ج53: قصة الإسراء والمعراج - هل سدرة المنتهى في السماء السادسة أم السابعة أم فوق السابعة ؟

   بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثالث والخمسون)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث والخمسون :: عن رحلة المعراج – عن إشكالية مكان تواجد سدرة المنتهى ::

1- س126: هل سدرة المنتهى في السماء السادسة أم السابعة أم فوق السابعة ؟

#- أولا: من حيث الكلام على متن الرواية.

#- ثانيا: تعقيبا على كلام بعض العلماء في رواية الصحابي عبد الله بن مسعود.

#- ثالثا: هل سدرة المنتهى توجد في السماء السابعة أم فوق السابعة.

#- رابعا: ممن قالوا بأن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة من العلماء.

******************

:: الفصل الثالث والخمسون ::

*******************

 ..:: س126: هل سدرة المنتهى في السماء السادسة أم السابعة أم فوق السابعة ؟ ::..

#- رواية عبد الله بن مسعود السابق ذكرها .. والتي أتى فيها أن مما غشي سدرة المنتهى فراش من ذهب .. كان فيها إشكالية تظهر معنا .. إذ قد جاء في الرواية أن سدرة المنتهى في السماء السادسة ..

 

#- ولكن في الحقيقة حينما نتتبع الروايات التي تم روايتها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .. سنجد أنه تم روايتها بأربعة احتمالات لمكان سدرة المنتهى ..

1- في السماء السادسة.

2- في السماء السابعة.

3- في السماء السادسة أو السابعة. (الشك من الرواة).

4- لم يذكر مكان وجود سدرة المنتهى.

 

#- وبيان ذلك .. مختصرا لما ذكرناه سابقا:

1- (أثر صحابي موقوف صحيح) .. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا .. قَالَ "بن مسعود": (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) [النجم: 16]..، قَالَ "بن مسعود": فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ..، قَالَ "بن مسعود": فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ) رواه مسلم وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأحمد.

 

2- وفي رواية أخرى صحيحة .. بلفظ آخر عن ابن مسعود: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ..) الإيمان لابن منده وأبو نعيم في الحلية ..

 

3- وفي رواية أخرى صحيحة .. بلفظ آخر عن ابن مسعود: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. وَهِيَ في السَّمَاءُ السَّابِعَةُ أَوِ السَّادِسَةُ .....) رواه البيهقي في السنن الصغير وشعب الإيمان..

 

4- وفي رواية أخرى صحيحة .. بلفظ آخر عن ابن مسعود: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. أُعْطِيَ ثَلَاثًا: ......) رواه البيهقي في الدلائل ..

 

5- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: (لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، قَالَ: انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الأَرْضِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا ثَلاَثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيًّا كَانَ قَبْلَهُ، فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ خَمْسًا، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ وَغُفِرَ لأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

 

#- ملحوظة: هذه الرواية فيها زيادة (لم يعطهن نبي كان قبله) .. وليس فيها تحديد مكان سدرة المنتهى.

 

- ملحوظة: سبق تحقيق هذه الروايات في الفصل السابق ..

 

@- من أقوال العلماء في رواية صحيح مسلم التي أتى فيها أن سدرة المنتهى في السماء السادسة .

1- قال الإمام القاضي عياض المالكي رحمه الله  (المتوفى: 544هـ):

- وقوله فى حديث عبد الله فى سدرة المنتهى: (إليها ينتهى علمُ ما يعرج من الأرض وما يهبط من فوقها فيقبض فيها) ..، وذكر أنها فى السماء السادسة، وقد قيل: إنها فى الجنة وإنها فى السماء الرابعة ..

- وتقدم فى حديث أنس .. أنها فوق السماء السابعة - وهو الأصح - وهو الأكثر والذى يقتضيه المعنى. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).

 

2- قال القاضي البيضاوي رحمه الله (المتوفى: 685هـ):

- من المتعارف المشهور والمروي عن الجمهور: أن سدرة المنتهى في السماء السابعة .. فلعل هذا غلط من بعض الرواة ..، ويدل عليه: أن الحديث روي عنه من طرق متعددة .. ولم تذكر فيها السماء السادسة. (تحفة الإبرار في شرح مصابيح السنة ج3 ص495-496).

 

3- قال الإمام النووي رحمه الله (المتوفى: 676هـ):

- قوله (انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة) كذا هو في جميع الأصول .. السادسة .. "أي أصول نسخ كتاب صحيح مسلم مكتوب فيها السادسة".. وقد تقدم في الروايات الأخر من حديث أنس أنها فوق السماء السابعة.

- قال القاضي "أي القاضي عياض": كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها (بالمنتهى).

- قلت "أي الإمام النووي": ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم.

- وقد قال الخليل رحمه الله "أي الخليل بن أحمد الفراهيدي": هي سدرة في السماء السابعة قد أظلت السماوات والجنة. (شرح النووي على صحيح مسلم ج3 ص2) –(وما بين علامات التنصيص من توضيح لكلام النووي أو للأسماء التي ذكرها إنما هو من أضافتي لتوضيح الأمر للقاريء)

 

4- قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله (المتوفى: 656 هـ):

- حديث أنس مرفوع .. وحديث عبد الله موقوف عليه من قوله .. والمُسنَدُ المرفوعُ أولى. (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج1 ص394).

 

#- ويقصد الإمام أبو العباس القرطبي بكلامه السابق: أن الأحاديث المروية عن أنس بن مالك مرفوع أي موصول بقول النبي أي قاله النبي أنه بعد السماء السابعة ذهب إلى سدرة المنتهى .. بخلاف حديث ابن مسعود الذي جاء فيه أن سدرة المنتهى في السماء السادسة .. فهذا من كلام موقوف على لفظ بن مسعود ولم ينسبه للنبي .. ولذلك الحديث المثبت عن قول النبي أولى من الحديث المثبت عن قول الصحابي ..

 

5- وقال الإمام بن رجب الحنبلي رحمه الله (المتوفى: 795هـ):

- وقول ابن مسعود: (أن سدرة المنتهى في السماء السادسة) يعارضه حديث أنس المرفوع من طرقه كلها .. فإنه يدل على أنها في السماء السابعة أو فوق السماء السابعة، والمرفوع أولى من الموقوف. (فتح الباري لابن رجب ج2 ص323).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على رواية عبد الله بن مسعود:

#- أولا: من حيث الكلام على متن الرواية ..

- لو انتبهت أخي الحبيب للرواية السابقة المنقولة عن قول الصحابي عبد الله بن مسعود "وليس عن حديث نبوي" .. ستلاحظ شيء مهم .. وهو أن الرواة نقلوا عنه في مرة أنه قال بأن سدرة المنتهى في السماء الساسة ، ومرة في السابعة ، ومرة بين السادسة والسابعة ، ومرة لم يأت ذكر لمكان سدرة المنتهى.

 

@- وهذا يجعلنا نقول:

1- بأنه يوجد اضطراب ظاهر في المتن في جزئية تحديد مكان السدرة .. ولكن الرواية اتفقت على الجزء الأخير وهو ما أعطاه الله لنبيه ..

 

2- انتبه: حينما قال بعض العلماء أن هذا الأثر له حكم المرفوع أي كأن النبي هو من قاله .. فذلك فيما يتعلق فقط بجزئية العطاء الذي أعطاه الله لنبيه .. وهو الجزء المتفق عليه في رواية بن مسعود ..

- وسبب قول العلماء أن هذا الأثر في جزئية عطاء الله لنبيه له حكم المرفوع هو .. أنه لابد أن يكون الصحابي سمعه من النبي لأن هذا العطاء هو أخبار غيبية لا يتم التعرف عليها بالإجتهاد وإنما بالسماع من النبي أو من صحابي أخر سمعها من النبي .. وسواء هذا أو ذاك فلابد من سماع هذه المعلومة من النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

#- ثانيا: تعقيبا على كلام بعض العلماء في رواية الصحابي عبد الله بن مسعود

1- بعض العلماء وهو الإمام النووي ومن وافقه: حاول التوفيق بين رواية الإمام مسلم والتي فيها أن السدرة في السماء السادسة .. وقال أن أطراف سدرة المنتهى تنتهي فروعها في السماء السادسة ولكن أصلها في السابعة .. وسبب قوله ذلك لأن روايات الإسراء والمعراج كلها تقول أن السدرة في السابعة "حسب تفسير البعض لألفاظ بعض الروايات" .. أو فوق السابعة "حسب تفسير البعض الآخر لألفاظ بعض الروايات" .. ولا يوجد أي رواية من روايات الإسراء والمعراج جاء فيها أن سدرة المنتهى في السماء السادسة ..!!

- فيكون لفظ (السادسة) في رواية بن مسعود التي رواها الإمام مسلم وغيره .. حينئذ هو لفظ شاذ في الرواية.

 

2- فالذين حاولوا التوفيق بين الروايات .. أي بين رواية بن مسعود التي تقول أن سدرة المنتهى في السادسة والرواية التي تقول في السابعة أو فوقها من روايات المعراج المشهورة .. قد فاتهم أن الرواية عن ابن مسعود قد أتت أيضا من طرق أخرى عن ابن مسعود بلفظ أن السدرة في السابعة .. فتكون رواية مسلم وغيره فيها لفظ (السادسة) هو لفظ شاذ .. أخطأ فيه أحد الثقات الذين رووا عن ابن مسعود كلامه.

 

#- وهذا ما قاله الإمام القاضي البيضاوي ونقلته منذ قليل إذ قال: "فلعل هذا غلط من بعض الرواة ..، ويدل عليه: أن الحديث روي عنه من طرق متعددة .. ولم تذكر فيها السماء السادسة". (تحفة الإبرار في شرح مصابيح السنة ج3 ص495-496).

 

#- وعموما طالما هناك رواية صحيحة بنفس الإسناد وذكرت السماء السابعة .. فهي على توافق مع بعض روايات الإسراء والمعراج حينئذ .. ولا مشكلة .. ويكون لفظ (السادسة) الذي ذكره الإمام مسلم هو لفظ (شاذ) لمخالفته ما عليه الثقات في الروايات الأخرى التي حكت الإسراء والمعراج .

 

#- ثالثا: هل سدرة المنتهى توجد في السماء السابعة أم فوق السابعة ..

- اعلم أخي الحبيب .. العلماء اختلفوا في تلك المسألة .. على رأيين:

1- الرأي الأول: أن سدرة المنتهى في السماء السابعة وارتضوا بتأويل أحاديث المعراج بأنها تشير إلى أن ألفاظ الرفع والذهاب لسدرة المنتهى إنما هو في ذات مكان السماء السابعة ولكن في مكان أعلى فيها وبالتالي سدرة المنتهى عندها جنة المأوى .. فتكون جنة المأوى في السماء السابعة .. وما فوق السماء السابعة هو العرش ..

 

- وعلى هذا الرأي يكون البيت المعمور وسدرة المنتهى وجنة المأوى في منتهى السماء السابعة ..

 

- ومما يستدل به .. ما جاء في (حديث صحيح) .. عن مُحَمَّدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخبَرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (فِي قَوْلِ اللهِ {عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلمَ قَالَ: رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ المُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ نَبْقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَوَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الفِيَلَةِ، يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَمَّا النَّهَرَانِ البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالفُرَاتُ) رواه أبو يعلى في مسنده وأحمد ..، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين  .. 

 

#- (قلت خالد صاحب الرسالة) تعقيبا على الحديث السابق:

أ- صحيح أن متن الرواية موافق لما رواه الشيخين البخاري ومسلم .. ولكن ليس في الصحيحين لفظ (ساقها) ..!!

- فرواية البخاري عن مالك بن صعصعة جاء فيها: (فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ) صحيح البخاري.

- ورواية مسلم عن مالك بن صعصة جاء فيها: (أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ) صحيح مسلم .

 

- فأصل اللفظ هو (أصلها) .. وليس (ساقها) ..

 

ب- وجاء في (حديث صحيح) بلفظ آخر .. عن مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: (فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَتْ لِي سِدْرَةٌ مُنْتَهَاهَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيلِ، يَخْرُجُ مِنْ سَاقِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: أَمَا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. وله شاهد غريب من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس صحيح الإسناد ولم يخرجاه ..، ووافقه الذهبي وقال: على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.

 

ج- ورواية معمر عن قتادة لا تقبل منفردة في حال مخالفتها غيرها .. ولا متابعة له في هذه اللفظة (سَاقِهَا) ولا لجزئية (رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ المُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ) والمقصد هو أن البخاري ومسلم لم يذكرا أن رفع سدرة المنتهى في السماء السابعة وإنما ذكرا الرفع فقط دون تحديد المكان ..عدم تحديث رفع سدرة المنتهى فيحسب ما أعلم .. وهذه ألفاظ مخالفة لما جاء في الصحيحين البخاري ومسلم .. وسبب عدم قبول رواية معمر منفردة هو ما قال الدارقطني وغيره: أن معمر سيء الحفظ عن قتادة والأعمش. "نقلاً عن ابن رجب (شرح العلل) ج2 ص698" ..

 

د- الذي أراه في الحديث السابق على افتراض صحته .. أن المقصد من قوله (رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ المُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ) والتي توضيحها في الرواية الثانية لنفس الرواة فقالوا: (رُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ المُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ): أي قُرِّبَت لي سدرة المنتهى في منتهى السماء السابعة الذي عند سقفها يبدأ مستوى سدرة المنتهى .. أو أن بداية رؤية هذه الشجرة كان عند العروج من السماء السابعة .. أي تمتد من منطقة المنتهى إلى نهاية السماء السابعة .. أو بمعنى انكشفت لي سدرة المنتهى في انتقالي إلى السماء السابعة ..

 

@- والغريب أن أصحاب هذا الرأي أنهم يقولون: بأن الجنة موجودة الآن عند سدرة المنتهى في السماء السابعة ..!! وهنا نسألهم ونقول:

أ- لو كانت سدرة المنتهى في السماء السابعة فالجنة في السماء السابعة .. فلا يمكن أن تكون جنة المأوى حينئذ هي جنة الخلود .. لأنها ستتغير مع تغيرات السموات والأرض يوم القيامة .. فلماذا تقولوا أنها جنة الخلود أم مقصودكم بالسابعة فوق منتهى حدود السماء السابعة ؟!!

 

ب- وكيف نعقل أن تكون جنة المأوى هي جنة الخلد وتوجد في السماء السابعة .. إذا كانت الجنة عند سدرة المنتهى والجنة عرضها السموات والأرض .. فكيف تكون في حيز أي سماء ؟!!

 

2- الرأي الثاني: بعض العلماء يقول أن سدرة المنتهى في السماء السابعة ويقصدون أن منتهاها في السابعة أي منتهى ظهورها عند السماء السابعة ولكن أصل وجودها فوق السماء السابعة .. أي الأصل فوق السموات السبع وتمتد أطرافها حتى السماء السابعة ..

- أي أن النبي رآها ظاهرة له حين عروجه إليها .. عند انتقاله من السماء السابعة إليها .. وعلى هذا يأولون روايات المعراج في مسألة ذهاب ورفع النبي لسدرة المنتهى .. والبعض قد يستدل بما جاء في رواية شريك بن عبد الله بن نمر عن أنس بن مالك وجاء فيها بعد الوصول للسماء السابعة: (ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله .. حتى جاء سدرة المنتهى) صحيح البخاري.

- إذن كان هناك علو فوق السموات السبع بما لا يعلمه إلا الله .. قبل الوصول لسدرة المنتهى .. ومعنى قوله (بما لا يعلمه إلا الله) يقصد به مقدار مسافة العلو وليس يقصد جهالة الأحداث التي قد تكون مرت به .. فانتبه .. والله أعلم.

 

@- وسواء أصحاب هذا الرأي أو ذاك .. فكلاهما يقر بأن بعد السماء السابعة قد حدث عروج للنبي صلى الله عليه وسلم لمستوى سمع فيه صريف الأقلام .. أي لا تظن أن معراج النبي توقف عند حدود سدرة المنتهى .. لا .. فلازال يوجد معراج آخر سنتكلم عنه إن شاء الله قريبا ..

 

3- ولعل الرأي الأرجح بالنسبة لي هو الرأي الثاني .. الذي يقول بأن سدرة المنتهى وجنة المأوى في مستوى فوق السماء السابعة .. لأنها لو كانت جنة المأوى هي جنة الخلد فيستحيل أن تكون في السماء السابعة .. لأن جنة الخلد عرضها السموات والأرض .. فبالتالي لا يمكن وجودها في السماء السابعة ولا أي سماء ولا أي أرض .. وإنما في مستوى مطلق الحدود وهو ما يكون فوق السماء السابعة .

 

- بل أن قول الروايات بأن النبي دخل الجنة ووطأها بقدمه ولمسها بيده .. فهي حينئذ جنة الخلد المعهودة .. وليس تمثيل ولا خيال ولا نموذج مصغر .. وإنما هي جنة الخلد زارها تشريفا وتكريما ومحبة ..

 

#- إذن: قد حدث عروج للنبي في مستوى فوق السماء السابعة .. والله أعلم .

 

#- رابعا: ممن قالوا بأن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة من العلماء:

1- قال الإمام أبو عوانة يعقوب ابن إسحاق الشافعي رحمه الله (المتوفى: 316هـ) عن بعض معتقدات أهل السنة والجماعة ردا على طائفة الجهمية .. وقبل ذكره للأحاديث الدالة على المعتقدات التالية والتي جاء فيها:

- بيان أن الجنة مخلوقة .. وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها .. وأنها فوق السموات .. وأن السدرة المنتهى فوقها .. وأن الله فوقها .. وأن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إليها، وأنه دنا من رب العزة ورب العزة دنا منه قاب قوسين أو أدنى .. وأن ما غشي السدرة من الألوان كان من نوره تبارك وتعالى، وأن الكوثر الذي أعطي محمد صلى الله عليه وسلم هو: مخلوق وموجود وهو نهر من ماء ترابه المسك، وصفة الحوض ومائه .. وأن من بدل ما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أمته لم يرد حوضه .. وأن النيل والفرات أصلهما في السماء وإثبات صريف الأقلام فوق السموات السبع .. وأن موسى رفع فوق الأنبياء بكلامه تبارك وتعالى. (مستخرج أبو عوانة ج1 ص118).

 

2- قال الإمام القاضي عياض المالكي رحمه الله  (المتوفى: 544هـ):

- وقوله فى حديث عبد الله فى سدرة المنتهى: (إليها ينتهى علمُ ما يعرج من الأرض وما يهبط من فوقها فيقبض فيها) ..، وذكر أنها فى السماء السادسة، وقد قيل: إنها فى الجنة وإنها فى السماء الرابعة ..

- وتقدم فى حديث أنس .. أنها فوق السماء السابعة - وهو الأصح - وهو الأكثر والذى يقتضيه المعنى. (إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص525).

 

#- يقصد الإمام القاضي عياض بحديث أنس .. هو الذي جاء فيه لفظ: (ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى) .. ففسر الذهاب انتقال بالعروج لمستوى آخر.

 

3- قال الإمام أبو العباس القرطبي المالكي رحمه الله (المتوفى: 656 هـ):

- وفي حديث أنس ما يقتضي أنّ السدرة في السماء السابعة أو فوقها .. لقوله: (ثمّ ذهب بي إلى السدرة) .. بعد أن استفتح السماء السابعة .. ففتح له فدخل .. وفي حديث عبد الله أنّها في السماء السادسة. وهذا تعارض لا شكّ في .. وما في حديث أنس أصحّ، وهو قول الأكثر. (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج1 ص394).

 

#- ملحوظة هامة: قال الإمام بن حجر في كتابة فتح الباريج7 ص213: (وقال القرطبي في المفهم: ظاهر حديث أنس أنها في السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة ثم ذهب بي إلى السدرة) انتهى النقل..، ولكن هذا النقل من الإمام بن حجر فيه خطأ منه .. لأن الإمام أبو العباس القرطبي قال (وفي حديث أنس ما يقتضي أنّ السدرة في السماء السابعة أو فوقها) ..!! فسقط من بن حجر لفظ (أو فوقها) .. فانتبه .

 

4- قال الإمام ابن الملقن الشافعي رحمه الله (المتوفى: 804هـ):

- سدرة المنتهى: فوق السماء السابعة.

- وقال الخليل "أي ابن أحمد الفراهيدي": في السابعة قد أظلت السموات والجنة .

- وجاء في رواية: أنها في السماء السادسة.

- والأول "أي الرأي الأول": عليه الأكثرون وهو الذي يقتضيه المعنى. (التوضيح لشرح الجامع الصحيح ج5 ص255) - وعلامات التنصيص إضافة مني للتوضيح.

 

5- قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله (المتوفى: 606هـ) في رده على المعتزلة:

- وأما قوله: الجنة مخلوقة في السماء السابعة ..

- قلنا: إنها مخلوقة فوق السماء السابعة. (تفسير الفخر الرازي ج29 ص465)

 

6- قال الطاهر بن عاشور رحمه الله (المتوفى : 1393هـ):

- و (سدرة المنتهى): اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة . (التحرير والتنوير ج27 ص100).

 

#- وأكتفي بهذا القدر من النقل عن بعض المحدثين والمفسرين .. ويمكنك الإستزادة بمراجعة ما تشاء من كتب أهل العلم في شروح الأحاديث والتفسير والعقيدة ..

 

#- خلاصة القول أخي الحبيب:

- سدرة المنتهى على حسب غالب أقوال أهل العلم .. هي في مكان فوق السماء السابعة .. وعندها جنة المأوى التي هي أعدت للمتقين .. وليست جنة خيالية رآها النبي ولا مجدرد تمثيل روحاني رآه لأنه دخلها ولمسها بيده ..

 

- بل وفي بعض أقوال أهل العلم يوجد البيت المعمور فوق السماء السابعة .. وعلى هذا يكون باعتبار أن أحد جوانب المسجد أو بدايته تبدأ من السماء السابعة وهو الذي كان يسند عليه إبراهيم عليه السلام ظهره ..

- إذ جاء (أثر صحيح) .. عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: (شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: سَلُونِي فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَسَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ؛ فَوَاللَّهِ مَا مِنْهُ آيَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ أَمْ بِسَهْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِجَبَلٍ، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: ..... (وكان من جملة ما سأله ابن الكواء هو) : أَفَرَأَيْتَ (أي ما قولك في) الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ مَا هُوَ ؟ قَالَ: الصُّرَاحُ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُدْخِلَهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) رواه ابن عبد البر القرطبي في جامع بيان العلم وفضله .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر صحيح ولم أجد ما يعيب السند في شيء.. وابن الكواء ليس هو راوي الحديث حتى يُعاب الحديث به ..، ولكن هذا المتن فيه مخالفة لما جاء في الصحيح من أن البيت المعمور في السماء السابعة .. إلا أن يقال أن البيت المعمور له جانب متصل بالسماء السابعة أو يبدأ من السماء السابعة وأصله فوق السماء السابعة ..

- والله أعلم .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .