ج9: قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة - شرح قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) - هل السميع البصير هو الله أم النبي في قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) - ما الذي أفاده أسلوب الإلتفات من الغيبة حين قال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) لأسلوب المتكلم في ألفاظ قوله (بَارَكْنَا - لِنُرِيَهُ - آيَاتِنَا).

      بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل التاسع)

#- فهرس:

:: الفصل التاسع :: عن شرح مفهوم الآيات ليلة الإسراء – وهل اسمي السميع البصير المقصود بهما هو الله أم النبي ::  

1- س27: ماذا قال العلماء في شرح قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) ؟   

2- س28: ما الذي أفاده أسلوب الإلتفات من الغيبة حين قال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) لأسلوب المتكلم في ألفاظ قوله (بَارَكْنَا - لِنُرِيَهُ - آيَاتِنَا) ؟

3- س29: هل السميع البصير هو الله أم النبي في قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ؟

*******************

:: الفصل التاسع ::

*******************

..:: س27: ماذا قال العلماء في شرح قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) ؟  ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

 

- وعند قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) كان للعماء في تفسيرها معاني طيبة .. وقد أشار بعضهم من خلال هذه الآية إلى أنها تشمل الآيات التي حدثت في المعراج .. وإليك بعض ما قاله بعض العلماء ..

 

1- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى:606 هـ):

- وقوله: (لنريه من آياتنا) يعني ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى. (تفسير مفاتيح الغيب ج20 ص293).

 

2- قال الإمام القشيري رحمه الله (المتوفى: 465هـ):

- قوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا): كان تعريفه بالآيات ثم بالصفات ثم كشف بالذات.

- ويقال من الآيات التي أراها له تلك الليلة .. أنه ليس كمثله- سبحانه- شىء فى جلاله وجماله، وعزّه وكبريائه، ومجده وسنائه .. ثم أراه من آياته تلك الليلة ما عرف به صلوات الله عليه- أنه ليس أحد من الخلائق مثله فى نبوته ورسالته وعلوّ حالته وجلال رتبته. (تفسير القشيري ج2 ص333-334).

 

#- شرح: قلت (خالد صاحب الرسالة) موضحا بعض كلام الإمام القشيري رحمه الله:

- قوله (تعريفه بالآيات): أي رؤيته لعجائب ملكوت الله في السموات والأرض.

- قوله (بالصفات): رؤيته لمظاهر تجليات قيومية الله في الكون فكاشف القدرة والإبداع وكيفية تصرف الله في الكون .

- قوله (كشف بالذات): هو ما حدث بمقام الخصوصية بينه وبين ربه وقت أن تكلم مع ربه في ختام معراجه.

 

3- قال الإمام محمد بن أحمد بن مصطفى المعروف بأبي زهرة رحمه الله (المتوفى: 1394هـ):

- قوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) أي يُرى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من آيات ربه الكبرى .. ومن إمامته لأرواح الأنبياء أو للأنبياء أنفسهم قد أحضرهم اللَّه تعالى له بأجسادهم .. كما يبعثهم يوم البعث بأجسادهم .. وتلك آيات من آيات اللَّه تعالى. (زهرة التفاسير ج8 ص4319-4320).

 

4- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- وقوله: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ... ) الإسراء:1.

- "اللام" .. هنا للتعليل.

- كأن مهمة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس أن نُرِي رسول الله الآيات ..

- وكلمة الآيات .. لا تُطلق على مطلق موجود، إنما تطلق على الموجود العجيب، كما نقول: هذا آية في الحُسْن، آية في الشجاعة، فالآية هي الشيء العجيب.

 

- ولله عَزَّ وَجَلَّ آيات كثيرة .. منها الظاهر الذي يراه الناس، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ الليل والنهار ..) فصلت:37 ..، (وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام ..) الشورى:32 .

 

- والله سبحانه يريد أن يجعل لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خصوصية .. وأن يُريه من آيات الغيب الذي لم يَرَهُ أحد .. ليرى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حفاوة السماء به .. ويرى مكانته عند ربه الذي قال له: (وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) النحل:127.

- لأنك في سَعة من عطاء الله .. فإن أهانك أهل الأرض فسوف يحتفل بك أهل السماء في الملأ الأعلى، وإنْ كنت في ضيق من الخَلْق فأنت في سَعة من الخالق. (تفسير الشعراوي ج13 ص8323)

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) .. يشير بوضوح لمطلق آيات الله التي لا يحيط بها العقل والخيال وفوق العقل أن يدركها لأننا لا نحيط علما بقدرة الله وإبداعه في الكون .. وكلمة (آياتنا) تشمل مطلق الآيات الجمالية والجلالية من المعجزات والإبداعات وما صنعته القدرة الإلهية في الأرض والسماء .. بل وتشمل ما وراء ذلك حيث لا حيث ولا جهة ولا قرار كما ظهر ذلك في مقام الخصوصية بين النبي وربه حيث يشهد لهذا المقام قوله تعالى: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18.

 

#- خلاصة القول:

1- أن الغرض من رحلة الإسراء .. كان هو ارضاء للنبي وجبرا لخاطره ورفعة لشأنه وللتعريف بقدره ومقامه في الأرض والسماء وتشريفا له صلى الله عليه وسلم .. وذلك من خلال رؤية النبي لآيات ربه وعجائبه وابداعه في الكون ..

 

2- غالب علماء المسلمين .. استدلوا من قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) على أنها تشير للمعراج لأنهم ربطوها بآية المعراج .. (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18.

 

3- وعن ظني الخاص رأيت الكفاية في قوله تعالى (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لكونه يشير إلى أن الله جعل نبيه صلى الله عليه وسلم يرى من آياته بصورة مطلقة بما يحتمله اللفظ من مطلق لفظ (آياتنا) .. ومطلق أي دون تحديد لهذه الآيات كونها أرضية أو سماوية أو ما وراء ذلك .. فلفظ (لنريه) مع لفظ (آياتنا) .. أعطانا مطلق الإراءة لكل الآيات الربانية والإلهية .. والله أعلم.

 

*************************

 ..:: س28: ما الذي أفاده أسلوب الإلتفات من الغيبة حين قال (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) لأسلوب المتكلم في ألفاظ قوله (بَارَكْنَا - لِنُرِيَهُ - آيَاتِنَا) ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

 

- نلاحظ أن الآية بدأت بأسلوب الغائب .. (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ثم انتقلت إلى أسلوب المتكلم (بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) .. وكان من المفترض أن يقال (بارك) و (ليريه) و (آياته) .. فلماذا انتقل من أسلوب الغيبة المتصل بالإسم الموصول من خلال ضميري الغيب (هو – الهاء) .. إلى أسلوب المتكلم الذي في ألفاظ (باركنا) و (لنريه) و (آياتنا) ؟!!

 

1- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- وفي تغيير الأسلوب من الغيبة التي في اسم الموصول وضميريه إلى التكلم في قوله: (باركنا) ... و (لنريه من آياتنا) .. سلوك لطريقة الالتفات المتبعة كثيرا في كلام البلغاء.

 

#- والالتفات هنا امتاز بلطائف:

أ- منها: أنه لما استحضرت الذات العلية بجملة التسبيح وجملة الموصولية صار مقام الغيبة مقام مشاهدة فناسب أن يغير الإضمار إلى ضمائر المشاهدة وهو مقام التكلم.

ب- ومنها: الإيماء إلى أن النبي- عليه الصلاة والسلام- عند حلوله بالمسجد الأقصى قد انتقل من مقام الاستدلال على عالم الغيب إلى مقام مصيره في عالم المشاهدة.

ج- ومنها: التوطئة والتمهيد إلى محمل معاد الضمير في قوله: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .. فيتبادر عود ذلك الضمير إلى غير من عاد إليه ضمير (لنريه) لأن الشأن تناسق الضمائر .. ولأن العود إلى الالتفات بالقرب ليس من الأحسن. (التحرير والتنوير ج15 ص21-23).

- قوله (اسْتُحْضِرَتِ الذات العلية بجملة التسبيح وجملة الموصولية): أي لما حصل حضور لتعظيم مقام الذات في القلب من خلال تسبيحك له .. ومن خلال جملة الموصولية أي بالإسم الموصول (الذي) الدال على التنبيه على عجيبة القدرة الإلهية في الإسراء بعبده .. وترتب على ذلك مناسبة تسبيحك للذات الإلهية وتشويقك لهذا الحدث العظيم .. أن ينقلك من حال الغيبة إلى حال المشاهدة ليؤنسك به من خلال أسلوب التكلم .. والله أعلم .

2- قال الشيخ محمود صافي رحمه الله (المتوفى: 1376هـ):

- الالتفات: في قوله تعالى (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا)- (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)  ..

- صرف الكلام من الغيبة التي في قوله تعالى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) ..، إلى صيغة المتكلم المعظم في (باركنا- ونريه- آياتنا) .. لتعظيم البركات والآيات..، لأنها كما تدل على تعظيم مدلول الضمير .. تدل على عظم ما أضيف إليه وصدر عنه . .كما قيل: إنما يفعل العظيم العظيم .

 

- وقد ذكروا لهذا التلوين نكتة خاصة وهي أن قوله تعالى (الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) يدل على مسيره عليه الصلاة والسلام من عالم الشهادة إلى عالم الغيب .. فهو بالغيبة أنسب.

- وقوله تعالى: (بارَكْنا حَوْلَهُ) دلّ على إنزال البركات، فيناسب تعظيم المنزل، والتعبير بضمير العظمة متكفل بذلك.

- وقوله سبحانه: (لنريه) على معنى بعد الاتصال وعزّ الحضور فيناسب المتكلم معه.

- وقوله تعالى: (مِنْ آياتِنا) عود إلى التعظيم كما سبقت الإشارة إليه.

- وأما الغيبة في قوله عز وجل: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) على تقدير كون الضمير له تعالى كما هو الأظهر، وعليه الأكثر، فليطابق قوله تعالى (بعبده) ويرشح ذلك الاختصاص بما يوقع هذا الالتفات أحسن مواقعة، وينطبق عليه التعليل أتم انطباق، إذ المعنى قربه، وخصه بهذه الكرامة لأنه سبحانه مطلع على أحواله، عالم باستحقاقه لهذا المقام. (الجدول في إعراب القرآن ج15 ص7-8).

 

3- قال الدكتور وهبه الزحيلي رحمه الله (المتوفى:1436 هـ):

- (لِنُرِيَهُ): فيه التفات عن الغيبة إلى التكلم .. لتعظيم تلك البركات الدينية والدنيوية والآيات. (التفسير المنير ج15 ص9).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. على سبيل الإشارة وليس التفسير:

- بدأ أسلوب الغائب .. وكأن الإشارة هي أن تستحضر التسبيح في قلبك وقت قرائتك ما سيخبرك به الله .. لأن من المفترض في المؤمن سكون التسبيح في قلبه لله .. وكأن الله أراد بأسلوب الغائب أن يستحضر فيك التسبيح .. وذلك تأهيلا لك لما سيخبرك به في حال الإنتقال للتكلم معك ..

 

- فلما استحضر فيك التسبيح اللازم لجلاله فقد انتقل بك لأسلوب المتكلم .. وذلك ليؤنسك بلطيف كلامه معك وكأنه يخبرك بحكمته وبسر من أسراره إليك محبة فيك كمؤمن لحسن اعتقادك فيه حين قلت (سبحان) .. فقال لك بلطيف الإشارة متكلما إليك: أن علة وسبب هذا الإسراء يا مؤمن إنما كان لرغبتي في أن يرى حبيبي وخليلي من آياتي ما يرى من جمالي وجلالي ما ندهشه به ملاطفة له وتشريفا له وتعريفا بقدره عندنا .. لأنه الإنسان الكامل في عبوديته لي .. فآنسته من كمال عطائي بما يناسب قدره ومقامه عندي ..

 

- ثم عاد بك الله إلى أسلوب الغيبة مرة أخرى .. في قوله (إنه هو السميع البصير) لأنه أرادك أن تعود إلى كمال تحقيق الصفات في قلبك فتكون مطمئن لهاتين الحقيقتين أنه هو الكامل في صفتي السمع والبصر فلا يخفى عليه شيء من المسموعات ولا المرئيات .. لأنه المحيط بهذا وذاك .. واجعل من هاتين الصفتين حقيقة غيبية محققة  في قلبك حتى يطمئن القلب بهما .. 

- والله أعلم.

 

#- خلاصة القول:

- أن الإلتفات في أسلوب الآية .. هو للدلالة على تعظيم البركات حول المسجد الأقصى .. وتعظيم المشاهدات التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم .. وإشارة لانتقاله من رؤية الأسباب إلى رؤية طلاقة قدرة المسبب جل شأنه .. وأجمل ما ذُكر هو ما قاله الإمام بن عاشور رحمه الله حينما قال: قد انتقل من مقام الاستدلال على عالم الغيب إلى مقام مصيره في عالم المشاهدة ..

 

- وأسلوب الإلتفات في العموم .. إنما يفيد جذب الإنتباه وإيقاظ الهمة في نفسية القاريء أو المستمع .. ليكون منتبها لما يقرأه أو يسمعه .. إذ أن الاستمرار على حال أسلوب واحد قد يصيب المتلقي للسآمة والملل ولذلك أتبع البلغاء أسلوب التنوع في الإنتقال من الغائب للمتكلم أو مثل ذلك .. لجذب انتباه من يقرأون أو يسمعون لهم .

 

**************************

 ..:: س29: هل السميع البصير هو الله أم النبي في قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

 

- غالب العلماء على أن قوله تعالى (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) يعود ضمير الهاء في قوله (إنه) إلى الله .. فيكون الله هو السميع البصير .. وقلة من العلماء قالوا أن ضمير الهاء في قوله (إنه) يعود إلى النبي .. فيكون المعنى أن النبي هو السميع البصير .. كما وصفه الله بأنه رؤوف رحيم ..

 

#- وإليك بعض ما قاله العلماء ..

1- قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله  (المتوفى: 310هـ):

- وكان بعض البصريين يقول: كسرت "إن" من قوله (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لأن معنى الكلام: قل يا محمد: (سبحان الذي أسرى بعبده) ..، وقل: (إنه هو السميع البصير) .. (تفسير الطبري ج17 ص352)

 

2- قال الإمام أبو طالب الماكي المالكي رحمه الله (المتوفى: 437هـ):

- وقوله: (إِنَّهُ هُوَ السميع البصير) .. معناه السميع لما يقول هؤلاء المشركون من تكذيب محمد  صلى الله عليه وسلم  وغير ذلك. البصير بما يعملون. لا يخفى عليه شيء من ذلك.

- وكسرت: "إن" في قوله: (إنه) لأن معنى الكلام: قل يا محمد سبحان الذي أسرى بعبده، وقل [يا محمد] إنه هو. (الهداية إلى بلوغ النهاية ج6 ص4133).

 

3- قال الإمام الماوردي رحمه الله (المتوفى:450 هـ):

- (إنه هو السميع البصير) .. فيه وجهان:

- أحدهما: أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير .. وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها .. وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل .. فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير.

- الثاني: أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه .. فقال: السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب .. البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج. (تفسير الماوردي – النكت والعيون ج3 ص227).

#- شرح: قوله (وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل): ليس المقصد منه أن النبي دعا ربه أن يسري به ليلة الإسراء .. لا .. وإنما الله سمع دعاء النبي الذي قاله عند عودته من الطائف والذي هو (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلي .... إلى أن قال: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ..... إلى آخر الدعاء) .. فأراد الله أن يظهر لنبيه أنه من أهل الكرامة الكبرى وصاحب المقام الأعظم .. ولذلك كان هذا الإسراء تبعا لهذا الدعاء النبوي أو المناجاة النبوية حتى يبر الله بخاطره ويعرفه قدره ومكانته عنده .

  

4- قال الشيخ نجم الدين الكبرى - أحمد بن عمر رحمه الله (ت 618 هـ):

- وفي قوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الإسراء:1 ..  إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو السميع الذي " كنت له سمعاً فبي يسمع وبصرا فبي يبصر ".

- (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ) الإسراء:2 ..، المخصوصة بجمالنا وجلالنا (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) الإسراء:2 .. الذي يسمعنا ..، (البَصِيرُ) الإسراء:2 .. يبصرنا .. فإنه لا يسمع كلامنا ولا يبصر جمالنا "إلا بنا". (التأويلات النجمية ج2 ص377).

 

5- قال الإمام إبراهيم بن عمر البقاعي رحمه الله (المتوفى: 885هـ):

- ثم قال: (أنه هو السميع البصير) فأثبت له مع ذلك الكمال. (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج16 ص261).

 

6- قال الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- فقوله: (إنه هو السميع البصير) .. الأظهر أن الضميرين عائدان إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقاله بعض المفسرين، واستقربه الطيبي، ولكن جمهرة المفسرين على أنه عائد إلى الله تعالى.

- ولعل احتماله للمعنيين مقصود.

- وقد تجيء الآيات محتملة عدة معان .. واحتمالها مقصود تكثيرا لمعاني القرآن، ليأخذ كل منه على مقدار فهمه كما ذكرنا في المقدمة التاسعة .

- وأيا ما كان .. فموقع (إن) التوكيد والتعليل .. كما يؤذن به فصل الجملة عما قبلها.

- وهي إما تعليل لإسناد فعل (لنريه) إلى فاعله وإما تعليل لتعليقه بمفعوله .. فيفيد أن تلك الإراءة من باب الحكمة .. وهي إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي .. فهو من إيتاء الحكمة من هو أهلها.

- والتعليل على اعتبار مرجع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم أوقع .. إذ لا حاجة إلى تعليل إسناد فعل الله تعالى لأنه محقق معلوم ..، وإنما المحتاج للتعليل هو إعطاء تلك الإراءة العجيبة لمن شك المشركون في حصولها له ومن يحسبون أنه لا يطيقها مثله ..

- على أن الجملة مشتملة على صيغة قصر بتعريف المسند باللام وبضمير الفصل قصرا مؤكدا .. وهو قصر موصوف على صفة قصرا إضافيا للقلب .. أي هو المدرك لما سمعه وأبصره لا الكاذب ولا المتوهم كما زعم المشركون .. وهذا القصر يؤيد عود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المناسب للرد .. ولا ينازع المشركون في أن الله سميع وبصير إلا على تأويل ذلك بأنه المسمع والمبصر لرسوله الذي كذبتموه .. فيؤول إلى تنزيه الرسول عن الكذب والتوهم.

- ثم إن الصفتين على تقدير كونهما للنبي صلى الله عليه وسلم .. هما على أصل اشتقاقهما للمبالغة في قوة سمعه وبصره وقبولهما لتلقي تلك المشاهدات المدهشة .. على حد قوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى) النجم:17 ..، وقوله: (أفتمارونه على ما يرى) النجم:12..

- وأما على تقدير كونهما صفتين لله تعالى .. فالمناسب أن تؤولا بمعنى المسمع المبصر .. أي القادر على إسماع عبده وإبصاره .. كما في قول عمرو بن معد يكرب: "أمن ريحانة الداعي السميع". (التحرير والتنوير ج15 ص21-23).

 

7- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- وقوله: (إِنَّهُ هُوَ السميع البصير) الإسراء:1.

أي: الحق سبحانه وتعالى.

السمع: إدراك يدرك الكلام ..، والبصر: إدراك يدرك الأفعال والمرائي .. فلكل منهما ما يتعلق به.

- لكن سميع وبصير لمن ؟

- جاء هذا في ختام آية الإسراء .. التي بيَّنَتْ أن الحق سبحانه جعل الإسراء تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد ما لاقاه من أذى المشركين وعنتهم، وكأن معركة دارت بين رسول الله والكفار حدثتْ فيها أقوال وأفعال من الجانبين.

- ومن هنا يمكن أن يكون المعنى: (سَمِيعٌ) لأقوال الرسول (بَصِيرٌ) بأفعاله .. حيث آذاه قومه وكذبوه وألجؤوه إلى الطائف، فكان أهلها أشدَّ قسوة من إخوانهم في مكة، فعاد مُنكَراً دامياً، وكان من دعائه: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) .

 

- فالله: سميع لقول نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وبصير لفعله.

- فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: في أشدِّ ظروفه حريصاً على دعوته .. فقد قابل في طريق عودته من الطائف عبداً .. فأعطاه عنقوداً من العنب .. وأخذ يحاوره في النبوات ويقول: أنت من بلد نبي الله يونس بن متى.

 

#- أو يكون المعنى: سميع لأقوال المشركين .. حينما آذوا سَمْع رسول الله وكذَّبوه وتجهَّموا له .. وبصير بأفعالهم حينما آذوه ورَمَوْه بالحجارة. (تفسير الشعراوي ج13 ص8324-8325).

 

8- قال الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله (المتوفى: 1431 هـ):

- (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ):

- أى: إنه- سبحانه- هو السميع لأقوال عباده: مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم ومكذبهم.

- بصير بما يسرونه ويعلنونه .. وسيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب، بدون ظلم أو محاباة. (التفسير الوسيط ج8 ص284).

 

9- قال الدكتور وهبه الزحيلي رحمه الله (المتوفى:1436 هـ):

- وقال ابن عطية: هذا وعيد من الله للكفار على تكذيبهم محمدا صلّى الله عليه وسلم في أمر الإسراء .. أي هو السميع لما تقولون .. البصير بأفعالكم. (التفسير المنير ج15 ص10).

 

10- قال الشيخ محمد الأمين الهرري رحمه الله (المتوفى:1441 هـ)

- (إِنَّهُ) أي إنّ الذي أسرى بعبده (هُوَ السَّمِيعُ) لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في إسراء محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى بيت المقدس .. أو بكل مسموع .. ومن جملة ذلك قول محمد - صلى الله عليه وسلم - وقول أولئك المشركين.

- (الْبَصِيرُ) بما يفعلون .. لا تخفى عليه خافية من أمرهم .. ولا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء .. فهو محيط به علمًا .. ومحصيه عددًا .. وهو لهم بالمرصاد .. وسيجزيهم بما هم له أهل أو بكل مبصر .. ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله .. وذاتهم وأفعالهم.

- ويقال (نقلا عن كتاب المراح): معنى هذه الجملة (إِنَّهُ) أي: إنّ هذا العبد الذي اختصصناه بالإسراء هو خاصة السميع لكلامنا .. البصير لذاتنا .. فهو السميع أذنا وقلبا بالإجابة لنا والقبول لأوامرنا ..، البصير بصرا وبصيرة ..

- وتوسيط ضمير الفصل للإشعار باختصاصه - صلى الله عليه وسلم - وحده بهذه الكرامة .. ولهذا عقب الله تعالى بقوله: (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ). (تفسير حدائق الروح والريحان ج16 ص13).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- قد يكون المقصود بقوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): أن الله هو السميع لكل شيء ظاهرا وباطنا .. والمعطي لعبده القدرة على سماع ما لا يستطيع غيره أن يسمعه .. والبصير لكل شيء ظاهرا وباطنا .. والمعطي عبده ما لا يستطيع غيره أن يبصره .. وذلك تحقيقا له في رحتله للسماء ..

 

2- وقد يكون المقصود بقوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): أي سيدنا محمد هو المتحقق بوصفي السميع البصير من فضل عطاء الله المذكور في حديثه القدسي (كنتُ سمْعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصرُ به) صحيح البخاري ..، لأنه الولي الكامل المتحقق بالعبودية الكاملة .. فكان تحققه بهاتين الصفتين ليرى من آيات ربه الكبرى .. إذ انعكست عليه من أنوار هذين الإسمين حتى اكتسب من نورهما فبات متحققا بهما كصفات لازمة له ليتحقق من آيات ربه الكبرى .. ولذلك ما زاغ البصر وما طغى .. وأوحى إلى عبده ما يوحي ..

 

- ولا حرج أن يكون للنبي خصوصية تجلي عليه من ربه بوصف صفاتي من صفاته إذ قال تعالى في سورة التوبة: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) التوبة:128..، وكذلك الحال أن وصف النبي بالسميع البصير إنما هو باعتبار جمعية سمعه وبصره في مقام الخصوصية ولا يزيع بصره ولا ينحرف سمعه في مقام الخصوصة لأنه اكتسب من نور الإسمين ما يجعله في عصمة .. فاالألف واللام في السميع البصير .. للدلالة على جمعية هذا السمع والبصر في مقام الخصوصية .. أي السميع بربه والبصير بربه .. وليس بمعنى أنه السميع والبصير لكل ما هو ظاهرا وباطن .. فانتبه وتأمل ما ذكرته لك.

 

- وذلك حال قول الله لموسى: (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) طه:68 .. فهل لأن موسى الأعلى بنفسه فعلا فيكون أعلى من مولاه العلي أم لأنه الأعلى بربه ؟ أكيد لأنه الأعلى بربه .. فأبصر يا مؤمن وانتبه جيدا لما حققته لك من معاني.

والله أعلم . 

 

#- خلاصة القول:

- إن غالب تفسير العلماء أن المقصد من قوله (السميع البصير) هو الله .. وبعض العلماء أشاروا إلى إحتمالية أن يكون المقصد بهما هو النبي صلى الله عليه وسلم .. ومن قال بهذا الرأي له وجهة نظر صحيحة ومحترمة جدا ..

- وعن نفسي أميل للرأي الثاني .. الذي يقول بأن (السميع البصير) هما وصفين للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة بعد أن أرتضيت بتحقيق الإمام الطاهر بن عاشور وكلام الإمام نجم الدين الكبري رحمهما الله ..

 

- وهذين الوصفين قد اكتسبهما من فضل ربه .. في هذه الرحلة العجيبة ليتحقق من آيات ربه الكبرى خاصة في مقام الخصوصية مع ربه .. وهذا لا يكون إلا بوجود خصوصية كرامة تم منحهما للنبي صلى الله عليه وسلم .. ولعل كان سبب شق صدر النبي في ليلة الإسراء هو منحه نورا يكسبه هذه القدرة على أن يكون سميعا بالحق وبصيرا به .. والله أعلم .

 *****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .