ج44: قصة الإسراء والمعراج - رؤية الجنة والنار ليلة المعراج - من المشاهد التي رآها النبي ليلة المعراج عند سدرة المنتهى.

       بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الرابع والأربعون)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع والأربعون :: عن رحلة المعراج – عن حقيقة رؤية النبي للجنة والنار بعد السماء السابعة عند سدرة المنتهى ::

1- س108: هل رأى النبي الجنة والنار ليلة المعراج بعد السماء السابعة عند سدرة المنتهى ؟  (وما يدل على احتمال وجود النار عند سدرة المنتهى).

#- ثالثا: المشاهد التي رآها النبي ليلة المعراج عند سدرة المنتهى ..

#- مشهد رؤية الجنة والنار ..

#- فرق بين المثال الروحاني والتمثيل الروحاني ..

#- فرق بين رؤية المثال الروحاني كصورة مرئية .. وبين تحقيق هذا المثال الروحاني لهيئة مادية مطابقة.

2- س109: هل يمكن الظن برؤية النبي لأحوال المعذبين ليلة الإسراء والمعراج بأنها كانت حين إسراءه أو حين بداية معراجه أم في أحد السموات ؟

#- الإحتمال الأول: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد المعذبين حين إسراءه ؟

#- الإحتمال الثاني: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين بعد معراجه ووصوله للسماء الأولى ؟

#- الإحتمال الثالث: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين بعد معراجه عند السماء الخامسة ؟

#- الإحتمال الرابع: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين في الأرض ولكن من خلال وجود النبي في السماء عموما دون تحديد مكان ؟

#- الإحتمال الخامس: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين حين معراج النبي وقبل الوصول للسماء الأولى ؟

******************

:: الفصل الرابع والأربعون ::

*******************

 ..:: س108: هل رأى النبي الجنة والنار ليلة المعراج بعد السماء السابعة عند سدرة المنتهى ؟ ::..

 (وما يدل على احتمال وجود النار عند سدرة المنتهى)

- نستمر في سرد المشاهد التي بلغتنا بخبر صحيح عن النبي أنه رآها في رحلة المعراج .. ومن ذلك ما رآه داخل سدرة المنتهى ..

 

=====================

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

 

#- ثالثا: المشاهد التي أظن أنه رآها النبي ليلة المعراج عند سدرة المنتهى ..

 

- بعد الإنتهاء من المعراج إلى سدرة المنتهى ورؤية ما ظهر منها ..

- إلا أنه حدثت مشاهد عند سدرة المنتهى .. منها رؤية الجنة وربما رؤية النار أيضا .. وإليك تفصيل ما سبق ..

 

#- مشهد: رؤية الجنة والنار ..

- لعل ما أذكره هنا هو من اجتهادي الخاص في مسألة رؤية النار والمعذبين .. كوجهة نظر خاصة ..

1- جاء في (حديث حسن) .. عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ .. فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ (أي لم ننزل عن ظهر البراق) أَنَا وَجِبْرِيلُ .. حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ .. فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ .. وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) رواه أحمد وغيره .. وقال محققو المسند: إسناده حسن .

 

أ- انتبه: لم يتم تحديد مكان النار في أي سماء .. ولكن الله تعالى قال: (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى) النجم: 14-15..

 

- إذن فجنة المأوى: في مقام بجوار سدرة المنتهى بعد السماء السابعة .. وقلت بجوارها .. لأن الله قال (عندها) ولم يقل: فيها.

 

ب- وإذا كانت جنة المأوى عند سدرة المنتهى .. فأظن – والله أعلم - أن جهنم مأوى العصاة والكفار في مكان قريب من سدرة المنتهى وربما في مكان ما عندها كما أن عندها جنة المأوى .. إذ قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات:37-41.

 

ج- بل والذي يجعل من ظني أنه رأى النار عند سدرة المنتهى .. هو أن رؤية النار من الآيات الكبرى مثلها مثل الجنة .. ويقول تعالى بعد كلامه عن سدرة المنتهى وما حدث فيها من تجليات: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18.

 

د- ومن الممكن أن يقال أنه رآها قبل الوصول لسدرة المنتهى .. ليريه شجرة الزقوم التي تطلع في أصل الجحيم ليريه من تجليات الجلال الإلهي .. قبل أن يريه شجرة سدرة المنتهى التي عند منتهاها يريه تجليات الجمال الإلهي .. إذ ممكن يقال الإشارة في ذلك من خلال ما جاء في رواية شريك بن عبد الله بن نمر عن أنس بن مالك وجاء فيها بعد السماء السابعة قوله: (ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله .. حتى جاء سدرة المنتهى) صحيح البخاري.

 

#- إذن: كان هناك علو فوق السموات السبع بما لا يعلمه إلا الله .. ولعل في ذلك العلو رأى النار .. ومعنى قوله (بما لا يعلمه إلا الله): يقصد به مقدار مسافة العلو وليس يقصد جهالة الأحداث التي قد تكون مرت به .. فانتبه ..

 

#- ولعل هناك رواية تشير إلى وجود النار في السماء وهي .. كما جاء في (حديث ضعيف جدا) .. عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ .. فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.

- وَإِذَا أَنَا بِأَنْهَارٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٍ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، وَأَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَإِذَا رُمَّانُهَا كَأَنَّهُ الدِّلَاءُ عِظَمًا (أي كبيرة الحجم مثل الدلو) .. وَإِذَا أَنَا بِطَيْرٍ كَالْبَخَاتِي هَذِهِ (أي جمال طوال الأعناق) ..

- فَقَالَ عِنْدَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ..

- قَالَ: ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَى النَّارِ فَإِذَا فِيهَا غَضَبُ اللهِ وَرِجْزُهُ وَنِقْمَتُهُ .. لَوْ طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَةُ وَالْحَدِيدُ لَأَكَلَتْهَا .. ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونِي...) رواه البيهقي في الدلائل .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. لأن في السند (أبو هارون العبدي) وهو متروك الحديث .

 

هـ- وخد بالك: أن قولي بوجود النار بعد السماوات .. لأنها موجودة وحاضرة مثلها مثل الجنة .. ووجودها هو في مكان بعيدا عن السموات والأرضين .. ولذلك هي خارجة عن حدود قوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) إبراهيم:48 .. فما بعد السموات السبع لا يوصف بكونه سماء .. فضلا عن أن التبديل ليس فناء الذات وإنما فناء الوصف .. مع رفع حجاب البرزخ لتنكشف الحقائق ..

 

و- ومما يشير إلى وجود الجنة والنار في الملكوت الأعلى .. هو قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) الذاريات:22 ..، وقوله تعالى (وما توعدون) البعض قال: ما توعدون من خير وشر وثواب وعقاب وجنة ونار .. والبعض أوقفه على القدر أي في السماء مكتوبة أرزاقكم وما أنتم به توعدون من خير أو شر .. والبعض قال الجنة والنار لأنه مما به وعدنا الله .. ولكن الحقيقة أن الأقوال كلها محتملة في لفظ الآية فكان الرأي الأول أجمع ..

 

- ولو الجنة والنار محتملة في لفظ (توعدون) .. فهذا باعتبار أنهما في مكان في جهة السماء بالنسبة لنا .. وليس في السماء نفسها .. والله أعلم .

 

2- (حديث صحيح) .. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفًا .. فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ) صحيح البخاري.

 

- والشاهد من هذا الحديث رؤيته للجنة في عالم السماء أي العالم العلوي..

3- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي .. مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ (أي يخدشون فيجرحون) وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ .. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ .. وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

 

- والشاهد من هذا الحديث هو أن لفظ (عرج بي) .. الذي يشير من لفظة أن ما رآه إنما تم لما صعد به الله من خلال جبريل عليه السلام إلى السماء .. فيكون هذا المشهد رآه في السماء ..

 

#- وقد لا يكون المقصود به مكان العروج بل قد يكون المقصود به زمن العروج .. أي أن ما رأيته قد حدث في الليلة التي تم العروج بي فيها للسماء .. أي يقصد به الحكاية أن هذه الرؤية تمت في ليلة العروج به .. وكأنه يقول أنه مما حدث في تلك الليلة هو كذا .. ولذلك تحتمل أن يكون رآها في إسراءه قبل الوصول لبيت المقدس .. وتحتمل أيضا أن يكون أثناء عروجه رأى هذا المشهد قبل أن يصل للسماء .. ومحتمل أن يكون رآها لما وصل بالفعل للسماء الأولى .. وقد يكون بعد السماوات السبع في مكان ما قبل سدرة المنتهى .. والله أعلم .

 

4- (حديث صحيح) .. عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ .. ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ .. فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ .. وَبِعِيرِهِمْ .. فَقَالَ نَاسٌ: نَحْنُ "لا" نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ - فَارْتَدُّوا كُفَّارًا .. فَضَرَبَ اللهُ أَعْنَاقَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ .. وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ ..‍‍‍‍، هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا، فَتَزَقَّمُوا (أي فكلوا حتى تمتليء بطونكم جدا)) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح..

 

- والشاهد من هذا الحديث .. هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى النار فعلا في ليلة إسراءه .. بل وحكي لهم عنها حتى أنه أخافهم من شجرة الزقوم التي في جهنم .. وهي منزلة في النار مهيأة للمجرمين .. إذ قال تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) الصافات:62 .

 

#- إذن: شجرة الزقوم مقام إطعام لأهل النار الذين سيدخلوها .. وكما قال الإمام الرازي رحمه الله (المتوفى: 606 هـ): ظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعم منتنة الرائحة شديدة الخشونة موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تناول بعض أجزائها. (تفسير الرازي ج26 ص336).

 

#- وكذلك شجرة الزقوم من المرائي التي رأها النبي ليلة الإسراء والمعراج .. إذ قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) الإسراء:60 ..

- والمعنى من تفسير المنتخب: واذكر - أيها النبى - حين قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس، فهم فى قبضة قدرته، فبلِّغهم ولا تخف أحداً فهو يعصمك منهم، وما جعلنا ما عاينته ليلة الإسراء من العجائب إلا امتحاناً واختباراً للناس، يزداد به إيمان المؤمن وكفر الكافر، وما جعلنا الشجرة المذمومة فى القرآن - وهى شجرة الزَّقوم التى تنبت فى أصل الجحيم - إلا اختباراً لهم أيضاً، إذ قالوا: النار تحرق الشجر، فكيف تنبته ؟ ونخوفهم بها .. فما يزيدهم تخويفنا إلا تجاوزا للحد الكبير. (انتهى النقل).

 

#- أما عن مكان رؤية النبي  لشجرة الزقوم .. فقد يكون رآها النبي في الأرض أم في السماء في مكان ما بين السماء السابعة وسدرة المنتهى .. فظني أن ذلك كان في السماء كرؤية للنار مجردة قبل المجيء بها يوم القيامة لمحاسبة الكفار وقد تكون حينئذ مستقرها على الأرض .. والله أعلم .

 

#- وجاء في (أثر صحيح) .. عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) الإسراء:60 ..، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ .. قَالَ: (وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ) الإسراء:60 ..، قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) صحيح البخاري والطبري في تفسيره  ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

- وسبق وذكرنا أنه لا يوجد عاقل يقول: بأن الرؤيا المنامية فيها فتنة لأحد ..!!

 

#- ملحوظة هامة: سبق وناقشنا هذه الآية بالتفصيل في الفصل الثالث عشر تحت عنوان: (س34: ما هي الأدلة التي استند إليها من قالوا أن الإسراء والمعراج كانا رؤيا منامية ؟).

 

5- جاء في (حديث مختلف عليه بين الصحة والضعف) .. عَنْ قَابُوسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. دَخَلَ الْجَنَّةَ .. فَسَمِعَ مِنْ جَانِبِهَا وَجْسًا ( أي صوت خفي) ..، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا بِلالٌ الْمُؤَذِّنُ "، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَاءَ إِلَى النَّاسِ: قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ، رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ...

- قَالَ: فَلَقِيَهُ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، فَقَالَ: وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ، سَبْطٌ شَعَرُهُ مَعَ أُذُنَيْهِ، أَوْ فَوْقَهُمَا فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ..

- قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ عِيسَى، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ..

- قَالَ: فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخٌ جَلِيلٌ مَهِيبٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ .. قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ.

 

- قَالَ (أي ابن عباس):  فَنَظَرَ (أي النبي نظر) فِي النَّارِ فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ (لحوما مُنتَّنة) ، قَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ..، وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَرَ (أي أبيض البشرة المائلة للإحمرار) أَزْرَقَ (أي لون العينين) جَعْدًا (أي كثير تجاعيد الوجه أو شعره مجعد خشن) شَعِثًا (أي شعره متفرق أي منكوش الشعر) إِذَا رَأَيْتَهُ قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ .. قَالَ: هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ (أي ناقة النبي صالح).

 

- قَالَ (أي ابن عباس): فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي ..

- ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ ..

- فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ .. أَحَدُهُمَا عَنِ الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ عَنِ الشِّمَالِ .. فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ .. فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ: الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَحُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) رواه أحمد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذا الحديث بالتفصيل .. راجع الفصل الثالث والثلاثون - تحت عنوان (س90: هل شرب النبي ضيافة اللبن من جبريل في ليلة الإسراء والمعراج في المسجد الأقصا أم بعد السماء السابعة أم بعد النزول من السماء ؟)

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة): هذه الرواية لو صحت على مبدأ من قال بصحتها فهذا معناه أنه رأى الجنة والنار بل ورأى مشاهد فيهما أيضا .. وكذلك لو صحت هذه الرواية فهذا يعني أن المسجد الأقصا إما في السماء لأن الكلام في الرواية أتى بعد مشاهد الجنة والنار .. أو حين عودة النبي صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصا الأرضي وصلى بالأنبياء .. فتكون الرواية قيلت باختصار تسلسل الأحداث على اعتبار حذف فيها وهو (فلما نزل للأرض ودخل المسجد الأقصا ...) ..، ولكن يتبقى إشكالية في المتن وهي مقابلة موسى قبل عيسى عليهما السلام .. والصحيح أنه قابل عيسى ثم موسى عليهما السلام .. ولعل هذا وهم من (قابوس) الرواي عن ابن عباس هذه الرواية ..

 

#- وعموما الرواية أظنها هي للضعف أقرب منها للتحسين .. وإنما ذكرتها للإختلاف في تخريج حكمها عند أهل العلم .. حتى تكون على بينة .. والله أعلم .

 

6- وجاء (حديث ضعيف) .. عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّلْتِ .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (انْتَهَيْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا فَوْقِي بِرَعْدٍ وَصَوَاعِقَ .. ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ .. فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا ....) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد -وهو ابن جدعان- وجهالة أبي الصلت.

 

- وهذه الرواية بالرغم من ضعفها .. إلا أنها تشير كشاهد إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى مشاهد فوق السماء السابعة .. وفي ذلك ما أشارت إليه رواية شريك بن عبد الله بن نمر عن أنس بن مالك وجاء فيها بعد السماء السابعة قوله: (ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله .. حتى جاء سدرة المنتهى) صحيح البخاري.

 

7- جاء في (حديث ضعيف) .. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (تَلَقَّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا .. فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ إلَّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا .. يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو بِهِ حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا .. وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ .. إلَّا أنه لم يضحك .. ولم أر منه الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْتُ مِنْ غَيْرِهِ ..

- فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الَّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ يَضْحَكْ .. وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الَّذِي رأيت من غيره ؟

- قَالَ: فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَمَا إنَّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَكَ .. أَوْ كَانَ ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ .. لَضَحِكَ إلَيْكَ .. وَلَكِنَّهُ لا يضحك .. هذا مالك صاحب النار.

- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ .. وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَكَانِ الَّذِي وُصِفَ لَكُمْ (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) التكوير:21 ..، أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي النَّارَ ؟

- فَقَالَ: بَلَى .. يَا مَالِكُ .. أَرِ مُحَمَّدًا النَّارَ .. قَالَ: فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا .. فَفَارَتْ وَارْتَفَعَتْ .. حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَأْخُذَنَّ مَا أَرَى .. قَالَ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ .. مُرْهُ فَلْيَرُدَّهَا إلَى مَكَانِهَا .. قَالَ: فَأَمَرَهُ .. فَقَالَ لَهَا: اُخْبِي (أي ردها لمكانها) .. فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ.

- فَمَا شَبَّهْتُ رُجُوعَهَا إلَّا وُقُوعَ الظِّلِّ .. حَتَّى إذَا دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ خَرَجَتْ رَدَّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا) رواه ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق .. (قلت خالد صاحب الرسالة): والحديث فيه جهالة (بعض أهل العلم) الذي أخبر ابن اسحاق بهذا الخبر .. وجهالة من أخبر هذا الخبر عن النبي لبعض أهل العلم الذي أخذ عنه ابن اسحاق هذه الرواية ...!!

 

#- هذه الرواية بالرغم من ضعفها .. إلا أني قد ذكرتها لكونها أشارت لرؤية النبي للنار.. ولمكان تحديد النار .. وأنها في السماء الأولى .. ومن المحتمل أن يكون رأي المعذبين فيها كما قالت بعض الروايات الضعيفة أيضا .. إلا أن هذه الرواية لم تذكر أي شيء عن المعذبين وإنما مجرد رؤية النار فقط .

 

- وهذه الرواية تقول بأن النبي رأى النار في السماء الأولى .. وليس بمعنى أن النار مقرها في السماء الأولى .. لا .. وإنما تم استحضارها له في السماء الأولى ليراها .. ثم تم ردها لمكانها مرة أخرى.

 

#- ثانيا: انتبه أخي الحبيب ..

1- ليس معنى قولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار .. أن المشاهد التي رأى فيها البعض يعذبون هي أنهم يعذبون فعلا الآن أو يتنعمون فعلا الآن .. فهذا تصور غير صحيح ولا يستوعبه عقول العقلاء ولا قلوب المؤمنين ..

 

- ودعني أشرح لك الأمر .. فهناك فرق بين التحقيق المادي والتحقيق الصوري أو المثالي .. فإذا كان النبي رأى النار بتحقيق مادي كما هي عليه فهذا حق .. وأما رؤية صور الذين يعذبون فيها فهي مجرد مثال لما سيحدث .. وكذلك الجنة نفس الشيء ..

 

#- ومثال ذلك ليتضح لك الأمر: كالذي يرى في المنام حادثة تحدث قبل أن تحدث وبعد يوم أو يومين تتحقق .. أو من لديه خاصية روحانية فيرى فجأة وكأن حادثة ستحدث لشخص أو يرى عطاء سياتي لشخص .. ففي الحالتين كلاهما راى احداث قبل حدوثها .. ولكن التحقيق المادي كان من خلال النوم للنائم فهو نائم فعلا .. والتحقيق المادي لمن لديه خاصية روحانية هو الجذبة التي حدثت له دون إرادة منه فرأى ما رأى .. ولكن التحقيق بالمثال هو مشاهدة الأحداث سواء في خيال النائم أو في خيال المستيقظ .. وقلنا مثال لأنه لم يكن قد حدث وإنما سيحدث ..

 

2- وهناك فرق بين المثال الروحاني والتمثيل الروحاني .. فالمثال الروحاني مجرد صور يراها الإنسان قد تكون حق أو باطل .. ولكن التمثيل الروحاني هو تجسيد الهيئة المثالية في الواقع المادي .. ولكن بصورة مخالفة للصورة الحقيقة الذاتية لهذا المتمثل .. كما حدث في حضور سيدنا جبريل حقيقته أنه ملاك ولكنه تمثل بصورة بشرا سويا للسيدة مريم عليهما السلام ..

 

3- وهناك أيضا فرق بين رؤية المثال الروحاني كصورة مرئية .. وبين تحقيق هذا المثال الروحاني لهيئة مادية مطابقة لهذا المثال الروحاني الذي رأيته .. وذلك كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطف شيئا من ثمار الجنة بعد أن كانت مجرد سورة مثالية أمامه .. 

 

4- إذن الذي يزعم أن العقل ينكر أن يكون النبي قد رأى مناظر في النار أو في الجنة تحت مسمى أن الحساب ودخول النار إنما في الآخرة .. فهو أيضا لم يستخدم عقله ليميز بين عالم الحق وعالم المثال .. وهذه مخالفة عقلية صريحة منه .. أو غفلة عقلية لم ينتبه لها .. وسواء كان هذا او ذاك .. إلا أنه ليس من حقه كما يفعل بعض التحقيرييين والمستهزئين على اليوتيوب أن يتهم عقول الآخرين من العلماء .. حتى لا يتهم الآخرين في عقله ويقولون له: العبيط أهه .. مش كده ولا إيه ؟!!

 

- إذن: الأدب هو مأدبة العقلاء في كل شيء .. وليتأدب الجميع في العلم حين التحدث فيه .. بدلا من قلة الأدب المتداولة عبر الإنترنت من بعض من يدعي أن له عقلا في حين هو أبعد من العقل والعلم بل ويقوم بتحريض المؤمنين على العلماء وإثارة الفتنة بين المؤمنين وذلك ليُطعمه اليوتيوب سُحتا من وراء فتنته وكذبه في العلم الديني ..!!

  

- وإن شاء الله .. لنا مناقشة في مسألة الجنة والنار ووجودهما في مسائل ستأتي في هذه الرسالة إن شاء الله ..

 

5- وقد تقول أخي الحبيب: لماذا لا يقال أن النبي قد راى الجنة والنار على سبيل المثال لما سوف يكونا عليه ؟!

- قلت لك: لأن الذي رآه النبي هو من الآيات الكبرى .. ولا تكون آية كبرى بحق إلا بالتحقق منها فعليا .. وليس مثالا متخيلا لما قد يكون عليه الشيء .. وإلا فما الفرق بينها وبين المنام حينئذ ؟!!

 

6- علما بانني لا أقول بأن النار ستظل في مكانها الذي أظنه موجودة فيه الآن .. بل ظواهر الأدلة تشير إلى أن مكان النار سيكون في مكان أرضي وقيل أن جهنم ستكون في الأرض السابعة السفلية .. ولكن الجنة ستظل في مكانها العلوي تجاه السماء .. وإنما حديثنا فيما سبق على رؤية النبي للنار والجنة فهذا اعتبار ما رآه النبي في معراجه .. وليس ما سيحدث يوم القيامة مثلما سيحدث مثل مجيء النار يوم القيامة كما قال تعالى: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) الفجر:23 ..

- فانتبه لمقصدي أكرمك الله..

 

**************************

 ..:: س109: هل يمكن الظن برؤية النبي لأحوال المعذبين ليلة الإسراء والمعراج بأنها كانت حين إسراءه أو حين بداية معراجه أو في أحد السموات ؟ ::..

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- إذا كنت قد ظننت في السؤال السابق بإمكانية حدوث رؤية النار (كحقيقة موجودة) قرب سدرة المنتهى أو عند سدرة المنتهى .. إلا أنه يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد المعذبين على الأرض حين يعرضون على النار .. وعلى هذا كثير من العلماء ولكنهم اختلفوا على احتمالين في رؤية المعذبين في الأرض من أي مكان كانت رؤيتهم .. فالبعض قال إما أنه رآها حين إسراءه عند بيت المقدس .. والبعض قال أنه رآها حين صعوده بين السموات .. وهناك احتمال آخر ذكرته من باب الإحتمال وهو أن يكون رأى هذه المشاهد حين صعوده للسماء وقبل أن يصل للسماء الأولى .. وإليك تفصيل ذلك ..

 

#- الإحتمال الأول: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد المعذبين حين إسراءه ؟

1- لو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مشاهد المعذبين في الأرض حين إسراءه .. (وهذا محتمل جدا والأقرب للصواب بل وأرجحه أيضا بالرغم من رأيي السابق باحتمالية رؤية هذه المشاهد عند سدرة المنتهى أو قبل الوصول إليها) ..

 

#- ولو افترضنا ما سبق .. فهذا معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل برزخ العالم الغيبي ورأى فيه من أحوال المعذبين .. وذلك حين إسراءه من مكة لبيت المقدس .. فرأى من أحوال هؤلاء المعذبين الذين يعرضون على النار من خلال تقريبها لهم فيرون أماكنهم فيها وما سيحدث لهم .. ومحتمل أن يكون البعض يعذب فعلا ببعض أفعاله ولا يجتمع عليه ذلك العذاب في الآخرة ..

 

- وأصحاب هذا الرأي على أن النار موجودة فعلا ولكن مكانها في الأرض .. ولهم في ذلك أدلة منها أدلة قرآنية لا داعي لمناقشتها الآن لكونها أدلة ظنية أو باعتبار حدوثها يوم القيامة وليس في الدنيا .. ومنها ما ذكروه عن بعض الصحابة وأصح ما وجدته هو ما جاء في حديث موقوف صحيح عن عبد الله بن سلام الصحابي إذ قال في (حديث موقوف صحيح) .. عَنْ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: (كَانَ أَكْرَمَ خَلِيقَةِ اللَّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ النَّارَ فِي الْأَرْضِ) رواه أسد بن موسى في الزهد واللفظ له (وهو أقدم إسناد متصل لهذه الرواية وجدته) .. ورواه ابن المبارك في الزهد (وفيه انقطاع عند ابن المبارك) .. ورواه البيهقي في البعض والنشور وشعب الإيمان، وبن أبي الدنيا في صفة النار، وأبو نعيم في صفة الجنة، والحارث في مسنده، والطبراني في الكبير، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ..، (الجميع رووه حديثا موقوفا عن عبد الله بن سلام) ..، ورواه الدولابي في الأسماء والكنى مرفوعا للنبي .. وهذا وهم من أحد رواته بالرغم من صحة سنده لأن أصل الرواية موقوفا وليس مرفوعا .. والله أعلم .

 

2- وقد يكون رؤية المعذبين في الأرض حدثت قرب بيت المقدس لوجود آثار عن بعض الصحابة قد تشير لذلك نذكرها في بحث آخر إن شاء الله .. وبالتالي يكون أحد أسباب الإنتقال لبيت المقدس حينئذ هو رؤية أحوال هؤلاء المعذبين هناك في برزخهم .. ولو صح البحث في هذه المسألة سيكون الكلام أكثر بيان لقوله (لنريه من آياتنا) .. إذ أن رؤية أحوال أهل البرزخ من آيات الله بلا شك ..

 

#- ملحوظة: هناك فرق بين رؤية المعذبين في النار .. ورؤية حقيقة النار .. فعن نفسي محتمل رؤية النار والمعذبين في النار في مكان ما بعد السماء السابعة كما سبق وذكرت في السؤال السابق .. ومحتمل أن يكون النبي قد رأى المعذبين في الأرض حال عرضهم على النار .. أما "رؤية النار كحقيقة مجردة وموجودة فعليا" فهذا ما أظنه ليلة المعراج كان في مكان ما فوق السماء السابعة ..

 

#- ومن الروايات التي أشارت لرؤية المعذبين أثناء الإسراء .. ولكن بسند فيه ضعف:

#- جاء في (حديث ضعيف) .. عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ({سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] " قَالَ: " أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ .. قَالَ: كُلُّ خُطْوَةٍ مُنْتَهَى أَقْصَى بَصَرِهِ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

- فَأَتَى قَوْمًا يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، يُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ..

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ، لَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ .

- قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ، عَنِ الضَّرِيعِ وَالزَّقُومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتِهَا قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَمَا اللهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِجٌ طَيِّبٌ وَلَحْمٌ آخَرُ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الْخَبِيثِ وَيَدَعُونَ النَّضِجَ الطَّيِّبَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَذَا الَّذِي يَقُومُ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَلَالٌ طَيِّبٌ فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ، فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى يُصْبِحَ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا شَيْءٌ إِلَّا قَصَعَتْهُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} [الأعراف: 86] . ثُمَّ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطُبُ الْفِتْنَةِ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ عَظِيمٌ فَجَعَلَ النُّورُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ وَلَا يَسْتَطِيعُ قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ .

- ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا بَارِدَةً طَيِّبَةً وَوَجَدَ رِيحَ الْمِسْكِ وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الطَّيِّبَةُ، وَرِيحُ الْمِسْكِ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟

- قَالَ: هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ عَرْفِي، وَحَرِيرِي، وَسُنْدُسِي، وَإِستَبْرَقِي، وَعَبْقَرِيِّ، وَلُؤْلُؤِي، وَمَرْجَانِي، وَفِضَّتِي، وَذَهَبِي، وَأَبَارِيقِي، وَفَوَاكِهِي، وَعَسَلِي، وَخَمْرِي، وَلَبَنِي، فَائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمَسْلَمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي آمَنْتُهُ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ، وَأَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَدْ {أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]- إِلَى - {تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.

- ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا قَالَ: يَا جِبْرِيلُ  مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ يَقُولُ: ائْتِنِي بِأَهْلِي وَمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ سَلَاسِلِي، وَأَغْلَالِي، وَسَعِيرِي، وَزَقُّومِي، وَحَمِيمِي، وَحِجَارَتِي، وَغَسَّاقِي، وَغِسْلِينِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي، وَاشْتَدَّ حَرِّي، فَأْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَةٍ وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.

 

- قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ ...... إلى آخر الرواية) رواه البيهقي في الدلائل .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذه الرواية من قبل وأنها ضعيفة ولم تصح .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟).

 

#- وهذه الرواية السابقة وهي ضعيفة .. ولكنها تقول بأن عذاب المخطئين قد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أثناء طريقه إلى بيت المقدس .. ولا مانع أن يكون ما جاء في الرواية من رؤية المعذبين أن يكون صحيحا بالرغم من ضعفها إذ أن بعض هذه المشاهد أتي في روايات صحيحة ..

 

#- الإحتمال الثاني: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين بعد معراجه ووصوله للسماء الأولى ؟

- والبعض ظن بإمكانية رؤية مشاهد المعذبين في السماء الأولى .. ولعل ذلك بسبب قرائتهم للرواية التالية ..

 

#- جاء في (حديث ضعيف جدا) .. عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري .. ومما جاء في الحديث: (ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ .. فَلَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ .. مَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ فَإِنَّمَا يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ عَجَبٌ بِالْمِعْرَاجِ ..

- قَالَ: فَصَعَدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ كُلِّ مَلَكٍ جُنْدُهُ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ قَالَ: وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] ..

- فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ بَابَ السَّمَاءِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ .. فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى صُورَتِهِ ..

- تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوهَا عَلَى عِلِّيِّينَ .. ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارُ، فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ.

- ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ – "يَعْنِي الْخِوَانَ: الْمَائِدَةُ الَّتِي يُؤْكَلُ عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ" - لَيْسَ يَقْرَبُهَا أَحَدٌ، وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ وَنَتِنَ، عِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلَ ‍ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ.

- قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونِهِمْ أَمْثَالِ الْبُيوتِ، كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ: اللهُمَّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ قَالَ: وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ آلَ فِرْعَوْنَ قَالَ: فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتَطَأَهُمْ قَالَ: فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ

- قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ قَالَ: فَتُفْتَحُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَيُلَقَّوْنَ ذَلِكَ الْحَجَرَ؛ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ، فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا .

- قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ يُعَلَّقْنَ بِثُدِيِّهِنَّ فَسَمِعْتُهُنَّ يَصِحْنَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ.

- قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُقْطَعُ مِنْ جُنُوبِهِمِ اللَّحْمُ فَيُلْقَمُونَ فَيُقَالُ لَهُ: كُلْ كَمَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ.

- ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ: فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ قَدْ فُضِّلَ عَنِ النَّاسِ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ......) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا لوجود (أبو هارون العبدي) وهو متروك الحديث .

 

#- وهذه الرواية السابقة وهي ضعيفة .. ولكنها تقول بأن عذاب المخطئين قد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في السماء الأولى ..

 

#- ولكن يعيب هذا الرأي القائل بأن النبي رأى المعذبين في السماء الأولى .. أن الحديث المستدل به ضعيف .. ثم يقال لأصحاب هذا الرأي : ما فائدة رؤيتهم من السماء إذا كان يمكن أن يراهم في الأرض حين إسراءه لبيت المقدس طالما المشاهد في الأرض ؟!!

 

#- علما بأن نفس الرواية السابقة قالت بأن النار رآها النبي بعد السماء السابعة .. ولكن هناك فرق بين رؤية أحوال المعذبين وبين رؤية النار .. فكلاهما شيء مختلف تماما ..!! فانتبه ..

 

- والرواية السابقة (حديث ضعيف جدا) .. ومما جاء في الحديث ويدل على وجود النار في السماء .. : (ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ .. (إلى أن قالت الرواية)..، ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَى النَّارِ .. فَإِذَا فِيهَا غَضَبُ اللهِ وَرِجْزُهُ وَنِقْمَتُهُ .. لَوْ طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَةُ وَالْحَدِيدُ لَأَكَلَتْهَا .. ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونِي...) رواه البيهقي في الدلائل .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. لأن في السند (أبو هارون العبدي) وهو متروك الحديث .

 

#- الإحتمال الثالث: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين بعد معراجه عند السماء الخامسة ؟

- ولعل البعض ظن (وهو ظن باطل) .. بأن رؤية مشاهد العذاب تمت في السماء الخامسة فذلك بسبب الرواية التالية .. 

 

#- جاء في (حديث موضوع – أي مكذوب) .. عن ابن عباس .. كرواية مجموعة من عدة روايات يقول صاحبها أنها روايات منسوبة لابن عباس عن النبي .. ومما جاء في الرواية: ( ثم إرتقينا إلى السماء الخامسه..وبينها وبين السماء الرابعه خمسمائة عام وسمكها مثل ذلك..فطرق (جبريل) بابها فقالو:(من هذا)؟.

قال: جبريل..، قالوا: ومن معك ؟ .. قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

قالو: مرحبا بك وبمن معك.

ففتحو لنا الباب فدخلناها فإذا هى سماء من الذهب الاحمر.. وإسمها ((المنيره)).. ورأيت فيها من خلق الله عز وجل .. مَلِكا عظيما .. لو أمره الله أن يبلع السموات السبع فى دفعه واحده لهان عليه لعظم خلقته..وهو ينادى: (سيدى ومولاى ما عرف قدرك من عصاك سبحانك ما أحلمك على خلقك).

- ورأيت بابا عليه سطران مكتوبان يُرهران ويلمعان ((لا إله الا الله محمد رسول الله)) فلما قراته سقط القفل وإنفتح الباب .. فنظرت فيه مشرقٌ من السماء الخامسه إلى تخوم ألارض السابعه السفلى..  وإذا (بجهنم) مظلمه ممزوجه بغضب الله .. ودخانها قائم .. وإذا بملك عظيم الخلقه مرهب النظر ظاهر الغضب.. شديد البأس.. صعب المراس.. بين عينيه عقده .. لو أشرف بها على الأرض لماتو عن أخرهم .. وغارت منه البحار وتقطرت منه الجبال....

- قال إبن عباس رضى الله عنهما.. حينما وصل الى هنا - اللهم إنا نسالك بحقك العظيم وبحق إسمك الكريم..أن لا ترينا وجهه بقدرتك وحولك ياذا الجلال والاكرام).

- قال النبى - صلى الله عليه وسلم- قلت:- (يا أخى يا جبريل من هذا الذى إقشعر  منه جلدى ورجف منه فؤادى؟؟.

فقال: يا حبيب الله هذا ((مالك)) خاز النار خلقه الله من غضبه وسخطه .. ولم يزل منذ خلقه الله وولاه جهنم .. لا يزداد إلا غضبا على أعدائه .. هذا وملك الموت ((عزرائيل)) .. لا يضحك أبدا ..إدن منه وسلم عليه ..

- فدنوت منه وسلمت عليه فلم يرد على السلام فقال((جبريل)): لما لا ترد على حبيب الله وسيد العالمين وهو أعز الخلق على الله ونبى الرحمه؟؟

فلما سمع (مالك) ذلك..نهض قائما على قدميه وقال: الله الله العذر لك يا حبيب الله.

فقلت له : أرني جهنم.

فقال مالك: ليس الأمر لي.

- وإذا بالنداء من العلى الأعلى.. (لا تخالف حبيبى محمدا).

- فعند ذلك كشف عنها الغطاء .. فإذا هى سوداء مظلمه ممتزجه بغضب الله وقيل إن نار الدنيا لها ضياء لانها غمست فى بحر القدره سبعين مره حتى صار شعاعٌ ونور ينتفع به .. فرائت فيها (سبعين ألف) بحر من قطران .. و(سبعين ألف) بحر من رصاص.. و(سبعين ألف) بحر من رصاص..مذوب على ساحل كل بحر (ألف مدينه) من نار فى كل مدينه (ألف قصر) من نار.. فى كل قصر (سبعون ألف) تابوت من نار فى كل تابوت (سبعون ألف) صندوق من نار.. فى كل صندوق(سبعون الف) صنف من العذاب.

 -ورأيت فيها حيات كأمثال النخل الطويل .. وعقارب كأمثال البغال.. ورأيت فيها (سبعين ألف) بئر من (الزمهرير) ..

- ورأيت نساء باكيات حزينات.. ينادين فلا يُجبن .. ويتضرعن فلا يُرحمن .. فقلت: من هؤلاء يا أخى يا جبريل .... إلى آخر الرواية التي تحكي أحوال النساء المعذبات وكأنهن لوحدهن في النار فقط ..!!) وهذه الرواية منشورة في كتيب صغير يباع على الأرصفة في الشوارع تحت مسمى معراج ابن عباس أو ليلة الإسراء والمعراج لابن عباس .. وهي رواية بلا أي إسناد ومجموعة من حكاوي مختلفة قيلت في الإسراء والمعراج جمعت بين الصدق والكذب ويغلب عليها الكذب .. وهي بلا شك مكذوبة على ابن عباس وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

#- ويعيب رأي من ظن أن النار والعذاب رآه النبي من السماء الخامسة هو أن الحديث المشير لذلك هو حديث مكذوب .. ثم يقال لأصحاب هذا الرأي : ما فائدة رؤيتهم من السماء إذا كان يمكن أن يراهم في الأرض حين إسراءه لبيت المقدس طالما المشاهد في الأرض ؟!!

#- الإحتمال الرابع: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين في الأرض ولكن من خلال وجود النبي في السماء عموما دون تحديد مكان ؟

- بعض العلماء ظن بسبب رواية حذيفة بن اليمان .. والتي أتى فيها: (فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ .. وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) .. بأنه رأى المعذبين من خلال كشف نوراني لحال أهل البرزخ المعذبين ولكن من خلال السماء .. لأن أصحاب هذا الرأي يقولون أن النار وجهنم في الأرض السابعة استنادا لبعض الآثار المروية عن بعض الصحابة .. !!

 

#- ويعيب رأي من ظن أن النار والعذاب رآه النبي من السماء (دون تحديد المكان) .. هو أن الحديث المشار إليه وهو حديث حذيفة بن اليمان .. وعلى افتراض صحته إلا أن عليه اعتراض من العلماء كما سبق وأوضحنا ذلك في الرسالة .. اما عن الآية التي استدلوا بها  ثم يقال لأصحاب هذا الرأي: ما فائدة رؤيتهم من السماء إذا كان يمكن أن يراهم في الأرض حين إسراءه لبيت المقدس طالما المشاهد في الأرض ؟!!

 

#- الإحتمال الخامس: هل يمكن الظن بإمكانية رؤية مشاهد أحوال المعذبين حين معراج النبي وقبل الوصول للسماء الأولى ؟

- لو افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مشاهد المعذبين .. في بداية معراجه وقبل الوصول للسماء الأولى .. وهذا معناه أنه رآهم يعذبون في الأرض ..

 

#- ويعيب هذا الظن أنه لا دليل عليه .. ثم يقال لأصحاب هذا الرأي: ما فائدة رؤيتهم حين صعوده للسماء إذا كان يمكن أن يراهم في الأرض حين إسراءه لبيت المقدس طالما المشاهد في الأرض ؟!!

 

#- وسبب هذه الإحتمالات السابقة .. هو أنه لا يوجد حديث نبوي قطعي الدلالة قال بتحديد مكان رؤية المعذبين في النار ليلة الإسراء والمعراج ..

 

#- وإن كان عن رأيي الخاص فأظن رؤية مشاهدات المعذبين قبل وصوله لبيت المقدس .. ولكن رؤية النار كحقيقة وجودية كانت بعد السماء السابعة .. والله أعلم ..

 

#- وبعد الكلام عن وجود الجنة والنار .. فهذا يجعلنا نبحث فيما رآه النبي من مشاهد خاصة داخل الجنة والنار وما صح منها .. ونبدأ ذلك بمشاهد أحوال المعذبين .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .