ج6: رسالة الزواج والجماع والإنجاب بين الجن والإنس - ما الذي عليك أن تنتبه له قبل قراءة حكم مسألة الزواج من الجن - ماذا قال الله ورسوله وصحابته في مشروعية الزواج من الجن - هل أباح أحد من التابعين الزواج من الجن - هل الإمام مالك بن أنس من تابعي التابعين قد أجاز زواج الجن من الإنس مع الكراهة

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الزواج والجماع والإنجاب

بين الجن و الإنس

حقيقة شرعية أم خرافة تراثية

 (الجزء الأول)

(الفصل السادس)

#- فهرس:

:: الفصل السادس :: عن كلام الله ورسوله والصحابة والتابعين وتابعي التابعين في الحكم على مسألة الزواج من الجن ::

1- س18: ما الذي عليك أن تنتبه له قبل قراءة حكم مسألة الزواج من الجن ؟

2- س19: ماذا قال الله ورسوله وصحابته في مشروعية الزواج من الجن ؟

3- س20: هل أباح أحد من التابعين الزواج من الجن ؟

4- س21: هل الإمام مالك بن أنس من تابعي التابعين قد أجاز زواج الجن من الإنس مع الكراهة ؟

*********************

:: الفصل السادس ::

:: عن كلام الله ورسوله والصحابة والتابعين وتابعي التابعين على مسألة الزواج من الجن ::

**********************

..:: س18: ما الذي عليك أن تنتبه له قبل قراءة حكم مسألة الزواج من الجن ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- خد بالك من شيء مهم جدا:

- ليس لأن بعض العلماء قالوا بأنه يمكن للجن أن يتزوج الإنس .. فهذا معناه عندهم أنه مباح أو حلال .. لا .. أنت تكون هكذا فهمت غلط .. وإنما يقصدون فقط أن هذا ممكن حدوثه من الناحية العقلية النظرية وليس من الناحية الشرعية .. ولذلك من ناحية أخرى بعضهم قالوا بتحريمه أو كراهته .. فانتبه لما سبق جيدا .. حيث هناك فرق بين إمكانية الزواج من الجن .. والحكم على حدوث هذا الزواج ..

 

- ومثال ذلك: يمكن للرجل أن تتزوج أي امرأة من الناحية العقلية النظرية .. ولكن من الناحية الشرعية فلا يمكن للمسلم أن يتزوج من امرأة هندوسية أو بوذية أو مجوسية أو ملحدة .

 

#- فإذا علمت ما سبق .. فأنت ستفهم لماذا كثير من العلماء لا رأي لهم في الحكم على مسألة الزواج من الجن .. وذلك لأنهم لا يقولون بإمكانية حدوث هذا الزواج أصلا لخفاء العالم الروحاني عنا وعدم ظهوره .. وبالتالي فكيف يصنع حكما فيما لا إمكانية لحدوثه من وجهة نظرهم ..!!

 

- ولكن أصحاب هذا الرأي وإن كان كلامهم بالفعل صحيح عقلا .. ولكن فاتهم حالات الحضور الروحاني الخاصة لبعض الناس وليس لكل الناس .. والتي من الصعب تحويلها إلى مجرد هلاوس سمعية وبصرية .. لمجرد قلة معرفة أصحاب هذا الرأي بهذه الأمور .. خاصة وأن أصحاب هذا الرأي يقولون بأن الجن يمكن أن يتمثل في عالم المادة سواء بصورة تخيلية أو صورة مادية .. فكيف حينئذ يكون كل ما يحدث لبعض الناس هو هلاوس سمعية وبصرية ..

 

***********************

 

..:: س19: ماذا قال الله ورسوله وصحابته في مشروعية الزواج من الجن ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- من المهم أن تعرف أخي الحبيب ..

1- لا يوجد في كلام الله أي القرآن .. أي دليل على وجود مسألة زواج الجن من الإنس ..

- وإنما المتاح في كلام الله وهو أن الزواج يكون من جنس النفس التي لها زوج منها ..

- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) النساء1 .

 

- وقال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل72.

 

- ويقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم21.

 

2- لا يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. أي دليل على وجود مسألة زواج الجن من الإنس .. إلا من خلال رواية واحدة وهي ضعيفة وهي التي نهى فيها الزواج عن الجن .. ولم تصح عنه صلى الله عليه وسلم ..

 

3- لا يوجد في كلام الصحابة رضي الله عنهم .. أي دليل على وجود مسألة زواج الجن من الإنس .. إلا رواية باطلة قيلت عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب ذُكرت في مصادر بعض طوائف الشيعة وقد سبق وذكرناها لكم .. وهذا لا علاقة له بأهل السنة والجماعة وأظن أن بعض الشيعة لا يعتقد بهذه الرواية أيضا.

 

#- خلاصة الكلام ..

- لا يوجد في كلام الله .. ولا كلام رسول الله .. ولا في كلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أي ذكر عن مسألة زواج الجن بالإنس نهائيا .. لا من قريب ولا من بعيد ..

 

# ملحوظة هامة جدا:

- خطر ببالي حجة قوية أيضا لأصحاب الرأي الذي يقول بأنه لا يمكن زواج الجن بالإنس .. وهي أنه يقال منهم:

- إذا كانت الشريعة لا تسمح باستباحة الفروج إلا بنص شرعي .. ولما تجاهلت الشريعة الكلام في مسألة زواج الجن بالإنس .. كان ذلك معلوما منه أنه من المستحيل تحقيقه .. وإلا لكانت الشريعة أظهرت ذلك وأشارت إليه ..

 

**********************

 

..:: س20: هل أباح أحد من التابعين الزواج من الجن ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من التابعين الذين بلغنا عنهم كلاما في مسألة زواج الجن من الإنس .. هم خمسة .. حسب ما بلغني من العلم .. ووفق ما وجدته في كتب أهل العلم ..

1- الحسن بن يسار البصري .. التابعي - (المتوفى:110 هـ)

2- قتادة بن دعامة السَّدوسي .. التابعي - (المتوفى:118 هـ).

3- الحكم بن عتيبة .. التابعي- (المتوفى:113 هـ).

4- زيد بن الحواري العمي .. التابعي - (أخذ عن الحسن وقتادة - وأخذ عنه الأعمش).

5- سليمان بن مهران (الأعمش) .. التابعي - (المتوفى:148 هـ).

 

- أولا: رأي (الحسن البصري - وقتادة بن دعامة) ..

- قد كرها الزواج من الجن .. والكراهة هنا بمعنى المنع ..

#- عن أَبُو الْجُنَيْدِ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ يَخْطُبُ فَتَاتَنَا .. فَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تُزَوِّجُوهُ وَلَا تُكْرِمُوهُ ..

- فَأَتَى قَتَادَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْخَطَّابِ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْجِنِّ يَخْطُبُ فَتَاةً لَنَا .. فَقَالَ: لَا تُزَوِّجُوهُ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ فَقُولُوا: إِنَّا نُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا لَمَا انْصَرَفْتَ عَنَّا وَلَمْ تُؤْذِنَا ..

- فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَ الْجِنِّيُّ حَتَّى قَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: أَتَيْتُمُ الْحَسَنَ فَسَأَلْتُمُوهُ فَقَالَ لَكُمْ: لَا تُزَوِّجُوهُ وَلَا تُكْرِمُوهُ .. ثُمَّ أَتَيْتُمْ قَتَادَةَ فَسَأَلْتُمُوهُ فَقَالَ: لَا تُزَوِّجُوهُ وَلَكِنْ قُولُوا لَهُ: إِنَّا نُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا لَمَا انْصَرَفْتَ عَنَّا وَلَمْ تُؤْذِنَا ..

- قَالُوا: نَعَمْ فَإِنَّا نُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ رَجُلًا مُسْلِمًا لَمَا انْصَرَفْتَ عَنَّا وَلَمْ تُؤْذِنَا .. فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُؤْذِهِمْ) رواه بن أبي الدنيا في الهواتف.. وعنه الشبلي في آكام المرجان.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وهذا الأثر فيه علة:

1- وهو أبو الجنيد الضرير واسمه "الحسين بن خالد" .. وهو ضعيف الحديث.. ولكن تابعة (سلم بن قتيبه - في الروايات التالية) ..

 

#- وفي رواية أخرى .. عن إبراهيم بن عرعرة: حدثني سلم بن قتبيه قال: حدثني عقبة الرفاعي: قال: (سئل الحسن عن تزويج الجن فكرهه) ذكره حرب الكرماني في مسائل الإمام أحمد وإسحاق "باب مناكحة الجن" .. وعنه الشبلي في آكام المرجان ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- ملحوظة هامة: الإسناد السابق تم كتابته خطأ في كتاب آكام المرجان للشبلي وكتاب لقط المرجان للسيوطي .. حيث تم كتابته هكذا : (إِبْرَاهِيم بن عُرْوَة حَدَّثَني سُلَيْمَان بن قُتَيْبَة حَدثنِي عقبَة الروماني ..) والإسناد كله محرف ..!! فانتبه .

 

#- وفي رواية أخرى .. عن إبراهيم بن عرعرة، قال: حدثني سلم بن قتيبة، قال: حدثني عقبة الرفاعي: قال: (سألت قتادة عن تزويج الجن، فكرهه) ذكره حرب الكرماني في مسائل الإمام أحمد وإسحاق "باب مناكحة الجن" .. وعنه الشبلي في آكام المرجان ..

 

#- وفي رواية أخرى .. عن أَبُو قُتَيْبَةَ عَنْ عُقْبَةَ الْأَصَمِّ: (سَمِعَ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ وَسُئِلَا عَنْ تَزْوِيجِ الْجِنِّ، فَكَرِهَاهُ) رواه بن أبي الدنيا في الهواتف.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وأبو قتيبة: هو سلم بن قتيبة الشعيرى .. ثقة.. وهو المذكور في الروايات السابقة باسم (سلم بن قتيبة).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الروايات السابقة:

- والمقصد مما سبق .. هو تتبع أقوال التابعين المذكورة في كتب أهل العلم حتى نعرف حقيقة المقصود من أقوالهم في المنع والإباحة لمسألة الزواج من الجن ..

- والغريب أنك ستجد البعض يتشدد بالأخذ برأيهما على صفحات الإنترنت .. وكأن قولهما قرآن ..!!

 

- بل والأغرب أن الكراهة وضحتها بعض الروايات .. بأن المقصد منها المنع ..

- فأين الإباحة في قولهما حينئذ ؟!!

#- ولذلك قال الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911هـ): فروي المنع منه عن الحسن البصري وقتادة والحكم بن عتيبة وإسحاق بن راهوية وعقبه الأصم . (راجع الأشباه والنظائر للسيوطي ص256).

 

$- ملحوظة هامة ..

- قال الشيخ نجم الدين الزاهدي الحنفي (المتوفى:658 هـ):

- سئل الحسن البصري عن التزوج بجنِّيَّة ؟

- فقال يجوز بشهود .. (نقلا من كتاب "قنية المنية" في باب "ما يصح من الأنكحة وما لا يصح" ص77).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما ذكره الشيخ نجم الدين الزاهدي:

- هذا كلام لم أجده في أي مكان من كتب أهل العلم .. بل الدليل على خلافه كما سبق وأوضحنا .. ولا أعلم من أين أتى بهذا الرأي للحسن البصري وهو كارها له بمعنى منعه ..!!

- وكيف الشهود سيشهدون على ما لا يرون له وجود ؟!!

 

#- ثانيا:- رأي (الحكم بن عتيبة) ..

1- عن أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ: (أَنَّهُ كَرِهَ تَزْوِيجَ الْجِنِّ) رواه بن أبي الدنيا في الهواتف.

 

2- عَنِ الحجاج بن أرطاة عن الْحَكَمِ بن عتيبة قَالَ: (كَانَ يَقُولُ فِي طَلَاقِ الْمُبَرْسَمِ، وَالْمَحْمُومِ الَّذِي يَهْذِي وَنِكَاحِ الْجِنِّ .. أَنَّ طَلَاقَهُمْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّ نِكَاحَ الْجِنِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ) رواه سعيد بن منصور في سننه.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- وفي الروايات يوجد (الحجاج بن أرطاة) وهو لين الحديث قليلا .. يعني فيه ضعيف بسيط ..

 

2- وقوله (الْمُبَرْسَمِ): هو نوع من الحمى يسبب هذيان وتوهان للعقل ويكون الإنسان غير مستوعب ما ينطق به .. أي غائب العقل .

 

3- قوله (ليس بشيء): أي لا يكون ولا يحدث.. ولذلك قال عن نكاح الجن ليس بشيء .. لأنه أصلا لا يمكن طلاقهم حيث لا نكاح لهم .. وكأنه رحمهم الله ينكر أصلا تحقيق وقوع هذا النكاح أو يحرمه .. وبالتالي فكيف يقع له طلاق ؟!!

 

#- ثالثا: رأي (زيد بن الحواري العمي) ..

- حدثنا إسحاق، قال: أخبرني (محرز) شيخ من أهل "مرو" ثقة .. قال: (سمعت زيدًا لعمّى يقول: اللهم ارزقني جنية أتزوجها، قيل له: يا أبا الحواري وما تصنع بها: قال: تصحبني في أسفاري حيث ما كنت كانت معي) ذكره حرب الكرماني في مسائل الإمام أحمد وإسحاق "باب مناكحة الجن" .. وعنه الشبلي في آكام المرجان ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- بالرغم من عدم حال هذا الشيخ (محرز) الذي وصفه اسحاق بأنه ثقة .. فهذا رأي اسحاق وحده .. وصحيح قوله في الشيخ بأنه ثقه فقد يكون صحيح .. ولكن قبول هذا الكلام لا يصح بدون تأكيد آخر لهذا الشيخ الذي اسمه (محرز) .. ولم أجد أحد آخر أثبت هذه الرواية لزيد العمي ..!!

- وإذا كان ظاهر القصة يقول بأن رأي زيد العمي يجيز الزواج بالجن .. ولكن لا تأكيد على هذه القصة المروية عن شيخ (محرز) وهو غير معلوم حاله .. وتوثيق الثقة له وحده غير كافي ..!!

 

#- رابعا: ما جاء عن (سليمان بن مهران الأعمش) ..

- ليس له قولا في هذه المسألة من أساسه ..!! وإنما البعض استنتج من قصة قيلت عنه أنه حضر زواج للجن .. فاستنتج البعض أن الأعمش يجيز هذا الزواج ..!!

- وقد سبق مناقشة روايات الأعمش كلها في فصل سابق في السؤال رقم (14) .. فارجع لتحقيق هذه الروايات إن أردت..

 

#- خلاصة القول فيما سبق:

1- الحسن البصري وقتادة بد دعامة والحكم بن عتيبة .. منعوا الزواج من الجن ..

2- زيد العمي الحواري.. لا نعلم صحة قصته التي تم روايتها عنه ..!!

3- الأعمش .. لا نعلم له قولا في هذه المسألة من أساسه .. وما قيل لنا عن قصصه فلا اعتبار لها .. وقد سبق الكلام عليها .

 

#- ولكن لماذا البعض يستبيح بأقوال هؤلاء التابعين الزواج من الجن .. وهو لا يصح أقوالهم أن تكون دليلا .. بل ومنع بعضهم الزواج ..!!

 

********************

..:: س21: هل الإمام مالك بن أنس من تابعي التابعين قد أجاز زواج الجن من الإنس مع الكراهة ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الإمام مالك بن أنس .. أحد الفقهاء الأربعة الكبار (المتوفى:179 هـ).. وهو من تابعي التابعين ..

 

- من عادة كتب بعض أهل العلم الذين يتكلمون في مسألة زواج الجن بالإنس .. يأتون بقصة عن الإمام مالك رضي الله عنه .. وهو من الفقهاء الأربعة الكبار في التاريخ الإسلامي وإليه ينسب المذهب المالكي .. ويذكرون عنه القصة والفتوى التالية .

 

# قال الشيخ بدر الدين الشبلي رحمه الله:

- وَقد سُئِلَ مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ فَقيل إِن هَهُنَا رجلا من الْجِنّ يخْطب إِلَيْنَا جَارِيَة يزْعم أَنه يُرِيد الْحَلَال فَقَالَ مَا أرى بذلك بَأْسا فِي الدّين وَلَكِن أكره إِذا وجدت امْرَأَة حَامِل قيل لَهَا من زَوجك قَالَت من الْجِنّ فيكثر الْفساد فِي الْإِسْلَام بذلك

- وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ .. أوردهُ أَبُو عُثْمَان سعيد بن الْعَبَّاس الرَّازِيّ فِي كتاب الإلهام والوسوسة فِي بَاب نِكَاح الْجِنّ فَقَالَ:

- حَدثنَا مقَاتل حَدثنِي سعد بن دَاوُد الزبيدِيّ قَالَ: (كتب قوم من إِلَى مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ يسألونه عَن نِكَاح الْجِنّ وَقَالُوا إِن هَهُنَا رجلا من الْجِنّ .... إِلَى آخِره). (أكام المرجان ص10).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على سند الرواية السابقة عن الإمام مالك:

1- لا يوجد رواية صحيحة من مصدر ثقة تثبت هذا القول للإمام مالك رضي الله عنه .. وإنما متداول في بعض كتب المالكية الإشارة لهذه القصة ..

 

2- المصدر الذي وجدته (على قدر اجتهادي) ويثبت رواية هذه القصة عن الإمام مالك هو ما ذكره الإمام الشبلي ..

أ- عن سعيد بن العبّاس وهو أبو عثمان الرّازيّ الزّاهد. (المتوفى بين سنة 241- 250 هـ) .. وهو شيخ الصوفية في زمنه وله مصنفات كثيرة ومدحه أبو حاتم بأنه شيخ جليل.. إلا أنه مجهول حاله في الرواية .. (راجع الجرح والتعديل لأبو حاتم ج4 ص54).

 

ب- أما عن (مقاتل) .. وهو شيخ سعيد بن العباس وهو أبو عثمان .. فم أجد له أثر في كتب التراجم .. ولم أعلم من هو ..!! وقد يكون الاسم مكتوب غلط كما هو حال كتابة أسانيد كتاب آكام المرجان للشبلي.. والله أعلم .

   

ج- أما عن (سعد بن داود الزبيدي) فهذا اسم مكتوب غلط في رواية الشبلي .. واسمه الصحيح هو (سعيد بن دَاوُد بن سعيد بن أبي زنبر "الزنبري" - المتوفى تقريبا في حدود 220 هـ) وإليك ما قاله العلماء في (سعيد بن داود):

#- قال الإمام علاء الدين مغلطاي (المتوفى: 762هـ):

- قال الخليل في كتاب «الإرشاد»: يكثر عن مالك بن أنس، ولا يحتج به.

- وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي ما تقول فيه؟ قال: ليس بالقوي. [ق 82 / ب]

- وقال الساجي: عنده مناكير، وقال الساجي: يحدث عن مالك بشيء أنكر عليه.

- وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي عن مالك أحاديث مقلوبة ..، وقد روى خارج النسخة عن مالك أحاديث موضوعة.

- وقال سعيد النقاش: روى عن مالك أحاديث موضوعة.

- وقال السمعاني: لا يحتج به.

- وفي «سؤالات السلمي» عن الدارقطني: ضعيف.

- وقال ابن حبان: يروي عن مالك أشياء مقلوبة ..، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة الاعتبار.

- وقال أبو محمد: روى عن مالك أحاديث موضوعة. (نقلا مختصرا من إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج5 ص286-287 ترجمة رقم 1934).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على متن الرواية السابقة عن الإمام مالك:

ومن ناحية أخرى بخلاف تلف هذا السند الذي روى هذه القصة الغريبة لفتوى الإمام مالك ... إلا أنه لا يمكن أن أصدق أن يكون الإمام مالك قد قال بإمكانية حدوث حمل من الجن من أساسه .. فهذا كلام باطل ومخالف لكلام الله .. ليه ؟!!

 

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) النساء1 .

 

- وقال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل72.

 

- وقوله (من نفس واحدة) وقوله (أنفسكم) من نفس الجنس .. وقد جعل منه البنين والأحفاد .. فكيف يكون من جنس آخر يأتي .. بنين وحفدة .. ورجالا كثيرا ونساء ؟!!

 

2- ثم كيف يصح وجود زواج .. والله يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم21.

- فهل الجن من أنفسنا ليكونوا لنا أزواجا نسكن إليهم .. وكيف يكون بيننا وبينهم مودة ورحمة ونحن لا نراهم أصلا ؟!!

 

3- أما عن غرابة ما جاء في الرواية .. فإنها تظهر (كذبا) أن الإمام مالك .. كره زواج الإنسيات من الجن ولكنه يجوز .. وأباحه لذكور الإنس من الجنيات .. !!

 

- وكأن النساء تحمل من الجن أصلا ..!! ما هذا الإستخفاف بعقول البشر ؟!!

 

- وماذا لو أتى رجل بطفل وزعم أنه من الجن ؟ أهذا يجوز حينئذ حسب مذهب الإمام مالك ؟!! أم أن في مذهب الإمام مالك أن الإناث فقط تنجب من الجن .. والذكور لا ينجبون من الجنيات ؟!! أم أن مذهبه أن الإناث من الإنس تنجب إنس .. ولكن الذكر من الإنس لا ينجب جن ؟!!

 

- أهذا كلام يصدقه إنسان عاقل بان يظن هذا في الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ..؟ فما هذا القبح الذي ينشره البعض عن الإمام مالك ويروج لها دون تعقل لما يقرأه ؟!!

- حاشا الإمام مالك أن يكون قال بما أتى في هذه القصة الباطلة ..!!

 

- وكأن الذين اخترعوا هذه القصة وقاموا بتلفيقها للإمام مالك رحمه الله .. أرادوا استباحة الزواج من الجن .. فاستباحوا الإمام مالك وكذبوا عليه بهذه القصة التي لا يصدقها عقل ولا يقبلها قلب مؤمن ..!! والله أعلم .

 

4- وبعيدا عن قصة وفتوى الإمام مالك .. فدعني أخبرك بشيء مهم أخي الحبيب ..

- لو أتيت أي شخص ممن يستبيح العلاقة مع الجنيات .. وأخبرته لماذا لا تزوج أمك أو أختك أو ابنتك من الجن ؟!!

- فانظر ماذا سيكون رده حينئذ ..!!

- لو قال لك مكروه ودفعا للفتنة فهو إنسان كذاب بكل ما تحمله الكلمة من الكذب .. لأن النساء الإنسيات لا ينجبن من الجن .. وأخبره أن يأتي بدليل من تاريخ الإنسان قد حدث فيه ذلك بدلا من الإتيان بنصوص مكذوبة وباطلة من كتب الدينية .. لأن هذا يدل على حقيقة عقله وعلمه ..

- ولو قال مكروه فهذا ليس سبب ليمنعهن من الزواج من الجن لأن حكم الجواز لازال قائم .. أما أنه لو اتعصب عليك وانفعل ورفع صوته عليك كما هي العادة المعتادة من بعض خدامين الجن .. فهذا لأنه يعلم تماما العلم أن لو سمح لأمه او أخته أو ابنته الزواج من الجن فهذا معناه شيء واحد فقط ... سيكون قد جعل منها عاهرة الجن وليست زوجة للجن ..!!

 

- أما بالنسبة له فمباح وحلال لأن ما يشغله هو كيفية افراغ شهوته والاستمتاع بعضوه الذكري حتى لو مع بهيمة .. كما قال بعض العلماء ..!!

 

- والغرض مما سبق .. هو توضيح شيء من النفوس التي تروج على الإنترنت .. قصة وفتوى الإمام مالك الباطلة والملفقة له ..

 

$- واختم هذا الجزء بكلام الشيخ الألباني رحمه الله على متن قصة الإمام مالك حيث قال:

- وأما المتن؛ فإني أستبعد جداً - على فقه الإمام مالك - أن يقول في تزويج الإنسية بالجني: «ما أرى بذلك بأساً في الدين»! ذلك لأن من شروط النكاح - كما هو معلوم - الكفاءة في الدين على الأقل. فلا يجوز تزويج مسلمة بكافر، بل ولا بفاسق، فمن أين لوليها وللشهود أيضاً أن يعلموا أن هذا الجني كفؤ لها، وهم لا يعرفونه؟! فإنه قد ظهر لهم بصورة رجل خاطب وجميل! ولا يمكن رؤيته على حقيقته بنص القرآن. (السلسلة الضعيفة ج12 ص607).

 

#- إذا علمت أخي الحبيب بما سبق ..

- فهذا أوان ننتقل إلى ما ذكره بعض الفقهاء في كتبهم الفقهية والتعريف بآرائهم في مسألة زواج الجن من الإنس .. مع نسبة كل قول إلى قائله قدر المستطاع ومذهبه الفقهي ..

 

************************

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .