ج14: قصة الإسراء والمعراج - لماذا كان الإسراء والمعراج ليلا وليس نهارا - شبهة أن الاسراء والمعراج ليس معجزة وإلا كانت حدثت بالنهار للتحدي - ما المانع أن يقال أن الإسراء والمعراج كان بالروح - ما المعجزة والكرامة في الإسراء طالما هو عن رؤيا منامية.

           بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الرابع عشر)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع عشر:: ج1/ شبهات تم نشرها على الإنترنت تتعلق برحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى :: 

1- س36: ما المانع أن يقال أن الإسراء والمعراج وما صاحبها من مشاهدات كان برؤيا الروح خاصة وأن رؤيا الأنبياء حق ؟

2- س37: ما المعجزة والكرامة في الإسراء طالما هو عن رؤيا منامية ؟

3- س38: لماذا تم الإسراء والمعراج بالليل وليس بالنهار ؟ وكيف الرد على شبهة من أنكر حدوث الإسراء وأنه ليس معجزة وإلا كانت حدثت بالنهار ؟

#- أولا: جحود أو إنكار حدوث قصة الإسراء والمعراج هو جحود وإنكار للقرآن.

#- ثانيا: ردا على هذه الشبهة المذكورة على الإنترنت لإثارة الشبهات في نفوس المؤمنين وإرجافهم داخليا لزلزلة الإيمان فيهم.

- ثالثا: أما عن سبب وحكمة أن الإسراء حدث بالليل وليس بالنهار .. فللعلماء فيه كلام بديع لمن كان له عقل رشيد وقلب سليم.

 *******************

:: الفصل الرابع عشر ::

*******************

..:: س36: ما المانع أن يقال أن الإسراء والمعراج وما صاحبها من مشاهدات كان برؤيا الروح خاصة وأن رؤيا الأنبياء حق ؟ ::..

 

- نجد البعض يحاول أن يظن بأن قصة الإسراء والمعراج هي مسألة روحانية .. فيجبر بخاطر نفسه .. ويكون مسك العصا من المنتصف .. فلا منه أنكر حدوث القصة ولا منه أقر حدوثها بالروح والجسد ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- وهذا منهج صحيح لو لم تكن تعرف الأدلة وحقيقتها وكنت في حيرة من أمرك .. ولكنه ليس صحيح لو عرفت الحق من الأدلة وتبينت لك الحقيقة .. بل يكون حينئذ منهجك فيه شبهة ..!!

 

- وأقول لك حينئذ:  

1- ما المانع أو لماذا يضايقك أنت .. أن تعتقد أن الإسراء والمعراج كان بالجسد والروح أي بالذات المحمدية .. أي بكلية النبي صلى الله عليه وسلم ؟

 

- فهل في نفسيتك شيء من ذلك المعتقد ؟!! إذ طالما هناك اتفاق معنا على حدوث واقعة الإسراء والمعراج .. فما الذي يضايقك أن تقول أنه بالجسد والروح بالرغم من معرفتك وعلمك بأن عامة العلماء من السلف والخلف يعتقدون بذلك وأبطلوا الرأي القائل أنه كان بالروح ؟!!

 

- فلماذا المخالفة ؟!! أليس هذا شيء غريب ..!!

 

2- أما عن المانع من أن نظن بأن الإسراء والمعراج كان بالروح .. هو ما ذكرنا في الفصل الثاني عشر والثالث عشر من ادلة وحجج وبراهين تبطل هذا الظن .. وأن النصوص الدينية تؤكد أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد .. ولا علاقة للروح بالموضوع إلا من خلال نصوص تالفة جدا ولم يصح منها شيء ..

 

- حتى لو قلت بأن ما يحدث للروح النبوي هو حقيقي لأن رؤيا الأنبياء حق .. وأنك متفق على حدوث الإسراء والمعراج .. ولكن لا دليل على ما تقول بأن الواقعة كانت بالروح فقط .. حتى ما قال بعض العلماء في سابق الزمن من أن هذا حدث بالروح فهو كان عن استدلال بنصوص غير صحيحة أو بنصوص فيها فهم خطأ كما فهموا لفظ الرؤيا بأنها منام في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) الإسراء:60 ..

- وكما لا يخفى على عاقل رشيد بأن الرؤيا المنامية لا فتنة فيها للغير ..!!

 

3- عموما لو كان اختيارك هو أن الإسراء والمعراج كان بالروح .. فعليك أن تثبت ذلك .. وترد على كلام العلماء السابق ذكرها في الفصل الثاني عشر والثالث عشر من هذه الرسالة .. وبنصوص صحيحة تؤيد كلامك .. وإلا فأنت على باطل .. وتحتاج إلى إعادة النظر فيما تعتقده .. لأن الإعتقاد في باطل يطفيء فيك شيئا من نور الحق في داخلك فلا تبصر الحقيقة وتظل على عمى فيها بل وقد ترتقي إلى عَمَه لا قدر الله ..

- واسأل نفسك سؤال: ما المانع أن تعتقد أن الإسراء كان بالجسد والروح طالما أنك متفق على أن الإسراء والمعراج حدثا بالفعل ؟!!

 

#- ولكن إذا كنت تظن أن تحويل القصة لمسألة روحية .. يحل لك أي إشكاليات في القصة مثل معراج النبي للسماء أو انتقاله لبيت المقدس بالبراق وكان يمكن أن ينقله في لحظة أو ما شابه هذا الكلام .. وتستحي أن تجهر به .. فهذا ما أزيل به اللبس عن نفسيتك في المسائل القادمة من هذه الرسالة إن شاء الله .

- والله ولي التوفيق.

 

**************************

 

..:: س37: ما المعجزة والكرامة في الإسراء طالما هو عن رؤيا منامية ؟ ::.. 

 

- هذه شبهة يتداولها الملحدون على مواقعهم .. فيخطفون بعض من كلام المفسرين ويقولون ما معناه .. أنه طالما الإسراء هو بالروح .. فما الكرامة في ذلك والمعجزة في ذلك .. إذ أن الرؤيا تحدث لأي أحد حتى للكافر حسب قرآنكم كما حدث لملك مصر في زمن يوسف.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- في كلامهم السابق يشيرون لقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ) الإسراء:60 .. ويستغلون كلام بعض العلماء المكتوب في كتب التراث القديمة.

 

- وقد سبق وشرحنا هذه الآية بالتفصيل وانها رؤيا عين أي بالجسد والروح وليس رؤيا منام .. ويمكنك الرجوع إلى تحقيق ذلك في الآتي:

- في الفصل الثالث عشر من هذه الرسالة .. تحت عنوان: (س34: ما هي الأدلة التي استند إليها من قالوا أن الإسراء والمعراج كانا رؤيا منامية ؟) ..

- وتحت عنوان: (س35: هل أسرى الله بروح النبي وهو في حال اليقظة إلى القدس ثم السماء وكأنه كشف روحاني ؟) ..

- وكذلك في الفصل الثاني عشر .. تحت عنوان: (س33: هل كان الإسراء والمعراج يقظة أم مناما وبالجسد أم الروح ؟ ) ..

- فارجع إلى ما كتبناه هناك فيما أشرت به إليك .. وستجد ما يشبعك.

 

**********************

 ..:: س38: لماذا تم الإسراء والمعراج بالليل وليس بالنهار ؟ وكيف الرد على شبهة من أنكر حدوث الإسراء وأنه ليس معجزة وإلا كانت حدثت بالنهار ؟ ::..

 

- من المسائل التي يروج لها البعض على الإنترنت .. هو إنكارهم أن تكون رحلة الإسراء والمعراج هي معجزة أو أن فيها كرامة .. بل وبعضهم يشكك في حدوثها أصلا .. وتبريرهم في ذلك كالآتي:

- يقولون ما معناه: لو كانت هذه القصة معجزة فعلا أو حتى حدثت .. كان من باب أولى أن تحدث ذلك أمام أعين الناس ليتحققوا بها على صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. ولكن أن يحدث هذا الحدث في الخفاء في وقت لا يراه فيه أحد فهذا لا يليق بفعل الله .. ولا نظن أن هذه الواقعة قد حدثت من أساسه .. إذ ان المعجزة تحدث للتحدي في العلن وليس في خفاء.

- والمشكلة في أصحاب هذه الشبهة .. أنهم يذكروها مستهزئين وليس مستفسرين .. بل يتهمون العلماء في عقولهم في أنهم كيف لم ينتبهوا لذلك الكلام ..!!

طيب تعالى نشوف هل شبهتهم فيها شيء من العقل أصلا ..!! 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- أولا: جحود أو إنكار حدوث قصة الإسراء والمعراج هو جحود وإنكار للقرآن ..

- وهذا الجحود هو كفر ببعض آيات الله .. وهذا في ذاته خروج من الدين لأن من يكفر بالبعض يكفر بالكل .. ولا كلام لمن يكفر ببعض آيات القرآن .

 

#- ثانيا: ردا على هذه الشبهة المذكورة على الإنترنت لإثارة الشبهات في نفوس المؤمنين وإرجافهم داخليا لزلزلة الإيمان فيهم ..

1- نحن نتسائل لأصحاب هذه الشبهة ونقول: لماذا النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق في النهار برحلته إذا كانت هذه خصوصية نبوية وليست للتحدي ؟!!

- ولكن نقول لبليد العقل المستهزيء من أصحاب هذه الشبهات .. أن وقت الليل هو أشرف الأوقات التي انطلق فيها برحلته .. فناسب أن يكون أشرف الأوقات من أجل أشرف الخلق ليتم الترحيب به لأن وقت الليل هو وقت التجليات الكبرى من الله لأهل الأرض لينعم عليهم بالكرامات .. ولذلك كان اختيار وقت الليل لرحلة الإسراء والمعراج .. لشرف الوقت المناسب لأشرف الخلق ..

 

2- لماذا بعض من لا يعقل من أصحاب الشبهات .. يظن أن رحلة الإسراء والمعراج كانت معجزة نبوية ليتحدى بها الكفار ؟!! إذا كان الله جل شأنه قال: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1.

- هل أنت تفهم وتعقل يا صاحب الشبهة .. قال تعالى: (لنرية من آياتنا) ولم يقل (لنريهم آياتنا)..!! فالمقصد هو النبي بان يرى هذه الآيات وليس الكفار .. أفلا تعقلون ؟!!

- إذن رحلة الإسراء والمعراج .. هي رحلة تشريفية للنبي لإكرامه بما لم يحظى به نبيا ولا رسولا ..

 

- ففي الأصل هي ليست معجزة للتحدي .. وإنما هي معجزة حدثت للنبي بقدرة إلهية ليريه من آياته الكبرى .. كما أن ولادة سيدنا عيسى لم تكن معجزة للتحدي مع اليهود .. وإنما كانت معجزة للناس في إثبات طلاقة القدرة الإلهية وأن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ..

 

3- ولكن لما سأله كفار مكة عن إثبات حدوث سيره إلى بيت الأقصى بأن يصفه لهم لأنهم يعلمون بأنه لم يذهب إليه أبدا .. فهنا كان التحدي والمعجزة .. بأن ظهرت معجزته وضوح الشمس أمامهم بالدليل والإثبات حينما حكى لهم تفاصيل كل شيء في بيت الأقصى في ذلك الوقت ..

- إذن في البداية لم يكن الإسراء والمعراج معجزة لغرض التحدي مع الكفار كما توهم البعض .. وإنما تحولت المسألة لتحدي من الكفار مع النبي في إثبات ذلك فكانت المعجزة في سرد التفاصيل التي قالوا عنها أنه صدق .

 

- وهنا تفهم لماذا بعض العلماء يقولون على رحلة الإسراء والمعراج بأنها معجزة .. فهذا ليس باعتبار كونها حدث خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .. وإنما باعتبار التحدي مع كفار مكة في وصف بيت المقدس وصفا دقيقا وهو لم يزوره من قبل وهم يعلمون ذلك .. فظهرت المعجزة وتبين سير النبي للأقصى .. فتحولت المسألة من مجرد رحلة إلى كونها معجزة مثبته أمام الكفار .. ولذلك وصفها بعض العلماء بالمعجزة .

 

- بل ومن ناحية أخرى: ترتب على هذه الرحلة معجزة قرآنية أخرى .. وهي ما يثبت صحة نبوته صلى الله عليه وسلم .. لأن قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) الإسراء:1 .. هذه الآية تكلمت عن مسألتين غيبيتين وتحققتا:

- الأولى: أثبت أن بيت المقدس سيكون مسجدا للمسلمين وقد كان ..

- الثانية: أن الكعبة أصبحت المسجد الحرام ولم يكن هذا وصفه في زمنه ..

- فمن يستطيع أن يقول بهذا الكلام إلا العليم الخبير جل شانه .. وان من نقل عنه هذا الكلام هو رسوله ونبيه حقا .. صلى الله عليه وسلم .

 

4- ثم نقول لمن يظن أن في فعل رحلة الإسراء والمعراج .. كان لابد منها أن تكون في النهار لتكون دلالة على نبويته .. أنك مخطيء ولم تعقل المسألة .. ليه ؟

- لسببين:

- الأول: لأنها ليست معجزة للتحدي في الأصل .. وإنما هي كرامة تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم .. فسواء حدثت له ليلا أو نهارا .. فالغرض منها ليس التحدي .. وبالتالي فلا معنى لسؤالكم البليد جدا لأي عاقل .. لأنها ليست معجزة لإثبات نبوته كما تزعمون ..!!

 

- الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لهم في صباح رحلة الإسراء والمعراج .. وفي عز النهار ووسط مجمع من الناس حيث كان كفار مكة والمؤمنين وكلهم شهود .. يعني كله حاضر .. وتحداهم في عز النهار بأنه أسرى للمسجد الأقصى .. وأثبت ذلك بالدليل والبرهان الصادق حتى أنهم صدقوه .. فكانت الرحلة وكأنها حادثة أمامهم .. ولكن مع ذلك كفروا به وازدادوا كفرا ..

 

- فالذي ينكر رحلة الإسراء والمعراج لأنه يزعم أنها لو كانت معجزة لكانت حدثت بالنهار لتثبت نبوته .. فهو شخص لم يعقل جيدا ما قاله .. لأنه لو كان يعقل ما نطق به لكان فهم من نفسه .. أن النبي أثبت رحلته في عز النهار بالدليل والبرهان .. ومع ذلك لم يصدقه كفار مكة ولا الشخص بليد العقل ..!!

 

- يبقى الشخص اللي بيقول يوجد هنا شبهة .. بأن الإسراء والمعراج كان لابد أن يكون بالنهار لو كان حقا حدثت وبناء على ذلك المنطق فهو ينكر حدوث القصة .. فهو شخص عنده بلادة عقلية تحتاج إلى تقويم في الفهم .. مش كده ولا إيه ؟!!

 

- بل ويزداد الشك في عقلية هذا الشخص صاحب الشبهة .. لو يظن أن القصة حتى لو حدثت بالنهار .. فإن الكفار كانوا سيرون البراق وجبريل وميكائيل ثم سيرونه هو ذاهب للأقصى ثم سيرونه وهو ذاهب لملكوت السماء ..!! فإن كان هذا هو الظن فحينئذ هذا شخص ليس بليد عقليا فحسب .. وإنما أحمق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف .. لأن كل هذه الأمور من المسائل الغيبية المرتبطة بالإيمان بالغيب ولا علاقة لها بالماديات لتكون معجزة لهم ..!!

 

5- ثم أقول لبليد العقل من أصحاب هذه الشبهات الذين ينشروها بين الناس ..

- أن حدوث الرحلة ليلا كان منه حكمتين:

أ- الحكمة الأولى خاصة بالنبي: هو أن شرف الوقت كان مناسبا لأشرف الخلق .. للترحيب به ولينال شرف كمال التجليات الإلهية عليه جمالا وجلالا في ذلك الوقت ليريه الله من آياته الكبرى ..

 

ب- والحكمة الثانية خاصة بالناس عامة والمؤمنين خاصة: وهي أن هذه الرحلة ستكون فتنة للناس عامة والمؤمنين خاصة .. لأن أول أصل إيماني في الدين هو الإيمان بالغيب .. أي الاعتقاد والتصديق بما هو غيب عني وأتاني من الوحي بخبر صادق معصوم من الخطأ .. واجب علي أن أصدقه ولا أجادل فيه طالما بوحي حق.

 

6- ثم أختم سؤالي لأصحاب هذه الشبهة بعد كل ما سبق .. فأقول لهم:

- لماذا كان على النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق في النهار برحلته إذا كانت هذه خصوصية نبوية وليست للتحدي ؟!!

- أفلا تعقلون ما تنطقون أم على القلوب أقفال ؟!!

 

- ثالثا: أما عن سبب وحكمة أن الإسراء حدث بالليل وليس بالنهار .. فللعلماء فيه كلام بديع لمن كان له عقل رشيد وقلب سليم .. فمن ذلك:

1- قال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله (المتوفى: 365 هـ):

- فإن قيل: لما كان المعراج بالليل دون النهار ؟

#- قيل عنه أجوبة ..

- أحدهما: أنه لو كان بالنهار لكان هذا السؤال باقيا .. (شرح: يقصد الإمام القشيري أنه سيقال حينئذ ولماذا المعراج بالنهار وليس بالليل؟) ..!!

- والثاني: أنه لو كان المعراج بالنهار مشاهدا لأبصروا ذلك عيانا .. وأراد الله سبحانه أن كون العلم به غير ضروري فجعل ذلك بالليل امتحانا للخلق .. (شرح: يقصد الإمام القشيري غير ضروري ليكون معجزة لهم وإنما أردا به امتحانهم).

- الثالث: ويقال بالليل ليبين بذلك فضيلة الصديق رضي الله عنه ورجحان إبمانه على تصديق الجملة (أي عوام الناس) .. وذلك أنه سقمت البصائر من الحق عند إخبار الرسول عن المعراج فتوقفوا .. ولما سمع الصديق ذلك قبل التصديق ..

- سمعت الأستاذ أبي علي الدقاق رحمه الله يقول: إنما الصديق رضي الله عنه عند إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن المعراج قال: (صَدَقْتَ) ..، لأن كل ما أخبر عنه الرسول عليه السلام أنه رآه ببصره .. كان الصديق رضي الله عنه قد رآه بربه .. (شرح: أبو علي الدقاق هو شيخ الإمام القشيري .. يقصد بقوله (رآه بربه) .. أي أن الصديق لما ارتقى لمقام المحبة فكان يري بالله ويسمع بالله فلا مانع أن يكون الله كاشف قلبه برؤية الحق من عالم الحق .. فهذه الرؤية ثابته للمؤمن الذي يتجلى الله عليه بمحبته فيجذب قلبه إليه فيكون سمعه وبصره ويده ورجله كما جاء في الحديث القدسي الصحيح).

- الرابع: وجواب آخر وهو أنه لما فرض عليه صلى الله عليه وسلم قيام الليل على التخصيص جازاه عليه في الدنيا بالمعراج .. فبما كان يعانيه عليه السلام بالليل .. جعل تلك القربة والزلفى بالليل .. (شرح: يقصد القشيري بقوله "يعانيه عليه السلام بالليل" أي يعانيه من تعب بغرض التقرب لله بالطاعة عن حب).

- الخامس: وقيل إن الليل للأحباب ولأهل التخصيص .. فلذلك جعل المعراج في الليل.  

- السادس: وجواب آخر وهو أن الليل وقت غفلة الرقيب .. ولا شيء أشهى من رؤية الحبيب مع فقد الرقيب ..  (شرح: يقصد القشيري بقوله "غفلة الرقيب" أي لا يراقبك أحد لما تفعل سواء من أهل بيتك وأصحابك).

- وقال بعض الظرفاء في المثل: إذا اجتمع المحبان فالثالث بينهما كانون في الصيف. (شرح: "كانون" هو ديسمبر الشتاء" .. ويقصد به أن من يدخل بين المحبين يكون كالعزول في صيف المحبين لأنه يفسد عليهم صيف محبتهم بوجوده بينهم) .. المعراج للقشيري ص76-74 مختصرا – مع ترتيب إجاباته من أولا إلى سادسا – مع شرح بعض كلامه).

2- قال الإمام ابن الملقن عمر بن علي رحمه الله (المتوفى: 804هـ):

- كان الإسراء ليلًا لوجوه:

- أحدها: أنه وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، وهو أشرف من مجالستهم نهارًا، فهو وقت تناجي الأحبة، ووقت مجيء الطيف: وهو الخيال، فخص بوصف الكمال.

 

- ثانيها: أن الله أكرم قومًا من أنبيائه بأنواع الكرامات ليلًا، قَالَ تعالى في قصة إبراهيم: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) الأنعام:6 ..، فوجودها دال عَلَى وجوب وجود صانعها ومدبرها. وقال تعالى في قصة لوط: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) هود:81 ..، وقال: (نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ) القمر:34 ..، وقال في يعقوب: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يوسف:98  ..، أخَّر دعاءه إلى وقت السحر من ليلة الجمعة. وقرب موسى نجيًا ليلًا. وذلك قوله: (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) القصص:29 ..، وواعده أربعين ليلة. وقال لما أمره بالخروج من مصر ببني إسرائيل: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) الدخان:23.

 

- ثالثها: أن الله تعالى أكرمه ليلًا بأمور منها انشقاق القمر، وإيمان الجن به ..، ورأى الصحابة آثار نيرانهم عَلَى ما ثبت في "صحيح مسلم" ..، وخرج إلى الغار ليلًا عَلَى مائة من قريش عَلَى بابه ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، قَالَ تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية - الأنفال:3.

 

- رابعها: أن أكثر أسفاره - صلى الله عليه وسلم - كان ليلًا، ومن ذَلِكَ حديث الوادي، وأمر أمته بسيره، فقَالَ: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل) رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم .. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

 

- خامسها: لأنه وقت الاجتهاد للعبادة منه - صلى الله عليه وسلم -، فقد قام حَتَّى تورمت قدماه ..، وكان قيام الليل في حقه واجبًا، وقال في حقه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) المزمل:1-2 ..، فلما كانت عبادته ليلًا أكثر أُكْرِمَ بالإسراء فيه وأمره بقوله: (وَمِنَ اَلَّيلِ فَتَهَجَّدْ) الآية - الإسراء:79.

 

- سادسها: ليكون أجر المُصَدِّق به أكثر ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارًا، وفيه إبطال للتنويه أن الظلمة شأنها الإهانة والشر، والنور من شأنه الإكرام والخير. (التوضيح شرح الجامع الصحيح ج5 ص261-263 – مع حذف بعض الوجوه التي ذكرها والتي بلغت أحدى عشرة وجها ثم قمت بتعديل الترتيب العددي بعد حذف بعض الوجوه لكوني لم أجد فيها حكمة الإسراء بالليل). 

 

3- ذكر الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911 هـ) بعضا لأقوال العلماء منها:

#- قال ابن المنير (المتوفى: 683 هـ): إنما كان الاسراء ليلا لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا، ولأن وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ) من المزمل 2...، وليكون أبلغ للمؤمن في الايمان بالغيب وفتنة للكافر ..، ولأن الليل محل الاجتماع بالأحباب.

 

#- قال ابن دحية (المتوفى: 633 هـ): ولإبطال قول الفلاسفة: إن الظلمة من شأنها الاهانة والشر .. وكيف يقولون ذلك مع أن الله تعالى أكرم أقواما في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة ابراهيم: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) من الأنعام 76.

- وفي لوط: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) من هود 81.

- وفي موسى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً) من الأعراف 142.

- وناجاه ليلا وأمره بإخراج قومه ليلا في قوله: (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا) من الدخان 23.

- واستجاب دعاء يعقوب فيه وهو المراد في قوله: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) من يوسف 98. (الآية الكبرى في شرح قصة الأسراء للسيوطي ص26-27).

  

4- قال الإمام عبد الله سراج الدين الحسيني رحمه الله (المتوفى:2002 م):

أ- في الليل خصائص من الله تعالى وعنايات خاصة بأنبيائه وأحبابه .. لأن فيه خلوة للقلب مع الله تعالى وكشف للحجب وتنزلا للتجليات ..، وقد ذكر الله العنايات والرحمات بأنبياءه في الليل .. ومن ذلك ما قال للوط عليه السلام: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) هود:81.

- وهكذا يقول في حق النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) .. (محاضرات في الإسراء والمعراج ص17).

 

ب- ومن ناحية أخرى يبين سبحانه أن ما سمعه صلى الله عليه وآله وسلم .. وعاينه ليلة إسراءه ومعراجه .. هذا لا يتيسر لغيره ولا يمكنه ذلك .. إذ أنه صلى الله عليه وآله وسلم سرى إلى الله في الليل الذي هو وقت خفاء الأشياء .. ففي هذا الوقت أراه الله تعالى ما أراه من الآيات التي ما رآها غيره .. فلم تكن هذه الرؤية معتادة لغيره .. أو أنها تستند إلى ضوء الشمس أو ضوء القمر .. بل هي رؤية بإنارة ونور من الله تعالى . (محاضرات في الإسراء والمعراج ص18).

 

ج- في الليل تنزلات رب العالمين وتجلياته في الثلث الأول والثاني والاخير .. ولأجل أن يكون إسراؤه صلى الله عليه وآله وسلم وعروجه إلى العوالم العلوية موافقا لهذه التنزلات والتجليات الإلهية .. لذا كان الإسراء والمعراج في الليل .

- ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه .. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَنْزِلُ – وفي رواية البخاري: يَتَنَزَّلُ – رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ).

- وفي رواية لمسلم: (حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليلِ الأولُ) أي ودخل الثلث الثاني.

- وفي رواية لمسلم: (حَتى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ الليلِ الأَولُ).

- وأكثر الروايات: (حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخِرُ).

- وكل هذا ثابت.

- وإن لله تنزلات في الثلث الأول والثاني والثالث .. ولكل تنزل حكمه وآثاره وأسراره وأنواره .. (فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْألُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)

- وعند مسلم: (ثم يقول: مَنْ يُقْرِضُ غيرَ عَدِيمٍ وَلا ظَلُومٍ ؟ )

- وفي رواية لأحمد: (مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ). (محاضرات في الإسراء والمعراج ص56-57).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) شرحا لبعض ألفاظ الأحاديث السابقة:

- معنى قوله (من يقرض غير عديم ولا ظلوم): أي من الذي يقرضني من أعماله الصالحه وعبوديته الخالصة وهو يعلم أنني الغني غير فقير ولذلك سأكافئه .. وهو يعلم أنني العدل ولا أظلمه فأبخسه حقه إن أحسن في عبوديته لي .. فتقرب إلى يا عبدي إذ أن خزائني لا تنفد وعدلي فيك محقق .. والله أعلم .

- معنى قوله (يسترزقني): أي يطلب الرزق مني .

- معنى (يستكشف): أي يطلب أن أكشف عنه وأرفع وأدفع عنه الضر النازل به .

- معنى (حتى ينفجر الفجر): أي حتى أذان الفجر .

 

5- قال الإمام الشعراوي رحمه الله (المتوفى:1419 هـ):

- فقد يقول قائل: لماذا لم يحدث الإسراء نهاراً؟

- نقول: حدث الإسراء ليلاً .. لتظلَّ المعجزة غَيْباً يؤمن به مَنْ يصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ .. فلو ذهب في النهار لرآه الناس في الطريق ذهاباً وعودة .. فتكون المسألة إذن حِسيّة مشاهدة لا مجالَ فيها للإيمان بالغيب.

- لذلك لما سمع أبو جهل خبر الإسراء طار به إلى المسجد وقال: إن صاحبكم يزعم أنه أُسْرِي به الليلة من مكة إلى بيت المقدس .. فمنهم مَنْ قلّب كفَّيْه تعجُّباً .. ومنهم مَنْ أنكر .. ومنهم مَن ارتد.

- أما الصِّدِّيق أبو بكر .. فقد استقبل الخبر استقبالَ المؤمن المصدِّق .. ومن هذا الموقف سُمِّي الصديق، وقال قولته المشهورة: "إن كان قال فقد صدق" .

- إذن: عُمدَتِه أن يقول رسول الله .. وطالما قال فهو صادق .. هذه قضية مُسلَّم بها عند الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.

- ثم قال: "إنَّا لَنُصدقه في أبعد من هذا .. نُصدِّقه في خبر السماء (الوحي) .. فكيف لا نُصدّقه في هذا" ؟

- إذن: الحق سبحانه جعل هذا الحادث مَحكّاً للإيمان .. ومُمحِّصاً ليقين الناس .. حين يغربل مَنْ حول رسول الله .. ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع.

 

- لذلك قال تعالى في آية أخرى: (وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ... ) الإسراء:60.

- وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكُنْ مناماً .. فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً .. فالمنام لا يُكذِّبه أحد ولا يختلف فيه الناس.

 

- لكن لماذا قال عن الإسراء (رُؤْيَا) يعني المنامية، ولم يقُلْ «رؤية» يعني البصرية؟

- قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية .. فالرؤيا محل الأحداث العجيبة. (تفسير الشعراوي ج13 ص8317 – 8316).

 

#- خلاصة القول:

1- رحلة الإسراء والمعراج في الأصل ليست معجزة للتحدي مع الكفار .. لأن فعلها كله هو إيمان بالغيب .. فلا كان الكفار سيرون الملائكة التي أتت للنبي ولا كانوا سيرون البراق الذي سيركب عليه النبي ولا كانوا سيذهبون معه للأقصا ولا سيصعدون معه لمعراج السماء .. فما علاقة الكفار بهذه الرحلة أصلا ؟!!

 

2- وإنما تحولت الرحلة لمعجزة حينما تحدى الكفار النبي في إثبات هذه الرحلة .. وظهرت المعجزة حينئذ أمامهم على مرأى ومسمع من الناس .. وصدقوه الكفار فيما قال ولكنهم ازدادوا كفرا ..

 

3- وحدوث الرحلة ليلا .. لأن وقت الليل هو أشرف الأوقات التي انطلق فيها برحلته .. فناسب أن يكون أشرف الأوقات من أجل أشرف الخلق ليتم الترحيب به لأن وقت الليل هو وقت التجليات الكبرى من الله لأهل الأرض لينعم عليهم بالكرامات .. ولذلك كان اختيار وقت الليل لرحلة الإسراء والمعراج .. لشرف الوقت المناسب لأشرف الخلق ..

- وللعلماء الأفاضل كالقشيري والشعراوي وعبد الله سراج الدين رحمهما الله .. كلام طيب في تخصيص وقت الليل برحلة الإسراء والمعراج وسبق وذكرته لك أخي الحبيب .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .