ج4: رسالة البيان لمفهوم بال الشيطان - ما هي صلاة الليل التي قال فيها النبي لمن نام عنها - ذاك رجل بال الشيطان في أذنه .

    بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

البيان لمفهوم بال الشيطان في أذن الإنسان

(ومعرفة صلاة الليل التي تركها يتسبب في تسلط الشيطان)

(الفصل الرابع)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع :: عن مفهوم صلاة الليل التي جاء ذكرها في حديث (بال الشيطان في أذنه) ::

1- س10: ما هي صلاة الليل التي قال فيها النبي لمن نام عنها (ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) ؟

************************

:: الفصل الرابع::

:: عن مفهوم صلاة الليل التي جاء ذكرها في حديث (بال الشيطان في أذنه)  ::

**********************

 ..:: س10: ما هي صلاة الليل التي قال فيها النبي لمن نام عنها (ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) ؟ ::..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- كما قلنا جاء في الحديث الصحيح .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) صحيح البخاري.

 

- ومن المسائل الخلافية الغريبة التي قد تجدها في بعض كتب أهل الفقه .. هي مسالة صلاة الليل التي أتى ذكرها في الحديث السابق .. وما المقصود منها تحديدا .. ؟!!

 

- فالبعض قال هي صلاة الفرض سواء كان المقصود منها صلاة العشاء أو صلاة الفجر أو كلاهما .. والبعض قال هي صلاة قيام الليل التي من السُّنَّة وليست صلاة الفرض .. والبعض قال المقصد هو يشمل كل أوقات الليل من صلاة الفرض من عشاء وفجر وكذلك يشمل صلاة النفل أي قيام الليل ..  

 

#- ولكن الرأي القائل أن المقصد بها صلاة قيام الليل .. هو رأي بعيد جدا .. لأنه يكون جعل مقام صلاة النافلة في مقام صلاة الفرض .. إذ جعل على تركها حدوث تسليط من الشيطان .. وهذا حكم باطل ولا يمكن أن يصح بأي حال من الأحوال .. بل أن هذا اعتبره غلو مذموم في الدين لأنه لم يقل به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على من ظن أن المقصد هو قيام الليل:

- هذا القول ممن يظن بأن الحديث يقصد به صلاة قيام الليل .. فهذ رأي فيه لا يصح ويغلب عليه أنه رأي باطل – لأسباب منها:

1- لأن فيه مخالفة لأصول الدين .. لأن الذي يترك نافلة الصلاة ليس محل ذم واتهام بالتقصير ويقال عنه بأنه بال الشيطان في أذنه .. وإنما الذي يكون محل ذم وتقصير هو من يترك الفروض الواجبة عليه مثل صلاة الفرض .. ودليل ذلك هو الآتي:

- جاء في (حديث صحيح) .. عن طلحة بن عبيد الله قال: (أنَّ أعْرَابِيًّا جَاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَقالَ: الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي ما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ شيئًا، فَقالَ: أخْبِرْنِي بما فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقالَ: فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرَائِعَ الإسْلَامِ، قالَ: والذي أكْرَمَكَ، لا أتَطَوَّعُ شيئًا، ولَا أنْقُصُ ممَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شيئًا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفْلَحَ إنْ صَدَقَ، أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ) صحيح البخاري.

 

- فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الإعرابي تركه للنوافل بالرغم من جهره بذلك أمام النبي  .. بل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من يؤتي بالفرائض كما طلب الله منه فقد فاز بالجنة ورضا الله .

 

2- (حديث صحيح) .. عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: (أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ (أي يكسر) رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ .. وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ) صحيح البخاري.

- فتأمل قول النبي (وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ).. وسنجد أن محل الإتهام والعقوبة والذي يشار إليه بالتقصير إنما هو من يترك الفرض وليس النافلة !! 

- فحديث (بال الشيطان في أذنيه) يقصد صلاة الفرض .. إذ لو كان يقصد به صلاة النافلة ما كان ذكره النبي في معرض الذم بأن بال عليه الشيطان .

3- وجاء في (حديث صحيح) .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) صحيح البخاري.

 

- فتأمل لفظ (مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ) .. فهذا معناه أنه لم يقيم صلاة الفرض.

 

- وفي (حديث حسن) .. بلفظ: (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الَّذِي يَنَامُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ .. قَالَ: "ذَاكَ الَّذِي بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ") رواه الطحاوي في مشكل الآثار .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث حسن ..

 

- وتأمل لفظ (من أول الليل إلى آخره) .. وهذا يشمل ما قبل صلاة العشاء لأن المغرب يبدأ بعد أول الليل .. وهذا معناه أنه أضاع العشاء وقد يكون أضاع الفجر أيضا .

 

- وفي (حديث حسن) .. بلفظ: (إِنَّ فُلَانًا نَامَ اللَّيْلَ حَتَّى أَصْبَحَ مَا صَلَّى ..، إلى آخر الرواية) رواه البيهقي في شعب الإيمان.. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث بسند جيد حسن ..

 

- ويظهر من لفظ الرواية (نام الليل حتى أصبح ما صلى ...) .. دلالة على أن المقصود بذلك صلاة الفرض .. وإلا ما فائدة سؤال النبي عمن نام كل الليل حتى أصبح ولم يصلي ..؟!!

 

- وفي رواية أخرى (بسند صحيح) .. بلفظ: (إِنَّ فُلَانًا نَامَ الْبَارِحَةَ عَنِ الصَّلَاةِ ..، إلى آخر الرواية) رواه أبو يعلى في مسنده .. وقال محققه الشيخ حسن أسد: إسناده صحيح .

- فتأمل لفظ (إِنَّ فُلَانًا نَامَ الْبَارِحَةَ عَنِ الصَّلَاةِ) .. فهذا معناه أنه لم يقيم صلاة الفرض.

 

4- (حديث صحيح) .. عن سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ») (قَالَ سُفْيَانُ "الثوري": «هَذَا عِنْدَنَا الَّذِي يَنَامُ عَنِ الْفَرِيضَةِ») رواه الطبراني في المعجم الأوسط.. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح ..

 

#- وسفيان الثوري من كبار التابعين (ولد في 97 هـ - وتوفى في 161 هـ ) .. وقال عنه الإمام الذهبي:  و شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري الكوفي المجتهد مصنف كتاب الجامع (راجع سير اعلام النبلاء ج6 ترجمة رقم1083).

 

5- كثير من علماء المسلمين على رأي قاله الإمام الطحاوي رحمه الله (المتوفى:328 هـ) وأذكره لك مختصرا بالمعنى وهو:

- أن المقصود بنوم الليل عن الصلاة في الحديث الذي بال الشيطان في أذنه .. هو النوم عن صلاة العشاء وهي النوم عن صلاة الفرض حتى خرج وقتها وأذن الفجر .. فيكون هذا الذي بال الشيطان في أذنه موسوسا له باستكمال النوم حتى لا ينهض لصلاة العشاء .. واستدل في ذلك الإمام الطحاوي بحديث: (كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : يكرَهُ النَّومَ قبلَ العِشاءِ) رواه الطحاوي في مشكل الأثار عن محمد بن خزيمة بإسناد صحيح ..، وكذلك رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .. (راجع تحقيق الطحاوي في مشكل الأثار عند الحديث 4023).

 

- ورأي الإمام الطحاوي هو ما عليه عامة علماء المسلمين .. في أن المقصود هو الفريضة وأن هذه الفريضة هي العشاء .. مثل الإمام بن عبد البر القرطبي رحمه الله .. في كتابة الاستذكار ج2 ص91...، ويخالف رأي الإمام الطحاوي من جادل بأن المقصد بها النوافل بالليل .. وهؤلاء رد عليهم الإمام بن حزم ردا جميلا في كتابه المحلى بالآثار ج2 ص1-10 .

 

6- قال الإمام بن حزم الاندلسي رحمه الله (المتوفى: 456هـ):

- أما الحديث: (إنَّ الشَّيْطَانَ يَعْقِدُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ وَفِي آخِرِهِ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) ..، وقوله عليه السلام "عند حديث": (إذ ذكر له رجل لم يزل نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة، فقال - عليه السلام -: (بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ)) - ، إنما هو على الفرض ونومه عنه. (المحلى بالآثار ج2 ص5-6).

 

#- ملحوظة هامة: أفرد الإمام بن حزم فصلا جليل القدر تحت عنوان (مسألة: الصلاة قسمان: فرض وتطوع) .. ورد على من ظن أن صلاة قيام الليل ترتقي لمقام الواجب ..!!

 

#- وقيام الليل مجرد نافلة .. ومن يجعلها فرض او واجب .. فقد حول السنة إلى فرض دون دليل وجعل من المندوب مفروض .. وهذا باطل .. والله أعلم .

 

7- ومن عجائب أصحاب هذا الرأي .. فيغلب عليهم تفسير بول الشيطان في الأذن بأن علة ذلك حتى لا يسمعه الشيطان الأذان .. !!

- وبالتالي هنا يقال لهم: لو كان المقصود هو صلاة قيام الليل فليس في قيام الليل أذان .. فالبول حينئذ لا يمنع سماع الأذان لأنه لا يوجد أذان أصلا ..؟ ثم أين هذا البول من أساسه ؟!!

- فما لكم كيف تحكمون يا سادة ؟!!

 

8- وتبقى أن أقول: أن الذي يقيم الليل لا يذكر فعله للناس ولا يخبرهم به هل فعله أم لم يفعله لأن هذا عمله مع الله الخاص .. وإنما الذي يتم الكلام عنه هو من يترك الفريضة بسبب النوم .. فتأمل وأبصر يا مؤمن .

 

#- خلاصة القول:

1- المقصد من صلاة الليل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما فات الإنسان تكاسلا من ترك قيام الليل حبا في النوم .. ولا يمكن أن يكون المقصد هو ترك صلاة قيام الليل .. وإلا كان ذلك مخالف لنصوص الشريعة.

 

2- كل ما جاء في فضيلة قيام الليل لا يرتقي ليكون تركه سببا في حدوث تسليط أو عقاب للمؤمن .. لأن هذا سيكون حينئذ مخالف لكلام النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق وذكرنا كلامه عن أن المأخذ والعقاب على من ترك الفرائض عمدا ولم يفعلها .. وليس من ترك السنن ..!!

- والله أعلم .

 

#- أخي الحبيب:

- بهذا نكون تكلمنا بصورة عامة على حديث (بال الشيطان في أذنه) .. ولكن يتبقى لنا مناقشة بعض المسائل التي من المهم أن تعرفها .. ثم نختم إن شاء الله بخلاصة البحث في هذه المسألة .

 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .