ج12: رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان - هل تعرض الشيطان لسيدنا ذا الكفل عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل - هل "ذو الكفل" في القرآن هو نفسه "ذو الكفل" أو "الكفل" المذكور في روايات الحديث - ما الحكمة من معرفة أسماء أنبياء ذكرهم القرآن مع إبهام قصصهم.

        بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الملاك والجن والشيطان

وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان

 (الفصل الثاني عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني عشر :: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام بعض الأنبياء والمرسلين (ذو الكفل عليه السلام) - ومناقشة هذه الأحاديث ::

1- س51: هل تعرض الشيطان لسيدنا ذا الكفل عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل ؟

2- س52: هل "ذو الكفل" في القرآن هو نفسه "ذو الكفل" أو "الكفل" المذكور في روايات الحديث ؟

3- س53: ما الحكمة من معرفة أسماء أنبياء ذكرهم القرآن مع إبهام قصصهم ؟

*************************

:: الفصل الثاني عشر ::

:: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام الأنبياء والمرسلين (ذو الكفل عليه السلام) - ومناقشة هذه الأحاديث ::

***************************

 

..:: س51: هل تعرض الشيطان لسيدنا ذا الكفل عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل ؟ ::..

 

- يقول تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) الأنبياء85 .. ويقول تعالى: (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) ص48 ..

- ويغلب على الظن أنه نبي من الأنبياء لأنه أتى ذكره وسط جماعة الأنبياء .. والله أعلم .

 

#- من الروايات التي قيلت في تعرض الشيطان لذي الكفل عليه السلام ..

 

#- الرواية الأولى ..

- رواية صحابي .. (رواية باطلة سند ضعيف ومتن مقطوع منكر) .. عن أحمد بن يونس حَدَّثَنَا أبو بكر بن عياش عَنِ الأعمش عَنْ مسلم قَالَ: قَالَ: ابن عباس: (كَانَ قَاضٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَحَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَقَالَ: مَنْ يَقُومُ مَقَامِي عَلَى أَلَّا يَغْضَبَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا. فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ.

- قَالَ (الراوي بن عباس): فَكَانَ لَيْلَهُ جَمِيعًا يُصَلِّي، ثُمَّ يُصْبِحُ صَائِمًا فَيَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ .

- قَالَ (الراوي): وَلَهُ سَاعَةٌ يَقِيلُهَا .. قَالَ: فَكَانَ كَذَلِكَ.

- فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ نَوْمَتِهِ .. فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ (أي من يقوم بخدمة ذو الكفل): مَا لَكَ ؟

- قَالَ (إبليس): إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ، لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهِ. قَالُوا: كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (أي انتظره حتى يصحو).

- قَالَ (الراوي): وَهُوَ فَوْقَ نَائِمٌ فَجَعَلَ يَصِيحُ عَمْدًا حَتَّى يُوقِظَهُ ..

- قَالَ (الراوي): فَسَمِعَ (ذو الكفل) فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ (إبليس): إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ، لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ.

- قَالَ (ذو الكفل): اذْهَبْ (لمن أخذ حقك) فَقُلْ لَهُ يُعْطِيكَ .

- قَالَ (إبليس): قَدْ أَبَى (رفض) ...

- قَالَ (ذو الكفل): اذْهَبْ أَنْتَ إِلَيْهِ ..

- قَالَ (الراوي): فَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَ مِنَ الْغَدِ ..

- فَقَالَ (ذو الكفل): مَا لَكَ؟

- قَالَ (إبليس): ذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَرْفَعْ بِكَلَامِكَ رَأْسًا.

- قَالَ (ذو الكفل): اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يُعْطِيكَ حَقَّكَ.

- قَالَ (الراوي): فَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَ مِنَ الْغَدِ حِينَ قَالَ ..

- قَالَ (الراوي): فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ (أي بعض من يخدم ذو الكفل): اخْرُجْ .. فَعَلَ اللَّهُ بِكَ (أي ما تستحقه نتيجة ازعاجك) .. تَجِيءُ كُلَّ يَوْمٍ حِينَ ينام، لا تَدَعُهُ يَنَامُ ؟!! ..

- فَجَعَلَ (إبليس) يَصِيحُ: مِنْ أَجْلِ أَنِّي إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ، لَوْ كُنْتُ غَنِيًّا (لاستجبت لي)؟

- قَالَ (الرواي): فَسَمِعَ أَيْضًا ..

- فَقَالَ (ذو الكفل): مَا لَكَ؟

- قَالَ (إبليس): ذَهَبْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبَنِي.

- قَالَ (ذو الكفل): امْشِ حَتَّى أَجِيءَ مَعَكَ ..

- قَالَ (الراوي): فَهُوَ مُمْسِكٌ بِيَدِهِ .. فَلَمَّا رَآهُ ذَهَبَ مَعَهُ .. ونَثَر يَدَهُ مِنْهُ فَفَر) رواه أبو حاتم في تفسيره وعنه بن كثير في تفسيره وفي البداية والنهاية ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: من حيث السند ..

1- في الرواية (سليمان بن مهران الأعمش) .. وهو لم يصرح بالسماع من (مسلم بن صبيح) .. وهذا يضعف السند .. ولو كان هذا هو (مسلم بن كيسان) فالرواية تكون منقطعة لأن بن كيسان لم يسمع من عبد الله بن عباس ..!!

 

2- الرواية موقوفة على بن عباس فهي مرسلة ضعيفة .. ولا نعلم عمن أخذ هذه القصة الغيبية .. ويغلب على الظن في حالة ثبوتها عنه أنه أخذها من اسرائليات أهل الكتاب الذين أسلموا .. وقد تكون رواية ملفقة لابن عباس ..!!

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- الرواية هنا تتحدث أن ذو الكفل مجرد رجل صالح .. وهذا يخالف ظاهر القرآن .. حيث ذكر تعالى اسم ذو الكفل بين جماعة الأنبياء .. فلا ينصرف الفهم إلا لكونه نبيا مثلهم .. حيث يقول تعالى: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) الأنبياء85 .. ويقول تعالى: (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) ص48 .. والله أعلم ..

 

2- عموما هذه مجرد قصة يتم روايتها .. فلا حجة فيها لشيء خاصة لمن يزعم أن الشيطان يتمثل تجسيدا في صورة إنسان .. لأنه لا دليل على صحة هذه الرواية .. لأنها مقطوعة أي هي مجرد كلام تابعي كان يروى الغرائب والعجائب التي يسمعها .. ولا علاقة لذلك بالدين الإسلامي ..!!

- فلا دليل في كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد صحة هذه القصة حتى نعتقدها أو نصدقها..!!

#- الرواية الثانية ..

- رواية تابعي .. (رواية باطلة صحيحة السند ومقطوعة المتن منكرة) - عن مُحَمَّد بن المثنى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَال: (لَمَّا كَبُرَ الْيَسَعُ (نبي) قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَخْلَفْتُ رَجُلًا عَلَى النَّاسِ يَعْمَلُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِي حَتَّى أَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ ..

- فَجَمَعَ النَّاس فَقَالَ: من يتقبل لي بِثَلَاثٍ أَسْتَخْلِفُهُ.. يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَغْضَبُ .

- قَالَ (الراوي): فَقَامَ رَجُلٌ تَزْدَرِيهِ الْعَيْنُ (أي تستقله الناس لهيئته) ، فَقَالَ: أَنَا.

- فَقَالَ (الْيَسَعُ): أَنْتَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا تَغْضَبُ ..

- قَالَ (الرجل): نَعَمْ ..

- قَالَ (الرواي): فَرَدَّهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ .. وَقَالَ (الْيَسَعُ) مِثْلَهَا الْيَوْمَ الْآخَرَ .. فَسَكَتَ النَّاسُ وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجل فَقَالَ: أَنَا.. فَاسْتَخْلَفَهُ .

- قَالَ (الراوي): فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَقُولُ لِلشَّيَاطِينِ عَلَيْكُمْ بِفُلَانٍ .. فَأَعْيَاهُمْ ذَلِكَ ..

- فَقَالَ (إبليس): دَعُونِي وَإِيَّاهُ فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ فَقِيرٍ، وَأَتَاهُ حِينَ أَخَذَ مَضْجَعَهُ لِلْقَائِلَةِ، وَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، إِلَّا تِلْكَ النَّوْمَةَ فَدَقَّ الْبَابَ ..

- فَقَالَ (الرجل): مَنْ هَذَا؟ ..

- قَالَ (إبليس): شَيْخٌ كَبِيرٌ مَظْلُومٌ ..

- قَالَ (الراوي): فَقَامَ (الرجل) فَفَتَحَ الْبَابَ .. فَجَعَلَ (إبليس) يَقُصُّ عَلَيْهِ ..

- فَقَالَ (إبليس): إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي خُصُومَةً وَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِي وَفَعَلُوا بِي وفعلوا .. (أي ظل يحكي) حَتَّى حَضَرَ الرَّوَاحُ (أي وقت العصر) وَذَهَبَتِ الْقَائِلَةُ (أي ذهبت شمس الظهر)..

- وَقَالَ (الرجل): إِذَا رحلت فَأْتِنِي آخُذْ لَكَ بِحَقِّكَ.. فَانْطَلَقَ وَرَاحَ (أي ذهب).

- فَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى الشَّيْخَ فَلَمْ يَرَهُ فَقَامَ يَتْبَعُهُ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَعَلَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ وَيَنْتَظِرُهُ فَلَا يَرَاهُ.

- فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْقَائِلَةِ فَأَخَذَ مَضْجَعَهُ، أَتَاهُ فَدَقَّ الْبَابَ فَقَالَ (الرجل): مَنْ هَذَا .. فَقَالَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْمَظْلُومُ .. فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِذَا قَعَدْتُ فَأْتِنِي ..

- فَقَالَ (إبليس): إِنَّهُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ إِذَا عَرَفُوا أَنَّكَ قَاعِدٌ قَالُوا نَحْنُ نُعْطِيكَ حَقَّكَ وَإِذَا قُمْتَ جَحَدُونِي ..

- قَالَ (الرجل): فَانْطَلِقْ فَإِذَا رُحْتُ فَأْتِنِي ..

- قَالَ (الراوي): فَفَاتَتْهُ الْقَائِلَةُ (أي فات الرجل وقت النوم بعد الظهر) .. فَرَاحَ فَجَعَلَ يَنْتَظِرُ فَلَا يَرَاهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ النُّعَاسُ .. فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ (أي رجلا يخدمه) لَا تَدَعَنَّ أَحَدًا يَقْرُبُ هَذَا الْبَابَ حَتَّى أَنَامَ فَإِنِّي قَدْ شَقَّ عَلَيَّ النَّوْمُ.

- فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ السَّاعَةَ جَاءَ .. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ (أي الخادم) وَرَاءَكَ وَرَاءَكَ (أي ارجع الآن) ..

- فَقَالَ (إبليس): إِنِّي قَدْ أَتَيْتُهُ أَمْسِ فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرِي ..

- فَقَالَ (الخادم): لَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَدَعَ أَحَدًا يَقْرُبُهُ ..

- فَلَمَّا أَعْيَاهُ (أي لما منع الخادم إبليس من الدخول) نَظَرَ فَرَأَى كُوَّةً فِي الْبَيْتِ فَتَسَوَّرَ مِنْهَا فَإِذَا هُوَ فِي الْبَيْتِ وَإِذَا هُوَ يَدُقُّ الْبَابَ مِنْ دَاخِلٍ ..

- قَالَ (الراوي): فَاسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا فُلَانُ (الخادم) أَلَمْ آمرك (أن لا يدخل أحد علي) ..؟!! قَالَ (الخادم) أَمَّا مَنْ قبلي والله فلم تُؤْتَ فَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ؟

- قَالَ (الرواي): فَقَامَ (الرجل) إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُغْلَقٌ كَمَا أَغْلَقَهُ وَإِذَا الرَّجُلُ (إبليس) مَعَهُ فِي الْبَيْتِ فَعَرَفَهُ .. فَقَالَ أَعَدُوَّ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ أَعْيَيْتَنِي فِي كُلِّ شيء ففعلت ما ترى لأغضبنك .. [فعصمك الله مني] فَسَمَّاهُ اللَّهُ ذَا الْكِفْلِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِأَمْرٍ فَوَفَّى بِهِ) رواه أبو حاتم في تفسيره وذكره عنه بن كثير في البداية والنهاية (1/259) .. وقال بن كثير: وقد روى ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس قريبا من هذا السياق .. وهكذا رُوي عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابن حجيرة الأكبر وغيرهم من السلف نحو هذا ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- ملحوظة هامة جدا: جعلت الرواية المقطوعة وهي المنقولة عن تابعي في جزء تحقيق السند .. بالرغم من أنه يجب وضعه في المتن لأن المقطوع من أحكام المتن .. وذلك حتى ينتبه القاريء في تحقيق نص المتن فقط .. وهذا في كل الروايات التي أحققها .. فلزم التنويه على ذلك.

- أولا: من حيث السند ..

- السند صحيح حتى (مجاهد بن جبر- التابعي- المتوفى:102هـ) .. ولكنها رواية مقطوعة عليه .. ولا نعرف عمن أخذها ورواها عنه .. وغالبا هي مأخوذة من مرويات الإسرائليات .. لان مجاهد رضي الله عنه كان له فضول البحث في هذه الأمور المبهمة في الدين ..!!

 

#- قال المؤرخ الزِّرِكلي رحمه الله عن مجاهد بن جبر:

- قال الذهبي: شيخ القراء والمفسرين. أخذ التفسير عن ابن عباس، قرأه عليه ثلاث مرات، يقف عند كل آية يسأله: فيم نزلت وكيف كانت؟ وتنقل في الأسفار، واستقر في الكوفة.. وكان لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها: ذهب إلى " بئر برهوت " بحضرموت، وذهب إلى " بابل " يبحث عن هاروت وماروت. أما كتابه في " التفسير " فيتقيه المفسرون، وسئل الأعمش عن ذلك، فقال: كانوا يرون أنه يَسأل أهل الكتاب، يعني النصارى واليهود.. ويقال: أنه مات وهو ساجد. (راجع موسوعة الاعلام للزركلي ج 5 ص 278).

 

#- وقال الذهبي رحمه الله:

- ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تستنكر .. (راجع سير أعلام النبلاء ترجمة برقم 175).

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- والرواية منكرة المتن جدا .. بالرغم من كونها مجرد قصة إلا أن فيها اتهام لنبي بالجهالة ..!!

 

- إذ كيف نصدق أن الشيطان أتى عدة أيام متتالية لذي الكفل وهو نبي .. ولم يعرفه ذو الكفل ؟!!

 

- فهذا معارض لكل القصص سواء الصحيحة أو الضعيفة والمكذوبة التي رويت في تعرض الشيطان للأنبياء حيث أنهم كانوا يعرفون أنه شيطان .. !!

 

2- وعلى افتراض أن ذا الكفل هو شخص صالح .. فهذه مجرد قصة يتم روايتها .. فلا حجة فيها لشيء خاصة لمن يزعم أن الشيطان يتمثل تجسيدا في صورة إنسان .. لأنه لا دليل على صحة هذه الرواية .. لأنها مقطوعة أي هي مجرد كلام تابعي كان يروى الغرائب والعجائب التي يسمعها .. ولا علاقة لذلك بالدين الإسلامي ..!!

- فلا دليل في كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤيد صحة هذه القصة حتى نعتقدها أو نصدقها..!!

 

#- الرواية الثالثة ..

- رواية تابعي .. (رواية باطلة ضعيفة السند ومقطوعة المتن منكرة) .. قَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن عبد الله بن الْحَارِث فِي "ذِي الكفل" قَالَ: (قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء لمن مَعَه .. هَل مِنْكُم من يكفل لي (أنه) لَا يغْضب وَيكون معي فِي درجتي وَيكون بعدِي فِي قومِي ؟

- فَقَالَ شَاب من الْقَوْم: أَنا ..

- ثمَّ أعَاد (النبي) عَلَيْهِ ..

- فَقَالَ الشَّاب: أنا ..

- فَلَمَّا مَاتَ قَامَ الشَّاب بعده فِي مقَامه .. فأتاه إِبْلِيس ليغضبه ..

- فَقَالَ الرجل "ذو الكفل" (لأحد أتباعه): اذْهَبْ مَعَه (أي مع إبليس) .. فجَاء (فرجع التابع) فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ..

-  ثمَّ أَتَاهُ فَأرْسل مَعَه آخر .. فجَاء فَقَالَ لم أر شَيْئا ..

- ثمَّ أَتَاهُ فَأَخذه (الرجل ذو الكفل) بِيَدِهِ فانفلت مِنْهُ (أي هرب منه الشيطان) .. فَسمى ذَا الكفل لِأَنَّهُ كفل ان لَا يغْضب) ذكره الشبلي في آكام المرجان في أحكام الجان .. وهذه الرواية ضعفها بن كثير في البداية والنهاية (1/259) .. وقال بن كثير: وهكذا رُوي عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابن حجيرة الاكبر وغيرهم من السلف نحو هذا .. أهـ.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: من حيث السند ..

1- في الرواية (الأعمش) وقد دلس في السند فلم يسمع من المنهال بن عمرو .. وضعفها الإمام بن كثير كما سبق بيان ذلك .

 

2- الرواية مقطوعة على (عبد الله بن الحارث - التابعي المتوفى:90هـ) .. فلا نعرف عمن أخذ هذه القصة الغيبية ..!! 

 

- ثانيا: من حيث المتن ..
1- فهو مخالف للقرآن الذي يشار فيه إلى أن ذو الكفل هو من الانبياء وليس رجل عادي من الصالحين ..
2- لا يخفى أن هذه القصة ليست حجة شرعية في إثبات شيء ..!!

 

#- خلاصة القول:

- هذه روايات لا يحتج بها في إثبات شيء .. وبالتالي لا دلالة فيها ولا حجة شرعية فيها على تمثيل الشيطان في صورة إنسان لذي الكفل .. لفساد الرواية من أساسه.

 

#- في وهذه القصة مسألتين أحب الكلام عنها خطرتا على بالي .. وهما:

1- هل "ذو الكفل" في القرآن هو نفسه "ذو الكفل" أو "الكفل" المذكور في روايات الحديث ؟!!

- ثم يترتب على غموض معرفة ذو الكفل .. سؤال قد يخطر على بالك فتقول بحثا عن الحكمة متسائلا:

2- ما الحكمة من ذكر أسماء لأنبياء في القرآن مع إبهام قصصهم ؟!!

- وإليك بيان ما سبق ..

 

***********************

..:: س52: هل "ذو الكفل" في القرآن هو نفسه "ذو الكفل" أو "الكفل" المذكور في روايات الحديث ؟ ::..

 

#- أولا: من هو ذو الكفل ؟

- سبق وأشرنا إلى أنه تم ذكره في القرآن .. ولكن هناك آراء قيلت فيه .. فمن ذلك .. 

1- قيل عن ذو الكفل أنه نبي .. وأنه النبي حزقيال الذي أتى ذكره في توراة اليهود .. "وهذا قول لا دليل عليه" .. ولعل من اختاره فهو قياسا على الترتيب الزمني للأنبياء حسب التوراة التي بين يد اليهود ..

 

2- وقيل أنه نبي واسمه بشر بن أيوب عليه السلام .. كما (في رواية مكذوبة) .. عن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: (كَانَ عُمْرُ أَيُّوبَ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَى ابْنِهِ حَوْمَلٍ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ ابْنَهُ بِشْرَ بْنَ أَيُّوبَ نَبِيًّا وَسَمَّاهُ ذَا الْكِفْلِ، وَأَمَرَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بِالشَّامِ، عُمْرَهُ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ عُمْرُهُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَإِنَّ بِشْرًا أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ عَبْدَانَ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُمْ شُعَيْبًا) رواه الحاكم .. وقال الذهبي: في إسناده عبد المنعم بن إدريس وقد كذب.

 

3- وقيل عنه أنه رجل صالح .. وهذا قول فيه نظر لأنه أتى ذكره مع أنبياء في نفس سياق الآية .. ومن قال بذلك فبسبب الروايات التي ذكرناها سابقا التي أتى في بعضها أنه مجرد رجل اختاره النبي "اليَسع عليه السلام" .. بالإضافة إلى الروايات التالية .

 

#- ثانيا: التحقيق في مسألة كونه رجل صالح:

- جاء في بعض الروايات أن ذو الكفل رجل صالح .. ولكنها روايات لا علاقة لها بتعرض الشيطان لذو الكفل ولذلك لم نذكرها في السؤال السابق .. وإنما أذكر لك بعض الروايات التي فيها خلاف حول هوية ذو الكفل من حيث كونه نبي أو رجل صالح ..

 

#- الرواية الأولى:

-  رواية تابعي .. (ضعيفة السند جدا) .. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ أنبئنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ كِنَانَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ قَالَ سَمِعْتُ الْأَشْعَرِيَّ - يَعْنِي أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: (مَا كَانَ ذُو الْكِفْلِ نَبِيًّا، ولكن كان رجل صالح يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ، فَتَكَفَّلَ لَهُ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَعْدِهِ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلَاةٍ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْلِ) ذكره بن كثير في البداية والنهاية وقال: رواه ابن جرير من طريق عبد الرزاق "عن معمر عن قتادة وقال: قال أبو موسى الأشعري" .. فذكره منقطعا ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: من حيث السند ..

1- في الرواية (قتادة بن دعامة) .. وقد دلس في سماع هذا الخبر .. حيث لم يسمعه من (كِنَانَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ) ..

2- وفي الرواية (كِنَانَةَ بْنِ الْأَخْنَسِ) .. وهو مجهول لم أجده في كتب التراجم .

3- والرواية موقوفة على (أبي موسى الأشعري) .. ولا نعلم عمن أخذ هذه القصة الغيبية ..!!

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

- فهو منكر .. لأن ذو الكفل على الوجه الأصح هو كان نبيا ولم يكن رجل صالح .. وقد أشرنا لذلك من خلال آيات القرآن حيث تم ذكره مع الأنبياء .. والله أعلم .

 

#- الرواية الثانية:

- حديث نبوي .. (مختلف على صحته وضعفه) .. عن أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله عن سعيد بن جبير عن بن عُمَرَ قَالَ: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً يَقُولُ: كَانَ ذُو الْكِفْلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ .. فَهَوِيَ امْرَأَةً فَرَاوَدَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا .. فَلَمَّا جَلَسَ مِنْهَا بَكَتْ وَأُرْعِدَتْ ..

- فقَالَ لَهَا: مَا لَكِ ؟

- فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ لَمْ أَعْمَلْ هَذَا الْعَمَلَ قَطُّ وَمَا عَمِلْتُهُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ.

- قَالَ (أي النبي): فَنَدِمَ ذُو الْكِفْلِ وَقَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ .. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدُوا عَلَى بَابِهِ مَكْتُوبًا إن الله قد غفر لك) رواه بن حبان (بلفظ "ذو الكفل") .. وذكره الألباني في الضعيفة وضعيف الترغيب .. وقال الأرنؤوط تلميحا إلى صحة الرواية بقوله: رجاله ثقات رجال الصحيح غير عبد الله بن عبد الله - وهو الرازي مولى بني هاشم - فإنه من رجال الصحاب السنن، وهو صدوق.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: من حيث السند ..

- فيه سليمان بن مهران الأعمش وقد دلس في الرواية .. ولم يصرح بالسماع من "عبد الله بن عبد الله - وهو أبو جعفر الرازي" .. وهذا سبب أراه كافي في ضعف الرواية ..  

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- الرواية لم تذكر أن "ذو الكفل" المذكور في الرواية هو نفسه المذكور في القرآن .. فلماذا البعض ظن ذلك .. وما دليله أن هذا هو ذاك ؟!! وبالتأكيد ليس من خلال تشابه الأسماء .. لأن هذا ليس دليل ..!!

 

2- بل أن القول بأن "ذو الكفل" في الرواية هو نفسه المذكور في القرآن .. فحينئذ تكون هذه الرواية باطلة .. ليه ؟

- لأن "ذو الكفل" هذا المذكور في الرواية السابقة .. تم وصفه بأن حاله كان العصيان دائما ويتجرأ على فعل الذنوب ولا ورع في نفسه على الإطلاق لله إلا في هذا الموقف فقط الذي منع نفسه فيه عن المرأة .. فهذا العمل يكسبه رحمة من الله وغفران .. ولكنه ليس سببا كافيا ليجمعه الله مع بعض الأنبياء والمرسلين في آية واحدة وهم الذين منزهين عن ارتكاب الكبائر ..!!

- والله أعلم .

 

#- الرواية الثالثة:

- حديث نبوي .. (مختلف على صحته وضعفه) عن الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مِرَارٍ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: (كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا .. فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امرأته أرعدت وبكت ..

- فقال لها: ما يبكيك ؟ أَكْرَهْتُكِ (أي هل أجبرتك على أن تفعلي ذلك)؟

- قَالَتْ: لَا .. وَلَكِنْ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ وَإِنَّمَا حَمَلَتْنِي عَلَيْهِ الْحَاجَةُ ..

- قَالَ: فَتَفْعَلِينَ هَذَا وَلَمْ تَفْعَلِيهِ قَطُّ .. !!

- ثُمَّ نَزَلَ (أي ابتعد عنها) .. فَقَالَ اذْهَبِي بِالدَّنَانِيرِ لَكِ ..

- ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَعْصِي اللَّهَ الْكِفْلُ أَبَدًا ..

- فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ قَدْ غَفَرَ الله لكفل) رواه أحمد والحاكم والترمذي (بلفظ الكفل وليس ذو الكفل).. وقال الحاكم: حديث صحيح ووافقه الذهبي .. وقال أحمد شاكر: حديث صحيح .. وذكره الألباني في الضعيف وضعيف الترغيب .. وقال محققو المسند برئاسة الأرنؤوط: إسناده ضعيف .. سعد مولى طلحة لم يرو عنه غير عبد الله بن عبد الله - وهو أبو جعفر الرازي -، وقال أبو حاتم: لا يعرف هذا الرجل إلا بحديث واحد يعني به حديث الكفل هذا، وتساهل ابن حبان فأورده في "الثقات ". وباقي رجاله ثقات.أ.هـ

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1-هذه الرواية السابقة يقال فيها ما قلته سواء في السند أو المتن .. وتصحيح الرواية يكون على افتراض أنه ليس "ذو الكفل" المذكور في القرآن .. بل أن هذه الرواية تؤكد ظني في أن الرواية تتحدث عن شخص ما اسمه "ذو الكفل" وجاءت بلفظ (الكفل) .. وهو غير ما هو المذكور في القرآن ..

 

#- ملحوظة هامة جدا لفتت نظري من خلال الروايتين السابقتين عن "الكفل" أو "ذو الكفل" في روايات الحديث السابقة ..

- وهي أنه يوجد قصة شبيهة بالضبط للقصة التي قيلت في رواية "ذو الكفل" السابقة .. وهذه القصة هي ما جاء في الصحيح بما لفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ حتَّى أوَوُا المَبِيتَ إلى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عليهمُ الغَارَ، فَقالوا: إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ ..

- فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ.

- قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ (أي أصابتها ضائقة مادية واحتياج للمال) ، فَجَاءَتْنِي فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ .. حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ .. فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا .. فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ .. وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا .. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها.

- قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ..، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ) صحيح البخاري.

 

- انتبه للرواية السابقة إلى قصة الرجل الثاني الذي حكى قصته مع ابنة عمه .. ستجدها مشابهة تماما للقصة المروية عن "ذو الكفل" مع اختلاف أن امرأة الكفل كانت امرأة عادية وامرأة الرجل الآخر كانت ابنة عمه ..!!

 

#- وقصدت بتشابه القصص هو توضيح أمرين ..

1- إحتمالية صحة قصة "الكفل - أو ذو الكفل" كشخص عادي ..

2- أن الإحسان جزاءه الإحسان حتى ولو كنت من أهل العصيان .. فالله عدل .

 

#- وخلاصة القول فيما سبق:

1- أن أرجح الأقوال بلا منازع هو أن ذو الكفل هو نبي كريم .. حيث أتى ذكره مع بعض الأنبياء في آية واحدة .. للدلالة على أنه نبيا مثلهم .. والله أعلم .

 

2- ومن ناحية أخرى أن الروايات التي قيل فيها عن "ذو الكفل" أو "الكفل" .. حتى على افتراض صحة سندها .. فهي المقصود منها شخص ما اسمه "ذو الكفل" أو "الكفل" .. وهي قصة للدلالة على سعة رحمة الله وعظيم غفرانه .. ولا يمكن أن يكون "ذو الكفل" في هذه القصة هو المذكور في القرآن .. وقد بينت سبب عدم إمكان ذلك ..  

- والله أعلم .

 

#- وهنا قد يخطر ببالك سؤال بعد ما سبق فتقول:

- ما الحكمة من معرفة أسماء أنبياء ذكرهم القرآن مع إبهام قصصهم ؟!!

 

**************************

 

..:: س53: ما الحكمة من معرفة أسماء أنبياء ذكرهم القرآن مع إبهام قصصهم ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: قبل أن أجيبك على هذا السؤال .. اعرف الآتي ..

- من المهم معرفة الحكمة .. ولكن فيما هو متاح لك وليس فيما هو غائب عنك ولا علم لك فيه ولا سبيل للوصول إليه إلا بوحي ..

- فحينما نسأل سؤال عن معرفة الحكمة في إبهام قصص بعض الأنبياء مع ذكر أسمائهم .. فهذا معناه ان نسأل في هذه الجزئية فقط .. وليس معناه نذهب لنأتي بقصة لهذا النبي ..!! فهذا لم يطلبه منا الله حتى نبحث عنه أو حتى نفكر فيه .. ولذلك أتت الخرافات ودخلت في الكتب الدينية .. بسبب البحث فيما ليس لك به علم ولم يطلبه منك الله أن تبحث فيه .. إذ لو أراد لك ذلك لكان هو من ذكر لك شيئا من قصة هذا النبي ..!!

 

- وكما أن ذكره تعالى للقصة هو لحكمة .. فحجبه لقصة أخرى هو لحكمة .. فأبصر ..

 

#- ثانيا: إذا علمت ما سبق .. فإليك إجابة السؤال بقدر ما خطر ببالي إجابته ..

- إذا كان سبب ذكر نبي أو رسول هو تكريما له وتشريفا .. إلا أن حكمة غموض قصته أو عدم ذكرها كغيره من الانبياء .. فهذا للآتي:

 

1- لعل في قصصهم تكرار أحداث حدثت قد ذكرها القرآن مع أنبياء آخرين .. ولذلك اكتفى القرآن بالإشارة لهم بأسمائهم من باب التكريم والتشريف ..

2- القصد أن تنتبه إلى أنه ليس كل الصالحين يتم معرفتهم وما فعلوه لأن الله أراد جعلهم أخفياء لحكمة هو يعلمها .. ولكن إذا كانوا أخفياء عنك وغاب عنك معرفتهم وكشفهم في الحياة لك .. إلا أن الله لا يغيب عنه شيئا في الأرض ولا في السماء وإنهم في معية الله إلى يوم الدين والله لا يضيع أجر المحسنين .. وإنما ظهور البعض وإخفاء البعض فإنما هو حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية في الوجود .. ولكن سواء كان ظاهر أو خفيا فهو في المعية .. أي في معية الله بالرحمة والغفران والعفو والرضوان .. والله أعلم .

 

3- لعل الله أراد جعل من إبهام القصص فتنة للبعض .. فهل سيجره الفضول ليبحث فيما ليس له علم فيه وينشره بين الناس وبالتالي تحدث فتنة بالقيل والقال وظهور معتقدات باطلة .. أم سيكتفي بما أتاه الله من علم يقين فيتدبر فيه .. ؟!!

 

- فهذا اختبار كبير في نفوس أهل العلم .. وهذا الفضول العلمي فيما ليس فيه علم قرآني ولا توجيه نبوي .. قد بدأ بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ودخول بعض أهل الكتاب في الإسلام .. وأصبح هناك تبادل معلومات بين من أسلم مع من هو مسلم في تشابه بعض القصص والاخبار ..!! وهو ما يسمى بالإسرائليات ..

 

- ولكن يبقى الموضوع على أنه فتنة .. ولازال فتنة .. ما لم يتم تصحيح هذه الفتنة والإقتصار على ما جاء في القرآن أو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .. لأن القصص الغيبية لا تصح إلا بوحي .. وإلا فكيف نعلم هل صحيحة أم لا ؟!!

 

- وأبسط نموذج على ذلك .. هو أن القصص القرآني يخالف كثيرا ما هو مذكور على نفس الأنبياء المذكورين في التوراة مثل سليمان وداود ولوط وغيرهم ..!! وهذا لأن هذه القصص عندهم ليست محكومة بوحي مثل القرآن .. فلماذا نترك ما هو علم يقين ونأخذ ما هو فيه تبديل وتحريف بل وفيه مخالفة للقرآن في كثير من القصص ..!!

 

- والله أعلم .

   *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .