاج إلى تصحيح في مفهوم حفظ السماء من الشيطان الرجيم ؟

5- س112: هل يوجد روايات غير صحيحة تظهر بأن السماء لم تكن يتم حراستها ولم تكن يتم رميها بالشهب قبل زمن النبي ؟

6- س113: لماذا ترك الله الجن يصعدون للسماء ويخطفون شيئا من الغيب وهو قادر على أن يمنعهم ويعزلهم عزلا تاما عن السماء أو يجعل الوحي بلغة غريبة لا يعلمها الجن ؟

7- س114: ما الذي يستفيده الشيطان من استراق المعلومة وهو يعلم أنه قد يموت حرقا بالشهب ؟!

********************

:: الفصل الحادي والعشرون ::

:: مسائل مختلفة على بعض الأحاديث التي تتكلم عن سماع الشياطين للغيبيات ::

*******************

..:: س108: هل الشياطين تعرف لغة الملائكة ؟ ::..

 

- من خلال الروايات المختلفة للأحاديث التي مرت علينا .. فقد ظهر أن الشياطين يسترقون السمع ويخطفونه .. بل وكذلك ظهر هذا الموقف في الآيات المختلفة سواء في سورة الحجر أو الصافات أو الجن .. وكل ما سبق هو مفهوم ومعلوم ..

 

#- ولكن ما يلفت النظر لهذا الموضوع .. هو شيء لم أجد أحد انتبه إليه من العلماء في حدود مطالعتي لمن تكلم في هذه الأحاديث والآيات ..  

1- وهو أن هناك نوع من الجن كالشياطين يعرف لغة الملائكة .. وإلا فكيف يسترق ويخطف ما هو جاهل به ولا يفهمه بل وكيف حينئذ يلقيه للآخرين ؟!!

 

- فلو كانت الشياطين لا تعرف لغة الملائكة التي يتناقلون بها الأخبار بينهم .. فلماذا كانوا يجلسون في السماء يتسمعون الأخبار قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. إذا كانوا لا يفهمون ما تقوله الملائكة ؟!! ولماذا استمر الحال ولكن من باب الإستراق والخطف وليس من باب التسمع ويعرضون أنفسهم للموت .. إذا كانوا أيضا لا يفهمون ما تقوله الملائكة ؟!!

 

2- ومما سبق يجعل العقل يتسائل: هل الشياطين من جنس الملائكة حتى يتكلموا بكلامهم ويفهموا لغاتهم ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الجن ليس من جنس الملائكة .. حيث أن الجن مخلوق من نار والملائكة مخلوقة من نور .. والجن يعصون .. والملائكة لا يعصون .. ولذلك يقول تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) الكهف50.

 

- ولكن باعتبار رؤية بني آدم لهم (للجن والملائكة) .. فالجميع يسمى (جن) لأن معنى كلمة (جن) أي خفي ومستتر عن عيون الناس .. فلا يستطيعون رؤيته .. فبهذا الاعتبار يوصف الجميع بكونه جن .. أي مستتر وخفي ..

 

- وهناك آية مختلف على تفسيرها في مفهوم لفظ الجن .. وحيث يقول تعالى: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) الصافات158.

- وقال الإمام القرطبي: أكثر أهل التفسير أن الجنة هاهنا هي الملائكة (تفسير القرطبي ج15 ص134) .

 

- ويكون معنى الآية حينئذ هو: وجعل المشركون بين الله والملائكة قرابة ونسبًا، ولقد علمت الملائكة أن المشركين محضرون للعذاب يوم القيامة .. (نقلا من التفسير الميسر) .

 

3- وهنا يظهر سؤال ثالث أمام العقل مرتبط بما سبق وهو .. إذا لم يكن الشياطين أو الجن من جنس الملائكة .. فكيف عرفوا لغاتهم حتى أنهم كانوا يجلسون في السماء يحاولون أن يتسمعون لهم ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعل إبليس من كثرة وجوده معهم تعلم لغاتهم لأنه عاش بينهم عمرا طويلا بينهم قيل حوالي ألفي عام .. قبل أن يطرده الله من السماء .. فتعلم منهم لغاتهم .. وهو بدوره علمها لذريته .. وهكذا انتشرت معرفة لغة الملائكة بين الجن ..

- والله أعلم .

 

4- وقد يسأل العقل سؤال فيقول: ما الخطورة التي يجب أن نلتفت إليها ما وراء معرفة أن بعض الجن يعرف لغة الملائكة ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ما سبق يجعلنا ننتبه إلى خطورة ما يتم كتابته في الكتب الروحانية أو غيرها .. من ألفاظ غير مفهومة .. ويقولون عنها أنها لغة الملائكة .. لأنه كيف اليقين بأن هذه من كلام الملائكة في حين أن الشياطين تعرف تتكلم بلغتهم .. وبالتالي قد يكون حدث تلبيس وخلط على من يسمع هذه الألفاظ فيعتقد أنها من كلام الملائكة وهي من تلقين الشياطين له ؟!!

 

- فانتبه أخي الحبيب من الألفاظ الغريبة التي تجدها غير مفهومة .. والتي يزعم البعض أنها ألفاظ ملكوتية ملائكية .. لأنها قد تكون نتيجة إملاءات شيطانية في نفس من يسمعها وهو يظن أنها أسرار نورانية وما شابه ذلك ..!!

 

- والذي يجعلك تقلق ولا تطمئن .. هو لماذا الملائكة لا تكلمك بما أنت تفهمه وتكلمك بما لا تفهمه ؟!! فهل الملائكة حينما كلمت النبي قد كلمته بلغة غير العربية ؟!! بكل تأكيد ..لا .. إذن فلماذا البعض يحب أن يضع غوامض الألفاظ في الأحزاب الدعائية أو في العزائم الروحانية أو ما شابه ذلك .. أليس في اللغة العربية مدد .. ويوجد في اللغة الغير مفهومة مدد ..؟!!     

 

#- وخلاصة القول:

1- أن الأحاديث والآيات التي تكلمت .. عن خطف الشياطين لما تتناقله الملائكة من أخبار أهل الأرض في السماء .. قد فتح لنا بصيرة في معلومة جديدة وهو أن بعض الجن يعلم لغة الملائكة التي يتكلمون بها .. وإلا فكيف يخطف ما لا إدراك له ولا علم له به أبدا ..؟!!

 

2- لا تقرأ الألفاظ الغير مفهومة .. والتي يزعم البعض أنها ألفاظ عرفانية أو ملكوتية أو أسرار نورانية أو لغة ملائكية .. فلعلها من إملاءات شيطانية في نفس من كتبها وهو يظن أنها من عالم الخير ولكن حقيقتها قد تكون شر .. ولا عصمة لنا إلا فيما أبلغنا به النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. لأنه لا مجال للجن ولا للشياطين من الدخول في هذا التلقين للوحي الإلهي .. وما عدا ذلك فهو قابل للإنحراف لأنه غير معصوم ..

 

- فلا تفرح ولا تغتر بالألفاظ الغريبة التي يخدعك بها البعض ويقول لك أنها من الأسرار والأنوار .. لا .. هذا كلام غير صحيح .. وإلا فلماذا هؤلاء لا يرشدون إلى كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهل ليس في كلام الله ورسوله أنوار .. وفي هذا الكلام الغريب والغير مفهوم يوجد أنوار ؟!!

- فهل غابت العقول أم على القلوب أقفال ؟!!

 

   **************************

..:: س109: هل الشياطين الذين في السحاب غير الشياطين الذين في السماء ؟ ::..

 

- جاء في بعض الروايات عن السيدة عائشة قالت: (أنَّهَا سَمِعَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: إنَّ المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ) صحيح البخاري.

 

- فهنا قد يخطر ببالك سؤال عند هذه الرواية فتقول:

1- هل الشياطين الذين في السحاب بخلاف الشياطين الذين في السماء ؟

2- ولو كان هناك فرق بين السماء والسحاب .. فهنا يحدث إشكال حيث لم يظهر وجود شهب في هذه الرواية السابق ذكرها .. بخلاف روايات أخرى أثبتت وجود شهب لمن يسترق السمع ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- ليست المسألة كما تظن بانه يوجد شيطان في السماء وشياطين في السحاب .. لأن هذه الرواية التي تسأل عنها وهي رواية السيدة عائشة إنما هي .. رواية مجملة .. لرواية أخرى تفصيلية وهي رواية أبو هريرة ..

- ومعنى العنان هو الأفق ويشار به للسحاب وللسماء .. ولذلك يشار بالسماء إلى السحاب ويشار بالسحاب إلى السماء .. وبالتالي الإشارة بلفظ أحدهما قد يراد به الآخر ..

 

2- ولكن لماذا لم يظهر الشهاب في رواية السيدة عائشة ..؟!!

- لأن رواية السيدة عائشة هي رواية مجملة أو مختصرة .. ويوجد رواية أخرى تفصيلية لهذه الرواية المجملة قد ذكرها أبو هريرة ..

 

- فما هي الرواية التفصيلية ؟

- نجدها في حديث أي هريرة الذي جاء فيه : (إذا قَضَى اللَّهُ الأمْرَ في السَّماءِ، ضَرَبَتِ المَلائِكَةُ بأَجْنِحَتِها خُضْعانًا لِقَوْلِهِ، كَأنَّهُ سِلْسِلَةٌ علَى صَفْوانٍ، فإذا فُزِّعَ عن قُلُوبِهِمْ قالوا: ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا لِلَّذِي قالَ: الحَقَّ، وهو العَلِيُّ الكَبِيرُ، فَيَسْمَعُها مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، ومُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ - ووَصَفَ سُفْيانُ بكَفِّهِ فَحَرَفَها، وبَدَّدَ بيْنَ أصابِعِهِ - فَيَسْمَعُ الكَلِمَةَ فيُلْقِيها إلى مَن تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيها الآخَرُ إلى مَن تَحْتَهُ، حتَّى يُلْقِيَها علَى لِسانِ السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فَرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ قَبْلَ أنْ يُلْقِيَها، ورُبَّما ألْقاها قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ معها مِئَةَ كَذْبَةٍ، فيُقالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يَومَ كَذا وكَذا: كَذا وكَذا، فيُصَدَّقُ بتِلْكَ الكَلِمَةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ) صحيح البخاري.

 

- فالرواية الإجمالية للحدث هي رواية السيدة عائشة السابق ذكرها .. وهي رواية مختصرة لرواية أبو هريرة .. ولم تذكر الشهاب في روايتها .. حيث أن المقصد منها ليس التفصيل وإنما المقصد منها هو التفهيم بأن المعلومة الغيبية قد يتم خطفها وقد تصل للكاهن .. وهذه المعلومة حينما تصل للكاهن فإنما تصل من خلال شيطان لم يصيبه الشهاب وهم من يكونون في الأماكن القريبة من الأرض .. وهم الذين يتم إلقاء المعلومة إليهم من الشيطان الأول وهذا هو الذي يصاب بالشهاب ..

 

- ففي رواية أبي هريرة السابقة .. نجد أنه يوجد مجموعة من الشياطين أسفل بعضهم في توصيل المعلومات لبعضهم البعض .. وفيها رمي بالشهب .. وقد يدر الشهاب الشيطان قب أن يلقي المعلومة وقد يدركه بعد إلقائها .. ولكن حديث السيدة عائشة يتكلم باعتبار كيفية تبليغ المعلومة للكاهن بصورة مجملة وليس بصورة تفصيلية ..

 

- أي أن حديث أبو هريرة .. يتكلم عن الموضوع بصورة تفصيلية .. ويشرح كيف يتم تنفيذ هذا الأمر ويشرح أن الشيطان الأول المسترق للسمع هو الذي يقذف بالشهاب ..

 

- ولكن حديث السيدة عائشة .. يتكلم عن الموضوع بصورة مجملة لكيفية توصيل المعلومة للكاهن دون تفصيل لمعرفة كيفية حدوث ذلك ..

- والله أعلم ..

 

*************************

..:: س110: ما الدليل على أن السماء قبل زمن النبي كانت محفوظة في جانب دون جانب ؟ ::..

 

- في أثناء كتابتي في الفصول السابقة .. قد كررت في كتاباتي أن السماء كانت محفوظة في جانب دون جانب قبل البعثة النبوية .. فما دليل ذلك ؟

 

- بالرغم من كوني ذكرت إجابة ذلك كثيرا خاصة أثناء الكلام على حديث الإمام مسلم .. والذي جاء فيه برمي الشهب في الجاهلية قبل البعثة النبوية (يمكنك مراجعة أسئلة الفصل الخامس عشر) .. ولكن سأجيبك هنا إجابة منفردة وموجزة .. فانتبه للآتي:

 

1- قال تعالى في سورة الجن مخبرا عما قاله الجن: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن9 .

 

2- وقد ثبت في إحدى روايات الحديث وهي رواية الإمام مسلم .. أن الشهب كان يتم رميها على الشياطين الذين يتسمعون للسماء في زمن الجاهلية أيضا قبل البعثة النبوية ..

 

- مما سبق نفهم منه أنه في زمن قبل البعثة النبوية .. كان يوجد تسمع من الجن للسماء وبدون مضايقة في جانب معين (وهذا واضح من خلال الآية) .. إلا أنه قد يصابوا بالشهب (وهذا واضح من خلال رواية الحديث) .. وبالتالي هذا المكان الذي يتسمعوا منه بدون مضايقة هو الجانب الذي لم يكن يتم رميه بالشهب ولم يكن ممنوعين عنه في زمن قبل البعثة النبوية .. بخلاف جانب آخر أو جوانب أخرى كانوا ممنوعين عن التسمع منها وهي التي كان يتم رميهم بالشهب منها لو تجرأ أحد وحاول سرقة معلومة من هذا الجانب الممنوع في زمن قبل النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

- ثم أتت آيات سورة الصافات .. فقال تعالى: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) الصافات8 .. فسورة الصافات هنا أظهرت أن منع الجن من التسمع للسماء (كما ثبت ذلك سورة الجن) .. قد ترتب على هذا المنع أنه أصبح شيء عام في كل السماء من كل جانب حتى لم يعد هناك مقاعد للسمع كما كان قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم .. وذلك تأييدا للنبوة ومعجزة للنبي وتحديا للروحانيين من جماعة الكهنة والعرافين والمنجمين ..

- والله أعلم .

 

********************

..:: س111: هل يوجد أقوال للعلماء تحتاج إلى تصحيح في مفهوم حفظ السماء من الشيطان الرجيم ؟ ::..

 

- يقول تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) الحجر16-18..

- قال بعض المفسرون .. أن هذا الحفظ في حال المنع من استراق أخبار وحي الأنبياء في كل زمان ومكان .. فإن من يحاول ذلك .. فمصيره الهلاك بالشهب ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذا كلام غير صحيح .. ليه؟

- لأنه لو كان المقصد به حفظ وحي الأنبياء فهذا معناه أنه ممكن أن يخطفوا منه شيئا .. وهذا محال .. لأن الشياطين معزولون عن غيب الوحي الإلهي للأنبياء والرسل كما قال تعالى عن وحي القرآن (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 212 .. وكما قال في وحي الأنبياء والرسل عموما (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) الجن26-27.

 

- فكيف حينئذ يقال بعدما سبق بيانه .. أن هذ الحفظ هو حفظ من استراق أو خطف أي شيء مما يتعلق بوحي الأنبياء والرسل ؟!!

 

- ولعل أصحاب هذا الرأي التفسيري .. ذهبوا إلى ذلك نتيجة الرواية المجهولة التي يتم تداولها في بعض كتب التفسير .. وهي المروية عن بن عباس حيث قال: (إن أهل الجاهلية من الكهنة قالوا: لا يكون كاهن إلا ومعه تابع من الجن، فينطلق الشياطين الذين كانوا مع الكهنة، فيقعدون من السماء مقاعد السمع، ويستمعون إلى ما هو كائن في الأرض من الملائكة، فينزلون به على كهنتهم فيقولون: إنه قد كان كذا وكذا من الأمر، فتفشيه كهنتهم إلى الناس، فيتكلمون به قبل أن ينزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِذا تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم قالوا: قد علمنا قبله وكانت الشياطين لا تحجب عن الاستماع في السموات حتى بعث عيسى ابن مريم، فمنعوا من ثلاث سماوات، وكانوا يصعدون في أربع سماوات، فلما بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، منعوا من السموات السبع، وكان الشيطان المارد منهم يصعد، ويكون آخر أسفل منه، فإذا استمع قال للذي أسفل منه: قد كان من الأمر كذا وكذا، فيهرب الأسفل، ويرمي الذي استمع بالشهاب، ويأتي الأسفل بالأمر الذي سمع إلى كهنتهم، فذلك قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) رواه أبو الليث السمرقندي في تفسيره والرازي والقرطبي والواحدي والخازن وغيرهم بدون سند ..!!

 

- وقد سبق بيان .. عدم صحة هذه الرواية فارجع إلى السؤال رقم (78) تحت عنوان: (هل كان الشياطين قبل بعثة النبي يستمعون للغيبيات من الملكوت الأعلى في السماء التي يسكنها الملائكة ؟).

 

************************

 

..:: س112: هل يوجد روايات غير صحيحة تظهر بأن السماء لم تكن يتم حراستها ولم تكن يتم رميها بالشهب قبل زمن النبي ؟ ::..

 

#- اعلم أخي الحبيب .. هناك روايات يتم روايتها للدلالة على تسمع الجن والشياطين لخبر السماء في الفترة بين عيسى عليه السلام إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. ولم احتج بها في أثناء بحثي .. لأنها روايات غير صحيحة أو مجهولة السند .. وإليك ما أقصده ..

 

1- عن بن عباس قال: (لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ؛ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِسَتِ السَّمَاءُ حَرَسًا شَدِيدًا، وَرُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: {لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} ...) رواه الطبري في تفسيره .. بسند كله ضعفاء من طريق محمد بن سعد العوفي ..

 

2- وكذلك لم استند إلى رواية قول الإمام السدي التابعي: (إن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين ظاهر وكانت الشياطين قد اتخذت مقاعد يسمعون فيها ما يحدث فلما بعث محمد رجموا) رواه بن كثير في تفسيره بدون سند .. ولم أقف على سند هذه الرواية ..

 

3- وكذلك رواية بن عباس التي قال فيها: (إن أهل الجاهلية من الكهنة قالوا: لا يكون كاهن إلا ومعه تابع من الجن، فينطلق الشياطين الذين كانوا مع الكهنة، فيقعدون من السماء مقاعد السمع، ويستمعون إلى ما هو كائن في الأرض من الملائكة، فينزلون به على كهنتهم فيقولون: إنه قد كان كذا وكذا من الأمر، فتفشيه كهنتهم إلى الناس، فيتكلمون به قبل أن ينزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِذا تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم قالوا: قد علمنا قبله وكانت الشياطين لا تحجب عن الاستماع في السموات حتى بعث عيسى ابن مريم، فمنعوا من ثلاث سماوات، وكانوا يصعدون في أربع سماوات، فلما بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، منعوا من السموات السبع، وكان الشيطان المارد منهم يصعد، ويكون آخر أسفل منه، فإذا استمع قال للذي أسفل منه: قد كان من الأمر كذا وكذا، فيهرب الأسفل، ويرمي الذي استمع بالشهاب، ويأتي الأسفل بالأمر الذي سمع إلى كهنتهم، فذلك قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) رواه أبو الليث السمرقندي في تفسيره والرازي والقرطبي والواحدي والخازن وغيرهم بدون سند ..!!

- وقد سبق الكلام على هذه الرواية تحديدا وإظهار بطلانها .. راجع السؤال رقم (78) ..

 

4- والقول التفسيري الذي يقول بأن السماء لم تكن يتم حراستها في الفترة ما بين سيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهما السلام .. هو قول خطأ .. ليه ؟

- لأن السماء كانت محروسة فعلا .. ولكنها ازدادت حراسة وشهب بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .. ودليل ذلك ما جاء في سورة الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) الجن8.

- فلم يقل تعالى (حُرست) وإنما قال تعالى (مُلِئَتْ حَرَسًا) أي امتلأت بمزيد من الحراسة والشهب .. وهذا فيه دلالة على وجود الحراسة والشهب قبل البعثة النبوية .. وإنما زادت الحراسة والشهب بعد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. ويقال على الشهب التي كان يتم رميها قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كانت تحدث في جانب دون جانب آخر .. أي في الجانب الغير مسموح لهم بالتسمع عليه .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول:

1- يكفينا ما جاء في قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) الجن8-9 ..

- فهذه الآيات توضح بأنه كان يوجد حراسة وشهب ولكن أقل مما حدث بعد ظهور النبي .. وانه كان لهم تسمع للغيبيات قبل زمن النبي .. ولم يكن لهم شهابا رصدا يتبعهم من مكان هذا التسمع الذي يستمعون منه ..

- إلا لو تجرأ أحد في التسمع من الجانب الممنوع عليهم التسمع منه (حيث لم تكن السماء محفوظة من كل جانب حينئذ) .. فهذا قد كان يصيبه شيئا من هذه الشهاب .. كما ذكرت الأحاديث ذلك كما في رواية الإمام مسلم بانه كان يتم رمي الشهب أيضا في الجاهلية أي قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

2- والأحاديث الصحيحة أيضا تثبت أنه كان يوجد سماع للأخبار الغيبة والتسمع من السماء قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. تظهر وجود رجم بالشهب وإن كان قليل فعل ذلك .. لأنه كما قلنا لم يكن يحدث في كل جوانب السماء وإنما في الجانب الممنوعين من التسمع فيه .. دون الجانب المسموح له بالقعود فيه للتسمع منه .. والله أعلم .

 

#- فلا حاجة لنا لروايات ضعيفة أو مجهولة السند ليتم الاستدلال بها .. خاصة وأنه يتم تداول هذه الروايات في كتب التفسير وكأنها شيء صحيح .. وعلى المسلم أن ينتبه لذلك ..!!

- والله أعلم .

 

************************

..:: س113: لماذا ترك الله الجن يصعدون للسماء ويخطفون شيئا من الغيب وهو قادر على أن يمنعهم ويعزلهم عزلا تاما عن السماء أو يجعل الوحي بلغة غريبة لا يعلمها الجن ؟ ::..

 

- وجدت لبعض الناس يتسائل مستغربا ويقول: لماذا لم يمنع الله الشياطين عن السماء تماما ويعزلهم عزلا تاما وهو قادر على منعهم .. أو يجعل لغة الملائكة لا يعرفها الشياطين .. لينهي مسألة معرفة الغيب ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- ومن قال لك أخي السائل أن الله أراد أن يعزل الشياطين عزلا تاما عن أخبار السماء ؟!! ولماذا يعزلهم الله إذا كانت إرادة الله أن يسمح للبعض منهم أن يخطف الخطفة ويلقيها لتصل لأهل الأرض فتنة لهم ؟!!

- فمن ناحية هو فتنة للشياطين الذين سيعصون الله ويحاولون خطف المعلومة .. ومن ناحية أخرى هو فتنة لأهل الأرض من خلال الكاهن الذي يسمع لهذه المعلومة من إلقاء الشياطين عليه ..

 

2- وبالتالي نستغرب من سؤال السائل .. لأن الله لما تحدث عن عزل الشياطين فقد تكلم في ذلك بوضوح أنه عزلهم عن سماع الوحي الإلهي الخاص بالأنبياء والرسل عزلا تاما وكليا ولا إدراك لهم بطرق تلقينه ولذلك قال تعالى: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) الشعراء 212 .. فهذا فعلا عزلا تاما وكليا ..

 

- ولكن الله لما تحدث عن استراق وخطف معلومة .. فهذا يتعلق بما هو يحدث من أخبار لأهل الأرض .. وهذا هو ما جعل فيه فتنة للشياطين ولأهل الأرض .. وما قد يسمح به وفق مشيئته وما لا يسمح به .. لأن الفعل الإلهي حكمته ومشيئته وتدبيره قائم في هذه المسألة على وجود فتنة .. ولم يتكلم الله عن عزل الشياطين نهائيا عن استراق وخطف المعلومة من السماء .

 

- ولذلك سؤال السائل .. لا اعتبار لوجوده .. لأنه لا اعتبار لوجود ما سأل عنه أصلا .. !! لأن الله لم يريد أن يعزل الشياطين عن خبر السماء فيما يتعلق بأخبار أهل الأرض عزلا تاما وكليا .. حتى يأتي السائل فيسأل لماذا لم يتبع الله طرق في العزل أكثر منعا وعزلا ..!!

- والجواب ببساطة .. لأن الله لم يرد ذلك العزل التام والكلي فيما يتعلق بأخبار أهل الأرض .. حتى تظل الفتنة موجودة في هذه المسألة الغيبية ..!!

 

#- ملحوظة : يوجد سؤال مشابه لهذا السؤال برقم (66) .. ولكن إجابته مختلفة تماما عما هنا في إجابة هذا السؤال .. ولكل إجابة لها ما يميزها وما تحمله من معاني ..

 

************************

..:: س114: ما الذي يستفيده الشيطان من استراق المعلومة وهو يعلم أنه قد يموت حرقا بالشهب ؟! ::.. 

 

- من الأسئلة التي قد تخطر ببالك أيضا .. هو ما الذي يجعل الجن يصعد للسماء ليسترق ويخطف معلومة وهو يعلم أنه قد يموت حرقا ..؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الموضوع):

- الشيطان يستفيد أنه لو سرق معلومة فقد تكون هذه المعلومة .. سبب فتنة لأهل الأرض وتضليلهم .. وبالتالي هذا يزيد من اتباع الكهنة وتصدقيهم .. حتى تظل الفتنة سارية في كل زمن بأن هؤلاء الكهنة يعلمون الغيب والمستقبل .. ويتبعهم كل من لديه فضول بالبحث عن الغيب حتى ولو كان في ذلك عصيانا لله ..

 

- فأحد الشياطين قد يضحي بنفسه .. إلا أن ذلك يكون في سبيل تضليل وغواية آخرين .. أي يضحي بنفسه من أجل عقيدة الغواية التي يريدها بشدة أن تحدث لبني آدم ..

- والله أعلم .

 

#- ملحوظة : يوجد سؤال مشابه لهذا السؤال برقم (67) .. ولكن إجابته مختلفة تماما عما هنا في إجابة هذا السؤال .. ولكل إجابة لها ما يميزها وما تحمله من معاني ..

 

#- وبهذا السؤال يكون ختام الأسئلة المتعلقة بما سبق بيانه في هذه الرسالة من الكلام على الغيب (آيات وأحاديث) .. ولكن لم تنتهي الأسئلة التي تتعلق بالكهانة والعرافة وما يتعلق بهما من أحكام .. وهذا ما سنناقشه في الجزء الثاني من الرسالة إن شاء الله تعالى ..

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .