بحث في المدونة من خلال جوجل

الخميس، 27 أبريل 2023

Textual description of firstImageUrl

ج16: رسالة ليلة الجن - هل توجد روايات صحيحة تدل على زيارات الجن للنبي في المدينة - هل يوجد أدلة صحيحة تشير إلى تعدد وفود الجن إلى النبي - ما هي زيارة الجن للنبي التي أعلمته شجرة بوجودهم كما قال بن مسعود (آذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بهم شجرة) - هل الليلة التي كادت الشياطين للنبي هي نفس الليلة التي كانت ليلة الجن الذين استمعوا للقرآن - هل قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) خاص بتجمع الجن حول النبي أم بتجمع الصحابة حول النبي أم بتجمع الإنس والجن عليه لمحاربة دعوته

            بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

ليلة الجن

في سماع الجن من النبي واجتماع النبي بالجن


(الجزء السادس عشر)
#- فهرس:

:: الفصل السادس عشر :: عن مسائل مختلفة تتعلق بليالي وفود الجن ::
1- س89: هل توجد روايات صحيحة تدل على زيارات الجن للنبي في المدينة ؟
2- س90: هل يوجد أدلة صحيحة تشير إلى تعدد وفود الجن إلى النبي والإجتماع به ؟
3- س91: هل يوجد مانع عقلا من الظن بأن الجن قد وفدوا لزيارة النبي مرات كثيرة ؟
4- س92: ما هي زيارة الجن للنبي التي أعلمته شجرة بوجودهم  كما قال بن مسعود (آذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بهم شجرة) ؟
5- س93: هل الليلة التي كادت الشياطين للنبي هي نفس الليلة التي كانت ليلة الجن الذين استمعوا للقرآن ؟
6- س94: هل قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) خاص بتجمع الجن حول النبي أم بتجمع الصحابة حول النبي أم بتجمع الإنس والجن عليه لمحاربة دعوته ؟
7- س95: هل يصح قبول القصص التي قيلت عن أن جن نصيبين كانوا يأتون مجالس أهل العلم ؟
***************************
:: الفصل السادس عشر ::
:: عن مسائل مختلفة تتعلق بليلة وفود الجن ::
**************************

 ..:: س89: هل توجد روايات صحيحة تدل على زيارات الجن للنبي في المدينة ؟ ::..

 #- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وجدت رواية في الصحيح تشير إلى حدوث زيارات من الجن إلى النبي في المدينة .. ودليل ذلك هو الآتي:
- عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة قال: (أنَّهُ دَخَلَ علَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ في بَيْتِهِ، قالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا في عَرَاجِينَ في نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا، فأشَارَ إلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلى بَيْتٍ في الدَّارِ، فَقالَ: أَتَرَى هذا البَيْتَ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: كانَ فيه فَتًى مِنَّا حَديثُ عَهْدٍ بعُرْسٍ، قالَ: فَخَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى الخَنْدَقِ فَكانَ ذلكَ الفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إلى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فإنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ، فأخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بيْنَ البَابَيْنِ قَائِمَةً فأهْوَى إلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا به وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقالَتْ له: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ البَيْتَ حتَّى تَنْظُرَ ما الذي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا بحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ علَى الفِرَاشِ فأهْوَى إلَيْهَا بالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا به، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ في الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عليه، فَما يُدْرَى أَيُّهُما كانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الحَيَّةُ أَمِ الفَتَى، قالَ: فَجِئْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذلكَ له وَقُلْنَا ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ، ثُمَّ قالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ جِنًّا قدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ منهمْ شيئًا، فَآذِنُوهُ (أي فحرجوا عليه) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فإنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذلكَ، فَاقْتُلُوهُ، فإنَّما هو شيطَانٌ) صحيح مسلم.
 
- وفي رواية بلفظ: (إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا (أي أنذروها) ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ. وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبَكُمْ) صحيح مسلم.
 
- وفي رواية بلفظ: (هذه هوامُّ مِن الجِنِّ فإذا رأى أحدُكم في بيتِه شيئًا فلْيُحرِّجْ عليه ثلاثَ مرَّاتٍ فإنْ رآها بعدَ ذلك فلْيقتُلْها فإنَّما هي شيطانٌ) رواه بن حبان .. وقال الأرنؤوط: اسناده صحيح.
 
1- والشاهد من الحديث: هو أن هناك جن قد أسلموا بالمدينة .. وهذا يشير إلى معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ..
 
2- وقوله (بالمدينة جنا قد أسلموا) فهو تخصيص أن هؤلاء الجن هم من ساكني المدينة .. وأنهم قد أسلموا ..
 
- ويقصد بهم أنهم جن من صنف الحيات الصغيرة التي تسكن البيوت .. أي أن المقصد في الرواية متعلق بالحيات الصغيرة التي تظهر ببيوت المدينة ..
 
- وغالبا العلماء على أن هذا الحكم يتعلق بمنازل أهل المدينة فقط .. وليس بكل بيوت بلاد المسلمين .. أي من يرى حية في بيته مثلا في مصر أو المغرب أو الجزائر فليقتلها لو أراد ذلك .. ولا حرج عليه .
- وهذا الحكم أيضا لا يتعلق بصحراء المدينة وإنما بمنازلها فقط .
 
3- وقوله (فَاقْتُلُوهُ فإنَّما هو شيطَانٌ) .. فهذا يدل على أن ليس كل جن المدينة قد أسلموا .. وإنما بعض منهم ..
 
4- وإسلام هؤلاء الجن .. إما أن يكونوا قد قابلوا النبي وأسلموا على يديه بعضهم وبالتالي يكون غيرهم أسلموا على أيديهم من الجن .. فبلغه خبر انتشار الإسلام في بعض جن المدينة .. وإما أن الوحي أخبره بإسلام بعض جن المدينة .. والله أعلم ..
  
************************
 ..:: س90: هل يوجد أدلة صحيحة تشير إلى تعدد وفود الجن إلى النبي والإجتماع به ؟ ::..
 
- ستجد في بعض الكتب التي تتكلم عن جزئية وفادة الجن إلى النبي والإجتماع بهم .. يذكرون أن وفادة الجن تكررت حوالي ست مرات .. فمثلا على ما سبق من كلام العلماء:
 
#- الإمام بدر الدين الشبلي رحمه الله (المتوفى:769) بعد أن ذكر الروايات المختلفة التي سبق وذكرناها الفصل السابق عن بن مسعود وغيره ثم قال:
- فظاهر هذه الأحاديث التي ذكرناها يدل على أن وفادة الجن كانت ست مرات ..
- الأولى: قيل فيها اغتيل أو استطير والتُمس (أي وبُحث عنه).
- الثانية: كانت بالحجون
- الثالثة: كانت بأعلى مكة وانصاع في الجبال
- الرابعة: كانت ببقيع الفرقد وفي هؤلاء الليالي الثلاث حضر ابن مسعود وخط عليه
- الخامسة: كانت خارج المدينة حضرها ابن الزبير بن العوام
- السادسة: كانت في بعض أسفاره حضرها بلال بن الحارث والله أعلم (آكام المرجان في أحكام الجان ص69).
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما سبق:
- قد تبين لك أخي الحبيب .. أنه لم يصح أي شيء من الروايات التي تكلمت عن وجود الجن .. إلا رواية واحدة فقط التي جاءت في الصحيح وهي المرة التي خرج الصحابة ومعهم بن مسعود يبحثون عن النبي وظنوا أنه اغتيل أو استطير فالتمسوا وجوده في خارج مكة فخرجوا يبحثون عنه ..
 
- وكل الزيارات والوفود التي تم الإشارة إليها في كلام (الإمام بدر الدين الشبلي) .. قد ناقشناها بالتفصيل في الفصل الثالث عشر والفصل الخامس عشر من هذه الرسالة بالتفصيل فيما ذكره وما لم يذكره .. وأنه لم يصح أي رواية من هذه الروايات .. والعقائد الغيبية لا تؤخذ إلا بما صح سنده أو كان حسن لذاته .
 
#- وخلاصة القول:
1- لم يصح من السيرة النبوية أي وفود من الجن إلى النبي قد خرج النبي يقابلهم ويقرأ عليهم القرآن .. إلا مرة واحدة فقط .. وهي المرة التي قابله الصحابة فيها بالقرب من منطقة حراء .. ثم أخذهم النبي وأراهم آثار الجن وآثار نيرانهم ..
 
2- ولو افترضنا تحسين رواية قراءة سورة الرحمن على الجن .. فقد يكون هذا هو ما نظن أنه قرأه على الجن في هذه الليلة التي خرج لمقابلتهم وحده .. أو قد يكون هذا قد حدث في وقت آخر بمكان آخر لا نعلمه ..
 
3- بل وفي السؤال السابق قد أشرنا إلى أن بعض جن المدينة قد أسلموا وهذا معناه وفادة بعض الجن للنبي وإعلان إسلامهم أو لعل الوحي أخبره بذلك ..
- والله أعلم .
 
************************
 ..:: س91: هل يوجد مانع عقلا من الظن بأن الجن قد وفدوا لزيارة النبي مرات كثيرة ؟ ::..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من الخطأ أن تظن أخي الحبيب أن ضعف الروايات التي قيلت في وفادة الجن إلى النبي .. أن يجعلك هذا تظن أنه لا وفادة للجن إلى النبي كانت تحدث .. لا .. فهذا تصور خطأ .. وعن نفسي لا أقبله عقلا  .. ليه ؟
 
1- لأنه ليس من المعقول أن أحد في زمن النبي ولا يأتي لمقابلته أو استشارته وسؤاله في أمور مختلفة متعلقة بدينهم أو حتى دنياهم .. بل ولا مانع من أن يأتون للصلاة خلفه ويستمعون لخطبه ..
 
2- فالعقل يثبت هذه الزيارات ببداهة الإيمان وإلا فكيف سيتعلمون الإيمان والأحكام الخاصة بهم ؟!!
- فلا مانع عقلا ولا شرعا من حدوث ذلك .. ولكن نقول أننا نظن أن يكون قد تكررت زيارات الجن إلى النبي للسؤال عن دينهم .. سواء كانت زيارات فردية أو جماعية .. ولكن الله أو الرسول لم يعلمنا بها لأنه لا فائدة لنا من وراء معرفتها .. والله أعلم .
 
- وعدم الممانعة العقلية فيما سبق بيانه .. هو ما أظنه عن نفسي ورأيي الخاص .. بدلالة الجن الذين أسلموا بالمدينة ولم يخبر النبي الصحابة بذلك لولا أن حدثت قصة قتل الحية للشاب والتي سبق وذكرنا في السؤال السابق ..
 
#- ولكن المانع عقلا وشرعا .. أن تأتي (وأنت تعلم) بقصص وهمية أو متفبركة أو مطبوخة وتقول أنه جاء في الحديث دون توضيح حكمه أنه ضعيف (وأنت تعلم) .. فهذا حينئذ كذب منك على الشريعة وعلى النبي .. فانتبه واحذر .
 
- وللأسف عامة الناس لا تعلم صحة هذه الروايات من ضعيفها حتى كثير من الدعاة لا يعلمون – ولا حرج على من لا يعلم .. وإنما الحرج على من عرف أنها ضعيفة ثم أصر في نشر هذه الأحاديث دون الكشف عن ضعفها.
 
**********************
 ..:: س92: ما هي زيارة الجن للنبي التي أعلمته شجرة بوجودهم  كما قال بن مسعود (آذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بهم شجرة) ؟ ::..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من الروايات والأخبار الغريبة التي تجدها في كتب الأحاديث (وهي ليست حديث نبوي) وإنما مجرد خبر في قصة .. رواية أتى فيها خبر عن قولا قد قاله بن مسعود .. وقد جاءت كما يلى:
 
- عنْ مَعْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَ سَمِعْتُ أبِي "أي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود" .. قَالَ سألْتُ مَسْرُوقاً "أي مسروق بن الأجدع التابعي": (مِنْ آذَنَ "أي من أعلم" النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا القُرآنَ فَقَالَ حدَّثنِي أبُوكَ يَعْنِي عَبْدَ الله أنَّهُ آذَنَتُ بِهِمْ شَجَرَةٌ) صحيح البخاري ومسلم.
 
- وفي رواية بسند: عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ: (أَنَّ الشَّجَرَةَ أَنْذَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ) رواه بن حبان.
 
- فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمته شجرة بحضور الجن .
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. هذا الخبر السابق عن مسروق بن الأجدع فيه إشكالية:
1- الذي يظهر من ألفاظ الرواية هو أنها تتكلم عن ليلة استماع الجن للقرآن وليس عن ليلة قراءة النبي عليهم القرآن .. ولو كان الأمر كذلك .. فيكون هذه الرواية في ظاهرها تخالف اللفظ القرآني .. لأن القرآن يقول أن الذي أخبر النبي بوجود الجن واستماعهم هو الوحي من الله إذ يقول تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) الجن:1 ..
 
- وهنا نسأل: ما علاقة الشجرة بهذه القصة أصلا ؟!!
 
2- ولو افترضنا جدلا أنها تتعلق بليلة الجن الثانية التي خرج فيها النبي لمقابلة الجن ليقرأ عليهم القرآن .. فهو قد قال صلى الله عليه وسلم: (أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ) صحيح مسلم.
 
- وهنا أيضا نسأل ونقول: ما علاقة الشجرة بهذه القصة أصلا ؟!!
 
3- ثم وجدت رواية (ضعيفة) في كتب السيرة .. عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجِنِّ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُرَةٌ "أي شجرة"، فَآذَنَتْهُ بِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ) رواه الحافظ النمري في الدرر .. ورواها الربعي في عيون الأثر .. (وفي السند) يوجد عنعنة الأعمش وهي تدل على تدليسه في الرواية .. وهذا يضعفها .. بالإضافة على أنها رواية مرسلة لأن أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
 
- وفي رواية بلفظ: (لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْجِنِّ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُرَةٌ مِنَ السَّمُرِ فَآذَنْتُهُ بِهِمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ) رواه الشاشي في مسنده .. وفيه عنعنة الأعمش وأيضا أبو عبيدة لم يسمع من أبيه مباشرة.
 
- ولكن هذه الرواية يظهر منها أنها تتكلم عن ليلة الجن الثانية التي خرج فيها النبي إلى الجن .. ولو كان الأمر كذلك فهذا معارض للرواية الصحيحة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ) صحيح مسلم.. إلا أن يقال أن داعي الجن كان هو الشجرة .. وهذا أحسبه شيء مستبعد ...!!
 
4- ثم هنا يوجد سؤال مهم لازم نسأله .. وهو:
- لماذا التابعي "مسروق" سأل عبد الله بن مسعود واستفسر منه عن الذي أعلم النبي بوجود الجن .. إذا كان معلوم أن الله هو من أوحى إلى النبي بخبر استماع الجن للقرآن ؟!!
 
#- فكيف نحل هذا الإشكال .. بأن ما علاقة الشجرة بإعلام النبي بوجود الجن إذا كان الله قد أعلمه بوحي قرآني يتلى إلى يوم القيامة ؟!! ولماذا أصلا سأل التابعي "مسروق" عمن أخبر النبي بوجود الجن ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..
- أولا: فيما يتعلق عن سبب سؤال التابعي "مسروق" لابن مسعود ..
- فالذي يتبادر للذهن أنه أكيد قد بلغهم خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تم إعلامه بوجود الجن قبل أن تنزل عليه سورة الجن .. وإلا فلماذا يسأل مثل هذا السؤال وهو يعلم أن الذي أخبر النبي هو الوحي ؟!!
- فكأن معنى السؤال هكذا: من أعلم النبي بوجود الجن واستماعهم للقرآن قبل ان ينزل عليه الوحي بسورة الجن ؟!!
 
- ثانيا: أما فيما يتعلق بعلاقة وجود الشجرة في إخبارها للنبي بوجود الجن ..
- أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مكان بجوار شجرة في وادي نخلة .. وبعد انتهاء الصلاة وذهاب الجن .. فالشجرة أخبرته من باب الخبر والمعرفة بأن الجن كان حاضرا يستمع إليه .. وهذا يتطلب أن نفهم أن الشجر له إدراك خاص به وهذا غير ممتنع لقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء44 .. وطالما الشجر له خاصية إدراك فيه .. فلا يمتنع أن يوحي الله للشجرة بأن تخبر النبي بما حدث ..
 
- ثم بعد ذلك نزل القرآن يحكي له ما حدث تفصيليا .. فكان الوحي القرآن شاملا لكل تفاصيل القصة ..
 
- فكأن الوحي من الله حدث مرتين .. مرة بمعرفة الخبر معرفة عامة من خلال شجرة من أن بعض الجن حضر واستمع القرآن .. ومرة أخرى بصورة مفصلة مع نزول الوحي بسورة الجن .. والله أعلم .
 
#- ثم بعد كتابة ما سبق وبعد بحث طويل وجدت أخيرا من أشار لهذه الإشكالية وهو الإمام الكوراني رحمه الله (المتوفى 893 هـ) يقول:
- فإن قلت: هذا يخالف القرآن لأنه قال: أوحى إلي؟ قلت: لا يخالفه لأن إعلام الشجرة أيضًا وحي من الله. (الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري ج7 ص57).
 
#- ثم وجدت كلاما للإمام بن كثير رحمه الله (المتوفى: 774هـ) تكلم فيه عن وقت هذه القصة التي  حكاها "مسروق" عن بن مسعود .. فقال:
- يحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات والله أعلم .. ويحتمل أن يكون في المرة الأولى، ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة أي أعلمته باستماعهم، والله أعلم. (تفسير بن كثير ج7 ص267).
 
#- وختاما لهذه الرواية .. أذكر كلام لطيف لبعض العلماء في قوله (آذنت بهم شجرة):
1- فقد قال الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676هـ):
- قوله (آذنت بهم شجرة) هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تمييزا .. ونظيره قول الله تعالى وإن منها لما يهبط من خشية الله وقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء44 .. وقوله صلى الله عليه وسلم (إنِّي لأَعْرِفُ حَجَرًا بمَكَّةَ كانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ) صحيح مسلم.. وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب وحديث حنين الجذع وتسبيح الطعام . (راجع شرح النووي على مسلم ج4 ص171).
 
2- وقال أبو العباس القرطبي (المتوفى:656هـ):
- وقوله: (آذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن بهم شجرة) أي: أعلمته بهم، وظاهره: أن الله تعالى خلق فيها نُطقا فهمه النبي صلى الله عليه وسلم، كما خلق في الذراع المسمومة نُطقا. (المفهم ج7 ص422)
 
**********************
 ..:: س93: هل الليلة التي كادت الشياطين للنبي هي نفس الليلة التي كانت ليلة الجن الذين استمعوا للقرآن ؟ ::..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
1- قد يخطر ببالك سؤال أخي الحبيب فتقول .. هل ليلة الجن هي نفسها ليلة مكيدة الجن للنبي بسبب رواية تم روايتها عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ صُرِفَ إِلَيْهِ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ شُعْلَةً مِنْ نَارٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَا مُحَمَّدُ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِيَتْ شُعْلَتُهُ وَانْكَبَّ لِمِنْخَرِهِ، قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمَا تَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقٍ يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) رواه الطبراني في الدعاء والأوسط .. وأبو نعيم في دلائل النبوة ..
 
- وهذه الرواية منكرة وباطلة وواضح عليها الخلط واللامعقولية أصلا .. لأن صرف الجن كان لاستماع القرآن من النبي وليس ليحرقوه بشعله من نار ..!! وقد سبق وشرحنا عيوب هذه الرواية في تحقيق الرواية الثالثة من السؤال رقم (73) في الفصل الثالث عشر.
 
2- ولكن في رواية أخرى وسند آخر: (حديث حسن): عن أبي التَّيَّاحِ قال: قُلتُ لعبدِ الرَّحمنِ بنِ خَنْبَشٍ التَّميميِّ -وكان كَبيرًا-: (أدرَكتَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال: نعمْ. قال: قُلتُ: كيف صنَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيلةَ كادتْه الشَّياطينُ (أي احتالوا لإيذائه)؟ فقال: إنَّ الشَّياطينَ تَحدَّرَتْ (أي نزلت بسرعه) تلك اللَّيلةَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الأَوديةِ والشِّعابِ، وفيهم شَيطانٌ بيَدِه شُعلةُ نارٍ يُريدُ أنْ يَحرِقَ بها وَجهَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فهبَطَ إليه جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: يا محمَّدُ، قُلْ. قال: ما أقولُ؟ قال: قُلْ: أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن شَرِّ ما خلَقَ، وذرَأَ وبرَأَ، ومِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِن السَّماءِ، ومِن شَرِّ ما يَعرُجُ فيها، ومِن شَرِّ فِتنِ اللَّيلِ والنَّهارِ، ومِن شَرِّ كلِّ طارقٍ، إلَّا طارقًا يَطرُقُ بخيرٍ يا رَحمنُ. قال: فطُفِئَتْ نارُهم، وهزَمَهم اللهُ تَبارَكَ وتَعالى) رواه أحمد وبن أبي شيبه والبزار .. وذكره الألباني في الصحيحة بأن إسناده صحيح برقم 840 .. وحسنه العراقي والوادعي والمنذري وغيرهم ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من غريب تحقيق الحديث أن محققو المسند ومنهم شعيب الأرنؤوط قالوا: إسناده ضعيف .. في حين أن شعيب الأرنؤوط قال عن نفس الرواية أنها حديث صحيح في تخريج سير أعلام النبلاء حينما حقق حديث شكوى خالد بن الوليد للنبي بأن الجن يكيده في نومه .. !!
#- وسبب مكيدة الجن للنبي صلى الله عليه وسلم .. حسب ما أظن .. هو أن إبليس لما علم بأمر ظهور النبي صلى الله عليه وسلم .. فقد أرسل بعض شياطينه في محاولة لإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم .. في بعض شعب مكة أثناء مروره بها في ليلة ما ..  
 
- ولهذا الحديث أسئلة لطيفة قد ذكرناها عن حقيقة ظهور هؤلاء الشيطانين كيف كانوا .. ولماذا لم يتدخل جبريل بنفسه في الموضوع ليمنع الشياطين .. ؟ فهذه أسئلة تجد إجابتها في (رسالة الملاك والجن والشيطان وإمكانية تمثيله وتجسيده في صورة إنسان) عند الفصل الثامن من السؤال رقم (36- 37) في تلك الرسالة .
 
**************************
 ..:: س94: هل قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) خاص بتجمع الجن حول النبي أم بتجمع الصحابة حول النبي أم بتجمع الإنس والجن عليه لمحاربة دعوته ؟ ::..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..
- بمناسبة الكلام على ليلة الجن .. تذكرت جزئية جاءت في الروايات فأحببت أن أذكرها بالمرة وتشير لليلة الجن الأولى التي سمع فيها الجن للنبي دون أن يعلم .. وهي جزئية تتعلق بآية أتت في سورة الجن وهي تحكي مشهد كيفية اجتماع البعض حول النبي وهو يقرأ القرآن .. وهذه الآية هي قوله تعالى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) الجن:19..
 
- أي لما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فكاد (الجن) من شدة اهتمامهم بسماعه مع استغرابهم كأنهم يركبون فوق بعضهم البعض أو ملتصقون ببعضهم البعض من شدة حرضهم ورغبتهم في السماع ..
 
- وإذا أردت أن أقرب لك الفهم في شرح كلمة (اللِّبْدَةُ أوَ اللِّبَدُ) فمثل ذلك بمشهد نفعله جميعنا حاليا في زماننا .. حينما نقول أننا سنأخذ صورة سيلفي بالموبايل .. فتجد الجميع يلتصق ببعض والبعض يعلو فوق بعض لاهتمامهم بالظهور في الصورة .. فهذا هو ما يسمى باللبد .. أي طبقات متراكمة في حيز واحد.
 
- وبالرغم من أن هذا عامة ما يميل إليه المفسرون ..ولكن هناك من خالف .. وسبب المخالفة هو روايات ظنوا صحتها ..!!   
 
- وإليك التفسيرات المختلفة للعلم بها .. ولا تتعجب مما ستقرأه .. لأنك ستجد أن بن عباس قال الشيء وعكسه ..!! وهذا ما لا يعقل .. ولذلك تتبعت الروايات .
 
#- الرأي التفسيري الأول:
- أولا: الرأي الأول لابن عباس في ان المقصود بالآية هم الصحابة ..
- (أثر صحيح) .. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ({وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} قَالَ: لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ .. فَيَرْكَعُونَ بِرُكُوعِهِ .. وَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ .. تَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ .. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ قَالُوا: {إِنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح .. ورواه أحمد .. وقال محققو المسند: صحيح.
 
- وقوله (لبدا): جَمْعُ لِبْدَةٍ بِكَسْرٍ .. ثُمَّ سُكُونٍ .. نَحْوَ قِرْبَةٍ .. وَقِرَبٍ ..، وَاللِّبْدَةُ وَاللِّبَدُ: الشَّيْءُ الْمُلَبَّدُ .. أَيْ: الْمُتَرَاكِمُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ .. وَبِهِ سُمِّيَ اللِّبَدُ الَّذِي يُفْرَشُ .. لِتَرَاكُمِ صُوفِهِ. (تحفة الأحوذي ج9-ص170).
 
#- ثانيا: هناك رأي آخر في التفسير:
1- (أثر ضعيف جدا) .. روي عن بن عباس قول آخر وهو ما روى بسند آل العوفي عنه إذ جاء في السند:
- عن محمد بن سعد، حدَّثني أبي، حدَّثنا عمِّي، حدَّثنا أبي، عن أبيه، عَنِ ابْنِ عبّاس قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قَالَ: لمَّا سَمِعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتْلُو القُرْآنَ، كَادُوا يَرْكَبُونَهُ مِنَ الحِرْصِ لمَّا سَمِعُوا النبي يَتْلُو القُرْآنَ، وَدَنَوْا مِنْهُ، فَلَمْ يَعْلَمْ بِهمْ .. حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُولُ فَجَعَلَ يُقْرِئُهُ (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) رواه بْنُ مَرْدَوَيْهِ والطبري .. ورواية الطبري ليس فيها جملة (كَادُوا يَرْكَبُونَهُ مِنَ الحِرْصِ لمَّا سَمِعُوا النبي يَتْلُو القُرْآنَ) ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة): وإسناده ضعيف جدا .. فيه:
أ- فيه (محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية - أبو جعفر العوفي) وهو شيخ الإمام الطبري في حديثه لين أي ضعف.
ب- وفيه (سعد بن محمد العوفي) وهو متروك الحديث ..
ج- وفيه (الحسين بن الحسن العوفي "عم سعد بن محمد") وهو ضعيف الحديث ..
د- وفيه (الحسن بن عطية العوفي) وهو ضعيف الحديث ..
 
2- (أثر ضعيف) .. عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ عِكْرِمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (فِي قَوْلِ اللَّهِ- عَزَّ وجل-: (كادوا يكونون عليه لبداً) قَالَ: ذَلِكَ بِنَخْلَةَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ، رَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ. قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ اللِّبَدِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) رواه محمد بن يحيى الدراوَرْديّ وعنه ذكره البوصيري في اتحاف الخيرة ..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وهذه الرواية ذكرها البوصيري أيضا من طريق بن أبي شيبة ومن طريق احمد بن حنبل وجميعها بنفس الإسناد المذكور .. وقال أحمد شاكر: أن في السند انقطاع بين عكرمة والزبير بن العوام .. وتبعه محققو المسند في ذلك الرأي... علما بأن الهيثمي قال: رجاله رجال الصحيح .. ولكن هذا لا يمنع من وجود علة الإنقطاع التي تضعف الرواية .
- فضلا عن أن هذا مخالف للصحيح من أن الجن سمعوا النبي وهو يصلي الفجر وليس العشاء ..!!
 
#- الرأي التفسيري الثالث:
- هو لما قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالدَّعوة تلبَّدت الإنس والجن .. وتظاهروا عليه .. ليبطلوا الحق الذي جاء به .. وهذا قاله الحسن البصري وقتادة السدوسي .. وهذا الرأي مال إليه أبو جعفر الطبري وجماعة من المفسرين .

 
#- وخلاصة القول:
- قلنا أن الرأي الأرجح عند العلماء هو الرأي القائل بأن هؤلاء الذين تلبدوا حول النبي إنما يقصد بهم الجن .. مع الأخذ في الاعتبار باقي الآراء ..
 
#- ملحوظة هامة جدا:
- الغرض مما سبق هو تحقيق هذه الروايات لتعرف الرأي الصحيح الذي قاله المفسر .. لأن هذه مجرد آراء تفسيرية .. فليس تصحيح الرواية معناه أن كلام المفسر صحيح .. لا .. وإنما معناه أن هذا هو ما قاله المفسر على غالب الظن .. وليس أكثر من هذا ..!!
 
- ولذلك بالرغم من صحة أثر رواية بن عباس من أن المقصود في الآية هم الصحابة حسب اجتهاد بن عباس .. إلا أن علماء التفسير في غالبهم يميلون إلى أن المقصود هم الجن وليس الصحابة ..
 
- وأكرر أن هذه مجرد آراء تفسيرية .. وليس تفسير نبوي .. وطالما آراء تفسيرية فهي تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ مهما كان هذا المفسر ومهما كانت مكانته .. لأنه ليس نبي يوحى إليه بالتفسير دون غيره .. فانتبه يا مؤمن.
 
*****************************
 ..:: س95: هل يصح قبول القصص التي قيلت عن أن جن نصيبين كانوا يأتون مجالس أهل العلم ؟ ::..
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- في ختام هذا الفصل أحببت أن أذكر من لطيف الأخبار ما وجدته في كتب أهل العلم .. بمناسبة جن نصيبين .. ولتفهم أمرا ما أريدك أن تفهمه ..
 
#- (أثر صحيح) .. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، نَا عَبْيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ، نَا أَبُو عِمْرَانَ التَّمَّارُ (من تابعي التابعين) قَالَ: (غَدَوْتُ يَوْمًا قَبْلَ الْفَجْرِ إلى مجلس الحسن الْجَعْدِيِّ؛ وَإِذَا بَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقٌ، وَرَجُلٌ يَدْعُو، وَقَوْمٌ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ. قَالَ: فَجَلَسْتُ حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذِّنُ، فأذّن وفتح باب الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْتُ ..  فَإِذَا الْحَسَنُ جَالِسٌ وَحْدَهُ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَجَلَسْتُ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ .. فقلت لَهُ: رَأَيْتُ عَجَبًا الْيَوْمَ .. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَنْتَ تَدْعُو وَقَوْمٌ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِكَ، ثُمَّ دَخَلْتُ؛ فَمَا رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَكَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ جِنٌّ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ يَشْهَدُونَ مَعِي خَتْمَةَ الْقُرْآنِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ) رواه الدينوري في المجالسة وأهل العلم .
 
- وقوله (أُولَئِكَ جِنٌّ مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ) .. ليس المقصد أنهم من الذين أسلموا على يد النبي وإنما هم من هذه المنطقة .. ولعلهم هم من أخبروه بذلك ..
 
- وأظن أن (الحسن الجعدي) هو (الحسن بن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري) .. وكان قاضيا من الصالحين .. والله أعلم .
 
#- الفرق دائما بين مجالس الصالحين مع الجن .. وبين أهل زماننا الذين هم خدامين الجن .. هو أن الصالحين يجالسونهم الجن محبة في طاعة الله وهذا هو عهد الصحبة .. أما أهل زماننا من بعض الروحانيين والرقاة فقد بال الشيطان في أذنهم وأوهمهم أن معهم جن نصيبين من أصحاب القدرات الخارقة .. فجعلوا ينادون عليهم وجعلوا منهم خدام لأهوائهم ..!!
 
- فهذا هو الفرق بين النفوس الشريفة .. والنفوس الوضيعة .. فأبصر يا مؤمن وتعلم الفروق حتى لا يتلاعب بك خدامين الجن والشياطين وخدامين أنفسهم ..
 
#- وبهذا يكون ختام المسائل العامة والتي لها متعلق بقصة ليلة الجن .. إلا أنه يتبقى بعض الأسئلة الخفيفة التي قد تخطر على البال حينما يقرأ أحد قصة حضور الجن للنبي وخروج النبي إليهم .. والله ولي التوفيق.

*****************
يتبع إن شاء الله تعالى
*****************
والله أعلم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .

هناك 4 تعليقات:

  1. السلام على من اتبع الهدى
    وجوزيت عنا كل خير استاذنا الفاضل
    وختم لك بالحسنى وزيادة
    امين يارب العالمين

    ردحذف
  2. جزاك الله كل خير يارب
    صدقت أستاذي شرط الصحبة هو المحبة الخالصة لله وبالله لانها الصحبة الوحيدة التي لا مصالح خلفها
    تتصالح الأرواح إذا إختفت المصالح وإن ظهرت المصالح يصبح الكل مالح
    اللهم أمد علينا المحبة لأهلك و أهل صفوتك وأهل محبتك وإجعلها لنا ظلا في الدنيا ويوم لا ظل إلا ظلك

    ردحذف
  3. جزاك الله عنا كل خير أستاذنا الفاضل وزادك الله من فضله
    اللهم إشغلنا بك وحدك لا بغيرك اللهم إرزقنا الإخلاص في القول والعمل ولا تفتنا أبدا يارب
    اللهم أنت مقصودنا ورضاك مطلوبنا.... لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
    ******************
    اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم

    ردحذف
  4. ☆ العقائد الغيبية لا تؤخذ إلا بما صح سنده أو كان حسن لذاته...

    ☆ لا مانع عقلا ولا شرعا من تكرار زيارات الجن للرسول صلى الله عليه وسلم للسؤال عن دينهم ... ولكن الله أو الرسول لم يعلمنا بها لأنه لا فائدة لنا من وراء معرفتها...
    والله أعلم...

    وهذا الذي أرتاح له بصراحة...
    الذي فهمته واقتنعت به وسوف أجعله ملخص لنفسي لا أقصد به أحد وليصححني سيدي خالد إن كنت مخطئة...
    أن عالم الجن هو عالم قائم بذاته ولا يهمه أمرنا ولا يتدخلون في حياة الإنسي إلا بطلب منه أو اعتداءات عليهم...
    وبطرق مختلفة... سواء علمها الإنسي أو جهلها...
    علمها: يستحضره بعزيمة معينة أو بذكر معين وعدد معين (فيحضر للخير أو الشر)
    جهلها: يسلط عليه من طرف ساحر أو من طرف الله للابتلاء أو الفتنة أو بسبب الاعتداء على حقوق الناس أو عمار البيوت... الخ
    والله أعلم...
    ☆▪☆▪☆▪☆

    وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي و آله

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف