ج22: رسالة الزواج والجماع والإنجاب بين الجن والإنس - هل في حديث الإستحاضة للمرأة (رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) دليل على جماع الجن للإنس - مناقشة الرويات التي تكلمت عن سبب الإستحاضة للمرأة - عن أقوال العلماء في شرح مقولة (ركضة من ركضات الشيطان) - المناقشات العقلية لمن زعم بأن الشيطان قد استولى على فرج المرأة وضربه واستولى عليه ودخل فيه وجامعها - من أسباب حدوث الإستحاضة للمرأة والفرق بين دم الحيض والإستحاضة - ما الذي فعله جماعة المعالجين المنتصرين لأفعال الشيطان في الإناث.

         بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الزواج والجماع والإنجاب

بين الجن و الإنس

حقيقة شرعية أم خرافة تراثية

وتحقيق خرافة جماع الملائكة للإنس

 (الجزء الثاني)

(الفصل الثاني والعشرون)

#- فهرس:
:: الفصل الثاني والعشرون :: عن مناقشة حديث (رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) لمن توهم أنها دليل على جماع الجن للإنس ::
1- س70: هل في حديث الإستحاضة للمرأة (رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) دليل على جماع الجن للإنس ؟
#- أولا: مناقشة الرويات التي تكلمت عن سبب الإستحاضة للمرأة.
#- ثانيا: عن أقوال العلماء في شرح مقولة (ركضة من ركضات الشيطان).
#- ثالثا: المناقشات العقلية لمن زعم بأن الشيطان قد استولى على فرج المرأة وضربه واستولى عليه ودخل فيه وجامعها ..!!
#- رابعا: من أسباب حدوث الإستحاضة للمرأة والفرق بين دم الحيض والإستحاضة ..
#- خامسا: ما الذي فعله جماعة المعالجين المنتصرين لأفعال الشيطان في الإناث ؟!!

*************************

:: الفصل الثاني والعشرون ::

:: عن مناقشة حديث (رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) لمن توهم انها دليل على جماع الجن للإنس ::

**************************

..:: س70: هل في حديث الإستحاضة للمرأة (رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) دليل على جماع الجن للإنس ؟ ::..

 
- من أغرب ما يمكن أن يتصور عاقل أو مؤمن أن تجد البعض على الإنترنت .. يحتج بحديث نبوي يتكلم عن الإستحاضة ويزعم أنه يدل على جماع المرأة للجن ..!!
 
- ويقول: أن الذي يضرب الرحم يقدر أن يجامع فيه ..!!
 
#- وهذا الحديث الذي أشار إليه: عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: (كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَثِيرَةً، فَجِئْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ ..... فَقَالَ لَهَا: إنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ ......) رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- هذا الحديث استغله جماعة الرقاة المعالجين .. كل واحد حسب هواه وما يرغب في إثباته ما يريد إثباته من عقائده الخاصة حول الجن ..
- فمنهم من اتخذه لإثبات دخول الجن للجسم .. !!
- ومنهم من اتخذه وسيلة لإثبات أن الشيطان يسكن في فرج المرأة ..!!
- ومنهم من قال أن الشيطان يسبب سحر للمرأة ..!!
- وأخيرا منهم من اخترع اختراعا جديد تماما فقال: أن الذي يضرب الرحم يقدر أن يجامع فيه ..!!
- وهذا ما سنناقشه هنا .. بل سنناقش الرواية بصورة عامة حتى يتبين لك الحق من الباطل ..
 

######################

 

#- أولا: مناقشة الرويات التي تكلمت عن سبب الإستحاضة للمرأة..

 
- هناك ثلاث قصص تم روايتها في مسألة الاستحاضة وأسبابها وحكمها الشرعي .. وأكتفي ببعض ألفاظها في كل قصة .. فمن ذلك:
 
1- قصة عن الصحابية فاطمة بنت أبي حُبيش:
- جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: (يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي - ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ) صحيح البخاري ومسلم .. وجاء بنفس اللفظ (إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ) في رواية لأحمد في المسند برقم 25622.
 
#- وفي رواية أخرى لنفس قصة فاطمة بنت أبي حبيش بلفظ: (أنَّها كانتْ تُستحاضُ فقال لها النبيُّ عليه السلام إذا كان دمُ الحيضِ فإنَّهُ دمٌ أسودٌ يُعرَفُ فإذا كان ذلكَ فأمسكِي عَنِ الصلاةِ وإذا كان الآخرُ فتوضئي فإنَّما هوَ عِرْقٌ) رواه أبو داود .. وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح من حديث عائشة، وهذا إسناد رجاله ثقات.
 
#- وفي رواية أخرى لنفس قصة فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ جاءت بلفظ في آخرها: (تَطَهَّرُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي، فَإِنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ عِرْقٌ انْقَطَعَ، أَوْ دَاءٌ عَرَضَ لَهَا) رواه أحمد والدارقطني والحاكم .. وقال محققو المسند: صحيح لغيره .. وهذا إسنادٌ ضعيف لضعف عثمان بن سعد -وهو الكاتب- وبقية رجاله ثقات.
 
- ملحوظة: قصدهم بقولهم "صحيح لغيره" أي لحديث البخاري ومسلم السابق ذكره وذلك من حيث القصة" وليس لأن الرواية ذاتها صحيحة بل هي ضعيفة وأوضحوا ذلك ..!!
 
- وهذه الرواية الأخيرة قال عنها الحاكم: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ .. وَعُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ عَزِيزُ الْحَدِيثِ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ (انتهى كلامه) .. ولكن الذهبي لم يوافقه على كلامه .. وقال : كلا .
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): والحق أن غالب علماء الحديث على تضعيف "عثمان بن سعد القرشي" .. مثل أبو زرعة ويحيى بن معين والقطان والنسائي والبيهقي والدارمي وبن حبان وبن نمير والذهبي وبن حجر العسقلاني وبن عبد الهادي .. (راجع تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب في ترجمة عثمان بن سعد القرشي).
- وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال في ترجمة رقم 3604: وذكره أبو العرب، والبلخي، والعقيلي، والساجي، وابن شاهين في جملة الضعفاء ..(انتهى النقل).
- ووثقه الحاكم وأبو نعيم الأصبهاني ..
- والله أعلم .
 
2- قصة عن الصحابية "أم حبيبة بنت جحش":
- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: (اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي) صحيح مسلم.
 
#- وفي رواية في قصة أم حبيبة بلفظ عَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ، فَلَا تَطْهُرُ، فَذُكِرَ شَأْنُهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهُ، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلْتُصَلِّ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: حديث صحيح، دون قوله: "فلتغتسل عند كل صلاة ولتصل" فهو غير محفوظ، وهذا إسناد رجاله ثقات..
 
#- وفي رواية في قصة أم حبيبة بلفظ: (إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ -وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ فَتَقَهُ إِبْلِيسُ) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ..
 
- قلت (خالد صاحب الرسالة): سند الحديث صحيح وانفرد بهذا اللفظ الهيثم بن حميد .. ولكن المتن فيه نكارة في قوله (فَتَقَهُ إِبْلِيسُ) .. إذ لا يعقل أن يذهب إبليس ليفتق عرق امرأة .. فضلا عن أن هذا ليس من أفعال إبليس مع البشر وإلا كان أهلك حواء وأفناها من قديم الزمان ولم يعد لنا وجود .. ولا يقول بذلك عاقل ولا مؤمن ..!!
 
- وهذا اللفظ لم يأت غير في هذه الرواية فقط .. والذي أحسبه أنها من زيادات الرواة أو شرح من أحد الرواة وتم إدراجه في الحديث على أنه منه .. ولذلك هذه الرواية مهملة في كتب العلماء ونادرا ما تجد لها أثر .. وإنما أثبتها للأمانة العلمية .. والله أعلم .!!
 
- وعموما من يحتج بها .. فليخبرنا أي لفظ مما سبق في الروايات هو لفظ النبي الذي نطق به (عرق) أم (ركضة في الرحم) أم (عرق فتقه إبليس) ؟!!
 
3- قصة عن الصحابية حمنة بنت جحش:
- عن حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: (كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَثِيرَةً .. فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ   ..... إلى أن قالت الرواية أن النبي قال لها: إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ) رواه أحمد.. وقال محققو المسند: إسناده ضعيف.. وفي رواية أخرى للحديث بنفس السند ولم يأتي في الرواية (ركضة من رَكَضَاتِ الشيطان) قالوا: إسناده ضعيف، عبد الله بن محمد بن عَقِيل، ضعيفٌ يعتبر به في المتابعات، ولم يُتابَع هنا، ولا يُقبل ما تفرَّد به، فيما ذكر الحافظ في "التلخيص" 2/108..
 
- ثم ذكر محققو المسند اختلاف الأئمة في قبول هذا تحسين هذا الحديث وتضعيفه فمنهم من حسنه كالبخاري والترمذي ومنهم من ضعفه كأبو حاتم وابن المنذر .. وقال بن المنذر أن الإمام مالك كان لا يروي عن " عبد الله بن عقيل" .. (وراجع الخلاف في تحقيق المسند ج45 ص122-123 - تحت حديث رقم 27144).
 
- ووجدت تحقيق طويل للشيخ أبو عمر الدبيان في موسوعة احكام الطهارة .. وحكم على الحديث بالضعف .. وناقشه فيه مناقشة طويلة جدا ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتكلم عنها .. فجزاه الله خيرا. (راجع موسوعة أحكام الطهارة ج8 ص60 حديث رقم456).
 
#- قال بن القيم رحمه الله (المتوفى: 751هـ):
- هذا الحديث مداره على ابن عقيل وهو عبد الله بن محمد بن عقيل ثقة صدوق لم يتكلم فيه بجرح أصلا وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديثه ، والترمذي يصحح له .. وإنما يُخْشَى من حفظه إذا اتفرد عن الثقات او خالفهم .. اما إذا لم يخالف الثقات ولم ينفرد بما ينكر عليه فهو حجة .. وقال البخاري في هذا الحديث هو حديث حسن .. وقال الإمام أحمد هو حيث صحيح .(تهذيب السنن ج1 ص326).
 
- ثم ذكر الإمام بن القيم من أنكر هذه الرواية مثل بن خزيمة وبن مَنْدَه .. ثم أخذ يجيب على من اعترض على هذا الحديث ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعليقا على كلام الإمام بن القيم:
أ- قد أثبت بن المنذر في الأوسط 2/224 نكارة شديدة في المتن .. (وراجع ما نقله عنه محققو المسند ج45 ص122-123 - تحت حديث رقم 27144).
- وفي لفظ (ركضة من ركضات الشيطان) يوجد نكارة متن ..؟!! إذ لم يأت بها الثقات ؟!!
 
ب- وأخذ بن القيم يدافع عن الحديث ليثبت صحته ولكن لم يثبت له متابعة واحدة لهذا الحديث لابن عقيل حتى تنتفي شبهة انفراده ..!!
 
ج- أما عن نقله لكلام البخاري وأحمد فهو منقول عن كلام ذكره الترمذي عن البخاري وأحمد .. ولكنهما لم يكتبا ذلك .. بل أن أبو داود قال: (سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث بن عقيل في نفسي شيء منه) ..!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) - ومن تعليق المتأخرين على هذا الحديث:
#- ضعفه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار وقال: مداره على "بن عقيل" وليس حجة. (نيل الأوطار ج1 ص342)..
- وضعفه الأرنؤوط في تخريج سنن أبي داود وقال: إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن محمَّد بن عقيل. (تخريج الأرنؤوط على سنن أبي داود ج1 ص210)..
- وأبو عمر الدبيان قال حديث ضعيف (راجع موسوعة أحكام الطهارة ج8 ص60 حديث رقم456) ..
- وهذا الحديث حسنه الألباني في أرواء الغليل وصحيح الجامع ..!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على تحسين الشيخ الألباني:
- بخصوص تحسين رواية حمنة بنت جحش التي أتت فيها رواية (ركضة من الشيطان) .. فلي فيها وقفه واستغراب مع تحسين الشيخ الألباني .. ليه ؟
 
1- لأنه قال في "بن عقيل" أحد رواه حديث "ركضة من الشيطان" في حديث حمنة بنت جحش:
- و"عبد الله بن محمد بن عقيل" ضعيف الحديث، وقد يقبل حديثه فيما وافق فيه الثقات، وهو سيئ الحفظ له منكرات وأفراد يخالف فيها الثقات. (التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل ص400).
 
- وقال مرة أخرى في كلامه عليه في حديث آخر: فإنه "أي بن عقيل" مختلف فيه - كما في "الفتح" (10/10) - والذي استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين هو تسليك حديثه وتحسينه ..!! فاقول هذا هو الأصل في مثله، ولكن قد يعتري حديثه ما يرفعه تارة إلى إلى مرتبة الصحيح، وذلك بالمتابعات والشواهد،وما ينزل به تارة إلى مرتبة الضعف والنكارة، وذلك بمثل المخالفة للثقات، أو الاضطراب في روايته سنداً أومتناً، أو كليهما معاً، ونحو ذلك مما يدل على أنه لم يتمكن من حفظه وضبطه" (راجع السلسلة الضعيفة ج13 ص1035).
 
- سبب استغرابي لتحسين الشيخ الألباني: هو أن هذه الرواية مما تفرد به بن عقيل .. فأين المتابعات والشواهد لرواية حمنة بنت جحش ..؟!! (فهنا خالف الشيخ الألباني رحمه الله ما أثبته بنفسه في حق بن عقيل .. ولذلك استغربت تحسينه لهذا الحديث) ..!!
 
- فهو تجاهل تحقيقه الذي يعلمه في "بن عقيل" .. وارتضى بكلام الترمذي وما ذكره عن البخاري وأحمد  في تحسين رواية حمنة بنت جحش .. كما هو ظاهر كلامه في كتاب الأرواء .. وهذا ليس من منهج الشيخ الألباني ..!! والله أعلم .
 
2- وقفة أخرى عن لفظ الشيخ الألباني عن "بن عقيل": (والذي استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين هو تسليك حديثه وتحسينه) .. فهذا يدل بوضوح أن حديثه ضعيف .. بل أن وصفه (تسليك حديثه وتحسينه) يدل على أن رواية حديثه للضعف أقرب .. وإما تساهلوا في تحسينها ..!!
- فكيف يؤخذ حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يكون في أحد رواته هذا التوصيف الغريب ..!!
 
#- خلاصة القول فيما سبق:
1- اللفظ الصحيح الذي تعددت طرق روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم بتوصيف الإستحاضة هو أنها (عرق) أو (ركضة من الرحم) وسواء هذا اوذاك فالمقصد هو حدوث خلل عضوي في الرحم تسبب في خروج الدم ..  
 
- ومعنى الإستحاضة: هي جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه بعد انتهاء أيام الحيض المعلومة لها.
 
2- لا تصدق كل ما يتم كتابته لك قبل أن تقوم بتحقيقه ..!!
- وبخصوص الرواي "عبد الله بن عقيل": فلا نقبله مطلقا ، ولا نرفضه مطلقا .. فإن ابن عقيل وإن كان سيء الحفظ .. إلا أنه صدوق .. فإذا تفرد بحديث ، أو خالف غيره .. فلا حجة فيه.. والله أعلم .
 
- والرواية التي فيها (ركضة من ركضات الشيطان) هي رواية لا تصح إلا بمتابعة لها .. ولا يوجد متابعة لهذه الرواية على عبد الله بن عقيل.. والله أعلم .
 
#- أما عن تفسير (ركضة من ركضات الشيطان) .. وإن كانت الرواية لا يصح الإحتجاج بها .. فدعني أخبرك بما قاله العلماء فيها من باب الإحاطة بالعلم ..
 

#####################

#- ثانيا: عن أقوال العلماء في شرح مقولة (ركضة من ركضات الشيطان) ..

 
#- أقوال العلماء في شرح جملة (ركضة من ركضات الشيطان) .. لا تخرج عن أربعة تفاسير .. منها ثلاثة بالمعنى المجازي وواحد بالمعنى الحقيقي:
- الأول: الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها ووقت طهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك .. فصار في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته .. وهذا الرأي قاله الإمام الخطابي (المتوفى: 388هـ) في معالم السنن ج1 ص88 .. وعليه أغلب مفسري هذه الرواية .
 
- الثاني: قوله (هي ركضة) ويحتمل أن يكون الضمير (هي) للحالة أي الحالة التي ابتليت بها من الخبط والتحير ركضة من ركضات الشيطان.. وهذا الرأي قاله الإمام التوربشتي (المتوفى: 661 هـ) في الميسر في شرح المصابيح ج1 ص174 ..
 
- الثالث: جُعلت الإستحاضة ركضة من ركضات الشيطان .. وإن كانت من فعل الله تعالى ولا عمل للشيطان فيها .. لأنها ضرب من الأسقام والعلل وقد قال الله تعالى في محكم تنزيله: (ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فبِمَا كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ) وما كسبت أيدي الناس فبنزغ الشيطان وكيده . وهذا الرأي قاله الزمخشري في الفائق في غريب الحديث ج2 ص408.
 
- الرابع: أن الشيطان قد فعل ذلك فعلا وتسبب في جرح هذا العرق .. وأقدم مصدر وجدته عندي قال بذلك هو ما ذكره بدر الدين العيني (المتوفى: 855هـ) في نخب الأفكار ج2 ص314 .. وكذلك نقل هذا الرأي بن رسلان (المتوفى:844) في شرح سنن أبي داود ج2 ص504.
 

****************************

 

#- ثالثا: المناقشات العقلية لمن زعم بأن الشيطان قد استولى على فرج المرأة وضربه واستولى عليه ودخل فيه وجامعها ..!!

 
#- خد بالك أخي الحبيب .. الذين قالوا بترويج هذا الكلام تجاهلوا كلام العلماء تماما واختاروا فقط ما يناسب أهوائهم ونشروه بين الناس على أنه حقيقة دينية .. وما هو من الدين .. والعلماء برآء من نشر العلم بهذا الأسلوب الذي تطفح منه الخيانة في الأمانة العلمية ..!!
 
#- وهنا نتسائل بعض الأسئلة العقلية البسيطة لمن كان له عقل فيبصر ..
1- لو كان الفهم لمعنى (ركضات الشيطان) هو أن الشيطان فعلا تسبب بالنزيف للمرأة .. كما يزعم مروجو هذا الفكر في زماننا هذا وهم غالبا ممن يسترزقون من الرقية ويتكسبون من ورائها .. فهنا نسألهم:
- لماذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم .. المرأة المستحاضة إلى التعوذ بالله من الشيطان الرجيم طالما هذا من فعل الشيطان يقينا كما تزعمون ؟!!
 
2- هل هذا الشيطان متخصص نساء فقط ؟!!
- يعني الشيطان بن الشيطان ده .. لا قدرة له ولا سلطان على جماعة الذكور أبدا .. ؟!!
- يعني ده شيطان متخصص قسم أنثى فقط ؟!!
- أم الإناث فقط هم الذين لديهم عروق في فروجهم وجماعة الذكور لا عروق لهم ؟!!
- أكيد يوجد .. فلماذا لم نسمع ذلك يحدث مع الذكور ؟!!
- ولا إيه ؟!!
- إذا لم يكن لك إجابة يا من ينسب للنبي تفسيرات يستحيل للعقل قبولها .. بل وأئمة العلم على أنها محمولة على المجاز وليس الحقيقة .. هذا بالإضافة أصلا إلى وجود ضعف لهذه الرواية .. وهو الأمر الذي لا يتكلم فيه أمثال هؤلاء المعالجين ويخفونه وكأنهم يتبعون منهجية اليهود في كتمان العلم ..!!
 
3- لماذا نجد هؤلاء حينما يحدث هذا الأمر مع أمه أو ابنته .. يذهب بهن للطبيب ولا تقوم برقيتهن .. أم أن الشيطان الذي يأتي لنسائه هو شيطان مختلف يحتاج لطبيب عضوي .. بخلاف سائر النساء يحتاجون إليه ليرقيهم حتى يمنع عنهن الشيطان ؟!!
- ما هذا التناقض المفضوح في نفوس هؤلاء ..!!
 
4- ولو كان مجرد ضربة واحدة سببت أذى .. فلماذا لا يكرر الشيطان هذا الفعل في كل وقت وفي كل مكان في الجسم سواء بالعين أو الاذن أو الفم أو غير ذلك ؟!! طالما جعلتم له القدرة في الاستيلاء على الأنثى وأصبحت مستباحة للشيطان ؟!!
  
5- أما عن أقبح ما يمكن أن تقرأه في حياتك يا مؤمن .. حينما تقرأ لمعالج راقي يبرر سبب ضرب الشيطان للمرأة المستحاضة في هذا المكان .. هو لأنها تكون نجسة ؟!!
 
- في حين أن الرجل بنفس منطقه واعتقاده الفاسد يكون أحيانا نجس لأنه قد يكون جنب ولم يغتسل ..!! ولم نسمع أن الشيطان ضربه في هذا المكان فانزل منه دما ؟!!
- ولكنه لم يذكر في الرجل شيء وأكتفى بنجاسة المرأة ..!!
 
- والحقيقة أن هذا شخص كذب على الدين والمؤمنين .. من أجل أن ينتصر للشيطان بأن له قدرة على الإناث ..!!
 
- ودليل كذبه .. فلأنه ساوي المرأة المؤمنة بالمشركة وكأنه نسى كلام الله: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) التوبة28.
 
- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأبي هريرة: (أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ: يا رَسولَ اللهِ، لَقِيتَنِي وأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أنْ أُجَالِسَكَ حتَّى أغْتَسِلَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ) صحيح مسلم والبخاري.
 
- فالمؤمنين لا يتم وصفهم بالنجاسة .. لا رجل ولا امرأة ..
 
6- أما من تلبيس بعض الرقاة على المؤمنين .. من خلال الزعم أن ركض الشيطان مثل الذي يتخبطه الشيطان من المس .. فهذا شخص نقول له: بغض النظر عن جهلك بمفهوم التخبط والمس وعدم أمانتك في فهم النص القرآني وإحاطتك بما ذكره العلماء في شرحه .. إلا أننا نقول لك: ولماذا لم يتخبط الشيطان الرجل فيصيبه بنزيف في عضوه الذكري أيضا .. أم أن هذا الشيطان المتخبط بالمس هو أيضا تخصص إناث فقط ؟!!
 
7- وقد يزعم أحد فيقول: أن ما يحدث للمرأة هو من قبيل ما حدث لأيوب عليه السلام حينما مسه الشيطان بنصب وعذاب ..
 
#- وهنا يكفي الرد بقول الإمام الطاهر بن عاشور حيث قال رحمه الله: - والوجه عندي أن تحمل الباء على معنى السببية .. بجعل النصب والعذاب مسببين لمس الشيطان إياه .. أي مسني بوسواس سببه نصب وعذاب .. فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النصب والعذاب عنده ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقا لذلك العذاب ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك ..
- أو تحمل الباء على المصاحبة .. أي مسني بوسوسة مصاحبة لضر وعذاب ..
- ففي قول أيوب (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) كناية لطيفة عن طلب لطف الله  ورفع النصب والعذاب عنه بانهما صارا مدخلا للشيطان إلى نفسه فطلب العصمة من ذلك. (راجع التحرير والتنوير ج 23 ص 268).
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وقد يكون المقصد هنا هو نسبة الضر بالتعب والألم للشيطان من باب الأدب مع الله .. كما نسب إبراهيم المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله فقال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء80 .. وكما قال الخضر عليه السلام في فعل السلب: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) الكهف76 .. ولكن في فعل العطاء قال: (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) الكهف 86.
- والله أعلم .
 

##########################

 

#- رابعا: من أسباب حدوث الإستحاضة للمرأة والفرق بين دم الحيض والإستحاضة ..

 
- الذي أحسبه في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أثبت حقيقة علمية صريحة وواضحة .. أن الإستحاضة تحدث نتيجة عرق .. أو ركضة في الرحم أي ركضة عرق من داخل الرحم .. والمقصد هو اضطراب حدث في أجهزة الجسم للمرأة فسبب لها هذا النزيف المؤقت ..
 
#- وهذا له عدة أسباب ذكرها أهل الطب .. منها:
- مثل الضغط العصبي - تغيير في الدواء- إجهاض - جفاف المهبل - اضطرابات هرمونية - السرطان.
 
#- وتمييز دم الحيض عن الإستحاضة غالبا يكون في الآتي كما ذكر بعض الأطباء :
- اختلاف اللون: يختلف لون دم الحيض عن لون دم الاستحاضة.
- اختلاف الرائحة: رائحة دم الحيض نتنة ورائحة دم الاستحاضة طبيعية.
- اختلاف اللزوجة: دم الحيض أكثر لزوجة من دم الاستحاضة.
- اختلاف السيولة: دم الحيض لا يتجلط بخلاف دم الاستحاضة.
- اختلاف الألم: الحيض يصاحب نزوله ألم وحرقة بخلاف الاستحاضة.
- اختلاف الكمية: كمية دم الحيض أكثر من دم الاستحاضة.
- اختلاف المزاج: يصحب الحيض اضطراب في الحالة النفسية المزاجية للمرأة بخلاف الاستحاضة.
 

######################

 

#- خامسا: ما الذي فعله جماعة المعالجين المنتصرين لأفعال الشيطان في الإناث ؟!!

 
1- أما عن جماعة المستدلين بهذه الرواية لإثبات جماع الجن للإنس .. فيكفي أن تقرأ الروايات .. وستعلم كم هم كاذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لأنه لا يوجد رواية واحدة تشير لدخول شيطان ولا لأذية شيطان ولا لجماع شيطان ولا لسحر شيطان .. ولا يقول بذلك إلا من افترى على النبي بكذب عليه في الرواية .. وحسبه ما قال انتصارا للشيطان بأن له فعل في إناث بني آدم ..
- فضلا عن ضعف الرواية التي يزعمها وهي رواية (ركضة الشيطان) ..!!
 
2- أما عن جماعة المعالجين روحانيا .. لقد صنع هؤلاء المعالجين مساحة للملحدين بأن قال بعضهم مستهزءا: أن دين المسلمين ينظر للمرض العضوي على أنه شيطان وعفريت .. فلازالوا في عصر الجاهلية ومع ذلك يذهبون للأطباء .. فلماذا لا يستعيذوا بربهم من هذا الشيطان ؟
- ومن ثمَّ يتغلغل الشك في نفوس بعض المؤمنين ..
 
- بل وأصبح أعداء الحديث النبوي الصحيح والمستترون وراء وصف (القرآنيون) .. يستغلون هذه التفسيرات التي يتم الترويج لها حول هذا الحديث .. ولا يخلو كلامهم من استهزاء .. ومعنى كلامهم لأنه لا يمكن تصديق أن الشيطان له تسليط في رحم المرأة لأنها مسألة عضوية بحته ولا يقول بذلك التسليط إلا من أصابه خلل في عقله .. ولا يمكن أن يكون هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

- ونحن نقول لهؤلاء: الحديث أصلا لا حجة فيه حتى تنكره وتعترض عليه .. فهو ضعيف ..

 
3- والمصيبة أن ترويج المعالجين والرقاة لمثل هذه الروايات .. كل ذلك من أجل الانتصار للشيطان بأنه السبب في نزيف المرأة من رحمها .. وأنه سخر مهمته في الكون ليدخل فرج إمرأه ويسكن في رحمها ويقطع عرق في رحم المرأة ليسبب لها نزيف .. 

- وطبعا لابد من الشيخ قاهر الجن والشيطان الذي يمتلك السيف النوراني ليقطع رقبة العفريت والجن والشيطان الظلماني ..!!
 
- فأي أحمق يصدق هذا الكلام .. وأي استخفاف بعقول الناس الذي يفعله هؤلاء المعالجين المفسدين من أجل أن ينتصر للشيطان ويثبت أن له فعلا في الإنسان بتسليطه على رحم الأنثى ..!!

- حقيقي فعلا .. حاجة مقرفة ..!!

 
#- وبهذا يكون ختام الكلام على هذا الحديث الذي كنا نتكلم بشأنه .. وهو حديث أن الاستحاضة من ركضات الشيطان وقد تبين لك ضعفه بل وكيف فسره العلماء والرأي الذي ارتضوه في حالة صحة هذه الرواية ..
 
- ويتبقى لنا مناقشة مسألة - مرتبطة بهذا الحديث الذي ناقشناه وبالآية التي كانت قبله الخاصة بطمث الجن في الآخرة .. وهذا السؤال هو:

- هل الجن يستطيع فض غشاء بكارة الفتيات كما زعم البعض بدلالة أن الجن يمكن أن يطمث ويستطيع أن يركض الرحم ؟!

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .