ج8: رسالة البيان لحديث بال الشيطان - هل يمكن أن نتصور أن ما بال به الشيطان هو حقيقي بصورة روحانية - ما علاقة حديث العقد الشيطانية بحديث بال الشيطان - هل ما بال به الشيطان يحدث مع كل الناس التي تنام عن الصلاة - هل ما بال به الشيطان يحدث مع غير المؤمنين أم مع المؤمنين فقط.

        بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

البيان لمفهوم بال الشيطان في أذن الإنسان

(ومعرفة صلاة الليل التي تركها يتسبب في تسلط الشيطان)

(الفصل الثامن)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: عن تصور البول الشيطاني بأنه بول روحاني – عن علاقة حديث العقد الشيطانية بحديث بول الشيطان - عن علاقة بول الشيطان مع المؤمنين وغير المؤمنين::

1- س25: هل يمكن أن نتصور أن ما بال به الشيطان هو حقيقي بصورة روحانية ؟

2- س26: ما علاقة حديث العقد الشيطانية بحديث بال الشيطان ؟  

3- س27: هل ما بال به الشيطان يحدث مع كل الناس التي تنام عن الصلاة ؟

4- س28: هل ما بال به الشيطان يحدث مع غير المؤمنين أم مع المؤمنين فقط ؟

************************

:: الفصل الثامن ::

:: عن تصور البول الشيطاني بأنه بول روحاني – عن علاقة حديث العقد الشيطانية بحديث بول الشيطان - عن علاقة بول الشيطان مع المؤمنين وغير المؤمنين ::

**********************

 ..:: س25: هل يمكن أن نتصور أن بول الشيطان هو حقيقي بصورة روحانية ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من جملة الأسئلة الغريبة التي تركتها لآخر الرسالة .. وهو سؤال غريب قد يخطر ببالك أخي الحبيب كما خطر ببالي .. فتسأل كما سألت في نفسي بالآتي:

- هل بول الشيطان هو روحاني أم مادي ؟!!
- إذ أنه لو بول الشيطان هو شيء روحاني غير مرئي وغير ملموس أو محسوس .. فيكون محتمل ان يكون حينئذ هذا البول الشيطاني يحدث فعلا .. مثله مثل العقد الشيطانية التي لا نراها ولكن لها أثر فينا نعلمه من خلال عدم ممانعة النفس للكسل ورضاها به .. ومثل وسوسته التي لا نسمعها بأذننا ولكن نجد أثرها في أنفسنا وكأنه يوجد من يكلمنا في أنفسنا ؟!!
 
#- تعال نناقش هذا السؤال وحينما أقول كلمة (أنت) فاعلم أنه كان المقصد بذلك هو مناقشة عقلي فيما طرأ عليه من تفكير – أي هو نقد لما تفكرت فيه:
#- أولا: هناك خلط في فهم الأفعال الشيطانية ببعضها البعض ومساواتها ببعضها البعض .. وهذا تفكير خاطيء .. ليه ؟
1- أنت ضربت أمثلة بأن دخول البول في نفوسنا كما يدخل بوسوسته وكما تحدث العقد الشيطانية .. وهذا كلام حقيقي يحدث طالما قال به النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه هذا المعتقد .. ولكن السؤال هنا: ما علاقة الوسوسة والتي هي مجرد كلام بالبول ؟!! فهل كلام الإنسان كبوله ؟!! ألا تلاحظ فرق بين ما اهتزاز صوتي هوائي (الأصوات) وما هو مادي ملموس (البول) ؟!!
 
2- أما عن العقد فهو أمر روحاني يرمز إلى وجود تأثير بوساوسه علينا في حالة رغبتنا القيام للصلاة .. فكان مرجعه للوسوسة أيضا .. بدلالة قول الشيطان في عزيمة عقده: (عليك ليلا طويل فارقد) .. فما علاقة هذا الفعل الشيطان بحال البول الشيطاني الذي نتكلم عنه ؟!!
 
3- وإذا كنت تتحدث عن أن المقارنة هي من حيث ظهور التأثير الشيطاني بصور غير ملموسة .. كالوسوسة والعقد "التي هي أيضا وسوسة" .. فهنا أقول لك: وأين ظهر أثر البول الروحاني الذي تزعم وجوده ؟!! إلا لو كان وسوسة أيضا ..!! ولو زعمت أنه بول حقيقي فهذا يستوجد منك إيجاد واقع له يظهر في النفس فعلا ؟!! وهيهات إثبات ذلك لأنه سيتطلب منك بعد ذلك دليل إثبات على أنه بول روحاني ؟!!
 
4- وإذا كان المشابهة في أفعال الشيطان هي مقياسك .. فلماذا كما يستطيع الوسوسة فينا في أي وقت .. لا يستطيع أن يبول فينا في أذننا في أي وقت ؟!! لأنه لا حقيقة لهذا البول أصلا .. بل هو معتقد باطل كما سبق وناقشنا هذا الكلام ..
 
#- ثانيا: لو كان البول الشيطان هو بول روحاني كما تظن .. فهذا مما لا يتصور حدوث تأثير له في الإنسان .. ليه ؟
 
1- لأن قولنا بوجود بول حقيقي .. لا يقال إلا على ما هو فيه بلل بماء فاسد .. وأنت تقول أنه بول روحاني .. فكيف نعقل ذلك ؟
- ولذلك العلماء لم يذكروا مثل هذا التصور وهو (البول الروحاني) ثم يقال عنه (حقيقي) .. إذ كيف حينئذ يتم فهم ذلك البول وهو لفظ إما مادي أو مجازي ولا يوجد شيء يوصف بكون بول روحاني في اللغة ولا في العقل ولا في الشرع ؟!!
- ولذلك ستجد كلام البعض في كتبهم يحاول أن يحكي حكايات بان بول الشيطان حقيقي وله أثر مادي ملموس ..!!
- ولا أدري كيف يكون ذلك .. إذا كان الشيطان لا يعيش معنا بصورة مادية حتى يكون له بول مادي ..!!
 
2- ملحوظة: لا أمانع أن يكون للشيطان بول يفعله في عالمه الخاص كما تكلمنا عن ذلك سابقا .. وقد يكون يحدثه الشيطان بصورة تتناسب مع طبيعته الروحانية .. فيكون مثلا في صورة هواء أو دخان أو حتى في صورة مائية .. وفي الحقيقة لا نعلم حقيقة صورته .. بل ولا نعلم هل هو يبول أصلا أم لا ؟!!
 
- ومهما كانت حقيقة طبيعة بول الشيطان إذا افترضنا أنه يبول فعلا .. فهو في كل الأحوال لا إدارك لنا فيه إلا محض ظنون .. لأنه لا مادية لنا فيه لندركه وإنما يكون فعل حقيقي من الشيطان من حيث عالمه هو .. وليس من حيث عالمنا نحن.. ولا يبول فينا ولا علينا ولا بيننا ولا حولينا ولا في منازلنا ولا غير ذلك .. وإنما في عالمه فهذا جائز إن كان يبول أصلا .. لأن لإثبات أنه يبول حقيقية يحتاج لدليل يقيني في إثبات أنه يبول أصلا بصورة حقيقية .. ولا دليل على ذلك .. وحديث النبي لا تخصيص فيه لمفهوم البول هل بالمعنى الحقيقي أم المجازي أي الوسوسة ..
 
#- ثالثا: هل أنت تخترع بول للشيطان على مزاجك ؟ ليه بقولك الكلام ده ؟
1- لأن عقلك قال أنه طالما الشيطان كائن روحاني فيكون كل أفعاله روحانية .. !! ولكن هذا تصور غير صحيح .. ليه ؟
- لأنه بنفس قياسك العقلي .. يقال حينئذ طالما البول روحاني فيكون أكل وشرب الشيطان هو روحاني أيضا .. وهذا باطل لأن الجن ثبت له أنه يأكل الطعام المادي .. كما بلغنا من الأحاديث أنهم يأكلون عظم الحيوانات الذي يكون ملقى في الصحراء وكذلك دوابهم تأكل الروث بل وكأن يسرق الطعام من بيوت بعض الصحابة .. فلماذا لا يكون بوله مادي مائي ؟!!
 
- وبتعبير أبسط أقول: طالما الشيطان هو كيان روحاني وحدوده هي الأمور الروحانية فقط .. فلماذا يأكل من بعض ماديات الحياة ويشرب من شربهم طالما هو روحاني ؟ بل لماذا لم تقل على أكلهم وشربهم أنه أكل روحاني وشرب روحاني أيضا ؟!!
 
#- رابعا: ظنك أنه بول حقيقي مهما كانت صورته مائية أو هوائية .. فهو معتقد باطل .. ليه ؟
- لأن البول مهما كان وصفه فهو سام سواء كان بول مائي أو هوائي فهو بكل تأكيد سيكون سام .. وإلا لماذا هو بول ويطرده الجسم كشيء نجس وقذر ويسبب تسمم في الجسم في حال دخوله على الدم ؟!!
 
- فالذي يقول بأن بول الشيطان حقيقي وهو بصورة هوائية وأنه يؤثر في دم الإنسان ويسبب له الكسل والخمول .. فهو بهذا يثبت لنفسه في زماننا هذا أنه جاهل بكل تأكيد .. لأنه بذلك يكون أثبت للشيطان القدرة على بث السم في جسم الإنسان .. بل وأنه السبب في كل أمراض الإنسان حينئذ ..!!
- وهذا كلام غير صحيح بكل تأكيد ..!! فانتبه يا مؤمن .
 
#- خامسا: لو كان البول روحاني كما يظن العقل ..
- فحينئذ يقال: طالما كل شيء روحاني فلماذا لا يكون مفهوم البول حينئذ بمعنى الوسوسة طالما هو شيء روحاني وهذا فعل الشيطان دائما .. وهناك تفسير يقول بان البول بمعنى الفساد .. والوسوسة وسيلة الشيطان في الإفساد ؟!!
- أما الظن بان بول الشيطان هو حقيقي بصورة نظن أنها روحانية فحينئذ يقال: ما وجه أن يترك الشيطان بول روحاني في أذن إنسان طالما الإنسان لا يعلم بوجوده ولا يشعر به ولا يدركه أصلا ولا يجد له أثرا ؟!! فتصبح المعلومة حينئذ مجرد وهم غير مطابق لأي واقع .. بخلاف القول أن البول هو وسوسة .. فهذا يجد له كل إنسان أثر في نفسه ..
 
#- خلاصة القول:
- لا أعتقد أن للشيطان بول حقيقي ولا أظن ما اخترعه العقل وتوهمه من أنه بول روحاني .. لأنه لا يوجد شيء اسمه بول روحاني .. وإنما هو وصف اخترعه عقلي من باب المناقشة العقلية إذ ربما يكون مسألة البول هذه هي حقيقية .. ولكن هيهات لعقلي أو لقلبي أن يقبل ذلك .. وإنما ما أرتضيه عقلا وقلبا أن فلان بال في أذنه الشيطان بمعنى أنه وسوس فيه بكلام ظهر أثره عليه بالنوم .. سواء قبل نومه مباشره في حالة تكاسله أو في حالة نومه فعلا .. وذلك فعل يفعله الشيطان مع الإنسان في محاولة منه ليمنعه عن القيام لأداء الصلاة .. سواء ليكسل فينام أو ليعود في النوم طلما أفاق .. فهذا هو المعنى المستقيم للعقل ويطمئن له القلب ..
 
- فيكون معنى (بال الشيطان في أذنه) أي أفسده الشيطان في أذنه بكلام كان له أثر في نفسه ترتب عليه عدم القيام للصلاة ..  
والله أعلم .
 

***********************

 

..:: س26: ما علاقة حديث العقد الشيطانية بحديث بال الشيطان ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- هناك رابطة يربطها بعض العلماء بين حديث العقد الشيطانية وحديث بال الشيطان في أذنه .. وهذا الربط حدث إما بسبب وجود روايات قيلت في ذلك أو لمجرد الظن بسبب حدوث الحالتين عند النوم .. فأراد البعض أن يجمع بينهما في الفهم .. وإليك تفصيل ذلك:
 
#- أولا: الروايات التي جمعت بين العقد الشيطانية وبول الشيطان .. أذكر لك منها:
1- (حديث ضعيف) .. عن النضر بن هشام، قال: ثنا بكر، قال: ثنا قرة بن خالد، قال: سمعت عطية، عن أبي سعيد، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا ضُرِبَ عَلَى صِمَاخِهِ (ممرات أو فتحات الأذن) بِجَرِير (أي بخيط) مُعَقَّدٍ (أي معقود) .. فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ وَتَوَضَّأَ حُلَّتْ عُقْدَةٌ .. وَإِنِ اسْتَيْقَظَ وَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ أُخْرَى .. وَإِنْ قَامَ فَصَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ كُلُّهَا .. فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَمْ يُصَلِّ .. أَصْبَحَتِ الْعُقَدُ كُلُّهُنَّ كَهَيْئَتِهَا .. وَبَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان ، ورواه الشجري في ترتيب الأمالي الخميسية .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف .. وراجع تحقيق الحديث في الفصل الأول.
 
2- (حديث ضعيف) .. عَنِ "عبد الله" ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ "طاوس بن كيسان"، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا نَامَ عُقِدَ عِنْدَ رَأْسِهِ ثَلَاثُ عُقَدٍ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللَّهَ حُلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ حُلَّتْ أُخْرَى، فَإِذَا صَلَّى حُلَّتِ الثَّالِثَةُ، فَيُصْبِحُ طَيِّبَ النَّفْسِ يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ زَادَ، قَالَ: وَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُوقَظُ مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيُوقَظُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَيَجِيءُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا فَارْقُدْ، فَإِنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ رَقَدَ، ثُمَّ يُوقَظُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ لَهُ الشَّيْطَانُ: إِنَّ عَلَيْكَ لَيْلًا فَارْقُدْ، فَإِنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ رَقَدَ، فَتُصْبِحُ عُقَدُهُ كَمَا هِيَ، وَيُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ - أَوْ قَالَ: ثَقِيلَ النَّفْسِ - نَادِمًا عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَبُولُ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ) رواه عبد الرزاق عن معمر بن راشد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف .. وراجع تحقيق الحديث في الفصل الأول.
 
3- (حديث ضعيف جدا) .. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جُمُعَةَ الْكَرْمَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا أَبُو مَرْيَمَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ حَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ حَلَّتْ عُقْدَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى حَلَّتِ الْعُقْدَةُ الثَّالِثَةُ، فَإِنْ نَامَ حَتَّى يُصْبِحَ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، فَيُصْبِحُ وَهُوَ يَشْتَكِي كَاهِلَهُ، يَقُولُ: بِئْسَ مَا وَسَدُّتُمُونَا الْلَّيْلَةَ) رواه الأصبهاني في تاريخ أصبهان.. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف جدا .. وراجع تحقيق الحديث في الفصل الأول.
 
4- (حديث ضعيف جدا) .. مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، نا عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ الْعُقَيْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ أَتَاهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ، قَدْ أَصْبَحْتَ فَصَلِّ، وَاذْكُرْ رَبِّكَ، فَيَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: عَلَيْكَ لَيْلٌ وَسَوْفَ تَقُومُ، فَنَمْ سَاعَةً، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى أَصْبَحَ نَشِيطًا، خَفِيفَ الْجِسْمِ، قَرِيرَ الْعَيْنِ، وَإِنْ هُوَ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ حَتَّى يُصْبِحَ .. بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ) رواه الطبراني في المعجم الأوسط .. (قلت خالد صاحب الرسالة): حديث ضعيف جدا .. وراجع تحقيق الحديث في الفصل الأول.
 
#- وكما ترى أخي الحبيب ..
- من الروايات السابقة من المحتمل جدا أن يكون البعض ربط بين مسألة العقد الشيطانية وبول الشيطان بسبب هذه الروايات .. ولكن هذه الروايات يغلب عليها حال الضعف ولم يصح منها شيئا حسب ما وجدت.. وبالتالي لا حجة فيها ..
 
- وإن كان هذه الروايات مع ما فيها من ضعف في سندها .. إلا أنه يوجد في متنها وجاهة عقلية مقنعة .. إذ أن الروايات تظهر أن بول الشيطان يأتي مرحلة لاحقة لمن تعمد تجاهل القيام للصلاة .. وكأن التبول من الشيطان أصبح حال مستحق للشيطان أن يفعله بالإنسان عقابا له .. وكذلك الرواية الأخيرة للطبراني تظهر أن حدوث بول الشيطان لا يحدث إلا بعد ظهور فرصة لهذا الإنسان للقيام من النوم من خلال الملك .. ولكن لما ترك هذه الفرصة كان مستحق بتسليط الشيطان عليه ليستهزأ به معلنا انتصاره عليه بفواته صلاة الفرض عليه ..
 
- ولذلك لا تتعجب لو وجدت البعض يشير لهذه الروايات .. وذلك ليس لأنها صحيحة وإنما لما فيها من وجاهة عقلية محتملة تظهر من خلال المتن .. ولكن هذه الوجاهة أيضا يرد عليها بأن بول الشيطان لا إهانة فيه للإنسان لأن الإنسان لا يدرك شيئا من هذا أصلا .. فكيف يشعر بالإهانة ..؟!! وقد سبق مناقشة ذلك .. 
 
- ثانيا: الحديث الصحيح في العقد الشيطانية ..
- نجد أنه ليس في الحديث الصحيح مسألة بول الشيطان .. وهذه أحد نصوص الحديث الصحيح في العقد الشيطانية حتى تعرف الفرق بينها وبين ما سبق من الروايات التي جمعت بين العقد الشيطانية وبين بول الشيطان .. ومن الأحاديث الصحيحة في العقد الشيطانية هو الحديث التالي ..
- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَعْقِدُ (أي يشد ويربط أو يعزِّم) الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ (أي مؤخرة) رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ .. يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ .. عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ .. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ .. فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ .. فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ .. فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ) صحيح البخاري.
 
#- ثالثا: هناك من العلماء الذين قالوا بوجود علاقة بين حديث العقد الشيطانية وحديث بول الشيطان من خلال استعمال الظن العقلي لحدوث الحالتين بالليل (أي العقد والبول) ..
- وليس لهم تفصيل في ذلك إلا الروايات السابقة أو الظن .. ولكن أعرض عليك ما فهمته من كلامهم وما يمكن أن يكون مقصدهم وذلك عن تصور خاص بي وليس كلاما هم كتبوه فعلا .. فالذي أتصوره وفهمته من كلامهم هو كالآتي .. وقمت بتقسيمه لثلاث آراء :
 
#- الرأي الأول: العقد الشيطانية تحدث أولا وما بال به الشيطان يحدث آخرا .
- أن العقد الشيطانية تحدث أولا .. ثم تأتي مسألة البول بعد تفويت فرض الصلاة على النائم .. فيكون حينئذ فعل الشيطان بالبول في أذن النائم إنما هو خبر من النبي يقصد به أن هذا الإنسان من جملة من بال الشيطان في أذنه معلنا انتصاره عليه وتحقيرا له لنجاحه في تفويت صلاة الفرض على النائم الغافل المتهاون ..
 
- فيكون فعل الشيطان هنا هو نتيجة مترتبة على نجاح مفعول العقد الشيطانية مع الإنسان .. والنبي حينئذ يكون يخبر عن النتيجة وليس يخبرنا عن أن بول الشيطان هو أثر له فعل في الإنسان ..
 
- وهذا الرأي إن كان مقصد العلماء هو كما فهمته .. فهو رأي محترم جدا .. وهو الراجح من كلامهم عموما .. وإن كانوا اختلفوا في ماهية هذا البول هل حقيقي أم مجازي.
 
#- الرأي الثاني: أن العقد الشيطانية هي ما بال به الشيطان في أذن الإنسان ..
- وعلى هذا الرأي يكون بول الشيطان هو نفس العقد الشيطانية ويحدث هذا البول في مراحل العقد الثلاث وذلك باعتبار البول أنه وسواس فاسد قد خضع الإنسان له.
 
- أي أن قوله في حديث العقد الشيطانية: (عليك ليلا طويل فارقد) .. يكون هذا القول هو ما يبول به الشيطان في أذن النائم .. أي يوسوس له أو يبول في أذنه بهذا القول حتى استجاب لوسوسة الشيطان فغلبه الشيطان وانتصر عليه.
 
- ويكون المقصد من جملة (بال الشيطان) هو جملة خبرية لبيان أن الشخص استجاب لهذه الخواطر أو العقد .. وليس المقصد هو إظهار إهانة الشيطان للإنسان بأنه يبول في أذنه كما تم الفهم لذلك .. والله أعلم .
 
- وهذا أيضا رأي محترم جدا .. ولكن يعيبه أن دليلهم ظني ويحتاج لإثبات إذ أن الإفتراض الظني لا يكفي .. لقوة حجة الرأي السابق .. وإلا فأين الدليل على أن العقد الشيطانية هي نفس البول الشيطاني .. ؟!!
- وأصحاب هذا الرأي على أن مفهوم البول هو مفهوم مجازي أي يقصد به الوسوسة لا غير .
 
#- الرأي الثالث: أن ما بال به الشيطان هو أثر استجابة الإنسان للعقد الشيطانية ..
- فقد يقولوا إنما هو نتيجة أثر استجابة الإنسان لهذه العقد الشيطانية .. وهذا الأثر هو الذي يسمى بالبول .. ووصف النبي هذا التأثير بالبول تحقيرا لاستجابة الإنسان لهذه العقد التي ما كان ينبغي أن يستجيب لها ... والله أعلم .
 
- وعلى هذا التوجيه يكون بول الشيطان .. هنا يقصد به استجابة الشخص لهذه العقد وخضوعه لها .. فالإستجابة هي التي تسمى البول ..
 
- ولكن هذا الرأي بعيد جدا بل ويعيبه .. أن الكلام في الحديث على أن البول هو وسيلة إرسال .. ولا علاقة لها بمدى استجابة الشخص لها .. وإلا كان قال النبي: استجاب الشخص لبول الشيطان فيه .. !! والله أعلم .
 
#- الرأي الرابع: قد يقال أن ما بال به الشيطان هو حقيقي ويكون أول النوم ..
- ولكن هذا الرأي يعيبه .. أنه لم يجمع بينه حديث البول والعقد الشيطانية ولم يميز بين هذا وذاك .. واكتفى فقط بفرض الرأي وكأنك عليك قبوله هكذا دون أن تتفكر في غيره .. وكأنهم يساقوك كالأنعام ويستخفون بعقلك .
 
- وفرض الرأي هو أسلوب قبيح وغير مقبول لأي مؤمن أن يقبله .. ويتم مناقشة هذا الرأي بالآتي:
- لو قيل: أن العقد الشيطانية هي البول ..
- فيقال لهم: كيف يعقل ذلك والعقد هي عزيمة قولية وليس بولية ؟!!
- وإن قيل: أن البول في أول النوم غير العقد ..
- فيقال لهم: ما فائدة العقد الشيطانية حينئذ وما فائدة البول حينئذ ؟!!
-  ولو قيل: أن بول الشيطان الحقيقي يحدث بعد أن يتبين أن الشخص قد ترك الصلاة فعلا ونام (وإن كان هذا ليس كلامهم أصلا لأن كلامهم أن البول يحدث عند أول النوم) ..!!
- فيقال لهم أيضا: طالما الشيطان قد انتصر فعلا على الشخص وجعله نائما بواسطة هذه العقد وانتهت مهمته .. فما فائدة البول حينئذ إذ يكون الله قد جمع على العبد هكذا تسليطين في نومة واحدة وهذا ما لا يمكن للمؤمن أن يقبله عقله ولا قلبه ولا نص يقول به .. وإلا فماذا يفعل أصلا بتارك الصلاة كليا ..؟!!
- والله أعلم . 
 
#- خلاصة القول:
1- أن حديث العقد الشيطانية هو غير حديث بول الشيطان .. فهذا يتكلم عن مسألة وذاك عن مسألة أخرى .. وإن كان كلاهما يكملان بعض .. والله أعلم.
 

************************

 

..:: س27: هل بول الشيطان يحدث مع كل الناس التي تنام عن الصلاة ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- من المهم أن تعلم أخي الحبيب .. أن حديث بول الشيطان يتكلم عن شخص يظهر من حاله أنه تهاون في حق الصلاة واستحب النوم عن أداء الصلاة .. سواء كان في حال يقظة فتكاسل فنام .. أو في حال نوم فانتبه من نومه إلا أنه رجع فنام مرة أخرى ..
 
- والذي يظهر من الحديث أن من أدلة تهاون هذا الشخص .. هو ميوله النفسي (دون سبب آخر) للهروب من أداء الصلاة حبا في النوم على أداء الصلاة .. وكأنه كان يستطيع البقاء يقظا حتى يؤدي الصلاة .. أو كان يستطيع النهوض من النوم فتكاسل وفضل أن يستمر في نومه .. ومن أدلة تهاون هذا الشخص مثلا في أنه لم يضبط المنبه على وقت ليقوم يصلي الصلاة في وقتها .. أو لم يخبر أحد من أهل بيته لينبهه على القيام للصلاة .
 
#- ولكن انتبه جيدا:
- أما الذين ينامون عن الصلاة عن غلبة نوم عليهم لتعب فيهم بسبب رهق عمل أو إتيان من رحلة سفر أو بسبب مرض .. وحالهم في الوضع الطبيعي هو المحافظة على الصلاة .. ولكن غلبهم النوم بسبب ما سبق .. فهذه حينئذ هي صدقة تصدق الله بها عليهم .. ولا علاقة للشيطان بالموضوع .. لأن الله أراد لهم الراحة وفي أمان تام .. وأبسط مثل على ذلك حينما نام النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته حتى فاتتهم صلاة الفجر بل وفات موعدها حتى صحوا على شروق الشمس .. وسبق وشرحنا هذه القصة بالتفصيل في الفصل الثالث عند السؤال الثامن والتاسع .. عند شرح حديث النبي (هذا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فيه الشَّيْطَانُ) .. فارجع إليها لو أردت .
 
#- خلاصة القول:
- أن مسألة بول الشيطان تحدث لمن تهاون عن أداء الصلاة وخضع لكسله فنام .. وكان يمكن أن ينشط لأداء الصلاة لو كانت نيته هي الرغبة في البقاء صاحيا ليصلي أو الرغبة في النهوض من النوم ليصلي .. ولكنه كان النوم أحب إليه من أداء الصلاة ..
- والله أعلم .
 

**************************

 

..:: س28: هل بول الشيطان يحدث مع غير المؤمنين أم مع المؤمنين فقط ؟ ::..

 
#- قلت (خالد صاحب الرسالة):
- الذي يظهر لي أنه يحدث مع الذي تهاون في القيام لأداء الصلاة من خلال حب النوم ..
 
- وبما أن الكافر لا تكليف عليه لأداء الصلاة .. فلماذا يبول الشيطان في أذنه وهو أصلا غير مكلف بهذه الصلاة ولا يهتم بفعلها ولا أصلا هو يعرف أنه يوجد صلاة في هذا الوقت أصلا ؟!!
 
- أما بالنسبة للمؤمن .. فهو يحدث معه ذلك حينما ينتصر الشيطان عليه ويغلبه عن أداء صلاته .. لأنه انتصار على المؤمن حينئذ .. أما الكافر فلا وجه للشيطان للتعامل معه في ذلك الوقت .. وإنما قد يبول في أذن الكافر بوسوسته ليحرضه على فعل الشر أو إنكار الحق أو ما شابه ذلك .. على افتراض أن بول الشيطان بالمعنى المجازي ..
 
#- خلاصة القول:
- أن بول الشيطان أظنه هو يحدث كنتيجة لانتصاره على المؤمن ..
- وهذا المشهد إنما هو لتجسيد مظهر الصراع بين الشيطان وأهل الإيمان حتى يمنعهم عن أداء حق الإيمان كالصلاة ..
- والله أعلم .
 

#- وبهذا يكون ختام المسائل المتعلقة برسالة حديث بول الشيطان .. ويتبقى كتابة خلاصة القول في هذه الرسالة إن شاء الله وهو يتعلق بختام البحث في هذه المسألة .. وسيكون على فصلين .. والله ولي التوفيق.  

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .