ج33: قصة الإسراء والمعراج - هل شرب النبي ضيافة اللبن من جبريل في ليلة الإسراء والمعراج في المسجد الأقصا - لماذا عرض جبريل على النبي ليلة الإسراء شراب الخمر مع شراب اللبن والخمر من المحرمات - ما المقصد من قول جبريل (أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) وما ذنب أمة النبي بخطأ يفعله النبي - (آراء وتذوقات وإشارات) ..

          بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثالث والثلاثون)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث والثلاثون :: ج13/ مسائل عامة تتعلق برحلة الإسراء عن ضيافة جبريل للنبي بأنائين من اللبن والخمر ::

1- س90: هل شرب النبي ضيافة اللبن من جبريل في ليلة الإسراء والمعراج في المسجد الأقصا أم بعد السماء السابعة أم بعد النزول من السماء ؟

#- أولا: الخلاف في أماكن تقديم الضيافة للنبي بسبب ما جاء في أحاديث مختلفة.

#- ثانيا: الخلاف في عدد الأواني المقدمة للنبي وملخص كلام العلماء.

#- ثالثا: كلام العلماء في مسألة أماكن ضيافة النبي وعدد الكؤوس المقدمة له.

#- رابعا: سبب الإختلاف في تحديد مكان الضيافة وعدد الكؤوس المقدمة.

#- خامسا: أي رواية قالها النبي هي الصحيحة في مسألة ضيافة النبي من حيث المكان وعدد الكؤوس ؟ (حتى لا يتلاعب بعقلك المشككين)

2- س91: لماذا عرض جبريل على النبي  ليلة الإسراء شراب الخمر مع شراب اللبن والخمر من المحرمات ؟

3- س92: ما المقصد من قول جبريل (أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) وما ذنب أمة النبي بخطأ يفعله النبي ؟ - (آراء وتذوقات وإشارات) ..

#- أولا: كونك تظن .. أن ضيافة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم هي من باب الإختبار للنبي .. فهذا أصلا ظن خطأ .. ليه ؟

 #- ثانيا: أما عن مقولة جبريل عليه السلام (لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) .. لماذا قال فيها بغواية أمته ؟ وغوايتها عن أي شيء ؟!!

 #- ثالثا: عن ظني أو رأيي الخاص (خالد صاحب الرسالة) .. في جزئية مقولة جبريل (لو أخذت الخمر غوت أمتك).

#- رابعا: عن سبب تقديم الضيافة للنبي صلى الله عليه وسلم ..

#- خامسا: ما سبب قول جبريل جملة (أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ) عند ضيافة النبي بعد السماء السابعة ؟!

******************

:: الفصل الثالث والثلاثون ::

*******************

..:: س90: هل شرب النبي ضيافة اللبن من جبريل في ليلة الإسراء والمعراج في المسجد الأقصا أم بعد السماء السابعة أم بعد النزول من السماء ؟ ::..

 

- من المسائل التي تعرض لها العلماء .. هي ضيافة جبريل عليه السلام للنبي حتى يشرب .. ولكن العلماء اختلفوا في تحديد مكان هذا الشرب .. هل كان قبل المعراج في بيت المقدس أم أثناء المعراج أم بعد المعراج ونزوله الأرض ؟!!

 

#- أولا: الخلاف في أماكن تقديم الضيافة للنبي بسبب ما جاء في أحاديث مختلفة .. وبيان ذلك كالتالي:

 

1- بعد وصول النبي لبيت المقدس .. في المسجد الأقصى وقبل الإنطلاق للمعراج .. كما في رواية مسلم عن ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ... وجاء في الرواية: (ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ .. ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنَ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ ... إلى آخر الرواية التي جمعت معها حديث المعراج كاملا) صحيح مسلم.

 

#- وفي رواية: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَجُلٌ - حَسِبْتُهُ قَالَ - مُضْطَرِبٌ، رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ»، قَالَ: «وَلَقِيتُ عِيسَى - فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ» - يَعْنِي حَمَّامًا - قَالَ: «وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ»، قَالَ: " فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُهُ، فَقَالَ: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ - أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ - أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) صحيح مسلم.

 

2- وبعد وصول النبي السماء السابعة .. وذلك بعد بلوغ السماء السابعة ورؤية البيت المعمور .. إذ جاء في رواية عن هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (ثُمَّ رُفِعَ لي البَيْتُ المَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بإنَاءٍ مِن خَمْرٍ، وإنَاءٍ مِن لَبَنٍ، وإنَاءٍ مِن عَسَلٍ، فأخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هي الفِطْرَةُ الَّتي أنْتَ عَلَيْهَا وأُمَّتُكَ .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ ) صحيح البخاري .

 

#- وفي رواية أخرى .. عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُفِعَتْ لِيَ السِّدْرَةُ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ، فَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ .. وَأُتِيتُ بِثَلَاثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحِ لَبَنٍ، وَقَدَحٍ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٍ فِيهِ خَمْرٌ .. فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ) رواه أبي عوانة في مستخرجه موصولا .. ورواه البخاري معلقا.

 

#- و في رواية أخرى .. عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، لَعَلَّهُ قَالَ: عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِه قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم ... وجاء في الرواية: (ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ .. فَعُرِضَا عَلَيَّ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقِيلَ: أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً ..) صحيح مسلم.

- ولم يتم ذكر إناء العسل في رواية مسلم.

 

3- ومحتمل بعد نزوله من السماء وقبل الرجوع لمكة .. توجد رواية قد يظهر منها ان النبي صلى بالأنبياء بعد نزوله من السماء .. وفيها أيضا أن الشرب كان بعد نزوله من المعراج .. أو لعلها كانت في المعراج .. وهذه هي الرواية..

- (حديث مختلف على صحته وضعفه) .. عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ .. فَسَمِعَ مِنْ جَانِبِهَا وَجْسًا (أي صوت خفي) ..، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا بِلالٌ الْمُؤَذِّنُ "، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ إِلَى النَّاسِ: قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ، رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ... قَالَ: " فَلَقِيَهُ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، فَقَالَ: وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ، سَبْطٌ شَعَرُهُ مَعَ أُذُنَيْهِ، أَوْ فَوْقَهُمَا فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ .. قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ عِيسَى، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى .. قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخٌ جَلِيلٌ مَهِيبٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ .. قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ.

- قَالَ: فَنَظَرَ فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ..، وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ جَعْدًا شَعِثًا إِذَا رَأَيْتَهُ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ.

- قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي .. ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ .. فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ .. أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ عَنِ الشِّمَالِ .. فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ .. فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ: الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَحُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) رواه أحمد .. وقال ابن كثير: إسناده صحيح (تفسير ابن كثير ج5 ص25) ..، وذكره الضياء المقدسي على أنه صحيح في (الأحاديث المختارة ج9 ص551) ..، وقال الهيثمي في المجمع: وفيه قابوس وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ج8 ص92) ..، وذكر السيوطي تصحيحه (في الدر المنثور ج5 ص214) ..، وقال أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد: إسناده صحيح (راجع تحقيقه على المسند: ج3 ص64 حديث رقم2324) ..، وقال الضياء الأعظمي في الجامع الكامل: وإسناده حسن من أجل قابوس وهو ابن أبي ظبيان مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف أو لم يأتي بالمناكير، ولفقرات حديثه هذا شواهد كثيرة. (الجامع الكامل ج14 ص450)..، وقال الألباني تعقيبا على من صحح الحديث: وهو تساهل واضح فإن قابوس - وهو ابن أبي ظبيان - فيه لين كما قال في "التقريب". (الإسراء والمعراج ص74)..، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف، قابوس مختلف فيه (مسند أحمد بتحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون ج4 ص167).

 

4- وهناك روايات صحيحة لم تذكر أي شيء عن الضيافة بالشراب .. مثلما جاء في رواية عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي، وَأنا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلى السَّمَاء، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ؛ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِيَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم ..... إلى آخر الرواية) صحيح مسلم. 

 

#- هذه الرواية لم يات فيها ذكر للبراق .. ولم يأت فيها ذكر للضيافة بشراب اللبن .

 

#- ثانيا: الخلاف في عدد الأواني المقدمة للنبي وخلاصة كلام العلماء .. وبيان ذلك كالتالي:

- من الروايات السابق ذكرها سيكون ملخص كلام العلماء هو:

1- أن البعض قال: تم تقديم إنائين في الأرض .. كما عند البخاري ..

2- والبعض قال: تم تقديم ثلاثة أواني في السماء .. كما عند البخاري ومسلم ..

3- والبعض قال: لعل ما تم تقديمه أربعة أوني في السماء .. على عدد أنهار الجنة التي رآها النبي في الجنة .. إذ أن الذي قال اثنين والذي قال ثلاثة غير مستبعد حينئذ طالما لا يوجد يقين في المسألة .. فمن باب أولى أن يكونوا أربعة أواني بعدد أنهار الجنة إذ لا يقين في المسألة .. ولعل ما يؤكد ذلك الرأي الثالث هو ما جاء في رواية أبي العالية عن أبي هريرة وجاء فيها: (ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَقِيلَ لِي: هَذِهِ السِّدْرَةُ إِلَيْهَا مُنْتَهَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِكَ .. وَيَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ .. وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .. وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ .. وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. بسند فيه ضعف.. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذه الرواية من قبل وأنها ضعيفة ولم تصح .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟ ).

 

- بل والذي يقوي هذا الرأي هو قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) محمد:15.

- والله أعلم .

#- ثالثا: كلام العلماء في مسألة أماكن ضيافة النبي وعدد الكؤوس المقدمة له ..

1- قال الإمام بن حجر العسقلاني رحمه الله (المتوفى: 852 هـ):

#- ويجمع بين هذا الاختلاف:

أ- إما بحمل (ثم) .. على غير بابها من الترتيب .. وإنما هي بمعنى (الواو) هنا .. (شرح: يقصد الإمام بن حجر هذا الجزء من الرواية في المعراج عند قوله: (ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ)).

ب- وإما بوقوع عرض الآنية مرتين .. مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس وسببه ما وقع له من العطش ..، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة.

 

#- أما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها: فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ..

- ومجموعها أربعة آنية .. فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى ..، ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهى يخرج أصلها من أنهار من ماء غير آسن .. ومن لبن لم يتغير طعمه .. ومن خمر لذة للشاربين .. ومن عسل مصفى .. فلعله عرض عليه من كل نهر إناء ..، وجاء عن كعب أن نهر العسل نهر النيل ونهر اللبن نهر جيحان ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء سيحان. والله أعلم. (فتح الباري ج7 ص216).

 

2- قال الإمام السيوطي رحمه الله (المتوفى: 911 هـ):

- وقع اختلاف أيضا في تقديم الأواني له هل هو قبل العروج أو بعده .. قال ابن كثير وغيره: ولعله قدمت له مرتين لأنها ضيافة له صلى الله عليه وآله وسلم .. والضيافة من الكريم تكون أكثر خصوصا لمن يحب. (الآية الكبرى في شرح قصة الأسراء للسيوطي ص27).

 

#- رابعا: سبب الإختلاف في تحديد مكان الضيافة وعدد الكؤوس المقدمة ..

- أن روايات الإسراء والمعراج .. فيها اختلاف في تحديد مكان الضيافة بالشراب .. هل في الأرض أم السماء .. إلا أن هذا الاختلاف يرجع إلى الآتي:

 

أ- باعتبار حفظ الرواة للقصة في ترتيب الأحداث لو كانت الضيافة مرة واحدة ..

- فيكون بعضهم .. أشار للحدث أنه كان قبل المعراج عند بيت المقدس .. وبعضهم أشار للحدث أنه كان في السماء عند البيت المعمور .. وهذا حسب حفظ الراوي وما تذكره من ترتيب أحداث القصة ..

 

ب- باعتبار تكرار الضيافة مرة في الأرض ومرة في السماء ..

- فلا يكون حينئذ يوجد خطأ في حفظ الراوي لترتيب الأحداث .. وإنما كل راوي قد تذكر ما نساه الآخر .. فذكره ما بلغه من الخبر .. فالبعض بلغه خبر الضيافة في الأرض فقط .. والبعض بلغه خبر الضيافة في السماء فقط .. ولكن في الحقيقة أن الضيافة تمت مرتين .. مرة في الأرض ومرة في السماء ..

 

ج- أما عن عدد الكؤوس المقدمة ..

- فالذي أجده من كلام العلماء .. هو أن عدد الكؤوس المقدمة هو آنيتين .. ورواية الثلاث كؤوس قد تكون شاذة .. ومحتمل أيضا أن يكون المقدم في الأرض كأسين وفي السماء ثلاثة ... والله أعلم .

 

#- خامسا: أي رواية قالها النبي هي الصحيحة في مسألة ضيافة النبي من حيث المكان وعدد الكؤوس  ؟ (حتى لا يتلاعب بعقلك المشككين)

- من المسائل التي قد تخطر ببالك فتقول: إذا كانت الروايات صحيحة فأي رواية هي ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ؟

 

@- نعم معك حق .. ولكنك لم تنتبه للآتي حتى لا يتلاعب بعقلك المشككين:

1- أن الإختلافات بين الروايات في فرعيات القصة لا يعيبها في شيء .. لأن هذا باختلاف ما يتذكره الراوي في حكايته لها حينما رواها .. فقد يحدث تقديم أو تأخير في سرد ترتيب الأحداث حسب ذاكرة الراوي وقوة حفظه .. ولا تنسى أن هذه قصة يتم روايتها وليست قرآن .. حتى تظن أنه لا يمكن أن يحدث اختلاف أو نقص أو زيادة من الرواة .. فهم ليسوا معصومين من الخطأ والنسيان .. فافهم.

 

2- الغرض الذي نفهمه من مجموع الروايات في هذه القصة .. أنه تم تقديم ضيافة للنبي وشرب منها النبي اللبن .. وسواء كان في الأرض أو في السماء أو في كلاهما .. فليس بالشيء الهام تحديد المكان .. وإنما يكفينا ثبوت الحدث وهو تقديم الضيافة للنبي صلى الله عليه وسلم .. وهو ما اجتمعت عليه الأحاديث .

 

- وكذلك حدوث رحلة الإسراء والمعراج .. فهذا ما لم يختلف عليه مؤمن من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا إلا من أراد إرجاف (زلزلة) المؤمنين في زماننا .. بل وأتى بما لم يأت به المرجفين (المنافقين) الأوائل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

 

#- خلاصة القول:

1- بعض الأحاديث الصحيحة قالت أن ضيافة النبي كانت في الأرض .. وتم تقديم آنيتين فقط وهما اللبن والخمر .

 

2- وبعض الأحاديث الصحيحة قالت أن الضيافة كانت في السماء وكانت ثلاثة آنية لبن وخمر وعسل .. ولكن بعض الروايات قالت في السماء ولكن هما آنيتين فقط بدون إناء العسل .

 

3- وبعض العلماء جمعوا بين الروايات فقالوا: أن الضيافة كانت مرة في الأرض ومرة في السماء .. ولكن أحد الرواة في حديث قد تذكَّر ما نساه الآخر في حديث آخر .. ولعل الذي في الأرض كان آنيتين .. والذي في السماء كان ثلاثة ..، أو أن عدد الثلاثة خطأ وزيادة شاذة من أحد الرواة .. والله أعلم .

 

************************

..:: س91: لماذا عرض جبريل على النبي ليلة الإسراء شراب الخمر مع شراب اللبن والخمر من المحرمات ؟ ::..

 

- من المسائل التي قد تخطر ببالك فتقول: لماذا عرض جبريل عليه السلام شراب الخمر وقدمه للنبي مع شراب اللبن ؟!! والخمر من المحرمات ..

- إذ أنه من المفترض أن يرفضه النبي صلى الله عليه وسلم .. إذ انه لم يشربه طوال عمره من أيدي الناس قبل النبوية .. فكيف يشربه بعد النبوة من رئيس الملائكة ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- لعلك لم تنتبه إلى أن جبريل عليه السلام حينما عرض الخمر على النبي فقد عرضه مرة في الأرض ومرة في السماء .. ولا يمكن أن يكون خمرا ذاهبا للعقل كالذي يصنعه أهل الدنيا .. إذ أن خمر السماء من نهر الجنة .. وقال فيه تعالى: (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) محمد:15 .. فضلا عن أن جبريل ما يعرض على النبي ما فيه إذهابا لعقله .. وهو في طريقه للمعراج أو قبل دخوله لمقام الخصوصية عند رب العالمين بعد السماء السابعة ..!!

 

2- أما عن مسألة أن الخمر من المحرمات وقت أن عرض جبريل على النبي ضيافة اللبن والخمر .. فهذا التحريم للخمر لم يكن موجود في شريعة الإسلام حتى وقت الإسراء والمعراج .. وإنما حدث هذا التحريم للخمر في العام الثالث من الهجرة أي بعد خمسة عشرة سنة من البعثة النبوية تقريبا .. أي أن تحريم الخمر وقت الإسراء والمعراج لم يكن له وجود .

 

- فلا يصح حينئذ ان يقال كيف عرض عليه جبريل الخمر وهو من المحرمات .. لأنه لم يكن خمرا يذهب بالعقل .. ولم يكن هناك تحريم تام للخمر من أساسه ..!!

 

#- خلاصة القول:

- الخمر الذي قدمه جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم .. لم يكن خمرا مذهبا للعقل كالذي يصنعه أهل الدنيا .. وإنما لذة للشاربين بما ليس فيه غياب للعقل .. وبالتالي فهو لم يكن خمرا محرما .. بل ولم يكن يوجد تحريم نهائي للخمر وقت الإسراء والمعراج وأنما حدث هذا التحريم النهائي بعد الإسراء والمعراج بحوالي أربعة أو خمسة سنوات ..

 

*******************

..:: س92: كيف يختبر جبريل النبي بالخمر واللبن والرحلة مقصدها التكريم وليس الإختبار والابتلاء ؟ وما المقصد من قول جبريل (أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) وما ذنب أمة النبي بخطأ يفعله النبي ؟ ::..

(آراء وتذوقات وإشارات)

 

- من المسائل التي قد خطرت ببالي فقلت: أنه جاء في رواية صحيح مسلم قول سيدنا جبريل عليه السلام (أَمَّا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) .. وبالتالي هذا يدفعنا لسؤال: ما ذنب أمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتم غوايتها أي إضلالها بخطأ فعله نبيها حتى تحمل من نتيجة خطأه .. وكيف ذلك إذا كان هذا مخالفا للقرآن لأن كل انسان يحتمل خطأ نفسه ؟!! ثم أين الخطأ الذي كان سيفعله النبي لو شرب من ضيافة هذا الخمر ؟!! إذ لا يمكن الظن أنه خمر منكر ومحرم وبالتالي لماذا تم وصف فعله لو كان حدث بأنه غواية لأمته ؟!!

 

- إلا لو كان هناك مقصد آخر من وراء كلام جبريل عليه السلام ؟!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: كونك تظن .. أن ضيافة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم هي من باب الإختبار للنبي .. فهذا أصلا ظن خطأ .. ليه ؟

- لأن الله جل شأنه لم يستقدم النبي صلى الله عليه وسلم ليختبره .. وإنما استقدمه مع جبريل عليه السلام ليكرمه ويعلو بشأنه وقدره على كل الأكوان .. وليس ليختبره بشراب يقدمه له .. !!

- فالرحلة كلها مباركة .. وليس فيها اختبارات ولا فتن .. لأنها رحلة تكريم وتشريف .. وليست رحلة فتن وابتلاءات .. فافهم ..

- وإنما هي خمر .. من باب قوله تعالى: (وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) محمد:15 .. كما سبق وذكرنا ذلك في السؤال السابق .

 

#- ثانيا: أما عن مقولة جبريل عليه السلام (لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) .. لماذا قال فيها بغواية أمته ؟ وغوايتها عن أي شيء ؟!!

- قيل من بعض العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم لو شرب من الخمر لكانت أصبحت مباحة لأمته (وكأن الله سيجيزها بمجرد ان النبي شرب منها ..!!) .. وهذا يترتب عليه مفسدة كبيرة ..

 

#- ومثال ما هو متداول في كتب العلماء ولم أجد غيره حسب اطلاعي ..

- قال الإمام فضل الله التوربيشتي رحمه الله (المتوفى: 661 هـ):

- (فأُتيت بإناءين ..) الحديث.

- العالم القدسي يصاغ فيه الصور من العالم الحسي، ليدرك بها المعاني .. ولما كان اللبن في العالم الحسي من أول ما يحصل به التربية ويرشح به المولود، صيغ عنه مثال الفطرة التي تتم بها القوة الروحانية، وتنشأ عنها الخاصية الإنسانية. (الميسر في شرح مصابيح السنة ج4 ص1238).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما سبق:

- هذا الكلام يقال لو كان هذا المشهد حدث مناما .. فيتم هذا التأويل بهذا الفهم على أنه صور لها معاني .. ولكن المشهد هو مشهد مادي وليس مشهد روحاني حتى يقال أنه صورة ترمز لمعنى ..!! والله أعلم .

 

- ذكر الإمام نور الدين الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) :

- قال ابن الملك: وفي هذا القول له عند أخذ اللبن لطف ومناسبة، فإن اللبن لما كان في العالم الحسي ذا خلوص وبياض، وأول ما يحصل به تربية المولود صيغ منه العالم القدسي مثال الهداية والفطرة التي يتم بها القوة الروحانية، بخلاف الخمر فإنها لكونها ذات مفسدة صيغ منها مثال الغواية، وما يفسد القوة الروحانية.

- ولهذا قيل له أيضا: (أما) : بالتخفيف للتنبيه ..

- (إنك لو أخذت الخمر) أي: شربت أو ملت لتشرب ..، والمعنى لو ملت إليها أدق الميل.

- (غوت) أي: ضلت (أمتك) .. أي نوعا من الغواية المترتبة على شربها .. بناء على أنه لو شربها لأحل للأمة شربها .. فوقعوا في ضررها وشرها .. ولما كان هو معصوما لم يقل له: غويت على ما تقتضيه المقابلة .. وفيه إيماء إلى أن استقامة المقتدى من النبي والعالم والسلطان .. ونحوهم سبب لاستقامة أتباعهم .. لأنهم بمنزلة القلب للأعضاء. (مرقاة المفاتيح ج9 ص3652 حديث رقم 5716) ..

 

 #- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على ما سبق:

- بأن هذا القول يتطلب إثبات أن شرب الخمر كان سيترتب عليه حكم شرعي بجوازه أو تركه سيترتب عليه حكم بتحريمه .. وإلا فلماذا لما ترك شرب العسل واستمر إباحة العسل كما هي ولم يحرم ؟!!

- بل كيف نظن بأن الخمر التي قدمها جبريل للنبي هي خمر من المنكر أي مذهبة للعقل ؟!! أيضايفه جبريل بمنكر أو بما فيه اذهاب لعقله أو بما فيه ما يؤثر عليه بالضعف ؟!!

- أكيد .. لا يمكن أن نظن بذلك ..!!

 - والله أعلم.

 

- قال الشيخ محمد رمضان البوطي رحمه الله (المتوفى:2013 م):

- وفي اختيار النّبي صلّى الله عليه وسلم اللبن على الخمر حينما قدمها له جبريل عليه السلام .. دلالة رمزية على أن الإسلام هو دين الفطرة .. أي الدين الذي ينسجم في عقيدته وأحكامه كلها مع ما تقتضيه نوازع الفطرة الإنسانية الأصيلة .. فليس في الإسلام شيء مما يتعارض والطبيعة الأصيلة في الإنسان .. ولو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد .. لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره.

- وهذا من أسرار سعة انتشاره وسرعة تقبّل الناس له .. إذ الإنسان مهما ترقى في مدارج الحضارة وغمرته السعادة المادية .. فإنه يظل نزاعا إلى استجابة نوازع الفطرة لديه .. ميالا إلى الانعتاق عن ربقة التكلفات والتعقيدات البعيدة عن طبيعته .. والإسلام هو النظام الوحيد الذي يستجيب لأعمق نوازع الفطرة البشرية. (فقة السيرة للبوطي ص114).

 

- والآراء السابقة هي المتداولة في كتب العلماء مع اختلافات في الألفاظ ..

 

#- ثالثا: عن ظني أو رأيي الخاص (خالد صاحب الرسالة) .. في جزئية مقولة جبريل (لو أخذت الخمر غوت أمتك):

1- معنى (لو أخذت الخمر غوت أمتك):

- أي لو كنت شربت من الخمر لكان غلب على أمتك التلذذ بشهوات الدنيا لأن خمر الجنة لذة للشاربين .. فيكون هذا غلب على حالك .. وحالك هذا تورثه لأمتك لأنهم يتبعوك .. ولكن لما كان حالك هو الميل إلى شرب اللبن الذي يروي ويطعم الجسد ولا تلذذ به .. كان بمثابة الأسباب التى تؤدي إلى الثبات على الفطرة والهداية إليها دون إفراط ولا تفريط ..

 

- فكان اختيار النبي لنوع الشراب هو اختيار للأصوب .. وكان تشبيه جبريل لشرب اللبن بأنه هداية للفطرة .. لأن اللبن لما كان وسيلة شراب واطعام في نفس الوقت دون فتنة تلذذ من وراء شربه .. فكان هذا هو الأختيار الأصوب لكل ذي فطرة سليمة حتى يأمن المؤمن من الفتنة في نفسه ولمن حوله .. والله أعلم .

 

2- من طريق الإشارة حسب ظني .. فهذا ما أتذوقه من مشهد الضيافة:

- أرى مذاق آخر لهذا المشهد الخاص بضيافة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكأن هذه الضيافة من جبريل عليه السلام ليس لاختبار النبي صلى الله عليه وسلم كما يظن البعض .. لا .. وإنما هي ليكشف لنا وللنبي حقيقة نبوية ..

- فأراد جبريل أن يكشف لنا أن حقيقة باطن النبي .. بأنها لبنا لم يتغير طعمه منذ أن خلقه الله .. وليست خمرا قد يحجبه عن مولاه .. ولما كانت حقيقته لبنا لم يتغير .. فكانت حقيقته سلامة الباطن وحسن الظن بالله مع دوام صدق الإفتقار إلى الله وحب الإنكسار إليه .. فحق له المعراج والدخول لحضرة الخصوصية .

 

- وكأن جبريل يقول للنبي (لو أخذت الخمر غوت أمتك): معناها لو كانت حقيقته الباطنية هي حب الخمر أي التنعم والتلذذ في الدنيا وظهر هذا من باطنك على ظاهرك فشربت من كأس الظاهر .. لكانت أمتك مثلك وحالها من حالك .. وما كانت ثبتت أمتك على الفطرة ولغوت مثلما غوى من كان قبلك من الأمم .. فصح باطنك وشهد عليك ظاهرك .. ورحمت أمتك بأن جعلت مشربها من نفس مشربك .. ولذلك اصطفاك وكنت بالمؤمنين رؤوفا رحيما.

 

3- وإذا تكلمنا على هذا المشهد بتذوق آخر فأقول:

- هذه الضيافة من جبريل .. إنما هي لكشف جمالي لحقيقة باطن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المعراج .. وكأن جبريل أراد أن يمدح النبي بطريقة خاصة .. فيظهر مقام النبي أمام من سيعرف القصة .. بأن حقيقة باطن هذا النبي هو لبنا لا يتغير طعمه لأن مذاقه هو الأنس بالله .. فمن يشرب من حقيقة باطن هذا النبي الذي هو لبنا لم يتغير طعمه .. فيتبعه .. فهو يشرب من كرامة الجمال الإلهي فيحبه الله ويغفر له الله من زلات الأحوال .. ومن لم يشرب من مشربه فقد فاته من الجمال الإلهي ما فاته من كرامة الوصال .. ولذلك قال تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران:31.

 

4- وإذا تكلمنا على مشهد الضيافة بتذوق آخر ..

- كأن جبريل عليه السلام يعلم بأن هذا المشهد سيعرفه المؤمنين ويعلموا به فأراد أن يقول لنا: تعلم يا مؤمن واعلم أن المستقيم بقلبه مع مولاه ومشربه هو مشرب رسول الله .. هو المستقيم بفطرته على مراد الله .. ولا غواية له لأنه مؤيد من الله .. ولايزال يؤيده الله حتى يعرج به من أوحال ظلمة نفسه الأمارة إلى نور النفس المطمئنة فيحبه حتى يكون سمعه الذي يسمع به وعينه التي ينظر بها ولسانه الذي يتكلم به ويجعل قلبه آنسا به حتى يحظى بالنور الأكبر في قلبه .. فيرى ما يدهشه الله به .. من حيث جنة الأنس والمعرفة التي يدهشه بها .. إلى حين إكرامه بدخول المعراج الأخير له بنداء الجمال: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر:27-30 ..

- والله أعلم .

 

#- وملخص رسالة جبريل عليه السلام إلينا:

- ليكن مشربك هو نفس مشرب نبيك إن أردت العروج بروحك ودخول جنة الأنس بالله ثم جنة الكرامة من الله .. واعلم أنه لا سبيل لترقيات الحق في معارج الحق إلى سماء الحق إلا بهذا المشرب النبوي لأنه الأمي الموصول دائما أبدا بربه ..

 

5- ومما يقال على سبيل الإشارة لرمزية اللبن ..

- لما كان اللبن أول ما يصل إلى جوف الطفل عند بداية وجوده في الحياة حتى يتقوى وينمو .. فإذا أردت الحياة الإيمانية مع الله بصفاء وجمال وسلام .. فليكن مشربك هو مشرب النبي صلى الله عليه وسلم .. حتى تثبت وترتقي لمعارج الجمال الإلهي ..

 

6- ومما يقال على سبيل الإشارة أيضا ..

- لو أردت أن ترتوي من الحق لبنا لم يتغير طعمه .. كالذي شرب منه النبي .. فاربط روحك بروح النبي صلى الله عليه وسلم .. وأكثر من الصلاة عليه لتوطيد الرابطة الروحية .. ومع الوقت تجد حبه ينمو في قلبك شيئا فشيئا .. وكلما زاد الحب كلما ارتويت لبنا لم يتغير طعمه من حيث لا تعلم ولا تدري ..

- والله أعلم .

 

7- وختام الإشارات التي خطرت على بالي:

- إذا أردت أن تشرب من لبن الهداية والفطرة بما لم يتغير طعمه .. فاشرب وارتوي مما ليس فيه خلاف .. واترك أهل الأهواء والطوائف والأحزاب والجماعات الدينية .. والتزم بمن هو أبيض القلب والعلم .. ليس مخلوطا قلبه وعلمه بغل وكراهية أو عصبية وطائفية .. حتى تسلم وترتقي في معارج الوصول بقلبك إلى الله .

 

@- وخلاصة كل ما سبق تفهم منه .. أن مقولة جبريل (لو شربت الخمر غوت أمتك) لا علاقة لها بأن النبي كان سيرتكب خطأ وستتحمله أمته نصيب من هذا الخطأ .. لا .. فهذه كلام باطل .. وإنما المقصد أن فعل النبي كان سيفعله أمته لأنهم سيتبعوه لأن مشربه هو مشربهم أي سلوكه هو سلوكهم .. فلو فتح باب التنعم باللذة والمشار إليها بالخمر .. لاتبعته أمته في كل لذة دنيوية ويكون هذا هو الأصل عندهم .. حتى قد يفتنوا عن طاعة الله بسبب انشغالهم بتلك اللذات ..

 

#- رابعا: عن سبب تقديم الضيافة للنبي صلى الله عليه وسلم ..

- لعل الانتقال من مكة لبيت المقدس قد أصابه نوع من العطش .. ولذلك تم تقديم الضيافة له .. ولعل وجوده في السماء السابعة وقبل دخوله في حضرة الخصوصية إلى الله فقد كان هذا نوعا من التكريم .. الله أعلم .

 

#- خامسا: ما سبب قول جبريل جملة (أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتُكَ عَلَى الْفِطْرَةِ) عند ضيافة النبي بعد السماء السابعة ؟!

- إذا افترضنا أن الضيافة كانت مرة واحدة .. حسب كلام بعض العلماء .. فحينئذ لا تكرار للكلام ..

 

- ولكن على افتراض أن الضيافة تكررت مرتين مرة في الأرض ومرة في السماء .. فيكون تكرار جبريل جملته للنبي صلى الله عليه وسلم في السماء .. وهو نوعا من الإنبهار باختيار النبي بالرغم من كل ما رآه وشاهده ولامسه .. وجملته إنما هي تأكيدا على أن النبي بالرغم من كل ما رآه من جليل وجميل أمر الله في ملكه إلا أنه ما زاغ قلبه إلى ملذات الآخرة ولا افتتن بها .. وارتضى باللبن إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن سلامة المؤمن في عدم انشغاله عن الله مهما أراه من كرامات حتى ولو كانت ممنوحة من الله إليه ليتذوقها .. والله أعلم .

 

#- خلاصة القول:

1- ضيافة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت من أنهار الجنة وليست من خمر الغواية ..!! وكانت مرة في الأرض تحية قبل المعراج السماوي ولعل هذه الضيافة كانت قوتا لبدنه ليحتمل هذا الصعود .. ومرة كانت بعد السماء السابعة للدلالة على إكرامه بشيء من الجنة تحية للنبي قبل دخوله في حضرة الخصوصية إلى ربه .. إذ أن أنهار الخصوصية في الجنة أربعة كما قال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) محمد:15.

 

2- مقولة جبريل للنبي (لو أخذت الخمر غوت أمتك): معناها لو كانت حقيقته الباطنية هي حب الخمر أي التنعم والتلذذ في الدنيا وظهر هذا من باطنك على ظاهرك فشربت من كأس الظاهر .. لكانت أمتك مثلك وحالها من حالك .. وما كانت ثبتت أمتك على الفطرة ولغوت مثلما غوى من كان قبلك من الأمم .. فصح باطنك وشهد عليك ظاهرك .. ورحمت أمتك بأن جعلت مشربها من نفس مشربك .. ولذلك اصطفاك وكنت بالمؤمنين رؤوفا رحيما.

- والله أعلم .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .