ج4: رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان - ما هي الأدلة على حدوث تمثيل روحاني متخيلا من الجن في عين الإنسان وذهنه بدون تجسيد واقعي - لماذا حينما استعاذ النبي من الشيطان ولعنه لم يستأخر .. أليس في ذلك شبهة أن الله لم يستجب للنبي بدليل أن الشيطان لم يستأخر أي لم يتراجع عما أراد فعله - كيف يمسك النبي ما هو خيالا وليس جسما - ما الفرق بين استحضار الجن واستظهار الجن - كيف يربط النبي الشيطان في المسجد وهو خيال - لماذا لم يصرف الله الشيطان عن النبي مرة واحدة - كيف يكون للنبي سلطان تمكين من الشيطان في حين أن الله اختص سليمان بذلك - أليس في تسليط الشيطان على النبي مخالفة لقوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ).

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الملاك والجن والشيطان

وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان

 (الفصل الرابع)

#- فهرس:
:: الفصل الرابع :: الأدلة على وجود تمثيل للجن مُتَخيَّلا لهيئات مختلفة غير هيئة الإنسان (مع ردود على بعض الشبهات) ::
1- س20: ما هي الأدلة على حدوث تمثيل روحاني متخيلا من الجن في عين الإنسان وذهنه بدون تجسيد واقعي ؟
2- س21: لماذا حينما استعاذ النبي من الشيطان ولعنه لم يستأخر .. أليس في ذلك شبهة أن الله لم يستجب للنبي بدليل أن الشيطان لم يستأخر أي لم يتراجع عما أراد فعله ؟!!
3- س22: كيف يمسك النبي ما هو خيالا وليس جسما ؟
4- س23: كيف يربط النبي الشيطان في المسجد وهو خيال ؟  (ما الفرق بين استحضار الجن واستظهار الجن؟ ).
5- س24: لماذا لم يصرف الله الشيطان عن النبي مرة واحدة ؟
6- س25: كيف يكون للنبي سلطان تمكين من الشيطان في حين أن الله اختص سليمان بذلك ؟ (شبهة)
7- س26: أليس في تسليط الشيطان على النبي مخالفة لقوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) ؟ (شبهة)

********************

:: الفصل الرابع ::

:: الأدلة على وجود تمثيل للجن في مُتخَيَّلا لهيئات مختلفة غير هيئة الإنسان ::

(مع ردود على بعض الشبهات)

********************

..:: س20: ما هي الأدلة على حدوث تمثيل روحاني متخيلا من الجن في عين الإنسان وذهنه بدون تجسيد واقعي ؟ ::..

 
- الجن قد يتمثل للإنسان في صورة كخيال وليس كتجسيد مادي واقعي ملموس .. وذلك من خلال إصابة روحانية بالسحر أو تسليط بالمس .. أو لوجود خاصية روحانية تم تنشيطها فيه .. أو من خلال المنام ..
 
#- والتخييل الروحاني من الجن ..
- نقصد به .. انعكاس لصور تراها العين أو تظهر في الذهن في اليقظة أو في المنام .. وقد يظن الإنسان في لحظتها أنها صور واقعية ولكنها في الحقيقة لا وجود لها في الواقع المادي الملموس .. ولا يمكن ملامسته وإمساكه لأنه مجرد صور خيالية ولا واقع لها ..
 
- أولا: من صور التمثيل الروحاني تخييلا في القرآن ..
- هو ما فعله سحرة فرعون مع موسى عليه السلام: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) طه66.
 
- والذي نفهمه من القرآن .. أن التخييل يحدث بواسطة من عالم الإنس لإظهار هذا التخييل الروحاني في عيون الناظرين .. من خلال فعل السحر ..
 
- ولكن هل هذا التخييل الذي حدث لموسى هل هو تخييل نتيجة استخدام وسائل طبيعية مرتبطة مثلا بعلم الكيمياء .. أم هو تخييل نتيجة استخدام قدرات الشياطين في تمثيل حركة هذه العصي والحبال ..؟!!
- وهذه مسألة سنناقشها في رسالة منفردة عن السحر وقصة سيدنا موسى عليه السلام .. إن شاء الله تعالى ..
 
#- وانتبه أخي الحبيب:
- إلى أن في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع سحرة فرعون .. لا يسمى ما حدث لعصا موسى تمثيل روحاني .. وإنما تمثيل جمادي لأن الجماد هو من تحول إلى هيئة ثعبان بكامل خصائصه .. ولكن ما حدث مع سحرة فرعون هو تخييل روحاني على الحبال والعصي لفعل الشياطين لهذا الخيال في الغالب .. والفارق بين الإثنين هو الواقعية والخيال .. أي المادية المرئية الملموسة .. والخيال المرئي الغير ملموس.
 
# ثانيا: من صور التمثيل الروحاني تخييلا في الحديث النبوي ..
1- التمثيل تخييلا في المنام ..
- قال صلى الله عليه وسلم: (مَن رآني في المَنامِ فقد رآني .. فإنَّ الشيطانَ لا يتمثَّلُ في صورَتيِ) صحيح البخاري.
 
- ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا ثلاثٌ: فالرؤيا الصالحةُ بشرى من اللهِ، والرؤيا تحزينٌ من الشيطانِ، ورؤيا مما يحدِّثُ به المرءُ نفسَه، فإذا رأى أحدُكم ما يكره فلْيقمْ فلْيصلِّ ولا يحدِّثُ بها الناسَ) صحيح البخاري.
 
- وفي رواية بلفظ: (الرؤيا ثلاث: منها أَهَاوِيلُ من الشيطان لِيَخزُنَ ابن آدم ، ومنها ما يَهُمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) صحيح بن ماجة وصحيح بن حبان.
 
2- التمثيل بالتخييل في اليقظة ..
- من أدلة تصوير الجن في صورة خيالات للإنسان وهو في حالة يقظة .. هو الآتي:
#- ما جاء عن أبي الدرداء حين قال: (قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يقولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثُمَّ قالَ ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ ثَلَاثًا، وبَسَطَ يَدَهُ كَأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، قدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلَاةِ شيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلكَ، ورَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قالَ: إنَّ عَدُوَّ اللهِ إبْلِيسَ، جَاءَ بشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجْهِي، فَقُلتُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلتُ: ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ، واللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ) صحيح مسلم.
 
- وهنا نلاحظ أن الشيطان أتي متخيلا للنبي صلى الله عليه وسلم وقت قيامه للصلاة - بدليل أنه لم يراه أحد من الصحابة الواقفين خلفه .. ولذلك سألوه عمن كان يدعو عليه .. ويغلب على ظني أن ذلك كان عند بداية استفتاح الصلاة بعد التكبير ..
 
- ومعنى قول النبي: (ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ، واللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ): أي أردت أن أقبض عليه وأجعله أسيرا يستهزأ به الغلمان تحقيرا لكونه شيطان .. إلا أنه صلى الله عليه وسلم تذكر دعوة سليمان التي طلبها من الله أن يكون له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وكان من ملكه تسخير الجن له وحكمه عليهم .. ولذلك كرامة لدعوة سليمان عليه السلام تراجع النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل ..
 
#- خلاصة القول أخي الحبيب:
- التخييل الروحاني أو التمثيل الروحاني بالتخييل للإنسان قد يحدث من الجن أو من عالم الشيطان على وجه الخصوص .. وقد يحدث في اليقظة وفي المنام .. وقد ذكرت لك دليل هذا وذاك .. وقد اكتفيت بذكر بعض الأدلة .. وهناك قصص أخرى حدث فيها التخيل الروحاني يمكنك الرجوع إليها مثلما حدث لبعض الصحابة مثل ما جاء في بعض قصص الصحابة السابق ذكرها مثل قصة معاذ بن جبل .. حيث حدث فيها تمثيل خيالي أولا .. ثم تمثيل مادي ثانيا .. فأتى الشيطان له في صورتين الأولى خيالا والأخرى جسدا .. فارجع لهذه القصة قد ذكرتها لك بالتفصيل في سؤال سابق .
 
# أخي الحبيب قبل الإنتقال لمناقشة جزئية جديدة:
- ففي الحديث السابق الذي اعترض فيه الشيطان على النبي وقت صلاته .. أحب أن أذكر لك بعض مسائل لطيفة لم يناقشها العلماء وهي تتعلق بالأمور الروحانية .. ولم أجد أحد قد تكلم فيها بالرغم من أهميتها .. وأذكرها لك في هيئة أسئلة منفصلة تعقيبا على الحديث السابق .. إذ قد تخطر في بالك في يوما ما أو تظهر في مناقشة أمامك ..
- مع إضافة شبهتين (في سؤال رقم 25- 26) .. تكلم عنهما بعض من يجحدون الحديث النبوي ويطعنون فيه .. وشككوا أنها أحاديث وضعها اليهود ..!! وقد ناقشتهما على افتراض أنها أسئلة قد تخطر على البال .. ولكن في الحقيقة هما شبهتين فأحببتك أن تنتبه لهما جيدا .. حيث يذكرون هذه الشبهات ليس استفسارا وإنما سخرية واستهزاءا وتشكيكا لإسقاط هيبة الحديث النبوي من قلوب المؤمنين .. 
 

********************

 

..:: س21: لماذا حينما استعاذ النبي من الشيطان ولعنه فلم يستأخر .. أليس في ذلك شبهة أن الله لم يستجب للنبي بدليل أن الشيطان لم يستأخر أي لم يتراجع عما أراد فعله ؟!! ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أنت لم تنتبه إلى أنه .. إذا كان الشيطان لم يتأخر أي يتراجع فهو أيضا لم يتقدم بالأذى للنبي صلى الله عليه وسلم .. فكانت الإستعاذة .. عصمة من تقدم الشيطان لفعل الضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم .. واللعن هو إظهار إهانة للشيطان والتعريف بقدره الحقير ..
 
- ولكن الشيطان ظل واقفا متخيلا له ليفسد عليه صلاته .. لذلك أتت رغبة من النبي في إمساكه لإذلاله وإهانته من خلال استهزاء الصبيان به وهو أسيرا ذليلا .
 

***********************

..:: س22: كيف يمسك النبي ما هو خيالا وليس جسما ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أنت لم تنتبه إلى الآتي: أن الحال الروحاني للإنسان تنفعل معه أحيانا الحركات الجسدية بهيئة تعبر عن مراد الإنسان من التمكين من العالم الروحاني ..
 
- ولذلك بعض من لديهم كشف روحاني نتيجة إصابة روحانية أو لديهم تفعيل روحاني .. أحيانا أخبرهم باستخدام حركات أيديهم للدلالة على الرغبة النفسية للشخص في حدوث شيء للصور التي يرونها .. مثل الإشارة بالإصبع تجاه الخيال المرئي والتعوذ منه .. وغير ذلك من أحوال لا يصح ذكرها هنا ولا كتابتها .. وإنما أردت لك أن تفهم الحديث جيدا .
 

***********************

..:: س23: كيف يربط النبي الشيطان في المسجد وهو خيال ؟ ::..

 (ما الفرق بين استحضار الجن واستظهار الجن؟)

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من خلال عزيمة ربانية أو دعوة يدعو بها الله أو يقسم على الله أن يجعل هذا الجن جسما ماديا حاضر أمام العين .. ولو أقسم النبي على الله لأبره .. ولو دعاه لاستجاب له .
 
#- مع التنبيه على أمر مهم جدا:
- وهو أن هذا القسم أو العزيمة التي سيقولها النبي ليكون الجن في صورة مادية .. فهذا لا يسمى استحضار للجن .. بل يسمى استظهار للجن .. والفارق كبير بين الإستظهار والإستحضار ..!!
 
- فاستظهار الجن: إنما يكون لشيء موجود أنت لا تراه وتريد أن تظهره في صورة مادية حتى يتم إدراكه للعين العادية.
 
- واستحضار الجن: إنما يكون لما هو ليس بمتواجد من أساسه في مكانك وإنما أنت تريد أن تستحضره إلى عالمك .
- إذن فالفارق كبير بين مفهوم استحضار العالم الروحاني واستظهار العالم الروحاني .. فانتبه.

************************

 

..:: س24: لماذا لم يصرف الله الشيطان عن النبي مرة واحدة ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- لعل الحكمة في ذلك هو التعليم لأمته كيف يتصرفون في هذه الأمور .. وأن لا يخافوا إن صادفهم شيء مثل ذلك .. وأن مدد الله يحدث فعلا مع الإستعاذة به .. فينزل الحجاب بينك وبينه حتى ولو ظل متخيلا إلا أن الشيطان أصبح عاجزا عن الأذى ..
 
- ولمحو هذه الصورة المتخيلة إن ظلت موجودة فيمكنك أن تشير إليه بأصبعك وتدعو عليه بأن يقبضه الله .. أو تظل تكرر دعاء النبي السابق (أعوذ بالله منك - وألعنك بلعنة الله) .. أو تكرر ذكر "الله أكبر" بصوت مسموع .. وهناك طرق خلاف كذلك .. وإنما اكتفيت بما ذكرته لك .. ففيه الكفاية .
 

**********************

..:: س25: كيف يكون للنبي سلطان تمكين من الشيطان في حين أن الله اختص سليمان بذلك ؟ ::..

 
- قد يخطر ببالك سؤال فتقول: كيف يكون للنبي سلطان تمكين من الشيطان في حين ان الله اختص سليمان بذلك ؟ .. خاصة وأن بعض روايات الحديث المشابهة للحديث السابق .. وفيها اعتراض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم وجاء في لفظها: (إنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فأمْكَنَنِي اللَّهُ منه فأخَذْتُهُ، فأرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ علَى سَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ حتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: (رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِن بَعْدِي) ..، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا) صحيح البخاري.

 

#- من معاني الحديث:

- قوله (عفريتا من الجن): العفريت هو نوعا من الجن له قدرة وقوة وسرعة .. وكان هذا العفريت شيطانا خبيثا ..

 

قوله (تفلت عليَّ): أي ظهر فجأة لي أثناء صلاتي ليشغلني عنها ويفسدها عليَّ .. ولفظ (التَّفلُّت) نفهم منه أنه كان محكوما بشيء إلا أنه خرج من هذا الحكم كالمحبوس الذي ينفلت من حبسه .. وقال بعض العلماء أن هذا العفريت كان محبوسا من وقت حكم سليمان عليه السلام فهرب ..!!

- ولكن أحسب أن المقصود هو .. وإنما هو انفلات من حالته الروحانية إلى حالة مادية ظاهرة .. لأن ألفاظ الحديث تشير إلى أنه لم يكن في حالة روحانية لقوله (فأمكنني الله منه فأخذته) فالتمكين والأخذ ألفاظ تدل على حضور مادي حدث .. والله أعلم .

 

- قوله (فأمكنني الله منه فأخذته): أي أقدرني الله عليه فأمسكته وقبضت عليه.

 

- قوله (فأرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ علَى سَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ): أي أردت من وراء إمساكي له هو أن أربطه أسيرا في عامود من أعمدة المسجد حتى يرى الناس مدى إذلال الشيطان وقهره .. وأنه ليس بشيء حتى يخافه أحد .

 

- قوله  (فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ): أي استحضرت في نفسي دعوة سليمان عليه السلام وهو أخوه في الإيمان والنبوة .. وهذه الدعوة هي ما دعا به الله حين قال: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص35.

 

- قوله (فرددته خاسئا): أي فدفعته مطرودا ذليلا لم يبلغ مراده في تضليلي عن الصلاة ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- تمكين النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان .. لا علاقة له باختصاص سليمان بدعوة معينة قد دعاها لله .. حيث قال: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ص35.

 

#- فالمقارنة بين فعل النبي ودعوة سليمان والزعم بأن ما فعله النبي يندرج تحت ملك سليمان .. فهذا كلام باطل من عدة وجوه:

- الأول: أن الله لم يعقب على هذه الدعوة إلا من حيث أنه وهبه الملك والسلطان الذي منحه له ولكن الله لم يقل له أن هذا ليس لأحد غيرك من الأنبياء والرسل .. ولذلك قال تعالى: (سَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) ص36-37.

 

- الثاني: كل مُلك في الدنيا وله مَلك عليه .. وسليمان عليه السلام كان ملكا على الجن والشياطين .. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ليس مَلكا على الجن والشياطين حتى يقال كيف مكنه الله من شيطان ..!!

- فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليس عن سلطان على مملكة الشياطين .. وإنما تصريفا في شيطان قد اعترضه .. ولا يسمى هذا مُلكا على الجن لأنه لم يكن ملكا عليهم ..!!

 

- الثالث: كما هو معلوم أن سليمان عليه السلام كان ملكا نبيا .. فكان يقصد من وراء دعوته أن لا يكون لأحد من الملوك مثل هذا الملك حتى لا يطغى به في الأرض .. والنبي صلى الله عليه وسلم ليس من ملوك الأرض حتى يدخل في تلك الدعوة .

 

- الرابع: إذا كان ملك سليمان على الجن والشياطين تصرفا فيهم كلهم بتسخيرهم في عالم الوجود طلبا للإمداد (بقدرتهم) والإيجاد (ببناء مملكته) .. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له تصرفا في بعضهم بالطرد والإبعاد .. وشتان بين من يتصرف في الكل ويظهر لهم أثر في الوجود يفعلوه .. وبين من يصرف في آحاد وليس لهم أثر في الوجود به يمدوه .. فافهم.

 

- الخامس: إذا كان بعض الناس لهم استمتاع بعالم الجن والشيطان كما أخبرنا تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) الأنعام128 .. وهذا لا يسمى ملكا على الجن وإنما تسخيرا لبعضهم .. ألا يكون للأنبياء والرسل تصرفا في الشياطين بصرفهم وطردهم ؟!!

- ما لكم كيف تحكمون ؟!!

 

- السادس: لا يقال على الذين يرقون المصابين روحانيا ويطردون الشيطان .. أن هذا تمكين وسلطة على عالم الشياطين .. وإنما يقال مكنه الله من شيطان فطرده ..

- وكذلك الحال حينما تستعيذ بالله من الشيطان وطردت الوسواس عنك .. فأنت تكون تمكنت بالله من شيطانك ولا يقال حينئذ أن لك ملك سليمان بالتصرف الكامل في عالم الجن والشياطين ..!! ولا يقول بما سبق أي عاقل في الحياة ..!!

 

- السابع: من يظن أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم تصرفا وقدرة من الله في التمكن من طرد الشيطان والتحكم فيه .. فهذا معناه ان الشيطان هو من له سلطه وقدرة في التحكم بالنبي .. ولا يقول بذلك إلا من كفر بالله .. لأنه بذلك كذب كلام الله الذي جاء فيه: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) الطور48 .. أي في عناية الله وحفظه ورعايته ..

 

- الثامن: ومن يظن بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له قدرة من الله بالتصرف في قهر الشيطان .. يكون فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ليس متوكلا على الله وأن الله قد خذله وتركه للشياطين يتصرفون فيه كيفما أرادوا .. وهذا فيه تكذيب للقرآن أي تكذيب لله .. لأن الله تعالى قال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الإسراء65.

 

- وفيما سبق الكفاية لمن كان له قلب ..

  

***********************

 

..:: س26: أليس في تسليط الشيطان على النبي مخالفة لقوله تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) ؟ ::..

 

- ومما قد يخطر ببالك .. أليس في تسليط الشيطان على النبي مثلما اعترضه في الصلاة .. يظهر من وراء ذلك مخالفة لقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الحجر42..؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: هل يوجد ما يمنع من مجاهدة الأنبياء والمرسلين للشيطان ؟

- بكل تأكيد .. لا .. وإلا ..

أ- لماذا قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف200. ؟!

- والنزغ هو أول هاجس يظهر في النفس من الوسوسة ..

 

ب- ولماذا قال تعالى عن أيوب: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) ص41..؟!

 

ج- ولماذا قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام112.؟!

 

د- ولماذا قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الانبياء35 ..

- والشيطان من جملة الشر .. أليس كذلك ؟!!

 

هـ- ولماذا قال تعالى عن كل الأنبياء والمرسلين: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحج52.؟!

 

#- والمعنى من تفسير المنتخب:

-  لا تحزن - أيها النبي - من محاولات هؤلاء الكفار، فقد جرت الحوادث من قبلك مع كل رسول من رسلنا ونبي من أنبيائنا أنه كلما قرأ عليهم شيئاً يدعوهم به إلى الحق تصدى له شياطين الإنس المتمردون لإبطال دعوته وتشكيك الناس فيما يتلوه عليهم لكى يحولوا بين النبي وبين أمنيته في إجابة دعوته، فيزيل الله ما يدبِّرون، ثم تكون الغلبة في النهاية للحق؛ حيث يثبت الله شريعته، وينصر رسوله، وهو عليم بأحوال الناس ومكائدهم، حكيم في أفعاله يضع كل شيء في موضعه. (انتهى النقل من التفسير).

 

#- ثانيا: ما هو مفهوم سلطان الشيطان ؟

- الذين فهموا مسألة السلطان فهموها غلط .. لأنهم ظنوا أن آية (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) الحجر42 .. هو منع التسليط بالكلية عن الإنسان .. وهذا وهم لا وجود له إلا في عقولهم .. وإلا فما فائدة وجود القرين الشيطاني ؟!! وما فائدة الآيات السابقة الدالة على إمكانية تسليط الشيطان ..؟!!

 

- فما فهموه من الآية - والله أعلم - هو فهم خطأ .. لأن السلطان معناه استحواذ على العبد حتى يصل به إلى الكفر .. والذي أراه في القرآن أن هناك تسليطين من الشيطان على الإنسان ..

أ- هناك تسليط ابتلاء .. ومنه قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) الحج52.. ، وقوله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الانبياء35 .. والشيطان من جملة الشر .

ب- وهناك تسليط استحواذ .. ومنه قوله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المجادلة19..
 
#- وخلاصة القول:
- فإن الشيطان قد يتسلط على الإنسان ابتلاء له مهما كان درجته عند الله حتى لو نبي أو رسول ... وذلك بالنسبة للمؤمن لبيان شرف المجاهدة وإظهار صدق الإيمان والتعلق بالله .. لأن المتعلق بالله هو الأعلى .. والمستسلم للشيطان هو الأدنى .. وشرف الإنسان في تعلقه بربه وليس بخوفه واستسلامه لشيطانه .. والله أعلم .

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .