ج8: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - لماذا ذهب النبي إلى المسجد الأقصى أولا ولم يعرج مباشرة من المسجد الحرام طالما الغرض هو المعراج - ما المقصود بالبركة التي حول المسجد الأقصى في قوله تعالى (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) - لماذا لم يذكر الله أن المسجد الأقصى مباركا واكتفى بقوله (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)- ما معنى أن المسجد الحرام مباركا - ولماذا تسمية مكة بلفظ بكة.

     بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثامن)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن :: عن سبب ذهاب النبي للمسجد الأقصى أولا – وعن معنى البركة التي وضعها الله حول المسجد الأقصى من خلال قوله (بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ) ::

1- س23: لماذا ذهب النبي إلى المسجد الأقصى أولا ولم يعرج مباشرة من المسجد الحرام طالما الغرض هو المعراج ؟

2- س24: ما المقصود بالبركة التي حول المسجد الأقصى في قوله تعالى (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ؟

- (إشارة حول سبب منع الدجال من دخول الأقصى) .

3- س25: لماذا لم يذكر الله أن المسجد الأقصى مباركا كما قال في المسجد الحرام ولكن واكتفى بقوله (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ؟  

4- س26: ما معنى أن المسجد الحرام مباركا - ولماذا تسمية مكة بلفظ بكة ؟

 *******************

:: الفصل الثامن ::

*******************

 ..:: س23: لماذا ذهب النبي إلى المسجد الأقصى أولا ولم يعرج مباشرة من المسجد الحرام طالما الغرض هو المعراج ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لا يختلف العلماء على أن سبب إسراء النبي إلى المسجد الأقصى هو ليريه الله من آياته الكبرى .. كما قال جل شانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

#- ولكن العلماء ذكروا حكمة الذهاب أولا للمسجد الأقصى .. ومن ذلك:

1- قال الإمام بن الجوزي رحمه الله  (المتوفى: 597هـ):

- قيل: ما معنى قوله تعالى: (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وأنتم تقولون: صعِد إِلى السماء ؟

- فالجواب: أن الإِسراء كان إِلى هنالك .. والمعراج كان من هنالك.

- وقيل: إِن الحكمة في ذِكْر ذلك .. أنه لو أخبر بصعوده إِلى السماء في بَدْءِ الحديث، لاشتد إِنكارهم .. فلما أخبر ببيت المقدس .. وبان لهم صدقُه فيما أخبرهم به من العلامات الصادقة .. أخبر بمعراجه. (زاد المسير ج3 ص9).

 

2- قال الإمام محمد صديق خان رحمه الله (المتوفى: 1307 هـ):

- والحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس دون العروج به من مكة .. لأنه محشر الخلائق فيطؤه بقدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدمه أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء .. فأراد أن يشرفهم بزيارته صلى الله عليه وآله وسلم .. أو ليخبر الناس بصفاته فيصدقوه في الباقي .. قاله الكرخي .. والوجه الأخير أظهر والله أعلم. (فتح البيان في مقاصد القرآن ج7 ص349).

 

3- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- الإيماء إلى أن الله تعالى يجعل هذا الإسراء .. رمزا إلى أن الإسلام جمع ما جاءت به شرائع التوحيد والحنيفية من عهد إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- الصادر من المسجد الحرام إلى ما تفرع عنه من الشرائع التي كان مقرها بيت المقدس ثم إلى خاتمتها التي ظهرت من مكة .. (التحرير والتنوير ج15 ص15).

- قوله (الإيماء): أي الإشارة.

 

4- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- أسرى برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليه: ليدلل بذلك على أن بيت المقدس قد دخل في مقدسات الإسلام، وأصبح منذ هذا الحدث في حَوْزة المسلمين. (تفسير الشعراوي ج13 ص8334-8309).

 

#- وقال رحمه الله في مكان آخر من تفسيره:

- إن كان الحق تبارك وتعالى .. قد ذكر الإسراء صراحة في هذه الآية، فقد ذكر المعراج بالالتزام في سورة النجم، في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى عِندَ سِدْرَةِ المنتهى عِندَهَا جَنَّةُ المأوى إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى) النجم:13-18 .

- ففي الإسراء قال تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ...) الإسراء:1 .

- وفي المعراج قال: (لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى) النجم:18 .

 

- ذلك لأن الإسراء آية أرضية .. استطاع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما آتاه الله من الإلهام أنْ يُدلِّل على صِدْقه في الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لأن قومه على علم بتاريخه، وأنه لم يسبق له أنْ رأى بيت المقدس أو سافر إليه، فقالوا له: صِفْه لنا وهذه شهادة منهم أنه لم يَرَهْ .. فتحدَّوْهُ أن يصفه.

- والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما يأتي بمثل هذه العملية .. هل كان عنده استحفاظ كامل لصورة بيت المقدس، خاصة وقد ذهب إليه ليلاً ؟

 

- إذن: صورته لم تكن واضحة أمام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بكل تفاصيلها، وهنا تدخلتْ قدرة الله فجلاَّه الله له، فأخذ يصفه لهم كأنه يراه الآن.

 

- كما أن الطريق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى .. طريق مسلوك للعرب .. فهو طريق تجارتهم إلى الشام .. فأخبرهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن عيراً لهم في الطريق .. ووصفها لهم وصفاً دقيقاً .. وأنها سوف تصلهم مع شروق الشمس يوم مُعين.

 

- وفعلاً تجمعوا في صبيحة هذا اليوم ينتظرون العير .. وعند الشروق قال أحدهم: ها هي الشمس أشرقتْ. فردَّ الآخر: وها هي العير قد ظهرتْ.

- إذن: استطاع صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يُدلِّل على صدق الإسراء؛ لأنه آية أرضية يمكن التدليل عليها، بما يَعْلمه الناس عن بيت المقدس، وبما يعلمونه من عِيرهم في الطريق.

 

- أما ما حدث في المعراج .. فآيات كبرى سماوية لا يستطيع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ التدليل عليها أمام قومه .. فأراد الحق سبحانه أنْ يجعل ما يمكن الدليل عليه من آيات الأرض وسيلة لتصديق ما لا يوجد دليل عليه من آيات الصعود إلى السماء .. وإلا فهل صعد أحد إلى سدرة المنتهى، فيصفها له رسول الله ؟

 

- إذن: آية الأرض أمكن أنْ يُدلّل عليها .. فإذا ما قام عليها الدليل .. وثبت للرسول خَرْق نواميس الكون في الزمن والمسافة .. فإنْ حدّثكم عن شيء آخر فيه خَرْق للنواميس فصدِّقوه .. فكأن آية الإسراء جاءت لِتُقرِّب للناس آية المعراج.

 

- فالذي خرق له النواميس في آيات الأرض .. من الممكن أنْ يخرق له النواميس في آيات السماء، فالله تعالى يُقرِّب الغيبيات، التي لا تدركها العقول بالمحسّات التي تدركها. (تفسير الشعراوي ج13 ص8322).

 

#- خلاصة القول:

- هناك حكمة ظاهرة وحكمة باطنة .. في إسراءه للمسجد الأقصى قبل المعراج:

1- الحكمة الظاهرة: حتى يصدقة أهل مكة إذا حدثهم عن المعراج فيصدقوه طالما صدق فيما ذكره في إسراءه وهو عجيبة .. فلا عجب حينئذ فيما سيحدثهم عنه فيما حدث في معراجه ..   

 

2- الحكمة الباطنة: هو إشارة لتوحيد الشرائع كلها إلى شريعة خاتم النبيين والكل تابع له لأنه الإمام .. ولا إمامة لغيره في مقام النبوة بعد ظهوره وإمامته بالأنبياء.

- والله أعلم.

 

#- ملحوظة: يمكنك الرجوع للسؤال رقم (21) تحت عنوان (ما الإشارة من ذهاب النبي إلى المسجد الأقصى ؟) .. فهو مشابه لهذا السؤال الذي تكلمنا عليه هنا مع فارق بسيط .. هو أن هناك كانت إشارة وهنا حكمة .. والفرق بينهما هو تحديد المقصد الظاهر من خلال الحكمة .. والمقصد الخفي من خلال الإشارة لمن لم ينتبه لذلك المقصد أو قد يخفى عليه ..

- ويوجد غرض في ذلك من وراء فصل هذه الأسئلة بهذا الأسلوب .. لأنها صياغة السؤال نفسه هو في ذاته إجابة على بعض الشبهات التي يرددها البعض .. ولذلك أضطر بصياغة السؤال بهذه الطريقة المذكورة على شبكة الإنترنت .. حتى يجد المسلم الإجابة مباشرة بمنتهى السهولة .. وقد تلاحظ ذلك في فصل الشبهات إن شاء الله .

**************************

 ..:: س24: ما المقصود بالبركة التي حول المسجد الأقصى في قوله تعالى (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ؟ ::..

(إشارة حول سبب منع الدجال من دخول الأقصى)

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

 

@- ماذا قال العلماء في المقصد من البركة حول المسجد الأقصى ؟

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى:606 هـ):

- وقوله: (الذي باركنا حوله) قيل بالثمار والأزهار، وقيل بسبب أنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة. (تفسير مفاتيح الغيب ج20 ص293).

 

2- قال الإمام محمد بن أحمد بن مصطفى المعروف بأبي زهرة رحمه الله (المتوفى: 1394هـ):

- وقد ذكر اللَّه تعالى بعد المسجد الأقصى وصفا كريما له فقال: (بَارَكنَا حَوْلَهُ) .. ففيه آثار النبيين من أولاد إسحاق - عليه السلام - وفيه كانت الإمامة الكبرى بأرواحهم.

- وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ) يريد سبحانه بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى، ومهبط الوحي، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة، وكانت بركته أيضا في أنه إلى هذا الوقت كان قبلة المسلمين. (زهرة التفاسير ج8 ص4319-4320).

3- من أقوال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- وقوله سبحانه: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ ..) الإسراء:1 .

- البركة: أن يُؤتي الشيءُ من ثمره فوقَ المأمول منه، وأكثر مما يُظنّ فيه، كأن تُعِد طعاماً لشخصين، فيكفي خمسة أشخاص فتقول: طعام مبارَك.

 

#- وقول الحق سبحانه: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ ..) الإسراء:1 .

- دليل على المبالغة في البركة .. فإنْ كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى .. فالبركة فيه من باب أَوْلى .. كأن تقول: مَنْ يعيشون حول فلان في نعمة .. فمعنى ذلك أنه في نعمة أعظم.

 

#- لكن بأيّ شيء بارك الله حوله؟

- لقد بارك الله حول المسجد الأقصى ببركة دنيوية، وبركة دينية:

- بركة دنيوية: بما جعل حوله من أرض خِصْبة عليها الحدائق والبساتين التي تحوي مختلف الثمار، وهذا من عطاء الربوبية الذي يناله المؤمن والكافر.

- وبركة دينية خاصة بالمؤمنين: هذه البركة الدينية تتمثل في أن الأقصى مَهْد الرسالات ومَهْبط الأنبياء، تعطَّرَتْ أرضه بأقدام إبراهيم وإسحق ويعقوب وعيسى وموسى وزكريا ويحيى، وفيه هبط الوحي وتنزلتْ الملائكة. (تفسير الشعراوي ج13 ص8322).

 

4- قال الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ):

- وقوله (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) صفة مدح للمسجد الأقصى.

- أى: جل شأن الله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، الذي أحطنا جوانبه بالبركات الدينية والدنيوية.

 

- أما البركات الدينية فمن مظاهرها: أن هذه الأرض التي حوله، جعلها الله- تعالى- مقرا لكثير من الأنبياء، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى وعيسى.

- قال تعالى-: (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) الأنبياء:81..

- وقال سبحانه- في شأن إبراهيم: (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) الأنبياء:71..

- والمقصود بهذه الأرض: أرض الشام التي منها فلسطين.

 

- وأما البركات الدنيوية فمن مظاهرها: كثرة الأنهار والأشجار والثمار والزروع في تلك الأماكن.

- قال بعض العلماء: وقد قيل في خصائص المسجد الأقصى: أنه متعبد الأنبياء السابقين، ومسرى خاتم النبيين، ومعراجه إلى السموات العلا.. وأولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه .«تفسير القاسمى ج 10 ص 3885» . (التفسير الوسيط ج8 ص284-283).

 

5- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قد لاحظت شيء وهي إشارة لم يذكرها العلماء في بركة ما حول المسجد الأقصى .. وقد يكون هذا هو أحد أسرار قول الله (باركنا حوله) .. أو سر المباركة من حوله .. هو أن هذه المباركة الربانية من حوله ستمنع دخول الدجال إليه .. وسيتم قتله على يد عيسى عليه السلام قرب بيت المقدس .. وإليك دليل ما ذكرته لك:

- جاء في (حديث صحيح) .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: (يَأْتِيَ فِلَسْطِينَ بَابَ لُدٍّ (جبل أو قرية قرب بيت المقدس) .. فَيَنْزِلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقْتُلَهُ .. ثُمَّ يَمْكُثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَدْلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

 

- وجاء في (حديث موقوف صحيح وله حكم المرفوع) .. عن حذيفة بن أسيد (صحابي) قال: (إِنَّ الدَّجَّالَ لَوْ خَرَجَ فِي زَمَانِكُمْ لَرَمَتْهُ الصِّبْيَانُ بِالْخَذْفِ "أي بالحصى".. وَلَكِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي بُغْضٍ مِنَ النَّاسِ "أي كراهية وحسد وحقد بين الناس" .. وَخِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ "أي ضعف إيمان" .. وَسُوءِ ذَاتِ بَيْنٍ "أي خلافات بين الأقارب" .. فَيَرِدُ كُلَّ مَنْهَلٍ "أي كل مكان فيه مياة يعيش حوله الناس" .. فَتُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ "أي قطع المسافات بصورة بسرعة جدا" طَيَّ فَرْوَةِ الْكَبْشِ .. حَتَّى يَأْتِيَ الْمَدِينَةَ .. فَيَغْلِبُ عَلَى خَارِجِهَا وَيَمْنَعُ دَاخَلَهَا "أي لا يدخل المدينة ولا يصل الحرم النبوي" .. ثُمَّ جَبَلَ إِيلِيَاءَ فَيُحَاصِرُ عِصَابَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ .. فَيَقُولُ لَهُمُ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِهَذَا الطَّاغِيَةِ أَنْ تُقَاتِلُوهُ حَتَّى تَلْحَقُوا بِاللَّهِ أَوْ يُفْتَحَ لَكُمْ، فَيَأْتَمِرُونَ أَنْ يُقَاتِلُوهُ إِذَا أَصْبَحُوا .. فَيُصْبِحُونَ وَمَعَهُمْ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَهْزِمُ أَصْحَابَهُ .. حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ وَالْمَدَرَ "أي الطين اليابس"، يَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ هَذَا يَهُودِيٌّ عِنْدِي فَاقْتُلْهُ) رواه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد .. ووافقه الذهبي وقال على شرط البخاري ومسلم..، (قلت خالد صاحب الرسالة): هذا الحديث قد قاله صحابي .. وهو في حكم المرفوع لأنه لا يمكن أن يعرف الصحابي هذا الكلام إلا من خلال النبي صلى الله عليه وسلم.

 

#- خلاصة القول:

- أن الله جعل حول المسجد الأقصى بركة دينية وبركة دنيوية .. وقد ذكر هذه البركات العلماء في كلامهم الذي ذكرناه منذ قليل ..

 

#- وقد يكون بركة ما حول المسجد الأقصى – حسب ما ظننت – وإضافة لما قاله السادة العلماء .. هي منع الدجال من الوصول إليه ومنع محاولة دخوله وإفساده وهدم معالمه .. من خلال نزول عيسى عليه السلام وقتله على مقربة من بيت المقدس أو المسجد الأقصى .. فكانت البركة من حول المسجد الأقصى هي في منع الدجال من دخول المسجد الأقصى وهدمه .. ولذلك قال (باركنا) للدلالة على وجود حماية من الله ضد الدجال من محاولة هدم المسجد الأقصى .. والله أعلم .

 

*************************

..:: س25: لماذا لم يذكر الله أن المسجد الأقصى مباركا كما قال في المسجد الحرام ولكن اكتفى بقوله (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

 

- نلاحظ أن المباركة أتت حول المسجد الأقصى .. ولم يقل (الذي باركناه) أو (الذي هو مباركا) كما قيل عن ذلك في المسجد الحرام في آيات أخرى .. لماذا ؟

 

#- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى: 1393 هـ):

- ووجه الاقتصار على وصف المسجد الأقصى في هذه الآية بذكر هذا التبريك .. أن شهرة المسجد الحرام بالبركة وبكونه مقام إبراهيم معلومة للعرب ..، وأما المسجد الأقصى فقد تناسى الناس ذلك كله، فالعرب لا علم لهم به والنصارى عفوا أثره من كراهيتهم لليهود، واليهود قد ابتعدوا عنه وأيسوا من عوده إليهم، فاحتيج إلى الإعلام ببركته.

 

- و (حول) يدل على مكان قريب من مكان اسم ما أضيف (حول) إليه.

- وكون البركة حوله .. كناية عن حصول البركة فيه بالأولى .. لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه .. ففيه لطيفة التلازم .. ولطيفة فحوى الخطاب .. ولطيفة المبالغة بالتكثير.

وقريب منه قول زياد الأعجم:

إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج

 

- ولكلمة حوله في هذه الآية من حسن الموقع ما ليس لكلمة (في) في بيت زياد، ذلك أن ظرفية (في) أعم . فقوله: (في قبة) كناية عن كونها في ساكن القبة لكن لا تفيد انتشارها وتجاوزها منه إلى ما حوله.

 

#- وأسباب بركة المسجد الأقصى كثيرة كما أشارت إليه كلمة حوله. منها:

- أن واضعه إبراهيم عليه السلام .. ومنها ما لحقه من البركة بمن صلى به من الأنبياء من داوود وسليمان ومن بعدهما من أنبياء بني إسرائيل، ثم بحلول الرسول عيسى- عليه السلام- وإعلانه الدعوة إلى الله فيه وفيما حوله.

- ومنها بركة من دفن حوله من الأنبياء .. فقد ثبت أن قبري داوود وسليمان حول المسجد الأقصى.

- وأعظم تلك البركات .. حلول النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذلك الحلول الخارق للعادة، وصلاته فيه بالأنبياء كلهم. (تفسير التحرير والتنوير ج15 ص20).

 

1- من أقوال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- وقول الحق سبحانه: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ ..) الإسراء:1 .

- دليل على المبالغة في البركة .. فإنْ كان سبحانه قد بارك ما حول الأقصى .. فالبركة فيه من باب أَوْلى .. (تفسير الشعراوي ج13 ص8322).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لي رأي خاص وأرجو من الله أن أوفق فيه والتعبير عنه ..

1- آية الإسراء أثبتت أن المسجد الأقصى مباركا حوله .. وحددت ملازمة البركة من حوله إذ قال تعالى (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) .. ولم يقل الله (باركناه) أو (الذي هو مباركا) ..

 

2- أما في المسجد الحرام .. فقد ثبتت فيه صفة المباركة الذاتية الكاملة .. إذ قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران:97.

- ومن صفات البركة في المسجد الحرام هو ما قاله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا) العنكبوت:67 ..، وقال تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) البقرة:97 .

- وهذا الأمان لكون الله قد جعله محرما بأمر إلهي يمنع النفوس من ارتكاب حرمات فيه إلا ما كان دفاعا عن النفس .. وليس بمعنى أن الله حفظ الحرم من منع الناس مطلقا من انتهاك حرمات الحرم .. لا .. فهذا ليس منع بقهر إلهي وإنما منع بحكم إلهي شرعي ويمكنك عصيانه وستعاقب عليه .. كما قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج:25 .. أي من يريد أن يميل إلى الظلم في المسجد الحرام ويعتدي فله عذاب موجع ..

- مما سبق تفهم أن تأمين الحرم المكي هو تأمين بحكم شرعي ملزم لكل الناس .. ولكن مع ترك النفوس حرية الإختيار في الطاعة والعصيان.. فمن عصى وانتهك حرمات الله في الحرم المكي فله عذاب أليم كما أوضحت الآية...، ولكن هذا حسب تقدير الله ومراده .. يعني قد يسمح الله بحدوث قتل في الحرم المكي بل وقد يسمح بهدم الكعبة أو تحطيم جزء منها .. لأنه جل شانه قال بإمكانية حدوث ذلك كما يظهر من قوله (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج:25 ..، وأيضا قد لا يسمح بحدوث ذلك ويمنع بقهره ذلك كما حدث مع أصحاب الفيل حينما حاولوا هدم الكعبة فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر وجعلهم كعصف مأكول

 

3- إذن المسجد الحرام فيه خصوصة بركة غير موجودة في غيره وهي أنه حرم آمن بالله من الأذى والقتل سواء للإنسان أو الحيوان أو قطع أشجاره .. وذلك بحكم شرعي يمنع النفوس من الاعتداءات في ذلك المكان .. وهذا الحكم الشرعي الأزلي الأبدي المتوارث على لسان كل رسول ونبي .. يظهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ...) صحيح البخاري ..، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضُدَ (أي لا يقطع) بِهَا شَجَرَةً ...) صحيح البخاري.

 

#- ولذلك الذي أظنه – والله أعلم – أن سبب قول الله أن المسجد الأقصى بارك حوله .. ولم يقل مباركا بدوام ثبات صفة البركة له .. لأنه ليس حرم آمن على الدوام ليوم القيامة مثل المسجد الحرام .. لأنه ليس فيه حكم ديني شرعي من الله بكونه حرما بخلاف المسجد النبوي والمكي .

 

4- وهذا يجعلنا نفهم لماذا تحدث فيه صراعات من ضرب أو شغب وأحيانا قتل .. لأن الله لم يتكفل بحفظه .. ولذلك ارتفعت عنه وصف المبارك كصفة دائمة له ولازمة فيه .. وإلا ما كان محل إلقاء الزبالة في زمن الرومان المسيحيين لعشرات السنوات .. حتى فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس ..!!

 

5- ولا تفهم من كلامي أني أنفي أو انكر وجود بركة ذاتيه في المسجد الأقصى .. لا .. أنت فهمت خطأ لو ظننت هذا .. وإنما أحاول فقط الفهم لماذا لم يصف الله المسجد الأقصى بكونه مباركا كما وصف المسجد الحرام ..

- وجاء في (حديث صحيح) .. ما يظهر بركة المسجد الأقصى الذاتيه حينما تصلي فيه .. فعن أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

 

- قوله (وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى): أي وأكرم به من مسجد .

 

- وإذا كانت الصلاة في المسجد النبوي تعادل ألف صلاة .. فيكون الصلاة في المسجد الأقصى تعادل مائتين وخمسون صلاة في غيره من المساجد العادية ..، هذا بخلاف أنه كان الأنبياء يصلون فيه ولا تزال وستظل بركاتهم فيه .. ويكفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ومعراجه منه .. بل ويكفي أنه محل للسجود لله فيه ..

 

6- إذن لا إنكار ولا اعتراض لوجود البركة الذاتية للمسجد الأقصى نفسه دون ما حوله .. ولكن أقول هي بركة تامة فيه كمسجد حيث الصلاة فيه تعادل فيه مائتي وخمسون صلاة في غيره من المساجد وكان مصلى الأنبياء وفيه عناية من الله .. ولكنها ليست بركة كاملة لخلوها من بركة التأمين الإلهي الشرعي لأنه ليس حرم آمن من القتل للإنسان والحيوان والنبات .. ولذلك لم يصفه الله بكونه مباركا لخلو صفة الحرم الآمن منه ةهذا بخلاف الحرم المكي الذي جعله مباركا وآمنا وأنزل فيه حكما ملزم لكل مسلم بمنع قتل الإنسان والحيوان والشجر .. والله أعلم .

 

7- وسبب ما سبق بيانه حتى لا ياخذك الشيطان في طريق التشكيك ويقول لك: لماذا يترك الله بيوته ولا يدافع عنها .. أليس المسجد الأقصى أحد الثلاث مساجد الذين لهم خصوصية في الدين الإسلامي .. فلماذا تسلط عليه أهل الشر الصهاينة ؟!!

 

- لا .. الله لم يترك بيوته .. ولكنه حمى بعضها كالمسجد الحرام والمسجد النبوي (الحرمين الشريفين) .. وأذن بالفتنة عند بعض بيوته وهو المسجد الأقصى .. وذلك ليميز الخبيث من الطيب .. كفتنة لكل المسلمين .. وليس للساكنين هناك فقط .. فمن لم يستطيع الدفاع عنه بالسلاح فبالدعاء أو على الأقل يتألم بقلبه لما يحدث سخطا واعتراضا على ما يحدث عنده من باطل لا يرضى به الله .

 

@- ملحوظة هامة: مسجد المدينة المنورة يوصف بكونه الحرم النبوي .. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرَّمه ووافقه الله .. فأخذ حرمة المسجد المكي ..

- جاء في (حديث صحيح) .. عن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (أنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ودَعا لَها، وحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كما حَرَّمَ إبْراهِيمُ مَكَّةَ) صحيح البخاري.. ، والتحريم معناه منع القتال ومنع قطع الشجر الذي لم يزرعه إنسان ومنع اصطياد الحيوان في حدود الحرم النبوي .. هكما هو الحال في حدود الحرم المكي .. وهذه الحدود يعلمها أهل العلم .

 

#- خلاصة القول:

1- إذا كان الله لم يصف المسجد الأقصى بكونه مباركا .. وذكر أنه بارك ما حوله .. فهذا على اعتبار أن له بركة فاضت على ما هو حوله حتى اكتسب ما حوله من بركته ..

- إلا أن حسب - ما أظن عن رأيي والله أعلم -  أن خلو القرأن من وصف التبريك الذاتي للمسجد الأقصى فلم يذكره بلفظ مباركا .. لكون البركة فيه تامة وليست كاملة .. لأنه ليس حرم آمن طول الزمان بحكم شرعي كالحرمين الشريفين وما يترتب عليه من أحكام جهاد لو حدث دخول كافر إليهما .. ولكن المسجد الأقصى ليس محميا قبل ذلك من احتلال الغرباء لأرض فلسطين ومحاولة الإستيلاء عليه والإساءة إليه .. إلا أنه سيكون محميا من الدجال في وقت وصوله إليه .. وما سبق هو مجرد رأيي الخاص وما ظننته .. والله أعلم.

 

- بل سبق وأشرت إلى وجود بركة حول المسجد الأقصى لم يذكرها علماء التفسير .. وهي منع وصول الدجال إلى المسجد الأقصى .. وهذا من بركة الله حول المسجد الأقصى لحمايته من الدجال على وجه الخصوص .. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة وسبق وذكرت ذلك ..

 

2- ملحوظة مهمة: إذا كان الحرم المكي عموما أو المسجد الحرام خصوصا مباركا آمنا بحكم أزلي إلى يوم القيامة كما وضح ذلك من كلام النبي أن حرمته من يوم خلق السموات والأرض ليوم القيامة .. ويظهر ذلك من قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) الحج96-97.

 

- إلا أن هذه المباركة والآمان .. لا تمنع من حدوث انتهاكات ومخالفات فيه من بعض النفوس .. إذ قد يمكن حدوث ذلك كما قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج:25 .. أي من يريد أن يميل إلى الظلم في المسجد الحرام ويعتدي فله عذاب موجع ..

- إذن يمكن حدوث أفعال مشينة وفيها انتهاك لحرمات الله في المسجد الحرام أو الحرم المكي عموما .. وإلا ما كان الله توَعَّد من سيظلم فيه بالعذاب الأليم ..

#- ولذلك نجد بعض النفوس قد تجرأت وانتهكت حرمات الله في المسجد الحرام .. !!

أ- فقد حدث فيه من قبل سفك دماء لمن تجرؤا على انتها حرمات الله سواء في بداية القرن الرابع الهجري سنة (317 هجرية) على يد القراطمة وهي فرقة شيعية منحرفة سرقوا الحجر الأسود وقتلوا آلاف الحجاج وقت يوم التروية آنذاك ..

ب- وكذلك في زماننا هذا حدثت حاثة قتل المصلين في الحرم سنة 1979 من الميلاد .. وتم قتل مائتي مصلي داخل الحرم من بعض المجرمين يرأسهم الموصوف بالداعية (جهيمان العتيبي) .. وأعلن ارغامهم جميع المصلين على مبايعة المهدي المنتظر والذي هو صهره الموصوف بالداعية (محمد بن عبد الله القحطاني) .. بسبب أحلام رؤها تؤيد أن زعيم هؤلاء المجرمين هو المهدي المنتظر .. فووسوس لهم الشيطان في أحلامهم أن فلان قائدهم هو المهدي المنتظر .. فصدقوا شيطان أحلامهم .. هتكوا حرمات الله ودنسوا المسجد الحرام بسفك الدماء وترويع المؤمنين وأفسدوا في الأرض بسبب أحلام شيطانهم ..!!

 

- وهذا يجعلك تلاحظ نفس السيناريو يتكرر الآن .. على بعض قنوات الإنترنت بوجود المهدي المنتظر .. بل وبعض يزعم لنفسه ذلك .. وكل ذلك لاستباحة دم المسلمين والبحث عن السلطة الدينية لنهب أموال الناس وأعراضهم وسفك دمائهم .. وكل من يشارك في ذلك فله نصيب مما يفعله هؤلاء المجرمين على الإنترنت ولا تشاركهم فتنتهم وإجرامهم.

*****************

..:: س26: ما معنى أن المسجد الحرام مباركا - ولماذا تسمية مكة بلفظ بكة ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وجدت أن أذكر معنى مباركة المسجد الحرام بخلاف كونه حرم آمن من القتل للإنسان وصيد الحيوان وقطع الشجر النابت ربانيا أي الغير مزروع بيد الإنسان .. إذ قد وجدت كلام لطيف قد ذكره بعض العلماء فأحببت أن أنقله لكم .. وفيه من الإشارات اللطيفة ما فيه .

 

- قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) آل عمران:96.

 

#- من لطائف الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى:606 هـ):

- أولا:عن قوله تعالى (ببكة) .. قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله:

وفي اشتقاق بكة وجهان:

- الأول: أنه من الْبَكِّ الذي هو عبارة عن دفع البعض بعضا، يقال: بَكَّهُ يَبُكُّهُ بَكًّا إذا دفعه وزحمه، وَتَبَاكَّ القوم إذا ازدحموا فلهذا قال سعيد بن جبير: سميت مكة بَكَّةَ لأنهم يَتَبَاكُّونَ فيها أي يزدحمون في الطواف.

- الوجه الثاني: سُمِّيَتْ "بَكَّةَ" .. لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة لَا يُرِيدُهَا جَبَّارٌ بسوء إِلَّا انْدَقَّتْ عُنُقُهُ ..، قَالَ قُطْرُبٌ: تقول العرب بَكَكْتُ عُنُقَهُ أَبُكُّهُ بَكًّا إذا وضعت منه ورددت نخوته. (تفسير مفاتيح الغيب ج8 ص299 – مختصرا).

 

- ثانيا: ذكر الفخر الرازي رحمه الله شرح لفظ (مباركا) فقال:

- أنه تعالى وصفه بكونه مباركا، وفيه مسألتان:

1- المسألة الأولى: انتصب مباركا على الحال والتقدير الذي استقر هو ببكة مباركا.

2- المسألة الثانية: البركة لها معنيان:

أ- أحدهما: النمو والتزايد.

ب- والثاني: البقاء والدوام، يقال تبارك الله، لثبوته لم يزل ..

 

- وَالْبِرْكَةُ: شِبْهُ الحوض .. لثبوت الماء فيها .. وَبَرَكَ الْبَعِيرُ إذا وضع صَدْرَه على الأرض وثَبت واستقرَّ ..

#- فإن فسرنا البركة بالنمو والتزايد ..فهذا البيت مبارَك فيه من وجوه:

- أحدها: أن الطاعات إذا أتي بها في هذا البيت ازداد ثوابها .. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: (فَضْلُ المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى مَسْجِدِي فَضْلُ مَسْجِدِي عَلَى سَائِرِ المَسَاجِدِ) ، ثُمَّ قال: (صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أفْضَلُ مِنْ ألْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ) هذا في الصلاة.

 

- وأمَّا في الحج .. فقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، ولَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُق، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِه كَيَوْم وَلَدَتْهُ أمُّهُ) ، وفي حديث آخر: (الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلاَّ الجَنَّةَ) ..

- ومعلوم أنه لا أكثر بركةً مما يجلب المغفرة والرحمة.

 

- ثانيها: قال القَفَّالُ رحمه الله تعالى: ويجوز أن يكون بركته ما ذكر في قوله تعالى: (يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً) القصص:57 ..، فيكون كقوله: (إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الإسراء:1.

 

- وثالثها: أن العاقل يجب أن يستحضرَ في ذهنه أنَّ الكعبةَ كالنقطة، وليتصور أن صفوف المتوجهين في الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز، وليتأمل كم عدد الصفوف المحيطة بهذه الدائرة حال اشتغالهم بالصلاة، ولا شكَّ أنه يحصل فيما بين هؤلاء المصلين أشخاص أرواحهم عُلْويَّة، وقلوبهم قدسية، وأسرارهم نورانية، وضمائرهم ربانية، ثم إن تلك الأرواح الصافية إذا توجهت إلى كعبة المعرفة، وأجسادهم توجَّهت إلى هذه الكعبة الحسية، فمن كان في الكعبة يتصل أنوار أرواح أولئك المتوجهين بنور روحه، فتزداد الأنوار الإلهية في قلبه، ويَعْظُم لمعان الأضواء الروحانية في سِرِّه .. وهذا بَحْرٌ عظيم، ومقام شريف، وهو ينبهك على معنى كونه مباركاً.

 

#- وأما إن فسرنا البركةَ بالدوام: فهو أيضا كذلك لأنه لا تنفك الكعبة من الطائفين و والعاكفين والركع السجود..، وأيضاً الأرض كرة، وإذا كان كذلك فكل زمان يُفْرَض فهو صُبْح لقوم .. وظهر لثان "أي لآخرين"، وعَصر لثالث، ومغرب لرابع، وعشاء لخامس .. ومتى كان الأمر كذلك .. لم تكن الكعبةُ منفكة قط عن توجُّه قوم إليها من طرَفٍ من أطراف العالم .. لأداء فرض الصلاة .. فكان الدوام حاصلاً من هذه الجهة .. وأيضاً بقاء الكعبة على هذه الحالة ألُوفاً من السنين دوام أيضا .. فثبت كونه مباركا من الوجهين. (تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي ج8 ص300-301).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على الأحاديث المذكورة في كلام الإمام الفخر الرازي رحمه الله:

1- (لم أجد حديث بهذا اللفظ) .. (فَضْلُ المَسْجِدِ الحَرَامِ عَلَى مَسْجِدِي فَضْلُ مَسْجِدِي عَلَى سَائِرِ المَسَاجِدِ) لم أجد حديث بهذا النص .. وإنما يوجد حديث لفضل المسجد الحرام على المسجد النبوي وهو: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ) رواه بن ماجة .. وذكره الألباني في صحيح ابن ماجه.

 

2- (صَلاةٌ في مَسْجِدِي هذا خَيْرٌ مِن ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ، إلَّا المَسْجِدَ الحَرامَ) صحيح البخاري.

 

3- (مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ (يقول قولا فاحش) ، ولَمْ يَفْسُقْ (يرتكب معصية)، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) صحيح البخاري.

4- (الحَجُّ المَبْرُورُ (وفق ضوابطه وشروطه والخالي من المعصية) ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ) صحيح البخاري.

 

#- خلاصة القول:

- أن المسجد الحرام مباركا في ذاته لكونه حرم آمن ..، ولكون الصلاة فيه بمائة ألف صلاة..، ولكونه محلا للحج الذي هو عبادة يغفر فيها الله للعبد ذنوبه كيوم ولدته أمه.

 

- بخلاف ما فيه من إشارة لطيفة .. قد ذكرها الإمام الرازي رحمه الله في الرابطة الروحية بين قلوب المصلين من كل مكان مع المصلين داخل الحرم .. وهذا معنى ذوقي لا يعقله ولا يتذوقه إلى من كان له هذا الحال ..

- والله أعلم .

**************************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .