ج30: قصة الإسراء والمعراج - هل صلاة النبي ليلة الإسراء بالأنبياء كانت قبل المعراج أم بعد نزوله من المعراج - وهل صلى النبي بالأنبياء والملائكة في السماء ليلة المعراج .

 بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثلاثون)

#- فهرس:

:: الفصل الثلاثون :: ج10/ مسائل عامة تتعلق برحلة الإسراء عن اختلاف العلماء في تحديد مكان صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء قبل المعراج أم في السماء أم بعد النزول من السماء ؟ ::

1- س86: هل صلاة النبي ليلة الإسراء بالأنبياء كانت قبل المعراج أم بعد نزوله من المعراج أم في السماء ؟

#- أولا: عن سبب الاختلاف بين العلماء في مسألة صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء أين كانت ؟!.

#- ثانيا: أقوال العلماء في تحديد مكان صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء .

#- ثالثا: ماذا نرجح من كلام العلماء في مسألة تحديد مكان صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج ؟!

******************

:: الفصل الثلاثون ::

*******************

..:: س86: هل صلاة النبي ليلة الإسراء بالأنبياء كانت قبل المعراج أم بعد نزوله من المعراج أم في السماء ؟ ::..

 

- من المسائل التي تجدها في كتب العلماء .. هي مسألة صلاة النبي بالأنبياء في المسجد الأقصى ببيت المقدس .. هل كانت قبل المعراج أم بعد المعراج أم في السماء ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سبق وذكرنا أن الرأي القائل بأن النبي لم يصل ببيت المقدس هو رأي غير دقيق .. كما سبق وأوضحنا في السؤال السابق الخاص برأي الصحابي حذيفة بن اليمان ..، إذ لا يتصور أن يذهب النبي لبيت المقدس ولا يصلي فيه ركعتين لله .. بغض النظر عن كونه صلى لوحده أو معه أحد من الأنبياء ..

 

- والعلماء حينما تكلموا في مسألة صلاة النبي في بيت المقدس أو المسجد الأقصى .. اختلفوا في جزئية حدوث الصلاة بالأنبياء .. متى حدثت هذه الصلاة ؟!! .. هل كانت قبل المعراج في بيت المقدس أم في السماء أم بعد المعراج في بيت المقدس ؟

- وإليك تفصيل ذلك ..

=============

 

#- أولا: عن سبب الاختلاف بين العلماء في مسألة صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء أين كانت ؟!!.

 

- وهذا الإختلاف كان له سبب قوي .. وهو أن بعض الروايات جاء فيها .. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل في المعراج عن الأنبياء الذين يسلم عليهم وكان جبريل يخبره أنه فلان .. كما جاء في الرواية التالية:

 

- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي .. ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ .. ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ .. مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا .. فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي .. ثُمَّ أَطْبَقَهُ .. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ..

- فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ .. قَالَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ .. قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ .. قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ .. قَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ .. قَالَ: نَعَمْ فَافْتَحْ ..

- فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ (أي جماعة كثيرة من الناس) .. وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ .. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ .. وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى .. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ .. قُلْتُ مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ (أي أرواح أبناءه) .. فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ .. وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ .. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ .. وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى ..

- ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ .. فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ .. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ .. فَفَتَحَ ..، قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ إِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ ..، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ: أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ ..

- وَقَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ .. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا .. قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ ..

- ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ .. قُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى ..

- ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ .. قُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟ .. قَالَ: عِيسَى ..

- ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ مَنْ هَذَا، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ) صحيح البخاري.

 

#- وفي رواية أخرى .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ .. وجاء في الرواية: ( ... فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ ..

- فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ .. ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ .. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ .. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ .. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ..

- فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي ..

- ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ .. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ .. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ .. قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ .. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ..

- ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ المُنْتَهَى ....) صحيح البخاري.

 

#- من الروايتين السابقتين يتبين لك أخي الحبيب .. أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف الأنبياء في السماء .. كما يظهر من سؤاله لجبريل: (قُلْتُ: مَنْ هَذَا ؟) .. وكما يظهر من كلام جبريل للنبي في الرواية الثانية: (هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ) .. فالتعرف على الأنبياء في السماء يدل على أنه أول مرة يراهم فيها النبي صلى الله عليه وسلم..

 

- ومن أجل ما سبق قال بعض العلماء أن رؤية الأنبياء كانت في السماء أولا .. ثم بعد ذلك عاد لبيت المقدس وجمع له الله الأنبياء فصلى بهم .. إذ لا يعقل أن يكون رآهم في المسجد الأقصى وصلى بهم وتكلم معهم .. ثم صعد للسماء وسأل عنهم وقال من فلان هذا ..!!

 

- وبناء على تلك الروايات السابقة .. أظن هو ما جعل بعض العلماء يميل إلى أن المعراج كان في ليلة .. والإسراء في ليلة أخرى .. لأنه كيف يقابلهم في الأرض ولا يعرفهم في السماء ؟!!

 

#- وعموما إليك بعض الأراء التي تكلم عنها العلماء في تحديد مكان صلاة النبي ليلة الإسراء .. حتى تعرف أنهم اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال ..

- بعضهم قال: الصلاة كانت في بيت المقدس قبل المعراج ..

- والبعض قال:  كانت في السماء ..

- والبعض قال: كانت بعد النزول من المعراج وكانت ببيت المقدس ..

 

@- وأذكر لك أخي الحبيب في البند التالي .. بعض ما قاله العلماء لتكون بصيرا به .. وذلك بهدف أن تعرف أن الإختلاف بين العلماء كان موجود في بعض تفاصيل الإسراء والمعراج .. وإن كانوا جميعهم اتفقوا على حدوث الإسراء والمعراج .. من الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا ..

 

====================

 

#- ثانيا: أقوال العلماء في تحديد مكان صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء .

 

1- قال القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544هـ):

#- فإن قيل: فكيف رأى موسى فى قبره يصلى، وكيف صلى بالأنبياء فى حديث الإسراء ببيت المقدس على ما جاء فى الحديث، وقد جاء فى الحديث نفسه أنه وجدهم على مراتبهم فى السماوات عليه ورحبوا به؟

- قيل يحتمل: أن رؤيته لموسى فى قبره وعند الكثيب الأحمر كانت قبل صعوده إلى السماء وفى طريقه إلى بيت المقدس ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء.

- ويحتمل: أنه رأى الأنبياء وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم ثم سألوه ورحَّبوا به.

- أو يكون: اجتماعه بهم وصلاتُه .. ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى .. فلا تتناقض الأحاديث وتستمر على الصواب. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تلخيصا لكلام الإمام القاضي عياض:

أ- أنه محتمل أن يكون النبي صلى بالأنبياء في بيت المقدس ..

ب- أو صلى بهم في السماء حينما قابلوه ..

ج- ومحتمل أنه صلى بهم لما أنهى المعراج ونزل للأرض ..

2- قال الإمام أبي يعلى ابن الفرَّاء الحنبلي (المتوفى: 526 هـ) – في كتابه الإعتقاد:

- وله صلى الله عليه الآية العظمى التي ظهرت له في الأرض والسماء .. التي لم يشركه فيها بشر .. ولم يبلغ الذي بلغه أحد من النُذُر .. التي إذا تدبرها ذو فهم وعقل وبصيرة علم أن الله قد جمع له فيها شرف المنازل والرتب .. ما فضله بها على الأولين والآخرين ..  وهو أنه ركب البراق .. وأتى بيت المقدس من ليلته .. ثم عرج به إلى السموات .. فسلم على الملائكة والأنبياء .. وصلى بهم .. ودخل الجنة، ورأى النار .. وافترض عليه في تلك الليلة الصلوات ورأى ربه .. وأدناه، وقربه، وكلمه، وشرّفه، وشاهد الكرامات والدلالات .. حتى دنا من ربه فتدلى .. فكان قاب قوسين أو أدنى. (الإعتقاد لأبي يعلى الموصلي ص40)

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على كلام الإمام القاضي أبو يعلى ابن الفراء:

- معنى كلامه أنه يظن أن الصلاة بالأنبياء .. إنما كانت في السماء وليس في الأرض .. وذلك يظهر حسب ترتيب كلامه رحمه الله .. وأن رؤية النار ودخول النار طان في السماء ..

 

3- قال الإمام محمد بن خليفة بن عمر الأبّي رحمه الله (المتوفى:827 هـ):

#- قال عياض: فإن قيل: رؤيته لموسى يصلي في قبره وصلاته بهم في بيت المقدس يعارض ما تقدم من أنه وجدهم في السماء ؟

- (قيل) يحتمل أنه مر بموسى وهو يصلي في قبره ثم سبقه موسى إلى السماء، وأما صلاته بالأنبياء عليهم السلام فيحتمل أنها لأول ما رأوه ثم سألوه ورحبوا به .. أو تكون رؤيته لموسى وصلاته بالأنبياء عليهم السلام بعد رجوعه من سدرة المنتهى).

 

#- قلت (أي الإمام الأبي): السؤال إنما هو على أنه أم بهم ببيت المقدس ولم يرد أنه رجع بعد نزوله إلى بيت المقدس .. فلا يصح الجواب بأنه أمهم بعد رجوعه عن السدرة ..!!

- وإنما يصح الجواب بذلك إذا كانت صلاته بهم في السماء حين لقيهم أولًا على منازلهم تلك فرحبوا به ثم لما رجع عن السدرة أمهم ويشهد لذلك سلام صاحب النار عليه فإن الظاهر أنه إنما سلم عليه في السماء (إكمال إكمال المعلم ج1 ص325).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تلخيصا لكلام الإمام الأبِّي:

أ- لم يرد نص يقول .. بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول بأنه قد رجع إلى بيت المقدس بعد المعراج .. بل الظاهر أنه بعد المعراج عاد للمسجد الحرام ..

 

ب- أن النبي قد يكون صلى بالأنبياء في السماء حين لقيهم هناك .. ويؤكد كلامه ذلك أن مالك خازن النار سلم عليه .. وهذا أشبه ما يكون أن يكون في السماء وليس على الأرض .. كما جاء في صحيح مسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَة؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى الْحِجْرِ، وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِى عَنْ مَسْرَاىَ، فَسَأَلَتْنِى عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبتْهَا (أي لم أكن منتبها لها وقت زيارتي) .. فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ (أي أصابني كرب أي ضيق لعجزي عن تذكر ما طلبوه مني)". قَالَ: فَرَفَعَهُ اللهُ لِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ .. مَا يَسْأَلُونِى عَنْ شَىءِ إِلَّا أَنْبَأتُهُمْ بِهِ .. وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ منَ الأَنْبِيَاءِ .. فَإِذَا مُوسَى قَائمٌ يُصَلى .. فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ (أي خفيف اللحم) جَعْدٌ (أي شعره ليس منبسطا) كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ شَنُوءَةَ (أي يشبه قبيلة من قبائل اليمن) ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ ..، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ .. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَاَئِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا "مَالِكٌ" صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ .. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلَامِ) صحيح مسلم.

 

- ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم (وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ منَ الأَنْبِيَاءِ) فذلك باعتبار رؤيتهم في السماء وليس في الأرض .. ورؤيتهم يصلون فهذا باعتبار حالهم في سماء كانوا يسكنون فيها ولكل واحد منهم صلاة كما الملائكة تصلي في السماء .. ولعل هناك صلاة جامعة قد حانت في السماء وجُعل النبي صلى الله عليه وسلم هو إماما لهم ولكل نبي ورسول وملك موجود في السماء حينئذ .. وقد يؤكد هذا المعنى ما جاء في رواية أخرى عن أبي هريرة ولكن بلفظ آخر: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي وَضَعْتُ قَدَمَيَّ حَيْثُ تُوضَعُ أَقْدَامُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .. فَعُرِضَ عَلَيَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. قَالَ: فَإِذَا أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ .. وَعُرِضَ عَلَيَّ مُوسَى .. فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: فَإِذَا أَقْرَبُ النَّاسِ شَبَهًا بِصَاحِبِكُمْ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: حديث صحيح وهذا إسناد حسن.

 

- فلعل النبي صلى الله عليه وسلم وصل بيت المقدس .. ثم صعد للسماء وتم عرض الأنبياء عليه ليتعرف عليهم .. والله أعلم .

 

- وجاء في (حديث ضعيف) .. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (تَلَقَّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ إلَّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو بِهِ حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا، وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ، إلَّا أنه لم يضحك، ولم أر منه الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْتُ مِنْ غَيْرِهِ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الَّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ يَضْحَكْ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الَّذِي رأيت من غيره؟ " قَالَ: "فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَمَا إنَّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَكَ، أَوْ كَانَ ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ، لَضَحِكَ إلَيْكَ، وَلَكِنَّهُ لا يضحك، هذا مالك صاحب النار) رواه ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والحديث فيه جهالة (بعض اهل العلم) الذي أخبر ابن اسحاق بهذا الخبر .. وجهالة من أخبر هذا الخبر عن النبي لبعض أهل العلم الذي أخذ عنه ابن اسحاق هذه الرواية ...!!

 

- ولكن لا مانع أن يكون قابل مالك خازن النار في السماء .. لأنه جاء في أحاديث صحيحة أنه رأى النار وبعض أحداث فيها .. وبالتبعية سيكون رأى مالك خازن النار بلا أدنى شك .. ولكن مسألة أنه كان لا يضحك ولم يضحك في وجه النبي فهذا غريب من وجهة نظري .. !!

 

- والشاهد مما سبق .. طالما قابل مالك خازن النار في السماء .. وأتى فسلم على النبي .. فما المانع أن يكون رواية صحيح مسلم السابقة عن رؤية الأنبياء بأوصافهم هي حكاية عما رآه في السماء ويكون صلى بهم في السماء أيضا ..

 

#- ملحوظة: ما سبق من دلائل كان مجرد فهما لمن قال بإمكانية أن تكون الصلاة بالأنبياء في السماء .. وليس انتصارا له .. وإنما تصورا لإمكانية صحة هذا الرأي من خلال بعض الأدلة وإمكانية تفسيرها لتتفق مع هذا الرأي لو صح .. إذ هو رأي محتمل حدوثه .. والله أعلم..

 

- وعن نفسي أظن أن هذا الرأي هو محتمل .. لأن الفاظ رواية صحيح مسلم يظهر منها بقوة أوضح أنها تميل لتكون صلاة أرضية وليس سماوية .. والله أعلم .

 

- وسيأتي ملاحظات بعد قليل .. على هذا الرأي القائل بظنية أو احتمالية صلاة النبي بالأنبياء في السماء لأنه قابل مالك خازن النار .. وهذه المقابلة يغلب على الظن أنها كانت في السماء ..  

 

#- ملحوظة هامة: جاء في بعض كتب الشيعة (حديث موضوع على ابن عباس وعلى النبي) وجاء فيه:

- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: (لما عرج بي إلى السماء فلما وصلت إلى السماء الدنيا قال [لي] جبرئيل عليه السلام: يا محمد صل بملائكة السماء الدنيا فقد امرت بذلك، فصليت بهم. وكذلك في السماء الثانية والثالثة.

- فلما صرت في السماء الرابعة رأيت بها مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي، فقال جبرئيل عليه السلام، تقدم وصل بهم، فقلت: يا أخي جبرئيل كيف أتقدم بهم وفيهم أبي آدم وأبي إبراهيم ؟ فقال: إن الله تعالى قد أمرك أن تصلي بهم .. فإذا صليت بهم فاسألهم بأي شئ بعثوا في وقتهم وفي زمانهم ؟ ولم نشرتم قبل أن ينفخ في الصور ؟ فقال: سمعا وطاعة لله ..

- ثم صلى بالانبياء عليهم السلام فلما فرغوا من صلاتهم .. قال لهم جبرئيل: بم بعثتم ولم نشرتم الآن يا أنبياء الله ؟ قالوا: بلسان واحد: بعثنا ونشرنا لنقر لك يا محمد بالنبوة ولعلي بن أبي طالب عليه السلام بالامامة) ذكره المجلسي في بحار الأنوار ج40 ص42.. ، (قلت خالد صاحب الرسالة): هذا الحديث موضوع على النبي وعلى ابن عباس .. مروي بدون أي سند .. والمتن ظاهر فيه صناعة الوضع والكذب من أجل الإنتصار للمذهب الشيعي لإظهار إمامة الإمام علي بن أبي طالب ..!!

- وسبب كتابتي لهذه الرواية عند الشيعة .. إذ وجدت فيها الصلاة بالأنبياء والملائكة في السموات فيظن أنها تتفق مع الرأي القائل بصلاة النبي في السموات ... ولعل البعض قد يرى هذه الرواية فيظن أنها رواية صحيحة .. فذكرتها للتنبيه عليها أنها موضوعة ومجهولة السند .. والله أعلم .

 

4- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 هـ):

- والأظهر: أن صلاته بهم ببيت المقدس كان قبل العروج .. والله أعلم. (فتح الباري ج7 ص209).

 

5- قال الإمام علاء الدين المعروف بالخازن رحمه الله (المتوفى: 741هـ):

- أما صلاته صلّى الله عليه وسلّم بالأنبياء في بيت المقدس يحتمل أن الله سبحانه وتعالى .. جمعهم له ليصلي بهم ويعرفوا فضله وتقدمه عليهم .. ثم إن الله سبحانه وتعالى ..، أراه إياهم في السموات على مراتبهم ليعرف هو مراتبهم .

- وأما مروره بموسى .. وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، فيحتمل أنه كان بعد رجوعه من المعراج. (تفسير الخازن ج3 ص117).

 

6- قال الإمام بن كثير رحمه الله (المتوفى:776 هـ):

- والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق .. فلما انتهى إلى باب المسجد، ربط الدابة عند الباب ودخله، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين.

- ثم أتى بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا .. ثم إلى بقية السموات السبع .. فتلقاه من كل سماء مقربوها .. وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم .. حتى مر بموسى الكليم في السادسة .. وإبراهيم الخليل في السابعة .. ثم جاوز منزلتيهما صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء .. حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام .. أي أقلام القدر بما هو كائن .. ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة وغشيتها الملائكة ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق .. ورأى البيت المعمور .. وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه .. لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة...، ورأى الجنة والنار فرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها.

- ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء .. فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ ..، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء ..، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ..، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه.

- والظاهر أنه بعد رجوعه إليه لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا .. وهو يخبره بهم .. وهذا هو اللائق .. لأنه كان أولا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى.

- ثم لما فرغ من الذي أريد به .. اجتمع به هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة .. وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك.

- ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بِغَلَسٍ .. والله سبحانه وتعالى أعلم.

- وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل أو اللبن والخمر .. أو اللبن والماء أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس وجاء أنه في السماء. ويحتمل أن يكون هاهنا وهاهنا، لأنه كالضيافة للقادم .. والله أعلم. (تفسير ابن كثير ج5 ص40).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تلخيصا لكلام الإمام بن كثير:

أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم .. قد صلى في بيت المقدس ركعتين أدبا لبيت الله وهما تحية المسجد .. وكانت صلاته منفردة وذلك في بداية ذهابة لبيت المقدس .

 

ب- أن النبي صلى الله عليه وسلم .. قد صلى بالأنبياء بعد عودته من المعراج .. إذ نزل ومعه الأنبياء .. وصلى بهم إمام في بيت المقدس .. ثم عاد للمسجد الحرام ..

- وما ذكره الإمام ابن كثير هو أحد الآراء .. التي كان ذكرها الإمام القاضي عياض ورجحها .. وراجع كلام القاضي عياض قبل عدة سطور ..

 

#- ملحوظة: ولعل بعد صلاة النبي بالأنبياء وقبل عودته للمسجد الحرام .. قد جلسوا يتكلمون يأنسون ببعضهم البعض وتكلموا في مسائل ..

- إذ جاء في (حديث مختلف عليه بين الصحة والضعف) .. عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى "، قَالَ: " فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ: أَمَّا وَجْبَتُهَا، فَلَا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلَّا اللهُ، ذَلِكَ وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، قَالَ: وَمَعِي قَضِيبَينِ (أي سيفين) ، فَإِذَا رَآنِي، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، قَالَ: فَيُهْلِكُهُ اللهُ، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ، وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ، وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ (أي مرتفع) يَنْسِلُونَ (أي ينحدرون مسرعين)، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللهَ عَلَيْهِمْ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ وَيُمِيتُهُمْ، حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ (أي يصبها رائحة نتنة تملأ الأرض) مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ، قَالَ: فَيُنْزِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ) رواه أحمد والحاكم .. وقال الحاكم في الحديث رقم3448: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .. فأما مؤثر فليس بمجهول " قد روي عن عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وروى عنه جماعة من التابعين. (انتهى النقل) .. ووافقه الذهبي على هذا التصحيح..، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف، مؤثر بن عَفَازَة لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، فهو في عداد المجاهيل، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. هشيم: هو ابن بشير، والعوام: هو ابن حوشب. (انتهى النقل) .

 

@- والرأي الذي أشار إليه القاضي عياض واختاره ابن كثير نجد البعض قد اعترض عليه فقال:

#- لا يمكن أن يكون صلى بهم وقت نزوله من المعراج لأن الروايات لم تقل بهذا ..

-  فهذا أقول له:

أ- أن عدم ورود نص برجوع النبي لبيت المقدس .. ليس فيه دليل على عدم الرجوع ..!!

 

ب- وجود البراق مربوط في مكانه ببيت المقدس .. وهذا الربط دليل على عودة النبي مرة أخرى وإلا ما فائدة ربط البراق حينئذ ؟!!

 

ج- بل أن هذا الرأي يؤيده نص في رواية جاءت عن ابن عباس .. مختلف على صحتها وضعفها .. ويظهر منها أن الصلاة بالأنبياء كانت بعد النزول من المعراج .. وهي كالآتي:

#- جاء في (حديث مختلف عليه بين الصحة والضعف) .. عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ .. فَسَمِعَ مِنْ جَانِبِهَا وَجْسًا ( أي صوت خفي) ..، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا بِلالٌ الْمُؤَذِّنُ "، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ إِلَى النَّاسِ: قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ .. رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا.

- قَالَ: فَلَقِيَهُ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، فَقَالَ: وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ، سَبْطٌ شَعَرُهُ مَعَ أُذُنَيْهِ، أَوْ فَوْقَهُمَا فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ..، قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ عِيسَى، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ..، قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخٌ جَلِيلٌ مَهِيبٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ .. قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ.

- قَالَ: فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ..، وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْدًا شَعِثًا إِذَا رَأَيْتَهُ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ.

- قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي .. ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ .. فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ .. أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ عَنِ الشِّمَالِ .. فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ .. فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ: الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَحُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) رواه أحمد .. وقال ابن كثير: إسناده صحيح (تفسير ابن كثير ج5 ص25) ..، وذكره الضياء المقدسي على أنه صحيح في (الأحاديث المختارة ج9 ص551) ..، وقال الهيثمي في المجمع: وفيه قابوس وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ج8 ص92) ..، وذكر السيوطي تصحيحه (في الدر المنثور ج5 ص214) ..، وقال أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد: إسناده صحيح (راجع تحقيقه على المسند: ج3 ص64 حديث رقم2324) ..، وقال الضياء الأعظمي في الجامع الكامل: وإسناده حسن من أجل قابوس وهو ابن أبي ظبيان مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف أو لم يأتي بالمناكير، ولفقرات حديثه هذا شواهد كثيرة. (الجامع الكامل ج14 ص450)..، وقال الألباني تعقيبا على من صحح الحديث: وهو تساهل واضح فإن قابوس - وهو ابن أبي ظبيان - فيه لين كما قال في "التقريب". (الإسراء والمعراج ص74)..، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف، قابوس مختلف فيه (مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون ج4 ص167).

 

#- فقول بن عباس: (فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي) .. بعد أن ذكر مشاهد الجنة والنار .. فهذا فيه دليل على أن الصلاة حدثت بعد المعراج ..

- وقوله (فلقيه موسى) .. فهذا ليس في الجنة وإنما في سعيه وصعوده في السموات كما جاء في الروايات .. وإنما ابن عباس ذكر مشهد واحد في الجنة عن بلال وهو ما تذكره .. ثم انتقل للكلام عن صعود النبي للسموات .. ومقابلته للأنبياء .. مع وجود نكارة في ترتيب مقابلة الأنبياء إذ من المفترض أنه قابل عيسى أو لا ثم موسى وليس العكس ..

- وقوله (فنظر في النار) .. أي وكان من المشاهد التي رآها في النار هي كذا ..

 

====================

 

#- ثالثا: ماذا نرجح من كلام العلماء في مسألة تحديد مكان صلاة النبي بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج ؟!

 

- من الصعب الترجيح بين الإحتمالات الثلاثة المطروحة أمامنا وغيرها مما ذكره العلماء .. إذ أنها محتملة جميعا .. إذ أنه يمكن أن تكون الصلاة قبل المعراج .. أو في السماء .. أو بعد النزول من المعراج .. بل والبعض قال محتمل تكون صلى بالأنبياء قبل المعراج وبعده ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- سأحاول تحقيق الآراء السابقة فيما يتعلق بها اعتراض أو اتفاق قدر المستطاع .. وأذكر لك ما أميل إليه .. فأقول وبالله التوفيق:

1- الرأي الأول: عن الظن بصلاة النبي بالأنبياء قبل الصعود في السماء ..

- وهنا إشكالية على هذا الرأي تكمن في سؤال واحد وهو: إذا كان الإسراء والمعراج وفي ليلة واحدة .. والنبي صلى بالأنبياء في المسجد الأقصى أو بيت المقدس قبل العروج به للسماء .. فلماذا كان يسأل جبريل عن الأنبياء الذين كان يقابلهم في السماء طالما كان تعرف عليهم على الأرض قبل صعوده للسماء حينما صلى بهم في بيت المقدس ؟

- إذ جاء في الحديث أنه تعرف عليهم جيدا ..!!

 

- إلا لو قيل أن المعراج كان في يوم .. والإسراء في يوم آخر .. خاصة وأن سورة النجم التي فيها آيات المعراج .. قد نزلت قبل سورة الإسراء بخمس سنوات تقريبا ..!! وهذا رأي مال إليه بعض العلماء ..، ولكنه رأي خلاف ما اجتمع عليه عموم العلماء من أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة لوجود روايات صحيحة قالت بذلك ..

 

2- رأي ثاني: عن القول القائل أن النبي صلى الله عليه وسلم محتمل أنه صلى بالأنبياء في السماء .. لأن مالك صاحب النار قد أتى للسلام على النبي .. والأليق به أن يكون ذلك حدث في السماء حينما قابله .. كما جاء في الرواية التالية ..

- (حديث صحيح) .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ منَ الأَنْبِيَاءِ .. فَإِذَا مُوسَى قَائمٌ يُصَلى .. فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً عُرْوَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ - يَعْنِى نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ .. فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ .. قَالَ قَاَئِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا "مَالِكٌ" صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ .. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلَامِ) صحيح مسلم. 

 

#- وهنا أقول:

أ- الظن بغرابة أن النبي صلى في السماء بالأنبياء لأن مالك صاحب النار سلم على النبي في الأرض .. فهذا ليس فيه غرابة أن يسلم عليه ملائكة في الأرض .. إذ أن أول سلام من جبريل عليه السلام وهو رئيس الملائكة للنبي صلى الله عليه وسلم كان في الأرض ..!! فما الغرابة حينئذ في سلام مالك خازن النار على النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض .. وما المانع أن يكون سلامه للنبي على الأرض ؟!!

 

#- ولكن قد يقال ردا على ما سبق: وما المانع أيضا أن يكون قابله في السماء ؟!!

 

ب- ولو كان مالك صاحب النار على النبي في السماء .. فقد يقال: ما الخصوصية في ذلك .. إذ أن الملائكة كانت تسلم عليه في السماء عند كل سماء كان يدخلها ؟!!

 

#- ولكن قد يقال ردا على ما سبق: ليس المسألة في تسليم مالك على النبي فقط من باب التشريف بالنبي وإنما لنفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراه الله النار التي مالك هو حارسها .. وذلك لتكون للنبي آية من آياته الكبرى في عالم الغيب .. والله أعلم.

 

ج- وقد يقال أن سبب نزول مالك صاحب النار في بيت المقدس وبدأه بالسلام على النبي .. فيه إشارة .. إلى خصوصية تكريم لم تحدث لنبي قبله أن نزل مالك حازن النار لملاقاته والسلام عليه ..، وفي نزول مالك والسلام على النبي قد يكون فيه إشارة أخرى من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن السلام عليك وعلى من اتبعك من أمتك من النار بخصوصية عناية ورحمة من الله .. فأبشر بخير يا نبي الله .. والله أعلم.

 

#- ولكن قد يقال ردا على ما سبق: لو صحت الإشارة السابقة في سبب ملاقاة مالك في الأرض .. فهذه الإشارة أيضا تقال في ملاقاة مالك في السماء .. فما يقال هنا يقال هناك ..!!  

 

@- إذن مما سبق .. لا حجة قوية في ملاقاة مالك في الأرض .. وإنما محتملة .. ومحتمل أيضا ملاقاة مالك في السماء .. والله أعلم .

 

3- رأي ثالث: قال بعض العلماء لعل الصلاة بالأنبياء كانت قبل المعراج وبعد المعراج وفي السماء ..

- ولكن سيتبقى معنا السؤال المهم .. وهو كيف تعرَّف على الأنبياء في الأرض حين صلى بهم ثم لما صعد للسماء سأل عنهم من هؤلاء يا جبريل ؟!!

- أما عن الصلاة في السماء .. فيقصد بها أن النبي قد يكون صلى بالأنبياء والملائكة في مسجد البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعين ألف ملك ولا يخرجون ..

- ولكن هذا الكلام لم يأت به خبر عن الصلاة في البيت المعمور بالأنبياء والملائكة .. وبالتالي فهو مجرد ظن قد ظنه البعض ..

 

4- رأي رابع: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء بعد نزوله من المعراج وقبل عودته لمكة ..

- وهذا هو الرأي المستقيم مع العقل ولا إشكالية فيه .. ولذلك قال القاضي عياض رحمه الله: اجتماعه بهم وصلاتُه .. ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى .. فلا تتناقض الأحاديث وتستمر على الصواب. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).. وهذا الرأي هو الذي اعتمده الإمام ابن كثير ووافق عليه أيضا .

 

#- خلاصة القول:

1- تحديد مكان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ليلة الإسراء هو محل خلاف بين العلماء .. منهم من قال أنه صلى بالأنبياء قبل المعراج .. ومنهم من قال صلى بهم في السماء .. ومنهم من قال أنه صلى بهم بعد رجوعه من المعراج .. بل ومنهم من قال لعل الصلاة كانت قبل المعراج وبعد المعراج .. وعلى هذا القياس فيقال لعل الصلاة بالأنبياء كانت قبل المعراج وفي السماء وبعد المعراج ..!!

 

- وليست المشكلة في تكرار الصلاة بالأنبياء .. وإنما المشكلة في أن كيف أنه صلى بهم على الأرض .. ثم صعد للسماء ولم يعرفهم وسأل عنهم جبريل من هؤلاء ؟!!

 

- ولكن لو قيل صلى بهم في السماء ونزل بهم الأرض فصلى بهم فلا مشكلة في ذلك .. لأنه بالفعل يكون تعرف عليهم في السماء ونزل الأرض وهو يعرفهم .. فالكلام حينئذ مستقيم الفهم .. وهو الرأي الذي أشار إليه بن كثير رحمه الله .

 

2- الذي أحسبه وأظنه .. هو ما اختاره الإمام بن كثير الذي قال فيه أن صلاة النبي ببيت المقدس حين ذهابه إليه كانت صلاة فردية كتحية للمسجد .. ثم أن صلاته بالأنبياء الثلاثة موسى وعيسى وإبراهيم كانت بعد نزول النبي من المعراج السماوي وقبل العودة للمسجد الحرام .. ويكون رؤيته لموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره أن ذلك رآه حين عودته من بيت المقدس إلى المسجد الحرام .. وكأن موسى بعد مفارقته للنبي في بيت المقدس يكون عاد لحاله البرزخي كما كان .

 

#- ويترتب على هذا الرأي ثلاث ملاحظات:

أ- أن صلاته حينئذ كانت بجماعة من الأنبياء كما جاء في رواية أبي هريرة عن النبي إذ قال: (وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّى، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ – يَعْنِي : نَفْسَهُ - فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَأَمَمْتُهُمْ ...) صحيح مسلم.

 

- وقد سبق الكلام على جزئية عدد الأنبياء الذين صلى معهم النبي .. راجع الفصل الثالث والعشرون .. تحت عنوان: (س71: كيف نعقل صلاة مائة وأربعة وعشرون ألف نبي خلف النبي في ساحة المسجد الأقصى الذي لا يتسع لأكثر من خمسة آلاف مصلي ؟!! – البند رابعا: الثابت من عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام).

 

ب- وتكون الصلاة التي صلاها بالأنبياء بعد نزوله من السماء .. إما صلاة الفجر أو ركعتي قيام ليل .. وقد سبق الكلام على هذه الجزئية .. راجع الفصل الثالث والعشرون .. تحت عنوان: (س74: ما هي الصلاة التي صلاها النبي بالأنبياء ليلة الإسراء وما هي هيئتها وهل كان لها وضوء وما هيئته ؟).

- والله أعلم .

 

ج- والصلاة كانت بإحياء الأنبياء له ليصلون معه جسدا وروحا في بيت المقدس .. وراجع هذه الجزئية في الفصل الحادي والعشرون .. تحت عنوان: (س65: هل صلاة الأنبياء والرسل مع النبي في بيت المقدس كانت بالروح أم بإحيائهم له ؟) ..

 

#- وهنا سؤالين:

- الأول: قال البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إسراءه لبيت المقدس ومقابلته الانبياء في بيت المقدس (سواء قبل المعراج أو بعده) إنما كان هذا من خلال بيئة برزخية ..  أي في عالم الحجاب الغير مرئي أي ذهب لهم في عالم الأرواح ..!!

-  فمن أين أتوا بهذا الكلام ..؟ وهل يمكن قول هذا الكلام ..؟

 

- الثاني: كيف يصلى النبي ركعتي تحية مسجد في بيت المقدس .. بل وكيف صلى بالأنبياء الثلاثة (موسى وعيسى وإبراهيم) في بيت المقدس وهو حينئذ كان عبارة عن مكان مخصص لمزبلة وكُناسة الرومان ؟!!

- تابع معي في الفصل القادم إن شاء الله تعالى .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .