ج16: قصة الإسراء والمعراج - الحكمة من نزول جبريل من خلال شق سقف بيت النبي - كيف لم يتعرف الملائكة على النبي - لماذا لم يتم حشو الحكمة والإيمان في صدر النبي بكن فيكون بدلا من شق الصدر - لماذا لم ينفخ جبريل في نفس النبي بالحكمة والإيمان كما فعل مع مريم الصديقة بنفخ الروح فيها.

             بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل السادس عشر)

#- فهرس:

:: الفصل السادس عشر:: ج3/ مسائل وشبهات تم نشرها على الإنترنت تتعلق برحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى – وإشارات ولطائف أكرمني الله بها :: 

1- س45: لماذا أتى جبريل إلى النبي من خلال نزوله من سقف بيته ؟ أو ما الحكمة من نزول جبريل على النبي من خلال شق سقف بيته ؟

2- س46: كيف لم يتعرف الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم جبريل موجود معهم ؟

3- س47: لماذا تم شق صدر النبي إذا كان الله قادر على حشو صدره بالحكمة والإيمان بكن فيكون ؟

#- أولا: أنت لم تنتبه للقدرة الإلهية بكن فيكون في حادثة شق صدر النبي ..!!

#- ثانيا: لماذا تم شق صدر النبي وكان من الممكن أن لا يحدث ذلك ؟

4- س48: لماذا لم ينفخ جبريل بصفتي الحكمة والإيمان في النبي كما فعل ذلك مع السيدة مريم حينما نفخ فيها من روح الله ؟

*******************

:: الفصل السادس عشر ::

*******************

..:: س45: لماذا أتى جبريل إلى النبي من خلال نزوله من سقف بيته ؟ ::..

( ما الحكمة من نزول جبريل على النبي من خلال شق سقف بيته ؟ )

 

- من الأسئلة المتداولة على الإنترنت .. والتي أيضا قد تخطر على بال البعض فيقول ما معناه: ما الحكمة من نزول جبريل عليه السلام من سقف بيت النبي ؟

 

#- وإليك أخي الحبيب .. الحديث الذي يشير إلى جزئية شق سقف بيت النبي ونزول جبريل منه في ليلة الإسراء والمعراج:

- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي (أي فتحه) ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ .. ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا .. فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي .. ثُمَّ أَطْبَقَهُ .. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي .. فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا .....) صحيح البخاري.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- بعض العلماء قال: أن نزول جبريل في بداية ليلة الإسراء من خلال سقف النبي ليجعله يذهب إلى المسجد الحرام .. بأن هذا المشهد فيه إشارة إلى تنبيهه إلى أن حدوث المعراج إلى جهة العلو .. كما نزل إليك جبريل عليه السلام ..

 

#- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله: وقيل الحكمة في نزوله عليه من السقف .. الإشارة إلى المبالغة في مفاجأته بذلك والتنبيه على أن المراد منه أن يعرج به إلى جهة العلو . (فتح الباري ج7 ص204).

#- وقال الإمام بن حجر رحمه الله في صفحة أخرى من كتابه: ويحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى ما سيقع من شق صدره وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها (فتح الباري ج7 ص205).

 

2- قلت (خالد صاحب الرسالة) لي رأي آخر في حكمة نزول جبريل عليه السلام من سقف بيت النبي وقت حادثة الإسراء ..

- إذ قد يكون نزول جبريل عليه السلام من سقف بيت النبي .. للدلالة على أمور ثلاثة أو فيه إشارة لثلاثة رسائل:

أ- الرسالة الأولى: أن شق الملاك للسقف ونزوله منه دون أن يحدث للسقف أي ضرر أو تلف .. إنما فيه اطمئنان لما سيحدث للنبي بعد ذلك من شق صدره .. لأن هذا حينئذ من مواصفات فعل الملاك جبريل بما أعطاه الله من قدرة.

 

ب- الرسالة الثانية: ونزول جبريل بهذه الطريقة .. يجعل النبي ينتبه إلى حدوث أمر هام وجلل وليلة خوارق ومعجزات وله فيها شأن .. وعليه أن يستعد ويتهيأ نفسيا لذلك .. ويترك أمره لجبريل ليحقق مراد الله فيه .. 

 

ج- الرسالة الثالثة: أن الملاك لا يحكمه قانون المادة .. بل له فعل قد يخالف به قانون المادة.

 

#- خلاصة القول:

- نزول جبريل على السلام على النبي صلى الله عليه وسلم من خلال شق سقف بيته ونزوله منه .. إنما فيه دلالة على أن جبريل لديه قدرة على اختراق الماديات وشقها دون أن يسبب لها أي ضرر .. وكأن جبريل يخبر النبي بهذا الفعل برسالة في نفسه: أن الله أعطاني من قدرته ما رأيت .. فاطمئن يا نبي الله لما سيحدث بعد ذلك.  

- والله أعلم .  

 

*************************

..:: س46: كيف لم يتعرف الملائكة من هو النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم جبريل موجود معهم ؟ ::..

- من الأسئلة المتداولة على الإنترنت .. كيف لم يتعرف الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم جبريل موجود معهم ؟!! وإذا كان الامر كذلك فكيف نقبل روايات مثل ذلك وهي مروية في صحيح البخاري ..؟!!

 

- فقد جاء في أحد روايات البخاري .. عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: (يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .. فَقَالَ أَوَّلُهُمْ أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ فَقَالَ آخِرُهُمْ خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ .. حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ .. فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ .. فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ ....) صحيح البخاري.

 

#- وجاء في أحد روايات مسلم .. عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، لَعَلَّهُ قَالَ: عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَأُتِيتُ فَانْطُلِقَ بِي، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا - قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي مَا يَعْنِي قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ - فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ، يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ ....) صحيح مسلم .

 

- وفي تلك الروايتين يظهر مجهولية الملائكة بمعرفة النبي .. فكيف نصدق ذلك إذا كان جبريل كثيرا ما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: رواية صحيح البخاري ..

1- الإستدلال بالرواية الاولى في صحيح البخاري .. لا دليل فيها على أن الحاضرين كانوا جاهلين بمعرفة النبي .. وإنما تسائل أحدهم عمن هو المطلوب فأجاب أحدهم وهو جبريل بكل تأكيد بأنه أوسطهم .. إذن فهو كان معروف لبعض من أتى وحضر المكان .. ولكن أحدهم لم يكن يعرفه ولعله كان ملكا أول مرة ينزل على الأرض بخلاف جبريل عليه السلام الذي كان يرى النبي دائما ..

 

2- هذه الرواية أنكرها كثير من أكابر العلماء كالنووي والطحاوي وابن حزم غيرهم .. أي أنكروا متنها وتركوها بسبب أن (شريك) الراوي عن أنس بن مالك .. قد خالف من هو أوثق منه ممن رووا عن أنس بن مالك نفس القصة ولم يذكروا فيها ما ذكره (شريك عن أنس)  .. وكان من المغالطات في هذه الرواية أنه قال جاءه الملائكة الثلاثة قبل أن يوحى إليه ..!! وهذا لم يذكر في الروايات الأخرى .. فضلا عن أن الإسراء كان بعد البعثة أصلا .. وجاء في الرواية أنها كانت عن منام وهذا مخالف لباقي الروايات ..

- وكذلك قالت الرواية جاءه ثلاثة نفر .. وهذا مخالف للروايات التي قالت جبريل وميكائيل فقط وأحيانا لم يظهر ميكائل في بعض الروايات اكتفاءا بجبريل لأنه من لازمه طوال رحلته ذهابا وعودة .. وكذلك لم يأت في الروايات أن الملائكة تكلموا مع بعضهم في معرفة من هو النبي ..!!

- فهذه الرواية حسب كلام كثير من العلماء .. هي رواية منكرة الألفاظ وفيها غرابة عن كل روايات الإسراء والمعراج ..

 

3- هذه الرواية لم تقال تحديثا عن النبي .. أي لم يتم التصريح فيها أن ما جاء في هذه الرواية هو عن قول النبي صلى الله عليه وسلم .. وهذا شيء لا يسلم من الخطأ لأن فيه حرية تصرف من الرواه ..

 

#- ثانيا: رواية صحيح مسلم ..

- لم يأت فيها مجهولية النبي صلى الله عليه وسلم للملائكة .. وإلا فكيف عرفوا مكانه أصلا ؟!!

- وإنما عرفوا مكانه وذهبوا إليه .. وإنما من كان مع جبريل من الملائكة لم يعرف شكله ولذلك قال جبريل عليه السلام لمن معه هو أحد الثلاثة الموجودين أي النبي محمد بين الثلاثة الموجودين .. حتى ينتبهوا إلى أنهم في المكان الصحيح وبلغوا المقصد .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ غلبه النوم في الحرم فنام بجوار عميه جعفر بن أبي طالب وبين حمزة ابن أبي طالب .. إذ أن كثيرا من قريش كانوا يحبون النوم بجوار الكعبة ..

 

#- خلاصة القول:

1- لم يصح .. أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الملائكة قبل الوحي وأسروا بالنبي ليلا ..

2- ولم يصح .. أن الملائكة الذين حضروا للنبي كانوا جهلاء بمعرفته .. وكيف ذلك وجبريل عليه السلام كان من الملائكة التي كانت حاضرة وهو من ذهب إليه ليوقظه ليذهب إلى المسجد الحرام ..!!

 

****************************

..:: س47: لماذا تم شق صدر النبي إذا كان الله قادر على حشو صدره بالحكمة والإيمان بكن فيكون ؟ ::..

- من الأسئلة المتداولة على الإنترنت .. والتي أيضا قد تخطر على بال البعض فيقول ما معناه: ما الحكمة من شق صدر النبي .. إذ أن العقل يقول: بأن الله قادر على أن يفعل أي شيء بكن فيكون .. فلماذا يرسل ملاك ليشق صدر النبي حتى يغسله بماء زمزم ويحشوه بالإيمان والحكمة .. وكان من الممكن أن يشرب النبي من ماء زمزم ويخلق الله في النبي الإيمان والحكمة بكن فيكون ؟!!

- وهذه من المسائل التي يستغلها .. المنكرين لحادثة الإسراء والمعراج حتى يوهمون المؤمنين بأن الحادثة غير صحيحة .. !!

 

#- وإليك أخي الحبيب .. الحديث الذي يشير إلى جزئية شق صدر النبي في ليلة الإسراء والمعراج:

- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي (أي فتحه) ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ .. ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا .. فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي .. ثُمَّ أَطْبَقَهُ .. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي .. فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا .....) صحيح البخاري.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- ما تظنه أخي الحبيب من سؤال قد يخطر على بالك أو سمعته على شبكة الإنترنت بخصوص فائدة شق صدر النبي وكان من الممكن للقدرة الإلهية أن تدخل الإيمان والحكمة في صدر النبي بدون هذا الشق ... إنما هو تصور خاطيء في مسألة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء .. ليه ؟

 

#- أولا: أنت لم تنتبه للقدرة الإلهية بكن فيكون في حادثة شق صدر النبي ..!!

1- فأنت أخي الحبيب حينما تكلمت عن القدرة الإلهية .. فأنت تكلمت من حيث وجهة نظرك أنت وما سمعته من كلام المشككين في قصة الإسراء والمعراج .. ولكن في الحقيقة أن قدرة الله كانت قائمة في فعل شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكنك لم تنتبه .. ليه ؟

- لأنه كان من المفترض أن تبصر أن النبي لم يمت بل ولم يتألم أدنى ألم .. إذ كيف يتم شق صدر إنسان بدون أن يموت أو يتألم .. ثم يتم غسل باطنه بالماء ثم خياطته بدون أي ألم يشعر به .. أليس هذا دليلا على عظيم قدرة الله بكن فيكون في إبطال قانون الأسباب ليظهر لك قدرة المسبب جل شأنه ؟!!

- ولكنك لم تنتبه لذلك .. وانتبهت لكلام الموسوسين بالتشكيك في حادثة الإسراء والمعراج .. !!

- إذن القدرة الإلهيه بكن فيكون .. كانت حاضرة في ذلك المشهد ولكن جماعة المتشككين أعماهم الله عن ذلك ..

 

2- من ناحية أخرى .. فمفهومك أخي الحبيب عن القدرة الإلهية بأنها تدخل الحكمة والإيمان لصدر النبي بكن فيكون .. هو فهم محدود .. إذ أن قدرة الله لا تتعلق بما يفهمه عقلك أنت .. وإنما تتعلق في العموم بقدرته هو على ما يريد فعله في الوجود الذي هو من تجلِّيه جل شأنه .. فإذا شفى مريض فهو بكن فيكون .. وإذا رزق أحد فهو بكن فيكون .. وإذا أمات أحد فهو بكن فيكون .. وإذا أحيا إنسان فهو بكن فيكون .. وهكذا كل أفعال الله في الوجود ..

- فلماذا حبست القدرة الإلهية بكن فيكون فقط في إدخال صفة الحكمة والإيمان في صدر النبي بدون أي وسيط .. ؟!! فإذا كنت تنكر الوسائط فأنت تتهم نفسك بأنك تنكر القرآن حينئذ بنفس منطقك الذي تتكلم به .. لأن القرآن نزل بواسطة جبريل على قلب النبي وكان من الممكن للقدرة الإلهية أن توحي بالقرآن مباشرة للنبي بدون وسيط ؟!!

 

- وبما أنك أكيد لا تنكر القرآن .. وبالتالي لا تنكر الوسائط بين الله وأنبياءه .. وبالتالي لا تنكر وجود جبريل كوسيط في حشو باطن النبي بالحكمة والإيمان .. وبالتالي يظهر لك أن المنطق الذي تكلمت به هو منطق ضال وفاسد ومنحرف عن الحق .. مش كده ولا إيه ؟!!

 

- والآن أقول لك بعدما ذكرت لك ما سبق: أليس شق صدره كان بقوله تعالى كن فيكون .. وذلك حينما أبطل قانونية أسباب الوجود فلم يحدث موت أو ألم للنبي حينما شق جبريل صدر النبي ؟!!

 

- إذن طلاقة القدرة بكن فيكون .. كانت موجودة في حادثة شق صدر النبي .. فانتبه وأبصر.

 

#- ثانيا: لماذا تم شق صدر النبي وكان من الممكن أن لا يحدث ذلك ؟

1- ذكر الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 هـ) في كتابه فتح الباري:

 - قال الإمام بن أبي جمرة .. الحكمة في شق قلبه مع القدرة على أن يمتلىء قلبه إيمانا وحكمة بغير شق .. هو الزيادة في قوة اليقين لأنه أعطي برؤية شق بطنه وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية .. فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالا ومقالا .. ولذلك وصف بقوله تعالى (ما زاغ البصر وما طغى).. (فتح الباري ج7 ص206).

 

2- قلت (خالد صاحب الرسالة) عن رأيي الخاص: أجد أن شق صدر النبي هو دلالة وإشارة للنبي على القدرة الإلهية التي ستشق له طريقا للسماوات .. فالذي شق صدرك دون أن تموت أو تتألم .. فهو أيضا الذي سيشق لك معراج للسموات العلى دون أن تموت أو تتألم .. 

- وكأن الله يبلغ النبي رسالة مفادها: اطمئن أيها الخليل الحبيب إلى أنه لا يوجد قانونية أسباب عقلية مما تعرفها تحكم ما سيحدث لك بعد شق صدرك وحدوث ما حدث في ذلك .. لأن الفاعل هو الله .. وطالما الفاعل هو الله فلا تستعمل عقلك لأن ما سيحدث مخالف لقانون العقل .. واطمئن بقلبك إلى ما سيحدث معك من عجائب لا تقل عجيبة عما حدث لك في شق صدرك الذي لم تمت فيه ولم تتألم بأدنى ألم .. بل كنت تتفرج في صمت لما يحدث .. فإنك بأعيينا ..

- إذن: شق صدر النبي هو تهيئة نفسية للنبي .. فأراد أن يعرِّف النبي على عجيب قدرته البديعة للأُنس بها وتذوقها .. وذلك تأهيلا وتهيئة له لما سيحدث له من عجائب تتعلق بالقدرة الإلهية بما يدهش العقول والقلوب .. وأن ما سيحدث معه لا علاقة له بقانونية أسباب العقل البشري .. بل كل ما سيحدث إنما هو بكن فيكون ..

 

#- خلاصة القول:

- القدرة الإلهية ظاهرة جدا بكن فيكون في حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم .. خلاف من يتوهم أن القدرة الإلهية لم تكن موجودة .. وكأنه يتعامى عن رؤية الحق فيما حدث وكمال القدرة الإلهية في ذلك ..!!

- والله أعلم .

 **********************

 ..:: س48: لماذا لم ينفخ جبريل بصفتي الحكمة والإيمان في النبي كما فعل ذلك مع السيدة مريم حينما نفخ فيها من روح الله ؟ ::..

- من الأسئلة المتداولة على الإنترنت .. والتي أيضا قد تخطر على بال البعض فيقول ما معناه: لماذا يرسل الله ملاك ليشق صدر النبي ليحشوه بالإيمان والحكمة .. وكان من الممكن أن ينفخ فيه من روح الله بالإيمان والحكمة كما نفخ في مريم من روح الله ؟!!

- وأيضا هذه من المسائل التي يستغلها .. المنكرين لحادثة الإسراء والمعراج حتى يوهمون المؤمنين بأن الحادثة غير صحيحة وغير معقولة .. !!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- تصورك لهذا السؤال الذي ذكرته نتيجة استماعك للجاحدين لقصة الإسراء والمعراج .. وتظن أنهم أهل عقل .. فهذا كلام خطأ .. لأن كلامهم ليس كلام عقلاء أصلا .. ليه ؟

- تعالى أقولك ليه ..

 

1- لأن هذا التساؤل خطأ من أساسه .. لأن جبريل حينما أتى لمريم فقد أتاها بتكليف من الله أن يفعل ذلك بنفخ الروح فيها .. وحينما أتى للنبي صلى الله عليه وسلم فمعه تكليف بأن يفعل شق الصدر للنبي .. وحينما حملت مريم لم يأت جبريل ليشق لها بطنها ويخرج ولدها لأنه ليس له تكليف بذلك ..

- إذن الله قادر على كل شيء أن يفعله .. ولكنه يختار لمواقف معينة أن يظهر قانون الأسباب ومواقف أخرى لا يظهر فيها قانون الأسباب .. حتى يخبرك أنه القادر القاهر على كل شيء والمتصرف فيه ظاهرا وباطنا ..

 

2- ومن ناحية أخرى فتصورك خطأ للمسألة أصلا .. وإلا لو مشيت على هذا المنطق .. فلماذا الله ترك الكفار يؤذون النبي ولم ينزل بالملائكة فيقتلوا الكفار أو يمحيهم بكن فيكون ؟ ولماذا ترك مريم تتألم ولم يخلق الجنين لحظيا بكن فيكون ولماذا أتى بجبريل أصلا بل كان جعل النفخة بكن فيكون مباشرة ؟!! ولماذا ترك الله أعداءه في الأرض يؤذون الأنبياء والمؤمنين وكان يمكن أن يمحيهم بكن فيكون ؟!!

 

- وهكذا يظل هذا الوسواس الشيطاني يسير في داخلك ليشكك في كل شيء .. لأنك لم تنتبه إلى أن فعل الله قد يأتي بقانون أسباب .. وقد يأت بغير قانون الأسباب .. وذلك وفق حكمته هو .. وليس وفق مزاج حضرتك وعقلك أنت في تصورك للقدرة الإلهية متى يجب أن تكون هكذا أو هكذا .. فافهم وكن بصيرا ولا تتبع سبيل الجاحدين المنكرين لقصة الإسراء والمعراج ..!!

 

#- خلاصة القول:

- جبريل عليه السلام ينفذ ما يأمره به الله .. ولا يفعل فعلا إلا بأمر الله .. قال تعالى عن الملائكة: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) مريم:64 ..، فإن قال الله لجبريل أن يفعل ذلك الفعل بطريقة معينة فهو ينفذ الأوامر .. وكل فعل من الله يأمر به ملائكته فلله فيه حكمة .. أما عن المنكر الذي يجعل من شروط القدرة الإلهية كيفية معينة في حدث معين فيقول أنها لو كانت هذه قدرة الله لكان حدث كذا بكيفية وليس هكذا .. ويكيِّف القدرة الإلهية في كل موقف على حسب مزاجه وهواه .. وكأنه عليم بقدرة الله في الوجود كيف تكون وطرق تصرف الله بقدرته في الوجود ..!!

- فهذا شخص حسابه عند ربه فيما ظن بربه إذ حكم على الله بما كان يجب منه وأولى أن يكون في ليلة الإسراء بدلا من فعل شق صدر النبي .. !! وهذا إن دل فإنما يدل على جهله وفساد عقله وسُقم قلبه واستيلاء الشيطان عليه حتى بال في نفسه بمثل هذه الوساوس . 

- والله أعلم .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .