ج52: قصة الإسراء والمعراج - رؤية النبي فراش من ذهب عند سدرة المنتهى ليلة المعراج - تفسير قوله تعالى - إذ يغشى السدرة ما يغشى .

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثاني والخمسون)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني والخمسون :: عن رحلة المعراج – عن رؤية النبي لفراش من ذهب عند سدرة المنتهى ليلة المعراج ::

1- س125: هل رأى النبي فراش من ذهب عند غشيان الله على سدرة المنتهى ليلة المعراج ؟

#- مشهد: غشيان سدرة المنتهى وإحاطتها بفراش من ذهب حينما وصل النبي وجبريل إليها ..

#- أولا: دليل غشيان سدرة المنتهى بفراش من ذهب.

#- ثانيا: آية سورة النجم (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) وحسب تفسير بن مسعود لا يمكن إلا أن تكون ليلة الإسراء والمعراج .. ليه ؟

#- ثالثا: آراء العلماء في مفهوم الفراش من الذهب.

#- رابعا: أحاديث ضعيفة منسوبة للنبي في تفسير غشيان سدرة المنتهى بأنه فراش من ذهب.

 ******************

 :: الفصل الثاني والخمسون ::

*******************

 ..:: س125: هل رأى النبي فراش من ذهب عند غشيان الله على سدرة المنتهى ليلة المعراج ؟ ::..

 

- ذكرنا سابقا .. مشهد رؤية النبي لجبريل عليه السلام وقد تحول لهيئته الملائكية عند سدرة المنتهى .. وحينما تجلى الله على شجرة سدرة المنتهى تبدلت وتغيرت لما لا يستطيع أحد وصفها وظهرت ألوان غير معلومة في عالم المادة.

 

- ولكن: من المشاهد التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج عند وصوله لسدرة المنتهى وعندما تجلى الله فغشي بنوره شجرة سدرة المنتهى .. كان هذا المشهد:

 

- مشهد: غشيان سدرة المنتهى بإحاطتها بفراش من ذهب حينما وصل النبي وجبريل إليها ..

 

#- فحينما تقرأ في كتب التفاسير عند قوله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) النجم:16... أي يغطيها من فضل الله ما لا يحيط به الوصف من الجمال والإبداع والروعة في المشاهد المرئية ما ليس له وجود في عالم الدنيا.

 

- فتجد أحد الآراء التفسيرية المتكررة في كتب التفسير هو أن مما غشي سدرة المنتهى .. هو تغطيتها أو إحاطتها بفراش من ذهب ..

 

- والفراش هو جمع كلمة فراشة .. وهي الكائنات الطائرة الصغيرة الحجم ذات الألوان البديعة .. وليس المقصود هنا بأنها فراشة فعلا .. وإنما هو تشبيه للشكل من حيث الحجم والحركة .. ولكن من حيث اللون فهي ذهبية اللون .. ولعل المقصد بكونها من ذهب أي لها بريق كبريق الذهب حينما يلمع في ضوء الشمس .. ولعل المقصد أنها فراشات مخلوقة من معدن الذهب فعلا وأوجد الله فيها حياة للدلالة على عجيب قدرة الله .. أو لعلها أنوار مضيئة بحجم الفراش تتساقط من فوق ولأسفل سدرة المنتهى والله أعلم ..

 

#- المهم هنا:

أ- من أين أتى العلماء بمعلومة أن سدرة المنتهى قد غشيها فراش من ذهب ؟!!

ب- وهل تصح هذه المعلومة ؟

ج- وهل هذه المعلومة لها علاقة بما حدث في ليلة الإسراء والمعراج أم معراج آخر ؟ (خد بالك قوي من الجزئية دي لما نتكلم عنها) ..

 

#- وإليك بيان ما سبق:

==================

#- أولا: دليل غشيان سدرة المنتهى بفراش من ذهب ..

 

- أتى العلماء بمعلومة فراش الذهب من كلام الصحابي عبد الله بن مسعود .. وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

#- وبعض العلماء: يظن أن جزئية عطاء الله لنبيه المذكورة في الرواية لها حكم المرفوع (أي سمعها من النبي) .. لأن هذا العطاء هو من الأخبار الغيبية .. والتي لا يعرفها بن مسعود ولا غيره بالإجتهاد أو بالتصور العقلي أو التخيلي فلابد أن يكون سمعها من النبي أو من صحابي آخر سمعها من النبي ..

 

#- وحديث غشيان السدرة بفراش الذهب .. إليك بيانه:

1- (أثر صحابي موقوف صحيح) .. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا .. قَالَ "بن مسعود": (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) [النجم: 16]..، قَالَ "بن مسعود": فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ..، قَالَ "بن مسعود": فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ) رواه مسلم وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأحمد.

 

2- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْوَاحِ وَيُقْبَضُ ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُقْبَضُ مِنْ فَوْقِهَا .. {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] .. قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً: ..... إلى آخر الحديث) الإيمان لابن منده وأبو نعيم في الحلية .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح .

 

3- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عن الزُّبَيْرَ بْنَ عَدِيٍّ، يَذْكُرُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وَهِيَ في السَّمَاءُ السَّابِعَةُ أَوِ السَّادِسَةُ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا عَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا هَبَطَ مِنْ فَوْقِهَا فيُقْبَضُ مِنْهَا .. قَالَ : {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} (النجم) قَالَ : فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ، قَالَ : فَأُعْطِيَ ...... إلى آخر الحديث) رواه البيهقي في السنن الصغير وشعب الإيمان.. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح .

 

4- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. أُعْطِيَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ الْمُقْحِمَاتِ) رواه البيهقي في الدلائل .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح .. ولكن سقط منه (طلحة بن مصرف) لأن (الزبير بن عدي) يروي عن (طلحة بن مصرف) عن (مرة بن شراحيل الهمداني) .. ولكن يشهد له ما سبق من الروايات .. 

 

#- ملحوظة: هذه الرواية لم يأت فيها تحديد مكان سدرة المنتهى ولا ذكر جزئية تفسير غشيان السدرة بفراش من ذهب ..

 

5- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: (لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، قَالَ: انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ، فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ خَمْسًا، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ وَغُفِرَ لأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

#- ملحوظة: هذه الرواية فيها زيادة (لم يعطهن نبي كان قبله) ..

 

==================

 

#- ثانيا: آية سورة النجم (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) وحسب تفسير بن مسعود لا يمكن إلا أن تكون ليلة الإسراء والمعراج .. ليه ؟

 

1- لأن ابن مسعود قد ذكر بنفسه أن رؤية النبي لفراش من ذهب كانت ليلة الإسراء ثم استدل بقوله تعالى (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) النجم: 16 ..

 

2- وفي رواية أخرى ذكرناها في الفصل السابق وجاء فيها أنه قال: ({وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] .. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، يَنْفُضُ (أي يتساقط) مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ (أي عجائب الجواهر الملونة التي تصيب بحيرة ودهشة وتعجب لشدة جمالها ومن ذلك): الدُّرُّ (أي اللؤلوء) وَالْيَاقُوتُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن.

 

3- إذن: آيات سورة النجم من قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:13-18 ..

 

- يكون تفسير الصحابي بن مسعود لهذه الأيات السابقة من سورة النجم .. هو يتعلق بليلة الإسراء والمعراج .. بدلالة تصريحة بأن رؤية فراش الذهب كانت ليلة الإسراء .. فيكون كل ما تغشى سدرة المنتهى في سورة النجم هو يتعلق بما حدث ليلة الإسراء والمعراج .. وهو ليس معراج آخر كما توهم البعض لأن بن مسعود خصصها بليلة الإسراء وهي الليلة المعهودة والمعروفة وليس ليالي أخرى ..

 

4- فيكون رؤية جبريل وله ستمائة جناح .. ورؤية الفراش من الذهب .. ورؤية الألوان التي رآها النبي عند غشيان الله لسدرة المنتهى .. فجميعها كان ليلة الإسراء والمعراج حينما وصل النبي مع جبريل عند أصل هذه الشجرة لسدرة المنتهى ..

 

- وليس كما ظن بعض العلماء أن هذا كان معراج آخر للنبي .. ويصبح قول أصحاب التفسير بأن آيات سورة النجم تتعلق بليلة الإسراء والمعراج هو الرأي الصحيح ..

 

5- ولذلك نعجب من الذين يقولون آيات سورة النجم لا تتكلم عن ليلة الإسراء والمعراج .. ثم يستدلون بأحاديث ابن مسعود الصحابي .. ويقولون أن من جملة ما غشي السدرة هو فراش من ذهب .. !!

- فكيف يقولون بهذا التفسير وينكرون أنه لم يكن ليلة الإسراء والمعراج هذه الآيات .. في حين رؤية الفراش من ذهب حسب كلام الصحابي بن مسعود أن هذه الرؤية تمت في ليلة الإسراء كما قال الصحابي نفسه بذلك (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ..... إلى أن قالت الرواية: قَالَ: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) [النجم: 16]..، قَالَ: «فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ») كما في صحيح مسلم ..!!

 

#- أخي الحبيب .. انتبه لهذه الدقائق في الروايات حتى تنتبه حينما تقرأ في كتب التفاسير .. لأنك ستجد لخبطة غريبة عند أصحاب الرأي القائل بأن آيات سورة النجم لا علاقة لها بليلة المعراج .. في حين يستدلون بأقوال الصحابي عبد الله بن مسعود في تفسير الآيات وأنها تتكلم عن ليلة الإسراء والمعراج .. ثم يقولون لا علاقة للآيات بليلة المعراج .. !!

- طب ازاي نفهم الكلام ده بقى من أصحاب هذا الرأي التفسيري ؟!!

- إذ أنه إما يكون كلام بن مسعود حجة لهم في التفسير أو ليس لهم بحجة فلا يحتجوا به .. ولكن أن يتخذوه حجة لهم .. ثم يقولون لا علاقة للآيات بقصة الإسراء والمعراج فهذا حينئذ يكون كلام ملخبط وغير منضبط ..!!

 

==================

#- ثالثا: آراء العلماء في مفهوم الفراش من الذهب ..

 

- أذكر لك هنا مجموعة من الآراء حول مفهوم غشيان سدرة المنتهى والذي منه الغشيان بفراش من ذهب .. وهذه الآراء تجمع بين مفسري الأحاديث ومفسري القرآن ومنهم تحديدا الطبري وبن كثير .. مع التعقيب على أي رواية يستدل بها المحدث أو المفسر حتى لا تتوه بين الروايات .. والغرض هو التبصرة بأقوال أهل العلم وأن غالب أهل العلم من الصحابة على أن آيات سورة النجم الخاصة بسدرة المنتهى من الآية (13) وحتى (18) تتعلق بما حدث ليلة الإسراء والمعراج ..  

 

1- قال الإمام يحيى بن هُبيرة رحمه الله (المتوفى: 560هـ):

* سدرة المنتهى: هي سدرة المنتهى في كل شيء.

* وقوله: (غشيها فراش من ذهب): فالذي أراه .. أن أنوارا تلألأت فيها .. لورود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك إلى أن غشيها فراش .. لأن الفراش من شأنه موافقة الأضواء .. وهذا مما أخبر الله تعالى به من كثرة الأنوار تلك الليلة.

 

- وكونه فراشًا من ذهب .. لكون الذهب مناسبًا لون الأنوار .. فلو كان من فضة لأثر لمخالفته في لون الأنوار .. وهذا مما يدل على شرف مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الفرق ما بين سدرة المنتهى وشجرة موسى عليه السلام فرق ما بين المنزلتين. (الإفصاح عن معاني الصحاح ج2 ص118-119).

 

2- قال الإمام فضل الله التوربيشتي رحمه الله (المتوفى: 661 هـ):

- وفيه: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال: (فراش من ذهب) ..

- فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله هذا .. وبين قوله في غير هذا الحديث: (فغشيها أنوار لا أدري ما هي)؟

 

- قلنا: قوله ذلك يشير إلى أنها لا تشبه الأعيان المشهودة المستحضرة في النفوس، فتنعت لهم بذكر نظائرها .. ولا تضاد بين القولين .. لأن فراش الذهب كان أيضا مما غشيها .. مع احتمال أن يكون ذلك من قول الصحابي أورده مورد البيان .. لأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر تساقط الفراش على مواقع تلك الأنوار التي غشيها بعد قوله: (إذ يغشى السدرة). (الميسر في شرح المصابيح ج4 ص1277).

 

3- قال القاضي البيضاوي رحمه الله (المتوفى: 685هـ):

- وفيه: إذ قال: (يغشى السدرة ما يغشى) النجم:16 .. قال: (فراش من ذهب)

- ذكر المفسرون في تفسير (ما يغشى) وجوها أخر:

- فقيل: يغشاها جم غفير من الملائكة .. لقوله -عليه السلام-: (رأيت على كل ورقة من ورقاتها ملكا قائما يسبح الله).

- وقيل: (رفرف من طير خضر) .. وقد روي ذلك مرفوعا.

- وفسر في هذا الحديث: بفراش من ذهب ..

- وهو لا ينافي ذلك .. لجواز أن يكون هذا أيضا مما غشيها ..

- ولعله مُثِّلَ ما يغشى الأنوار التي تنبعث منها وتتساقط على مواقعها بالفراش .. وجعلها من الذهب لصفائها وإضاءتها في نفسها. (تحفة الإبرار في شرح مصابيح السنة ج3 ص495-496).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على بعض الروايات التي ذكرها البيضاوي:

أ- حديث (رأيت على كل ورقة من ورقاتها ملكا قائما يسبح الله) هو حديث ضعيف جدا وفيه انقطاع .. وسياتي بيان ذلك بعد قليل في التعقيب على كلام بن كثير .. إن شاء الله .

 

ب- حديث (رفرف من طير خضر) هذا حديث مكرر في كتب التفسير مثل القرطبي والثعلبي والزمخشري وأبي السعود .. ولا أصل لهذا الحديث .. وكلمة (طير) منكرة .. وأصل الرواية كما في صحيح البخاري هي هكذا عن عبد الله بن مسعود: (رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ) صحيح البخاري.

 

4- ذكر الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله (المتوفى: 795هـ) بعض مشاهد مما حدث عند غشيان شجرة سدرة المنتهى.. فذكر من ذلك:

- خرجه الجوزجاني وغيره بزيادة في آخرة، وهي: (فقلنا يا رسول الله، فماذا رأيت عندها؟ قَالَ: فماء مفضض (أي متفرق ينزل من أصلها أو من فوقها) ) . (فتح الباري لابن رجب الحنبلي ج3 ص325).

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الرواية التي ذكرها ابن رجب الحنبلي:

- هذه الرواية لم أجد لها أثر في كتب أهل العلم .. ولا وجود لمثل هذه الألفاظ في روايات الإسراء والمعراج سواء الصحيحة أو الضعيفة .. ولا يوجد فيها ما يعيب أو حتى بعيد من الحقيقة بل لها شاهد من خروج أصل الأنهار الأربعة من سدرة المنتهى ولعل هذا هو المشار إليه بالماء المفصص أي المنتشر من حولها .

 

- ولكن تظل هذه الرواية من وجهة نظري باطلة ولا نستطيع أن ننسبها للنبي بانه قال بها .. حتى يظهر لها سند نتبين منه حقيقة هذه الرواية .. والله أعلم .

 

5- قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله  (المتوفى: 310هـ):

#- واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة:

- فقال بعضهم: غَشيَها فرَاش الذهب. (تفسير الطبري ج22 ص518).

- وقال آخرون: الذي غشيها ربّ العزّة وملائكته. (تفسير الطبري ج22 ص519).

#- ملحوظة: ذكرت أقوال الإمام الطبري مختصرة دون ذكر ما كان يستدل به من آثار للدلالة على كل قول ذكره .. إذ قد ذكرنا هذه الآثار سابقا في الفصل الخمسون من هذه الرسالة .. والباقي في هذا الفصل.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على التفسيرات التي ذكرها الطبري:

أ- الآثار التي ذكرها الطبري عن رؤية فراش الذهب .. هي ما صح من الآثار عن عبد الله بن مسعود .. والروايات التي ذكرها (عن النبي) في قوله أنه رأى (فراش من ذهب) فكلها ضعيفة .. وسأذكر لك هذه الروايات في ختام هذا السؤال في البند رابعا.

 

ب- أما عن الآثار التي تكلمت عن غشيان رب العزة والملائكة فلم يصح منها شيء .. وإن كان هذا منطقيا أن يحدث .. والله أعلم .

 

6- قال الإمام ابن كثير رحمه الله (المتوفى: 774هـ) في مفهوم "غشيان سدرة المنتهى":

- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى) قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغربان ..، وغشيها نور الرب ..، وغشيتها ألوان ما أدري ما هي .

#- وقال الإمام أحمد: حدثنا مالك بن مغول، حدثنا الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ، فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى قَالَ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: وَأُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحَمَاتُ) .. انفرد به مسلم.

 

#- وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره- شك أبو جعفر- قال: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم انتهى إلى السدرة، فقيل له إن هذه السدرة، فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَلَّاقِ وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلَ الْغِرْبَانِ حين يقعن على الشجر .. وقال فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ سَلْ (أي أطلب يا محمد ما تريد)).

 

#- وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: ({إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] قَالَ: «كَانَ أَغْصَانُ السِّدْرَةِ لُؤْلُؤًا وَيَاقُوتًا أَوْ زَبَرْجَدًا، فَرَآهَا مُحَمَّدٌ، وَرَأَى مُحَمَّدٌ بِقَلْبِهِ رَبَّهُ).

#- وقال ابن زيد قيل: (يا رسول الله أي شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟ قال: (رَأَيْتُ يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ). (تفسير بن كثير ج7 ص421).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الروايات التي ذكرها بن كثير:

أ- الرواية الأولى صحيحة وقد رواها الإمام مسلم .. ولكن بلفظ (سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادسةِ) .. وليس في السابعة كما كتب بن كثير .. فهذا وهم منه رحمه الله ..!!

 

ب- رواية أبي العالية عن أبي هريرة .. سبق الكلام عليها في الرسالة كثيرا بأنها حديث ضعيف .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟).

 

ج- أثر مجاهد بن جبر .. أثر ضعيف .. لأن (ابن أبي نجيح) قد دلس في الرواية عن مجاهد لأنه لم يسمع منه .

 

د- حديث ابن زيد .. وهو حديث ضعيف جدا .. في السند (محمد ابن حميد الرازي): وهو ضعيف الحديث .. ، وفيه (موسى بن عبيدة الربذي) وهو ضعيف في حديثه نكارة ولا يحتج بحديثه ..، وفيه أن الحديث منقطع بين (يعقوب بن زيد) وبين النبي صلى الله عليه وسلم .

- والله أعلم .

==================

 

#- رابعا: أحاديث ضعيفة منسوبة للنبي في تفسير غشيان سدرة المنتهى بأنه فراش من ذهب ..

 

1- (حديث ضعيف جدا) .. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (رأيتُها بعَيْني سِدْرَةَ المُنْتَهَى حتى اسْتَثبَتُّها ثُمَّ حالَ دُونَها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه (جويبر بن سعيد الأزدى) متروك الحديث ..، وفيه أن الإمام (الضحاك بن مزاحم) لم يقابل ابن عباس أبدا في حياته ..!!

 

2- (حديث ضعيف جدا) .. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيتُها حتى اسْتَثبَتُّها، ثُمَّ حالَ دُونَها فَرَاشُ الذَهَبِ) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه (سفيان بن وكيع) وهو ضعيف جدا ..، وفيه (جويبر بن سعيد الأزدى) متروك الحديث ..، وفيه أن الإمام (الضحاك بن مزاحم) لم يقابل ابن عباس أبدا في حياته ..!!

 

3- (حديث ضعيف) .. حدثنا ابن حُمَيد، قال ثنا مهران، عن موسى، يعني ابن عبيدة، عن يعقوب بن زيد قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأيتَ يغشى السِّدرة؟ قال: رَأيْتُها يَغْشاها فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ) رواه الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف .. في السند (محمد ابن حميد الرازي): وهو ضعيف الحديث .. ، وفيه (موسى بن عبيدة الربذي) وهو ضعيف في حديثه نكارة ولا يحتج بحديثه ..، وفيه أن الحديث منقطع بين (يعقوب بن زيد) وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

 

#- خلاصة القول أخي الحبيب:

- أن الصحابي عبد الله بن مسعود يقول: بأن النبي في ليلة الإسراء وحين وصوله لسدرة المنتهى قد غشي شجرة سدرة المنتهى .. أي غطاها فراش من ذهب حين حضور النبي صلى الله عليه وسلم لعندها .. وأيضا مما أصابه نور الغشيان في تلك اللحظة هو جبريل عليه السلام فتحول لصورته الحقيقية وكان له ستمائة جناح .. وأضاف أنس بن مالك معلومة أن النبي أيضا رأى ألوان لم يعلم ما هي ..  

- وأكيد هناك من الحقائق الأخرى التي حدثت .. ولم يبلغنا منها سوى ما أذن به الله أن نعرفه ..

 

#- وقبل أن نترك رواية الصحابي بن مسعود .. أحب أن أوضح إشكاليتين في الرواية ..

أ- الإشكالية الأولى تقول: هل سدرة المنتهى في السماء السادسة أم السابعة أم فوق السابعة ؟

ب- والإشكالية الثانية: كيف يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي خواتيم سورة البقرة .. في حين هي نزلت في المدينة أي بعد الإسراء والمعراج بأكثر من ثلاث سنوات ؟!!

- وهذا نجيب عليه في الفصل القادم إن شاء الله تعالى .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .