ج8: رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان - هل يوجد في روايات الحديث ما يدل على تجسيد الجن في صورة إنسان أمام النبي صلى الله عليه وسلم - قصة زيارة إبليس للنبي في شكل شيخ عجوز - قصة حفيد إبليس "هام بن الهيم" الذي زار النبي وجلس مع الصحابة حتى جعله بعض العلماء من الصحابة - قصة محاولة الشيطان أن يطأ عنق النبي وهو ساجد عند الكعبة - ما هي الروايات التي تمثل فيها الشيطان أمام النبي كشفا وظهورا ولكن ليس بصورة إنسان - ظهور الشيطان متمثلا بهيئة شيطانية روحانية - ظهر الشيطان متمثلا بهيئة شيطانية متجسدة بشكل مخيف - لماذا لم يطرد جبريل جماعة الشياطين ليلة مكيدة الشياطين للنبي في بعض شعاب وأودية مكة - لماذا لم يهرب الشياطين من حضور جبريل ليلة مكيدة الشياطين للنبي كما هربوا من موقعة بدر عند نزول الملائكة - كيف يتعرض الشيطان للنبي في حين هو في معية الله ويقرأ تحصيانه - هكذا يحدثك الشيطان - هل الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي.

      بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الملاك والجن والشيطان

وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان

 (الفصل الثامن)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام النبي صلى الله عليه وسلم - ومناقشة هذه الأحاديث - وتوضيح الأحاديث التي تعرض فيها الشيطان للنبي - ومناقشة مسألة خوف الشيطان من عمر ::

1- س35: هل يوجد في روايات الحديث ما يدل على تجسيد الجن في صورة إنسان أمام النبي صلى الله عليه وسلم ؟ (ظهور الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم)

- قصة زيارة إبليس للنبي في شكل شيخ عجوز ..

- قصة حفيد إبليس "هام بن الهيم" الذي زار النبي وجلس مع الصحابة حتى جعله بعض العلماء من الصحابة ..!!

- قصة محاولة الشيطان أن يطأ عنق النبي وهو ساجد عند الكعبة.

2- س36: ما هي الروايات التي تمثل فيها الشيطان أمام النبي كشفا وظهورا ولكن ليس بصورة إنسان ؟

- ظهور الشيطان متمثلا بهيئة شيطانية روحانية أي مُتخيلة ..

- ظهر الشيطان متمثلا بهيئة شيطانية متجسدة بشكل مخيف ..

3- س37: لماذا لم يطرد جبريل جماعة الشياطين ليلة مكيدة الشياطين للنبي في بعض شعاب وأودية مكة ؟

4- س38: لماذا لم يهرب الشياطين من حضور جبريل ليلة مكيدة الشياطين للنبي كما هربوا من موقعة بدر عند نزول الملائكة ؟

5- س39: كيف يتعرض الشيطان للنبي في حين هو في معية الله ويقرأ تحصيانه ؟ (هكذا يحدثك الشيطان).

6- س40: هل الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي ؟ (شبهة للملحدين والقرآنيين) .

*************************

:: الفصل الثامن ::

:: أحاديث تشير إلى على وجود تمثيل للشيطان مُتجسدا في صورة إنسان أمام النبي صلى الله عليه وسلم - ومناقشة هذه الأحاديث 

- وتوضيح الأحاديث التي تعرض فيها الشيطان للنبي - ومناقشة مسألة خوف الشيطان من عمر ::

***************************

 

..:: س35: هل يوجد في روايات الحديث ما يدل على تجسيد الجن في صورة إنسان أمام النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ::..

 
- هناك روايات أوضحت تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم .. فظهر متمثلا سواء بهيئة شيطانية روحانية أي مُتخيلة .. أو بهيئة شيطانية متجسدة بشكل مخيف .. ولكن هناك روايتان أوضحتا أن الشيطان تمثل متجسدا في صورة بشر بشكل شيخ عجوز .. وأتى للنبي وكان يجلس مع صحابته .. وهذه الروايتان هما محل البحث .. ثم أذكر لك بعد ذلك بع الروايات التي تشير إلى تمثيل الشيطان للنبي في الكشف التخيلي وفي الواقع المادي بغير صورة الإنسان .. ليكون هذا الفصل جامع وشامل لتمثيلات الشيطان مع النبي بصورة عامة سواء كانت ادلة صحيحة أو مكذوبة .. طبعا مع توضيح ذلك ..
 
#- روايتان عن ظهور الشيطان متجسدا في صورة إنسان وتعرضه للنبي صلى الله عليه وسلم:
 
#- الرواية الأولى: التي قد يظن البعض منها انها تشير إلى تجسيد الجن في صورة إنسان أمام النبي ..
 
1- قصة زيارة إبليس للنبي في شكل شيخ عجوز ..
 
- هذه الرواية يتم نشرها على الإنترنت .. وطباعتها في كتيبات صغيرة .. وهي في الأصل رواية تم تلفيقها بالباطل في صورة حديث .. وحتى في هذه الرواية الباطلة يظهر تجسيد الشيطان للنبي في صورة إنسان غير سوى في ملامحه وإنما كهيئة جسدية شبيهة بالإنسان .. وقد اكتفيت بكتابة بعض الرواية في أولها وما يشير فيها تجسيد الشيطان في صورة شيخ .. وبعض الكلام الذي دار فيها .. لتكون على علم بهذه الرواية الباطلة .. وإليك بيان بعض هذه الرواية وليس كلها لأنها طويلة جدا وقد تصل لعدة صفحات ..
 
#- (حديث مكذوب) .. عن معاذ بن جبل وعن ابن عباس رضي الله عنهما قالا:
- (كنا مع رسول الله في بيت رجل من الأنصار في جماعة، فنادى منادٍ: يا أهل المنزل، أتأذنون لي بالدخول ولكم إليَّ حاجة؟
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون مَن المنادي؟
- فقالوا: الله ورسوله أعلم.
- فقال رسولُ الله: هذا إبليس اللعين، لَعَنَه الله تعالى.
- فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتأذن لي يا رسولَ الله، أن أقتله؟
- فقال النبي: مهلًا يا عمر! أما علمتَ أنه من المُنظَرين إلى يوم الوقت المعلوم؟ لكن افتحوا له الباب؛ فإنه مأمور، فافهموا عنه ما يقول، واسمعوا منه ما يحدِّثكم.
- قال ابن عباس رضي الله عنهما: فَفُتِحَ له الباب فدخل علينا، فإذا هو شيخ أعور، وفي لحيته سبعُ شَعَرات كشعر الفرس الكبير، وأنيابه خارجة كأنياب الخِنزير، وشَفتاه كشفتَي الثور. (وفي رواية أنياب الفيل) ..!!
- فقال: السلام عليك يا محمد. السلام عليكم يا جماعة المسلمين.
- فقال النبي: السلام لله يا لعين، قد سمعتُ حاجتك؛ ما هي؟
- فقال له إبليس: يا محمد، ما جئتك اختيارًا، ولكن جئتك اضطرارًا.
- فقال النبي: وما الذي اضطرَّك يا لعين؟
- فقال: أتاني ملَك من عند ربِّ العزة فقال: إن الله تعالى يأمرك أن تأتي لمحمد وأنت صاغر ذليل متواضع، وتُخبره كيف مَكرُكَ ببني آدم، وكيف إغواؤك لهم، وتَصدُقَه في أيِّ شيء يسألك، فوعِزتي وجلالي، لئن كذبتَه بكذبة واحدة ولم تَصدُقْه، لأجعلنَّك رَمادًا تذروه الرِّياح، ولأشمتنَّ الأعداءَ بك، وقد جئتُك يا محمد كما أُمرت، فاسأل عمَّا شئت، فإن لم أَصدُقْك فيما سألتني عنه شَمَتَت بي الأعداء، وما شيء أصعب من شماتة الأعداء.
...) إلى آخر الحديث الذي يزيد عن ثلاثة صفحات طوال ..!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الرواية السابقة:
- الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصل له في كتب الحديث .. ولا سند له .. وإنما هو حديث مختلق قام بكتابته أحد الأشخاص وجمعه من محض تصوره وقام بتركيب أحاديث ضعيفة وصحيحة ومكذوبة في هذه الرواية الطويلة جدا والمكذوبة على النبي والصحابة .. والتي لا يعقل أن تكون حديثا ..!! فلا سند لها ومتنها كثير مما فيه منكر وباطل .. !!
 
- وهذه القصة يتم حكايتها تحت عنوان (الرسول يسأل وإبليس يجيب) .. وتحت عنوان (إعترافات إبليس للرسول) وتحت عنوان (هكذا تكلم إبليس أمام النبي وأصحابه) وتحت عنوان (هل تعرف بماذا اعترف إبليس للنبي وأصحابه) .. وغير ذلك من عناوين براقه ستجدها على الإنترنت .. يذكرونها من لديهم هواية سرد القصص والحكايات عن الجن والشياطين ..!!
 
- ولذلك حينما سأل الشيخ بن تيميه عن هذا الحديث قال: هذا حديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة ولا الصحاح ولا السنن ولا المسانيد .. ومن علم أنه كذب على النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل له أنه يرويه عنه .. ومن قال: إنه صحيح فإنه يعلم بحاله .. فإن أصر عوقب على ذلك .. ولكن فيه (أي الحديث) كلام كثير قد جُمع من أحاديث نبوية .. فالذي كذبه واختلقه (أي هذا الحديث) جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها صدق .. فلهذا يوجد فيه كلمات متعددة صحيحة .. وإن كان أصل الحديث وهو مجيء إبليس عيانا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه وسؤاله له كذبا مختلقا لم ينقله أحد من علماء المسلمين .. والله سبحانه وتعالى أعلم. (مجموع الفتاوى ج18 ص350).

#######################

#- الرواية الثانية: روايه قد يظن البعض منها أنها تشير إلى تجسيد الجن في صورة إنسان ..

2- قصة حفيد إبليس هام بن الهيام الذي تقول الرواية أنه أسلم..!!

(وبعض العلماء جعله من الصحابة) !!

 
- (حديث باطل وضعيف جدا ومتن منكر) مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ بِيَدِهِ عَصًا فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فرد ثُمَّ قَالَ: «نَغْمَةُ جِنٍّ وَغَمْغَمَتُهُمْ مَنْ أَنْتَ؟» قال أنا هامة بن الهيثم بن لا قيس بْنِ إِبْلِيسَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَانِ فكم أتى لك مِنَ الدَّهْرِ» قَالَ قَدْ أَفْنَيْتُ الدُّنْيَا عُمْرَهَا إِلَّا قَلِيلًا لَيَالِيَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ كُنْتُ غُلَامًا ابْنَ أَعْوَامٍ أَفْهَمُ الْكَلَامَ وَأَمُرُّ بِالْآكَامِ (أي المرتفعات ويقصد بذلك كثرة التنقل بين البلاد) وآمر بإفساد الطعام وقطعية الْأَرْحَامِ .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ عَمَلُ الشَّيْخِ الْمُتَوَسِّمِ (أي الذي هذا هو حاله ووصفه)، وَالشَّابِّ الْمُتَلَوِّمِ (أي الذي ينشر السوء بين الناس)» .. قَالَ: ذَرْنِي مِنَ التَّرْدَادِ (أي اتركني ولا تردني قبل أن تسمعني) إِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي وَقَالَ لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ وَأُعُوذُ باللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .. قَالَ قُلْتُ يَا نُوحُ إِنِّي كُنْتُ مِمَّنِ اشْتَرَكَ فِي دَمِ السَّعِيدِ الشَّهِيدِ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ فَهَلْ تَجِدُ لي عندك تَوْبَةً؟ قَالَ: يَا هَامُ هُمَّ بِالْخَيْرِ وَافْعَلْهُ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ بَالِغٌ أَمْرُهُ مَا بَلَغَ إِلَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قُمْ فَتَوَضَّأْ وَاسْجُدْ للَّه سَجْدَتَيْنِ قَالَ فَفَعَلْتُ مِنْ سَاعَتِي مَا أَمَرَنِي بِهِ .. فَنَادَانِي ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ نَزَلَتْ تَوْبَتُكَ مِنَ السَّمَاءِ فَخَرَرْتُ للَّه سَاجِدًا .. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ هُودٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي فَقَالَ لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ وَأُعُوذُ باللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .. قَالَ وَكُنْتُ مَعَ صَالِحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي وَقَالَ أَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ وَأُعُوذُ باللَّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .. وَكُنْتُ أَزُورُ يَعْقُوبَ .. وَكُنْتُ مَعَ يُوسُفَ فِي الْمَكَانِ الْأَمِينِ .. وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ .. وَإِنِّي لَقِيتُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فَعَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ وَقَالَ إِنْ لَقِيتَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ .. وَإِنِّي لَقِيتُ عيسى ابن مريم فأقرأته عن مُوسَى السَّلَامَ .. وَإِنَّ عِيسَى قَالَ إِنْ لَقِيتَ محمدا صلّى الله عليه وسلّم فأقرئه منى السلام فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ وَعَلَى عِيسَى السَّلَامُ مَا دَامَتِ الدُّنْيَا وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا هَامُ بِأَدَائِكَ الْأَمَانَةَ .. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ افْعَلْ بِي مَا فَعَلَ مُوسَى إِنَّهُ عَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ قَالَ فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا وقعت الواقعة)، و(المرسلات)، و(عم يتساءلون)، و(إذا الشمس كورت)، و(المعوذتين)، و(قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وَقَالَ: «ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ يَا هَامَةُ، وَلَا تَدَعْ زِيَارَتَنَا» . قَالَ عُمَرُ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَ يعد إِلَيْنَا فَلَا نَدْرِي الْآنَ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ ميت؟) رواه البيهقي في دلائل النبوة واللفظ له .. ورواه أبو نعيم في الدلائل .. ورواه بن أبي الدنيا في الهواتف .. وغيرهم.
 
#- وفي رواية بلفظ مختصر: عَنْ عُزَيْرِ بْنِ الْجَرِيحِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَبِضْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةٍ قَالَ: فَدَقَّ الْبَابُ رَجُلٌ قَصِيرٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "افْتَحُوا لَهُ إِنَّهَا لَنَغَمَةُ شَيْطَانٍ". قَالَ: فَفُتِحَ لَهُ فَدَخَلَ رَجُلٌ قَصِيرٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا نَبِيَّ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، مَنْ أَنْتَ؟ " قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ أَهْيَمَ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَيْنِ". فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ .. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمِثْلُ مَا أَنْتَ يَوْمَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ؟ " قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَدْ عَلَوْتُ الْآكَامَ (المرتفعات ويقصد السفر كثيرا والانتقال) ، وَأُمِرْتُ بِالْآثَامِ، وَإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ.. قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الشَّيْخُ الْمُتَوَشِّمُ (أي من كان هذا فعله وعلامته)، وَالشَّبَابُ النَّاسِي (حاله الغفلة) ".. قَالَ: لَا تَقُلْ هذَا يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَسْلَمْتُ مَعَهُ ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى دَعَا عَلَى قَوْمِهِ فَهَلَكُوا فَبَكَا وَأَبْكَانِي .. ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى هَلَكَ، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيًّا نَبِيًّا كُلُّهُمْ يَهْلَكُ حَتَّى كُنْتُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَقَالَ لِي: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ فَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا هَامَةُ بْنَ الْهَامِ كَمَا أَقْرَأْتَنِي مِنْ حَبِيبِي السَّلَامَ) رواه الفاكهي في أخبار مكة.
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: الروايات فيها اضطراب في مكان التلاقي مع هذا (الهام بن الأهيم) .. فمرة قابلوه في جبال تهامة ناحية مكة .. ومرة قابلوه في بيت الأرقم في مكة ..!! ففي أي مكان قابلوه حينئذ ؟!!
 
- ومن ناحية أخرى ما يدل على نكارة المتن جدا .. قوله (وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ .. وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ) ..!! فكيف يلقاه في زمن النبي وهو قد توفى من مئات السنوات ؟!!
- علما بأن رواية البيهقي السابق ذكرها هي أحسن إسناد قيل في هذه الرواية .. وإسنادها تالف وفيه "أبو معشر المدني" وهو ضعيف الحديث عند جمهور العلماء .. وسيأتي بيان ذلك بعد قليل.
 
- ثانيا: من تعليقات بعض العلماء على هذه الروايات:
- قال بن الجوزي في الموضوعات (1/209) : طَرِيق ابن عمر فالحمل فيه عليه "إسحاق بن بشر" كذلك قال العقيلي .. وقد اتفقوا على أنه كان كذابا يضع الحديث ..، وأما طريق أنس فالحمل فيه على "محمد بن عبد الله الأنصاري" ..(انتهى النقل منه).
 
- وقال الإمام بن كثير رحمه الله (المتوفى: 774هـ) عند ذكر لمحة عن وفود الجن فقال:
- وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي ها هنا (يقصد فيما يتعلق بمسألة حضور الجن إليه) حديثا غريبا جدا بل منكرا أو موضوعا ولكن مخرجه عزيز أحبنا أن نورده كما أورده .. والعجب منه: فإنه قال في دلائل النبوة: باب قدوم هامة بن الهيثم بن لاقيس بن إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه ..!! (البداية والنهاية لابن كثير ج5 ص97).. ثم أورد الحديث بعد ذلك بن كثير كما سبق وذكرناه سابقا.
 
- وقال محققو دلائل البيهقي (5/420): رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإمام أحمد في زوائد الزهد، والعقيلي في الضعفاء وقال: «لا أصل له» .. وابن مردويه في التفسير من طريق ابي سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري أحد الضعفاء .. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مشعر، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أبي بجير احد المتروكين، ثلاثتهم عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وابو نعيم، في الحلية والدلائل، والمستنفري في الصحابة، والفاكهي في كتاب مكة، وطريق البيهقي أقوى الطرق، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، والسيوطي في اللآلي المصنوعة (1: 174) .. والعقيلي في ترجمة إسحاق بن بشر الكاهلي الكذاب، وانظر اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، وبمجموع هذه الطرق يعلم ان الحديث ضعيف.

#- ثالثا: ومن غرائب الأمور حول هذه الروايات:
1- أن بعض العلماء ممن صنفوا في جمع الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم .. قد وضعوا (الهام بن الأهيم) في جملة الصحابة ..!! مثل الإمام بن حجر في كتابة الإصابة .. وبن الأثير في كتاب أسد الغابة ..!!
- ولا أدري كيف أفهم هذا الأمر ؟!!
- فإذا أتى اسم (الهام بن الأهيم أو الهيثم) حفيد إبليس فهل أقول حينئذ: رضي الله عنه لأنه أصبح فجأة من الصحابة ؟!!
- أهذا كلام يقول به عاقل ؟!!
 
2- ومن ناحية أخرى .. كذلك ما أجده غريبا هو تحسين الإمام السيوطي لهذه الروايات في كتابه لقط المرجان في أحكام الجان .. حتى قال: وله عدة طرق يبلغ بها درجة الحسن !!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على هذا التحسين للحديث من السيوطي والذي يقصد به حسن لغيره.. فهذا كلام غير حسن منه رحمه الله وغير صحيح .. فهو حديث باطل ولم يصح ولا يصح أن نقول لا حسن لذاته ولا لغيره .. فإذا كان هذا الحديث حسنا فما هو السيء والقبيح ؟!!
 
- إذ كيف أستدل بقصة تالفة السند على إمكانية إيمان حفيد الشيطان وأنه يأتي للنبي ويحكي له قصته .. ويصدقه وكأنه أمر تم التسليم له بدون وحي يؤكد له ذلك ؟!!
- ثم من المفترض أن أصدق أنه كان متجسدا في هيئة رجل عجوز له آلاف السنين من عهد آدم فكيف كان يمشي على قدميه ؟!! وطالما له القدرة على التشكل فلماذا لم يأتي في صورة رجل في الخمسينات مثلا من عمره ؟!!
- بل ومن المفترض أن أصدق أنه قد بلغ من العمر آلاف السنين من عهد آدم إلى زمن النبي وكأنه مثل إبليس من المنظرين ليوم القيامة ..
- ثم من المفترض أن أصدق أن حفيد إبليس كان يعاتب ويراجع سيدنا هود وصالح عليهما السلام في دعائهما على قومهما حيث تقول الرواية: (فلم أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي) .. وكأن الأنبياء يدعون بمزاجهم الخاص وليس عن إذن من الله ؟!! (ما هذا السخف!!) ..
- ثم من المفترض أن أصدق أنه كان يحكي حكاويه .. والنبي يبكي معه متأثرا بكلامه .. بما لم يحدث مع صحابي من قبل ولا من بعد ..!!
- بل وقبل كل ما سبق لم يظهر أنه نزل الوحي على النبي ليخبره بحقيقة هذا الكائن الذي قام بزيارته ؟!!
- كيف يمكن أن يُعقل ما سبق يا ناس ..!!  
 
- رابعا: ما هو اسم "الهام بن الأهيم" في الروايات ..
- الروايات مرة تذكر حفيد إبليس بأنه (هامة بن الهيم) أو (هامة بن أهيم) أو (هامة بن الهام) أو (هامة بن الهيثم) ..
 
#- خامسا: إليك تخريج روايات هذه القصة كما وقفت عليها ..
1- رواية البيهقي في الدلائل وجاء فيها .. (عن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ بِيَدِهِ عَصًا، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه البيهقي في دلائل النبوة..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة): والرواية فيها "نجيح بن عبد الرحمن السندي" وهو أبو معشر المدني وهو ضعيف الحديث عند جمهور العلماء .. قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : أبو معشر السندي ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود والنسائي: ضعيف، وقال الترمذي: قد تكلم بعض أهل العلم في أبى معشر من قبل حفظه . قال محمد: لا أروى عنه شيئا ..، وقال صالح بن محمد الحافظ: لا يسوى حديثه شيئا، وقال أبو زرعة: صدوق في الحديث وليس بالقوى، وقال محمد بن عثمان بن أبى شيبة: وسألت على ابن المديني عن أبى معشر المديني فقال: كان شيخا ضعيفا ضعيفا، وكان يحدث عن محمد بن قيس، ويحدث عن محمد ابن كعب بأحاديث صالحة وكان يحدث عن المقبري وعن نافع بأحاديث منكرة ..(راجع تهذيب الكمال ترجمة رقم 6386) .. و قال أبو داود أيضا : له أحاديث مناكير، و قال الدارقطني: ضعيف، وقال الخليلي: أبو معشر له مكان في العلم والتاريخ وتاريخه احتج به الأئمة وضعفوه في الحديث وكان ينفرد بأحاديث ..، أمسك الشافعي عن الرواية عنه، وتغير قبل أن يموت بسنتين تغيرا شديدا . (راجع ما قاله الحافظ في تهذيب التهذيب برقم758).
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): يتبين لنا من آراء العلماء أن أبو معشر قد يكون صدوق ولكن حديثه لا يحتج به لأنه يروى مناكر خاصة في روايته عن نافع .. مثل هذا الحديث الذي نتكلم عنه في رواية الهام بن الأهيم ..!! والله أعلم .
 
2- ورواه بن أبي الدنيا في الهواتف عن أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري .. في رواية عن أنس بن مالك بلفظ: (عن أَبُي سَلَمَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ قَدْ رَأَى الْحَسَنَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجًا مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مُتَوَكِّئًا عَلَى عُكَّازٍ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِشْيَةُ جِنِّيٍّ وَنَغَمَتُهُ» قَالَ: أَجَلْ قَالَ: «مِنْ أَيِّ الْجِنِّ أَنْتَ؟» قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ الْهَيْمِ بْنِ لَاقِيصَ بْنِ إِبْلِيسَ قَالَ: «لَا أَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ إِلَّا أَبَوَيْنِ» ...) رواه بن أبي الدنيا في الهواتف ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): وفي السند (أبو سلمة بن عبد الله الأنصاري) كما قال بن حبان: منكر الحديث جداً، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به .. وكذبه كثير من علماء الجرح .
 
3- ورواه أبو نعيم في الدلائل ... بسند جاء فيه (عن إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْكَاهِلِيُّ ثنا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودٌ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فِي يَدِهِ عَصًا فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه أبو نعيم في دلائل النبوة..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): والرواية فيها "إسحاق بن بشر الكاهلي" وهو كذاب، وفيها "أبو معشر المدني" وهو ضعيف.  
 
4- وفي رواية رواها الفاكهي في أخبار مكة عن بن عباس بسند (أَبُو الْحَسَنِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ نَوْفَلٍ النَّوْفَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ خُنَيْسٍ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ، عَنْ عُزَيْرِ بْنِ الْجَرِيحِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ مُخْتَفِيًا فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَبِضْعَ عَشْرَةَ امْرَأَةٍ قَالَ: فَدَقَّ الْبَابُ رَجُلٌ قَصِيرٌ ...) رواه الفاكهي في اخبار مكة ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): والحديث فيه (إبراهيم بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن خيار بن نوفل) و(إسحق بن خنيس) و(عُزير بن الجريحي) وجميعهم مجهول ..!!
 
5- وفي رواية ذكرها بن حجر في الإصابة (من طريق أبي محصن الحكم بن عمار، عن الزّهري، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر....) ذكرها بن حجر في كتاب الإصابة ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): وهذه الرواية منقطعة السند لأن سعيد بن المسيب لم يدرك عمر بن الخطاب.. و(أبو محصن الحكم بن عمار) مجهول لم أجد له ترجمة ..!!
 
#- وذكره بن حجر من طريق آخر وهو (من رواية عبد الحميد بن عمر الجندي، عن شبل بن الحجاج، عن طاوس، عن ابن عبّاس، عن عمر- بطوله....)
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): ولم أجد ترجمة سواء (عبد الحميد بن عمر الجندي) أو (شبل بن الحجاج) .. وكلاهما مجهول !!
 
7- ورواه بن الأثير في أسد الغابة بإسناد فيه انقطاع .. ولا تختلف كثيرا عما سبق بيانه .
 
#- وأخيرا بمناسبة الكلام عن هامة بن الهيم حفيد إبليس .. فقد جَاء عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: (إِن هَامة بن هيم بن لاقيس فِي الْجنَّة) ذكره السيوطي في اللآليء المصنوعة .. وقال مذكور في كتاب السنن لأبي علي بن الأشعث وهو أحد المتروكين.
 
#- وخلاصة القول في كل ما سبق:
- أن حديث زيارة حفيد إبليس للنبي صلى الله عليه وسلم هي روايات مضطربة السند والمتن .. ولم يصح منها رواية واحدة .. بل كلها ترتقي من سيء إلى أسوء إلى ما فيه كذب صريح من خلال جهالة أكثر السند .. فكيف يمكن الإحتجاج بمثل هذه الروايات حينئذ ؟!!
- والله أعلم .

 ***********************

#- الرواية الثالثة: روايه قد يظن البعض منها أنها تشير إلى تجسيد الجن في صورة إنسان وظهوره للنبي ..

3- قصة محاولة الشيطان أن يطأ عنق النبي وهو ساجد عند الكعبة .

#- حديث موقوف صحابي .. (حديث ضعيف جدا) .. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا بِمَكَّةَ، فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَأَرَادَ أَنْ يَطَأَ عُنُقَهُ فَلَفَحَهُ (أي ضربه) جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام بِجَنَاحِهِ لَفْحَةً، فَمَا اسْتَقَرَّتْ قَدَمَاهُ حَتَّى بَلَغَ الأُرْدُنَّ) رواه الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم  وبن أبي الدنيا في مكائد الشيطان.

 

- وفي رواية (فيها ضعف ونكارة) بلفظ: عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَسِيرَةُ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ عَرْشَهُ لَعَلَى الْبَحْرِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ لَعُبِدَ .. قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجْمَعُ بِكَيْدِهِ فَانْقَضَّ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَفَعَهُ بِمَنْكَبِهِ فَأَلْقَاهُ بِوَادِي الْأُرْدُنِّ) رواه أبو نعيم في الدلائل ..

 

- وفي رواية (ضعيفة جدا) بلفظ: مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (كَانَتِ الشَّيَاطِينُ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ .. فَرَقَى فَوْقَ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ أَوَّلُ جَبَلٍ وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ .. فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ قَالَ: أَذْهَبُ فأَكْسِرُ عُنُقَهُ .. قَالَ: فَجَاءَ يَخْطِرُ وَجِبْرِيلُ عِنْدَهُ فَرَكَضَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَكْضَةً طَرَحَهُ فِي كَذَا وَكَذَا فَوَلَّى الشَّيْطَانُ هَارِبًا) رواه أبو نعيم في الدلائل .

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: من حيث السند ..

- الرواية الأولى فيها .. (عثمان بن مطر) وهو ضعيف الحديث والبعض ترك حديثه لنكارة ما يرويه .. حتى قال بن عدي عنه: أنه متروك الحديث وأحاديثه عن "ثابت" خاصة مناكير .. وقال عنه بن حبان: يروى الموضوعات عن الأثبات ، لا يحل الاحتجاج به . (راجع تهذيب التهذيب ج7 ص154 ترجمة305).

 

- الرواية الثانية فيها .. (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ) مقبول الحديث ووثقه بن حبان .. وذكره أحمد والدارقطني بأنه يدلس(راجع طبقات المدلسين لابن حجر ترجمة رقم96) .. ويظهر في الرواية عنعنة (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) عن (ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ) ولم يصرح بالتحديث عنه أو السماع منه ..!!

 

- الرواية الثالثة فيها .. (مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ) وهو متهم بالكذب ومتروك حديثه .. وفيه (طلحة بن عمر) وهو ضعيف والبعض ترك حديثه.. وقال بن حبان عنه: و قال ابن حبان : كان ممن يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ، لا يحل كتب حديثه و لا الرواية عنه إلا على جهة التعجب (راجع تهذيب التهذيب ج5 ص23).

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- لا نكارة في الرواية الأولى .. والسند ضعيف جدا.

2- ولكن في الرواية الثانية بخلاف ضعف السند .. ففيها نكارة لغرابة وصف إبليس بأن بين قدميه إلى كعبيه مسيرة كذا وكذا ..!!

- فأي قدم هذه التي لها مسيرة كذا وكذا ؟!! وإذا كان هذا حال القدم فما هو حال باقي الجسم ؟!!

- فهذا كلام لا شاهد له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. بل هو خرافة ولا يصدقه عقل أبدا إلا من ارتضى تفخيم الشيطان وتعظيم قدره .. ولعل هذا الجزء الاول من الرواية تم تلفيقه للرواية - والله أعلم .!!

3- والرواية الثالثة .. مخالفة للحديث الصحيح الذي جاء فيه أن إبليس أرسل جنوده ليبحثوا عن سبب منع السماع لأخبار السماء .. وليس هو من ذهب بنفسه ..!!

 

#- وبخصوص مسألة وطأ عنق النبي ..

- فالذي ورد فيها أن شيطان الإنس أبو جهل هو من أراد أن يفعل ذلك .. وليس شيطان الجن .. وذلك في رواية صحيحة عن صحابيين:

 

- الأول: عن بن عباس قال: (قال أبو جهلٍ لئن رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصلِّي عند الكعبةِ لآتِينَّه حتى أطأَ على عنقِه .. قال "بن عباس": فقال "النبي" لو فعل لأخذتْهُ الملائكةُ عَيانًا)  رواه أحمد .. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات ..، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة .

 

- الثاني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .. (قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ (أي يضع وجهه على التراب وهو يصلي) بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ: فَقِيلَ: نَعَمْ .. فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى يَمِينًا يَحْلِفُ بِهَا .. لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ .. وَلَأُعَفِّرَنَّ (أي لأضع قدمي على رقبته وهو يصلي) وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ (أي تحقيرا وإذلالا له)، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لَيَطَأُ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ (أي يتراجع ويهرب) .. وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ (أي يضع يده حول وجهه خوفا من شيئا ما يراه) .. قَالَ: فقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَولَا (أي ما يثير الرعب في النفس) ، وأَجْنِحَةٌ (أي يقصد ملائكة لها أجنحة)، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ دَنَا مِنِّي لَخَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا) .. قَالَ "أحد رواة الحديث": فَأُنْزِلَ "لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٍ بَلَغَهُ" {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [العلق: 7]- يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق: 14] ، قَالَ: يَدْعُو قَوْمَهُ {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18] .. قَالَ: - يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ - {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]) رواه أحمد واللفظ له وجاء بلفظه في صحيح مسلم .. وقال محققو مسند أحمد: إسناده صحيح على شرط مسلم ورجاله ثقات.

 

- وخلاصة ما سبق:

- هو أن مسألة وطأ عنق النبي لم يأتي فيها حديث صحيح بأن الشيطان حاول أن يتعرض للنبي ليفعل به ذلك .. وإنما الصحيح أن شيطان الإنس وهو أبو جهل هو من حاول ذلك وعندما حاول فقد ظهرت في ذلك كرامة كبيرة للنبي صلى الله عليه وسلم قد شهد له الكافر بها من خلال ما حكاه عما حدث له ..

 

#- وإلى هنا ختام الروايات التي أظهرت تعرض الشيطان للنبي متمثلا جسدا في صورة إنسان أو قد تشير إمكانية ظهور الشيطان للنبي في عالم المادة ليؤذيه .. والتي قد تبين لك أنها روايات باطلة ولا يصح الإحتجاج بها في شيء .. ويظهر لك أن الشيطان لم يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم متمثلا في صورة إنسان .

 

- وننتقل بعد ذلك إلى الروايات التي تدل على تمثيل الجن في صور مُتخيَلة أو مادية أمام النبي ولكن تمثيل على غير صورة إنسانية .

 

**********************

 

..:: س36: ما هي الروايات التي تمثل فيها الشيطان أمام النبي كشفا وظهورا ولكن ليس بصورة إنسان ؟ ::..

 

#- أخي الحبيب ..

- هناك روايات دلت على ظهور الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم في غير صورة الإنسان .. متمثلا إما في هيئة شيطانية متجسدة أو في هيئة روحانية مُتخيلة .. فمن ذلك:

 

1- ما كان متمثلا في حالة روحانية مُتخيلة .. مثل ما جاء في الحديث عن أبي الدرداء حين قال: (قَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يقولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثُمَّ قالَ ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ ثَلَاثًا، وبَسَطَ يَدَهُ كَأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، قدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ في الصَّلَاةِ شيئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذلكَ، ورَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قالَ: إنَّ عَدُوَّ اللهِ إبْلِيسَ، جَاءَ بشِهَابٍ مِن نَارٍ لِيَجْعَلَهُ في وجْهِي، فَقُلتُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلتُ: ألْعَنُكَ بلَعْنَةِ اللهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أخْذَهُ، واللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أخِينَا سُلَيْمَانَ لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ) صحيح مسلم.

 

2- ما كان متمثلا في هيئة مادية بدلالة قوله "فأخذته" ولكن ليس في صورة إنسان .. وذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ البَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فأمْكَنَنِي اللَّهُ منه فأخَذْتُهُ، فأرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ علَى سَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ حتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: (رَبِّ هَبْ لي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِن بَعْدِي) ..، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا) صحيح البخاري.

 

- وفي رواية أخرى عن أبي هريرة عن النبي قال: (اعْتَرَضَ الشَّيْطَانُ فِي مُصَلَّايَ .. فَأَخَذْتُ بِحَلْقِهِ فَخَنَقْتُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لِسَانِهِ عَلَى كَفِّي ...) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط في تخريج بن حبان: إسناده حسن .. وقال الألباني في صفة الصلاة: حسن صحيح.

 

#- ملحوظة مهمة: في الحديث الأول والثاني .. دلالة على جواز رؤية الشياطين أمام الناس في صورة متجسدة في هيئة مادية غير إنسانية بل في صور أخرى مثل الحيوان .. وجواز الرؤية بدلالة قوله في الحديث الأول: (لأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ به وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ)..، وبدلالة قوله في الحديث الثاني: (تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ).

#- تنويه: قد سبق الكلام على الأحاديث السابقة في الفصل الرابع بالتفصيل ..

 

3- أما عن التمثيل بهيئات متجسدة شيطانية (أي مخيفة الشكل) .. فهو ما جاء عن أبي التَّيَّاحِ قال: قُلتُ لعبدِ الرَّحمنِ بنِ خَنْبَشٍ التَّميميِّ -وكان كَبيرًا-: (أدرَكتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال: نعمْ. قال: قُلتُ: كيف صنَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيلةَ كادتْه الشَّياطينُ (أي احتالوا لإيذائه) ؟ فقال: إنَّ الشَّياطينَ تَحدَّرَتْ (أي نزلت بسرعه) تلك اللَّيلةَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الأَوديةِ والشِّعابِ، وفيهم شَيطانٌ بيَدِه شُعلةُ نارٍ يُريدُ أنْ يَحرِقَ بها وَجهَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فهبَطَ إليه جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: يا محمَّدُ، قُلْ. قال: ما أقولُ؟ قال: قُلْ: أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن شَرِّ ما خلَقَ، وذرَأَ وبرَأَ، ومِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِن السَّماءِ، ومِن شَرِّ ما يَعرُجُ فيها، ومِن شَرِّ فِتنِ اللَّيلِ والنَّهارِ، ومِن شَرِّ كلِّ طارقٍ، إلَّا طارقًا يَطرُقُ بخيرٍ يا رَحمنُ. قال: فطُفِئَتْ نارُهم، وهزَمَهم اللهُ تَبارَكَ وتَعالى) رواه أحمد وبن أبي شيبه والبزار .. وذكره الألباني في الصحيحة بأن إسناده صحيح برقم840 .. وحسنه العراقي والوادعي والمنذري وغيرهم .. قلت خالد صاحب الرسالة: من غريب تحقيق الحديث أن محققو المسند ومنهم شعيب الأرنؤوط قالوا: إسناده ضعيف .. في حين أن شعيب الأرنؤوط قال عن نفس الرواية أنها حديث صحيح في تخريج سير أعلام النبلاء حينما حقق حديث شكوى خالد بن الوليد للنبي بأن الجن يكيده في نومه ..!!

 

#- ومعنى قوله (خلق وذرأ وبرأ): أي خلقه من العدم وهذا يشمل كل المخلوقات .. ثم خصص ذلك بالمخلوق الذي له ذرية وامتداد .. والمخلوق الذي يظهر ولم يكن له مثال سابق في الوجود .. أي يستعيذ بالله من كل مخلوق مؤذي أوجده الله في كل زمان ومكان.. والله أعلم .

 

- والظاهر من هذه الرواية أنه كان تمثيلا مجسدا بدلالة قوله (تحدَّرت من الأودية والشعاب) .. ولو كان تمثيلا متخيلا لكانوا ظهروا فجأة له .. والله أعلم ..

 

- وقبل الإنتقال لمناقشة ما تعرض له الأنبياء مع إبليس من خلال بعض الروايات أيضا التي سنناقشها .. فإن الحديث السابق الذي تكلم عن ليلة كادت الشيطان فيه للنبي .. تظهر أسئلة وتخطر على البال .. ولم أجدها في كتب العلماء .. فذكرتها لك مجتهدا فيها .. خاصة وأنهما سؤالين مهمين جدا .. وقد يشكك بسببهما منكري الحديث النبوي .. فانظر الأسئلة التالية إن شاء الله تعالى..

 

******************************

 

..:: س37: لماذا لم يطرد جبريل جماعة الشياطين ليلة مكيدة الشياطين للنبي في بعض شعاب وأودية مكة ؟ ::..

 

- ولعلك تسأل بعد قرائتك لحديث ليلة أن كادت الشياطين للنبي صلى الله عليه وسلم فتقول: ولماذا لم يطرد جبريل هؤلاء الشياطين وتنتهي المسألة ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ذلك حدث في بداية الدعوة .. وله حكمة ..

1- كان ذلك تعليم من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده .. أن التعلق بالله بالإفتقار إليه أي بصدق التوجه إليه .. هو سبيل النجاة من كل شدة وهو طوق النجاة من الشيطان الرجيم .. فلا يعتمد على أي ملك من الملائكة حتى ولو كان رئيس الملائكة نفسه وهو جبريل عليه السلام .. لأنه لن ينفعه في شيء لأنه لا تصريف له من نفسه ولا إرادة له بمساعدة أحد إلا بتكليف الله له .. فعلى العبد أن يتوكل على مولاه ويتعلق به بصدق التوجه إليه .. والله أعلم.

 

2- ولهذا الحديث إشارة رائعة لمن يتعلق بالجن .. وفيه رد عظيم على خدام الجن وأولياؤه .. الذين يبحثون عن الاستمتاع بالتواصل مع الجن للدفاع عنهم روحانيا وقضاء حوائجهم .. بأن هذه النفوس لما يئست في الله مولاها .. لجأوا للجن ليكون مولاهم .. فاستعزوا بالجن ولم يجعلوا عزهم بالله .. وارتضوا أن يعيشوا أذلة بدلا من أن يعيشوا أعزة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

 

**************************

 

..:: س38: لماذا لم يهرب الشياطين من حضور جبريل ليلة مكيدة الشياطين للنبي كما هربوا من موقعة بدر عند نزول الملائكة ؟ ::..

 

- ولعلك تسأل مرة اخرى بعد قرائتك لحديث ليلة أن كادت الشياطين للنبي صلى الله عليه وسلم فتقول: لماذا لم يهرب الشياطين من حضور جبريل عليه السلام كما هربوا من موقعة بدر ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لعلك لم تنتبه إلى أن المشهد هنا هو مشهد تلقين بالوحي .. وليس مشهد مقاتلة .. ولذلك:

1- التلقين بالوحي يكون في خفاء لا يدركه إنس ولا جن .. ليكون التبليغ آمن تماما من أي خلط أو وسوسة أو غير ذلك ..

 

2- جبريل لم ينزل بهيئة تدل على المقاتلة فعلم الشياطين أنه غير مأمور بالقتال فاطمئنوا لذلك .. بخلاف موقعة بدر فالملائكة حضروا بهيئات المقاتلين وكانوا مأمورين القتال مع المؤمنين .. فشتان بين هذا وذاك ..

- والله أعلم .

 

**************************

 

..:: س39: وقد يقال: كيف يتعرض الشيطان للنبي في حين هو في معية الله ويقرأ تحصيانه ؟ ::..

(هكذا يحدثك الشيطان)

 

- قد يحدثك الشيطان في نفسك بعد قراءة القصص السابقة ويقول لك: كيف يتعرض الشيطان بالأذى للنبي وهو من المفروض معصوم من الإنس والجن .. بل وكيف يتعرض له الشيطان وهو في حالة ذكر مع الله باستمرار .. فهل ذكره الذي من المفترض هو تحصين له من الشيطان .. لم يكن له تأثير فيعصمه من الشيطان أم أنه قد نسي ان يقرأ أذكاره في ذلك اليوم ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قبل أن أجيبك .. فهذا الجواب يحتاج لمقدمتين عليك أن تفهمها جيدا ..

1- المقدمة الأولى: من قال لك أخي الحبيب أن التحصينات ودخولك في معية الله .. يمنع عنك نزول الإبتلاء الإلهي ؟!! إذا كان الله بنفسه قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء35 .. والشيطان من جملة الشر الذي قد يصيبك منه ما تكره مثل الوسوسة .. لأن هذا من جملة اختبارك في الحياة ..

- وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة155-157 ..

 

2- المقدمة الثانية: لعلك أخي الحبيب قد اختلط عليك الأمر في مفهوم التحصين من الشيطان بفهم خاطيء .. وهذا هو الغالب عند عموم الناس ..

 

- فالفهم الخاطيء هو ظنك أن التحصين يبعد عنك الشيطان تماما ..!!

 

- ولكن الحقيقة خلاف ذلك.. وانتبه للآتي:

- فالتحصين من الشيطان هو منع التمكين وليس منع التسليط .. فالتسليط يحدث لأنه من جملة الإبتلاء .. ولكن التحصين بمعنى منع التمكين هو المقصود من وراء دوام الوصل مع الله .. فانتبه لهذه المعلومة فإنها نفيسة جدا ..

 

#- والتمكين الشيطاني له حالتين:

1- تمكين بالغفلة: تمكين غلب عليك في اتباع شهوات نفسك المذمومة حتى أصبحت منقاد له فينتقل بك من معصية إلى معصية حتى تظل في دوامة العصيان وحالة الغفلة عن طاعة الله .. ولكن وجود التوبة حتى مع تكرار المعصية على فترات فهذا ليس تمكين من الشيطان .. وإنما يسمى غلبة نفس .. فانتبه ..!!

 

2- تمكين بالكفر: تمكين يصل بك إلى حالة الكفر بالله والإلحاد عنه.. وهذا هو التمكين الحقيقي والمقصود من سلطان الشيطان .. حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ20-21 ..

 

#- أما التسليط الشيطاني:

- فهو استعراض تحريضي من الشيطان أمامك بالتمثيل المعنوي أو التخيلي ..

1- فالتمثيل المعنوي .. هو معنى يريد نشره في نفسك من خلال الوسوسة أي الصوت الخفي في النفس بالتحريض على الشك والظن السيء أو الفعل السيء .. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا من شيء حدث في نفسية الإنسان مسبقا فيستغله الشيطان ويلعب عليه .. أي أن الشيطان يكون رد فعل لما يحدث حولك من أحداث تؤثر فيك نفسيا .

 

2- أما التمثيل التخيلي .. فهو كما يحدث في المنامات من كوابيس .. أو ما قد يظهر من صور خيالية في نفسية الإنسان المصاب روحانيا .. والبعض يصفه بأنه كشف .. وهذا خطأ .. لأن الكشف هو ما يكون عن حق وصدق ولا شبهة فيه .. ولكن ما يراه البعض فهذا يسمى خيال أو تخيل يحدث له .. فانتبه لهذه الفروق الدقيقة جدا .

 

#- وبعد ما سبق بيانه لك .. إليك إجابة السؤال .. الخاص بأن الله لم يعصم نبيه من الشيطان .. فهذا كلام باطل ومخالف للعقل والواقع ..!! ليه ؟

- لأن الشيطان لم يستطع ولو مرة واحدة .. أن يصيب النبي صلى الله عليه وسلم بأذى وضرر في نفسه ظاهرا أو باطنا .. وإنما فقط تسلط عليه باعتراضه .. وذلك له حكمة وهي ليعرفنا الله أن التسليط لا يسلم منه إنسان مهما بلغت رتبته ومقامه .. وإنما علو المقام يظهر من مجاهدة النفس للشيطان فلا تخضع له .. ولذلك كان أعلى مقام في الوجود هو ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم حينما قهر شيطانه وجعله خاضعا مستسلما له .. وهذا ما لم يحدث لنبي ولا لرسول من قبل ..!! فانتبه وافهم الكلام جيدا ..

 

- إذن اعتراض الشيطان لإنسان هو غالبا مجرد تسليط لاختباره وكشف حقيقة إيمانه .. حيث أن الإختبارات ما هي إلا مرايا نرى فيها حقائق أنفسنا ..

 

#- فالوسوسة اختبار .. والحلم السيء اختبار .. والمس اختبار .. والسحر اختبار .. فليست المشكلة في حدوث ابتلاء روحاني لك .. وإنما المشكلة فعلا هو أنك لم تتعلم الحكمة الدينية من الإبتلاء ولم يتم إرشادك بإرشاد صحيح لفهم حقيقة الابتلاء الروحاني .. وبالتالي تدخل في دوامة وحيرة من أمرك وتظن بوجود تناقض بين ما يحدث لك من أمور روحانية في حين أنت ملتزم مع الله .. وهنا تحدث أزمة نفسية بين المؤمن والدين .. لأنك تسأل نفسك فتقول: كيف أكون ملتزم مع الله وكيف يتسلط الشيطان عليا ؟!!

   

#- من ناحية أخرى .. لماذا أخي الحبيب تسمح للشيطان أن يصور في عقلك .. أن معنى الإستعاذة هو أن الله سيرسل ملكا من الملائكة إلى الشيطان الذي يضايقك .. فيأتي بسكينا ويذبح رقبة الشيطان كالفراخ .. أو سيأتي بسيف ويشق بطن الشيطان منتقما منه من أجلك .. أو سيلقي في قلبه رمحا وتنتهي حياته ؟!!

 

- فهذا تصور خاطيء منك لو ظننت أن هذه هي كيفية إعاذة الله لك .. نعم قد يحدث أن الله يمكن أن يرسل ملكا ليقتل العفريت والشيطان من غير ما ترى ذلك والله على كل شيء قدير .. ولكن الأمور لا تسير بهذه الكيفية التي تتصورها وتبرمج لها عقلك ونفسيتك .. إذ أن الطبيعي هو أن الله يحجب الشيطان عنك حينما تستعيذ بالله وتلجأ إليه .. ولذلك قال تعالى لنبيه: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا) الإسراء45.

 

- فالإستعاذة بالله التي هي طلب الحماية من الله .. فهذا يحدث فعلا بأن الله يمنع الشيطان ويحجبه عنك .. وليس بامتناع وجوده بالكلية أو عدم تعرضه لك تخييلا أو وسوسة .. لا .. بل قد يحدث بقدر ما سمح الله بحدوثه لدخولك دائرة الإبتلاء لو أراد الله لك ذلك .. (هذا على افتراض أن ما أنت فيه هو ابتلاء وليس بسبب ذنوبك) ..!!

*********************

..:: س40: هل الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي ؟ ::..

 (شبهة للملحدين والقرآنيين) 

- في سياق ما يقال بمناسبة تعرض الشيطان للإنسان .. فقد يقول قائل: لماذا الشيطان يخاف من عمر بن الخطاب فلا يتعرض له .. في حين أن الشيطان قد تعرض للنبي صلى الله عليه وسلم .. حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجّـاً إلا سلك فجّـاً غير فَجِّـك) رواه البخاري ومسلم .
- فهل الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي ؟!!
 
#- هذه المسألة التي سأناقشها معك أخي الحبيب .. هي في أصلها شبهة يروج لها طائفتين:
- الطائفة الأولى هم الملحدين .. حيث يقولون ما معناه أنه طالما الشيطان خاف من عمر فهو أعلى إيمانا من النبي الذي تعرض له الشيطان .. فكيف يؤمن أحد لنبي يخاف الشيطان من أتباعه ولا يخاف الشيطان منه ؟!!
 
- الطائفة الثانية هم القرآنيين .. وهم الذين يشككون في كل حديث نبوي صحيح ليطفئوا نوره في صدور المؤمنون ويكرهونه .. ويقولون لو كان هذا حديث صحيح فعلا فهذا معناه أن الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي .. ؟!! وبالتالي فعمر أعلى من رتبة من النبي وهذا لا يمكن اعتقاده في حق عمر ولا يمكن تصور أن يكون النبي قد قال ذلك ؟!! فهذه أحاديث باطلة رواها البخاري ومسلم ..
 
#- وإليك أخي الحبيب .. مناقشة هذه المسألة بما لم تجده في مكان وبأسلوب أعتقد لم ينتبه إليه أحد في فهم هذه الرواية .. وذلك ليطمئن قلبك تماما بما لا مجال للشك في أن هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. وحتى لا تحرقك نار الغل المشتعلة في صدور الملحدين والقرآنيين الذين يأخذون شبهاتهم أصلا من الملحدين.
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- لعلك أخي الحبيب غاب عنك أمرين ولم تنتبه لأمر .. وبالتالي لم تبصر المقصد النبوي ..  
 
- أولا: أما عن الذي غاب عنك ..
1- هو أن خوف الشيطان من عمر راجع لاتباعه النبي صلى الله عليه وسلم .. فلولا اتباعه للنبي ما كان اكتسب هذه الخاصية .. لأن هذه الخاصية تحدث عن محبة قوية من الله له .. والمحبة لا تأتي إلا بصدق اتباع .. لقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران31.

- إذن الخصوصية المثبتة لعمر هو نتيجة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ... فهي كرامة للنبي ودليل على صدق نبوته .. فأبصر يا مؤمن.
 
2- عمر ليس معلما وإنما تابعا .. والنبي صلى الله عليه وسلم معلما ومرشدا .. والطريق الأصوب في التعليم هو التجربة الواقعية حتى تعلم كيف تتصرف في مواقف مشابهة .. وإلا لو لم يكن لها فائدة لكان النبي كتمها عن أمته ولم يخبرهم عنها .. وما كان أحد سيعرف لأن تعرض الشيطان للنبي هو الذي أخبر عنه ولم يرى أحد ذلك .. ولذلك هو أخبرنا ليعلمنا كيف نتصرف ونتعامل مع الشيطان لو تعرض لنا ..
 
- أما عن عمر بن الخطاب .. فهو لا يستطيع أن يعلم أحد مثل هذه الطرق لأنه لا علم له بها أصلا لأنها تحتاج إلى تلقين بالوحي لكيفية التصرف فيها حيث أن عالم الشيطان عالم غيبي ولا علم فيه للإنسان بكيفية التصرف فيه إلا بوحي من خلال ما أظهره النبي لنا .. من خلال الدعاء أو من خلال الإمساك به والقدرة عليه سواء في حالته الروحانية أو حالته المتجسدة .. ولكن في حالته الروحانية لابد أن يكون لك رؤية في ذلك ..
 
- ثانيا: أما الذي لم تنتبه إليه ..
- هو أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر إنما يتعلق بسلوك الفجاج .. والفج هو الطريق في الصحراء بين جبلين .. واختار النبي وصف الفج للدلالة على أنه محل انتشار الجن والشياطين فيه لأنها أماكن سكنهم في الغالب .. وهي الأماكن التي غالبا يتعرض فيها الشيطان للإنسان في صورة متجسدة في هيئات مختلفة مثل الأفاعي أو هيئات ناطقة في أشكال مختلفة للتضليل والإغواء لاستدراجه وإصابته أو قتله .. وفي هذه الأماكن يخاف الشيطان أن يتعرض لعمر لأن عمر لو أدرك أن الذي أمامه هو شيطان فلن يتردد في قتله ..
 
- فالمسألة تتعلق بتعرض الشيطان لعمر في الصحاري والقفار من خلال التمثيل الروحاني المتجسد بهيئات مختلفة كالكلاب السوداء أو الأفاعي أو هيئات ناطقة مختلفة الأشكال أو ما شابه ذلك ..
 
- إذن مسألة هروب الشيطان من عمر تتعلق بمكان محدد وله وصف خاص وليس المسألة تتعلق بمطلق الأحوال ..!! وإلا فقرين عمر الشيطاني لم يقدر عليه عمر .. ولم يخاف منه فيهرب وكيف يهرب ويخاف وهو موكل من الله ..؟!!
 
#- ونتيجة لما سبق:
- لا وجه لسؤالك أخي الحبيب في أن الشيطان يخاف من عمر ولا يخاف من النبي صلى الله عليه وسلم .. لأنك غابت عنك الحكمة في تعرض الشيطان للنبي .. ولم تنتبه إلى أن النبي تكلم عن عمر فيما يتعلق بمسألة معينة وفي مكان معين لها تفصيل خاص .. فانتبه لما ذكرته لك فإنه نفيس .
 
- خلاصة القول:
1- تعرض الشيطان للنبي .. ثم إخباره لنا بهذه الأمور بالرغم من عدم رؤيتنا لها .. فإنما هو لتعليم امته كيف يتصرفون إذا تعرض لهم الشيطان ..

2- هروب الشيطان من عمر .. إنما في حالة واحدة ومكان واحد مخصص لذلك قد وصفه النبي .. وليس في مطلق الأحوال .
 
#- ملحوظة هامة أخي الحبيب:
1- لم أنقل من كلام العلماء في هذه المسألة أي شيء .. لأن كلامهم يحمل من الغرابة ما لا يحتمله عقلي ولا قلبي .. فرفضته .. ومن ذلك أحسن ما قرأته لهم: هو ما قاله بعض العلماء في شرح هذه المسألة من أنه لا مانع بأن يكون المفضول (عمر) فيه ميزة عن الفاضل (النبي) .. فلا مانع أن تكون هذه كرامة لعمر ..!!
 
2- ولكن هذا الكلام بالرغم من وجاهته .. فهذا كلام لا يقال في هذه المسألة بالذات والتي في ظاهرها اتفاق في مواجهة شيطان .. فيقال أن الشيطان هرب من عمر ولم يهرب من النبي .. فماذا نظن حينئذ ؟!!
- ولكن مسألة تفوق المفضول على الفاضل هذه قد تقال مثلا في فروق جسدية في البنية من حيث الطول والعضلات أو ما شابه ذلك .. وليس في مسألة مثل هذه تتعلق بالشيطان ولها ارتباط بالإيمان في المقام الأول ..!!

- وعن نفسي لم أقبل بهذا التبرير أو غيره مما قاله بعض العلماء .. لأنه لم يقنع عقلي ولم يطمئن له قلبي ولم أرتضيه في حق النبي صلى الله عليه وسلم .. ولعل ذلك لقصور في فهمي لكلامهم .. وفي كل الأحوال جزاهم الله خيرا على اجتهادهم .

 

- ولعل عدم قبول التبريرات في حل هذا الإشكال في كتب العلماء .. هو ما ساعد الملحدين والقرآنيين ومن شاكل قلوبهم في الاستمرار بالطعن ..

- والله أعلم. 

#- وبهذا يكون ختام الكلام على مسألة تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم (ولا تنسى مراجعة الفصل الرابع بأكمله فهو نفيس جدا) ليكتمل لك الفضل كله في مسائل تعرض الشيطان للنبي خاصة وللأنبياء عموما ..

- وننتقل بعد ذلك لمناقشة أحاديث وروايات أخرى قد تكلمت عن تعرض الشيطان للأنبياء والمرسلين متمثلا في صور إنسانية .. ونبدأها بسيدنا إبراهيم عليه السلام .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .