ج23: معتقدات موروثة - هل الشياطين لهم سلطان في الأرض وعلى الإنسان ومنهم من يظهر بالنهار فقط ويظهر بالليل فقط ومنهم المسلط على الرجال فقط وعلى النساء فقط وعلى الملوك فقط والأسواق فقط والمساجد فقط - كلام مهم حول قوله - فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - هل الشيطان يتدخل في كل شيء في حياتنا بمعنى التصرف فيها أم بمعنى إفساد النعمة علينا - ما الحكمة من توجيه النبي لنا في لعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام – والحكمة من مسح طبق الطعام باللقمة والإصبع والملعقة – والحكمة من قول النبي أن البركة في آخر الطعام – وهل فعل النبي يعتبر شيء شخصي أم فعل نبوي - هل صح حديث أنك لو لحست طبقك أو قصعتك فإنها تستغفر لك - كيف للشيطان أن يبيت ويأكل معنا إذا لم نذكر الله في حين لا نجد أي تغيير عند دخول البيت ولا نجد نقصان للطعام.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة المعتقدات الموروثة وبيان حقيقتها

عن المس الشيطاني ودخول الحمامات وتسريح الشعر والزواج والخياطة والمرايات وغير ذلك

(الفصل الثالث والعشرون)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث والعشرون :: معتقدات عن قدرة الشيطان وحضوره للمبيت وعند الطعام - حديث مكذوب فيه تعظيم لسلطة الشيطان - تعظيم المعالجين الرقاة لقدرة الشيطان في نفوس المؤمنين - شرح مفهوم حديث حضور الشيطان في كل أفعالك وأحوالك - خواطر حول حكمة لعق الأصابع بعد الطعام ومسح القصعة والطبق ومفهوم البركة في آخر الطعام ::

1- س98: هل الشياطين لهم سلطان في الأرض وعلى الإنسان ومنهم من يظهر بالنهار فقط ويظهر بالليل فقط ومنهم المسلط على الرجال فقط وعلى النساء فقط وعلى الملوك فقط والأسواق فقط والمساجد فقط ؟

- (كلام مهم حول قوله "فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ")

2- س99: هل الشيطان يتدخل في كل شيء في حياتنا بمعنى التصرف فيها أم بمعنى إفساد النعمة علينا ؟

3- س100: ما الحكمة من توجيه النبي لنا في لعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام – والحكمة من مسح طبق الطعام باللقمة والإصبع والملعقة – والحكمة من قول النبي أن البركة في آخر الطعام – وهل فعل النبي يعتبر شيء شخصي أم فعل نبوي ؟

- وهل صح حديث أنك لو لحست طبقك أو قصعتك فإنها تستغفر لك ؟

4- س101: كيف للشيطان أن يبيت ويأكل معنا إذا لم نذكر الله في حين لا نجد أي تغيير عند دخول البيت ولا نجد نقصان للطعام ؟

- (خاطر في لفظ "عشاء" الذي أتى في الحديث النبوي)

***************************

:: الفصل الثالث والعشرون ::

:: معتقدات عن قدرة الشيطان وحضوره للمبيت وعند الطعام - حديث مكذوب فيه تعظيم لسلطة الشيطان - تعظيم المعالجين الرقاة لقدرة الشيطان في نفوس المؤمنين - شرح مفهوم حديث حضور الشيطان في كل أفعالك وأحوالك - خواطر حول حكمة لعق الأصابع بعد الطعام ومسح القصعة والطبق ومفهوم البركة في آخر الطعام ::

**************************

 ..:: س98: هل الشياطين لهم سلطان في الأرض وعلى الإنسان ومنهم من يظهر بالنهار فقط ويظهر بالليل فقط ومنهم المسلط على الرجال فقط وعلى النساء فقط وعلى الملوك فقط والأسواق فقط والمساجد فقط ؟ ::..

 

(كلام مهم حول قوله "فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ")

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ليس من المستغرب أن نجد أحاديث تعظم من قدرة الشيطان في النفوس .. فهذه طبيعة كثير من الناس .. حيث ينسبون له قدرات خارقة .. ثم يكذب فيقول أن هذا من كلام الرسول .. وهذا من قديم الزمان موجود .. بل ولازال موجود في زماننا هذا من يعظمون قدرات الشيطان في نفوس الناس وكأنه إله متصرف في أقدارهم .. !!

 

- والذين يعظمون قدرات الشيطان في نفوس الناس .. ما هم إلا جماعة قد تبول الشيطان في أذنهم لينشروا عقيدة تعظيم قدرة الشيطان في نفوس المؤمنين حتى يخافوه .. وكأنهم لا يصدقون كلام الله حيث قال: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء:76.

 

- ومن الروايات الخطيرة التي تجدها على الإنترنت .. لبيان مدى قدرة الشيطان .. هو الرواية التالية المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم .

  

#- (حديث مكذوب على النبي) .. عن الْعَلَاءُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ، ثنا أَبِي، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى شَيَاطِينَ فِي الْبَرِّ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْبَحْرِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْبَرِّ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ بِاللَّيْلِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي النَّهَارِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي النَّهَارِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي اللَّيْلِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الظُّلْمَةِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي النُّورِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي النُّورِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الظُّلْمَةِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الْمَنَامِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْيَقَظَةِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الْيَقَظَةِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْمَنَامِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الْوَحْدَةَ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْإِنْسِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ فِي الْجُمُوعِ لَيْسَ لَهُمْ عَلَى مَا فِي الْوَحْدَةِ سُلْطَانٌ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالْمُلُوكِ دُونَ الْمَلَكَةِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالْمَلَكَةِ دُونَ الْمُلُوكِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالصِّغَارِ دُونَ الْكِبَارِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالْكِبَارِ دُونَ الصِّغَارِ، وَشَيَاطِينَ مُوكَلُونَ بِالْمَسَاجِدِ يَطْرُدُونَ النَّاسَ عَنْهَا طَرْدًا عَنِيفًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، يَطْرُدُونَهُمْ إِلَى الشَّهَوَاتِ وَإِلَى اللَّذَّاتِ، وَإِلَى الْأَسْوَاقِ وَالْمَجَالِسِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَيُشَهُّونَ إِلَيْهِمُ النَّصِيحَ وَيُحَبِّبُونَ إِلَيْهِمُ الْجُلُوسَ عَلَى الْمَعَاصِي الَّتِي لَا يَعْصِمُ مِنْهَا إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذُكِّرَ بِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ سَاعَتِهِ تِلْكَ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ) رواه أبو مسهر (المتوفى:218 هـ) في نسخته .. وذكر الحديث بن الجوزي في الموضوعات .. وقال ما هو ملخصه: هذا حديث لا يُشك في وضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..، وإما (عبد المنعم) فقال أحمد بن حنبل: يكذب على (وهب) .. وقال الدارقطني هو وأبوه متروكان .. و(العلاء بن عمرو) قال ابن حبان: و(العلاء بن عمرو) لا يجوز الاحتجاج به بحال.. وقال داود بن إبراهيم: كان يكذب. (انتهى النقل مختصرا) .. (قلت خالد صاحب الرسالة): (العلاء بن عمرو) هو متروك الحديث .. وقال أبو حاتم: هذا كذاب.. وحكم عليه الذهبي وقال: هو كذاب. (راجع ميزان الإعتدال ترجمة رقم5737) ..

 

#- وخلاصة القول أخي الحبيب وانتبه لما سأقوله لك:

1- لا تكن من الذين يعظمون قدرات الشيطان في نفوس المؤمنين .. فما هم إلا جماعة قد استولى الشيطان على عقولها ونفوسها وارتضوا لأذنهم أن تكون مَبْوَلة للشيطان حتى أصبحوا رسلا إلى المؤمنين في نشر الخوف من الشيطان وتعظيم قدراته .. وما هم إلا جماعة جاهلة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ..

 

2- يقول تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران:175.

 

- فالشيطان يحرك أولياءه .. الذين ارتضوا أن يستمعوا له فينشروا أفكاره بعد أن نجح في أن يزرع في نفوسهم بالوهم أن له كيدا عظيما ويخيفهم منه ويجعلهم جبناء وأتباعا لمنهجه .. فأصبحوا يتصرفون وفق رغبة الشيطان في تخويف المؤمنين ..

 

- ولذلك قال تعالى للمؤمنين (فَلَا تَخَافُوهُمْ) .. أي لا تجعلوا الشعور بالخوف والخطر والتهديد من الشيطان وأعوانه يستولى على قلوبكم فيغلب إيمانكم .. لأنكم الأعلون بالله العزيز القدير .. لأن هذا دليل صدق الإيمان فيكم أن تكونوا الأعلى بالله والأكبر بالله والأعزة بالله .. وليس بالخوف من الشيطان وأعوانه .. ولأنك مؤمن بأن كيد الشيطان محكوما عليه من الأزل إلى الأبد بأنه ضعيفا حيث قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء:76 ... وتأمل قوله تعالى (كان) أتى بصيغة الماضي للدلالة على أن هذا حكم أزلي أي منذ بداية الزمان محكوم عليه بأن كيده ضعيفا مع أهل الإيمان ولا سلطان له عليهم.

 

- ولذلك قال تعالى (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): فالخوف من الله وهو الشعور بقدرة وبعظمة الله وإكباره وعزته وقوة سلطانه .. يجعلك تتعلق به تعلقا مستوليا عليك في ظاهرك وباطنك حتى لا تظن لحظة أن لهذا الشيطان وأعوانه قدرة من التصرف في أي شيء .. وحتى لو أصابك منهم أذى .. فهذا من ابتلاءات الحياة التي يجب أن تحدث لبيان إيمانك .. ولكن وتبقى الحقيقة الوحيدة وهي أنه لا إله إلا الله القدير المتصرف في كل شيء .. وأن الشيطان هو المخلوق الحقير العاجز عن فعل شيء إلا بقدر ما سمح له الله القدير من حدوث الضرر وفق حكمته ومشيئة جل شأنه من أجل حكمة الإبتلاء في التمييز بين شخص وآخر في إيمانه ..

 

3- واعلم أخي الحبيب ..

- أن تسليط الشيطان عليك ما هو إلا جزء من قدرك الذي يعلمه الله وسمح به في أن يصيبك .. وطالما قد سمح به .. فله فيه حكمه .. وله فيك تدبير .. فاجعله حسبك ووكيلك واعلو بإيمانك قائلا ظاهرا وباطنا بقولك (حسبنا الله ونعم الوكيل) .. وطالما هو وكيلك وأنت مؤمن بذلك .. فمن يتوكل على الله بيقين فيه فالله حسبه بإحسان منه .. فافهم.

 

-  بقدر يقينك باسم الله القدير .. فلن يتمكن منك الشيطان الحقير .

 

- فاعلو بهمتك ويقينك في الإيمان بأوصاف مولاك في قلبك .. إذا أردت أن تطفيء فيك نار عدوك .. وبقدر اليقين يكن التمكين .. فاصبر لحكم ربك ولا تعجز من دوام قولك: يا رب .. ولكن بافتقار وانكسار .. وبقدر افتقارك وانكسارك لله يكن إمدادك وانتصارك من الله .

 

***************************

 

..:: س99:  هل الشيطان يتدخل في كل شيء في حياتنا بمعنى التصرف فيها أم بمعنى إفساد النعمة علينا ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من الأحاديث التي يحلو لبعض الرقاة والمعالجين أن يظهروها للناس .. ليظهروا مدى تمكن الشيطان من حياتنا وأن له سيطرة ونفوذ علينا .. وهذا بكل تأكيد خرافة منهم لأن الحديث لم يقل بذلك أبدا .. وإليك تفصيل الأمر .

 

1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) صحيح مسلم.

 

2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَسَقَطَتْ لُقْمَتُهُ، فَلْيُمِطْ مَا أَرَابَهُ مِنْهَا، ثُمَّ لِيَطْعَمْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ أَحَدُكُمْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ يَدَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ يُبَارَكُ لَهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَرْصُدُ ابْنَ آدَمَ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى عِنْدَ طَعَامِهِ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: حديث صحيح وهذا إسناد حسن.

 

- قوله (فليمط ما أرابه منها): أي فليزيل ما يجعله يشك انه فيه أذى له مثل وجود تراب حولها ..

 

- وفي رواية بلفظ: (إنَّ الشَّيْطانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شيءٍ مِن شَأْنِهِ .. حتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعامِهِ، فإذا سَقَطَتْ مِن أحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ، فَلْيُمِطْ ما كانَ بها مِن أذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْها، ولا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ، فإذا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أصابِعَهُ؛ فإنَّه لا يَدْرِي في أيِّ طَعامِهِ تَكُونُ البَرَكَةُ) صحيح مسلم ..

 

- فهل من خلال هذه الروايات يمكن القول أن الشيطان يستخدم كل شيء نملكه ويتصرف فيه طالما لم نسم الله ؟!!

 

- لا .. أنت فهمت خطأ .. لأن الشيطان لا يستخدم شيء وإنما يحاول أن يفسد عليك حالك مع الله في كل شيء أنعم الله به عليك .. وإليك تفصيل ذلك ..

 

1- قوله (أي شيء من شأنه) .. أي يحضر عند أي شيء من شئون الأنسان الخاصة به أو يفعلها مع غيره .. ليفسد عليه ما يفعله .. أي يتسلط عليه .. ونفهم من ذلك ان الشيطان مسموح له في ذلك .. وهو أن يتسلط على الإنسان ليفسد عليه حاله مع الله في كل نعمة أنعم الله بها عليه .. في ظاهره وباطنه .. وهذا اختبار الإنسان ..

 

2- قوله (لا يدعها للشيطان) .. ليس فيها معنى أنه سيتركها للشيطان ليأكلها .. وإلا فالطعام يظل مرميا على الأرض .. وقد يستمر فترة ويصيبه العفن .. واحيانا نلقي الطعام على الارض للقطط والكلاب ولا يخطفها الشيطان ؟

 

3- ولماذا لا يأكل من الطبق الذي نأكل فيه ؟ بل ولماذا لم يأكل من كل طعام في أي سوبر ماركت أو مزرعة او غير ذلك ؟

 

- بل والساقط من الطعام على الارض إذا لم تكن الأرض نظيفة فهو يتم إلقاءه في القمامة .. سواء في البيوت أو المطاعم .. ولا نجد القمامة ينقص منها شيئا بل ويتعفن الطعام في القمامة ؟

 

4- إذن ما معنى قوله (لا يدعها للشيطان) كما قال العلماء ؟

- المعنى هو: أن لا يتركها كبرًا عن أكل ما سقط واستهانة بالنعمة؛ فإن الذى يحمله على ذلك الشيطان ترفيعًا لنفسه .. وكبراً عن أكلها بعد سقوطها .. (ذكره القاضي عياض "المتوفى: 544هـ" في إكمال المعلم ج6 ص503).

 

5- وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الشيطان يحضر) .. أي هو ليس متواجد معك وإنما تجذبه أفعالك وأقوالك وتصرفاتك .. فيأتي عند كل نعمة أنت تستخدمها أو تسعى إليها أو ترجوها .. ليحاول أن يغويك فيها بأن ينسيك ذكر الله ويلهيك بالنعمة عن المنعم جل جلاله .. أو يجعلك تنحرف بها عن مراد الله .. أو يجعلك تيأس في علاقتك بالله .

 

6- فمقصد الحديث الذي يريد أن يرشدك له النبي صلى الله عليه وسلم .. هو أن لا تترك للشيطان فرصة ليكون قريبا منك .. ولا تترك أي نعمة في حياتك تتنعم بها إلا وتكون مصحوبة بذكر الله حتى يبقى ذكر الله باقيا في قلبك ..  حتى تبقى في كل حركاتك وسكناتك في معية الله وحفظه ورعايته .. لأن المشغول قلبه بذكر الله فهو في رعاية مولاه ..

 

7- فقل بسم الله عند دخول بيتك حتى لا تجعل الشيطان يدخل بيتك الذي أنعم الله به عليك .. حتى لا يكون قريبا منك ويفسد عليك بوسوسته فيشغلك عن ذكر الله أو العمل الذي يحبه الله أو يوسوس للقريبين منك .. لأنك تكون جعلته قريب منك بالرغم من قدرته على الوسوسة من بعيد ولكن كلما قربت المسافة كلما تمكن الشيطان من مراده .. فلماذا تسمح للشيطان بذلك ؟!!

 

8- والغرض من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم .. أنه يريد أن يجعلك في معية الله من خلال دوام ذكره في كل فعل من أفعالك وأقوالك وأنفاسك .. وذلك حتى تظل في حالة وصال مع الله في نفسك فتكون لك بركة من الله في كل فعل أنت تفعله .. لأنك كلما كانت أفعالك من حركات وسكنات وأقوال وصمت .. تقول الله .. فأنت ستبقى في حالة نورانية ببركة اسم الله .. والظلام سيبتعد عنك سواء اهواءك النفسية أو شيطانك الذي يوسوس لك .. بل وسيكون لك بصيرة من الله لأنه سينير لك حياتك ببركة اسمه .. وسيكون لك حال إيماني أفضل مع الله ببركة نور اسم الله الذي تداوم عليه في كل فعل من أفعالك ..

والله أعلم .

 

#- أخي الحبيب:

- خلال قرائتك للأحاديث السابقة قد يخطر ببالك عدة أسئلة قد تخطر ببالك .. وأذكرها لك في السؤال التالي والذي يليه .. إن شاء الله .

 

***************************

 

..:: س100: ما الحكمة من توجيه النبي لنا في لعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام – والحكمة من مسح طبق الطعام باللقمة والإصبع والملعقة – والحكمة من قول النبي أن البركة في آخر الطعام – وهل فعل النبي يعتبر شيء شخصي أم فعل نبوي ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- جاء في الاحاديث السابقة أن النبي أرشد إلى لعق الأصابع بعد الطعام لعله في ذلك بركة ..

- ومن الأحاديث أيضا خلاف ما ذكرته سابقا ومشابها لها :

#- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَقَطَتِ اللُّقْمَةُ مِنْ يَدِ أَحَدِكُمْ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَذَى، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ، وَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ الْبَرَكَةُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح..

 

- قوله (فليمط): أي ليزيل ما بها من تراب أو غيره .. إن كان يمكن ذلك وإلا فليتركها لو ظن وجود غلبة القذر عليها ..

- قوله (ليلعق): أي يضع أصبعه المحاط ببقايا الطعام في فمه ويمصه.

 

- وفي رواية بلفظ: (إِذَا طَعِمَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَمَصَّهَا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامٍ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده قوي على شرط مسلم.

- وفي رواية بلفظ عن جابر بن عبد الله قال: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَرَ بلَعْقِ الأصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقالَ: إنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أَيِّهِ البَرَكَةُ) صحيح مسلم.

- قوله (الصفحة): أي آنية من أواني الطعام الكبيرة التي يتم توزيع الطعام منها على الحاضرين مثل أطباق السيرفيس الكبيرة .. ويقصد عموما كل محل فيه موضع الطعام مثل الطبق الذي تأكل فيه .

   

- وفي رواية بلفظ: (إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ، قالَ: فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ) صحيح مسلم.

 

- قوله (نسلت القصعة): أي نمسحها بلقمة عيش أو بأصبعك أو بملعقة من بقايا الطعام التي تظل متروكة في القصعة أو طبق طعامك .. وانتبه لقولي أني قلت: بقايا الطعام وليس الدهون والزيوت المتبقية في الطبق أو قصعة الطعام .. ففي هذا أذى لجسمك .. فافهم ..!!

 

- والقصعة: هي وعاء يأكل فيه عدد من الأشخاص قد يبلغ العشرة .. ويكون من الخشب أو الفخار أو البلاستيك أو المعدن .. ويؤكل منه مباشرة .. وفي زماننا هذا هو مثل الحلة التيفال مثلا .. ولكن هذه نأخذ منها الطعام ونقوم بتوزيعه على الاطباق .. وعموما المقصد في الحديث هو الشيء الذي تأكل فيه الطعام حتى ولو كان طبقك الخاص أو ما يتبقى فيه طعام بصفة عامة  كأواني وحلل الطعام ..

 

- وهذا التوجيه النبوي في الأصل هو لكل شخص في حال تعامله مع طعامه سواء لوحده أو مع أسرته .. أو مع جماعة مألوف هذا الطبع عندها .. فلا مانع .. مثلما يحدث في مجالس أهل البدو وبعض مجالس أهل الخليج .. وسيأتي توضيح هذه الجزئية بعد قليل .

 

#- فإذا أبصرت ما سبق من الروايات أخي الحبيب .. فعن نفسي قد بحثت على قدر وسعي وفي حدود ما توافر عندي من كتب أهل العلم .. عن حكمة لعق الأصابع ومفهوم البركة في آخر الطعام .. فلم أجد .. وكذلك وجدت كلام قاله بعض أهل العقل في مسألة الأكل بالأصابع وعلاقته بالسنة النبوية .. فذكرته لك من باب الإحاطة بالمعلومة .. والله ولي التوفيق.

 

#- أولا: أذكر لك ما جال بخاطري - في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم من (لعق الأصابع ومسح طبق الطعام باللقمة والأصبع) – ومفهوم (البركة التي في آخر الطعام) ..

1- أما عن الحكمة من لعق الأصابع – كما جال بخاطري - هو نوعا من شكر الله على نعمة الطعام وعلى نعمة الأصابع التي رزقك بها لتأكل هذا الطعام .. فكان لعقها أي لحسها اعترافا بفضل الله على نعمة الوسيلة التي أكلت بها الطعام .. وعلى نعمة الطعام المتبقي أثره على الأصابع ..

 

- وكذلك هذه الحكمة في سلت أو مسح طبق الطعام المتبقي فيه الطعام كمن يمسحه بلقمة العيش أو بأصبعه مثلا أو بملعقة أو شوكة .. فالحكمة في ذلك كما هي الحكمة في لعق الأصابع .. ولم يأتي في حديث لعق القصعة أو طبق الطعام ..!!

 

-ولكن ليس لك أن تفعل ذلك أمام قوم لا يألفون ذلك ولا يعلمون .. حتى لا تكون متهما في شخصك وبأن سلوكك يدل على حالك وكأنك لأول مرة ترى الطعام في حياتك .. وإنما افعل ما تحب مع حالك أو أمام من يفهمون فافعل ما تحلو لك لأن التوجيه النبوي في أصله هو توجيه شخصي مع نفسك حينما تأكل .. قال النبي: (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ) .. فأبصر وافهم وكن من العقلاء ..!!

 

2- أما عن البركة – كما جال بخاطري- فهو أذا كان هناك بركة أثناء أكل الطعام نفسه فلأنها نعمة الله التي وهبها لك .. فلا تترك لعق أو مص أثر بقايا الطعام من على أصابعك عند الإنتهاء منه .. فلعل فيه بركة لك بمزيد من الشبع إحسانا إليك لأدبك مع ما تبقى من أثر الطعام على أصابعك لأنه كان من بقية نعمة الله التي وهبها لك ..

 

- وإذا كان نادرا حاليا مَن يأكل بأصابعه .. فامسح بفمك أدوات الطعام التي تأكل بها مثل الملعقة والشوكة في ختام وانتهاء أكلك .. لأنها الأداة التي استخدمتها للطعام .. لتلعق من عليها ما تبقى من آثار للطعام ..

 

#- ثم ظهر لي معنى آخر لمفهوم البركة .. وهو لعل هذا الطعام يكون مخلوطا بمال قد اجتمع فيه الحلال مع شبهة حرام .. فيكون الحلال الذي فيه قد يكون هو ما كان بقيته في آخر ما تبقى من الطعام .. فتكون هذه بركة الحلال التي تثبت في الجسم فتكسبه شبعا وتزيد في بركة جسمه وعقله وقلبه وروحه ..

- ملحوظة هامة: بعض الناس يشعر بعد الطعام بالخمول والكسل والرغبة في النوم .. وهذا إما لأنه زاد في الطعام حتى امتلأت بطنه .. أو لأنه لديه مشكلة مع بعض الأطعمه التي تسبب له مشكلة لو أكلها .. وسواء هذا أو ذاك فلا علاقة له ببركة الطعام التي ذكرتها لك منذ قليل حتى لا تتوهم أن ما يحدث لك بسبب أن ما اكلته كان فيه حراما .. لا .. فهذه عوارض طبيعية تتعلق بجسم الإنسان .. فافهم.

- والله أعلم .

#- ثم وجدت قولا طيبا للإمام أبو العباس القرطبي (المتوفى: 656 هـ): قال فيه: قوله: (فإنَّه لا يدري في أي طعامه البركة) ومعناه - والله أعلم -: أن الله تعالى قد يخلق الشِّبع في الأكل عند لعق الأصابع أو القصعة، فلا يترك شيء من ذلك احتقارًا له. (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم ج5 ص299).

  

#- ثانيا: وقد تسأل أخي الحبيب فتقول كان الناس في زمن النبي يأكلون بأصابعهم فكيف يقال أن هذه سنة نبوية ؟!!

1- السنة النبوية ليست في أن تأكل بأصابعك .. ولكن لك الحق أن تتشبه في فعل النبي لو كنت من آكلي الطعام بالأصبع فتأكل ثلاثة أصابع ويمكن بالخمسة كما جاء في رواية للإمام الزهري في مصنف أبي شيبة .. ولكن في الحقيقة هذه ليست سنة وإنما السنة النبوية فعلا اتباع قول النبي وفعله الذي يوجهك إليه .. والتوجيه هنا في لعق الأصابع بعد الأكل لأنها الأداة التي تأكل بها وتحمل بها الطعام لفمك .. وكذلك التوجيه في مسج طبق الطعام من البقايا المتبقية فيه لأن هذه البقايا من نعمة الله .

 

2- أخبرتك بما سبق .. لأنك ستجد بعض أهل العقل يخبرك بأن هذا ليس بسنة نبوية وإنما فعل شخصي لأن عادة زمانهم كانت الأكل بالأصبع سواء كانوا مؤمنين أو كفار .. وهذا كلام في ظاهره صحيح ومحترم .. ولكن الحقيقة هي أن السنة ليست في أداة الطعام وإنما في تعامل مع الطعام نفسه .. ولذلك التوجيه النبوي في لعق الطعام المتبقي على الأصبع .. والذي ينوب عنه حاليا هو أدوات الطعام .. والله أعلم .

#- ثالثا: توجد روايات لم تصح .. وعليك أن تعرفهم أخي الحبيب:

1- (حديث ضعيف) .. عن أَبُي الْيَمَانِ الْبَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عَاصِمٍ، قَالَتْ: (دَخَلَ عَلَيْنَا نُبَيْشَةُ مَوْلَى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَأْكُلُ فِي قَصْعَةٍ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ فَلَحِسَهَا، اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ) رواه أحمد وبن ماجه وغيرهما .. وقال شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن بن ماجه وكذلك محققو المسند: إسناده ضعيف لجهالة حال أم عاصم جدة أبي اليمان ..

2- (حديث موضوع "مكذوب على النبي") .. عن أنس عن النبي قال: (إِذَا لَعِقَ الرَّجُلُ الْقَصْعَةَ اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ فَتَقُولُ اللَّهُمَّ اعْتِقْهُ مِنَ النَّارِ كَمَا أَعْتَقَنِي مِنَ الشَّيْطَان) ذكره الفتني في تذكره الموضوعات ص141 وقال: هو من نسخة سمعان المكذوبة.

 

3- (أثر مكذوب على صحابي) .. عن ابن عَبَّاس قال: (مَنْ أَكَلَ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْمَائِدَةِ خَرَجَ وَلَدُهُ صِبَاحَ الْوُجُوهِ وَنفي عَنهُ الْفقر) ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات ص141 وقال: فيه يوسف ابن أبي يوسف القاضي "مجهول ذكره" .

 
#- ثم بعد ما سبق يتبقى سؤال مهم نختم به هذا الفصل .. وهو سؤال مهم جدا .. نذكره في السؤال التالي .. 

  ************************** 

..:: س101: كيف للشيطان أن يبيت ويأكل معنا إذا لم نذكر الله في حين لا نجد أي تغيير عند دخول البيت ولا نجد نقصان للطعام ؟ ::..

(خاطر في لفظ "عشاء" الذي أتى في الحديث النبوي)

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) صحيح مسلم.
 
- مما قد يخطر ببالك من الحديث السابق عند قرائته .. وهو من التصورات الخاطئة في عقول البعض أن يظن أن مفهوم المبيت والأكل بالنسبة للشيطان .. هو تدخل مادي واقعي ملموس في الأشياء .. مثل تصرف الإنسان فيما يملكه ..!!
- وهذا لو تصورته فهو من الخطأ في الفهم .. ليه ؟
 
1- لأنه أصلا لو ظننا أن الشيطان يأكل ويشرب ويبيت معنا بمعنى استخدام نعم الله التي أنعم بها علينا .. فعقلا يكون هذا الكلام مُتهم .. لأن الواقع يكذبه .. لأننا لم نسمع أحد في الكرة الأرضية من غير المسلمين يقول بأنه حينما يأكل فالطعام ينقص أو لو ترك ويعود إليه فهو ينقص .. وكذلك كل البضاعة التي تباع في الماركت والمحاصيل الزراعية التي يتم جمعها وبيعها وتكون في بلاد لا تقول (بسم الله) ومع ذلك أشيائهم لا تنقص ولا يقول أحد بأنها تختفي فجأة دون سبب .. بل ولا المسلمين أنفسهم يقولون بذلك ..!!
 
2- قلت لك ما سبق أخي الحبيب حتى تعقل وتفهم الأحاديث بصورة صحيحة .. فلعلك قد يصادفك أحد ويقول لك أن الشيطان يأكل معك وهذه مسألة غيبية ولا نعلمها .. وهذا يكون كلام فيه نظر لو كان المقصود منه بأن الكيفية مجهولة .. لأنه يقال حينئذ بلفظ الإتهام لأصحاب هذا القول: طالما يأكل فيجب أن ينقص طعامنا .. ولكنه لا ينقص منه شيئا ؟!! وهذا حينئذ يتعارض مع نص الحديث .. وطالما الحديث يتعارض مع الواقع المدرك للحواس فهو إما حديث باطل تم التلاعب في ألفاظ روايته .. وإما أنه يوجد فهم خطأ لما فسره بهذا التفسير ..!!
 
- وبسبب ما ذكرته من اتهام في تفكير البعض الخاطيء .. فقد اضطر العلماء للبحث في كيفية أكل الشيطان لطعام الإنس فبحثوا عن طريقة تتناسب مع حالتهم الروحانية ولذلك ذهب البعض إلى أنه يتناولها شما من خلال رائحتها وهذا يكسبه طعاما كحال بعض البخور الذي يطلبه الجن في حضوره حيث يكون له منه نصيب .. وسبق وناقشنا مسألة كيفية أكل الشيطان للطعام وكلام العلماء فيها تفصيليا في رسالة (ليلة الجن) في الفصل الحادي عشر .. فارجع إليها ..
 
3- أما لو كان هناك من يزعم أن للشيطان تصرف في عالم المادة بالسلب بأكل الطعام فعلا وكان الشيطان يمد يده ويأكل معك وينقص من طعامك وهو بحالة روحانية .. فهذا شخص فيه جهالة لأنه فهم المسألة خطأ لغياب التمييز عنده بين الحالة الروحانية والحالة المادية للجن .. وإلا فلماذا تجسد الجن في شكل لا نعلمه وذهب ليسرق من الصحابي أبو هريرة وغيره ؟!!
 
- وما سبق مثال بسيط أخي الحبيب في قصة أبي هريرة والشيطان الذي كان يسرقه .. لتدرك مدى فساد من يزعم أن الشيطان له قدرة بالتصرف في عالم المادة وهو بحالته الروحانية - اللهم إلا لو كان شخص روحاني ويستحضر الجن - فهذا شيء آخر وله كلام آخر .. وقد تكلمنا على كل ذلك بتوسع وتفصيل كبير في رسالة التمثيل الروحاني .. فارجع إليها .. وإنما هنا نتحدث عن الحال العام لعموم البشر وليس نتكلم عن أحوال خاصة ببعض الناس ..!!
- تنبيه: سيأتي مزيد كلام عن أكل الشيطان مع الإنسان في الفصل القادم وبتوسع كبير .. مع أقوال العلماء ..
 
4- أما عن أقوال بعض العلماء في مفهوم مبيت الشيطان فهذا له معنيان .. أحدهما المبيت الحقيقي .. والآخر يقصد به الوسوسة عن قرب .. ومن كلام العلماء:
 
#- قال الإمام القاضي عياض (المتوفى: 544هـ):
- وقوله: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء):
- مُنِع الشيطان من الإستقذار والأكل من عشائه، ولم يجعل له قدرة عليه .. إذا جُعِل الحديث على وجهه وظاهره ..
- وإن صُرِفَ إلى المجاز كان معناه: أي لا منفعة لكم بالمبيت؛ إذ كفاه الله - بذكره إغوائكم له وضركم إياه . (إكمال المعلم بشرح فوائد مسلم – مختصرا- ج6 ص485).
 
4- بمناسبة الكلام على مبيت وأكل الشيطان .. فقد خطر على بالي شيئا وانتبهت إليه في حديث النبي وهو لفظ (عشاء):
- قال النبي في الحديث: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وإذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ: أَدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالْعَشَاءَ) صحيح مسلم ..
 
- فلما انتبهت لهذا الحديث وجدت فيه شيئا جميلا .. استحق انتباهي .. وهو لفظ (العشاء) .. فخطر ببالي أن يكون هذا فيه دلالة على أن هذه هي الوجبة الوحيدة التي يشترك فيها الشيطان .. وهي الفترة ما بين المغرب والعشاء .. أو فترة الليل .. إذ لو كان يمكن للشيطان المشاركة في غير ذلك الوقت لكان جعل النبي المسألة مطلقة وغير مقيدة بوقت .. والله أعلم .
 
- وهناك دليل آخر يثبت صحة كلامي .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الشياطين تنتشر .. فعن جابر بن عبد الله عن النبي قال: (إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ؛ فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا ...) صحيح البخاري.
 
#- وخلاصة القول أخي الحبيب:
1- الشيطان قد يشارك الإنسان في الطعام والشراب الذي لم يتم ذكر اسم الله عليه .. ومشاركته تكون من خلال تحريضه على عدم ذكر الله .. وقد يكون له أيضا من هذا الطعام طاقة يستمدها من هذا الطعام من خلال شم رائحته مثلا فيفسد على الانسان شيئا من بركة هذا الأكل .. وليس بمعنى أنه يأكل ويشرب فعلا .. وإلا فالطعام والشراب لا ينقص شيئا لو تركناه أو لو أكلناه فلا نجده ينقص فجأة شيئا مما نأكله ..!! فانتبه .
 
2- الشيطان قد يكون له مبيت بمعنى تواجد حقيقي بالبيت أي يدخل فيه .. أو قد يكون له مبيت بمعنى له تواجد قوي ومؤثر في وسوسة الإنسان ..
 
3- الشيطان هو مجرد كيان غيبي لا يتتبع خطواتك ويتجسس عليك ويعيش معك معايشة الروح للجسد .. لا .. وإلا كنت مستباح من الشيطان وتساوى حال المؤمن بالكافر بالملحد بالمثليين واللواطيين وغيرهم .. وهذا كلام لا يقول به مؤمن ولا عاقل .. وإنما الشيطان له حضور يحدث في مواقف خاصة في حياتك ليحرضك على فعل معصية أو يمنعك عن فعل طاعة .. وهذا كلام النبي حيث قال (إنَّ الشَّيْطانَ يَحْضُرُ أحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شيءٍ مِن شَأْنِهِ) .. فالحضور مرتبط (عند حدوث شيء) أي مرتبط بكل ما فيه حركة منك يترتب عليها طاعة فيأتي ليفسدها أو قد تكون فرصة للشيطان ليجعلك تفعل معصية أو ليحرمك من طاعة ..
 
- وليس للشيطان صفة الألوهية حتى تظن أنه يعلم عنك كل كبيرة وصغيرة حتى تظن وكأنك مستباح له مهما كنت سواء مؤمن أو كافر أو عاصي أم مطيع .. كالذين جعلوا من عورات الناس مستباحة للشيطان أن ينظر إليها ويطلع عليها لأنه لم يقل بسم الله عند خلع ملابسه في غرفة نومه ..!! فيا لها من بدع في الشريعة .. والله ورسوله برآء من هذه المعتقدات الباطلة .. وقد سبق ناقشنا مسألة اطلاع الشيطان على العورات في هذه الرسالة فارجع إليها في الفصل الأول منها عند السؤال الثالث ..!!
 
3- تبقى أن أقول لك أخي الحبيب في مسألة الطعام أنه قد ورد حديث عن النبي قال فيه: (أَنَّهُ مَنْ أَكَلَ فِي قَصْعَةٍ، ثُمَّ لَحَسَهَا، اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده ضعيف .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .