ج31: قصة الإسراء والمعراج - هل كان إسراء النبي للمسجد الأقصى ومقابلته للأنبياء هناك كان من خلال طريق برزخي غيبي أو عالم موازي لنا.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الحادي والثلاثون)

#- فهرس:

:: الفصل الحادي والثلاثون :: ج11/ مسائل عامة تتعلق برحلة الإسراء عن  مسألة اسراء النبي بالبرزخ ومقابلته الأنبياء في عالم برزخي ::

1- س87: هل كان إسراء النبي للمسجد الأقصى ومقابلته للأنبياء هناك كان من خلال طريق برزخي غيبي أو عالم موازي لنا ؟

#- أولا: لو كان مقصودهم هو أن الإسراء كان كشفا مناميا ..

#- ثانيا: ولو كانوا يقصدوا بكلامهم عن الطريق البرزخي .. أنه كالكشف الروحاني ولكن في اليقظة ..

#- ثالثا: ولو كان المقصد بكلامهم عن الطريق البرزخي .. هو إسراء الله بذات نبيه جسدا وروحا ولكن في طريق برزخي غيبي في عالم موازي لنا .

#- ما الذي جعل بعض العلماء يقولون: أن النبي كانت رحلته من خلال عالم البرزخ بجسده ..؟!!

#- هذا الرأي البرزخي .. أدلة وتعقيبات وردود.

******************

:: الفصل الحادي والثلاثون ::

*******************

..:: س87: هل كان إسراء النبي للمسجد الأقصى ومقابلته للأنبياء هناك كان من خلال طريق برزخي غيبي أو عالم موازي لنا ؟ ::..

 

- من المسائل التي وجدتها من بعض العلماء أن رحلة الإسراء كانت من خلال طريق برزخي في عالم برزخي .. أي في عالم موازي لنا ولا نراه كبشر .. مثل عالم الحجاب الذي يسكنه الجن ولا نراهم من خلاله .. فكذلك رحلة الإسراء كان من خلال عالم محجوب لا يعلمه الناس .. وفي هذا العالم قابل النبي الأنبياء وصلى بهم في المسجد الأقصى .. (بغض النظر عن أنه قابلهم وقت الإسراء أم بعد النزول من المعراج) .. ففي الحالتين كان لقائه بهم في عالم برزخي محجوب عن الأعين ..

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- من المهم قبل أن نبدأ بمناقشة هذه المسألة الخاصة بقضية الرحلة البرزخية .. أن نفهم ما المقصود بالطريق البرزخي الذي أسرى الله بنبيه فيه حسب ما ظنه أصحاب هذا الرأي الذي يقول بإسراء النبي في عالم برزخي أو عالم غيبي أو عالم موازي لعالمنا يرانا منه ولا نراه ؟!

 

#- فأقول الآتي حتى نتبين مقصودهم إذ لم يتبين لي بدقة ما هو مقصودهم:

 

#- أولا: لو كان مقصودهم هو أن الإسراء كان كشفا مناميا ..

 

1- لو كان كشفا مناميا .. فهذا حينئذ ليس إسراء وإنما منام .. وطالما هو منام فلماذا طلب كفار قريش توصيف بيت المقدس .. وطلب التوصيف لا يكون إلا لمن شاهد وعاين بنفسه الشيء ؟!!

- وما وجه الإستغراب والتعجب والإندهاش التي تدعونا لنقول "سبحان الله" ؟!!

 

2- وهل نزلت آية الإسراء .. لتخبرنا أن الله جعل نبيه يرى مناما ..!!

- أكيد .. لا .. وإلا ما العجب في أن يرى النبي مناما ؟!!

 

3- هناك ثلاثة ألفاظ تدل على أن الإسراء كان يقظة بالجسد النبوي الشريف من خلال قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى) الإسراء:1 ..

- (سبحان): وهو لفظ لا يقال إلا لعجيبة وغريبة من القدرة الغير متعارف عليها .. ولا يعقل أن يقال التسبيح في حق الله لأنه جعل نبيه يرى مناما .. إذ أن المنام يحدث لكل شخص ولا عجيبة في ذلك .!!

 

- (أسرى): والإسراء يكون بحقيقة مادية وهي بالجسد .. إلا لو قيل أنه مجازا فليأت بدليل من القرآن يشهد بذلك .. لأن القرآن يشهد أن لفظ (عبد) يقال لمن جسد وروح .

 

- (بعبده): فالباء تفيد الإلصاق الذي هو جماع الجسد والروح .. ولفظ (العبد) يدل على أنه كان جسدا وروحا .. إذ أن العبد لا يقال على ما هو روحا أو مناما .. أي أن لفظ (بعبده) لا يقال إلا على نفس إنسانية مادية أي جسد وروح .. فضلا عن أن الله لم يقل (أسرى بروحه) ..

 

#- وللمزيد من المناقشات لهذه الجزئية المنامية .. يمكنك الرجوع للفصل الثاني عشر .. تحت عنوان (س33: هل كان الإسراء والمعراج يقظة أم مناما وبالجسد أم الروح ؟) .. وستجد ما يشبعك من كلام العلماء والعقلاء ما يفسد هذا التصور المنامي.

 

====================

 

#- ثانيا: ولو كانوا يقصدوا بكلامهم عن الطريق البرزخي .. أنه كالكشف الروحاني ولكن في اليقظة ..

 

1- وهنا نقول .. ما الفرق بينه وبين المنام .. إذ في الحالتين الإدراك روحاني .. وما قيل منذ قليل في المنام .. يقال هنا أيضا ..

 

2- كما لا يخفى على منتبه .. أن المتوجهة روحانيا لا يختار وسيلة ركوب مادية لتنتقل بها ولا إلى ماء أو لبن ليشربه ..!!

- كما أن عالم الأرواح لا يتم فيه شق صدر ويوضع فيه حكمة وإيمان ..!! فهذا من صفات الأجساد وليس من صفات الأرواح .. !!

 

3- وحتى تطمئن .. فدعني أقول لك: هل حينما قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى) الإسراء:1 .. هل قالها عن إسراءه للمسجد الأقصى أم قالها حينما كشف الله لنبيه من خلال جبريل عن بيت المقدس ليحكيه لكفار مكة ؟

- أكيد الآية تكلمت عن الإسراء .. وليس عما حدث بعد عودته من الإسراء ..

- إذن: من المستحيل أن تكون هذه الرحلة حدثت عن كشف روحاني في حال اليقظة .. لأن هناك فرق بين ما حدث من حقيقة واقعية مادية جسدية .. وبين ما حدث من كشف روحاني جبرائيلي للنبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله كفار مكة عن وصف بيت المقدس.

- مش كده ولا إيه .؟!!

 

4- ومن السخافة .. تشبيه حال النبي صلى الله عليه وسلم بحال أهل المكاشفات الروحانية .. وذلك في رحلة طلب الله منا أن نسبحه فيها لكمال قدرته ؟!!

- فهل يعقل أن يكون طلب الله منا أن نسبحه من أجل حدوث كشف روحاني حدث للنبي صلى الله عليه وسلم ؟!!

- أهذا يعقل يا مؤمن ؟!! بكل تأكيد .. لا ..

- يبقى نحترم عقلنا وبلاش خرافات ..

 

#- وللمزيد من المناقشات لهذه الجزئية الكشفية الروحية .. يمكنك الرجوع للفصل الثالث عشر .. تحت عنوان (س35: هل أسرى الله بروح النبي وهو في حال اليقظة إلى القدس ثم السماء وكأنه كشف روحاني ؟) .

 

====================

 

#- ثالثا: ولو كان المقصد بكلامهم عن الطريق البرزخي .. هو إسراء الله بذات نبيه جسدا وروحا ولكن في طريق برزخي غيبي في عالم موازي لنا ..

 

- فهذا رأي له وجاهته .. ويكون من أحد الآيات التي حدثت له وهو أن يسلك طريقا غيبيا بجسده المادي في عالم موازي لعالمنا .. وطريق الإسراء البرزخي حينئذ يشبه في حالته مثل العالم الغيبي الذي يعيش فيه عالم الجن ويشبهه من حيث كوننا في حجاب عنه وهم يرونا ونحن لا نراهم .. أي كان إسراء النبي من خلال طريق برزخي يرى منه النبي العالم المادي والعالم الذي يتم الإسراء فيه .. كالزجاج الأسود في زماننا الذي يتم الرؤية فيه من خلال جانب واحد فقط ..

 

- ولكن هذا العالم البرزخي الذي أسرى فيه النبي مع جبريل .. إذا كان مثل عالم الجن البرزخي من حيث كوننا لا نراه .. إلا أنه يختلف عن عالم الجن .. في أنه عالم آخر موازي لعالم الجن .. فعالم الإسراء الذي أسرى فيه النبي هو عالم من الحق المطلق .. لا يأتيه الباطل أبدا لأنه لا تصرف فيه بالقدرة لأي مخلوق .. وهو عالم البرزخ الخاص بالموتى والذي رأى فيه النبي بعض أحوال المعذبين .. ورأى فيه شجرة الزقوم في أصل الجحيم .. ورأى فيه موسى يصلي في قبره .. وهذا العالم لا قدرة فيه لإنس ولا لجن .. حيث تم سلب القدرة منهم بصورة كلية استعدادا ليوم القيامة.

 

@- وهذا الرأي وجيها وأميل إليه .. وأحببت أن أوضح فيه أمورا .. من خلال ثلاثة توجيهات لهذا الرأي الذي يقول بانتقال النبي بذاته جسدا وروحا ولكن من خلال طريق غيبي.

 

#- الأول: ما الذي جعل بعض العلماء يقولون أن النبي كانت رحلته للأقصى من خلال عالم البرزخ بجسده ..؟!!

- لم أجد في كلام العلماء من أصحاب هذا الرأي .. أي أدلة سوى أنه مجرد رأي .. ولكن في الحقيقة يمكن أن يكون لهم كذا دليل لإثبات ذلك .. وسأذكر لك هنا ما يمكن أن يذكروه كأدلة لهم لإثبات أن الإسراء كان من خلال طريق برزخي يرى منه النبي العالم المادي والعالم الذي يتم الإسراء فيه .. ما أذكره لك هنا من أدلة تتعلق بهذا الرأي .. فإنما هو مجرد تصور مني لما يمكن أن يقوله أصحاب هذا الرأي وليس هو كلامهم فعلا ولا نقلا عنهم .. إذ لم أجد لهم إلا مجرد رأيهم .. فانتبه .

 

- فأظن أن من قال بهذا الرأي .. كان يدور برأسه ما سأذكره لك الآن من معلومات جعلته يذهب بعقله إلى أن هذه الرحلة كانت من خلال طريق برزخي أو طريق غيبي غير مرئي لنا .. وليس من خلال طريق مادي مرئي للعوام .. وهذا ما أظنه كان يفكر فيه – والله أعلم – :

 

1- فقد يستدلوا فيقولوا: لو كان ما حدث للنبي من بداية الإسراء مثل الإتيان بالبراق وأخذ النبي من الحرم وشق صدره ورؤية الملائكة .. فكل هذا من شأنه أن يبطل اختبار الإيمان .. إذ أن هذه مسائل لا تجعل المرء يشك أبدا أن هذا رسول الله مع هذه الأحداث ..

 

#- تعليق على ما سبق:

- ولماذا لا يقال أن القدرة الإلهية يمكنها أن تضرب بالنوم العميق على أهل مكة في تلك اللحظة خاصة والوقت منتصف الليل إذا نادرا ما يكون إنسان يتحرك في ذلك الوقت بذلك الزمان في هذا المكان .. وبالتالي لا ينتبهوا لهذه الأحداث لو كانت مرئية لنومهم ..

 

- ويوجد شاهد آخر على أنه ليلة الهجرة .. قد جعل الله الغشاوة على أعين الجماعة الذين يرصدوا بالنبي ليقتلوه .. فخرج من أمامهم وقد ألقى الله عليهم النوم بل ووضع على رؤوسهم شيئا من التراب .. وخرج للهجرة ولم يره أحد في حين كانوا متربصين به جدا ..!! 

 

#- وقد يرد على ما سبق فيقال: ولكن ما رآه النبي لم يكن من خلال طريق مادي .. لأن رؤية النار وأحوال المعذبين لا رؤية لها في عالم الظاهر .. فثبت بذلك أن هذا كان طريق برزخي لا محالة ..، فضلا عن أن ضرب النوم على الإنس وإن كان ممكن فهذا يتطلب أيضا ضرب النوم على عالم الجن والشياطين .. وهذا يتطلب دليل ولا وجه له معقول لنقول بذلك.

 

2- وقد يستدلوا فيقولوا: في مسألة صلاة النبي بعدد كبير من الأنبياء .. وحسب ما جاء في بعض الروايات أنه صلى بالأنبياء والمرسلين جميعهم ..!! وإذا بحثنا عن مفهوم جميعهم فسنجد أنه قد أتت روايات بأن عددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ورسول .. وبالتالي كيف يعقل أن يصلي النبي بهذا العدد وهو أشبه بجيش كبير .. دون أن ينتبه له الرومان الذين كانوا محتلين بيت المقدس في ذلك الوقت ؟!!

- ولكن هذا المشهد قد يعقل .. لو تم هذا الموقف في عالم موازي لعالم المادة وفيه إدراك لعالم المادة من وراء حجاب .. مثلما يرانا الجن ويصلي معنا ولكننا لا نراه ولا نشعر به ..

 

#- قد يقال تعليقا على ما سبق:

أ- المسجد الأقصى هو مسجد معلوم لمن يسمع خبره وليس مسجد برزخي ..!!

 

ب- الروايات الصحيحة لم يأت فيها إلا صلاته بثلاثة من الأنبياء فقط وهم موسى وعيسى وإبراهيم .. وهؤلاء هم من صلوا معه في بيت المقدس .. وإنما قد يقال هذا الكلام لمن يظن أن النبي صلى بهم في السماء فمحتمل أن يكون صلى بهم أرواحا .. بل ومحتمل أن يكون صلى بالملائكة ..

 

#- ولكن يرد على ما سبق فيقال:

- كل عالم المادة له وجه ظاهر ووجه باطن .. حتى الإنسان نفسه فيه ظاهر وباطن .. إذ أن نفسه مكونة من عالمين وهما الروح والجسد وكلاهما لهما عالمين ويعيشان في عالم المادة ولكن كلا منهما وله إدراكه إذ أن إدراك الجسد ظاهر وإدراك الروح باطن .. وكذلك مثل حال عالم الجن معنا .. هم يسكنون نفس الأرض التي نسكنها ولا نراهم في حين هم قد يروننا .. فالمكان يجمعنا .. ولكن لا نراهم بسبب الحجاب الذي بيننا وبينهم.

 

- ولذلك قد يكون النبي صلى بالأنبياء في المسجد الأقصى في حيز من عالم الحجاب أو البرزخ الذي لا يراه منه أحد .. بالرغم من تواجده في نفس المكان ..

 

3- وقد يستدلوا فيقولوا: أنه جاء في بعض روايات الإسراء .. أن النبي رأى مشاهد في إسراءه وقبل دخول لبيت المقدس .. وهذه المشاهد برزخية في حق العصاة الذين يعذبون في النار .. وهذا لا يكون إلا حجاب البرزخ وليس إسراء في العالم المادي المرئي .. ومن هذه الروايات هي رواية قيلت عن أبي هريرة .

 

#- جاء في (حديث ضعيف سندا – منكر جدا متنا) .. عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرِهِ "شَكَّ من أَبُو جَعْفَرٍ": (..... ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهُ مُنْتَهَى طَرَفِهِ وَأَقْصَى بَصَرِهِ قَالَ: فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ..

- فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَبْرَائِيلُ مَا هَذَا؟» قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يَخْلُفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ..

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ: «مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيلُ؟» قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ، وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ وَرَضَفَ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتَهَا، قَالَ: «مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيلُ؟» قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ شَيْئًا، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ نَضِيجٌ فِي قُدُورٍ، وَلَحْمٌ آخَرُ نِيءٌ قَذِرٌ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ النِّيءِ، وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ، فَقَالَ: «مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَئِيلُ؟» قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ، تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ، فَيَأْتِي امْرَأَةً خَبِيثَةً فَيَبِيتُ عِنْدَهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا، فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا، فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى تُصْبِحَ.

- قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ، قَالَ: «مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ؟» قَالَ: هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَقْطَعُونَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصَدُّونَ} [الأعراف: 86] الْآيَةَ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةَ حَطَبٍ عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ؟» قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِنْدَهُ أَمَانَاتُ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهَا، فَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ: «مَا هَؤُلَاءِ يَا جَبْرَائِيلُ؟» فَقَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ، فَجَعَلَ الثَّوْرُ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ؟» قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ، ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهَا، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّهَا.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ، فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً بَارِدَةً، وَفِيهِ رِيحُ الْمِسْكِ، وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: «يَا جَبْرَائِيلُ مَا هَذَا الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الْبَارِدَةُ وَهَذِهِ الرَّائِحَةُ الَّتِي كَرِيحِ الْمِسْكِ، وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟» قَالَ: هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ غُرَفِي وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي وَسُنْدُسِي وَعَبْقَرِيِّي وَلُؤْلُؤِي وَمَرْجَانِي وَفِضَّتِي وَذَهَبِي وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي وَفَوَاكِهِي وَنَخْلِي وَرُمَّانِي، وَلِبَنِي وَخَمْرِي، فَآتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمَسْلَمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي، وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَةً، فَقَالَ: وَمَا هَذِهِ الرِّيحُ يَا جِبْرَئِيلُ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " قَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ، تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي وَسَعِيرِي وَجَحِيمِي وَضَرِيعِي وَغَسَّاقِي وَعَذَابِي وَعِقَابِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي وَاشْتَدَّ حَرِّي، فَآتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، قَالَ: لَكَ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكافرةٍ، وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جُبَارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.

- قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ.

- ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ..، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ. قَالُوا: يَا جِبْرَئِيلَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، فَقَالُوا: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ .. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.

- قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فأثنوا على ربهم ....) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره وأبو حاتم وذكره الهيثمي في زوائد البزار .. وقال ابن كثير عن هذه الرواية: وأبو جعفر الرازي قال فيه الحافظ أبو زرعة الرازي يهم في الحديث كثيرا .. وقد ضعفه غيره أيضا ووثقه بعضهم .. والظاهر أنه سيء الحفظ ..ففيما تفرد به نظر ..، وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة .. وفيه شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري .. ويشبه أن يكون مجموعا من أحاديث شتى أو منام أو قصة أخرى غير الإسراء. (تفسير ابن كثير ج5 ص36) ..، وقال الذهبي: تفرد به أبو جعفر الرازي، وليس هو بالقوي، والحديث منكر يشبه كلام القصاص (تاريخ الإسلام ج1 ص180) ..، وقال الهيثمي: رجاله موثقون إلا أن الربيع بن أنس قال عن أبي العالية أو غيره - فَتَابِعِيُّهُ مجهول. (مجمع الزوائد ج1 ص72).

 

#- ويقال تعليقا على ما سبق:

- الرواية المذكورة لا يصح الإحتجاج بها .. لأنها ضعيفة وشاذة جدا وفيها غرائب ..

 

#- ولكن يرد على ما سبق:

- توجد روايات صحيحة قد قيلت بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى أحوال بعض المعذبين .. كخطباء أمته الذين يدعون إلى فعل البر ولا يفعلونه وكبعض الناس التي يتبعون أساليب الغيبة ويطعنون في خلق الله .. وقد سبق بيان ذلك .. وهذه المشاهد لا يمكن أن يتم رؤيتها إلا من خلال طريق برزخي خاص برؤية هذا العالم .. ولذلك لا علاقة لنا بالرواية الضعيفة وإنما نتكلم عما جاء في أحاديث صحيحة .. فضلا عن رؤية النبي لشجرة الزقوم وهي في الجحيم .. والجيحم في الأرض .. ولا يتم إدراك ذلك إلا بكشف العالم المختص بذلك .. ولذلك أدخل الله نبيه في هذا العالم ...

 

4- وقد يستدلون فيقولوا: من الأدلة هو مسألة ربط البراق بسور المسجد الأقصى ..

- فيقال حينئذ .. لو كان البراق ظاهرا للعيان لكان من الممكن مشاهدته من أي سائر بالليل .. ولذلك كان إسراء النبي في طريق برزخي غير مرئي .. ودليل مسألة ربط البراق في الآتي:

- كما جاء في (حديث صحيح) .. عن ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ»، قَالَ: «فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ»، قَالَ: «فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ»، قَالَ " ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ...) صحيح مسلم.

 

#- وقد يقال تعليقا على ما سبق:

- في ذلك الوقت كان لا يوجد بناء على ساحة المسجد الأقصى سوى سور وبعض المحاريب .. ولم يكن لهذا المسجد شأن إذ مجرد ساحة كبيرة محاطة بسور كبير .. والوقت كان ليل مظلم .. ومن النادر اقتراب أحد من ذلك المكان لأنه كان مهجور .. وبالتالي من الذي سيشاهد شيئا في ذلك الظلام ؟!!

- فضلا عن أنه لا مانع من أن يكن عليه حجاب ستر من الله فلا يراه أحد .. والله أعلم.

 

#- ويقال ردا على ماسبق:

- يظل الإشكال بالنسبة لكم على حاله باقيا .. وهو أن البراق من عالم الغيب فلماذا يظهره الله للناس ورؤيته ليست متاحة إلا للملائكة وللنبي فقط .. وطالما هو من عالم الغيب فيبقى في عالم الغيب .. أما قولكم بانه لا مانع من أن يكون عليه حجاب الستر .. فهذا ما نقوله من أنه كان مستورا في عالم موازي آخر يستطيع النبي منه ان يرى عالم المادة ولكن ما في عالم المادة لا يستطيع أن يراه ..

 

5- وقد يستدلون فيقولوا: في مسألة عودة النبي إلى مكة بعد إسراءه ومعراجه .. فيقول: كيف رأى البعير الخاصة بقافلة قريش في طريق عودتها لمكة ولم تلمح هذه القافلة البراق والنبي وجبريل حين سيرها بجانبهم ..

- فلا يكون هذا إلا لو كان طريق الإسراء والعودة منه في عالم موازي لعالمنا .. وقد شاهد النبي من خلاله هذه القافلة كما قد يشاهدنا الجن من خلال عالمه.

 

#- ويقال تعليقا على ما سبق:

- وما الذي جعلك تظن أنهم كانوا يسيرون وقت أن رآهم النبي ؟!! بل أن بعض الروايات تقول أنهم كانوا نيام .. وإذا كانت المسألة كذلك .. فلا حجة فيما ذكرتم ..

 

#- ويقال ردا على ما سبق:

- وما المانع أن يكون قد رآهم من وراء حجاب سواء كانوا يسيرون أو نائمون ؟!!

 

6- وقد يستدلون فيقولوا: ما المانع من وجود طريق برزخي في الإسراء .. كما هو الحال في المعراج إذ كان من خلال طريق برزخي.

#- وقد يقال تعقيبا على ذلك:

- المعراج هو أصلا طريق برزخي .. ولكن لو كان الإسراء من خلال طريق برزخي فما فائدة الإسراء بالليل ولم يكن بالنهار إذ أن عالم المعذبين ورؤية النار لا يتعلق بزمن إذ لا زمن فيه .. !!

 

#- ويقال ردا على ما سبق:

- الطريق البرزخي للإسراء لا علاقة له بكونه ليلا أو نهارا .. وإنما وقت الليل يتعلق ببشرية النبي صلى الله عليه وسلم فهو المحكوم بالوقت وليس هذا العالم البرزخي .. وكان سبب اختيار وقت الليل للإسراء به لأنه أقصر من النهار والإسراء في ذلك الوقت سيكون أقوى في الحجة حين مجادلة قريش له .. وغير ذلك من حكمة الإسراء بالليل وقد تم ذكرها سابقا هنا في الرسالة.

 

7- وقد يستدلون فيقولوا: أن من الأدلة على برزخية إسراء النبي هو جاء في قصة أبي سفيان مع ملك الروم ..

 

#- إذ جاء في (خبر ضعيف) .. أنه قد أتى في رواية .. ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم في الدلائل، من حديث محمد بن كعب القرظي، في شأن أبي سفيان مع هرقل " البخاري كتاب بدء الوحي" قال: (قلت : أيها الملك أنا أخبرك عنه خبرا تعرف أنه قد كذب

قال : وما هو ؟ قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيليا (أي مسجد بيت المقدس) ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح.

- قال : وبَطْرِيق إيليا (بَطْرِيق أي الراهب القائم على رعاية شأن إيليا أي بيت المقدس آنذاك) عند رأس قيصر (أي يقف بجوار كرسي القيصر).

- قال البطريق: قد علمت تلك الليلة.

- فنظر إليه قيصر فقال ما علمك بهذا ؟

- قال: إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته (أي فحاولت إصلاحه) فلم نستطع أن نحركه .. كأنما نزاول به جبلا فدعوت الناجرة (أي أصحاب صنعة النجارة) .. فنظروا إليه فقالوا: هذا باب سقط عليه البنيان (أي حدث خلل في البناء مفاجيء منع من غلق الباب) .. فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى ..

- فرجعت وتركته مفتوحا .. فلما أصبحت غدوت فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب .. وإذا فيه أثر مربط الدابة .. فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي فقد صلى الليلة في مسجدنا) ذكرها السيوطي في الخصائص الكبرى ج1 ص282 ..، ابن كثير في تفسيره ج5 ص39.

 

#- ووجه الإستدلال لأصحاب هذا الرأي البرزخي بهذه الرواية .. أن النبي لو كان ظاهر ومرئي .. لكان رآه راهب أو كاهن أو بَطْرِيَرِك المكان .. ولكن نظرا لأنه مخفي عن الأعين فلم يرى الكاهن أي أحد في تلك الليلة .. فالشاهد في القصة هو أن هذه الواقعة حدثت وقت تواجد النبي في المسجد ولم يره أحد .. وهذا دليل على أن النبي كان في عالم آخر .. وكذلك نفهم أن البراق كان يقف أمامهم ولكنهم لم يروه .

 

#- ويقال تعليقا على ما سبق:

- ولكن هذا الخبر أو هذه القصة لا يصح الإستدلال بها في شيء .. لأن هذه الرواية تم حكايتها من طريق محمد بن عمر الواقدي .. وهو متروك الحديث .. على الصحيح من أقوال الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والبخاري وغيرهم من المحدثين والأئمة .

- فضلا عن أن بيت المقدس لا أظنه كان مسجدا للنصارى في تلك الفترة .. ولو كان الطريق برزخي .. فكيف رأى الكاهن مربط الدابة إذا كان فعل كل شيء بسير في عالم موازي أي في خفاء عن عيون البشر ..؟!!

 

#- ملحوظة: رواية أبو سفيان مذكورة في البخاري مختصرة .. ولكنها بسياق مختلف عما جاء في تلك الرواية الضعيفة السابق ذكرها ..

 

#- وقد يرد على القول السابق:

- إذا كان هذا الدليل ضعيف .. فما قبله من أدلة يكفي جدا للدلالة على وجود الطريق البرزخي أو الموازي لعالم المادة وهو الذي سار فيه جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم .. وليست قصة أو حكاية الكاهن بدليل لنتعلق به .. إذ أن الأحاديث الصحيحة التي تم الإشارة إليها من رؤية المعذبين ورؤية شجرة الزقوم تغني عن قصة هذا الكاهن .. والله أعلم.  

 

#- التوجيه الثاني: وهو تعقيب على تصور ذكره البعض من أصحاب هذا الرأي .. فمن ذلك:

1- قول بعضهم .. أن رؤية الأنبياء في العالم البرزخي هو رؤية لأرواحهم ..

- وهنا أقول:

أ- ما علاقة العالم البرزخي بكونه عالم أرواح ؟!!

- وإلا فكيف كان يوجد النبي فيه وهو كان بذاته الشريفة ؟!!

- فثبت بذلك .. إمكانية حضور الأجسام المادية في ذلك العالم الذي كان يسير فيه النبي مع جبريل عليه السلام.

 

ب- وما المانع أن يجمع الله الأنبياء بأجسادهم ليقابلوا النبي مع العلم بأن عيسى ليس روحا لأنه لم يمت ؟

 

ج- وإذا كنت تتصور .. أن بعث الأنبياء أحياء هو شيء مستبعد عقلا .. فلماذا لم تستبعد إحياء الحمار وهو عظما .. كما ذكرنا من قبل عند قوله تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) البقرة:259 .. !!

- فهل الحمار أعز على الله من أنبياءه فأحيا الحمار جسدا ولم يحيي الأنبياء جسدا ؟!!

- ما لكم كيف تحكمون يا سادة ؟!!

- راجع ما قلنا في الفصل الحادي والعشرون تحت عنوان: (س66: كيف يصلي النبي بالأنبياء في بيت المقدس وهم أموات أصلا ؟) ..، وما قلته تحت عنوان: (س65: هل صلاة الأنبياء والرسل مع النبي في بيت المقدس كانت بالروح أم بإحيائهم له ؟ ).

 

#- ملحوظة: ما سبق على افتراض الرأي القائل برؤية النبي للأنبياء عند وصوله لبيت المقدس .. ولكن محتمل رؤيتهم في السماء فتكون بهيئتهم الروحانية إلا عيسى عليه السلام .. والله أعلم.

 

 #- التوجيه الثالث: العالم الموازي ليس معناه كوكب آخر وإنما هو مجرد فاصل بين عالمين في نفس المكان ..

- لا تظن أخي الحبيب أن العالم الموازي أو البرزخي نقصد به كوكب آخر بعالم آخر .. لا .. بل هو عالم معنا على نفس الأرض ولكن بيننا وبينه حجاب الستر .. فهذا العالم يرى العالم المادي ولكن العالم المادي لا يراه لكثافته .. فقوة الإبصار من العالم الذي كان يسير فيه النبي مع جبريل لعالم المادة .. كأنه يسير فعلا في عالم المادة لأن حجاب الستر ليس متعلق إلا بمن يسكن عالم المادة من الإنس والجن.. فلا يرى أحد منهما العالم الذي كان ينظر منه النبي صلى الله عليه وسلم .. كما أن الجن قد يرانا من عالمه ولا نراه من عالمنا إلا لو اكتسبنا موهبة روحانية تؤهلنا لهذه الرؤية ..، والملائكة ترانا من عالمهم ولكننا لا نراهم أيضا .. وكلها عوالم تعيش معنا في نفس المكان .. ولكن القدرة على الرؤية من هذه العوالم لها خاصية رؤيتنا .. ولكن ليس لدينا خاصية رؤيتهم إلا لمن أذن الله له بذلك كالأنبياء والرسل.

 

- إذن مسألة الإخفاء والظهور في عالم المادة .. ليست بالضرورة أن تتعلق بعوالم موازية تنتقل إليها لتتمتع بخصائصها أو تكتسب حكمها .. وإنما تتعلق بقدرة قد أعطاها الله للبعض للإختفاء والظهور بالنسبة لعالم المادة ..

 

#- خلاصة القول في كل ما سبق:

1- غالب الظن أن النبي انتقل في إسراءه إلى بيت المقدس من خلال طريق غيبي أو برزخي كما يحلو للبعض تسميته ... إلا أن هذا الطريق ما هو إلا طريق غيبي عليه حجاب الستر من طرف عالم المادة أي أن عالم المادة لا يستطيعون رؤيته .. ولكن الذي يدخل هذا الطريق هو الغيبي هو الذي يستطيع أن يرى ما في عالم المادة ..

 

2- وقد ناقشت ما يمكن تصوره لأصحاب هذا الرأي .. وأثبت لهم أدلة وتعقبتها باعتراضات ثم رددت على هذه التعقيبات .. وهذا نوع من المحاورة العقلية المتصورة لما يمكن أن يقال من أدلة وتعقيبات عليها وردود على التعقيبات..

- وعن نفسي أميل لهذا الرأي .. والله أعلم .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .