ج24: معتقدات موروثة - هل معنى قول النبي - إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ - أنه يأكل فعلا من طعام الإنسان بصورة مادية - عرض لكلام العلماء وآرائهم ومناقشة ما قاله الإمام النووي - لماذا لا يصح الإعتقاد بأن الشيطان يأكل طعامنا معنا بحقيقة مادية إذا لم نسم الله عليه - مناقشة قوية جدا مع الذين يزعمون أن الشيطان يأكل معنا حقيقة فيُنقِص من طعامنا الذي نأكله .

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة المعتقدات الموروثة وبيان حقيقتها

عن المس الشيطاني ودخول الحمامات وتسريح الشعر والزواج والخياطة والمرايات و أكل الشيطان وغير ذلك

(الفصل الرابع والعشرون)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع والعشرون :: معتقدات عن أكل الشيطان - خرافة أكل الشيطان مع الإنسان من نفس طعام الإنسان – ومفهوم كيفية استحلال الشيطان للطعام ::

1- س102: هل معنى قول النبي (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أنه يأكل فعلا من طعام الإنسان بصورة مادية ؟

#- عرض لكلام العلماء وآرائهم .. ومناقشة ما قاله النووي في قوله (فوجب قبوله واعتقاده) ..!!

2- س103: لماذا لا يصح الإعتقاد بأن الشيطان يأكل طعامنا معنا بحقيقة مادية إذا لم نسم الله عليه ؟

#- مناقشة قوية جدا مع الذين يزعمون أن الشيطان يأكل معنا حقيقة فيُنقِص من طعامنا الذي نأكله .

***************************

:: الفصل الرابع والعشرون ::

:: معتقدات عن أكل الشيطان - خرافة أكل الشيطان مع الإنسان من نفس طعام الإنسان – ومفهوم كيفية استحلال الشيطان للطعام ::

**************************

 

..:: س102: هل معنى قول النبي (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) أنه يأكل فعلا من طعام الإنسان بصورة مادية ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- وكما جاء في الحديث: (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا، لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا) صحيح مسلم.
 
- وفي رواية بلفظ: (إِنَّ يَدَهُ لَفِي يَدِي مَعَ أَيْدِيهِمَا) رواه أبو داود .. وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
 
- وفي رواية بلفظ: (إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهِمَا) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح.
 
- وفي رواية لها استكمال للقصة السابقة جاءت بلفظ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُطْرَدُ، فَذَهَبَ يَتَنَاوَلُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُطْرَدُ فَأَهْوَتْ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا أَعْيَيْتُمُوهُ جَاءَ بِالْأَعْرَابِيِّ وَالْجَارِيَةِ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِذَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، بِسْمِ اللهِ كُلُوا) رواه أحمد: وقال محققو المسند: إسناده صحيح.
 
- وفي رواية بلفظ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ طَعَامَ الْقَوْمِ إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا رَآنَا كَفَفْنَا أيْدِيَنَا جَاءَ بِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَسْتَحِلُّ بِهِمَا طَعَامَنَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ يَدَهُ لَمَعَ أَيْدِيهِمَا فِي يَدِي) رواه معمر بن راشد في جامعه .. بسند صحيح.
 
- وفي رواية بلفظ بعد أن تم ذكر القصة: (إن الشيطان يستحل طعام القوم إذا لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لما رآنا كففنا عنها (أي منعنا يدها قبل تسمية الله) جاءنا ليستحل به (أي بالأعرابي) .. فوالذي لا إله إلا هو، إن يده في يدي مع يدهما) ذكره المتقي الهندي نقلا عن البزار .. (قلت خالد صاحب الرسالة): ولم أجده عند البزار .. وما بين الأقواس شرح مني للألفاظ ..!!
 
#- من معاني الحديث:
- وقوله (إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا): أي يد الشيطان قبضت عليها في يدي مع يد الجارية وكذلك حدث مع الأعرابي ..
- قوله (كَأَنَّهَا تُدْفَعُ - كأنما يُدفع): فيه دلالة على وصف سرعة هذه الجارية والأعرابي .. وكأن هناك من يدفعه دفعا ليقتحم المكان ويأكل غصبا .. والمقصد هو الشيطان الذي وسوس لهما بذلك .
- قوله (أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ): يقصد به ما ستأكله الجارية والأعرابي لأنهما لم يسميا الله .. وليس المقصد أنهما أفسد بركة البسملة على الآخرين .. ولكن لسوء فعلها ووسوسة الشيطان لهما بافتراس الطعام دون مراعاة حق الآخرين لأنهما لم يسميا الله ويتأدبا بآداب أكل الجماعة .
 
#- وعلى الحديث السابق يظهر فيه سؤال على معنى (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ):
- لو افترضنا ان معنى قوله (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) .. فسنفهم أن كل طعام لم يذكر اسم الله عليه فالشيطان يأكل منه فعلا .. وهذا لا يصح عقلا .. لأنه بهذا المنطق في عموم الناس لم نجد من يأكل ويشكو أن طعامه قد نقص فجأة .. ولم نجد ذلك في المجتمع المسلم ولا حتى غير المسلم ..!!
- وهذا حينئذ يكون فيه اتهام صريح من جماعة الملحدين بأن النبي قال قولا مخالف للواقع فكيف يكون نبيا ؟!!
 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- أولا: ما المقصد من الطعام في الحديث الذي يأكله الشيطان ..
- من المهم توضيح جزئية بسيطة وهو أن المقصود بالأكل الذي يحاول الشيطان الأكل منه .. هو الذي يبدأ الإنسان في تناوله .. وليس الذي يباع ويشترى .. فالحديث يتحدث عن حضور الشيطان وقت بداية أكل الطعام .. ولا قدرة له على خلاف ذلك .. لأنه لا إذن له في غير ذلك .. ولا تسليط له في غير ذلك ..
 
- ثانيا: أما عن مفهوم استحلال الشيطان للطعام وكيفية أكله للطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه .. فللعلماء في ذلك آراء:
#- الرأي الأول من آراء العلماء ..
- وهو ما أميل إليه .. أن مفهوم الإستحلال هو تمكين الشيطان من وسوسته للآكل بمنع التسمية عند الأكل .. حتى تمتنع البركة من الطعام ويمتنع بركة اسم الله على هذا الطعام الذي سيهضمه جسمك فلا تشبع .. أو لتأخذ نصيبا أكبر من نصيبك في حال الصحبة الجماعية على الأكل .. وفي الإجمال فإن معنى استحلال الطعام هو الوسوسة بفعل فعلا فيه مخالفة لآداب الطعام الواجبة .. وما كان لمجلس أن يحضر الشيطان فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
 
#- وممن قال بذلك الرأي من العلماء:
1- قال الإمام شهاب الدين التُّورِبِشْتِي (المتوفى: 661 هـ) عن مفهوم (يستحل الطعام):  
- المعنى: أنه يجد سبيلا إلى تطيير بركة الطعام بترك التسمية عليه في أول ما يتناوله المتناولون، وذلك حظه من ذلك الطعام. (الميسر في شرح مصابيح السنة ج3 ص952).

#- وكذلك قال الإمام التوربيشتي في شرح حديث (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قالَ الشَّيْطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ):  

- فيه تنبيه على أن الشيطان لا يستطيع أن يأوي إلى بيت ذكر صاحبه اسم الله عند دخوله .. ولا ينتفع من طعام ذكر اسم الله عليه .. وذلك أن انتهازه الفرصة من الإنسان دون الغفلة ونسيان الذكر .. يقع منه موقع الغذاء من الإنسان لتلذذه بذلك وتقويه .. ويحتمل أن يكون إصابته من الطعام التقوى برائحته .. والذكر هو المانع له عن حضور الطعام. (الميسر في شرح مصابيح السنة ج3 ص951).

 

2- ما قاله الإمام البيضاوي (المتوفى: 685هـ) عن مفهوم (يستحل الطعام):
- مجاز عن إذهاب البركة وصرفه فيما لا يرضاه الله .. أي: لا يكون ممنوعا عن التصرف فيه إلا أن يذكر اسم الله عليه. (تحفه الأبرار في شرح مصابيح السنة ج3 ص104)..
 
3- وقال الدكتور موسى شاهين رحمه الله (المتوفى: 1430 هـ):
- المعنى: إن الشيطان يصير متمكناً من الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وأكثر العلماء على أن المراد من الشيطان شيطان الجن، وأن المراد من تمكنه من الطعام تناوله وأكله، وقال بعضهم: تمكنه من الطعام تحسينه في نظر الآكلين، وغرس الشره فيهم، ورفع البركة منه، وهذا ما أميل إليه. (فتح المنعم بشرح مسلم ج8 ص198).
 
#- الرأي الثاني: وهو من ذكر الآراء في مسألة أكل الشيطان وكيفيتها .. دون ترجيح لرأي معين ..
- وممن قال بذلك من العلماء:
1- قال الإمام القاضي عياض (المتوفى: 544هـ):
- وقوله: (إن الشيطان كان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله عليه) .. يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنه يصيب منه إذا لم يسم عليه .. ويحتمل أن يكون استحلاله له استحسانه له لرفع البركة منه إذا لم يسمّ عليه الله . (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج6 ص483-484).
 
#- ثم قال القاضي عياض رحمه الله عن كيفية أكل الشيطان:
- وقد اختلف في معنى ما جاء في الآثار من أكل الشيطان وشربه .. فجعله الأكثر من أصحاب الحديث والفقهاء وغيرهم على الحقيقة؛ إذ قد جاء بذلك آثار كثيرة متظاهرة .. وليس ثم ما يحيله ويمنعه .. ولا للأقيسة والعقول فيها مجال .. وهم وإن كان ليس منهم أجسام لطيفة روحانية، فلا يبعد أن يكون لهم ببعض الأغذية إلمام من لطيف رطوبتها أو روايحها .. فقد جاء في الحديث: (من بات وفى يده غمر فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه) أخرجه الترمذي ..، فقد قيل: وقد يكون له طعام يختص به من الأنجاس والأقذار .. ويشارك الناس فيما نبهت الآثار عليه من الروائح والطعام والأرواث، وما لم يذكر اسم الله عليه وبات غير مغطى، وما أكل بالشمال، ونحوه ..
- وقيل: بل هذا كله على الاستعارة والمجاز .. وأن معنى ذلك أنه من أمر الشيطان وموافقته وإغوائه؛ ليبعد فاعله عن امتثال السنة، ومخالفة أمر النبي - عليه السلام - ونهيه، وليضر المسلمين من ذلك بما عليه من رفع بركة طعامهم بترك التسمية عليه، والمخالفة للسنة.
- وقد قيل: إن أكلهم شمُّ واسترواح .. إذ المضغ والبلع لذوات الأجسام والأمعاء وآلات الأكل .. وقد جاء في الآثار: أن منهم ذوات أجسام وجنان، ومنهم جنان البيوت، ومثل هذا يتهيأ منه الأكل والشرب المعلوم، وإن كانت تلك جميع خليقتهم الأصلية، أو في الوقت الذى يصورهم الله فيها بتلك الصورة - والله أعلم. (إكمال المعلم بشرح فوائد مسلم ج6 ص484).
 
2- وقال الإمام أبو العباس القرطبي (المتوفى: 656 هـ) في قوله (يستحل الطعام):
- ففيه ما يدلّ على مشروعية التسمية عند الطعام والشراب، وعلى بركتها، وعلى أن للشيطان يدًا .. وأنه يصيب من الطعام إذا لم يذكر الله تعالى عليه.
- وهل هذه الإصابة أكل .. كما قد نصَّ عليه حيث قال: (فإنَّ الشَّيْطانَ يَأْكُلُ بشِمالِهِ، ويَشْرَبُ بشِمالِهِ) صحيح مسلم .. وهو الظاهر ..، أو يكون شَمًّا للطعام يحصل له به من التغذي كنحو ما يحصل لنا به من الأكل ..؟!!
- قد قيل كل ذلك، وهو محتمل، والقدرة صالحة ..
- واستحلال الشيطان الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه .. إنما هو عبارة عن تناوله منه على نحو ما ذكرناه ..
- وقيل: هو استحسانه رفع البركة من ذلك الطعام. (المفهم في شرح صحيح مسلم ج5 ص294-295).
 
#- الرأي الثالث: ممن ذكر أن الشيطان يأكل فعلا من طعام الإنسان دون بيان كيفية ذلك:
- فمن قال بذلك من العلماء:
1- الإمام بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ):
- قال في تفسيره لأكل الشيطان بشماله رأيان أو معنيان .. ولكني أذكر لك هنا ما قاله بخصوص أكل الشيطان ومشاركته لطعام الإنسان كيف تكون ؟
- قال رحمه الله في الرأي الأول: أن يكون يأكل على حقيقة ويكون ذلك الأكل تشمما واسترواحا، لا مضغا وبلعا، فقد روي ذلك في بعض الحديث وروي أن طعامها الرمة، وهي: العظام، وشرابها الْجَدَفُ وهو الرغوة والزبد ، وليس ينال من ذلك إلا الروائح فتقوم لها مقام المضغ والبلع، لذوي الجثث، ويكون استرواحه من جهة شماله، وتكون بذلك مشاركته من لم يسم الله على طعامه، أو لم يغسل يده، أو وضع طعاما مكشوفا فتذهب بركة الطعام وخيره..، وأما مشاركته في الأموال فبالإنفاق في الحرام، وفي الأولاد فبالزنا. (تأويل مختلف الحديث ص459).
 
- وهنا نلاحظ أن بن قتيبة أثبت أن الشيطان يأكل حقيقة .. وكان عليه أن يثبت كيفية ذلك فذكر أن ذلك من خلال شم روائح الطعام .. وحينما نفى المضغ والبلع فإنما ذلك لأنه ذكر ما يتناسب مع عالم الأرواح وهو الشم .. أما المضغ والبلغ فمن صفات الأجساد ..
 
2- قال الإمام النووي (المتوفى: 676هـ):
- معنى يستحل: يتمكن من أكله .. ومعناه أنه يتمكن من أكل الطعام إذا شرع فيه إنسان بغير ذكر الله تعالى وأما إذا لم يشرع فيه أحد فلا يتمكن وإن كان جماعة فذكر اسم الله بعضهم دون بعض لم يتمكن منه .. ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها وأن الشيطان يأكل حقيقة .. إذ العقل لا يحيله والشرع لم ينكره بل أثبته .. فوجب قبوله واعتقاده .. والله أعلم. (شرح النووي على مسلم ج13 ص188-189).
 
- وإلى رأي الإمام النووي وبعض من سبقه قد مال إليه من بعده الإمام بن حجر العسقلاني وغيره .. وهذا هو الرأي الأول الذي ذكره القاضي عياض وذكرناه من قبل ..
 
- ولكن انتبه: فأصحاب هذا الرأي أثبتوا أن الشيطان يأكل حقيقة لاحتياجه لذلك .. وهذا غير مستبعد عقلا ولا شرعا .. ولكنهم لم يتكلموا عن كيفية أكل الشيطان مع الإنسان إلا من خلال رأي محتمل وهو شم الروائح ..
- ولأوضح لك ما سبق .. فيمكنك من خلال كلام القاضي عياض رحمه الله الذي ذكرت كلامه في السؤال السابق إذ قال: (وقد اختلف في معنى ما جاء في الآثار من أكل الشيطان وشربه .. فجعله الأكثر من أصحاب الحديث والفقهاء وغيرهم على الحقيقة .. إذ قد جاء بذلك آثار كثيرة متظاهرة .. وليس ثم ما يحيله ويمنعه .. ولا للأقيسة والعقول فيها مجال .. وهم وإن كان ليس منهم أجسام لطيفة روحانية، فلا يبعد أن يكون لهم ببعض الأغذية إلمام من لطيف رطوبتها أو روايحها) .. إلى آخر كلامه..
 
- فلو انتبهت ستجد أن كلام القاضي عياض عن العقول والقياس .. هو كلام متعلق بمسألة كون الشيطان يأكل ويشرب .. وليس لكونه كائن روحاني فممتنع عليه الأكل والشرب لأننا لا نعرف طبيعته خاصة وأن في كلام الله ورسوله ما يشير إلى أن للشيطان ذرية وأنهم يأكلون كجماعة الجن الذين زاروا النبي وأسلموا وسألوه الزاد فكان العظم لهم ولدوابهم الروث .. فليس بمستغرب عقلا ولا شرعا أن يقال أن الجن يأكل .. ولكن كيفية استمداد الشيطان من طعام الإنسان الذي يأكله .. فهو عند أصحاب هذا الرأي من خلال ما يظهر عنها من روائح الطعام حين طبخها أو شم ما يكون لازال رطبا وله أثار على اليد أو أطباق الطعام .. وهو ما يقصده القاضي عياض من لفظ "رطوبتها" .. والله أعلم .
 
#- أحببت أن أوضح لك هذه الجزئية السابقة الخاصة برأي الإمام النووي ومن شاركه حتى تفهم أن هنا مسألتين:
1- المسألة الأولى: هل الشيطان يأكل حقيقة أم بصورة مجازية وهي اصابة الإنسان بغفلة ونسيان عن ذكر الله وقت الطعام.
 
2- المسألة الثانية: إن كان يأكل حقيقة فكيف يكون أكل الشيطان حينئذ وهو عالم أرواح فضلا عن كيفية فهم ذلك مع بقاء أطعمتنا كما هي ؟!! (وقد ناقشت شيئا من هذه المسائل في رسالة ليلة الجن في الفصل الحادي عشر – فارجع إليها) .
 
- وبهذا أكون قد ذكرت لك أخي الحبيب مجمل كلام أهل العلم في مفهومهم عن لفظ الحديث (يستحل طعامه) ومفهومهم لأكل الشيطان ..
 
#- ولكن سبب كل التفصيل السابق هو لسببين:
- الأول: هو لأن هذا الرأي وهو رأي النووي والقاضي عياض وغيرهم .. هو ما يتم ذكره على الإنترنت مع حجب الآراء الأخرى عمدا .. وذلك انتصارا لعقيدة تريد تسويقها بعض الطوائف الدينية .. وهذا ما اعتبره خيانة للأمانة العلمية ..
 
- بل ان ستجد شيء مؤلم نفسيا جدا حينما تجد بعض أصحاب هذا الرأي الأخير وهو ممن يأخذون بما مال إليه النووي وغيره .. أن بعضهم لم يتكلم في كيفية أكل الشيطان وكأنه لغز مبهم بل ويثبت أن يأكل فعلا مع الإنسان مع أن الحديث لم يقل بذلك أصلا ..
 
- وما قاله الإمام النووي عن اكل الشيطان عند كلامه على هذا الحديث وما يشابهه .. بقوله (فوجب قبوله واعتقاده).. إما أن يكون مقصده أن الشيطان يأكل في عالمه أو له طبيعة أنه يأكل .. فهذا يكون مقبول ولا يخالف عقل ولا شرع (واعتقد هذا ما يقصد النووي رحمه الله) .. ولكن إن كان مقصد الإمام النووي (ولا اظن أنه يقصد ذلك رحمه الله) .. هو أن كل حديث للنبي أتى فيه لفظ يوحي بأكل الشيطان مع الإنسان فيظن منه أنه يأكل فعلا .. فهذا فرض للرأي فيه استعلاء على المؤمنين برأيه هو الخاص وأن يجعل عقيدة واجبه على المؤمنين أن يعتقدوها لأنه هو وبعض العلماء اعتقدوها .. فما هذا إلا ابتداع في العقيدة والذي لم يفرضه الله ورسوله ..!! فجملة الإمام النووي (فوجب قبوله واعتقاده).. هو كلام باطل بكل ما تحمله الكلمة من معاني كلمة باطل .. فهذا الوجوب لا قيمة له إلا في معتقده هو الخاص ومن قالوا به .. بل ولا يقال في هذا الحديث .. لأن هذا كلام وهم وخرافي أن يفرض معتقد بالإكراه على المؤمنين ليعتقدوه في حين أن الامة مختلفة على فهمه ..!! فانتبه يا مؤمن لكيفية فرض المعتقدات على المؤمنين قهرا وإلزاما ..!!
 
- وهذا الفرض للرأي في حد ذاته كلام غير مقبول ولا معقول لأنه مخالف للعقل والواقع وفيه اتهام للنبي بهذا الصمت منهم لكيفية حدوث ذلك الأكل .. لأنه حسب تفسيرهم الغير معقول أصلا .. لابد أن يكون له أثر ظاهر في الواقع بأن الشيطان يأكل فعلا ولكننا لا نجد ذلك يحدث ..!! وكان عليهم بيان ذلك ولكنهم ارتضوا أن يجعلوها لغز مبهم وهذا فيه استخفاف بعقول المؤمنين وقلوبهم ويزيدهم اضطرابا بسبب ما تداوله الملحدين من شبهات حول هذا الحديث ..!!
 
- الثاني: هناك من يقوم بنشر الرأي الذي أشار إليه النووي وغيره .. هو رابطة محبي تعظيم قدرات الشيطان وكيده في نفوس المؤمنين .. بأن الشيطان له سلطان وقدرة على سلب ماديات الحياة منك والتي أبسطها ان يأكل طعامك ..!!
- بل والغريب قد وجدت فتوى لبعض الطوائف ذات التوجهات الدينية الخاصة .. وقد أتى في فتواها ما معناه: أن الشيطان يأكل من طعامنا فعلا كما نأكل أي يأكل ماديات الطعام .. ثم يختبيء وراء جملة (هذه مسألة غيبية ولا مجال للعقل فيها) ..!! فهذا شخص إما أنه لا يفهم ما يقول وإما أنه يستخف بعقل المسلمين .. وأعتقد أنه لا يفهم ما يقول بل ولا يعقله إذ لو كان عقله ما كان نطق بمثل هذا الكلام ..!!
 
- ولذلك كان يجب توضيح مسألة أكل الشيطان للطعام .. وتبسيطها للمؤمنين العقلاء .. حتى لا يتوهموا ما لا وجود له .. بل ولا يسبب لهم حدوث اضطراب نفسي بين ما هو شرع وما هو أمر واقعي ..
 
- وعموما سأوضح لك أخي الحبيب في السؤال التالي .. حقيقة فساد وبطلان من يقول بأن الشيطان يأكل معنا طعامنا المادي .. مهما كانت رتبته الدينية ومقامه وإن كنت لا أظن بأن أحد من العلماء يقول بأن الشيطان يأكل بمعنى أكل طعامنا الذي نأكله .. وإنما أثبتوا له صفة أنه يأكل ..!!
 
#- ثالثا: تنبيهات على حديث الجارية والأعرابي والشيطان:
1- والمنتبه للحديث سيجد أن الرواية تقول أن النبي أمسك يد الجارية والأعرابي والشيطان .. وهذا معناه أن الشيطان أتي مع الجارية ثم أتى مع الأعرابي .. ولم يكن ساكن في بطونهما منتظرا الأكل الذي يأكلوه ليأكل معهما .. كما قال بعض المخرفين من أهل البدع ومحبي تعظيم قدرات الشيطان وكيده ..
 
2- نجد في قوله (جَاءَ بِهذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا): دلالة على أن الشيطان لا قدرة له على استباحة ما يتعلق بالإنسان إلا بواسطة الإنسان ..
 
#- خلاصة البحث السابق:
1- المقصود بالأكل الذي يحاول الشيطان الأكل منه .. هو الذي يبدأ الإنسان في تناوله وليس الذي يباع ويشترى .. وقد اختلف العلماء في مسألة أكل الشيطان مع الإنسان .. فمنهم من قال يأكل من خلال شم الروائح فيجد في البخور طعاما له .. ومنهم من يقول بأن الأكل مجاز عن تمكنه من غفلة الإنسان عن ذكر الله فكان كأنه استلذ من وراء ذلك .. ومنهم من قال بأن الشيطان يأكل مع الإنسان وترك المسألة وكأنها لغز مبهم بل وعليك أن تعتقده وتؤمن به فرضا ووجوبا .. وهذه الفرضية كما قلت هو فرض باطل ..!!
 
2- لا مانع بأن يأكل الشيطان أو يشارك بكيفية لا نراها ولا نعلمها .. ولكن بكل تأكيد ليس بسرقة الطعام أو بأكله معنا من بين أيدينا لأن هذا لا يحدث ولا يصدقه العقلاء ولا المؤمنين .. إلا لو تجسد الشيطان في صورة مادية .. فهذا كلام آخر ..!!
 
3- عليك أن تعلم أخي الحبيب .. بأن الأحاديث التي جاءت بتسمية الله على الطعام والشراب ليست دائما لأن الشيطان يأكل أو يشرب معك .. بل هي حمد لله على نعمته وبركة على الطعام .. قال النبي صلى الله عليه وسلم لغلام جالسه على مائدة طعام: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ) صحيح البخاري.
 
#- ولذلك في حديث الجارية كان وجود الشيطان متحققا مع الجارية والأعرابي .. لأن الشيطان أراد أن يفسد مجلسا فيه النبي صلى الله عليه وسلم بنزع البركة منه من خلال إساءة الادب في اقتحام مجلس النبي .. والإستحواذ على أكبر قدر من أكل الطعام دون مراعاة جميع الحضور وحظهم من الطعام ..
- والله أعلم .
 

*************************

 

..:: س103: لماذا لا يصح الإعتقاد بأن الشيطان يأكل طعامنا معنا بحقيقة مادية إذا لم نسم الله عليه ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- سبق وأخبرتك أخي الحبيب أنني أميل لأحد آراء العلماء وهو الرأي الأول الذي قدمته في السؤال السابق وهو أن تحريض الشيطان على ترك تسمية الله عند الأكل فيها تلذذ للشيطان لوجود غفلة ونسيان قد نجح أن يسببها للإنسان وقت طعامه .. بل ولا مانع عقلا ولا شرعا في القول بأن الشيطان يأكل حقيقة ولكن طعامه شم الروائح  .. ولكن أن يقال على الشيطان أنه يأكل حقيقة من طعام الإنسان بحقيقة مادية كأنه يأكل لقيمات الإنسان التي يأكلها .. فهذا ما لا أشك فيه طرفة عين أنه كلام باطل .. ولا يصدقه عاقل ولا مؤمن ولا يمكن أن يكون مقصد ألفاظ الشرع وإلا كان الحديث متهما بالكذب من كل كذاب وكافر وملحد بل ومن كل عاقل من عقلاء المسلمين .. كما سأوضح لك ذلك .. !!
 
#- وإليك تحقيق الكلام على من يزعم أن الشيطان يأكل معنا من طعامنا المادي .. وأن هذا المعتقد من وجهة نظري ما هو إلا خرافة وباطل .
 
@- أولا: عدم معقولية أن يكون الشيطان يأكل معنا طعامنا بصورة مادية ..
- لأنه يجب السؤال حينئذ بما يغلب على الظن ونقول لماذا لا يستولى الشيطان على محاصيل الأرض .. ولماذا لم يأكل طعام الكفار وعبدة الأصنام والملحدين ؟!!
- أم هو شيطان متخصص الأكل مع المؤمنين المسلمين فقط ؟!!
- أكيد هذا كلام هرطقة أي كلام باطل لو قلنا بهذا التخريف بتخصيص شيطان للمسلمين ليأكلوا معهم ..
- مش كده ولا إيه ؟!!
 
@- ثانيا: وأصحاب الرأي القائل بأكل الطعام فعلا عليهم أن يجيبوا على الآتي:
1- إذا كان الجن المؤمن ممنوع من أكل ما يمتلكه الإنسان وإنما مما تبقى منه كالعظم لأنفسهم والروث لدوابهم .. فكيف نعقل أن يكون للشيطان كرامة تناول ما هو بمال حلال وطعام حلال وبالتالي في ذات هذا الحلال بركة كبيرة للمؤمن كافية لطرد أي شيطان خبيث ببركة الحلال ؟!!
- نريد إجابة من العقلاء على هذا السؤال ؟!! 
 
2- القائل بتأويل قوله (الشيطان يستحل الطعام) على أن المقصود منه هو أن الشيطان يأكل فعلا مع الإنسان .. مع العلم أن الأكل هذا هو أكل مادي ملموس .. ولفظ الأكل لا يكون توهما ولا خيالا ولا ظنا .. بل هو تحقيق واقع وملموس .. لأنه يأكل من طعام الإنسان .. فهذا معناه شيء واحد أن هذا الأكل لابد أن ينقص .. وإلا فكيف يكون قد أكل منه وكيف نعقل ذلك يا جماعة العقلاء إذا كانت المسألة تتعلق بأكل مادي ..؟!!
 
- ولو كانت المسألة تتعلق بأن الشيطان يأكل في عالمه .. فهذا لا علاقة لنا به ولا استعمال للعقل فيه لأنها مسألة غيبية .. ولكن وصف الحديث يتعلق بفعل من كيان روحاني غير مرئي مع إنسان وطعام مادي .. !!
- فعلى جماعة العقلاء تفسير ذلك .. وإلا فإنهم يتهمون رسول الله أنه كذب على المؤمنين بسبب تفسيرهم الباطل ؟!!
 
3- أما بعض العلماء الذي يختبيء وراء جملة (هذه مسألة غيبية ولا مجال للعقل فيها) .. وذلك لينتصر لرأيه أو ليجعله مقبول غصبا عنك .. فهذا كلام من العيب أن يقول به عالم ولا عاقل .. وإلا قلنا أنه يتهم جماعة المؤمنين بالغباء ويستخف بعقولهم .. وطبعا لا نظن ذلك في عالم وإنما هي سقطة منه .. لأنه إذا كانت المسألة الغيبية هي الشيطان .. ولكن هناك مسألة مادية واقعية وملموسة ومثبته وهي الأكل من طعام الإنسان المرئي والظاهر والملموس والذي قيل فيه أن الشيطان ينقص منه بأكله .. فأين الدليل على أكل الشيطان حينئذ وإلا كان النبي متهما في كلامه .. ؟!!
 
- ودعني اتكلم صراحة لك أخي الحبيب .. أن هذا العالم لو لم يكن هذا العالم يعلم أن ما يقوله مخالف للعقل تماما .. ما كان استباح كتابة مثل هذه الجملة (هذه مسألة غيبية ولا مجال للعقل فيها) .. والتي أظن فيها أنه أراد من ورائها أن ينتصر بها لرأيه .. ومريدا بها لجم المؤمنين عن التفكير في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإلا ما كان قال بها .. والله أعلم .!!
 
4- والذي يظن أن الشيطان كان سيأكل من الطعام فعلا وكأنه يمسك ملعقة يأكل مع الحاضرين .. فيقال له: وكيف يأكل ما لا قدرة له على الوصول إليه وهو في عالمه ؟
- وطالما تزعم أنه يأكل من مادية الطعام .. فاثبت ذلك وإلا فأنت تكون متهما بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم .. أو أردت أن تنسب له الكذب .. وطالما لا نظن فيك هذا ولا ذاك .. فهذا التفسير بأن الشيطان يأكل من الطعام المادي هو كلام باطل ومنحرف عن الحق ..!!
 
5- ثم يقال لأصحاب هذا الرأي المنحرف الغريب: لو كان للشيطان مشاركة فعلا في أكل طعام الإنسان المادي الذي يأكله فيلمسه معه ويأكله معه .. لكان الطعام هذا قد تنجس لأن الشيطان نجس لذاته .. وبالتالي لو على معتقد أن الشيطان يأكل طعاما ماديا من طعام الإنسان .. فهذا معناه أن كل من لم يسم الله فهو يأكل طعاما نجسا لأن الشيطان يأكل معه ..!! وهذا كلام أظن لا يقول به عاقل ولا مؤمن ..!!

- ثم يقال لأصحاب هذا الرأي المنحرف عن الحق .. إذا كان هذا ظنكم بربكم أنه يسلط الشيطان على من اتقى الله في كسبه ماله فيجعل الشيطان يعتدي على الطعام المشترى بمال حلال ومطبوخا بمال هو حلال .. ثم يأذن الله للشيطان بتنجيس هذا الطعام للإنسان بالأكل معه .. فهذا حينئذ اتهام لله بأنه بالباطل بأنه معينا للشيطان على المؤمنين وهذا حينئذ يكون كلام كذب على الله .. لأن الله يعين الشيطان على المؤمنين بل الله يدافع عن المؤمنين ويدفع عنهم كل شيطان .. قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) الإسراء:65 .. فهل المؤمن الذي نسي تسمية الله على الطعام من الغاوين حتى تجعلوا الشيطان ينتهك حرماته ويسلبه نعمة الله .. وكأنكم رفعتم ولاية الله عن المؤمن وأثبتم ولاية الشيطان على المؤمن فساويتم بينه وبين الكافر .. فكيف ذلك والله يقول: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) البقرة: 257 .. فكيف يتم مساواة المؤمنين بالكافرين ..؟!!
 
6- كيف تجرأتم فساويتم بين من يكسب حلالا ومن يكسب حراما .. فيكون في ذلك كذبا على كلام الله إذ يقول تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) المائدة:100..
 
- وكيف يتسلط الشيطان على الحلال الطيب فيسلبه من الصالحين أعمالهم ؟!! فإذا كان هذا حال الصالحين الذين اتقوا ربهم في كسبهم للمال الحلال .. فما هو حال المفسدين الذين يسرقون أموال الناس ويأكلون بالباطل حينئذ ؟!!
 
- بل وكيف جعلتم للشيطان طعاما من الحلال الطيب وهو لا يأكل إلا من كل حرام خبيث ؟!!
 
- ولنترك النبي صلى الله عليه وسلم يجيب على ما سبق بأن الخير كل الخير فيمن يأكل حلال من عمل يده .. وهذا الخير لا سبيل للشيطان فيه إلا بقدر وسوسته في نعمة الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ) صحيح البخاري ..  
 
7- إذا كان الشيطان يأكل فعلا طعامنا المادي فهذا يكون له واقع مدرك للعقل وللحس طالما قال النبي ذلك .. كما قال أن الشيطان يوسوس في الصدور ويظهر أثر ذلك في الصدور فعلا .. ولكن لما لم يظهر أثر لأكل الشيطان لطعام الإنسان في الواقع .. فنحن بين احتمالات:
أ- إما أن هذا الحديث كذب على النبي .. وهذا مستبعد لصحة سند الحديث وصحة تأويلات أخرى للحديث تتفق مع نصوص القرآن ..
ب- وإما أن هذا التفسير المقصد منه .. هو تعمد إظهار النبي أنه يكذب على المؤمنين لأنه لا شاهد عليه في الواقع .. وهذا احتمال مستعبد أن يقول به مؤمن ولكنه غير مستبعد أن يقول به ملحد ليتشكك في النبي صلى الله عليه وسلم ..
ج- وإما أن هذا التفسير القائل بأكل الشيطان فعلا من الطعام المادي .. هو تفسير باطل وفاسد وهذا هو اليقين والمؤكد ..
 
8- لو كان الشيطان يأكل من طعامنا المادي فعلا إذا لم نسم الله .. فلماذا لم يأكلوا أطعمة الكفار والملحدين والضالين والمغضوب عليهم من باب أولى ؟!!
 
9- ومن أعجب من يستبيحون القول بأن الشيطان يستولى على طعام المؤمنين إذا لم يسموا الله فيأكلوا من طعامهم .. فنقول لهم: أليس من المعلوم أن التسمية قبل دخول المنزل تمنع دخول الشيطان كما جاء في الحديث الصحيح بل ويقول الشيطان لأعوانه (لا مبيت لكم اليوم) ..؟!
- بلى هو كذلك ..
 
- إذن بالتبعية لمنع الشيطان هو وأعوانه من دخول البيت .. فمن باب أولى يتم منع الشيطان من العشاء في المنزل لأنه أصبح خارج المنزل .. فكيف يقال حينئذ انه لو تركت التسمية عند العشاء فالشيطان يأكل معي من طعامي المادي وكأنه مشارك لي في نعمة الله التي أحلها لي بمال حلال طيب ..؟!!
 
- فلو قيل أن الشيطان يأكل معنا فعلا من طعامنا عند الغفلة عن التسمية .. بالرغم من التسمية عند دخول المنزل .. فهذا حينئذ يفتح مجال للملحدين لتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال أن الشيطان قد امتنع عن دخول البيت وقت التسمية .. ولكنه عليه الصلاة والسلام لا يكذب وحاشاه .. وإنما من قالوا بهذا التفسير الباطل هم الذين أفسدوا على المؤمنين فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. وتسببوا في تسليط الملحدين .. وحسبهم ما قالوا ..
 
- وإن قيل أن الشيطان لا يمتنع عن الوسوسة بالإفساد في نعمة الله في أي وقت وأي مكان .. قلنا هذا هو الصواب الذي نقوله وهو في صريح القرآن دائما وفي عموم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .. وإلا فليجيبوا أصحاب الرأي القائل بأكل الشيطان فعلا وتحقيقا من طعام الإنسان المادي .. على ما سبق بيانه ..!!
 
- ولكن قد يقال أن النبي قد أشار للتسمية عند الطعام .. لعل يكون من دخل البيت قد نسي أن يسم الله .. فيسم الله عند طعامه ..
- قلت: هذا صحيح ومحتمل ..، ولكن يظل نفس السؤال: وهو أنه لا يعقل أن يسمي المؤمن عند دخوله البيت وتأتي لتقول لي أن الشيطان أتى ليجلي بجانبي وقت الطعام ليأكل معي ؟!!
- فمن الذي تم منعه عند دخولي البيت حينئذ ؟!!
 
- وطبعا لا يقال هذا شيطان خارج البيت وذاك داخل البيت .. فهذا كلام سخيف يقول به من عقله خفيف .. فضلا عن مخالفته للحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا الحكم في الشيطان وأعوانه الذين معه بدلالة (قال الشيطان لا مبيت لكم) فلفظ (لكم) يدل على أعوانه .. يعني الشيطان بأعوانه تم حجبهم .. من عند مدخل الباب عند التسمية .. فكيف دخل ليأكل في المنزل حينئذ ؟!!
 
10- والذي يدل على أن المقصد من كلام النبي هو أن الشيطان يقوم بتحريض الإنسان على فعل ما لا يليق في الطعام أو عند تناوله .. هو ما جاء عن فعل النبي في إمساك يد الشيطان ومع الجارية والأعرابي .. لأنه علم أنهما أتيا رغبة في الأكل دون اعتبار للحاضرين .. وهذا من وسوسة الشيطان لهم بالحضور لهذا المكان الذ به طعام ولم يكونا من ضيوف المكان بل اقتحما المكان ودخلاه ليأكلا مع النبي وصحابته غصبا .. وهذا لا يكون إلا من فعل وسوسة الشيطان لانتهاك حرمة الادب مع النبي فضلا عن انتهاك حرمة الأدب في الأكل بما يسمح للآخرين أن يأكلوا معهم ..
 
- فيتبين مما سبق أن تحريض الشيطان لبعض الناس بالطفاسة في الأكل والنهم والشره منفردا مع ترك اسم الله .. أو اثناء مجالسة جماعة على طعام فيغلب البعض حالة من النهم والافتراس في أكل الطعام دون مراعاة لحقوق الآخرين معه .. وكل ذلك من استحلال الشيطان للطعام .. وكأن هذا في ذاته كفاية للشيطان وكأنه أكل من هذا الطعام .. حينما أفسد ذكر الله على هذا الشخص وأفسد على الجماعة بركة الشبع لملازمة الشيطان الذي وسوس في أذن البعض ليأكل أقصى ما يريد دون مراعاة لبقية الناس ..
- والله أعلم .
 
#- وهذا ختام ردي على الرأي المستبيح للشيطان الأكل من طعام الناس الذي اكتسبوه من مال حلال ويأكلون حلال .. ثم يزعمون أن الشيطان يشاركهم بأكله وكأنه يمسك معلقة يأكل معهم ليسلبهم ما رزقهم الله ..!!
 
- وهذا الرأي كلام باطل ولا يعقل ولا يصح .. بل وأظنه خرافة .. !!
 
#- وخلاصة القول أخي الحبيب:
1- لا يظن أحد أني لا أقول بأن الشيطان لا يأكل حقيقة .. لا .. لم أقل بذلك .. ولا أعتقده .. وإنما قلت أن الشيطان من طبيعته أنه يأكل كمخلوق مثلنا يأكل وينكح وله ذرية .. بل وأكل من العظم حينما طلبوا من النبي الزاد في سفرهم .. ولكن الذي أقول به واعتقد أنه خرافة .. أن يظن أحد أن الشيطان يأكل من طعامنا المادي الذي نأكله نحن فيشاركنا بسلب بعض من نعمة الله التي اكتسبناها بمال حلال وهي مطعوم حلال .. فكيف يأكل الشيطان الخبيث من الحلال الطيب ؟!!
- هذا كان ملخص كل ما سبق .. مع ما ذكرته من تفاصيل في أدلتي .
- والله أعلم .       
 
2- ملحوظة هامة جدا أخي الحبيب ..
- هناك حديثين كان من المفترض أن أذكرهما في المناقشات السابقة لأنه يظهر أن الشيطان يتقيأ ما يأكله من الإنسان .. مما يدل على إمكانية أكله من طعام الإنسان .. ولكني تركت هذين الحديثين في فصل خاص بمعتقد تقيؤ واستفراغ الشيطان عند تسمية الله .. وكذلك لهما ارتباط بخرافة وجود القرين في بطن الإنسان عند بعض من لم يتقي الله في المؤمنين ويعظم قدرات الشيطان في نفوس المؤمنين ..
 
- الحديث الأول: (حديث ضعيف) .. عن أمية بن مخشي الخزاعي قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ جالسًا ورجلٌ يأْكلُ فلم يُسمِّ حتَّى لم يبقَ من طعامِهِ إلَّا لقمةٌ فلمَّا رفعَها إلى فيهِ قالَ بسمِ اللَّهِ أوَّلَهُ وآخرَهُ فضحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ثمَّ قالَ ما زالَ الشَّيطانُ يأْكلُ معَهُ فلمَّا ذَكرَ اسمَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ استقاءَ ما في بطنِه) رواه أبو داود.. وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود وضعيف الترغيب لوجود جهالة في (المثنى بن عبد الرحمن) وهو أحد رواة الحديث.
 
- الحديث الثاني: (حديث محتمل للصحة والضعف- وعن رأيي هو ضعيف) .. الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ حِينَ يَذْكُرُ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ طَعَامَهُ جَدِيدًا، وَيَمْنَعُ الْخَبِيثَ مَا كَانَ يُصِيبُ مِنْهُ) رواه الطبراني في الكبير وبن حبان في صحيحه .. قال محققو المسند: وإسناده صحيح إن صح سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه ..، وذكره الألباني في الصحيحة..!! (قلت خالد صاحب الرسالة): وحكم هذه الرواية عند الإمام بن حجر العسقلاني أنها ضعيفة لوجود تدليس فيها لأنها ليست من الروايات التي قيل فيها أن عبد الرحمن سمعها من أبيه ولم يصرح بالتحديث .. وسأذكر لك تحقيق قول بن حجر في الفصل القادم إن شاء الله تعالى ..   

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .