بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
"الغيب والعرافة والكهانة"
(الجزء الثاني من الرسالة)
(الفصل الثاني والعشرون)
* فهرس::: الفصل الثاني والعشرون :: عن التعريف بالكهانة والعرافة:1- س115: هل جاء لفظ الكهانة والكاهن في نصوص الشريعة الإسلامية ؟
2- س116: هل جاء لفظ العِرافة والعرَّاف في الشريعة الإسلامية ؟
3- س117: ما هو الفرق بين
الكاهن والعرَّاف عند أهل العلم الشرعي ؟4- س118: ما هو تعريف الكاهن والعراف من وجهة نظر (الأستاذ خالد) صاحب الرسالة ؟5- س119: هل الكاهن وصف فقط لكل من له علاقة بالجن
والشياطين ويتنبأ بالمستقبل ؟6- س120: من هو الشخص الذي نصفه بوصف العراف والكاهن ؟7- س121: لماذا يستخدم العراف أدوات ووسائل للعرافة ولا يستخدم
الكاهن هذه الوسائل ؟***********************:: الفصل الثاني والعشرون :::: عن التعريف بالعِرافة والعراف - والكَهانة
والكاهن ::*************************..:: س115: هل جاء لفظ الكهانة والكاهن في نصوص
الشريعة الإسلامية ؟ ::..
- من الأمور التي تكلمت عنها الشريعة
الإسلامية وحذرت من عواقبها بل واعتبرت أن التصديق فيها هو نوع من الكفر .. هي مسألة الكهانة التي يتم فيها الإستعانة
بالجن أو الشياطين في التنبؤ أو معرفة غيب المستقبل .. وأحيانا في معرفة ما حدث من
أخبار مجهولة .. - والكهانة .. يقصد بها من لدية تواصل مع العالم الغيبي
الروحاني من الجن والشياطين لمعرفة الأخبار الغيبية عما سيحدث .. - وإذا كان أصل
الكهانة هي التنبوء بالمستقبل .. فكان الكاهن يتم سؤاله عن أمور حدثت مجهول معرفتها
ليخبر عنها من خلال شياطينه. #- ودليل وجود الكهانة في النصوص الشريعة:1- يقول تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ) الحاقة 40-42 ..- أي أن
القرآن ليس بقول من كلام الكهان الذي يتم تلقينه غيبا من الشياطين في أذن الكهان ..
ولذلك قال تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ
(210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ
لَمَعْزُولُونَ) الشعراء210-212.- حيث كانت العرب تظن بالكذب أن النبي صلى الله عليه
وسلم له تابعا من الجن الشيطاني يلقي إليه هذا الكلام كما هو حال الكهان .. فانزل
الله الرد السابق عليهم . 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا
يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) رواه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .. ووافقه الذهبي..،
وقال الأرنؤوط في تخريج سنن بن ماجه بعد أن ذكر حديث الحاكم فقال: وإسناده صحيح،
وصححه الحافظ العراقي في "أماليه"، وقال الذهبي في "مختصر سنن
البيهقي" إسناده قوي. نقله عنهما المناوي في "الفيض" ..، وذكره
الألباني في صحيح الجامع. 3- عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (قُلتُ: يا رَسولَ
اللهِ، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُها في الجاهِلِيَّةِ، كُنَّا نَأْتي الكُهّانَ،
قالَ: فلا تَأْتُوا الكُهّانَ قالَ قُلتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ قالَ: ذاكَ شيءٌ
يَجِدُهُ أحَدُكُمْ في نَفْسِهِ، فلا يَصُدَّنَّكُمْ) صحيح مسلم. 4- ويشرح
النبي صلى الله عليه وسلم طريقة الكهانة كيف تتم .. كما جاء في الحديث : (سَأَلَ أُنَاسٌ
النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الكُهَّانِ، فَقالَ: إنَّهُمْ لَيْسُوا
بشيءٍ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بالشَّيْءِ يَكونُ
حَقًّا، قالَ: فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تِلكَ الكَلِمَةُ مِنَ
الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ، فيُقَرْقِرُهَا في أُذُنِ ولِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ
الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فيه أكْثَرَ مِن مِئَةِ كَذْبَةٍ) صحيح
البخاري. 5- وفي حديث آخر للسيدة عائشة قالت: (أنَّهَا سَمِعَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ، يقولُ: إنَّ المَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في العَنَانِ: وهو السَّحَابُ،
فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ
فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إلى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ معهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ
مِن عِندِ أنْفُسِهِمْ)
صحيح البخاري.************************ ..:: س116: هل جاء لفظ العِرافة والعرَّاف
في الشريعة الإسلامية ؟ ::..
- من الأمور التي أشار إليها الدين الإسلامي بالنهي عنها .. هو اتباع العرافين والاعتقاد
فيهم .. وتعتبر الشريعة الإسلامية أن العرافة هي معصية كبرى ولها أثر كبير في
إفساد علاقتك بالله وإحباط الكثير من أعمالك .. إن لم تدرك نفسك وتتوب وترجع إلى
الله .. ولكن من يتوب .. فإن الله غفور رحيم . #- ودليل أن العرافة هي معصية كبرى:- هو ما قاله النبي صلى
الله عليه وسلم: (مَن أتَى عَرَّافًا
فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) صحيح
مسلم .. -
وقد يقصد بها العرافة التي تتكلم عن مستقبل الزمان ولكن بأدوات يستخدمها العراف في
الوصول لذلك كضرب الودع وقراءة الفنجان والكف والتاروت والتنجيم وما شابه ذلك
..- فيتشابه بذلك العراف مع الكاهن في
التنبوء بالمستقبل ولكن يختلفا في وسيلة تحقيق الوصول للمعلومة.- ولا
يمتنع كذلك أن يخبر العراف عن أمور ماضية من
خلال أدواته هذه لمعرفة ما هو خفي عن الناس كمعرفة السارق .. - وفي العموم فإن العِرافة المقصودة هنا
في هذه الأحاديث .. هي العِرافة المذمومة شرعا .. وهي التي تتكلم عن
الغيبيات التي لا إدراك للحواس الظاهرة بها سواء بنفسها (بالعين والأذن) أو بواسطة
يتم إدراكها بالعقل والدراسة .. وأقصد بكلمة واسطة أي مثل الآلات والأدوات العلمية
التي باستخدامها يتم مثلا معرفة أخبار الطقس نتيجة الظواهر الطبيعية المرئية بهذه
الآلات . #- ملحوظة مهمة حتى لا يختلط عليك الأمر:- جاء لفظ (العِرافة)
في بعض طرق الحديث النبوي .. ولكنها عرافة غير مذمومة .. ولها مفهوم آخر تماما ..
ويقصد منها إدارة شئون الجماعة في مكان ما .. واسم الفاعل منها (عَريف) .. كالمدير .. وهو القائم على إدارة شئون جماعة في مجال أو إدارة أو
تخصص معين .. أو في إدارة عموم المجالات فيكون كالرئيس عليهم .. كحال المدير لفرع
معين في إدارة شركة .. أو المدير العام لفروع كل الشركة .. - فقد جاء في رواية الحديث الضعيف: (إِنَّ العِرافَةَ حَقٌّ وَلا بُدَّ لِلنّاسِ مِنَ العُرَفاءِ
، ولكن العُرَفاءَ في النّارِ) ضعيف أبي
داود .. - قوله (العِرافَةَ حَقٌّ) : أي مصلحة تدعو إليها الضرورة حيث أن إدارة شئون العبادة ومراعاتها
والقيام عليها وخدمتها هي أمر واجب ولازم .. ويجب أن يكون هناك من يدير شئونهم .. - قوله (العُرَفاءَ في النّارِ): أي أن العرفاء يُخشى عليهم
الدخول في نار الآخرة .. لأن كثير ممن يطلب العِرافة لا يقوم بالوفاء بحقها
وشروطها ويستخدمها لخدمة مصالحة ويتجاهل مصالح من جعلوه عريفا عليهم .. والله أعلم
. ************************** ..:: س117: ما هو الفرق بين الكاهن
والعرَّاف عند أهل العلم الشرعي ؟ ::..
#-
هناك اختلاف عند العلماء في هذه المصطلحات .. وإليك بيان ذلك :#- أولا: بعض
من العلماء على أن (العرافة والكهانة) كلاهما بمعنى واحد .. ويقصد به التعرف على الغيب بطريق غير مباح شرعا .. ولذلك
البعض فسر كلام النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (مَنْ أَتَى
عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الحاكم .. -
ومن العلماء كالإمام بن تيميه من جعل الكهانة والتنجيم فرع من
العرافة ... حيث قال رحمه الله: "والعراف قد قيل إنه اسم عام للكاهن والمنجم والرمال
ونحوهم ممن يتكلم في تقدم المعرفة بهذه الطرق." (الفتاوى ج1 ص63). #-
قلت (خالد صاحب الرسالة):- والذي أظنه في قوله (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ
كَاهِنًا): أن كلمة (أو) ليست
للتفرقة بين وصفين وإنما للتنويع اللفظي مع الإتفاق في المعنى .. وذلك لزيادة
الفهم لمن اختلط عليه فهم أحد اللفظين .. مثلما تقول من "الذي يأكل دجاجة أو
فرخة كاملة يصاب بتخمة" أو تقول (من يلبس جزمة أو حذاء ضيق فهذا يؤذي
قدمه" .. أي أن التنويع في توضيح معنى اللفظ لمزيد بيان للمارد معرفته بعدة
معاني .. حيث قد يفهم أحد الحاضرين لفظا ولا يفهمه الآخر .. - ولذلك قوله (عَرَّافًا
أَوْ كَاهِنًا) يكون قالها النبي لمن يغلب على ذهنه لفظ العراف ولمن يغلب
على ذهنه لفظ الكاهن .. فيكون المقصد من كلامه صلى الله عليه وسلم .. أن من يفهمه
بها اللفظ أو بهذا اللفظ .. فالإتيان لمن وصفه هكذا هو حرام .. والله أعلم . #- ثانيا: وقد يكون لفظ (أو)
للتنويع اللفظي مع اختلاف المعنى .. كالذي يقول " الجلوس في حديقة أو أمام
البحر يريح الأعصاب " .. فهذا تنويع في اللفظ والمعنى .. - وعلى هذا التوصيف الثاني لمعنى (أو) أي
أن لفظ العراف يختلف عن الكاهن في اللفظ والمعنى .. فقد اختلف أصحاب هذا الرأي في
توصيف المعنى للكاهن والعراف .. - وينحصر كلام العلماء الذين قالوا بوجود اختلاف في اللفظين (العراف
والكاهن) .. على رأيين وحينما تتبعت هذه الآراء فوجدتها مأخوذ من مصدرين وغالب
العلماء يأخذ منهما .. أحدهما رأي الإمام الخطابي .. والآخر رأي الإمام الأصبهاني
.. وكلاهما رأيين مناقض للآخر ..!! وإليك بيان ذلك .. #- الرأي الأول:- قال الإمام الخطابي رحمه الله (المتوفى: 388هـ)
.. قال في معالم السنن ج3 ص104: - والفرق بين الكاهن والعراف .. أن الكاهن إنما
يتعاطى الخبر عن الكوائن في مستقبل
الزمان ويدعي معرفة الأسرار، والعراف هو الذي يتعاطى معرفة الشيء المسروق
ومكان الضالة ونحوهما من الأمور. - وقال رحمه الله في نفس الكتاب في ج4 ص228:-
الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن .. وكان
في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور ..-
فمنهم من كان يزعم أن له رؤيا من الجن وتابعة تلقي إليه الأخبار ..-
ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه ..-
وكان منهم من يسمى عرافاً وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها
على مواقعها، كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة وتتهم المرأة بالزنية فيعرف من
صاحبها ونحو ذلك من الأمور.-
ومنهم من كان يسمي المنجم كاهناً فالحديث يشتمل على النهي عن
إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور.-
ومنهم من كان يدعو الطبيب كاهناً وربما دعوه أيضاً عرافا .. فهذا غير داخل في
النهي وإنما هو مغالطة في الأسماء وقد أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم الّطب
وأباح العلاج والتداوي. (انتهى
كلامه باختصار فيه). #- قلت (خالد
صاحب الرسالة) تعقيبا بالتوضيح على ما سبق من كلام الإمام الخطابي:1- ما ذكره الإمام الخطابي
عن توصيف العراف في الجزء الذي قال فيه (هو الذي يتعاطى معرفة الشيء
المسروق ومكان الضالة) أو الجزء الذي قال فيه: (وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على
مواقعها، كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة .. وتتهم المرأة بالزنية فيعرف من صاحبها
ونحو ذلك من الأمور) .. - يقصد الإمام الخطابي بما سبق .. هو ما يحدث من البعض الذين يذهبون إلى العرافين ليعرفوا من الذي سرق
المال ؟ ويعرفوا هل فلان قد زني أم لا ؟!! وهكذا يريدون معرفة ما خفي عنهم عن طريق
هؤلاء العرافين المستمتعين بالجن والشياطين في معرفة الأخبار ..!! 2- ويقصد الإمام الخطابي بقوله (بمقدمات يستدل بها على مواقعها) أي بأدوات يقوم باستخدامها فيعرف من
خلالها المقصود معرفته .. وهذه الأدوات كالتاروت والودع والرمل والفنجان وما شابه
ذلك .. والله أعلم .- لأنه لا
يمكن أن يكون المقصد بقوله (مقدمات) هو
الاستفسار عن الأمور فيفهم منها ما قد يكون حدث .. لأن هذا حينئذ ليس بعرافه وإنما
هذا استنتاج مبني على معلومات قيلت له ..!! 3-
الملاحظ في كلام الإمام الخطابي أنه جعل العرافة والتنجيم نوع من الكهانة ..
أي جعل الكهانة أصل والعرافة والتنجيم فرع منها .. !!- وكلام الإمام الخطابي هو
المنتشر في كتب أهل العلم .. #- الرأي الثاني
في التفرقه بين توصيف العراف والكاهن:-
الإمام الراغب الأصبهاني رحمه الله (المتوفى: 502هـ) .. قال في مفردات القرآن ص561:-
والعَرَّافُ كالكاهن .. إلّا أنّ العَرَّافَ يختصّ بمن يخبر بالأحوال
المستقبلة، والكاهن بمن يخبر بالأحوال الماضية. #- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على رأي الإمامين الخطابي والأصبهاني:1- ما ذكره
الإمامين الخطابي والأصبهاني هما الآراء
التي تجدها منتشرة في كتب أهل العلم .. وستلاحظ أن هناك فارق اختلاف في التعريف
..!! -
فالإمام الخطابي رحمه الله
يصف العراف بالذي يعرف أمور ماضية .. والإمام الأصفهاني يصف العراف بأنه الذي يعرف
أمور مستقبلية ..!! حتى في الكهانة فالتوصيف مختلف عند كلاهما ..!! 2- ونفهم مما
سبق .. أنه لا يوجد توصيف
دقيق عند أهل العلم يصف العراف والكاهن على وجه الدقة .. - وبالتالي قد تسأل نفسك فتقول: كيف يصح
توصف شخص بأنه عراف أو كاهن وننسب إليه حكما في حين لا يوجد توصيف دقيق له ؟!! -
وللجواب على سؤالك .. هو إن
كان هناك اختلاف في التوصيف لأصحاب هذا الرأي الخاص باختلاف التوصيف للكاهن
والعراف .. إلا أن كل أهل العلم اتفقوا على أن العراف والكاهن .. كلاهما وصفين لمن
يزعم المعرفة الغيبية بطرق غير مشروعة .. سواء ماضية أو مستقبلية .. ولذلك توصيف
التعريف حينئذ بفترة معينة لا يهم كثيرا طالما لهما نفس الغاية .. وهو التجسس على
الغيب بوسيلة غير مشروعة .. وقد جمع التوصيف للكاهن والعراف الغيب الماضي
والمستقبل .. فلا يوجد إشكال أصلا ..- والله
أعلم . **************************..:: س118: ما هو تعريف الكاهن والعراف من وجهة نظر (الأستاذ خالد) صاحب الرسالة ؟ ::..
-
الذي أحسبه وأظنه أن الكهانة والعرافة يتفقا من حيث الغرض والغاية وإنما يختلفا من
حيث الوسيلة .. فمن من حيث
الغاية فكلاهما يشتركان في تحصيل المعرفة الغيبية بطريق غير مشروع أي بطريق محرم
.. سواء كانت معرفة غيبية ماضية أو مستقبليه .. #- أولا: الكهانة .. من وجهة
نظري هي التنبؤ أو معرفة خبر غيبي بواسطة تلقين من الشياطين وغالبا يكون هذا الخبر
هو خبر مستقبلي .. وهذا هو الذي يذهب إليه العقل بسبب الآيات القرآنية .. التي
أشارت إلى أن الوحي ليس بقول كاهن ولا تلقين من الشياطين للكهان .. ودليل ذلك قوله
تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ
بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا
تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحاقة 40-43.- ويقول تعالى: (
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ
أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء221-223.. - والأفاك
الأثيم هنا يقصد به جماعة الروحانيين من الكهنة الذين يسمعون لكلام الشياطين ..
بدلالة ما قيل في سورة الحاقة .. - فالكاهن: هو الشخص
الروحاني الذي يتكلم في الغيبيات بواسطة تلقين من الشياطين .. ويغلب عليه التعرف
على ما هو مستقبل الأخبار التي تتعلق غالبا بالأخبار العامة لأهل الأرض كحدوث حروب
أو موت ملك أو ما شابه ذلك ..- وقد يذهب إليه الناس لمعرفة ما قد حدث .. كما ذهب بعض العرب عند بعثة النبي لبعض كهنة العرب في الجاهلية حينما رأوا
بعض الشهب تحدث في السماء فذهبوا إليه ليعلموا ما سبب ذلك .. وأخبرهم أنه لشيء حدث
في الأرض سبب حدوث ذلك .. وكان سبب ذلك كما علموا بعد ذلك أنه بسبب بداية نزول
الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم .. #- العرافة والعراف:1- (العِرافة):
هي المهنة التي يمتهنها بعض الناس في التعرف على الأمور الغيبية .. من خلال أدوات لا يتم إدراكها بالعقل والدراسة .. ويستخدمها
ليصل من خلالها إلى معرفة غيبية مخفية .. سواء ماضية أو مستقبلية .. 2- والعرَّاف .. هو الذي لديه إرادة وعزيمة ورغبة في التجسس
على الغيبيات مرارا وتكرارا .. فاتخذ منها مهنة أو هواية حتى أصبح مشهورا عنه ذلك .. فيزعم أن لديه موهبة المعرفة بأمور ماضية أو
حاضرة أو مستقبلية .. قد عرفها بطرق غيبية مجهولة وغير معلومة للحواس الظاهرة .. ويستخدم وسائط في ذلك مثل التلقين المباشر من الجن أو من خلال أدوات يعينه
الشيطان على فهم رموزها مثل الكوتشينة والفنجان والزهر والنجوم وقراءة الفنجان وأوراق
التاروت وما شابه ذلك .. #-
ومما سبق ندرك أن توصيف لفظ العرافة وتوصف الشخص الذي يعمل بها .. يرشدك ذلك إلى أن هذه أصبحت مهنة أو هواية مصحوبة بشهرة عن هذا العراف بأنه
يعرف الغيبيات .. وإلا ما كان ذهب إليه الناس خصيصا ليعرف لهم .. -
وبالتالي فهؤلاء محترفون العرافة ويزعمون أنه يعرفون الأمور الغيبية .. وليسوا مجرد أشخاص عادية يخطر ببالهم
أمور دون عزيمة منهم في معرفة ذلك كالذين يخطر ببالهم إشارات غيبية أو يرون أحلاما
عن أمور غيبية .. فهؤلاء لا عزيمة لديهم في معرفة ذلك .. وإنما أمور تحدث لهم عن غير إرادة منهم ..
ولذلك لا يصفون بالعرافة والكهانة ..
#-
وخلاصة القول:1- هو أن ما أميل إليه هو أن الكهانة
والعرافة وجهان لعملة واحدة وهي معرفة الغيب .. سواء غيب المستقبل من
خلال التجسس لمعرفة إرادة الله .. أو من
خلال استخدامهما في معرفة ما خفي عن أحوال حدثت .. وكل ذلك بطرق مشوهة ومشبوهة
وغير مشروعة باستخدام وسائط غير معقولة ولا سببية فيها ليفهمها العقل .. وإنما
تكون غالبا عن توسيط روحاني وتابع شيطاني يلازم الشخص في الغالب .. أو من خلال
وسائط وأدوات لها ارتباط بالعالم الروحاني أيضا .. أو من خلال الرجم بالغيب من
خلال ما يسمعه من طالب السؤال .. - بل أن رأيي في التفرقة بين لفظي الكاهن
والعراف .. هو استخدام الوسيلة للتنبوء بالغيب .. فالكاهن يستخدم
الشياطين تلقينا .. ولكن العراف يستخدم أداوت لها رموز يعلمها له الشيطان فيفهمها من خلال الوسوسة .. فالكهانة من الشيطان تلقينا .. والعرافة من الشيطان رمزا وتفهيما من خلال الوسوسة .. والله أعلم
. 2- لا نستطيع القول باختصاص الكهانة
بالمستقبل فقط دون الماضي ولا تخصيص العرافة بالماضي دون
المستقبل .. وذلك لأن الكهانة وإن كان يغلب عليها التعرف أو التكهن بما سيحدث
مستقبلا إلا أنها أيضا تستخدم في معرفة ما قد حدث أيضا .. ولكن وسيلة الكهانة هي
التلقين المباشر من العالم الروحاني .. #-
ملحوظة: قد تجد بعض العلماء في كتابتهم يصفون في تعريف الكاهن
والعراف بفترات زمنية ماضية أو مستقبلية .. ولا يكتبون الحاضر .. وذلك لأن الحاضر يجمع
بين زمنين قريبين جدا .. فلو لم يحدث بثانية واحدة كان مستقبل .. ولو حدث ومرت
علية ثانية كان ماضي .. ولذلك يكتفي العلماء بذكر الزمن الماضي والمستقبل في
كتابتهم .. والله أعلم .
***************************
- بل ولازال
الكاهن يحفظ بمكانته في بعض المجتمعات
مثل المجتمع الهندي خاصة حيث أن الكاهن يحدد الموعد المناسب للزواج والارتباط بين طرفين من
خلال النجوم .. وهذا يعتبر من أهم طقوس الزواج عندهم في العقيدة الهندوسية ..
- وعند أهل الكتاب (يهود ومسيحيين) ..
- لفظ الكاهن يختلف عن لفظ العراف عند أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ..- حيث يغلب لفظ الكاهن في كونه دليل على خدمة
الدين .. أي أن كاهن بمعنى خادم الدين فيقيم الطقوس والشعائر الدينية وله بصيرة خاصة
بحكم طهارته الباطنية وقد يدرك من ورائها بعض الغيبيات على سبيل الإلهام وليس
لكونه نبي أو رسول .. - وكلمة (كاهن) .. لعلها أتت من اللفظ العبري
(كهن) أي تنبأ .. والتنبؤ هنا ليس بمعنى أنه نبي
.. ولكن بمعنى أن له بصيرة خاصة ناتجه عن صفاء باطنه .. وهذا هو ما أفهمه من كلامهم
.. - ولكن لفظ العرافة عندهم .. يشير إلى من هو
يبحث عن غيبيات الماضي والمستقبل بطرق مشبوهة ومنحرفة .. وهم في ذلك يتفقون مع
العقيدة الإسلامية .. في إنكارهم أساليب العرافة بكل أنواعها وطرقها .. - فقد جاء في كتابهم المقدس جاء فيه: (إِذا دَخلتَ الأرضَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِيَّاها،
فلا تتعَلَّمْ أن تَصنَعَ مِثْلَ قَبائِح تِلكَ الأُمَم. لا يَكُنْ فيكَ مَن يُحرِقُ
اَبنَه أَوِ اَبنَتَه بالنَّار، ولا مَن يَتَعاطى عِرافةً ولا مُنجّمٌ ولا مُتَكَهًّنٌ ولا ساحِر، ولا مَن
يُشَعوِذُ ولا مَن يَستَحضِرُ الأَشْباحَ أَوِ الأَرْواحِ ولا من يَستَشير المَوتى،
لأنَّ كُلَّ مَن يَصنعُ ذلك هو قبيحَة
عِندَ الرَّبّ، وبسَبَبِ تِلكَ القَبائِح سَيَطرُدُ الرَّبُّ إِلهُكَ تِلكَ
الأُمَمَ مِن أَمامِكَ. بل كُنْ كامِلاً لَدى الرَّبِّ إِلهِكَ، لأَنَّ تِلكَ الأمَمَ
الَّتي أَنتَ طارِدُها تُصغي إلى المُنَجِّمينَ والعَرَّافين) التثنية 18: 9-14 . - وأيضا لفظ الكهانة عندهم قد يكون مرادف
للعرافة لمن يتكهن لمعرفة الغيب بأساليب مشبوهة ومحرمة ..
- ولكن أحببت أن أوضح لك أن لفظ الكاهن له
مفهوم آخر عند أهل الكتاب حتى لا تتهم الآخرين بكونهم مشعوذين لمجرد أنك سمعت أنه
كاهن في الكنيسة أو المعبد .. لا .. فكلمة كاهن حينئذ بمعنى خادم للدين في هذا
المكان .. فانتبه
#- هنا نقطة مهمة جدا لي فيها رأي خاص .. ولم أجدها في كتب من قرأت
لهم من العلماء .. وأحسب أنه من الضروري ذكرها:
- وهي أن
الكاهن لا يوصف بكونه كاهن .. والعراف لا يوصف بكونه عراف .. إلا من اتخذها مهنة
له ووسيلة كسب وأراد الشهرة عنه بذلك .. وليس مجرد شخص يجول في خاطره خاطر بأمر
غيبي لا يتعمد البحث فيها ولا الشهرة به ولا التكسب منه .. وإنما قد تحدث وهو لا
يعلم كيف يحدث له ذلك .. فهذا لا يسمى كاهن ولا عراف ..!!
- ودليلي في ذلك هو ما جاء في الحديث في وصف هؤلاء:
1- حيث قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ
فِيمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الحاكم ..
- فالحديث أتى بوصفين لهما دلالة لفظية .. حيث أتي بالإسم منونا .. لتحقيق هذه الصفات فيهما .. وليس مجرد أشخاص حدث
منها هذا الشيء مرة أو مصادفة على سبيل كونها خاطرة أو إلهام .. لا .. وإنما هذه أشخاص تحققت بهذه الأوصاف
حتى أصبح الوصف علما عليهم وشهرة فيهم ..
- فأتى بلفظ
(كاهنا) كوصف ملازم له ومتحقق فيه وكأنه وسيلته
في الحياة كمهنة له .. وبلفظ (عرافا) كوصف
ملازم له ومتحقق فيه وكأنه حاله هو التعرف والتجسس على الغيبيات .. ولفظ العراف يدل على تكرار هذا الفعل منه مرارا وتكرارا حتى أصبح مشهورا عنه
معرفة ذلك .
-
فهذه التوصيفات ليست لأشخاص عادية خطر ببالها أمر ما وانتهى الموضوع
.. لا .. فهذه أشخاص محترفة العرافة والكهانة ..
- يؤكد المعنى السابق
الحديث التالي أيضا ..
2- قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ
تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) صحيح مسلم ..
- قوله (أتى – فسأله): فيه
دلالة على تعمد الوصول إلى هذا العراف ليسأله .. اعتقادا فيه أنه يعرف الغيب أو
كما نقول بالمصري الذي يعرف المستخبي والمخفي من الأمور ..!!
- قوله (عرَّافا): أي يعرف شيئا من الغيبيات .. ولفظ العراف يدل على تكرار هذا الفعل منه مرارا وتكرارا حتى أصبح مشهورا عنه
معرفة ذلك .
#- ومن لفظ الحديث السابق أستطيع أن أقول:
1- أن لفظ العراف يرشدك إلى أن العرافة أصبحت مهنة أو هواية مصحوبة بشهرة عن هذا العراف بأنه
يعرف الغيبيات .. وإلا ما كان ذهب إليه الناس خصيصا ليعرف لهم ..
-
وبالتالي فهؤلاء هم محترفون العرافة ويزعمون أنه يعرفون الأمور الغيبية .. عن إرادة وعزيمة ورغبة منهم في ذلك
..
- ويمكنك مراجعة السؤال رقم (118) لتوصيف العرافة والعرافة بصورة أوسع ..
#- وخلاصة سبب ما ذكرته لك :
- سبب ما ذكرته لك أخي الحبيب في هذا السؤال .. هو حتى تستطيع التمييز أكثر في الفهم بين من هو موصوف بالكهانة والعرافة وبين من هو قد يخطر باله شيئا أو يتم إلهامه بشيء .. فالفارق كبير .. فانتبه حتى لا تظلم أحد بجهل منك ..#- هذا رأيي والله أعلم .
#- فالذي لديه كشف سمعي أو بصري .. أي تواصل مع العالم الناري (الجن) بدون وسائط .. يكن له مقدرة على استخدام الوسائط وفهمها بسهولة لأنهم يعلموها له في غفوة نوم .. بخلاف من يحتاج لوسائط العرافة فهذا غالبا ليس له اتصال مباشر لعدم وجود تفعيل روحاني معه فيلجأ لهذه الأدوات ..
*************************
جزاك الله كل خير استاذنا الفاضل
ردحذفوزادك نورا على نور 🙏🙏🙏
آمين يارب العالمين
أكرمك الله الكريم يا استاذي الكريم
ردحذف////////////////////////////////////////////////////
ردحذفالجزء الأول من القصة فستجده في تعليقات الموضوع المنشور بتاريخ 02 مارس 2022 .. ( ج 16 : رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة - هل كان الجن والشياطين يستمعون للوحي القرآني من السماء أثناء البعثة النبوية … ) .. رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/16_2.html
*****************************
الجزء الثاني من القصة في تعليقات الموضوع الخاص ب " رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة – الجزء 18 " ما هي الآراء في مسألة سماع الشياطين للغيبيات بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم … المنشور بتاريخ 13 مارس 2022 .. رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/18.html
***********
الجزء الثالث من القصة في تعليقات الموضوع " رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة – الجزء 19 " ما هي الإعتراضات التي تمنع من أن تكون الشياطين بعد وفاة النبي قد عادت لحالها الأول في سماع الغيبيات الأرضية كما كانت قبل بعثة النبي ..." المنشور بتاريخ 15 مارس 2022
رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/19.html
***************
الجزء الرابع من القصة في تعليقات الموضوع (ج20: رسالة الغيب والعرافة والكهانة والفرق بين الكرامة والإهانة - هل حديث بن عباس في صحيح البخاري هو حديث نبوي - لماذا عليك أن تنتبه لحديث بن عباس في صحيح البخاري بأنه ليس حديث نبوي... ) .. المنشور بتاريخ 19 مارس 2022
رابط الموضوع :
https://khaledouf.blogspot.com/2022/03/20.html
*************************************
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله وسلم
58-///
ردحذفبعنوان" الطبيب القادم من عالم الجن! "
كنا قد تركنا وراءنا مدينة المحلة الكبرى بعدة كيلومترات عندما لاحت على البعد مباني القرية الطينية التي نقصدها. و نزلنا من السارة أما بيت كبير مبني بالطوب الأحمر الذي يختلف في مظهره عن باقي الدور المحيطة. و تقدمنا مرافقنا الذي كانت تربطه بصاحب البيت الذي نقصده علاقة صميمة، و قادنا إلى حجرة واسعة مليئة " بالكنب" البلدي بأغطيته المنقوشة بالألوان الزاهية، و رأيته بجلبابه الأبيض " الشاهق"، و وجهه الأبيض النوراني ذي التقاطيع الدقيقة، الذي انعكس عليه ضوء النهار الذي غمر الحجرة من خلال نوافذها العديدة المفتوحة المطلة على الحقول. كان متربعا بحجمه الضئيل على الكنبة المواجهة للباب، شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره إلا قليلا، يعلو وجهه النحيل شحوب غريب، و لاحت في عينيه الصافيتين الرقيقتين نظرة طفولية و هو يستمع إلى شكواي. و لم ينطق بكلمة واحدة، و تناول دفترا و قلما كانا بجواره، و مضى يكتب فيها بصمت، ثم ناولني الورقة و قرأتها. كانت مكتوبة باللغة الإنجليزية بخط دقيق جميل و لا يختلف بأي حال من الأحوال عن أي روشتة طبية، و كانت تحتوي عل أحدث أدوية العلاج النفسي.
و جاءني صوته الرقيق الخفيض قائلا: خدي الأدوية دي زي ما أنا كاتبها، و أشوفك بعد شهرين، و إن شاء الله ربنا حيجيب الشفا.
و انصرفنا و قد اجتاحت نفسي جيوش الأمل في الشفاء، و انتهاء رحلة العذاب مع الصداع.
*****
جرجرني الصداع سنوات و سنوات في متاهات الطب البشري.
و جرجرني الصداع أيضا إلى خفايا و أسرار طب الجن.
59-///
حذفكان الدكتور ( ش ) كما حدثنا الصديق الذي صحبنا إليه، و كما نشر عنه في العديد من الجرائد في ذلك الوقت طالبا في السنوات النهائية بكلية الطب.
و فجأة، و ذات صباح، اختفى، تلاشى، خلت منه جدران بيته الريفي، لم يترك وراءه أي أثر يثير إلى سبب اختفائه أو كيفيته، و استمرت رحلة البحث عنه سنوات و سنوات، و لم يظهر له أثر.
و في أحد الأيام و ذات صباح، عاد فجأة كما ذهب فجأة، عاد بعد سبع سنوات ليكشف السر الغامض وراء اختفائه. قال إن الجن اختطفوه و احتفظوا به معهم طوال هذه السنوات في عالمهم المجهول، و إنه عاش حياتهم بكل شكل من أشكالها، و استكمل بينهم دراسته في مجال الطب، و لقنوه أسرارهم و علومهم في مجال الطب، و لقنوه أسرارهم و علومهم في مجال العلاج من الأمراض و أنواع المس الشيطاني، و التي يقال أنها أكثر تقدما بين الجن عنها بين البشر. و ذاع صيته بعد أن نجح في علاج الكثير من الحالات بكفاءة تعادل كفاءة كبار الأطباء. و أصبحت الروشتة التي يكتبها لمرضاه تشمل أحدث الأدوية التي عرفها الطب الحديث.
*****
هذه هي القصة التي اختطفتني من أيدي أطباء البشر لتلقي بين يدي طب الجان.
" وبلبعت " أدويته التي لم يكن بعضها جديدا علي، و لم يستطع دواء الجان أن يطرد الجني الذي يعربد في رأسي، و استمر الصداع، و استمرت جولاتي بين أطباء الأمراض النفسية " البني آدمين " و داومت على " بلبعة" أدوية الأمراض النفسية و المسكنات،
إلى أن قادتني " عفرتة " الجني الذي يسكن "ويعشش" في رأسي إليه، إلى الشيخ ( ح ) .
60-///
ردحذفبعنوان " أرواح في بيتي! "
أخذت أستمع إليها و قد استغرقتني الشكوك في صحة ما تقول.
فقد كنت و بعد كل رحلة فاشلة إلى عالم المجهول و الغيبيات من أجل العلاج، تنتابني حالة من التمرد و الرفض للقيام بمزيد من الرحلات، و ظلت صديقتي تطاردني و لعدة شهور بحكاياتها عنه، و كيف أنه ذو قوة روحانية خارقة في علاج الأمراض النفسية و العضوية المستعصية، و تحت ضغط إغرائها و إلحاحها، و تحت ضغط الآلام التي تعربد في رأسي؛ اتصلت به.
اتصلت به تليفونيا بعد محاولات استمرت عدة أسابيع، فقد كان خط تليفونه مشغولا دائما في تلك الفترة التي كان يحددها لتلقي مكالمات طالبي الحاجة و هي من الثالثة بعد الظهر و حتى الخامسة.
و جاءني صوته هادئا رقيقا مطمئنا، لم يسألني عن اسمي، و لم يسألني عن عنواني أو عن رقم تليفوني، و لكنه استمع إلي حتى النهاية، و لم يعقب سوى بكلمات قليلة قال لي فيها : إن محاولات العلاج الروحاني سوف تبدأ، و طلب أن أعاود الاتصال به بعد ثلاثة أيام.
و آويت إلى فراشي في تلك الليلة، و تلوت الأدعية و الآيات التي تعودت على ترديدها قبل النوم، و أخذني النوم برفق بين أحضانه.
و استيقظت فجأة، ربما بعد دقائق، و ربما بعد ساعات، لأرى في عتمة الحجرة التي تسلل إليها بعض الضوء من خلال خصاص نافذتها عددا من الأشخاص في ملابس الأطباء البيضاء، و قد أحاطوا بي، و توجهت بنظري في هدوء و قد انتابتني سكينة بالغة إلى السرير المجاور، و تأكد لي أنني لا أحلم و أنني لا أعاني من أية خيالات أو هلاوس عندما رأيت زوجي ممددا في الفراش و قد استغرق في نوم عميق.
و عدت لأغمض عيني في استسلام هادئ، و أنا أستمع إلى همهمات زوار الليل الخافتة، و شعرت بأيد تمتد في ورقة إلى رأسي لتدخلها في أنبوبة كبيرة مفتوحة أو شيء أشبه بالقبة، أو ذلك الصندوق الشفاف الذي يستخدم في مراكز الأشعة المقطعية، و وجدتني أساعدهم في محاولاتهم إدخال رأسي في هذا الشيء الشبيه بالصندوق الكائن خلف رأسي، و كأنما قد تلاشى ظهر الفراش و الحائط الواقع خلفه ليترك متسعا لهذا الجهاز، و كما استسلمت لأيديهم الحانية استسلمت لسلطان النوم، و أخذني سبات عميق.
61-///
ردحذفو استمع إلي زوجي في الصباح بين مكذب و مصدق، فهو يعلم أنني محرومة من نعمة النوم العميق و أنني أستيقظ لأدنى أو أتفه صوت.
و استمع إلي الشيخ ( ح ) عبر سماعة التليفون، و أكد لي أن ما حدث كان حقيقة و ليس وهما، و أن زوار الليل هم الأرواح التي تتولى مهمة علاجي، و أخبرني أن رؤيتي لهم و شعوري بهم ليست شيئا معتادا إلا بين الأشخاص ذوي الشفافية الشديدة، و طلب مني أن أتصل به مرة أخرى بعد ثلاثة أيام، و أن أتوقع زيارتهم بين ليلة و أخرى.
و قضيت ليلتين بائستين بعد ذلك، كانت تنتابني حالة من الفزع البالغ عندما يحتويني الفراش بعد أن أطفئ نور الحجرة، و تظل عيناي مفتوحتين محملقتين في فراغ الحجرة المعتم المليء بالخفايا و الأسرار، و تنتابني رجفة تسري في كل كياني، و أنا أنتظر القادمين من العالم الآخر، و كان النوم دائما أرحم بي من مخاوفي و من خيالاتي، حتى كانت الليلة الثالثة.
انتفض جسدي فجأة و قد سرت فيه رعشة شديدة، و أنا أستيقظ على تلك الأنفاس الحارة التي تهب على وجهي، و انتابني رعب هائل رغم إدراكي الكامل و وعيي بأن تلك الأنفاس كانت مصحوبة بتلاوة من آيات قرآنية أخذ يرددها كائن مجهول، و فتحت عيني في فزع و واجهني وجه غامض الملامح يكاد أن يلتصق بوجهي و هو يردد آياته، و أغمضت عيني بسرعة و قد ارتفع صوتي بآية الكرسي لأصرف بها ذلك الكائن المجهول الذي أوقع الرعب في قلبي، و حملتني كلمات القرآن الكريم، و ذهبت بي في رحلة من النوم الهادئ العميق.
و عدت أتصل بالشيخ ( ح )، و عاد يؤكد لي أن الأرواح ترعاني و تتولى أمر علاجي.
و مرت الأيام و لم أعد أستيقظ ليلا على زوار العالم المجهول. و داومت الاتصال بالشيخ ( ح ) لعدة شهور، ثم يئست منه و من أرواحه التي لم تستطع أن تقهر الجن الذي يعربد في رأسي.
و عدت أستأنف جولاتي بين الأطباء، و عدت أبلبع أدوية الأمراض النفسية، و عدت " أبلبع" المسكنات، إلى أن عدت إليه بعد أربع سنوات، عدت إلى الشيخ ( ح )، و رأيته و جلست معه و استمعت إلى قصته مع الأرواح.
62-///
ردحذفرفعت سماعة التليفون في لحظة من لحظات يأسي و كفري بالطب و الأطباء، و تذكرني الشيخ ( ح ) رغم انقطاعي عنه لعدة سنوات، و عاتبني لغيابي الطويل قائلا إن الشياطين هي التي أبعدتني عنه و عن عالمه الروحاني.
و طلبت أن أقابله و أن أراه، و رفض بشدة في البداية، و عاد فلان عندما أخبرته أنني في تعطش لمعرفة المزيد عن هذا العالم الخفي المجهول.
و ذهبت إليه في شقته التي تقع في إحدى العمارات الكبيرة بأحد شوارع الدقي الرئيسية، و فتح لي الباب، متوسط القامة، أميل إلى النحافة في بنطلونه الرمادي و قميصه الأبيض، ذو بشرة بيضاء مشربة بالحمرة، و بدا لي بقسمات وجهه الهادئ الوسيم و شعره الأبيض و كأنما هو من أصل قوقازي، و قابلت ابنته الشابة الأنيقة قبل أن تخرج من الشقة و هي في طريقها إلى الجامعة، و مررت و أنا في طريقي إلى حجرة الجلوس بشقيقة زوجته الضريرة التي تعدت مرحلة الشباب.
و استمع إلي و أنا أعرفه للمرة الأولى بنفسي، و استمعت إليه و هو يجيب على تساؤلاتي المتلاحقة، محاولا أن يشبع نهمي إلى معرفة ذلك العالم المجهول اللامرئي، عالم الأرواح.
كان في صباه شابا لاهيا عابثا، يغرق منذ لحظة خروجه من عمله الحكومي و حتى صباح اليوم التالي في بحور الخمر و النساء و الشهوات، و كان بعض أصدقائه من الصحفيين و المثقفين ينتشلونه أحيانا من بين أمواج حياته البوهيمية و يأخذونه معهم في بعض جلسات تحضير الأرواح.
63-///
ردحذفو كان ما يستهويه في تلك الجلسات، إلى جانب كونها ضربا من ضروب التسلية، تلك العبارات التي كانت تخرج من شفاه الوسطاء الروحانيين الغائبين عن الوعي على اختلاف شخصياتهم، و التي كانت تشير إلى أن الأرواح التي يتم استحضارها من خلال هؤلاء الوسطاء، تعلن عن رغبتها في استقطاب الشيخ ( ح ) و الاتصال به، و كانت حياته اللاهية العابثة هي التي تحول بينه و بين اتصال الأرواح به.
و تكررت الجلسات، و تكررت عبارات الوسطاء، حتى تزوج و أنجب، و بدأ تدريجيا في التخلي عن حياته اللاهية، إلى أن جاء ذلك اليوم.
أصيب ابنه الصغير بالتواء حاد غي ساقه، و حمله إلى الطبيب و عاد به إلى المنزل ليضعه في الفراش و هو يئن من الألم. و ما إن استغرق الصبي في النوم، حتى عاد الشيخ ( ح ) إلى حجرة المعيشة و أخذ يدعو له بالشفاء، و هو يتلو في المصحف بعض آيات القرآن الكريم. و عاد إلى نفسه فجأة، و قد أخذته الدهشة هائلة، عندما رأى ابنه يندفع داخل الحجرة و هو يجري على قدميه، و يدور حول نفسه في فرحة غامرة.
و علم الشيخ ( ح ) أن ابنه رأى فيما يشبه الحلم، و قد استيقظ من نومه فجأة ... و رأى حول فراشه والده و معه مجموعة من الأشخاص ذوي الملامح الغامضة يرتدون ملابس الأطباء البيضاء، حيث قاموا بلمس قدمه المصابة بأيديهم.
و من هنا بدأت أولى مراحل العلاقة التي نشأت بين الشيخ ( ح ) و الأرواح، و أصبح بعد ذلك يسمعها و يتعامل معها، بل أصبح يراها و يجلس إليها.
64-///
ردحذفبدأ ذلك عندما كان يستيقظ فجأة في بعض الليالي على صوت واضح يهمس في أذنيه، ويطلب منه النهوض و الجلوس إلى المكتب، ثم يبدأ في تدوين ما يمليه الصوت عليه و هو ما أسماه بنعمة الجلاء السمعي، و استمر ذلك لعدة شهور، حتى انتهى من ذلك الكتاب الضخم الذي قام بتجليده فيما بعد، و الذي وضعه بين يدي في أثناء زيارتي له لألقي نظرة على صفحاته. كان الكتاب بصفحاته الكثيرة يضم خلاصة الأفكار و الاتجاهات الصوفية و بأسلوب رائع راق، و شعرت و كأنما أقرأ لائحة المتصوفة المسلمين ممن تيسر لي القراءة لهم من قبل، و تلمست بين سطور ما قرأت فكرا ربانيا روحانيا شفافا يصعب فهمه على القارئ العادي، بل و يصعب تجسيده و التعبير عنه ربما على المتصوف المتخصص.
و كان هذا الكتاب هو الإنتاج الوحيد الذي قامت الأرواح بإملائه على الشيخ ( ح )، حيث بدأ الدخول بعد ذلك في مرحلة من الصوفية المعتدلة، و حيث تلاها مرحلة معايشة شبه كاملة لأرواح الموتى المقربين إليه، حيث كانوا يتجسدون له في صورة نورانية، دون أن يكون قادرا على لمسهم، فقد كانوا مجرد مادة غير محسوسة و لكنها كانت مرئية، و هو ما أسماه بنعمة أو موهبة الجلاء البصري.
و بدأت أرواح الموتى من الأهل و الأقارب و من بينهم زوجته و بعض أبنائه يصحبون معهم أرواحا أخرى ذات قدرة ربانية عالية على علاج الأمراض الجسمانية و النفسية. و أصبح بمعاونتهم سواء في حالة تجسدهم له أو اختفائهم يقدم خدماته لكل ذي حاجة، لأي إنسان، و في أي وقت من أوقات الليل و النهار.
و كلما مرت السنوات زاد المؤمنون بقدرته و المترددون عليه، حتى لم يعد في حالة صحية تسمح له بالاستمرار في طريقته؛ فتوقف عن مقابلة الناس، و جعل التليفون وسيلة الاتصال الوحيدة به، ثم عاد فقيد مدة الاتصال المسموح بها من الساعة الثالثة و حتى الخامسة فقط يوميا، و ظل لسنوات أخرى كثيرة مقيدا إلى التليفون خلال هاتين الساعتين، يرفع سماعة التليفون، و من خلال جسده و أذنه كانت رسائل و مطالب أصحاب الحاجات تصل إلى الأرواح سواء في صورتهم المجسدة أو هالاتهم اللامرئية.
65-//
ردحذفو انصرفت في ذلك اليوم على وعد بتكرار الزيارة بعد عودتي من إحدى سفرياتي مع أسرتي إلى ألمانيا، و طلب مني و هو يودعني حتى الباب أن أفكر فيه كلما اشتد الصداع؛ فإن الأرواح التي تلازمه قادرة على تلقي رسائلنا الفكرية المتبادلة، و أنها ستعمل على مساعدتي رغم ألاف الأميال التي تفصل بيننا.
و سافرت إلى ألمانيا، و سافر معي الجني الذي يعربد في رأسي. و حاولت مرارا أن أهدئ من عربدته و أنا أستحضر في ذهني الشيخ ( ح ) . و جريت إلى التليفون أكثر من مرة أستنجد بالشيخ ( ح ) و بأصدقائه من الأرواح.
و كما ضاعت نقودي بين الأدوية و بين الأطباء، ضاعت أيضا ما بين كل مكالمة و أخرى أقوم بها من برلين إلى القاهرة، و لكن لم يضع الصداع، فقد استمر الجني الذي يسكن رأسي " يتشقلب" و " يتنطط" و "يتعفرت".
و لم أستمتع برحلتي إلى ألمانيا؛ فقد " نكد" علي الجني الذي يسكن رأسي، و لم يفارقني الصداع طوال الشهرين اللذين قضيتهما هناك، و لكن فارقني الإيمان بقدرات الشيخ ( ح )، و فارقني الإيمان بأرواحه كبيرهم و صغيرهم.
و فارق الشيخ ( ح ) الدنيا بعد ذلك بعدة سنوات، حاملا معه سره الكبير. هل كان حقيقة على اتصال بكائنات ذلك العالم المجهول؟ هل هناك حقيقة أرواح تتصل ببني البشر و تهمس و تتكلم و تتجسد؟ هل كان الشيخ ( ح ) يعيش حالة نفسية، و يحيا وهما عاش به و عاش من أجله؟
أسئلة كثيرة لم أجد إجابة عليها في ذلك الوقت، و لكن تجاربي اللاحقة مع العلاج الروحي سواء في مصر أو إنجلترا أجابت على بعض التساؤلات.
و للحديث عن هذا العالم بقية ... !!
اللهم أمين يارب العالمين .. شكرا لك أختنا نجوى
حذففي الحقيقة صاحبة القصة لها من الشجاعة في طرح مثل هذه الأحداث التي عاشتها ما يجعاني أقف عاجزا عن قول أي شيء سوى " جزاها الله خيرا عن سردها للقصة و رزقها راحة البال و متعها بالصحة يا رب
و أعذروني في هذا الجزء قد يتضمن مشاهد لطالما اتبعها الروحانيين الفاسدين في العلاج مع النساء .. و كنت أريد أن أتجنب كتابة هذا الجزء، لكن تذكرت كم مرة تحدث أستاذنا خالد عنها و حذر من نتائح التردد على مثل هؤلاء
أترككم مع تكملة القصة ..
66-//
حذفبعنوان ** تسخير الجان الطريق إلى المال و النساء!! **
و عاد الصداع " يجرجرني" إلى أبواب أطباء الأمراض النفسية، و عدت " أبلبع " الحبوب المهدئة " وأبلبع " المسكنات إلى أن قادتني قدماي إليه، إلى جحره، و إلى وكره، و إلى شبكته التي يصطاد بها المال و النساء.
****
كان بيته في حدائق القبة، و في إحدى عمارات الأوقاف كانت شقته التي سعيت إليها مع اثنتين من صديقاتي، إحداهما تلك التي ذهبت معها إلى ذلك الدجال الذي يسكن في منطقة المرج.
و دخلنا الشقة، و فتح لنا الباب واحد من أعوانه بناء على موعد سابق، كنت قد سمعت كلاما كثيرا حول قدرات هذا الرجل الخارقة، و مرت نحو السنة منذ أن سمعت عنه لأول مرة، و أنا لا أجد في نفسي الرغبة في استئناف رحلاتي للعالم المجهول.
و جلسنا ثلاثتنا على المقاعد الوثيرة بعد أن اختفى مساعده داخل الشقة، قي تلك الصالة الواسعة فخمة الأثاث و التي غمرها ضوء الثريا الثمينة المدلاة من السقف، و كان هو جالسا على أحد المقاعد المحيطة بمائدة الطعام في حجرة الطعام المفتوحة على الصالة و كأنها جزء منها.
و أشار بيده و هو يتساءل في لا مبالاة عن صاحبة المشكلة، و أجبته بأنني صاحبة المشكلة، و عاد يشير بأصبعه إلى رزمة من الورق الأبيض كانت أمامنا على المنضدة و بجوارها قلم، و طلب مني أن أكتب اسمي و اسم أمي و كذلك السبب الذي جئت إليه من أجله.
و ما كدت أنتهي من كتابة ما طلب و ما كدت أهم من مكاني لإعطائه الورقة، حتى أمرني بالتوقف مكاني و تطبيق الورقة عدة طيات حتى أصبحت في حجم لا يزيد عن حجم عقلتي أصبع متجاورين، ثم عاد ليأمرني بأن أضعها في باطن يدي، و أن أطبق كفي تماما عليها، ثم أشار إلي بأن أتقدم نحوه، و أجلسني على مقعد مجاور له حول مائدة الطعام.
67-///
حذفو استغرق في تلاوات و همهمات بلغة غريبة غير مفهومة، علمت فيما بعد أنها اللغة السوريانية التي يستخدمها المتصلون بالجن. و بينما استغرق و لعدة لحظات فيما كان يقوله، كنت أتفحص قامته المتوسطة الأقرب إلى الامتلاء في جلبابه الأبيض الحريري الأنيق، و أتأمل وجهه الوسيم المستدير المائل إلى البياض المشرب بالحمرة، و عينيه شديدتي الاخضرار برموشهما الطويلة السوداء، و شعره الأسود الغزير الناعم.
و تناهى صوته فجأة و هو يسألني في ثقة:
- اسمك نادية؟
و كان اسمي صحيحا!
و صمت لحظة و هو ينظر أمامه إلى لا شيء، و عاد يسأل و هو يقول:
- أمك اسمها ( ...... )؟
و كان اسم أمي صحيحا!
و عاد إلى الصمت مرة أخرى، و بدا و كأنه يسمع و يرى شيئا خفيا لا نراه و نظر إلي مرة أخرى و هو يقول:
- بتشتكي من صداع ما بيروحش؟
و كان ذلك صحيحا!
و تناول قلما من أمامه و أعطاه لي، و طلب مني أن أدس طرفه في يدي المنطبقة على الورقة، و قال موجها كلامه باللغة العربية إلى ذلك الشيء الخفي الذي لا نراه:
- من فضلك اكتب لها الرد في الورقة، و انصرف بسلامة الله.
و طلب مني أن أفتح يدي، و أن أفتح الورقة و أقرأ ما كتب عليها من الخلف.
68-///
حذفو أدهشني ما رأيت! كلمات قليلة مكتوبة بخط دقيق جميل جاء فيها: " يلزم لها علاج روحي قمري و ستشفى بعد ذلك بإذن الله"
و شرح لي الشيخ ( م ) ماجاء في الورقة قائلا إن شفائي مضمون بإذن الله، و إنني في حاجة إلى جلسات علاج روحاني لعدة مرات و حتى موعد اكتمال القمر في السماء.
حيث سيتولى هو في تلك الليلة بمفرده استكمال آخر مراحل العلاج، و طلب مني أن أعود إليه عندما أقرر البدء في العلاج.
و انصرفنا بعد أن دفعت عشرين جنيها إلى مساعده، الذي قال إن كل جلسة من جلسات العلاج ستكلفني عشرين جنيها.
و ما كاد باب الشقة ينغلق خلفنا، حتى بدأنا جميعا و كل منا تسبق الأخرى، نعبر عن اندهاشنا و تعجبنا لما تم أمام أعيننا، و انسابت تعليقاتنا المختلفة حول فخامة شقته و أناقة و ذوق أثاثها، و حول مظهره و شكله و وسامته، و حول مدى قدرته أو عدمها على علاجي، و الكيفية التي سيتم بها العلاج.
و بينما كانت صديقتاي المشدوهتان المنبهرتان بالمعجزة التي تمت على يديه تبديان إيمانهما العميق بقدراته الخارقة " و تعيدان و تزيدان" فيما جرى على يديه من إعجاز يفوق التصور، غبت عنهما و أنا أمسك بعجلة قيادة السيارة، كان عقلي يدرس و يدقق و يحلل كل خطوة و كل حركة و كل ظاهرة تمت منذ دخولنا باب الشقة و حتى خروجنا منها.
و بدأت أطرح عليهما ما توصلت إليه من تحليلات و تفسيرات، و لفت أنظارهما إلى أن مساعده الذي فتح لنا الباب هو الذي حدد لنا المقاعد التي كان علينا أن نجلس عليها، و أن هناك احتمالا قائما في أن تكون هناك كاميرات تلفزيونية مثبتة و بصورة خفية في مكان ما من الحجرة و موجهة إلى مكان جلوسنا؛ بحيث ترصد ما قمت بكتابته على الورقة، في الوقت الذي يقوم فيه المساعد أو أي شخص آخر داخل الشقة، و بناء على ما يراه على شاشة الجهاز المتصل بالكاميرا بإملاء الكلمات المكتوبة عن طريق ميكروفون متصل بسماعة خفية يكون الشيخ ( م ) قد دسها في ملابسه أو في أذنه قبل دخولنا، مما يفسر قدرته على ترديد ما جاء في الورقة دون أن يقترب منها أو يلمسها.
69-///
حذفكذلك فقد فسرت الكتابة الغريبة التي وجدتها في ظهر الورقة، بأن الورقة التي تناولتها من أعلى المنضدة كان مكتوبا عليها تلك الكلمات التي وجدتها خلفها بالحبر السري، و أن حرارة يدي التي كنت أقبض بها عليها أدت إلى ظهور هذه الكتابة.
و لم أخلص من تعليقات صديقتي ، و بدأتا تتهماني بأن عقليتي العملية و تحليلاتي و تفسيراتي العلمية كانت وراء عدم إيماني و اقتناعي بالظواهر الخارقة التي سبق أن عايشتها، و أن ذلك هو السبب في عدم شفائي حتى الآن.
و رفعت يدي أسكتهما بها، و انطلقت أحدثهما بما تفتق عنه ذهني، فقد قررت أن أجري اختبارا للشيخ ( م ) أتبين من خلاله مدى مهارته، و مدى شطارته، و مدى شطارة الجني الذي يتعامل معه.
و ذهبنا ثلاثتنا إليه في اليوم التالي، و تعمدنا ألا نجلس على المقاعد التي أشار لها مساعده، و أخبرت الشيخ ( م ) بأننا جئنا هذه المرة من أجل صديقتي.
و تكررت نفس طقوس اليوم السابق، طلب منها أن تتناول ورقة بيضاء من المنضدة الماثلة أمامنا، و أسرعت صديقتي التي تعاني من العقم تقاطعه و هي تلوح له على البعد بورقة مطوية قامت بإغلاق يدها عليها و هي تقول: أنا كتبت كل حاجة في الورقة دي.
و داريت ابتسامتي و قد ملأتني الشماتة فيه و في الجني صاحب الخط الجميل فقد تغلبت على الكاميرا الخفية، و تغلبت على الحبر السري.
و أشار إليها أن تقترب منه و أن تجلس في المقعد المجاور له حول المائدة، و تبددت شماتتي، و تبددت شكوكي عندما أخبرها بكل ما كان مكتوبا في الورقة، و تأكدت لي قدرته على الاتصال بالجان عندما قامت صديقتي بقراءة الرد الذي قامت بكتابته تلك القوى الخفية، فقد كان مكتوبا ( حيوانات الزوج ضعيفة و يلزم له علاج روحي و علاج طبي بالأعشاب ).
و انهارت تفسيراتي العلمية مع انهيار شكوكي، و أعلنت رغبتي في البدء في جلسات العلاج لحين اكتمال القمر كما قال لي بالأمس. و تقدمني إلى حجرة داخلية بها عدة مقاعد و ثيرة و كنبة عريضة، و قد انسدلت الستائر الكثيفة على نوافذها، و انبعث من جنباتها ضوء خافت من خلال أباجورتين ثمينتين. و توجهت فور دخولي إلى أحد المقاعد، و ما كدت ألمس المقعد، حتى استوقفني صوته طالبا مني بالتقدم إاى منتصف الحجرة حيث كان يقف، و واجهني و هو يحدق في عيني بشدة.
70-///
حذفلم أكن أعرف تحديدا طبيعة ذلك العلاج الروحاني الذي سوف يقوم به، و لم يكن لدي أية فكرة عن الخطوة التالية التي سوف يقدم عليها، و أزعجتني نظراته الفاحصة المحدقة، و أرخيت عيني إلى الأرض.
و مد يده و رفع ذقني بطرف إصبعه ليعاود التحديق في عيني.
و انتابتني حالة من التوتر و القلق و الشعور بعدم الراحة، و هو يمد يديه ليستقر بهما على كتفي بينما أخذ يردد في بطء و رتابة و بلهجة ممطوطة:
- عايزك تسترخي، انسي كل حاجة حواليكي، بصي في عنيه، بصي كمان، استرخي، استرخي، اهدي، ما تخافيش، رخرخي أكتافك، رخرخي جسمك.
و شعرت مع كل كلمة من كلماته بأن يديه اللتين اللتين استقرتا على كتفي تجذبني إليه في خفة و بطء، و شعرت بكتفي يتصلبان تحت ملمس يده و أنا أرجع بهما إلى الوراء.
و عاد يجذبني تجاهه و هو يردد قائلا في لهجة رتيبة آمرة:
- أنا عايزك تسترخي، ما تقاوميش إيديه، خليكي مع حركة إيدي، ما تنزليش عينيكي في الأرض، بصي جوه عينيه، بصي فيها كمان، بصي كمان، استرخي، استرخي.
و حاولت قدر إمكاني أن أنفذ تعليماته، و أن أجبر جسدي على الاسترخاء، و قد انتابتني حالة أشبه بالدوار، و تناهى لي صوته الذي أصبح همسا و هو يقول في لهجة إيحائية:
- أيوه، كده كويس، جسمك بيسترخي، و عقلك بيسترخي، غمضي عينيكي، غمضي عينيكي. إنتي جسمك تعبان، إنتي تعبانة اتسندي عليا، ماتخافيش. اتسندي عليه.
و أدركت و أنا ما زلت محتفظة بجزء من وعي أنه يشدني و يجذبني إليه، و غمرتني رائحة عطرية نفاذة تنبعث من جسده و من ملابسه، و قد انحدرت يداه على كتفي لتحيط بظهري، و وجدت جسدي يتصلب بين يديه و أنا أجذب جسدي بعيدا عنه، و شدد قبضته على ظهري و هو يجذبني إليه مرة ثانية و هو يردد:
- إنتي حتبوظي الشغل كده، خليكي معايا، ركزي معايا، اسمعيني بأقول إيه، ركزي، استرخي.
71-///
حذفو انتابتني حالة من التحفز و الهياج، و أنا أدفعه بعيدا عني بكل ما أوتيت من قوة بينما أخذت أردد في استنكار و غضب:
- إيه اللي بتعمله ده؟ إيه اللي بتعمله ده؟
و عاد يحاول الإمساك بي و هو يردد في نعومة و إلحاح:
- لو عايزة تخفي لازم تطاوعيني، إنتي مش حتخفي إلا بكده.
و تعالى صوتي و أنا أصيح بينما كنت أدفعه في صدره بكلتا يدي و أنا أجري و أفتح باب الحجرة:
- مش عايزة أخف، مش عايزة أخف، إن شاء الله عني ما خفيت، إن شاء الله عني ما خفيت.
و في خطوة واحدة أصبحت في الصالة ... و اندفعت إلى باب الشقة لأفتحه و أنا أشير إلى صديقتي قائلة في لهجة هستيرية:
- ياللا ... ياللا ... بسرعة ... بسرعة ...
و اندفعت أهبط السلم قفزا و كأنما هناك جنيا يطاردني، و لم أتوقف عن الجري حتى بلغت سيارتي، أكاد لا أصدق أنني قد نجوت من هذه التجربة المريرة القاتلة.
و لم أعد إليه مطلقا.
و لم يهمني بعد أن نجوت منه أن أعرف ما إذا كان ما يمارسه داخل وكره هو ضرب من الخداع و الألاعيب المحبوكة، أم إنه قادر بالفعل على تسخير الجن.
كل الذي أصبحت أوقن به، هو أن أهدافه لم تتعد جمع الأموال من وراء الممارسات التي كان يقوم بها بمساعدة الجن إذا كان هناك حقيقة جن، و إشباع شهواته من خلال النساء اللائي كن يقعن في قبضته.
فضلت أن أعيش مع الصداع، و مع الجني الذي يعربد في رأسي على أن أعيش مع الخطيئة.
*** يتبع ***
جزاك الله عنا كل خير أستاذنا الفاضل الله يزيدك من فضله وكرمه يارب
ردحذفماشاء الله لاقوة إلا بالله
ردحذفمدد يارب العباد مدد
السلام عليكم إلى الأخ ماجد
ردحذفلقد بداءت فى كتابه قصه وقلت ساكملها غدا ولم تكملها ولقد توقفت فيها عندما كنت بالمستشفى وسمعه أصوات فى الطرقه الخارجيه
لقد وصلت فى المتابعه إلى ١١يوليو٢٠٢٠ ولم أرى باقى القصه
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حذففين رابط القصة
نسيت
قالوا عن اسم الله المقتدر أنه :
ردحذفيُعجزك عن الحَل ،
ثُم يُعجزك بالحَل
💓💓💓