ج14: رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان - ما الذي عليك أن تعرفه جيدا قبل قراءة قصة سليمان والشيطان الذي تسلط عليه في سرقة خاتمه ملكه - هل تعرض وظهر الشيطان لسيدنا سليمان عليه السلام وكان متجسدا في صورة إنسان - كيف نتعامل مع رواية بن عباس في الشيطان الذي تمكن من ملك سليمان التي صححها الحاكم ووافقه الإمام الذهبي على تصحيحه - هل يوجد رواية نبوية تثبت استيلاء الشيطان على ملك سليمان - هل الشياطين في زمن سليمان عليه السلام كان يراهم الناس متجسدين أمامهم - الفرق بين السند الصحيح والحديث الصحيح

          بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الملاك والجن والشيطان

وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان

 (الفصل الرابع عشر)

- فهرس:

:: الفصل الرابع عشر :: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام بعض الأنبياء والمرسلين (سليمان عليه السلام) - ومناقشة هذه الأحاديث ::

1- س55: ما الذي عليك أن تعرفه جيدا قبل قراءة قصة سليمان والشيطان الذي تسلط عليه في سرقة خاتمه وملكه ؟

#- أولا: ماذا قال بعض العلماء في مصدر بن عباس لهذه الروايات ؟

#- ثانيا: قد يقال لماذا نقلوا ما هو باطل ويعارض القرآن ويخالفه بكل وضوح ؟!!

#- ثالثا: ومن المهم جدا أن تعرف الفرق بين السند الصحيح والحديث الصحيح قبل قراءة الروايات التي سأذكرها لك.

2- س56: هل تعرض وظهر الشيطان لسيدنا سليمان عليه السلام وكان متجسدا في صورة إنسان ؟  

3- س57: كيف نتعامل مع رواية بن عباس في الشيطان الذي تمكن من ملك سليمان التي صححها الحاكم ووافقه الإمام الذهبي على تصحيحه ؟

4- س58: هل يوجد رواية نبوية تثبت استيلاء الشيطان على ملك سليمان ؟

5- س59: هل الشياطين في زمن سليمان عليه السلام كان يراهم الناس متجسدين أمامهم ؟

*************************
:: الفصل الرابع عشر ::
:: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام الأنبياء والمرسلين (سليمان -عليه السلام) - ومناقشة هذه الأحاديث ::
***************************
 
..:: س55: ما الذي عليك أن تعرفه جيدا قبل قراءة قصة سليمان والشيطان الذي تسلط عليه في سرقة خاتمه وملكه ؟ ::..

 

- لا تنسى أخي الحبيب .. أن ما سنذكره هنا من روايات هو لا علاقة له بالوحي الإسلامي (القرآن والحديث النبوي) .. أي ليس فيه دليل من كلام الله ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإنما هو محض روايات مجهولة تم نقلها من مصادر مجهولة .. ويقال عنها إسرائيليات .. وغالب الروايات هي ما تم روايته عن بن عباس الذي نقلها من الروايات الإسرائيلية .. ولا علاقة لها بالوحي الإسلامي .. فانتبه يا مؤمن.. !!

 

#- أولا: ماذا قال بعض العلماء في مصدر بن عباس لهذه الروايات ؟

- قال بعض العلماء قال بأن غالب الظن أن بن عباس قد أخذها من خلال "كعب الأحبار" الذي كان من علماء اليهود الذين أسلموا وكان أهل ثقة لصحة إسلامه ..

 

- والعلماء الذين قالوا بهذا الظن بأن هذه الروايات التي قيلت عن سليمان بأنها من الإسرائيليات وليست رأي بن عباس ولا تفسيره ولا لها علاقة بالوحي الإسلامي .. فقد استدلوا على ذلك .. بما أخرجه عبد الرَّزَّاق في تفسيره .. عَنْ إِسْرَائِيلُ بن يونس عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: (أَرْبَعُ آيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ أَدْرِ مَا هُنَّ حَتَّى سَأَلْتُ عَنْهُنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ: قَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُذْكَرْ تُبَّعٌ ؟!! إِنَّ تُبَّعًا كَانَ مَلِكًا وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا .."إلى أخر القصة"... ثم سأله بن عباس سؤال آخر فقال: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34] قَالَ: "شَيْطَانٌ أَخَذَ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ الَّذِي فِيهِ مُلْكُهُ فَقَذَفَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَوَقَعَ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ .. فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ يَطُوفُ إِذْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَةِ .. فَاشْتَواهَا فَأَكَلَهَا .. فَإِذَا فِيهَا خَاتَمُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ) رواه عبد الرزاق في تفسيره برقم 2596.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) وتعقيبا على الرواية السابقة:

- فهي وإن كانت صحيحة السند إلى بن عباس .. ولكنها رواية إسرائيلية منقولة عن بعض أهل الكتاب الذين أسلموا .. فضلا عن كون هذه الرواية مجرد رأي منقول عما كان يقوله أهل الكتاب في حق سليمان عليه السلام وليس حجة شرعية..!! فافهم يا مؤمن.. وستعلم بعد قليل أن هذه الروايات الإسرائيلية كلها مكذوبة على نبي الله سليمان عليه السلام .

 

- ومتن الرواية السابقة منكر جدا ولا يمكن أن يكون صحيح .. لسببين:

- الأول: الرواية ذكرت أن بن عباس سأل عن أربعة آيات .. ولكن الرواية ذكرت مسألتين فقط .. وهي سؤاله عن قوم تُبَّع، وسؤاله عن آية سليمان .. فأين الآيتين الأخرتين من باقي الأربعة ؟!!

 

- الثاني: الاعتقاد بأن ملك سليمان مرتبط بخاتم وأن الشيطان سرقه وسلب ملكه ثم ذهب سليمان يتسول ويقبل الصدقة .. فهذا لا يمكن أن يصدقه بن عباس رضي الله عنه لثلاثة أسباب بسيطة جدا:

أ- على افتراض أن هذا الخاتم فيه ملك سليمان .. فكيف يسلبه منه أحد وهو لن يكون لأحد غيره ؟!! فتصديق الرواية حينئذ فيه تكذيب للقرآن .. وسيأتي بيان ذلك بعد قليل في التعقيب على الروايات ..

 

ب- بل وكيف يصدق بن عباس كلام كعب الأحبار لو كانت هذه فتنة سليمان فعلا .. لأن ملك سليمان إنما حدث بعد ما أصابه من الفتنة (التي لا نعلمها) فكيف يكون الشيطان أخذ ملك سليمان حينئذ وهو لم يكن معه من أساسه ؟!! فتصديق الرواية حينئذ فيه تكذيب للقرآن لأن القرآن يقول بأن وهب الملك كان بعد حدوث الفتنة وليس قبلها .. وسيأتي بيان ذلك بعد قليل في التعقيب على الروايات ..

 

ج- كيف يصدق بن عباس أن سليمان عليه السلام كان يقبل الصدقة عليه ويسير متسولا بين الناس وهو من أشرف خلق الله ؟!!

 

#- أيها المؤمن العاقل .. كيف عقلك يصدق هذا الكلام على بن عباس وهو مفسر القرآن الذي دعا له النبي أن يعلمه الله التأويل .. أن يسمع أخبار تتعارض مع القرآن وفيها تكذيب لنصوص القرآن والقرآن يكذبها .. ؟!

- إلا أن يقال أنه مجرد معلومة فد نقلها من باب العلم بالشيء عما يقال من قصص في هذه المسألة عند أهل الكتاب .. ولكنه ليس تفسير بن عباس ولا رأيه وإنما مجرد رأيه نقله عمن أسلم من أهل الكتاب وهو كعب الأحبار.

 

#- ومن ناحية أخرى فإن الذي أصدقه هو أن كل الروايات المنقولة عن بن عباس في فتنة سليمان وسرقة خاتمه المرتبط بملكه .. تحتمل أحد أمرين:

- الأول: هي روايات ملفقة لابن عباس ومدسوسة عليه .. وما يؤكد ذلك هو أن بن عباس قال بنفسه: (يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، كيفَ تَسْأَلُونَ أهْلَ الكِتَابِ عن شيءٍ، وكِتَابُكُمُ الذي أنْزَلَ اللَّهُ علَى نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْدَثُ الأخْبَارِ باللَّهِ (أي قريب النزول إليكم)، مَحْضًا لَمْ يُشَبْ (أي لم يتغير بتحريف ولا تبديل) .. وقدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ: أنَّ أهْلَ الكِتَابِ قدْ بَدَّلُوا مِن كُتُبِ اللَّهِ وغَيَّرُوا، فَكَتَبُوا بأَيْدِيهِمُ الكُتُبَ .. قالوا: هو مِن عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بذلكَ ثَمَنًا قَلِيلًا .. أوَلَا يَنْهَاكُمْ ما جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عن مَسْأَلَتِهِمْ ؟ فلا واللَّهِ .. ما رَأَيْنَا رَجُلًا منهمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الذي أُنْزِلَ علَيْكُم) صحيح البخاري .

 

#- فكيف بن عباس الذي يقول هذا الكلام السابق نتصور عنه أن ينقل مثل هذه الروايات التي تكذب آيات القرآن ويكذبها القرآن .. خاصة وأن السند فيه ما يثير الريبة والشك كما سأوضح ذلك بعد قليل ..!!

 

- الثاني: وهو نتيجة لما سبق من أنه يستحيل أن يكون بن عباس قال هذه الروايات كتفسير لمخالفتها القرآن يقينا .. وإنما (لو تيقنا أنه قالها فعلا) فهي قيلت على سبيل الترفيه وليست على سبيل التفسير .. أي قيلت كترفيه من باب التحدث بما يقال حول هذه القصة عند أهل الكتاب من باب المعرفة بالشيء ولا الجهل به .. ثم فهمها البعض على أنها تفسير .. ومن هنا حدث الخلل في فهم روايات بن عباس من كونها ترفيه علمي إلى كونها تفسير للقرآن ..

 

- وهذا ما أظنه (على افتراض لو قلنا أن بن عباس قالها فعلا وليست ملفقة له) .. ولكن الظن بأن هذه الروايات هي تفسيرا لابن عباس في قصة سليمان فهذا لا يمكن أن يكون ولا أصدقه ولا أعتقده ولا أقول به .. بل أقول حينئذ أن بن عباس بريء من هذه الرواية وهي ملفقة له ومدسوسة عليه إن كان الظن أن هذه الروايات هي تفسيره الذي يعتقده فعلا ..  والله أعلم .   

 

#- وعموما فإن الرواية قد أنكرها عموم علماء المسلمين لنكارة المتن القبيح جدا في قصته .. منهم الإمام الفخر الرازي وبن كثير والألوسي والشنقيطي وبن عاشور وغيرهم من علماء التفسير ..

 

#- ثانيا: قد يقال لماذا نقل الصحابة والتابعين أو المفسرين ما هو باطل ويعارض القرآن ويخالفه بكل وضوح ؟!!

- وقد يجاب على ذلك .. بأمرين:

- الأول: أما بخصوص من نقلوا الروايات في تفاسيرهم .. فنقلوها لبيان فسادها وليس لكونها تفسيرا .. والبعض الآخر من المفسرين نقلوا الروايات من باب المعلومة الكاملة حول ما قيل حول الآية وكان يجهل تحقيقها واكتفي بظاهر القصة فأخذ بها متأثرا بظاهر ما جاء فيها ..

 

- الثاني: أما عن نقل الصحابي لهذه الروايات مثل بن عباس .. فالذي أحسبه أنه كان يتم رواية هذه القصص على سبيل التعريف بما يقال حول الآية وليس تفسيرا لها .. ولكن فهم البعض أن هذا تفسيرا له .. وفي الحقيقة هذا ليس تفسيرا وإنما تعريفا وتوضيحا بما يقال عند أهل الكتاب .. من أجل التعريف العام بما يقال حول هذه القصص حتى لا يكونوا ممكن عرف علما فكتمه وليس المقصد هو الاعتقاد في القصة وتصديقها .. ولكن من سمع قد اعتقد أن هذه القصة تفسيرا وهي في الحقيقة ليست تفسيرا ..

- وهذا التوضيح السابق هو ما خطر على بالي ويمكن قبوله في سبب سرد هذه الروايات المكذوبة ..

- والله أعلم .

 

#- ثالثا: من المهم جدا أن تعرف الفرق بين السند الصحيح والحديث الصحيح قبل قراءة الروايات التي سأذكرها لك:

1- احترس وانتبه وخد بالك: ستجد روايات معنا في هذا الفصل صحيحة السند إلى الصحابي أو التابعي الذي يخبر بهذه الرواية .. ولكن ليس معنى أن السند صحيح .. فإن الحديث صحيح .. لا .. هذا خطأ ..!!

 

2- فقد يكون الإسناد صحيح ويكتب إسناد قوي .. ولكن الرواية منكرة وباطلة .. فلا يقال حينئذ أن الحديث صحيح ..!!

- لأن مفهوم الحديث الصحيح هو: الحديث المتصل سنده بنقل العَدْل الضابط من أوله إلى آخره .. ولا يكون به علة قادحة في متنه ..

 

3- إذن لابد من اجتماع صحة السند مع خلو المتن أو نص الرواية من أي علة قادحة فيه فتكون الرواية فيها مخالفة الحديث لنص قرآني .. أو مخالفة لقانون كوني .. أو مخالفة لحديث آخر أعلى منه سندا .. أو لوجود اضطراب فيها لا يستقيم أوله مع آخره .. أو لأن المتن غير معقول لكونه مستحيلا .. أو لكونه مظلما لا يمكن تصديقه .. أو غير ذلك كما ذكره رجال الحديث في تعريفاتهم لقبول المتن الخاص بأي حديث ..

 

4-  فلا تنخدع أخي الحبيب بمسألة أن تجد أن السند صحيح أو السند قوي .. خاصة فيما تقرأه من قصص وأخبار وحكايات تتعلق ببني إسرائيل .. لا .. ففرق بين الإسناد الصحيح والحديث الصحيح .. فالإسناد يتعلق بجزء من الرواية وهو الجزء الخاص بمجموعة رواة الحديث .. ولكن الحديث الصحيح هو بمجموع صحة الذين رووا الحديث بأنهم أهل ثقة  وأن المتن أو نص الرواية المروي عنهم لا شبهة فيه ولا خلل وعلة قادحة فيه كما سبق وأوضحت ..

 

#- أخبرتك بهذه المقدمة المهمة .. لأنه سيصادفنا هنا روايات صحيحة السند حتى بن عباس .. ولكنها ليست صحيحة الحديث مطلقا .. لأن المتن منكر جدا فهو مكذوب ومزور وملفق بالكذب على سيدنا سليمان عليه السلام .. كما سيأتيك بيان ذلك في مناقشة المتن .

 

- فضلا عن أن رواية بن عباس للأخبار الإسرائيلية هي في ذاتها مرسل صحابي ضعيف .. لأنه لم يحضر القصة حتى يرويها لنا ولم يخبرنا عمن أخذ هذه المعلومة الغيبية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بطريق الوحي .. وإرساله عن تابعي وليس عن صحابي حتى يكون مقبولا ..!!

- ومرسل الصحابي يكون مقبولا لو عن صحابي مثله .. ولا يكون كذلك عن تابعي لمجهولية حال التابعي .. وأخبار الإسرائيليات كانت نقلا عن تابعين ممن أسلموا من أهل الكتاب .. ولا يكفي الظن باستنتاج أن يكون هذا التابعي هو فلان وطالما لم يظهر في الرواية فهو مجهول ..!!

 

- وحتى لو ظهر في الرواية أن بن عباس مثلا أخذ الرواية عن كعب الأحبار .. فستظل الرواية مرسل ضعيف لأن كعب الأحبار لم يأخذها تلقينا من نبي يوحي إليه وإنما من نصوص تم تحريفها وتبديل نصوصها ..!!

 

- انتبه لما ذكرته لك أخي الحبيب .. لأنه من المهم أن تنتبه لهذا الكلام جيدا حيث أنك قد لا تجده مكتوبا في كتب أهل العلم عند الكلام على هذه الروايات ..

 

#- ملحوظة هامة جدا: جعلت الرواية المقطوعة وهي المنقولة عن تابعي في جزء تحقيق السند .. بالرغم من أنه يجب وضعه في المتن لأن المقطوع من أحكام المتن .. وذلك حتى ينتبه القاريء في تحقيق نص المتن فقط .. فلزم التنويه على ذلك.

 

**************************

..:: س56: هل تعرض وظهر الشيطان لسيدنا سليمان عليه السلام وكان متجسدا في صورة إنسان ؟ ::..

 

#- من الروايات التي قد يستدل البعض بها في إثبات تجسيد الشيطان في صورة إنسان من خلال قصة سيدنا سليمان عليه السلام .. هو ما تم روايته في كتب التفاسير عند الكلام في قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) البقرة102 .. وعند قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) ص34 ..

 

#- الرواية الأول:

- هذه الرواية تظهر سبب تسلط الشيطان على سليمان وزوجاته وملكه ..

- رواية صحابي .. (خبر موقوف ومتن منكر جدا ومكذوب على الله ونبي الله سليمان)..

- عن مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (كَانَ الَّذِي أَصَابَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبَبِ (أي بسبب) امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ يُقَالُ لَهَا جَرَادَةُ، وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ نِسَاءَهُ أَوْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ أَعْطَاهَا الْخَاتَمَ .. فَجَاءَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْجَرَادَةِ (أحدى زوجاته) يُخَاصِمُونَ قَوْمًا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ هَوَى سُلَيْمَانَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَهْلِ الْجَرَادَةِ فَيَقْضِيَ لَهُمْ (أي يحكم بالباطل لأهل زوجته جرادة ويظلم الآخرين الذين في نزاع معهم) .. فَعُوقِبَ حِينَ لَمْ يَكُنْ هَوَاهُ فِيهِمْ وَاحِدًا ..

- فَجَاءَ حِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُ .. فَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ .. وَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ .. قَالَ: هَاتِي خَاتَمِي .. فَأَعْطَتْهُ خَاتَمَهُ فَلَبِسَهُ .. فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الشَّيَاطِينُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَكُلُّ شَيْءٍ ..

- قَالَ: فَجَاءَهَا سُلَيْمَانُ .. قَالَ: هَاتِي خَاتَمِي ..

- قَالَتْ: اخْرُجْ لَسْتَ بِسُلَيْمَانَ.

- قَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ، أُبْتَلَى بِهِ..

- فَخَرَجَ فَجَعَلَ إِذَا قَالَ: أَنَا سُلَيْمَانُ رَجَمُوهُ حَتَّى يُدْمُونَ عَقِبَهُ، فَخَرَجَ يَحْمِلُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ .. وَمَكَثَ هَذَا الشَّيْطَانُ فِيهِمْ مُقِيمًا يَنْكِحُ نِسَاءَهُ .. وَيَقْضِي بَيْنَهُمْ (أي يحكم الشيطان المتشكل بصورة سليمان بين الناس على أنه سليمان)..

- فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ انْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ وَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ، وَفِيهَا كُفْرٌ، فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ أَثَارُوهَا وَقَالُوا: هَذَا كَانَ يَفْتِنُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، قَالَ: فَأَكْفَرَ النَّاسُ سُلَيْمَانَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102] يَقُولُ الَّذِي صَنَعُوا [ص:13] ..

- فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ يَحْمِلُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ (أي عاملا بالأجرة في حمل الأسماك للناس) ..

- قَالَ (راوي القصة): وَلَمَّا أَنْكَرَ النَّاسُ (أي استغربوا من أسلوب الحكم) لَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ مُلْكَهُ أَنْكَرُوا .. انْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ (أي هربت الشياطين) .. جَاءُوا (أي الناس) إِلَى نِسَائِهِ فَسَأَلُوهُنَّ (عن أحوال سليمان معهن) .. فَقُلْنَ: إِنَّهُ لَيَأْتِينَا وَنَحْنُ حُيَّضٌ .. وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ (أي ولم يكن يفعل ذلك من قبل) .. فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ حَضَرَ هَلَاكُهُ هَرَبَ .. وَأَرْسَلَ بِهِ (أي بالخاتم) فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ ..

- وَفِي الْحَدِيثِ: فَتَلَقَّاهُ سَمَكَةٌ فَأَخَذَهُ .. وَخَرَجَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لَحِقَ بِجَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ .. وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْمِلُ لِرَجُلٍ سَمَكًا، قَالَ: بِكَمْ تَحْمِلُ؟ قَالَ: بِسَمَكَةٍ مِنْ هَذَا السَّمَكِ، فَحَمَلَ مَعَهُ حَتَّى بَلَغَ بِهِ أَعْطَاهُ السَّمَكَةَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ السَّمَكَةَ شَقَّ بَطْنَهَا يُرِيدُ يَشْوِيهَا .. فَإِذَا الْخَاتَمُ فَلَبِسَهُ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِ الشَّيْطَانِ .. فَجَعَلُوا لَا يُطِيقُونَهُ ..!!

- فَقَالَ: احْتَالُوا لَهُ .. فَذَهَبُوا فَوَجَدُوهُ نَائِمًا قَدْ سَكِرَ، فَبَنَوْا عَلَيْهِ بَيْتًا مِنْ رَصَاصٍ، ثُمَّ جَاءُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَوَثَبَ فَجَعَلَ لَا يَثِبُ فِي نَاحِيَةٍ إِلَّا أَمَاطَ الرَّصَاصَ مَعَهُ .. فَأَخَذُوهُ فَجَاءُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ .. فَأَمَرَ بِحِنْتٍ مِنْ رُخَامٍ، فَنُقِرَ .. ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ سَدَّهُ بِالنُّحَاسِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ) رواه النسائي في السنن الكبرى.

 

#- الرواية الثانية بنفس الإسناد وبلفظ آخر مختصر:

 - رواية صحابي .. (خبر موقوف ومتن منكر جدا ومكذوب على الله ونبي الله سليمان) .. عن ابن عباس قال: (أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَأَعْطَى لِجَرَادَةَ (وهو اسم زوجته) خَاتَمَهُ .. وَكَانَتْ جَرَادَةُ امْرَأَتَهُ .. وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ ..

- فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي فَأَعْطَتْهُ ..

- فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الإنس والجن والشياطين ..

- فلما خرج سليمان مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: هَاتِي خَاتَمِي .. قَالَتْ قَدْ أَعْطَيْتُهُ سُلَيْمَانَ.

- قَالَ أَنَا سُلَيْمَانُ.

- قَالَتْ كَذَبْتَ لَسْتَ سُلَيْمَانَ .. فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ أَنَا سُلَيْمَانُ إِلَّا كَذَّبَهُ، حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.

- وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ ..

- فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ سُلْطَانَهُ .. أَلْقَى فِي قُلُوبِ النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ .. فَأَرْسَلُوا إِلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ فَقَالُوا لَهُنَّ: تُنْكِرْنَ مِنْ أَمْرِ سُلَيْمَانَ شَيْئًا؟ قُلْنَ نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ نَحِيضُ، وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ..!!

- فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فُطِنَ لَهُ ظَنَّ أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ .. فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ، ثُمَّ أَثَارُوهَا وَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِهَذَا كَانَ يَظْهَرُ سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ وَيَغْلِبُهُمْ .. فَأَكْفَرَ النَّاسُ سُلَيْمَانَ .. فَلَمْ يَزَالُوا يُكَفِّرُونَهُ ..

- وَبَعَثَ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ بِالْخَاتَمِ فَطَرَحَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَةٌ فَأَخَذَتْهُ .. وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ بِالْأَجْرِ .. فَجَاءَ رَجُلٌ فَاشْتَرَى سَمَكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ، فَدَعَا سُلَيْمَانَ فَقَالَ: تَحْمِلُ لِي هَذَا السَّمَكَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ بِكَمْ؟ قَالَ بِسَمَكَةٍ مِنْ هَذَا السَّمَكِ، فَحَمَلَ سُلَيْمَانُ السَّمَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا انْتَهَى الرَّجُلُ إِلَى بَابِ دَارِهِ .. أَعْطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَةَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ، فَأَخَذَهَا سُلَيْمَانُ فَشَقَّ بَطْنَهَا فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي جَوْفِهَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ ..

- فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ .. وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لَحِقَ بِجَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ..

- فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ فِي طَلَبِهِ، وَكَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا، فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عليه حتى وجدوه يوما نائما .. فجاؤوا فَبَنَوْا عَلَيْهِ بُنْيَانًا مِنْ رَصَاصٍ فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ .. فَجَعَلَ لَا يَثِبُ فِي مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ إلا أنباط مَعَهُ الرَّصَاصُ فَأَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ .. وَجَاءُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ .. فَأَمَرَ بِهِ فَنُقِرَ لَهُ تَخْتٌ مِنْ رُخَامٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ شُدَّ بِالنُّحَاسِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ .. فذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ سُلِّطَ عَلَيْهِ) رواه أبو حاتم في تفسيره وعنه ذكره السيوطي في الدر المنثور وذكره بن كثير في تفسيره وقال: إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس "إن صح عنه" من أهل الكتاب .. وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام .. فالظاهر أنهم يكذبون عليه .. ولهذا كان في السياق منكرات من أشدها ذكر النساء . (انتهى النقل).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الروايتين السابقتين:

- أولا: من حيث السند ..

- فيه علتان ..

1- في الرواية (الأعمش) وقد دلس في السند فلم يصرح بالسماع من المنهال بن عمرو وإن كان من مشايخه .. مع نكارة المتن التي تؤكد تدليسه لهذه الرواية .. فضلا عن تفرده بالرواية عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس في هذه الرواية الملعونة وليس له متابعة على ذلك .. !!

 

- وحتى إن صح السند من توثيق رواته واحتمالية سماع الأعمش .. فإن الخبر غير صحيح لنكارة متنه المخالف والمعارض للقرآن ..!!

 

2- الخبر موقوف على قول الصحابي بن عباس رضي الله عنه .. وإن افترضنا صحة السند موصولا إلى بن عباس .. إلا أنه مرسل صحابي ضعيف لأنه لم يحضر هذه القصة ليرويها لنا وإنما أخذها عن تابعي من الذين أسلموا من أهل الكتاب مثل كعب الأحبار .. !!

- فالرواية معلولة بعنعنة الأعمش وبإرسال بن عباس .. فكيف تصح الرواية ..؟!!

 

- وحتى لو ظهر في الرواية .. أن بن عباس مثلا أخذ الرواية عن كعب الأحبار .. فستظل الرواية مرسل ضعيف لأن كعب الأحبار لم يأخذها تلقينا من نبي يوحي إليه وإنما من نصوص تم تحريفها وتبديل نصوصها .. فما بالك لو كان أخبار إسرائيلية مقبوحة ومنكرة وفيها مخالفة للقرآن وللعقل ؟!! فهذه لا يحل روايتها إلا على سبيل التحذير منها .. لمخالفتها القرآن والعقل ..

 

- وعموما فإن الرواية قد أنكرها عموم علماء المسلمين لنكارة المتن القبيح جدا في قصته .. منهم الإمام بن كثير كما سبق بيان ذلك .

 

- ثانيا: من حيث المتن لهذه الروايات (فانتبه جيدا وبتركيز قوي) ..

- أما عن المتن فهو نص مكذوب على نبي الله سليمان ومعظمة مخالفات ومعارض للقرآن وفيه اتهامات لله جل شأنه .. وكل الرواية مخالفة للعقل من أساسه .. ولنناقش كل جزئية فيه بهدوء وببساطة ..

 

#- أولا: جزئية حكم سليمان وأنه ظلم فيه ...

- الرواية تظهر أن سليمان عليه السلام كان يحكم بالباطل لأهل زوجته المسماة "جرادة" .. لأنه كان يهوى زوجته حتى أفسدت حاله وأصبح يسير على هواها ويحكم لأهلها بالباطل من أجل أن يرضيها ..

- وهذا كلام باطل من ناحيتين:

 

1- الناحية الأولى بطلان أنه ظالم من حيث أنه معصوم من الكبائر:

أ- الأنبياء معصومون من الكبائر .. ولهم مكانة خاصة وتربية خاصة وسلوك خاص .. وبالتالي من ينسب لنبي من الأنبياء كبيرة من الكبائر كما اتهم سليمان بأنه ظلم عمدا في القضاء بين الناس .. فهو يكذب القرآن حينئذ لأن الله ذكر جماعة من الأنبياء ومنهم سليمان عليه السلام .. وقال بعد ذكرهم: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) ص46-47..

 

- والمعنى من التفسير الميسر:  إنا خصصناهم بخاصة عظيمة، حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بطاعتنا، ودعوا الناس إليها، وذكَّروهم بها. وإنهم عندنا لمن الذين اصطفيناهم لرسالتنا، واخترناهم لطاعتنا. (انتهى النقل من التفسير).

 

- فكيف نصدق بعد ذلك أن النبي سليمان كان ظالما في حكمه عامدا متعمدا .. بل وترك نساؤه محظيات في حضن الشيطان كالعاهرات بين يديه ..!!

- فلا يقول بمثل هذا الكلام إلا حاقد على نبي الله سليمان وقد امتلأ الغل من قلبه ناحيته ..

 

2- الناحية الثانية لبطلان أنه ظالم هو شهادة الله له:

- حيث يقول تعالى في حق سليمان: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص 30...

- فهل هذا الأواب أي الدائم الرجوع إلى الله بالعبادة والإخلاص له .. يقال عنه أنه نبي ظالم ومفترى ويمشي على هوى النسوان ..!!

 

#- سبحانك يا رب هذا بهتان عظيم على سليمان عليه السلام ..!!

 

#- ثانيا: جزئية إظهار أن كرامة سليمان في خاتمه ..

- قول الرواية (أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَأَعْطَى لِجَرَادَةَ خَاتَمَهُ) ..

فهذا معناه الآتي .. 

 

- أن الرواية تريد أن توضح لك أن ملك سليمان ونبوته مرتبطة بهذا الخاتم .. وأن لولا هذا الخاتم فلا قيمة لسليمان وكأنه شخص عادي وتافه في الحياة .. وهذا كذب صريح على كلام الله .. ليه ..؟

 

1- لأن الله أعطى ملكه لسليمان تبعا لنبوته وليس تبعا لخاتمه .. بدليل قوله تعالى: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) ص39-40 ..

 

2- وإذا كان العطاء من الله وهو محض فضل حيث قال تعالى: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ص39 .. وعطاء الله الممنوح وهبا لا يأخذه أحدا سلبا .. إلا لو خان الله بالتصرف فيه .. فالله يسلبه .. كما قال تعالى عن بعض من آمن بخصوصية عطاء من الله فانحرف: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) الأعراف175..

 

#- والمعنى من التفسير الميسر: واقصص -أيها الرسول- على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا، فتعلَّمها، ثم كفر بها، ونبذها وراء ظهره، فاستحوذ عليه الشيطان، فصار من الضالين الهالكين; بسبب مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان. (انتهى النقل من التفسير).

 

3- ولأن معنى أن نظن أن ملك سليمان مرتبط بخاتم .. فهذا معناه تمكن الشيطان من ملك سليمان .. وهذا لا يمكن حدوثه .. ليه ؟

- لأن الآية قالت: (هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) .. فإذا كان لم يبلغ هذا المقام أحد سوى سليمان عليه السلام فكيف يأتي هذا المقام للشيطان ؟!!

 

- وقوله (من بعدي) تشمل سواء سُلب من مقامه أو توفاه الله .. وذلك حتى لا يقول قائل أن الشيطان تولى الملك أثناء حياة سليمان وليس بعد موته ..!! وإن كان قوله (من بعدي) فيه دلالة من ذات اللفظ إلى أن مقامه ثابت إلى يوم مماته بدليل لأن الله لم يعقب على ذلك .. والله أعلم .

 

4- ومن ناحية أخرى - للدلالة على كذب هذه الروايات في قصة خاتم سليمان كلها .. وبيقين تام جدا .. اقرأ معي قوله تعالى الآتي جيدا: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ص34-39.

 

#- الآن انتبه أخي الحبيب إلى طلقات الرصاص التي سنطلقها على هذه الرواية المكذوبة على الله ونبي الله سليمان:

- أولا: أن مفهوم الجسد .. معناه أنه جسم بلا روح فيه .. فلا يمكن أن يكون إنس ولا جن فيه إحساس بالحياة .. لأن لفظ الجسد في القرآن يقال لمن لا حياة فيه ..!!

- فكيف يكون الشيطان هو من جلس على كرسي سليمان ؟!!

- ولذلك كلام الله يكذب هذه الرواية بكل احترافية وبلفظ واحد فقط وهو (جسدا) .. فبطلت قصة الشيطان المستحوذ على ملك سليمان .. بل أن لفظ (ألقينا) يدل أيضا على أن الإلقاء هو رمي الشيء دون انتباه له أو حرص عليه لأنه لن يتأذى بشيء لفقد الشعور فيه .

 

- ثانيا: حسب سياق الآيات فإن طلب سليمان للملك والذي ترتب عليه تسخير الريح والشياطين .. فهذا كان بعد حدوث الفتنة التي حدثت لسليمان عليه السلام حسب سياق الآيات .. أي أن الفتنة حدثت أولا ثم الملك بتسخير الشياطين والريح أتى بعد الفتنة .. فكيف تقول الرواية حينئذ أنه كان له ملكا ومصدر قوة هذا الملك في الخاتم الذي يسخر به الشياطين ثم حدثت له الفتنة بعد ذلك .. فكيف نصدق هذا إذا كان القرآن يقول أن هذا الملك أعطاه الله لسليمان بعد الفتنة وليس قبل الفتنة ؟!!

- فأبصر يا مؤمن وتأمل الكذب الذي في الرواية .. وقل صدق الله وكذبت هذه الرواية ..

 

#- ملحوظة هامة: من هذه الجزئية (سرقة خاتم النبوة والملك) أتى الروحانيون بسرقة الأنوار الربانية من المؤمن .. كما سرق الشيطان خاتم النبوة والملك من سليمان عليه السلام .. فأبصر يا مؤمن وانتبه وتأمل من أين يأخذ بعض الروحانيين عقائدهم وأفكارهم ..!!

 

#- ثالثا: جزئية دخول الشيطان لقصر لسليمان ومكالمة زوجته ..

- وقول الرواية: (فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي فَأَعْطَتْهُ) ..

- فهذا معناه .. أن نفهم كلام باطل عن الله .. ليه؟

1- لأن معنى أن يتمثل الشيطان في صورة سليمان ويظهر بها للناس .. فهذا اتهام عام لكل الدين .. لأنه يقال حينئذ أن الشياطين كانوا يظهرون في صورة أنبياء فلا مانع حينئذ أن تكون الكتب المقدسة ما هي إلا مرويات كتبها الشياطين ..!!

 

2- وإذا كان الشيطان يعجز عن الظهور في صورة إنسانا سويا ليظهر بهيئة العلماء والأولياء أو عموم الناس .. فكيف نعقل أنه يتمثل بهيئة نبي أو رسول ؟!!

- أفلا تعقلون يا ناس ؟!!

 

3- وكيف يحدث تجسيد للشيطان في صورة إنسان .. والشيطان يعلن في الآخرة أن منهجه كان التحريض على المعصية .. فلو تجسد وظهر للناس لكان هذا مخالفا لكلام الله حينئذ إذ يقول تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ..) إبراهيم22 ..

 

4- بل وإذا كان لا يمكن أن يتمثل في شكل نبي أو رسول في المنام .. فكيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الشيطان يتمثل في صورة نبي أو رسول في الحقيقة ؟!! (برجاء مراجعة السؤال س30: هل يستطيع أن يتمثل الجن والشياطين في المنام بمظهر النبي أو بأي نبي ورسول سابق ؟) ..

 

5- ومن ناحية أخرى يا مؤمن يا عاقل .. كيف تظن أن الله يسمح للشيطان بأن يدخل غرفة نوم سليمان داخل قصره وينتهك حرماته ويتعامل مع زوجته التي كانت تقف براحتها في غرفتها بملابسها العادية .. ويكلمها وتكلمه .. ثم يحتال عليها فيسرق خاتمه .. !!

 

- بالله عليك يا مؤمن يا عاقل .. كيف تظن بالله هذا الظن بأن يسلط على عِرض النبي شيطان في غرفة نومه بعد أن ذهب للخلاء ؟!!

 

6- يا مؤمن يا عاقل .. إذا كان الله حرم اجتماع خلوة الرجل بالمرأة .. فكيف تعقل يا مؤمن أن الله سلط شيطان على زوجة نبي فيجتمع معها في غرفة نومها ؟!!

- أليس هذا سب وقذف لله جل شأنه أن تظن به ذلك ..!!

 

- سبحانك يارب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- رابعا: جزئية أن الشيطان خضع له الإنس والجن والشياطين لما لبس الخاتم وأصبح حاكما عليهم ..

- أما عن قوله (فَلَمَّا لَبِسَهُ (الشيطان الذي بهيئة سليمان) دَانَتْ لَهُ (أي خضعت له) الإنس والجن والشياطين) .. وقوله (وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ) ..

 

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

1- لأن الرواية ربطت (الملك والنبوة) بخاتم يتم لبسه في الأصبع .. بدليل أن الشيطان لما لبسه قد خضع الجن والإنس والشياطين ..!!

 

- وطالما خضعت له الجن والشياطين والإنس .. فهذه الخصوصية إذن أصبحت لغير سليمان وانتقلت للشيطان .. حيث اكتسب مقام النبوة ومقام الملك .. بدليل أن الشيطان استولى عليه .. وخضع له الإنس والجن والشياطين ..!!

 

- فكيف يسلب الشيطان ملكا ونبوة من سليمان وهي ممنوحة من الله بقدرة وكرامة وخصوصية ليست لغيره ؟!!

 

- فمن يصدق هذا الكلام فهو حينئذ عليه أن يُكذِّب كلام الله الذي جاء فيه أن لسليمان ملكا ما ينبغي لأحد غيره .. حيث يقول تعالى: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) ص35-40 ..

 

- أعاقل أنت يا مؤمن لتصدق مثل هذه الروايات المكذوبة على الله ورسوله ؟!!

 

2- ولو صدقنا هذه المقولة الباطلة بأن الشيطان خضع له الإنس والجن والشياطين .. فهذا معناه ان نصدق أن الشيطان سلب النبوة والملك .. لأنه ظل يحكم في مقام سليمان بهيئة سليمان على أنه نبي حاكم .. وإلا فلماذا ظل بهيئة سليمان ؟!! ولو كان سليمان لازال نبيا فكيف لم يدعو على الشيطان ليرد له ملكه وليطرد الشيطان عن زوجاته اللاتي أصبحن في حضن الشيطان ؟!!

- وكل ما سبق دليل واضح على كذب الرواية .. فتأمل ..

 

3- ولأننا لو صدقنا هذه المقولة الباطلة بأن الشيطان خضع له الإنس والجن والشياطين .. فهذا معناه أن الله قد ترك الشيطان بشكل سليمان يحكم في الناس طوال أربعون يوما .. وكان يتكلم مع الناس والجن والشياطين بكونه نبي الله وملك عليهم .. وهو مخادعا للناس باسم الدين .. والناس جميعهم في حالة غفلة عن ذلك .. إنس وجن سواء كانوا علماء أو جهلاء .. وتم إدخال الدين ما ليس منه وكان الناس يتعبدون به ...!!

- وهذا بلا شك كفر صريح لمن يعتقد ذلك في الله .. إذ كيف لعاقل أن يصدق هذا الكذب على الله ورسوله الله .. فيجعل من الشيطان نبيا حاكم على خلق الله ..!!

 

- ولا أدري في كل ما سبق .. كيف يصدق مؤمن عاقل مثل هذا الكلام السخيف الذي لا يقول به إلا حاقد على الله ورسل الله ..!!

 

- سبحانك يارب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- خامسا: جزئية طرد سليمان من قصره وبيته وتكذيب الناس له ..

- أما عن قول الرواية: (فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ أَنَا سُلَيْمَانُ.. إِلَّا كَذَّبَهُ .. حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ .. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ).

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

 

1- لأنه لو صدقنا هذا الكلام .. فمعناه أن الله أكرم الشيطان بأن جعله إنسان سويا .. وأهان سليمان بأن تم لعنه من خلال إلقاء الشبه على صورته بصورة أخرى .. وهذا لا يتم إلا لمن غضب الله عليه ولعنه وكان من الكافرين .. فهل سليمان كان كافرا بالله ؟ بكل تأكيد .. لا ..

 

- فكيف نشبه حالته بحال من كفر .. كما حدث مع الذي خان سيدنا عيسى عليه السلام فألقى الله الشبه على الخائن بانه عيسى عليه السلام .. كما قال تعالى في قصة عيسى عليه السلام: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء157.. حيث يقال أن إلقاء الشبهة تم على شخص كان خان سيدنا عيسى عليه السلام .. والله أعلم .

 

2- ولأن هذا يجعلنا نفهم إلى أن الشيطان أصبح حبيب الله لأنه نسخه لصورة نبي كريم .. ولكن سليمان عليه السلام أصبح عدو الله وقد نسخه الله في صورة أخرى حتى ظنه الناس مخبولا فطرده الناس.. !!

 

#- إذن فالذي يقول بهذا الجزء من الرواية قد شهد زورا على سليمان عليه السلام وقد كذب على الله .. لأن الله لا يفعل ذلك بأنبياءه ورسله ..

 

- سبحانك يا رب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- سادسا: أما عن جزئية أن سليمان قد فهم أن هذا أمر الله بتسليط الشيطان عليه ..

- أما عن قول الرواية: (فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ أَنَا سُلَيْمَانُ.. إِلَّا كَذَّبَهُ .. حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ .. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ).

 

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

1- لأن أمر الله لا يكون أبدا في التحريض على الفحشاء والمنكر .. لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل90 ..

- فكيف يأمر الله تعالى .. شيطان أن يتسلط على سليمان فيظلمه بطرده من ملكه ..؟!! ثم يأمر الشيطان بالتسليط على زوجات سليمان لممارسة الزنا وعمل الفحشاء والمنكر معهن .. ويعاملهن معاملة العاهرات بين يديه ؟!!

 

- فهذا الجزء في الرواية لمن يعتقده .. فيه سب وقذف في حق الله جل شأنه .. وتكذيب واضح للقرآن ..!!

 

2- وطالما سليمان هو فهم أن هذا ابتلاء الله وأمره فيه بأن يتسلط عليه شيطان .. فما علاقة ان يتسلط الشيطان على زوجاته وهن لم يفعلن شيئا ؟!! ففي هذا شبه اتهام لله بانه ظالم في حكمه - وحاشاه جل شأنه - بل هذه الرواية هي الملعونة ..

 

3- ومن التناقض في هذا الجزء من الرواية هو أنه طالما أن سليمان فهم أن هذا ابتلاء الله وأمره .. فلماذا ظل يقول للناس أنه سليمان طوال أربعون يوما لعل وعسى أن يصدقه أحد ؟!!

 

4- كوننا نقول أن هذا أمر الله .. فهذا كذب فاضح على الله .. في نسبة شيء إلى الله لم يقل به جل شأنه ولم يأمر به ..؟!!

 

- سبحانك يا رب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- سابعا: أما عن جزئية أن سليمان رحل من قصره منبوذا وذهب لسوق السمك ..

- أما عن قول الرواية: (وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ بِالْأَجْرِ ) .. وفي لفظ آخر كما في رواية الإمام السُّدِّي: (وَأَقْبَلَ سُلَيْمَانُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَيَّادٍ مِنْ صَيَّادِي الْبَحْرِ وَهُوَ جَائِعٌ وَقَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ فَاسْتَطْعَمَهُمْ مِنْ صَيْدِهِمْ) ذكرها السيوطي في الدر المنثور ..!!

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

 

1- لأن هذا معناه أن الشيطان أصبح له سلطانا على نبي الله سليمان .. فقهر سليمان وتمكن منه وأصبح النبي مغلوبا ومقهورا من الشيطان .. وهذا معارض لقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) الإسراء65 ..

 

2- كيف نعتقد أن نبي الله رحل بسهولة هكذا دون مقاتلة من أجل عرضه وتركهن بين يدي الشيطان يداعب فيهن .. فهذا اعتقاد سافل لا يقول به إلا نفسية سافلة حاقدة على أنبياء الله ..

 

3- وأن نعتقد أن الله ترك نبيه يتسول الطعام في سوق السمك ثم ارتقى ليكون عاملا فيه بالأجر طوال فترة أربعين يوما .. فهذه إهانة واضحة في إظهار نبي الله متسولا كالشحاتين .. وهذا لم يكن لأي نبي من انبياء الله لأنهم يبعثوا أشرافا في قومهم .. ثم كيف نتصور أن سليمان جالس على شاطيء البحر يندب حظه تاركا الشيطان يداعب زوجاته كالعاهرات بين يديه .. !!

- فإذا لم يكن هذا هو الكذب والبهتان والزور على نبي الله .. فما هو حينئذ ؟!!

 

#- ثامنا: جزئية أن الشيطان اجتمع بزوجات سليمان وعاشرهن وجامعهن جماع الزوجات وفي وقت الحيض ..

- وأما عن قوله في الرواية: (إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ نَحِيضُ) وفي رواية أخرى بلفظ: (وَمَكَثَ هَذَا الشَّيْطَانُ فِيهِمْ مُقِيمًا يَنْكِحُ نِسَاءَهُ) ..

 

- فهذا معناه أن زوجات سليمان أصبحن محظيات للشيطان يعاملهن معاملة العاهرات بين يديه .. وهذه جرأة في سب وقذف نبي الله سليمان بهذا السب والقذف الوقح .. وهذا لونا من الكفر بالله من خلال سب أنبياء الله في شرفهم ..

 

- فهو كلام باطل جدا .. ليه؟

1- لكونه يشير إلى السبَّ والشتم والقذف الشهادة الزور على الله جل شأنه فيقال:

- إذا كان هذا ما حدث فإن هذا معناه أن الله كان غافلا وجاهلا بما يحدث .. ولو كان عالما بذلك وسمح به .. فهو حينئذ متهما بأنه محبا للشيطان وعدوا للمؤمنين لأن زوجات سليمان لا يمكن أن يكونوا إلا مؤمنات .. وإذا كان سليمان ارتكب كبيرة كما تزعم الرواية (وهذا كذب) .. فما ذنب المؤمنات العفيفات أن  يكن محظيات للشيطان ..؟!!

 

- وسواء هذا أو ذاك ففي كلا الأمرين كفر صريح بالله وإعلان واضح بتعظيم قدرة الشيطان بالتصرف في الكون وفق إرادته هو .. وأن له قدرة وغلبة وقهر على عصيان الله بأن يفعل ما يريد ..!!

 

2- ولكونه يشير إلى السبَّ والشتم والقذف الشهادة الزور على سليمان عليه السلام فيقال:

- معنى أن يقال أن زوجات النبي كن في حضن الشيطان كالعاهرات بين يديه مع علم النبي بذلك دون أن يحارب ويقاتل الشيطان فيموت دون حدوث ذلك .. فهذا اتهام صريح لسليمان عليه السلام بأنه ديوث ملعون .. ولا يقول القول إلا من كفر بالله وبأنبياءه ..

 

3- ولكونه يشير إلى السبَّ والشتم والقذف الشهادة الزور على زوجات سليمان عليه السلام .. فيقال:

- كيف يتصور عاقل أن الشيطان يعتدي على زوجات سليمان وهن لا يعرفنه طوال أربعون يوما وليلة .. بل ويجامعنه في وقت الحيض ولم تعترض واحدة منهن عليه طوال هذه الفترة .. فهل كن يستمتعن بالجماع وقت الحيض ؟!! (وحاشاهن) بل من قال بهذه الرواية من اليهود هو الكذاب عليهن .. ولا نستغرب أن يقول بهذا الكلام من سافل باع نفسه للشيطان .. حتى يسب زوجات الأنبياء بهذا السب والشتم والشهادة الزور عليهن ..!!

 

#- تاسعا: عن جزئية أن نساء سليمان لم يعرفن أن الذي كان يجامعهن الشيطان ..

- من المستحيل تصديق أن يكون الشيطان يجامع زوجات سليمان اللاتي بلغن المائة امرأة حسب روايات التوراة .. ولا تعرف واحدة منهن أنه ليس سليمان .. فهذا مستحيل أن نصدقه .. ليه ؟

 

- لأن الشيطان لا يتمثل بصورة إنسانا سويا .. ولا يأخذ رائحة عرقة .. ولا رائحة أنفاسه .. ولا شكل عيونه .. ولا صفاته الباطنية .. ولا أسلوبه وطباعه في الحياة .. فكيف لم يعرفن الزوجات أن هذا ليس سليمان عليه السلام ؟!!

 

#- انتبه يا مسلم للآتي:

- أن سبب قول بتجسيد الشيطان وظهوره وجماع الزوجات .. لأن مصدر الرواية هم اليهود .. واليهودي والمسيحي أن الشيطان هو من الملائكة .. وبالتالي فيجوز له فعل ما يجوز للملائكة أن تفعله ..

- وهذه عقيدة اليهود والنصارى في الشياطين أن أصلهم ملائكة ولكنهم عصوا الله .. ولذلك لا مانع عندهم أن يتشكل الشيطان في صورة إنسان كما يتشكل الملاك في صورة إنسان ..

 

- فانتبه وافهم عقائد الآخرين لتعرف كيف يدخل التحريف في دينك يا مسلم .. وسيأتي مزيد من التوضيح لهذه العقيدة بالتفصيل في رسالة (الزواج والجماع والإنجاب بين الجن والإنس) ..

 

#- عاشرا: أما عن جزئية أن الشيطان حينما انكشف أمره فألقى الخاتم في البحر ..

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

1- لأنه كيف يلقي ما كان يكسبه سلطانا على الإنس والشياطين الجن .. ويتحكم فيهم بموجب هذا الخاتم ؟!!

 

2- فهل يوجد مخلوق يكون معه كل هذه القوة ليلقيها في البحر ..!! بكل تأكيد .. لا .. لأنه في الحقيقة لا يوجد خاتم ولا يوجد شيطان في قصة سيدنا سليمان من أساسه ..!!

 

#- الحادي عشر: أما عن جزئية أن الشيطان كتب كتبا في السحر لما انكشف أمره ليوزعها على الناس ..

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

1- لأنه لماذا لم يفعل ذلك طوال فترة حكمه الأربعين يوما ؟!! أم أنه كان يحكم بما يرضي الله ؟!! بكل تأكيد ليس بما يرضي الله ..

 

2- وطالما انكشف أمره .. كيف ظل موجودا لينشر كتب السحر بين الناس بأن سليمان هو الذي كتبها .. ؟!!

 

3- ولأنه ليس في القصة يوجد شيطان من أساسه قد استولى على ملك سليمان .. كما سبق وظهر لك ذلك بوضوح يا مؤمن يا عاقل .

 

4- ولو كانت له المقدرة على ذلك .. فلماذا لم يفعلوا ذلك في كل زمان ومكان .. فيطبعوا كتب السحر وينشروها ويوزعوها على الناس ؟!!

 

#- الثاني عشر: أما عن جزئية أن الشياطين عجزوا عن إحضار الشيطان الذي حكم مكان سليمان أربعين يوما ..

- فهذا كلام باطل .. ليه ؟

1- لأن سلطة سليمان على تسخير الشياطين مطلقة الحدود .. فكيف لا يستجيب شيطان لخدمة سليمان وعالم الشياطين مقهور لسليمان عليه السلام ؟!!

 

2- ولأنه في الأصل ليس هناك شيطان قد استولى على ملك سليمان من أساسه .. لأن الرواية كلها كذب في كذب ..!!

 

#- ملحوظة هامة جدا:

- ولعل الروحانيين أخذوا استخدام الرصاص في العلاجات الروحانية من خلال هذه الروايات .. والله أعلم .. ولكن هذا تم فعله في الحالة المادية وليس الروحانية ..!!

 

#- الثالث عشر: لماذا يبحث بعض العلماء عن تفسيرا للفتنة في الروايات اليهودية المجهولة ولم يبحثوا في الصحيح ؟!!

- حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ المَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ "أي جسد بلا روح" .. " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ "أي لم يخب ظنه"، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ) صحيح مسلم.

 

- فلعل هذه هي كانت فتنة سليمان في أنه غفل عن قول المشيئة باللسان .. وتبين له غفلته عن ذلك فاستغفر ربه .. وبدلا من وهبه ذرية تقاتل في سبيل فقد طلب أن يهبه ملكا كاملا في سبيل الله .. فاستجاب له .. والله أعلم .

 

#- الرابع عشر: أهانوا نبي الله فقالوا مقهور بالشيطان ..

- الذين يستدلون بهذه الروايات ويروجون لها في زماننا .. نجد في أنفسهم خبل عقلي عجيب .. فهم يثبتون أن الشيطان يفر من عمر بن الخطاب .. وهذا حقيقي فعلا .. ولكنهم يثبتون في سليمان عليه السلام نبي الله أنه مقهور بالشيطان فاستولى على ملكه ونساءه بل ويزني بهن ويعاملهن معاملة المحظيات .. ويحكم بين الناس على أنه نبي الله ..!!

- لا تعليق .. سوى أن أقول ربنا يرزقهم البصيرة ويحررهم من تعظيم قدرة الشيطان في أنفسهم ونفوس الناس ..!!

 

#- الخامس عشر: خلاصة تحقيق القصة ..

- لا يخفى على عاقل أن هذه القصة ليست حجة شرعية في إثبات شيء .. لأنها قصة مكذوبة بالكامل .

 

#- خلاصة القول في كل ما سبق:

1- أنه لم تصح رواية واحدة في متن قصة استيلاء الشيطان على ملك سليمان .. وكلها روايات مكذوبة القصة على النبي سليمان عليه السلام .. وبالتالي فإن المستدل بها في إثبات تجسيد الشيطان في صورة إنسان وقدرته على التحكم في الناس .. فهذا استدلال بالباطل على باطل .. وليتق الله في أدلته ..!!

 

2- هذه الرواية ما هي إلا اتهام بالباطل في حق الله وحق نبي الله سليمان .. بل وفيها تعظيم وتبجيل لقدرة الشيطان في التصرف في ملك الله وقدر الناس كما يحلو له ووفق إرادته هو وكأن الناس مجموعة أغنام يحركها كيفما شاء ..!!

 

3- هام جدا: لم أذكر كل الروايات وإنما اكتفيت بأصح ما قيل فيها وهو ما تم روايته عن بن عباس .. ولكن هناك روايات أخرى عن "وهب بن منبه" وهي تتكلم عن أن سليمان صنع تمثالا لزوجته جراده على شكل والدها ثم أخذت تتعبد له بعد ذلك .. وهذه رواية تالفة السند والمتن .. ، وهناك روايات اخرى تم روايتها عن التابعي قتادة ومجاهد والسُّدِّي .. وكلها روايات مقطوعة السند وفاسدة المتن جدا .. وفي هذه الروايات ذكروا اسم الشيطان الذي جلس على ملك سليمان .. حتى أن البعض ذكر اسم الشيطان واسم أبيه واسم جده واسم أبو جده .. أي الإسم الرباعي للشيطان فقال اسمه "صخر بن عمر بن عمرو بن شراحبيل".. وكأن لديه سجل مدني بأسماء الشياطين من عهد إبليس وحتى زمانهم ..!!

- أهذا يعقل يا ناس بالله عليكم ..!!

- وعموما سيتم مناقشة كل هذه الروايات في رسالة خاصة وهي رسالة (التوضيح والبيان في معرفة قصة هاروت وماروت - وخاتم سليمان - وشرح قوله تعالى (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان) .. إن شاء الله تعالى .

 

4- اعتقادي الخاص أن هذه المرويات إن كان قالها بن عباس فلعله قالها على سبيل الترفيه وليس التفسير كما سبق وأوضحت ذلك .. ولكن لو كان هذا تفسيرا له .. فهذه حينئذ رواية مدسوسة عليه وملفقة له بكل تأكيد .. حتى يتم قبولها وتداولها بين الناس .. وسند الرواية المشكوك فيه يزيد من الشك في ذلك ..

 

5- تبقى أن أقول لك أخي الحبيب .. أن هذه المرويات لها منشأ يهودي الأصل من كتاب التلمود .. وهي التي تم أخذ بعض القصة منها مع خلطها بقصة أخرى مشابهة وردت في العقيدة الزرادشتية فنتج عنها هذه القصة المكذوبة على سليمان عليه السلام .. وبطل هذه القصة في العقيدة اليهودية والزرادشتية شيطان يسمى "اشمداي أو أسموديوس" وهو رئيس شياطين البحر كما تزعم الروايات .. ولكن الأسماء التي وردت في الروايات الإسلامية لها مسميات أخرى وجاءت بأربعة أسماء للشيطان وهم " صخر - حبقيق - آصف - آصروا" .. فهذه أسماء من اختراع الروايات  التي تم تدوينها في الكتب الإسلامية ..!!

- وكله كذب في كذب ..!!

- والله أعلم .

 
************************
 
..:: س57: كيف نتعامل مع رواية بن عباس في الشيطان الذي تمكن من ملك سليمان التي صححها الحاكم ووافقه الإمام الذهبي على تصحيحه ؟ ::..

 

#- من الروايات التي فضَّلت أن أتركها في سؤال منفرد لمخالفتها الروايات السابقة المروية عن بن عباس ولها نفس السند .. والتي يظهر فيها أيضا تجسيد الشيطان وحكمه على الناس .. هي رواية رواها الإمام الحاكم وقال عنها أنها صحيحة ووافقه الإمام الذهبي على هذا التصحيح .. وهي مجرد رأي تفسيري وليس حديث نبوي .. فانتبه .. وعموما وجدت من المهم مناقشة هذه الرواية ..

 

- (رأي تفسيري – وبسند فيه ضعف) .. عن  الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: (فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص: 34] قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا .. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ جَارِيَةٌ يُقَالَ لَهَا: جَرَادَةُ وَكَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَهْلِهَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ خُصُومَةٌ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهُ وَدَّ أَنَّ الْحَقَّ لِأَهْلِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلَاءٌ .. وَكَانَ لَا يَدْرِي يَأْتِيهِ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ) رواه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .. ووافقه الذهبي قائلا: على شرط البخاري ومسلم ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- هذا التصحيح هو كلام غير صحيح .. ليه ؟

 

- أولا: من حيث السند ..

1- السند فيه عنعنة الأعمش .. وقد دلس في السند فلم يصرح بالسماع من المنهال بن عمرو وإن كان من مشايخه .. ولكن نكارة المتن تؤكد تدليسه لهذه الرواية .. فضلا عن تفرده بالرواية عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عباس في هذه الرواية وليس له متابعة على ذلك .. !!

 

2- الحديث موقوف على قول الصحابي بن عباس رضي الله عنه .. وإن كان السند صحيح إلى بن عباس .. إلا أنه مرسل صحابي ضعيف عن أخبار بني اسرائيل .. لأنه لم يحضر هذه القصة ليرويها لنا ولم يظهر لنا عمن أخذ هذه المعلومة الغيبية التي تحتاج إلى تلقين وحي .. وغالبا أخذها عن تابعي من مسلمة أهل الكتاب .. !!

- فالرواية معلولة بعنعنة الأعمش وبإرسال بن عباس .. فكيف يصح سند الرواية ..؟!!

- وسبق الكلام على هذا الإسناد في السؤال السابق .. فارجع إليه .

 

#- ملحوظة هامة: إسناد الحديث الذي رواه الحاكم وجدته في مستدرك الحاكم بدايته الأعمش .. كما هو في النسخة التي عندي ..!!

- ثم وجدت سندا لهذا الحديث ذكره الضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعات مرو" برقم 301 .. "أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، أنبأ أبو الطيب محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه ....." إلى آخر الرواية السابق ذكرها عند الحاكم ..

 

- وهذا السند سليم حتى بن عباس .. ولكن يعيبه عنعنة الأعمش .. وإرسال بن عباس .. كما سبق وأوضحنا ذلك ..!!

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

- المتن فاسد ولا يصح .. ليه ؟

 

1- لأن الرواية فيها اضطراب فاحش في المتن .. لمخالفتها غيرها .. بالرغم من أنه مجرد رأي تفسيري (وأظنه مكذوب على بن عباس) ..!! فمرة رواية تقول أن (جرادة) هي زوجته ولكن هذه الرواية تقول أنها جاريته .. ومرة تقول الرواية أن سليمان حكم لأهل جرادة بالفعل وظلم .. ولكن هذه الرواية تقول أنه تمنى ذلك في نفسه ولكنه لم يفعل .. !!

- في حين أن طريق السند واحد والراوي واحد .. فأي رواية يتم تصديقها حينئذ ؟!!

- ولسنا في حاجة لذلك .. لأن كلا الروايتين مكذوبتين على سليمان عليه السلام ..

 

2- كيف يتم التصديق بأن نبي من أنبياء الله يتم تسليط شيطان على كرسيه (ملكه) .. فيسلبه الشيطان ملكه ونساءه ويجعلهن كالمحظيات في أحضانه يجامعهن كيفما شاء ؟!!

- فهل هذا هو عدل الله لمن يقول بهذه الروايات بأنه يسلط شيطان على زوجات نبي يمارس فحشاء الزنا معهن لمدة أربعون يوما كما جاء في الروايات الأخرى عن بن عباس بنفس السند ؟!!

 

3- والجديد في هذه الرواية أنها لم تقل أن سليمان حكم بالباطل فعلا .. لا .. بل أتهمت سليمان في قلبه بأنه كان يرجو الباطل .. فكيف يكون هذا الحديث صحيحا .. وهو يتهم باطن سليمان عليه السلام بأنه كان يريد ان يحكم بالباطل .. وهذا فيه تكذيب لكلام الله .. لأن الله شهد على باطن الأنبياء ومنهم سليمان عليه السلام أن قلبه متعلق بالآخرة فكيف يرجو الباطل في قلبه حينئذ ؟!!

 

- واقرأ قوله تعالى: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) ص46-47..

- والمعنى من التفسير الميسر:  إنا خصصناهم بخاصية عظيمة، حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بطاعتنا، ودعوا الناس إليها، وذكَّروهم بها. وإنهم عندنا لمن الذين اصطفيناهم لرسالتنا، واخترناهم لطاعتنا. (انتهى النقل من التفسير).

 

#- فكيف يا مؤمن يا عاقل بعد كل ما سبق يصح هذا الرأي التفسيري .. بل وكيف نصدق أن بن عباس هو من قال بهذا الرأي .. ؟!!

 

- أنكذب على الله ونشهد زورا على رسول الله سليمان .. من أجل رأي تفسيري لأحد الصحابة وغالبا هو مكذوب عليه أصلا وتم تلفيق هذا الرأي له .. فضلا عن كونه رأي تفسيري تم استيراده من كتابات اليهود الذين كانوا يحرفون كلام الله بأيديهم ..!!

 

- سبحانك يارب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- خلاصة القول:

1- أن هذا الرأي التفسيري هو رأي غير صحيح أبدا .. وهذه الرواية فاسدة تماما وباطلة .. وقد تكون مروية للتعريف بما يقوله أهل الكتاب ولكنها لم تقال على أنها تفسيرا .. وقد تكون مكذوبة وتم تلفيقها لابن عباس رضي الله عنه .. !!

 

2- وأن هذه الرواية لا حجة فيها لمن يستدل بها على تجسيد الشيطان في صورة إنسان .. بل ولا حجة فيها لمن يعتقد أن للشيطان قدرة على التحكم في الناس بسلطة في الواقع ..

 

************************
 
..:: س58: هل يوجد رواية نبوية تثبت استيلاء الشيطان على ملك سليمان ؟ ::..
 

#- رواية عن تابعي .. (مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ..

- أخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حدث عَن فتْنَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي قومه رجل كعمر بن الْخطاب فِي أمتِي فَلَمَّا أنكر حَال الجان الَّذِي كَانَ مَكَانَهُ .. أرسل إِلَى أفاضل نِسَائِهِ فَقَالَ: هَل تنكرن من صاحبكن شَيْئا ؟ قُلْنَ: نعم كَانَ لَا يأتينا حيضا وَهَذَا يأتينا حيضا .. فَاشْتَمَلَ على سَيْفه ليَقْتُلهُ .. فَرد الله على سُلَيْمَان ملكه .. فَأقبل فَوَجَدَهُ فِي مَكَانَهُ فَأخْبرهُ بِمَا يُرِيد) ذكرها السيوطي في الدر المنثور .

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- السند تالف والمتن موضوع على النبي وهو بريء منه صلى الله عليه وسلم ..

 

- أولا: من حيث السند ..

1- فيه (عبد الرحمن بن رافع التنوخي - تابعي - توفى 113 هـ) .. هو ضعيف الحديث وتركوه بسبب مناكيره والتي منها هذا الحديث ..!!

 

2- وفيه انقطاع بين (عبد الرحمن بن رافع) والنبي صلى الله عليه وسلم .. حيث لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بلغه عنه .. ولا نعرف عمن أبلغه هذا الخبر المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ..!!

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- القول بأن هذا حديث نبوي .. فهذا شهادة زور على النبي صلى الله عليه وسلم إن ظننت أنه قال هذه الرواية وظن السوء بسليمان وزوجاته وبالله مثل هذا الظن الذي تحمله الرواية من منكرات وفحشاء ..

 

- لأنه لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يظن أن الله قد فعل ذلك بسليمان عليه السلام .. بأن سلط عليه شيطان ليسلبه ملكه ونبوته وزوجاته .. وتصبح الزوجات العفيفات المؤمنات محظيات في حضن الشيطان كالعاهرات بين يديه .. ويجامعهن في حال الحيض .. بل وزوجاته يكتمن ذلك ولا يعترضن .. ولم يكشفن عن ذلك إلا لما تم سؤالهن ..!!

 

2- وكأن الله سمح للشيطان بفعل الفحشاء والمنكر في كل ما يخص سليمان عليه السلام ..!!

- أهذا كلام يقول به عاقل أو مؤمن ؟!! بكل تأكيد .. لا ..

- وإنما يصدق هذه الرواية من كان في نفسه سفالة وحقد على الله وأنبياءه ..

 

- سبحانك يارب .. ما قيل في هذه الرواية بهتان عظيم .

 

#- خلاصة القول:

1- أن هذه الرواية فاسدة تماما وباطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .. وفيها اتهام لله جل شأنه .. !!

 

2- وأن هذه الرواية لا حجة فيها لمن يستدل بها على تجسيد الشيطان في صورة إنسان .. بل ولا حجة فيها لمن يعتقد أن للشيطان قدرة على التحكم في الناس بسلطة في الواقع ..

***********************

 

..:: س59: هل الشياطين في زمن سليمان عليه السلام كان يراهم الناس متجسدين أمامهم ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- المؤكد أن الشياطين كانت بكامل هيئاتهم وقدراتهم يتعاملون مع سليمان عليه السلام وكان يراهم ويأمرهم .. ولا يمكن أن يكونوا متجسدين في صور آدمية ليراهم الناس لأن الصور الآدمية لا تستطع فعل ما كان يفعله الشياطين .. فضلا عن أن ذلك سيبث الرعب في نفوسهم ..!!
 
2- ولما كان الشياطين يرون الإنس والإنس لا يرون الشياطين .. كما قال تعالى: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) الأعراف27 ..
- فرؤية الشياطين كانت ممتنعة على الإنس لعجزهم عن فعل رؤيتهم بحكم طبيعتهم البشرية .. وإنما يجدون أثر أفعالهم من خلال البناء العظيم لهيكل بيت المقدس وما يصاحب ذلك من أعمال فنية كالتماثيل والقدور الراسيات بقدرات خارقة للعادة .. والله أعلم .
 
3- ولكن من ناحية أخرى .. يقال أن الإنسيون من مستشاري سليمان عليه السلام كانوا يرون الجن كنوع من الكرامة لهم في الكشف والتثبيت لهم بنبوة سليمان وما أعطاه الله من عظمة العطاء .. وذلك فقط في مجلس سليمان الخاص الذي يحضره باقي المستشارين من الجن والشياطين ..
 
- وقد يقال ردا على ما سبق .. أنه لا دليل على رؤيتهم وإنما الدليل على سماعهم .. وهو كما يظهر من خلال هو قوله تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ...) النمل38-40 ..
 
#- فقول سيدنا سليمان كان مسموعا أمام الملأ في مجلسه الخاص .. والذي كان عنده علم من الكتاب وهو من الإنس أكيد قد سمع ما قاله العفريت الذي من الجن .. بدليل أنه عقب عليه وقال أن لديه مقدرة أعلى مما قالها العفريت ..
 
- والشاهد مما سبق أن هذا المجلس يغلب على الظن أنه كان مسموعا للجميع .. وقد يكون مرئيا للجميع ومسموعا .. وقد يكون مسموعا فقط للإنسيون وليس مرئيا لهم الجن ..
- والله أعلم .
 
#- وبهذا يكون ختام الكلام على الروايات التي أشارت على تجسيد الشيطان في قصة سليمان عليه السلام وقد تبين لك أخي الحبيب أنها روايات باطلة .. وننتقل بعدها لمناقشة روايات أخرى إن شاء الله تعالى ..

   *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .