ج43: قصة الإسراء والمعراج - المشاهد الصحيحة التي رآها النبي ليلة المعراج بعد السماء السابعة - رؤية سدرة المنتهى والأنهار الأربعة - أحاديث صحيحة تشير إلى أن السدرة هي شجرة - رؤية نهر النيل والفرات - رؤية نهر الكوثر والسلسبيل.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثالث والأربعون)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث والأربعون :: عن رحلة المعراج – المرائي الصحيحة التي رآها النبي ليلة المعراج بعد السماء السابعة - الانتقال لسدرة المنتهى وبداية ما رآه النبي فيها ::

1- س107: ما هي المشاهد الصحيحة التي رآها النبي ليلة المعراج بعد السماء السابعة ؟

#- المشهد الأول: رؤية سدرة المنتهى وما فيها من ثمار كبيرة وأوراق كبيرة.

- جاء ذكر سدرة المنتهى في في القرآن والأحاديث الصحيحة.

- أحاديث صحيحة تشير إلى أن السدرة هي شجرة .

- معنى سدرة المنتهى .

#- المشهد الثاني: رؤية مشاهد الأنهار عند دخوله سدرة المنتهى.

- نهر الكوثر والسلسبيل – نهر النيل والفرات .

******************

:: الفصل الثالث والأربعون ::

*******************

 ..:: س107: ما هي المشاهد الصحيحة التي رآها النبي ليلة المعراج بعد السماء السابعة ؟ ::..

 - نستمر في سرد المشاهد التي بلغتنا بخبر صحيح عن النبي أنه رآها في رحلة المعراج .. ومن ذلك ما رآه من بعد السماء السابعة إلى سدة المنتهى ..

 =====================

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- ثانيا: المشاهد التي رآها النبي ليلة المعراج من بعد السماء السابعة ..

 

#- المشهد الأول: رؤية سدرة المنتهى وما فيها من ثمار كبيرة وأوراق كبيرة ..

 

- بعد الإنتهاء من المعراج للسماء السابعة .. انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان يسمى بسدرة المنتهى ..

 

#- أولا: قد أتى ذكر سدرة المنتهى في القرآن ..

- إذ قال تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) النجم:13-16.

 

#- ثانيا: جاء ذكر سدرة المنتهى في الأحاديث الصحيحة .. كما في الآتي:

- وانتبه إلى أن في الحديث الثالث والرابع ما يشير إلى أن كلمة سدرة تدل على أنها شجرة ..

1- جاء في (حديث صحيح) .. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي بعد المرور على السماء السابعة فقال: (ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ (أي أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) سِدْرَةُ المُنْتَهَى .. فَإِذَا نَبْقُهَا (أي ثمرها) مِثْلُ قِلاَلِ (أي وعاء يوضع فيه الماء) هَجَرَ (اسم قبيلة كانت تصنع هذه القِلال) .. وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ (أي أذن حيوان الفيل) .. قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ المُنْتَهَى ..) صحيح البخاري.

#- قال الإمام شهاب الدين التُّورِبِشْتِي رحمه الله (المتوفى: 661 هـ) :

- قوله: (ثم رفعت إلى سدرة المنتهى): الرفع تقريبك الشيء .. وقد قيل في قوله تعالى: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) الواقعة:34 ... أي: مقربة لهم ..

- فكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له بنعُوتها كل الاستبانة .. حتى اطلع عليها كل الاطلاع .. بمثابة الشيء المقرب إليه.

- وفي معناه: (رفع لي بيت المعمور) (ورفع لي بيت المقدس).

- وأضيفت السدرة إلى المنتهى .. لأنها بمكان ينتهي دونه علم الخلائق .. ولا تجاوز للملائكة والرسل منها. (الميسر في شرح مصابيح السنة ج4 ص1273).

 

2- وجاء في (حديث صحيح) .. جاء في الحديث عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَابِعَةِ .. فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ..

- ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وإِذَا وَرَقُهَا كَآذانِ الفِيلَةِ .. وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلالِ ...) صحيح مسلم.

 

#- ثالثا: أحاديث تشير إلى أن كون مفهوم السدرة هي شجرة ..

1- وجدت في (حديث صحيح) .. ما قد يشير إلى كون السدرة هي شجرة .. كما في الرواية التالية:

- عن سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عن النبي .. وجاء في الرواية: (ثُمَّ عَرَجَ بِيَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟، قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟، قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟، قَالَ: نَعَمْ، فَفَتَحَ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ وَلَدٍ وَمَرْحَبًا بِكَ مِنْ رَسُولٍ، قَالَ: فَانْتَهَيْتُ إِلَى بِنَاءٍ فَقُلْتُ لِلْمَلَكِ: مَا هَذَا؟، قَالَ: بِنَاءٌ بَنَاهَا اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ يُدْخِلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُقَدِّسُونَ اللَّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهَا سِدْرَةً .. أَعْرِفُ وَرَقَهَا وَثِمَارَهَا .. قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مَا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَغَيَّرَتْ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَنْعَتَهَا ...) رواه بن مَنْدَه في الإيمان والطبري في تفسيره ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح السند عند ابن منده ..، ولكن عند الطبري السند ضعيف لوجود انقطاع عند سند الطبري بين (سليمان بن المغيرة) وبين (أنس بن مالك).

 

2- وجاء في (حديث حسن) .. عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ يَصِفُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى قَالَ: يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي الْفَنَنِ (أي غصن الشجرة وجمعها أفنان) مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ .. يَسْتَظِلُّ بِالْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ فِيهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .. ووافقه الذهبي وقال على شرط مسلم.

 

#- رابعا: جاء ذكر سدرة المنتهى في أحاديث ضعيفة صرحت بأن السدرة هي شجرة .. فمن تلك الأحاديث:

1- (حديث ضعيف جدا) .. حديث أبي سعيد الخدري بهذا اللفظ: (ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِشَجَرَةُ إِنْ كَانَتِ الْوَرَقَةُ مِنْهَا لَمُغَطِّيَةٌ هَذِهِ الْأُمَّةَ .. فَإِذَا فِي أَصْلِهَا عَيْنٌ تَجْرِي قَدْ تَشَعَّبَتْ شُعْبَتَيْنٍ .. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جَبْرَائِيلُ ؟ قَالَ: أَمَّا هَذَا: فَهُوَ نَهْرُ الرَّحْمَةِ .. وَأَمَّا هَذَا: فَهُوَ الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ .. فَاغْتَسَلْتُ فِي نَهْرِ الرَّحْمَةِ فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا وفيه (هارون العبدي) وهو متروك الحديث والبعض اتهمه بالكذب ..

 

2- (حديث ضعيف) .. عن أبي العالية عن أبي هريرة واختلفت ألفاظها في جزئية وهي: (وَأَمَّا الْأَنْهَارُ: فَأَوَّلُهَا رَحْمَةُ اللَّهِ .. وَثَانِيهَا: نِعْمَةُ اللَّهِ .. وَالثَّالِثُ: سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.

- قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مِنْ أُمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ .. فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ .. يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى .. وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعُهَا .. وَالْوَرَقَةُ مِنْهَا مُغَطِّيَةٌ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا.

- قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَلَّاقِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ أَمْثَالُ الْغِرْبَانِ .. حِينَ يَقَعنَ عَلَى الشَّجَرَةِ .. قَالَ: فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ ... إلى آخر الحديث السابق ذكره) رواه أبو جعفر الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذه الرواية من قبل وأنها ضعيفة ولم تصح .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟ ).

 

#- وكما ترى أخي الحبيب .. أن وصف السدرة بالشجرة بلفظ صريح .. قد أتى في بعض روايات لم تصح .. ولكن يشهد لهذه الروايات ما جاء في صحيح الروايات عند الحاكم وابن مَنْدَه وقد سبق ذكرهما منذ قليل .. والله أعلم .

 

#- خامسا: مفهوم أو معنى سدرة المنتهى ..

- أولا: معنى كلمة (سدرة) ..

1- قيل أن كلمة (سدرة) هي شجرة غير معلوم حقيقتها ..، والبعض خصصها بأنها شجرة السدر .. وسبب قول العلماء بذلك لوجود أحاديث أشارت لذلك .. سواء صحيحة أو ضعيفة .

 

- ولكن خد بالك أخي الحبيب .. أن سدرة المنتهى هي دليل وصول لمكان سيحدث عندها حالة من حالات التجلي الخاص من الله في ذلك المكان .. وهو ما سيغشاها أي سيغطيها بالنور نتيجة هذا التجلي ..

 

- فسدرة المنتهى هي مقام مخصوص فيه علامة ودلالة لحدوث شيء معين عنده .. والذي عنده سيتم الوحي من الله إلى النبي بلا واسطة .. والبعض قال أن جبريل كان واسطة في ذلك .. وهذه أمور سيتم شرحها في وقت لاحق إن شاء الله ..

 

#- وهنا جزئية أحب أن أذكرها لا أظن أحد تكلم عنها مسبقا وهي .. أن تخصيص إضافة لفظ السدرة إلى كلمة (المنتهى) .. يجعل العقل يقول: وهل كان يوجد سدرة المبتدأ ؟!!

- وذلك كما نقول مثلا هذه نقظة النهاية .. فبالتالي نفهم أنه كان يوجد نقطة بداية .. ويكون المسافة بين النقطتين هي مسار أو طريق للسعي بين نقطتين من البداية وحتى يصل إلى نقطة النهاية.

 

- والمقصد من كلامي .. أن وصف السدرة بدأ من مكان معين فوق السماوات السبع وبعد مستوى كان فيه صريف الأقلام .. ثم بدأت تظهر بداية مقام السدرة .. وكان هذا المبتدأ الذي بدأ يكاشف فيه أحداث معينة في طريقه قبل أن يصل لسدرة المنتهى .. وجاء في بعض الروايات ما يشير لذلك كما قيل في رواية فيها ضعف عن أبي العالية عن أبي هريرة وجاء فيها: (.... وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعُهَا ....) رواه الطبري في تفسيره بسند فيه ضعف..

 

- ولعل هذه المسافة هي التي قطعها النبي من البداية للنهاية ولعله شاهد فيها مشاهد .. ومن هذه المشاهد قد تكون رؤية النار كما رأى الجنة إلا أنه رأى الجنة عند سدرة المنتهى ..  

 

- ثانيا: معنى كلمة (المنتهى) ..

1- قال الإمام القاضي عياض رحمه الله  (المتوفى: 544هـ):

#- وتسميتها بالمنتهى .. قال كعب: هى فى أصل العرش إليها ينتهى علم كل ملك مقرب أو نبى مُرْسَل .. وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله ..

- وقيل: إليه تنتهى أرواح الشهداء.

- وقال ابن عباس: هى عن يمين العرش.

- وقيل: إليها ينتهى كل من كان على سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

- وقال الخليل: هى سدرة فى السماء السابعة لا يجاوزها ملك ولا نبى قد أظلت السماوات والجنة. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).

 

#- ويقصد القاضي عياض .. بقوله (كعب): أي التابعي كعب الأحبار كان من أحبار اليهود وأسلم في زمن أبو بكر الصديق وحسن إسلامه وتوفى سنة (32 هجري) ..، وبقوله (الخليل): أي الإمام أبو عبد الرحمن - الخليل بن أحمد الفراهيدى- .. وهو من أكابر علماء اللغة العربية في زمنه .. توفي بعد سنة مائة وستون ببضغ سنوات.

 

2- قال الإمام ابن الملقن عمر بن علي رحمه الله (المتوفى: 804هـ):

- وقيل لها (سدرة المنتهى): لانتهاء ما يخرج من تحتها وما أهبط من فوقها. وقال كعب: لأنه ينتهي إليها علم كل ملك مقرب، ونبي مرسل.

- قَالَ: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله.

- وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء.

- وقيل: لأن روح المؤمن تنتهي به إليها، فيصلي عليه هنالك الملائكة المقربون، قاله ابن سلام في تفسير: (علِّيِّين).

- وفي "مسند الحارث بن أبي أسامة": (لو غطيت بورقة من ورقها هذِه الأمة لغطتهم) .. وجاء أن ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر. (التوضيح شرح الجامع الصحيح ج5 ص256).

3- قال الإمام الحسن بن محمد النيسابوري رحمه الله (المتوفى: 850هـ):

- وإضافة (سدرة) إلى (المنتهى) إما من إضافة الشيء إلى مكانه .. كما يقال «أشجار البلدة الفلانية كذا» وأشجار الجنة لا تيبس ولا تخلو من الثمار..، فالمنتهى حينئذ موضع لا يتعداه ملك ولا يعلم ما وراءه أحد وإليه ينتهي أرواح الشهداء.

- وإما من إضافة الملك إلى الحال .. كما يقال «ظرف المداد» أي سدرة هي محل انتهاء الجنة.

- وإما من إضافة الملك إلى مالكه .. كما يقال «دار زيد وأشجار عمرو» فيكون التقدير سدرة المنتهى إليه وهو الله سبحانه قال (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) فالإضافة للتشريف «نحو بيت الله وناقة الله» . (غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج6 ص203).

 

4- قال الإمام الألوسي رحمه الله (المتوفى: 1270هـ):

- (والمنتهى) اسم مكان .. وجوز كونه مصدرا ميميا ، وقيل: لها (سدرة المنتهى) لأنها:

- كما أخرج "عبد بن حميد وابن أبي حاتم" .. عن ابن عباس: "إليها ينتهي علم كل عالم وما وراءها لا يعلمه إلا الله تعالى" .

- أو لأنها ينتهي إليها علم الأنبياء عليهم السلام ويعزب علمهم عما وراءها .

- أو لأنها تنتهي إليها أعمال الخلائق بأن تعرض على الله تعالى عندها.

- أو لأنها ينتهي إليها ما ينزل من فوقها وما يصعد من تحتها.

- أو لأنها تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين مطلقا.

- أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة.

- وفي "الكشاف": كأنها منتهى الجنة وآخرها.

- وإضافة (سدرة) إلى (المنتهى) .. من إضافة الشيء لمحله كما في أشجار البستان ..، وجوز أن تكون من إضافة المحل إلى الحال كما في قولك كتاب الفقه.

- وقيل: يجوز أن يكون المراد بالمنتهى الله عز وجل فالإضافة من إضافة الملك إلى المالك أي سدرة الله الذي إليه المنتهى كما قال سبحانه : (وأن إلى ربك المنتهى) [النجم : 42] وعُدَّ ذلك من باب الحذف والإيصال .. ولا يخفى أن هذا القول يكاد يكون المنتهى في البعد . (تفسير روح المعاني للألوسي ج27 ص50).

 

#- (قلت خلد صاحب الرسالة) تعقيبا لشرح بعض ما جاء في كلام الألوسي:

- قوله (مصدرا ميميا): أي بمعنى الإنتهاء ..، وقوله (الكشاف): أي يقصد جاء في تفسير الكشاف للزمخشري أنه المعنى كذا ..، وقوله (إضافة المحل إلى الحال) أي أن هذه السدرة عندها الإنتهاء أي عندها ينتهي مبلغ علم الخلائق أو غير ذلك من الآراء التي ذكرها الألوسي ..  والله أعلم .

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) ..

1- القاضي عياض والإمام الألوسي كلاهما .. تقريبا قد ذكر كل الآراء التي في كتب التفاسير بخصوص المقصد من كلمة (المنتهى) ..

- ويغلب على ظني أن يكون المقصد: هو أن عند هذه السدرة أو هذا المكان الذي فيه السدرة ويسمى بالمنتهى .. ينتهي إليها معراج الخلق النوراني وعِلمُهُم .. سواء الأنبياء والرسل أو العالم الملائكي .. وهذا هو ظني .. والله أعلم .

 

- فيكون معنى (سدرة المنتهى): هو المكان الذي توجد في منتهاه شجرة عندها ينتهي علم ومعراج الخلائق النورانية والأرواح الشريفة باختلاف مراتبهم سواء كانوا أرواح إنسية أو جنية أو ملائكية .. والله أعلم .

 

2- ومحتمل أن يكون في سدرة المنتهى .. مستويات للترقي وحدود قد لا يصل إليها البعض .. هذا لو افترضنا أن اضافة كلمة (المنتهى) إلى السدرة كإضافة المحال إلى الحال .. فهنا يقال كما يوجد سدرة المنتهى فنظن أنه قد يوجد سدرة المبتدأ .. وما بين هذا وذاك يختلف علوم الخلائق العلوية .. والله أعلم .

 ===================

 #- المشهد الثاني: رؤية مشاهد الأنهار عند دخوله سدرة المنتهى ..

 

- عند عروج النبي لسدرة المنتهى رأى من بدايتها أربعة أنهار تجري فيها .. وهم نهران ظاهران وهما نهر النيل الذي يمر بمصر ونهر الفرات الذي يمر ببغداد .. ونهران باطنان أي لهما منشأ آخر ينبع من داخل الجنة وهم نهري السلسبيل والكوثر حسب رأي بعض العلماء .. وإليك بيان ذلك ..

 

1- (حديث صحيح) .. حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حدثنا وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (فَرُفِعَ لِي (أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) البَيْتُ المَعْمُورُ .. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ . فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ .. إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ ..

- وَرُفِعَتْ لِي (أي أخذ بيدي جبريل وانتقلت إلى) سِدْرَةُ المُنْتَهَى .. فَإِذَا نَبِقُهَا (أي ثمرها) كَأَنَّهُ قِلاَلُ (أي وعاء يوضع فيه الماء) هَجَرَ (اسم قبيلة كانت تصنع هذه القِلال) .. وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ (أي الفيلة جمع فيل وهو الحيوان الضخم الحجم) .. فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ .. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ: فَفِي الجَنَّةِ (أي نهري الكوثر والسلسبيل في رأي بعض العلماء) .. وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ (أي نهر النيل في مصر) وَالفُرَاتُ (أي نهر الفرات في بغداد) .. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً ...) صحيح البخاري.

 

2- وفي (حديث صحيح) بلفظ آخر .. عن سَعِيدُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ابن مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (وَرُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ.

- ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ .. وَأَنَّ نَبْقَهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ ..

- وَحَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ.

- قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ، فَعُرِضَا عَلَيَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتَكَ عَلَى الْفِطْرَةِ.

- وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ أَوْ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ .... إلى آخر الحديث) رواه البيهقي في دلائل النبوة ورواه ابن منده في الإيمان.

 

-  ملحوظة: في هذه الرواية السابقة التي رواها البيهقي وابن منده يوجد فيها .. زيادة جزئية الضيافة وهي غير موجودة في الرواية السابقة.

 

#- أخي الحبيب:

- ما ذكرناه في هذا الفصل .. يتعلق بما رآه النبي بعد انتقاله من السماء السابعة فدخل سدرة المنتهى ورأى ما فيها ثمار وأوراق وأغصان تحيط بالمكان على اتساعه الذي لا نحيط به علما .. ثم رأى فيه عند دخول منطقة سدرة المنتهى أربعة أنهار منهما باطنان في الجنة وظاهران منبعهما من عند سدرة المنتهى ..  

 

#- ولكن في سدرة المنتهى حدثت مشاهد أخرى حينما مر بها النبي .. قبل وصوله لمنتهى السدرة أو لنهاية المنتهى الذي توجد فيه السدرة وهو عند أصلها .. ونذكر هذه المشاهد إن شاء الله في الفصل القادم.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .