ج28: رسالة الزواج والجماع والإنجاب بين الجن والإنس - هل الشيطان يمكن أن ينجب ويكون له ذريه - كيف أنجب الشيطان ذريته - هل من أنثى أم من جماع نفسه لنفسه - هل الخبث والخبائث هم ذكور الشياطين وإناثهم - هل ذرية الشيطان تأتي من خلال الولادة أم وضع البيض - ما فائدة معرفة أن الشيطان له ذرية.

         بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

الزواج والجماع والإنجاب

بين الجن و الإنس

حقيقة شرعية أم خرافة تراثية

 (الجزء الثالث من الرسالة)

(الفصل الثامن والعشرون)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن والعشرون :: عن ذرية الشيطان ومدى حقيقة وجود إناث من الشياطين - والشيطان يلد أم يبيض - ومفهوم الخبث والخبائث ::

1- س97: هل الشيطان يمكن أن ينجب ويكون له ذريه ؟

2- س98: كيف أنجب الشيطان ذريته ؟ هل من أنثى أم من جماع نفسه لنفسه ؟

3- س99: هل الخبث والخبائث هم ذكور الشياطين وإناثهم ؟

4- س100: هل ذرية الشيطان تأتي من خلال الولادة أم وضع البيض ؟

5- س101: ما فائدة معرفة أن الشيطان له ذرية ؟

*********************
:: الفصل الثامن والعشرون ::
:: عن ذرية الشيطان ومدى حقيقة وجود إناث من الشياطين - والشيطان يلد أم يبيض - ومفهوم الخبث والخبائث ::
*********************
 
..:: س97: هل الشيطان يمكن أن ينجب ويكون له ذريه ؟ ::..
 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- يقول تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) الكهف50 ..
 
#- اتفق العلماء على أن للشيطان ذرية .. ولكنهم اختلفوا في تفسير كلمة (ذريته) في الآية السابقة على ثلاثة أقوال:
 
- أولا: من العلماء قد ذهب إلى حمل لفظ الذرية بالمعنى المعروف وهو أن له نسلا من أولاد وأحفاد .. وهذا هو ما يميل إليه أهل التفسير سلفا وخلفا كما يظهر لي ..
 
- ومما استدلوا به هو قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ) الرَّحِمن:56
- فكون الجن له القدرة على الطمث وهو الجماع وفض البكارة .. فهذا يشير إلى أنه ينكح أنثى ويأتي منها بالذرية ..
 
- ولكن قد يقول معترض: أن هذا من أحوال الآخرة ولا قياس لأحوال الآخرة على أحوال أهل الدنيا .. فليست الآية حينئذ دليل واضح في إثبات الذرية .. خاصة وأن الآية قيلت في جنس حور العين الذي هو مختلف في تفسيره عند العلماء .. فضلا عن أن الآية تتكلم عن مؤمني الجن وليس عن إبليس وذريته .. وقد سبق بيان ذلك في الرسالة ..
 
- ولكن قد يرد على المعترض فيقال له: لو لم يكن الجماع من طبيعة الجن في الحياة كما هي طبيعة الإنس .. ما كان جمع معهم الإنس في نفس الآية .. فدل ذلك على إمكانية الفعل من الجنسين في الحياة مع مزيد فضل من النعمة في الآخرة ..
 
- أما عن كون الآية تتكلم عن مؤمني الجن وليس عن إبليس .. فالشاهد من الآية على إثبات طبيعة للجن وهي القدرة على الجماع .. وإبليس من الجن .. والله أعلم .
 
#- وهناك طائفة من هؤلاء العلماء الذين قالوا بوجود ذرية من الشيطان والجن .. لم يكتفي بوجود ذرية للجن من الجن فقط .. ولكنه زعم أن للجن ذرية من الإنس ..!! وهؤلاء من نناقش أقوالهم وأدلتهم في هذا الجزء من الرسالة إن شاء الله ..
 
- ثانيا: ومن العلماء من حمل لفظ الذرية على المعنى المجازي .. بمعنى أن الذرية يقصد بها أتباعه من عالم الجن وعالم الإنس ..
- كما قال بن عطيه رحمه الله (المتوفى: 542هـ): وقوله وَذُرِّيَّتَهُ ظاهر اللفظ يقتضي الموسوسين من الشياطين الذين يأمرون بالمنكر ويحملون على الأباطيل. تفسير بن عطية ج3 ص522.
 
- وكما قال الإمام القرطبي (المتوفى: 671هـ): وقال قوم: ليس له أولاد ولا ذرية .. وذريته أعوانه من الشياطين. تفسير القرطبي ج10 ص420.
 
- وقد ذكر الإمام الألوسي (المتوفى: 1270هـ): وقال بعضهم: لا ولد له، والمراد من الذرية الأتباع من الشياطين، وعبر عنهم بذلك مجازا تشبيها لهم بالأولاد. (تفسير الألوسي ج8 ص279).
 
- ثالثا: وهناك علماء قالوا بأن لفظ الذرية .. لا مانع أن يجمع بين المعنى المجازي والحقيقي .. فيقصد به ذرية الشيطان بالمعنى الحقيقي والمعنى المجازي .. وهذا هو القول الأصوب من وجهة نظري.
 
- وقد ذكر الإمام الألوسي (المتوفى: 1270هـ): وقيل ولعله الحق إن له أولادا وأتباعا، ويجوز أن يراد من الذرية مجموعها معا على التغليب أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يراه أو عموم المجاز. (تفسير الألوسي ج8 ص279).
 
#- خلاصة القول:
1- أن مسألة وجود ذرية للشيطان بمعنى النسل ووجود أولاد وأحفاد .. هي مسألة محل نظر عند بعض العلماء .. وإن كان الذي يغلب على العلماء أنه يوجد ذرية فعلا للشيطان .. وبعض العلماء جمع بين الرأيين الحقيقي والمجازي .. وهذا هوة الرأي الأشمل والأفضل.
 
2- وهناك رأي منفرد وشاذ جدا قال بأن ذرية الشيطان أو الجن ليست من بني جنسه فقط .. بل امتد الأمر إلى وجود ذرية من الشيطان والجن من عالم الإنس إذ جعلوا من الإنسيات أوعية لحمل أبناء الجن ؟!!
- وهؤلاء سنرد عليهم في هذا الجزء من الرسالة.
 
3- وإذا كان هذا حال الشيطان أن له ذرية .. والشيطان من الجن وما يقال فيه فيقال في الجن عموما .. إلا ما خص عليه الدليل بإبليس فقط كبقاءه دون موت إلى يوم القيامة لأنه من المنظرين.
- وبناء على ذلك فعالم الجن له ذرية .. أي نسلا يتوارثونهم ..

  

*******************

 ..:: س98: كيف أنجب الشيطان ذريته ؟ هل من أنثى أم من جماع نفسه لنفسه ؟ ::..
 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- العلماء الذين قالوا أن للشيطان ذرية حقيقية من أولاد وأحفاد .. قد اختلفوا في طريقة إنجاب الشيطان لذريته .. على ثلاثة أقوال:

1- فمنهم من توقف عن الخوض في هذه المسألة أصلا .. وفوض الأمر لله في كيفية حدوث هذه الذرية للشيطان .. لأنه لا علم من الوحي بذلك.

 

2- ومنهم من قال بأن أولاد الشيطان يأتون من خلال نكاح إبليس لامرأة هي له زوجه .. وذلك باعتبار الظن .. قياسا على أن عموم التوالد في الحياة يكون عن جنس ذكوري وجنس أنثوي ..

 

3- ومنهم من قال أن أولاد الشيطان يأتون من خلال جماع إبليس لنفسه .. وذلك من خلال روايات .. وظنا منهم ذلك لأن القرآن والحديث النبوي لا يظهر فيه صراحة وجود إناث للجن ..!!

 

#- وإليك بيان كل ما سبق:

#- أولا: من توقف عن الخوض في هذه المسألة ..

#- ومن أجمل ما قرأت هو ما ذكره الإمام القرطبي ونقله عن بعض العلماء فقال:

- وقال قوم: ليس له أولاد ولا ذرية وذريته أعوانه من الشياطين .. قال القشيري أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس اتباعا وذرية .. وأنهم يوسوسون إلى بني آدم وهم أعداؤهم .. ولا يثبت عندنا كيفية في كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس .. فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح. (تفسير القرطبي ج10 ص420).

 

 

#- ثانيا: العلماء الذين قالوا أن إبليس ينجب ذريته من زوجة له ..

- وهؤلاء العلماء أشاروا إلى دليلهم بالعقل والنقل ..

- أولا: بالعقل .. أن هذا ما عليه قانون الطبيعة العام .. وهو أن الكائنات عموما تتأتي من جنس ذكوري وجنس أنثوي ..

- ولكن قد يتم الرد على هذا القول بأن هناك كائنات في الوجود هي في نفسها الذكر والأنثى مثل الحلزون وحصان البحر ..!!

 

- ثانيا: بالنقل من النصوص الشرعية وبعض آثار التابعين .. ومن ذلك :

1- قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ) الرَّحِمن:56 .. وقال أن كون الجن له القدرة على الطمث وهو الجماع وفض البكارة .. فهذا يشير إلى أن جنس يفهم معنى الجماع مع الإناث .. وأن له أنثى ينكحها من نفس فصيلته ونوعه .. وأن هذا من جملة طبيعته في الدنيا يفعل ذلك مع الجنيات.. والله أعلم .

 

2- والبعض أشار لحديث: جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ) صحيح البخاري.

- وفي رواية عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا دخل أحدُكُمْ الخلاءَ فَلْيَقُلْ: أعوذُ بالله مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ) رواه الترمذي وبن ماجه.

 

#- فالحديث فيه دلالة على وجود إناث من الجن على رأي بعض من فسر الحديث بأن الخبث والخبائث المقصود بهم ذكور الشياطين وإناثهم .. وهذا سنناقشه في سؤال تالي إن شاء الله .. لأن التفسير بكونهم ذكور وإناث هو مجرد رأي تفسيري للفظ الحديث وليس تفسير مؤكد .. فانتبه .

 

3- وممن قال بذلك الرأي الإمام عامر الشعبي التابعي .. فقد سأله أحد الناس وقال له: هل لإبليس زوجة ؟ فقال: إن هذا عُرس لم أشهده .. ثم تذكر قوله تعالى (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) فقال في نفسه: علمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة .. فقال للسائل: نعم له زوجة . (ذكر هذه القصة الإمام القرطبي في تفسيره ج10 ص420).

 

- (أثر تابعي - صحيح السند - مجرد رأي تفسيري من ظاهر الآية) .. عن يزيد "بن زريع" ، عَنْ سَعِيدٍ "بن أبي عروبة" عَنْ قَتَادَةَ .. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ({أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف: 50] .. وَهُمْ أَوْلَادُهُ َتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَدُ بَنُو آدَمَ وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا) رواه الطبري وأبو حاتم وأبو الشيخ في العظمة.. وهو مجرد رأي تفسيري من ظاهر الآية ..

 

#- ثالثا: العلماء الذين قالوا أن إبليس ينجب ذريته من نفسه ذاتيا بلا زوجة.

- هؤلاء العلماء .. منهم من قال أن إبليس يجامع نفسه في نفسه فيدخل ذيله في فخذه الأيسر ثم يبيض .. والبعض الآخر قال أن إبليس يدخل ذيله في فتحة شرجه فيبيض .. واستدلوا في ذلك بروايات .. أذكرها لكم ..

1- (حديث مكذوب على النبي) .. عن أبي بكر بن عبد الرحمن الزهري: (أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ العدَويَّ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ يلعنُ فقالَ: فِداكَ أبي وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ، مَن هَذا الَّذي حلَّلتَ لَهُ اللَّعنةَ؟ قالَ: ذاكَ اللَّعينُ إبليسُ قالَ: فِداكَ أبي وأمِّي أهلُ ذاكَ هوَ فَزِدْهُ قالَ: وَهَل تدري ما صنعَ السَّاعةَ يا عمرُ؟ قالَ: اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ قالَ: فإنَّهُ أدخلَ ذنبَهُ في دُبرِهِ فأخرجَ سبعَ بَيضاتٍ .. فأولدَهُنَّ سبعةَ أولادٍ ..

- فأوَّلُهُم وأَكْثرُهُم: المذهبُ وَهوَ الموَكَّلُ بفقَهاءِ النَّاسِ وعُلمائِهِم ينسيهمُ الذِّكرَ ويعينُهُم بالحصا ويولعُهُم بِكَثرةِ الوضوءِ .

- والثَّاني: وَهوَ الموَكَّلُ بالنُّعاسِ في المساجدِ يأتي الرَّجلَ فيلقي عليهِ النُّعاسَ فيُنيمُهُ فيقولُ لَهُ: يا فلانًا قد نمتَ فيقولُ: لا فيعادُ عليهِ فيحلفُ يمينًا كاذبةً أنَّهُ لَم ينمْ .

- والثَّالثُ: اسمُهُ ثَوبانُ وَهوَ الموَكَّلُ بالأسواقِ ينصبُ فيها رايةً ينقصُ الكيَّلَ والميزانَ حتَّى لا يؤتونَ ما يوفونَ فيها حتَّى يغلُّوا فيها .

- والرَّابعُ: لغوٌ وَهوَ الموَكَّلُ بالويلِ والعَويلِ وشقِّ الجيوبِ ونتفِ الشُّعورِ ولطمِ الخدودِ ونعقِ الزَّانِ وسائرِ ذلِكَ منَ الصِّياحِ على المَيِّتِ .

- والخامسُ: نشوانُ وَهوَ الموَكَّلُ بأعجازِ النِّساءِ وأحللةِ الرِّجالِ حتَّى يجمعَ بينَ الفاجرَينَ على فجورِهِما .

- والسَّادسُ: مشوطٌ وَهوَ الموَكَّلُ بالهمزِ واللَّمزِ والنَّميمةِ والكذبِ والغشِّ .

- والسَّابعُ: غرورٌ وَهوَ الموَكَّلُ بقتلِ النُّفوسِ الَّتي حرَّمَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ وسفكِ الدِّماءِ وانتِهاكِ المَحارمِ يأتي الرَّجلَ فيقولُ: أنتَ أحوجُ أم فلانٌ كانَ أحوجَ منكَ اركبْ كَذا وَكَذا منَ المَحارمِ اصنعْ كَذا وَكَذا فحسَّنَ حالَهُ ودلَّاهُ بغرورٍ .

- فتلكَ ذرِّيَّتُهُ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في مُحكمِ كتابِهِ (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) إلى قولِهِ (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) .. فتلكَ ذرِّيَّتُهُ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ الباقيةُ معَهُ إلى اليومِ الَّذي وُقِّتَ لَهُم .. لا يموتونَ ولا ينتَهونَ عن جديدِ الأرضِ .. لعنةُ اللَّهِ عليهِ وعلى ذرِّيَّتِهِ) رواه بن عساكر في تاريخ دمشق .. وقال بن عساكر: حديث منكر.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- الإسناد تالف وفيه الآتي:

- (أبو القاسم نصر بن أحمد) .. مجهول.

- و(مقاتل) (جد أبو القاسم) .. مجهول .

-  و (الحسين بن خشيش أبو علي العرجموشي) .. مجهول ..

- و (أبي بكر بن عبد الرحمن الزهري) لم يسمع من عمر بن الخطاب .. فالحديث منقطع .

 

#- أما عن المتن:

- فالرواية ظاهر عليها الوضع أي الكذب .. إذ أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بهذا الوصف في الصحيح أو في أي حديث آخر حتى ولو ضعيف ..

 

- وأغلب الظن أن هذه الرواية من وضع الكذابين .. ولذلك قال الإمام بن حجر عن " الحسين بن خشيش": فذكر حديثا طويلا ظاهر الوضع. (راجع لسان الميزان ترجمة برقم )2508. .. ويقصد الإمام بن حجر بالحديث الطويل هذا الحديث الذي نحققه وجاء فيه أسماء الشياطين.

 

#- خلاصة القول في الرواية السابقة .. هو أن الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

 

2-  واستدلوا بروايات عن مجاهد بن جبر التابعي منها:

أ-  (أثر تابعي ضعيف) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: (لإِبْلِيسَ خَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِهِ قَدْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ ثُمَّ سَمَّاهُمْ فَذَكَرَ: ثَبْرَ، وَالأَعْوَرَ، وَمِسْوَطَ، وَدَاسِمَ، وَزَلَنْبُورَ.

- فَأَمَّا ثَبْرُ: فَهُوَ صَاحِبُ الْمُصِيبَاتِ الَّذِي يَأْمُرُ بِالثُّبُورِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَلَطْمِ الْخُدُودِ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.

- وَأَمَّا الأَعْوَرُ: فَهُوَ صَاحِبُ الزِّنَا الَّذِي يَأْمُرُ به ويزنيه.

- وَأَمَّا مِسْوَطُ:هُوَ صَاحِبُ الْكَذِبِ الَّذِي يَسْمَعُ فَيَلْقَى الرَّجُلَ فَيُخْبِرُهُ بِالْخَبَرِ، فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ لَهُمْ: قَدْ رَأَيْتُ رَجُلا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَمَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ حَدَّثَنِي بِكَذَا وَكَذَا.

- وَأَمَّا دَاسِمُ: فَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ مَعَ الرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ يُرِيهِ الْعَيْبَ فِيهِمْ وَيُغْضِبُهُ عَلَيْهِمْ.

- وَأَمَّا زَلَنْبُورُ: فَهُوَ صَاحِبُ السُّوقِ، الَّذِي يَرْكِزُ رَايَتَهُ فِي السُّوقِ) رواه بن أبي الدنيا في مكائد الشيطان.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- من حيث السند:

1- وفي السند (محمد بن طلحة) .. وهو صدوق له أوهام وضعفه البعض .. إلا أنه مقبول في المتابعة عليه .. ولا يوجد متابعة لهذه الرواية ..!!

 

#- أما من حيث المتن:

- فهو متن منكر جدا .. إذ لا دليل عليه من القرآن ولا الحديث النبوي ولا حتى من قول صحابي ..

- والرواية مقطوعة على قول الإمام مجاهد بن جبر ولا نعلم عمن أخذ هذه المعلومة الغيبية .. وأغلب الظن أنه أخذها من كتب أهل الكتاب التي كان ينقل منها أحيانا كما هو معلوم عنه رحمه الله ..

 

ب- (أثر تابعي- ضعيف) .. عن الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ لَيْثٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50] قَالَ: بَاضَ إِبْلِيسُ خَمْسَ بَيْضَاتٍ زَلَنْبُورُ وَدَاسِمُ وَثَبْرُ وَمِسْوَطُ وَالْأَعْوَرُ ..

- فَأَمَّا الْأَعْوَرُ: فَصَاحِبُ الزِّنَا .

- وَأَمَّا ثَبْرُ: فَصَاحِبُ الْمَصَائِبِ .

- وَأَمَّا مِسْوَطُ: فَصَاحِبُ أَخْبَارِ الْكَذِبِ يُلْقِيهَا عَلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ وَلَا يَجِدُونَ لَهَا أَصْلًا.

- وَأَمَّا دَاسِمُ: فَهُوَ صَاحِبُ الْبُيُوتِ إِذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ بَيْتَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ دَخَلَ مَعَهُ، وَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ أَكَلَ مَعَهُ وَيُرِيهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مَا لَا يُحْصَى مَوْضِعُهُ .

- وَأَمَّا زَلَنْبُورُ: فَصَاحِبُ الْأَسْوَاقِ يَضَعُ رَايَتَهُ فِي كُلِّ سُوقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) رواه أبو الشيخ في العظمة.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- وفي السند:

- (أحمد بن عبده) .. مجهول .. ولم أجهده في مشايخ (حسن بن أحمد بن محمد بن الليث) .. ولم أجده في طلابة (سعيد بن سالم) ..

#- أما عن المتن ..

- الرواية مقطوعة على قول مجاهد .. وهو رأي منكر جدا .. إذ أن هذه المعلومة الغيبية لا دليل عليها من كلام الله ولا كلام رسول الله .. وإثباتها يحتاج إلى وحي وليس إلى رأي تفسيري مجهول المصدر الذي نقل عنه ..!! 

 

ج- (أثر تابعي - لا سند له – وهو رأي تفسيري منكر جدا) فقال مجاهد فيما روى عنه ابن جريج: (إِنَّ إِبْلِيسَ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ فَبَاضَ خَمْسَ بَيْضَاتٍ، فَهَذَا أَصْلُ ذُرِّيَّتِهِ) ذكره القرطبي في تفسيره .. قلت خالد صاحب الرسالة: وأحسب ان القرطبي قد ذكره بالمعنى ومختصرا من الرواية السابقة.

 

د- (أثر تابعي - لا سند له – وهو رأي تفسيري منكر جدا) .. رواية مجهولة عَنْ مُجَاهِدٍ: (فِي قَوْلِهِ: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ) قَالَ: ولد إبليس خمسة: ثبر والأعور وزلنبور ومسوط وداسم .. فمسوط صاحب الصخب .. والأعور وداسم لا أدري مَا يفعلان .. والثبر صاحب المصائب، وزلنبور الّذِي يفرق بين الناس، ويبصر الرجل عيوب أهله) رواه ابن أبي حاتم (المتوفى: 327هـ) في تفسيره.. دون أي سند . ويلاحظ في هذه الرواية يقول: (الاعور وداسم) لا ادري ما يفعلان .. بخلاف الروايات السابقة التي ذكر فيها أعمالهما ..!!

 

3- ومما استدل به من قالوا بأن الشيطان يجامع نفسه .. (رأي تفسيري - لا دليل عليه وهو رأي غريب جدا ومنكر) .. قيل عن كيفية حدوث ذرية الشيطان: (إنه يُدخِل ذنَبه في دُبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين) ذكره البغوي في تفسيره بلا إسناد بل مجرد رأي لا دليل على قائله .

 

4- ومما استدل به من قالوا بأن الشيطان يجامع نفسه .. (رأي تفسيري- لا دليل عليه وهو رأي غريب جدا ومنكر) .. قيل عن كيفية حدوث ذرية الشيطان: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَهُ فِي فَخِذِهِ الْيُمْنَى ذَكَرًا وَفِي الْيُسْرَى فَرْجًا، فَهُوَ يَنْكِحُ هَذَا بِهَذَا، فَيَخْرُجُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ بَيْضَاتٍ، يَخْرُجُ مِنْ كُلِّ بَيْضَةٍ سَبْعُونَ شَيْطَانًا وَشَيْطَانَةٍ، فَهُوَ يَخْرُجُ وَهُوَ يَطِيرُ، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَ أَبِيهِمْ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِي بَنِي آدَمَ فِتْنَةً) ذكره القرطبي في تفسيره دون إسناد ولم أجد إسناد لهذه الرواية.

 

#- خلاصة القول في الآراء السابقة:

أ- إذا كان الرأي الأول تحكمه الحكمة بتفويض الحكم لله في هذه المسألة ..

ب- والرأي الثاني هو الأقرب للصواب بأن إبليس له زوجة ..

 

ج- إلا ان الرأي الثالث وإن كان في ظاهر أدلته النقلية هو الضعف .. إلا أن العلم والواقع قد يقويه بقوة وبالتالي فإن العقل لا يستبعده .. لأن في الوجود كائنات تنجب بدون اتصال جنسي .. مثل جراد البحر وتنين كومودو وأسماك القرش المطرقة وأفعى الرأس النحاسية إذا لم تجد زوج .. وبعض الحشرات كالبراغيت التي تتكاثر بلا ذكور .. وهناك كائنات تحمل الصفات الجسدية للأنثى والذكورة مثل الحلزون وبعض أنواع الفراشات .. وإذا كان كل ما سبق يكون عن نتيجة تحول في الإناث .. إلا أنه يوجد حالات أخرى في الوجود نجد فيها أن الذكر هو الذي يلد وهو حصان البحر ويشاركه في ذلك الفعل بعض الكائنات البحرية مثل السمك الأنبوبي وسمك تنين البحر ..

- فما المانع حينئذ أن يكون الشيطان من هذه الكائنات التي تحمل الوصفين الذكورة والأنوثة ويلد ..؟!!

 

- هذا بالإضافة إلى وجود أنواع من الكائنات لا جنس لها مثل الطحالب والفايروسات فلا توصف بذكورة ولا أنوثة .. فتبارك الله أحسن الخالقين .. وهو القادر على كل شيء .

 
***************************
 
..:: س99: هل الخبث والخبائث هم ذكور الشياطين وإناثهم ؟ ::..
 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- الرأي التفسيري الذين ظن أن الشيطان يجامع نفسه قد ظنوا أنه ليس له زوجة من الإناث .. وبالتالي حسب هذا الرأي فإن حال كل الشياطين يجامعون أنفسهم ويبيضون .. مثل إبليس .. لأنهم من نسله ..

 

- وأمام هذا الرأي السابق .. فقد تم مواجهته ببعض الأدلة كالتي ذكرناها في السؤال السابق لمن أثبت أن للشيطان زوجة وذرية .. وبالتالي فقد أثبت هذا الرأي وجود أنثى من عالم الشيطان .. وذلك حينما استدلوا بآية الطمث التي في سورة الرحمن وإن كانت تتكلم عن الجن المؤمن إلا أنها تكون إشارة إلى أن عالم الجن كله يطمث بما فيهم الشياطين لأنهم من الجن .. واستدلوا ببعض روايات التابعين وكذلك استدلوا بحديث نبوي وهذا ما أردت مناقشته في سؤال مستقل .. وهو الحديث التالي:

 

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ) صحيح البخاري.

- وفي رواية عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا دخل أحدُكُمْ الخلاءَ فَلْيَقُلْ: أعوذُ بالله مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ) رواه الترمذي وبن ماجه.

 

- قوله: "إن الحشوش"، (الحُشُوش): جمع حُشٍّ، وهو الخَلَاء، الحُشُّ في الأصل: جماعةٌ من النَّخْلِ، سُمِّيَ الخَلَاء حُشًّا؛ لأن العرب كانوا يتغوَّطُون بين النَّخِيل، فسمِّيَ كلُّ موضعٍ يَقضِي فيه الإنسانُ حاجتَه بهذا الاعتبار. (قال ذلك الشيخ المظهري رحمه الله في المفاتيح في شرح المصابيح ج1 ص384).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- ومن خلال لفظ (الخبث والخبائث) فقد فهم البعض أن المقصد من هذين اللفظين هو ذكور الشياطين وإناثهم .. فهذا فيه دلالة على أن وجود ذرية للشيطان وبالتالي يكون حدث للشيطان حالة جماع مع أنثى لأنه أنجب ذكور وإناث ..!!

 

#- ولكن الحقيقة أن تفسير الخبث والخبائث بكونهم ذكور وإناث الجن هو تفسير غير مسلَّم به .. إذ أن هناك تفسير آخر يشير إلى مفهوم الخبث والخبائث .. بمعنى الشر والشياطين .. والمعنى الثاني هو المعنى السابق في تفسير الحديث .. إلا أن بعض العلماء احتاروا المعنى الأول .. وسبب حدوث ذلك هو وجود نطق مختلف للفظي (الخبث والخبائث) .. وذلك بسبب رواية مثل رواية الترمذي الذي جاء فيها: ("أعوذ بالله من الخُبْث والخبائث"، أو "الخُبُث والخُبائث") فالرواي شك في النطق هل هو بإسكان الباء أم بضم الباء ؟!!

 

#- ومن تفسير لفظي (الخبث والخبائث):

1- ما ذكره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (المتوفى: 224 هـ) وهو من تابعي التابعين إذ قال: قوله: (الخبْث): يعني الشَّرَّ .. وأما (الخبائث) : فإنها الشياطين. (راجع غريب الحديث ج1 ص416).

 

2- ما ذكره الإمام  أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (المتوفى: 388 هـ) إذ قال: تعوذ بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، وإنما خص بذلك الخلاء .. لأن الشياطين يحضرون الأخلية - وهي مواضع يهجر فيها ذكر الله- فقدم لها الإستعاذة احترازا منهم. (أعلام الحديث ج1 ص237).

 

- وعلى هذين التفسيرين يسير أغلب المفسرين .. ويقولون بالرأيين .. وكثير منهم يرجح الرأي الأول لأنه الرأي الأجمع والأشمل ..

 

3- والإمام القاضي عياض (المتوفى: 544هـ) إذ قال: ولا يبعد أن يستعيذَ من الكفرِ ومن الشياطين ومن سائر الأخلاق الخبيثة والأفعال المذمومةِ وهى الخبائث، وجاء بلفظ الخبث لمجانسة الخبائث، والله أعلم. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج2 ص229).

 

4- والإمام أبو إسحاق ابن قرقول (المتوفى: 569هـ) قد جمع كل الأقوال التي قيلت في شرح ألفاظ الحديث فقال: قوله: (مِنَ الخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) .. الخبْث بإسكان الباء قال أبو عبيد: هو الشر ..

- قال ابن الأنباري: هو الكفر .. والخبائث: الشياطين.

- وقال الداودي: الخبث: الشيطان، والخبائث: المعاصي ..

- وقيل: الخبائث إناث الجن والخُبُث بضم الباء: ذكورهم، جمع خِبث.. وغلَّط الخطابي من "سكَّن الباء" ..

- وقيل: استعاذ من الخبث نفسه الذي هو الكفر، ومن الخبائث التي هي الأخلاق الخبيثة. (مطالع الأنوار على صحاح الآثار ج2 ص406).

 

#-ملحوظة مهمة جدا:  وكان الإمام الخطابي قد أنكر نطق لفظ (الخُبْث) بتسكين الباء ، وقال هو (الخُبُث) بضم الباء .. وقال بتغليط أهل الحديث الذين ينطقون بتسكين الباء .. وهذا شيء غريب منه رحمه الله إذ أن الروايات احتملت اللفظين .. بل ومشايخه الذي نقل عنهم قالوا بذلك وهو ذكر ذلك أيضا عنهم .. ومع ذلك زعم أن الصواب هو ما قاله .. وهذا شيء غريب منه رحمه الله ..!!

 

#- وقد رد العلماء على الخطابي في تغليطه لعلماء الحديث .. ومنهم في ذلك ما قال الإمام بن الجوزي (المتوفى: 597هـ) إذ قال: وَالْبَاء في الْخبث ساكنة .. كذلك ضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيده وغيره.

- ثم في معناه قولان:

- أَحدهمَا: أنه الشر .. قاله أبو عبيد.

- والثاني: الكفر .. قاله ابن الأنباري.

- وزعم أبو سليمان الخطابي أن تسكين الباء غلط .. وأن الصواب ضمها .. قال: وهي جمع الخبيث والخبائث جمع الخبيثة .. والمراد ذكران الشياطين وإناثهم .. !!

- ولا أدري من أين له هذا التحكم .. وهو يروي أن ابن الاعرابي كان يقول: أصل الخبث في كلام العرب المكروه .. فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار .

- فإن صح التعوذ من المكروه فما وجه الإنكار ؟!! بل ما عليه الجماعة أولى .. لأنه يحصل فائدتين: التعوذ من المكروه فيدخل في ذلك كل شر .. والتعوذ من الشياطين وهو اسم يعم ذكورها وإناثها .. كذلك قال أبو عبيد: الخبائث: الشياطين .. ولم يجعله اسما للإناث دون الذكور. (راجع كشف المشكل من حديث الصحيحين ج1 ص271).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- والذي أحسبه في فهم لفظي الخبث والخبائث .. هو الآتي:

1- الخبث قد يكون المقصود به: كل ما يؤدي إلى حدوث شر وضرر ونجاسة .. بسبب التواجد في مكان الخلاء .. مثل الإصابة من البول والغائط في ملابسه أو جسمه .. بل وقد يترتب على ذلك وسواس النظافة والطهارة في نفسه .. أو العدوى بمرض من هذا المكان في جسده ..

 

2- والخبائث قد يكون المقصود به: هي كل نفس خبيثة يصدر منها ضرر أثناء التواجد في هذا الخلاء .. من الجن والحيوان والإنس .. إذ ينتشر في هذا المكان شياطين الجن .. وقد يسكنها بعض الأفاعي والعقارب .. أو خروج أحد من شياطين الإنس المؤذيين مستغلا ما تفعله فيؤذيك ..

 

3- وقوله (الحشوش محتضرة): أي مهيأة لحضور الأذى فيها بسبب ما يكون فيها إما من نجاسات بسبب كثرة التغوط فيها .. أو بسبب خفاء الهوام مثل الأفاعي والعقارب في هذه الأماكن ولا يراها الإنسان .. أو بسبب حضور شياطين الجن والإنس في ذلك المكان .. ولا علاقة لتخصيص هذا المكان بحضور الشياطين فقط ..

- هذا رأيي في فهم ألفاظ الحديث .. والله أعلم .

 

#- ولو كان المقصد من الحديث في الخبث والخبائث هو الشياطين بالذات .. لكان استعاذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ .. ولكنه أطلق الوصف الخاص بالأذى الذي يترتب على التواجد في هذه الحشوش .. وما يحمله من شر وأذى ..

 

#- ملخص القول من وراء تحقيق هذا الحديث النبوي:

1- أن الذين يذكرون في كتبهم أو على مواقعهم أن المقصد بالخبث والخبائث هو ذكور الشياطين وإناثهم .. فهذا مجرد رأي .. والمعتمد عند علماء تفسير الحديث هو الرأي القائل بشمولية لفظ الخبث والخبائث بكل ما تحمله الألفاظ من معاني تسبب للإنسان الضرر أثناء تواجده في هذا المكان ..

 

2- وإذا كان من حقك أن تختار الرأي الذي تميل إليه .. ولكن ليس من حقك أن تفرض هذا الرأي على الآخرين .. طالما كنت تعلم بأن التفسير يحتمل آراء أخرى كان عليك أن تذكرها طالما لفظ الحديث يحتمل هذه الآراء ..!!

 

3- والحديث ليس بحجة في إثبات وجود إناث للشياطين .. لمن يحتج به لإثبات ذلك ..!! وليبحث عن غيره حجة له .. لأنه إذا تطرق الإحتمال في الدليل بطل الإستدلال به كحجة قطعية ملزم الأخذ بها.

 

#- ملحوظة ختامية لحديث الخبث والخبائث:

- جاء في الحديث كما سبق وقال أنس بن مالك: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ) صحيح البخاري.

 

- وهذه الرواية الصحيحة .. لم يأتي فيها ذكر اسم الله ..!!

 

- ولكن هناك رواية بلفظ: (بِسمِ اللهِ .. اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن الخُبثِ والخبائِثِ) رواه بن أبي شيبه .. وقال الألباني في تمام المنة: الحديث بهذا السياق للجماعة إذ ليس عندهم ولا عند أحد منهم: "بسم الله" ..، ثم قال الألباني: وهي عندي (أي رواية البسملة) شاذة لمخالفتها لكل طرق الحديث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس في "الصحيحين" وغيرهما ..، ثم قال الألباني: وبالجملة (فذكر البسملة في هذا الحديث) من طريقين عن أنس (شاذ أو منكر). (يراجع تمام المنة ص57).

 

*************************
 
..:: س100: هل ذرية الشيطان تأتي من خلال الولادة أم وضع البيض ؟ ::..
 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من الأمور التي ناقشها بعض العلماء .. فقالوا هل الشيطان يبيض أم يلد ؟

 

#- وسبب ذلك الإشكال وجود روايات تشير إلى أن الشيطان يبيض ومن ذلك:

1- ما قيل عن مجاهد بن جبر التابعي .. والتي سبق وذكرناها والتي قال فيها أن الشيطان يجامع نفسه فيبيض .. وقد سبق تحقيق هذه الروايات .. في السؤال السابق ..

 

2- إلا أن البعض استدل بحديث في ذلك ومنهم الإمام القرطبي رحمه الله .. وهذا هو الحديث هو:

- (حديث ضعيف – ومتن منكر) .. عن سلمان الفارسي أن النبي قال: (لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَفِيهَا بَاضَ الشَّيْطَانُ وفَرَّخَ) رواه الطبراني في الكبير 6/248 .. (وهو حديث لم يصح عند محققي الأحاديث).

 

- والشاهد من هذه الرواية هو أن الشيطان تأتي ذريته من خلال أنه يبيض ..!!

 

#- ولكن في رواية أخرى بسند صحيح: يظهر أن هذه الرواية من قول الصحابي سلمان وليس من قول النبي .. أي رواية موقوفه على كلام الصحابي .. فقد جاءت الرواية بأن سلمان قال: (لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ، أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ) صحيح مسلم.

 

#- وقال العلماء في تخريج رواية الطبراني الموصولة بقول النبي:

1- ذكره الهيثمي في المجمع وقال: " الْقَاسِمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُلَيْبٍ": إن كان هو الجرمي؛ فهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح " .

 

2- وقال الشيخ الألباني تعقيبا على كلام الهيثمي في الضعيفة عند حديث برقم 7073 وقال: أن "القاسم بن يزيد" ليس هو الجرمي وإنما شخص آخر ليس له ترجمة يطمئن لها القلب..!!

 

3- وقال الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف والمشهور بأنه محدث أهل مصر .. بأن الحديث ضعيف مرفوعا .. وذكر طرق الحديث كلها وأظهر علل كل الطرق بما فيها ما رواه البرقاني التي رواها في مسنده وأشار البعض لصحة هذه الرواية .. حتى قال عن هذا الحديث: "ضعيف .. رُوي مرفوعًا من ثلاث طرق عن أبي عنان النهادي عن سلمان".

تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة ج2 ص159

 (راجع تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة عند الحديث الثامن والتسعون ج2 ص159)..

 

- وقال الشيخ عبد اللطيف في ختام بحثه لهذه الرواية: فهذا صحيح ثابت عن سلمان رضي الله عنه بلا ريب .. ولا يلزم من ذلك أن يكون مرفوعًا حكمًا .. فلم يزل - رضي الله عنه - يحدث عن الإِسرائيليات .. فالله أعلم عمن تلقاه.

- وقوله هذا لعله يُعارض بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" .. وغيره من الأحاديث والآثار التي تحث على التبكير في طلب الرزق والكد في تحصيله طلبًا للعفاف وصون ماء الوجه عن السؤال .. وامتثالًا لأمره تعالى بالانتشار في الأرض والمشي في مناكبها وأكل من رزقه سبحانه .. وهذا كان واقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه معه ومن بعده في ممارستهم التجارة والاحتراف. (راجع تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة عند الحديث الثامن والتسعون ج2 ص163).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- الحقيقة أن كلا الروايتين سواء التي المرفوعة لقول النبي أو الموقوفة على قول الصحابي .. فالمتن فيه نكارة .. ولا يصح منهما نص .. لأنه يعارض نصوص أخرى تدل على السعي مبكرا فيه خير وبركة .. وقد قرأت مبررات كتبها البعض ليحل هذا الإشكال ولكن هذه المبررات ما هي إلا مزيد من إشكاليات أخرى لو ناقشناها .. لأنها مبررات غير مقبولة .. وفيها سخافة ما كان لها داعي لكتابة مبررات ..!!

 

- ملحوظة: بالنسبة لحديث (اللهم بارك لأمتي في بكورها) رواه أبو داود والترمذي وغيرهم .. وحسنها الترمذي وصححها السيوطي وذكرها الشيخ الألباني في صحيح الترغيب وصحيح الجامع .. وضعف هذا الحديث كثير من العلماء .. والذي أحسبه أنه حديث حسن لغيره لكثرة شواهده .. والله أعلم .

 

2- ومن ناحية أخرى مهمة جدا .. وعلى افتراض صحة الحديث المرفوع للنبي بان الشيطان يبيض في السوق .. فليس المقصد منه أن الشيطان يبيض في السوق .. لا .. لأنه يكثر في كلام العرب إطلاق باض وفرخ على سبيل المثل، فيحتمل معنى باض وفرخ أنه فعل بها ما شاء من إضلال وإغواء ووسوسة ونحو ذلك .. لأن الأمثال لا تغير ألفاظها.. والله أعلم .

- ولكن سيتبقى مشكلة نكارة المتن لمعارضته لما هو أصح منه كما سبق وأشرت لذلك ..

 

- ولا تنسى أخي الحبيب معلومة مهمة .. وهي أن صحة السند ليست دليلا على صحة الحديث .. لأن صحة الحديث تشمل صحة السند وصحة المتن معا .. فانتبه .

 

3- اضحك مع الأغبياء الباحثين في النصوص الشرعية:

- بعض الذين يريدون أن يثبتوا بأي طريقة ممكنة أن الشيطان يجامع الإنسيات وينجب منهن أيضا .. فأتي برواية أن الشيطان يبيض في الأسوق .. وجعل منها دليلا على أن الشيطان يجامع الإنسيات .. (ولا أدري ما الدليل على ذلك في الرواية – لكن مش دي المشكلة هنا) .. لأن المشكلة فيما أضافه من معلومة تدل على عقليته التي استمدها من شيطانه .. وليثبت أن الشيطان يمكن أن ينجب من الإنسيات فيقول: "وطالما يبيض فهو يستطيع الإنجاب أيضا من الإنسيات" ..!!

 

- وهنا نقول له: وهل الإنسيات تبيض يا غبي حتى ينجب منهن الشيطان بيضا طالما حسب معتقدك أن الشيطان يبيض فعلا ؟!!

 

- أحببت فقط أخي الحبيب .. أن أظهر لك مدى رغبة هؤلاء في تعظيم قدرات الشيطان في نفوس الناس .. وما هي نظرتهم للإنسيات بأنهن مجرد ساقطات أو محظيات من السهل للشيطان ان يستولى عليهن كيفما شاء..!!

- وهذا من كذبهم على الإنسان وانتصارهم للشيطان .. وحسبهم ما يقولون .. فالله شاهد على ما يكتبون وينطقون ..!!

 

#- وخلاصة القول أخي الحبيب:

- أن الشيطان لا يبيض .. لأنه لا دليل على ذلك .. ولو قال أحد من الذين يروجون لإمكانية إنجاب الجن من الإنس بدلالة هذه الرواية فقد علمت أنه شخص غبي ولا يصح أن تتبع شخص غبي وإلا كنت مثله ..!!

 
*********************
 
..:: س101: ما فائدة معرفة أن الشيطان له ذرية أو أنثى ؟ ::..
 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- قد يستغرب البعض عن سبب بداية لجزء الإنجاب من الجن .. بالأسئلة السابقة .. ولكنه لا عجب في ذلك .. لأنه لو كان ثبت أن الشيطان لا ذرية له .. فلا يمكن عقلا أن يكون له ذرية من الإنس .. ولو كان الشيطان يبيض فلا ذرية له من الإنس .. ولو كان الشيطان يجامع نفسه فلا ذرية له من الإنس .. وهذا سبب مناقشة الأسئلة السابقة .. حتى لا تتهم أحد لو أنكر حدوث ذلك .. لأنه متبع كلام لبعض العلماء .. ولا يوجد يقين في الإجابات إلا أنه يوجد غلبة ظن بأن الشيطان قد يكون له زوجة أو أنثى من الجن يجامعها فأنجب منها .. ويوجد غلبة ظن بوجود شياطين ذكور وشياطين إناث .. والله أعلم .

 

2- فإذا علمت كل ما سبق في هذا الفصل .. من أن الشيطان له ذرية وطالما له ذرية فهو يجامع وينجب ..

 

- ولكن هل هذا سبب كافي ليقول العقل بأنه يمكن أن ينجب من الإنسان ؟!!

- بكل تأكيد .. لا .. لأن الحيوانات تجامع .. ولا يقال أن لها القدرة على جماع الإنسان .. بل ويستحيل أن تنجب من الإنسان لاختلاف الفصيلة الجنسية .. كما سبق وشرحنا ذلك كثيرا في هذه الرسالة ..

 

- إذن القياس بأن كل من ينجب يمكن أن ينجب من فصيلة أخرى .. هو قياس فاسد عقلا وعلما ..!!

 

3- وهل يوجد نصوص شرعية تقول بأن الجن أنجب من الإنسان أو الشيطان أنجب من الإنسان في أي زمن من الأزمنة ؟!!

- فهذا ما سنناقشه في هذا الجزء الثالث من الرسالة .. من خلال مناقشة من زعموا إمكانية حدوث ذلك الإنجاب بنصوص شرعية .. والله المستعان وهو ولي التوفيق.

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .