ج9: رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان - هل تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم وكان متجسدا في صورة إنسان - هل تعرض الشيطان لسيدنا نوح عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل - أين كان الجن وإبليس الشيطان في قت الطوفان - لماذا طلب الله من نوح أن يأخذ معه في السفينة من أجناس الحيوانات في حين هو قادر على خلقهم مرة اخرى بكن فيكون.

       بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الملاك والجن والشيطان

وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان

 (الفصل التاسع)

#- فهرس:
:: الفصل التاسع :: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام بعض الأنبياء والمرسلين (إبراهيم - نوح عليهما السلام) - ومناقشة هذه الأحاديث ::
1- س41: هل تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم وكان متجسدا في صورة إنسان ؟ (ما قيل في تعرُّض الشيطان لسيدنا إبراهيم).
2- س42: هل تعرض الشيطان لسيدنا نوح عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل ؟ (ما قيل في تعرُّض الشيطان لسيدنا نوح).
3- س43: أين كان الجن وإبليس الشيطان في قت الطوفان ؟
4- س44: لماذا طلب الله من نوح أن يأخذ معه في السفينة من أجناس الحيوانات في حين هو قادر على خلقهم مرة اخرى بكن فيكون ؟

*************************

:: الفصل التاسع ::

:: أحاديث تشير إلى وجود تمثيل للجن مُتجسدا في صورة إنسان أمام الأنبياء والمرسلين - ومناقشة هذه الأحاديث ::

***************************

 

..:: س41: هل تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم وكان متجسدا في صورة إنسان ؟ ::..

(تعرُّض الشيطان لسيدنا إبراهيم)

 
- تكلمنا في الفصل السابق أخي الحبيب عن تعرض الشيطان للنبي صلى الله عليه وسلم .. وهنا نتعرف على مسألة تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم عليه السلام .. وهل كان متمثلا في صورة إنسان سويا أم كيف كان متمثلا له حينما رماه بالحصوات ؟!!
 
#- وإليك ما وجدته في الأحاديث التي تشير لذلك ..
1- (حديث صحيح مرفوع) .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لمَّا أَتَى إبراهيمُ خَلِيلُ اللهِ المَناسِكَ عرضَ لهُ الشَّيْطَانُ عندَ جَمْرَةِ العقبةَ ، فَرَماهُ بِسبعِ حصياتٍ حتى ساخَ في الأرضِ (أي غاصت رجله في الأرض) ، ثُمَّ عرضَ لهُ عندَ الجمرةِ الثانيةِ ، فَرَماهُ بِسبعِ حصياتٍ حتى ساخَ في الأرضِ ، ثُمَّ عرضَ لهُ عِنْدِ الجمرةِ الثالثةِ ، فَرَماهُ بِسبعِ حصياتٍ حتى ساخَ في الأرضِ) رواه بن خزيمة والبيهقي في السنن ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .. وذكره الألباني في صحيح الترغيب.
 
- وقد يقول قائل أن في ذلك بيان واضح على ظهور الشيطان متجسدا لسيدنا إبراهيم عليه السلام ..
 
2- (حديث موقوف - صحيح لغيره) عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الغَنَويّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ، عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ - قَالَ يُونُسُ: الشَّيْطَانُ - فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، قَالَ: قَدْ تَلَّهُ لِلجَبِينِ - قَالَ يُونُسُ: وَثَمَّ تَلَّهُ لِلجَبِينِ - وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، وَقَالَ: يَا أَبَتِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرُهُ، فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ، فَعَالَجَهُ لِيَخْلَعَهُ، فَنُودِيَ مِنْ خَلْفِهِ: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] ..فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ، فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَبْيَضَ أَقْرَنَ أَعْيَنَ ...... إلى آخر الرواية) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: رجاله ثقات رجال الصحيح غير أبي عاصم الغنوي، فقد روى له أبو داود، وقال أبو حاتم: لا أعرف اسمه ولا أعرفه، ولا حدث عنه سوى حماد بن سلمة، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول. قلنا: ولمعظم هذا الحديث طرق وشواهد يتقوى بها..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): لم يظهر درجة الحديث عند محققو السند .. ولكن ما يظهر لي من كلامهم أن الحديث صحيح لغيره وليس صحيح لذاته .. لأن فيها راوي مختلف عليه .. ولذلك قال محققو المسند (ولمعظم هذا الحديث طرق وشواهد يتقوى بها) .. والله أعلم .
 
3- (حديث موقوف ضعيف) حينما أتى جبريل يعلم النبي مناسك الحج يقول عبد الله بن عباس: (فنَبَغ (أي ظهر) الشَّيطانُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِندَ الجَمرةِ، فرَمَى بسَبعِ حَصَياتٍ حتَّى ساخَ (أي غاصت قدمه)، ثمَّ نَبَغ له في الجَمرةِ الثَّانِيةِ، فرَماه بسَبعِ حَصَياتٍ حتَّى ساخَ، ثمَّ نَبَغ له في جَمرةِ العَقَبةِ، فرَماه بسَبعِ حَصَياتٍ حتَّى ساخَ فذَهَب) رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد .. قلت خالد صاحب الرسالة: الحديث ليس صحيح وإنما ضعيف .. وعلته هي (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْغَزَّالُ) وهو مجهول الحال .. والله أعلم .
 
- وقد يقال أن الرواية السابقة تشير وتدل على أن الشيطان تجسد للنبي إبراهيم عليه السلام وظهر له .. ولكن ظهر له بهيئة الشيطانية ..
 
4- عن مجاهيل .. (رواية باطلة ضعيفة جدا أو مكذوبة والمتن منكر جدا) ..عن ابن حميد قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: (أن إبراهيم حين أمر بذبح ابنه قال له: يا بني خذ الحبل والمدية، ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب ليحطب أهلك منه، قبل أن يذكر له شيئا مما أمر به.
فلما توجه إلى الشِّعَبِ (أي طريق بين الجبال) .. اعترضه عدو الله إبليس ليصده عن أمر الله في صورة رجل .. فقال: أين تريد أيها الشيخ ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه .. فقال: والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك، فأمرك بذبح بنيك هذا.. فأنت تريد ذبحه .. فعرفه إبراهيم .. فقال: إليك عني أي عدو الله .. فو الله لأمضين لأمر ربي فيه .. فلما يئس عدو الله إبليس من إبراهيم .. اعترض إسماعيل وهو وراء إبراهيم يحمل الحبل والشفرة .. فقال له: يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: يحطب أهلنا من هذا الشِّعَب .. قال: والله ما يريد إلا أن يذبحك .. قال: لم ؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك .. قال: فليفعل ما أمره به ربه، فسمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام .. ذهب إلى هاجر أم إسماعيل وهي في منزلها، فقال لها: يا أم إسماعيل، هل تدرين أين ذهب إبراهيم بإسماعيل؟ قالت: ذهب به يحطب لنا من هذا الشِّعَب .. قال: ما ذهب به إلا ليذبحه .. قالت: كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك .. قال: إنه يزعم أن الله أمره بذلك، قالت: إن كان ربه أمره بذلك فتسليما لأمر الله .. فرجع عدو الله بغيظه لم يصب من آل ابراهيم شيئا مما أراد .. وقد امتنع منه إبراهيم وآل إبراهيم بعون الله .. وأجمعوا لأمر الله بالسمع والطاعة .. فلما خلا إبراهيم بابنه في- الشِّعَب وهو فيما يزعمون شِعَب ثبير (أي عند جبل اسمه ثبير) .. قال له: "يا بُنَيَّ، إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ قالَ: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ") رواه بن جرير الطبري في تاريخ الرسل والملوك ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): والحديث ضعيف جدا أو موضوع والمتن منكر جدا .. ليه ؟
- أولا: من حيث السند .. فيه ثلاث علل:
1- فيه (محمد بن حميد) شيخ الطبري وهو متروك الحديث ..
2- وفيه (ابن اسحاق) قد دلس في روايته فلم يسمع عمن روى عنه ..
3- وفيه مجهولية من روى عنهم بن اسحاق هذه القصة ..!!
 
- ثانيا: من حيث المتن ..
1- أما عن نكارة المتن .. فهو معرفة الشيطان بما اوحى الله به إلى إبراهيم لأن رؤيا الأنبياء وحي .. وهذا ممتنع على الشيطان معرفته ..
2- بالإضافة إلى أن الرواية تقول بأن الشيطان أخبر إسماعيل بالذبح .. وهذا معارض للقرآن لأن إبراهيم هو أول من أخبر إسماعيل بالذبح وعرض عليه ما رآه كما رآه وكان رد إسماعيل عليه أن ينفذ أباه ما أمره به الله ..!!
- فكيف تقبل رواية مثل هذه .. بالله عليك يا مؤمن ؟!!
 
#- ملحوظة على روايات سيدنا إبراهيم:
- هناك روايات أخرى تم ذكرها في قصة إبراهيم عليه السلام .. لا يصح ذكرها وهي التي تم ذكر الذبيح فيها أنه إسحق وليس إسماعيل .. وهذه روايات باطلة ومنكرة ولا يحل ذكرها لأن رواياتها فيها تكذيب لنصوص القرآن وللنبي صلى الله عليه وسلم .. لأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام وليس إسحاق عليه السلام .
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الروايات السابقة:
1- غير ممتنع على الأنبياء والرسل أن يروا الشيطان على هيئته .. والواضح أن ظهور الشيطان كان كذلك .. وهذا يظهر واضحا في رواية بن عباس التي رواها الإمام أحمد وجاء فيها (فَعَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ - وفي لفظ "الشيطان") فما علاقة ذلك بأن الشيطان تشكل في شكل إنسان ..!! فأين هذا في الروايات ؟!!
 
- فإذا كانت الروايات صرحت بكل وضوح بظهور الشيطان .. فلماذا يحلو للبعض اختراع شيء لا وجود له فيزعمون تجسد الشيطان بشكل إنسان .. في حين لم يأتي ذكره في الروايات ..!!
 
2- الروايات الصحيحة .. أوضحت أن الشيطان اعترض إبراهيم عليه السلام في طريقة لذبحه ابنه إسماعيل عليه السلام .. ولكن لم تظهر الروايات كيفية تمثيله لإبراهيم عليه السلام .. وهل كان على هيئة روحانية أم هيئة مادية .. ولو كان على هيئة مادية فهل كان على هيئة إنسان ام غير إنسان .. ولو كان على هيئة إنسان فهل كان إنسانا سويا أم لا ؟!!
- فلماذا يحلو للبعض فرض رأيا .. ونشره على الناس دون تدبر لما يكتبونه أو ينقلونه ؟!!
 
3- وقد يقول قائل: أن بكل تأكيد هيئة الشيطان كانت مادية بدليل رميه بالجمرات السبع .. وأنه لما رماه فقد غاصت رجليه في الأرض .. !!
 
- ولكني أقول له من أين لك هذا التأكيد ؟!! 

- قد يحتمل أنه كان في صورة مادية ظاهرة .. ويحتمل أنه قد تكون الرؤية روحانية .. عن إدراك خاص بالنبي فقط .. 

 
- وانتبه أخي الحبيب .. فلا تقارن أحكام الناس مع الشيطان بأحكام الأنبياء مع الشيطان .. فهذا قياس فاسد .. لأن الانبياء كما قلنا لهم كشفا صريح وحقيقي برؤية الشيطان على هيئته التي خلقه الله عليها  بخلاف كل الناس .. وقد يرونه بهيئة متشكلة كعموم الناس .
 
- إذن المسألة تحتاج لمراجعة لمن يقول أن الشيطان في قصة سيدنا إبراهيم كان متجسدا .. لأنه لا حجة له في ذلك إلا مجرد الظن والظن لا يغني عن الحق شيئا .. وحتى وإن كان متجسدا ففي أي هيئة كانت وما هو وصف هذه الهيئة ؟!!
 

3- أما عن الرواية الوحيدة التي وجدتها وكانت عند (بن إسحاق) ورواها الطبري .. وهي التي جاء فيها أن الشيطان كان على شكل رجل .. فهي رواية تالفة السند والمتن لمخالفة القرآن .. لأن راويها "بن إسحاق" قد ذكر في الرواية أن اسحاق هو الذبيح وليس إسماعيل .. وهذا تخريف منقول عن أهل الكتاب .. وكلام باطل مخالف للقرآن ..
 
4- من ناحية أخرى.. وعلى افتراض كان يوجد رواية قيل فيها لفظ أن الشيطان أتى لإبراهيم في هيئة "رجل" .. فهل كان هذا الرجل بهيئة إنسانا سويا أم لا .. أم شيطانا رجلا ؟!! فنظن حينئذ أنه رجلا من الشياطين أو شيطانا رجلا .. لأن بعض الروايات الصحيحة قالت بأنه شيطان أو الشيطان .

 
#- خلاصة القول في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام:
- لا يوجد دليل على تجسيد الجن أو الشيطان في صورة إنسانا سويا .. ولا سبيل ممكن لإثبات ذلك بأي حال من الأحوال ..
- والله أعلم .

***********************

 

..:: س42: هل تعرض الشيطان لسيدنا نوح عليه السلام وكان متجسدا في هيئة رجل ؟ ::..

 
- لقد رويت روايات في تعرض الشيطان لنوح عليه السلام .. أذكرها لك منها ما ذكره صاحب كتاب آكام المرجان في أحكام الجان .. وهو كتاب يجب تحقيقه وتخريج رواياته لأنه يؤدي لمفسدة كبيرة في العلم خاصة حينما يقرأها العوام .. !!
 
- ونظرا لكثرة طباعة هذا الكتاب وانتشاره .. فسأجتهد في تحقيق مروياته الخاصة بتعرض الشيطان للأنبياء التي ذكرها .. وقد ذكرت سابقا تحقيق بعض المرويات في قصة تجسد إبليس في صورة سراقة بن مالك .. وتمثل إبليس في صورة الشيخ النجدي في دار الندوة .. وناقشنا بعض المرويات التي قيلت في قصة سيدنا إبراهيم ..وتركت الروايات التي ذكر فيها أن بن اسحاق هو الذبيح لأنها معارضة للقرآن من أساسه ..
 
- ومن هنا سأحاول التركيز على مرويات كتاب "آكام المرجان" .. حتى تكون بصيرا بمدي الفساد المروي في بعض الكتب الشريعة والذي أدى في نهاية الأمر إلى الإنحراف الروحاني الذي نعيش فيه حاليا .. لأن البعض يقول لك هذا كتاب شرعي ويعتقد فيه وكأنه قرآن ..!!
 
- وهو معذور لأنه لم يجد من يقول له .. أن كثيرا مما في هذا الكتاب هو كلام باطل وفاسد ولا علاقة له بالدين من أساسه ..!!
 
#- والآن نتكلم عن المرويات التي قيلت عن تعرض الشيطان لنوح عليه السلام ..
 
#- الرواية الأولى:
- رواية تابعي .. (رواية باطلة - سند ضعيف ومتن منكر) .. قَالَ أَبُو بكر بن عبيد حَدثنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار قهرمان آل الزبير حَدثنَا سَالم ابْن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ: (لما ركب نوح السَّفِينَة رأى فِيهَا شَيخا لم يعرفهُ قَالَ لَهُ نوح مَا أدْخلك ؟ قَالَ دخلت لأصيب قُلُوب أَصْحَابك فَتكون قُلُوبهم معي وأبدانهم مَعَك قَالَ نوح: اخْرُج يَا عَدو الله .. فَقَالَ: خمس أهلك بِهن النَّاس وسأحدثك مِنْهُنَّ بِثَلَاث وَلَا أحَدثك بِاثْنَتَيْنِ فَأوحى إِلَى نوح لَا حَاجَة بك إِلَى الثَّلَاث .. مُرْهُ يحدثك بالإثنتين .. فَإِن بهما أهلك النَّاس .. وَقَالَ: هما الْحَسَد وبالحسد لعنت وَجعلت شَيْطَانا رجيما .. والحرص أَبَاحَ لآدَم الْجنَّة كلهَا فَأَصَبْت حَاجَتي مِنْهُ بالحرص .. قَالَ وَلَقي إِبْلِيس مُوسَى فَقَالَ يَا مُوسَى أَنْت الَّذِي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وَأَنا من خلق الله أذنبت فَأَنا أُرِيد أَن أَتُوب فاشفع لي عِنْد رَبك عز وَجل أَن يَتُوب على .. فَدَعَا مُوسَى ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك .. فلقي مُوسَى إِبْلِيس فَقَالَ قد أمرت أَن تسْجد لقبر آدم ويتاب عَلَيْك فاستكبر وَغَضب .. وَقَالَ: لم أَسجد لَهُ حَيا أأسجد لَهُ مَيتا ثمَّ قَالَ إِبْلِيس يَا مُوسَى إِن لَك حَقًا بِمَا شفعت لي رَبك فاذكرني عِنْد ثَلَاث ولأهلك إِلَّا فِيهِنَّ .. اذْكُرْنِي حِين تغْضب فَإِن وحيي فِي قَلْبك وعيني فِي عَيْنَيْك وأجرى مِنْك مجْرى الدَّم اذْكُرْنِي حِين تلقى الزَّحْف (أي مجاهدة العدو بالقتال) فَإِنِّي أُتِي ابْن آدم حِين يلقى الزَّحْف فأذكره وَلَده وَزَوجته وَأَهله حَتَّى يولي .. وَإِيَّاك أَن تجَالس امْرَأَة لَيست بِذَات محرم فإني رسولها إِلَيْك وَرَسُولك إِلَيْهَا) ذكره الشبلي في آكام المرجان في أحكام الجان ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: من حيث السند ..
1- (عَمْرو بن دينار البَصْرِيّ أبو يحيى الأَعور قهرمان آل الزبير): ضعيف جدا .. قال اسماعيل بن علية: ضعيف الحديث ، وقال أحمد بن حنبل: ضعيف منكر الحديث ، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء ، وقال أبو زرعة: واهي الحديث ، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث وروى عن سالم بن عبد الله عن أبيه فير حيث منكر وعامة حيثه منكر، وقال الترمذي: ليس بالقوي في الحديث، وقد تفرد عن سالم بن عبد الله بأحاديث، وقال النسائي: ليس بثقة روى عن ابن عمر أحاديث منكرة، وَقَال أَبُو عُبَيد الآجُرِّيّ عَن أبي داود: في حديثي عَمْرو ابن دينار قهرمان الزبير، يعني، عن سَالِم عَن أَبِيهِ عَنْ جده، ليسا بشيءٍ، وَقَال عَمْرو بْن علي: ضعيف الحديث. روى عن سالم عن ابن عُمَر عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أحاديث منكرة، وَقَال ابن حبان: لا يحل كتب حَدِيثه إلا على وجة التعجب، كان ينفرد بالموضوعات عن الأثبات. (راجع تهذيب الكمال ترجمة برقم 4361).
 

2- أما (عبد الله بن عمر): فروايته هنا مرسلة ضعيفة لأنه لم يظهر لنا من الرواية من أين أخذ هذه الرواية .. وغالبا أتى بها مما كان يتم روايته من الإسرائيليات .. وقد تكون الرواية مكذوبة عليه .. والسند ملفق ومختلق .

 
- ثانيا: أما عن متن الرواية ..
1- فهي رواية منكرة جدا وفيها مخالفة صريحة للقرآن .. ويكفي أن نذكر شيء واحد وهو أن موسى شفع لإبليس عند الله بل والله استجاب له .. وهذا كذب صريح على القرآن لأن الله لعن إبليس وطرده من رحمته إلى يوم القيامة .. فلا شفاعة ولا رحمة له عند الله حتى يوم القيامة .. فكيف يدعوه موسى وكيف يستجيب الله لموسى فيه ؟!!
 
2- وكيف يدخل إبليس السفينة إذا كانت للمؤمنين أو من الحيوانات .. وإبليس ليس من المؤمنين ولا من الحيوانات ..!! قال تعالى: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود40 ..!!
 
#- والمعنى من التفسير الميسر:
- قلنا لنوح: احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرًا وأنثى، واحمل فيها أهل بيتك، إلا مَن سبق عليهم القول ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته، واحمل فيها من آمن معك من قومك، وما آمن معه إلا قليل مع طول المدة والمقام فيهم. (انتهى النقل من التفسير).
 
- فهذه الرواية فيها كذب صريح وواضح ومخالفة للقرآن ..
 
#- الرواية الثانية:
- رواية تابعي .. (رواية باطلة تالفة السند ومتنها منكر جدا) .. قَالَ ابْن عبيد حَدثنِي اسحاق بن اسماعيل حَدثنَا جرير عَن الأعمش عَن زِيَاد بن الْحصين عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: (لما رست السَّفِينَة سفينة نوح إِذا هُوَ بإبليس على كوثل السَّفِينَة (أي مؤخرتها مع المتاع) فَقَالَ لَهُ نوح وَيلك قد غرق أهل الأَرْض من أَجلك قد أهلكتهم قَالَ لَهُ إِبْلِيس فَمَا أصنع قَالَ لَهُ تتوب قَالَ فسل رَبك عز وَجل هَل لي من تَوْبَة فَدَعَا نوح ربه فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن تَوْبَته أَن يسْجد لقبر آدم فَقَالَ لَهُ نوح قد جعلت لَك تَوْبَة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أَن تسْجد لقبر آدم قَالَ تركته حَيا وأسجد لَهُ مَيتا) ذكره الشبلي في آكام المرجان في أحكام الجان ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: من حيث السند ..
1- فيه الأعمش قد دلس في الرواية عن زياد بن الحصين فلم يسمع عنه ..

2- وفيه (زياد بن الحصين) دلس في الرواية عن أبي العالية ولم يسمع عنه .. 

3- وأبو العالية وهو رفيع بن مهران انقطع السند عنده والكلام مقطوع عليه ولم يظهر لنا عمن أخذ هذه القصة الغيبية ..!
- فالرواية كلها ساقطة ..
 
- ثانيا: من حيث المتن ..
- فيقال فيه مثل ما قيل في الرواية السابقة .. إذ كيف يقبل الله توبة إبليس وهو ملعون ليوم الدين ..!!
- وكيف دخل السفينة وهي ممنوعة عليه ..!!
 
#- الرواية الثالثة:
- رواية تابعي .. (رواية تالفة السند) .. عن الْقَاسِم بن هَاشم حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس الْبَزَّاز الْحِمصِي حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن اللَّيْث قَالَ: (بَلغنِي لِأَن إِبْلِيس لَقِي نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس يَا نوح اتقِي الْحَسَد وَالشح فَإِنِّي حسدت فَخرجت من الْجنَّة وشح آدم على شَجَرَة وَاحِدَة منعهَا حَتَّى خرج من الْجنَّة) ذكره الشبلي في آكام المرجان في أحكام الجان ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
أولا: من حيث السند ..
1- فيه (أَحْمد بن يُونُس الْبَزَّاز) وهو مجهول الحال ..

2- وفيه (الليث بن أبي سليم القرشي) وهو ضعيف الحديث ..

3- أما عن "الليث" فالمتن مقطوع عليه .. ولا نعلم عمن أخذ حكاية هذه القصة الغيبية ..!! 

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

- فهو كذب .. لأن فيه شبة التلميح إلى أن الله ظلم إبليس .. وحاشاه جل جلاله ..

 

#- الرواية الرابعة:

- (حديث مكذوب وتالف السند والمتن) .. ذَكر بَعضهم ويروى عَن ابْن عَبَّاس: (أَن أول مَا دخل السَّفِينَة من الطُّيُور الدرة وَآخر مَا دخل من الْحَيَوَانَات الْحمار وَدخل إِبْلِيس مُتَعَلقا بذنب الْحمار) ذكره الشبلي في آكام المرجان في أحكام الجان ..

 

أولا: من حيث السند ..

- فلا سند له من أساسه .. وقد ذكره الإمام الشبلي بصيغة التضعيف .. أي أن الرواية هو يعلم أنها ضعيفة .. ولكن الحقيقة الرواية مكذوبة وباطلة ولا يمكن أن يصدقها مؤمن ..!!

 

- ثانيا: من حيث المتن ..

1- فهو كذب .. لأن فيها أن إبليس كان متعلقا بذيل الحمار مستخفيا بذلك عن نوح وعن الملائكة الحفظة الذين كانوا يرشدون نوح عليه السلام .. بل وفي غفلة عن الله ..!!

2- ثم ما الذي يدخل إبليس سفينة نوح من أساسه .. إذا كان لا يدخلها إلا مؤمن كما سبق واوضحنا ذلك .. لقوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود40 ..!!

 

#- خلاصة القول:

- يتبين لك أخي الحبيب أن الشيطان لم يكن متجسدا لنوح عليه السلام أبدا .. بل ولم يقابله لأن الروايات التي أظهرت أنه قابله كلها روايات مزورة ومكذوبة وتم تلفيقها واختراعها ..

- فاغتنم أخي الحبيب ما أتاك من العلم وانتبه لهذه المرويات جيدا .. 

 

#- وقد يقول قائل منتبها لما سبق .. أين كان الجن وقت الطوفان ؟

- نجيب عليه في السؤال التالي .. إن شاء الله تعالى ..

 

******************************

 

..:: س43: أين كان الجن وإبليس الشيطان في قت الطوفان ؟ ::..

 

#- قد يقول قائل منتبها لما سبق .. إذا كانت الروايات باطلة إلا أنها لفتت النظر إلى جزئية معينة وهي .. أين كان الجن وقت الطوفان ؟

 

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لم أجد في ذلك جوابا عند أهل العلم في حدود ما هو متوفر عندي من الكتب .. ويجول بخاطري أحد احتمالين - والله أعلم -:

- الأول - وهو ظن أميل إليه - : أن الطوفان كان خاص بعالم الإنس دون الجن وهو عالم الظاهر .. وبالتالي لا علاقة له بعالم الحجاب وهم في معزل عن ذلك .. وهذا في كل عقوبة حدثت لعالم الإنس مع أنبيائهم .. فكان العقاب لأهل الظاهر .. ولا يظهر لنا القرآن أنه كان لأهل الخفاء عقاب .. حتى وإن كان يحدث لهم عقاب .. فالقرآن لم يظهره لنا .. ولا يحق لنا البحث فيه.

 

- الثاني - وهو ظن محتمل - : لعل الملائكة نزلت وحجبت الجن في مكان ما بعيدا عن الطوفان ..

 

#- وأميل لما خطر ببالي في أولا .. وهو أن الطوفان كان لعالم الظاهر .. ولذلك أمر الله نوح أن يأخذ من عالم الظاهر ما يتم به إعادة حياة الظاهر مرة أخرى ..

- والله أعلم .

 

#- وقد تسأل نفسك فتقول: لماذا طلب الله من نوح أن يأخذ معه في السفينة من أجناس الحيوانات في حين هو قادر على خلقهم مرة اخرى بكن فيكون ؟

 

*******************************

 

..:: س44: لماذا طلب الله من نوح أن يأخذ معه في السفينة من أجناس الحيوانات في حين هو قادر على خلقهم مرة أخرى بكن فيكون ؟ ::..

 

- قلت (خالد صاحب الرسالة):

 

- الإشارة في ذلك - والله أعلم - هو المحافظة على نعم الله التي أعطاها لنا .. فإذا كان الله قدير أن يخلق كل شيء مرة أخرى .. إلا أنه أرشدنا للمحافظة على البيئة التي أعطاها لنا .. لأن الذي لا يحافظ على النعمة فهي تزول منه .. لأن هذا يعتبر كفران بنعم الله .. كما قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل112.

 

- فابصر وانتبه .. واستمتع متذوقا ما يأتيك من العلم ..

- والله أعلم .

 

#- وبهذا يكون ختام الكلام على روايات سيدنا إبراهيم وسيدنا نوح وتعرض الشيطان لهما ومناقشة ما تم تصوره من أن الشيطان تجسد لهما .. ونكمل في فصل قادم باقي الروايات التي تشير إلى تعرض الشيطان للأنبياء والمرسلين وكأنه تمثل لهم في صورة إنسان .. !!

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .