ج54: قصة الإسراء والمعراج - كيف أعطى الله خواتيم سورة البقرة للنبي في ليلة المعراج أثناء وجوده بمكة إذا كانت خواتيم سورة البقرة نزلت في المدينة وليس في مكة حسب قول العلماء ؟

   بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الرابع والخمسون)

#- فهرس:

:: الفصل الرابع والخمسون :: عن رحلة المعراج – عن إشكالية حول خواتيم سورة البقرة متى نزلت ليلة المعراج في مكة أم نزلت في المدينة وعلاقة ذلك بقصة الإسراء والمعراج ::

1- س127: كيف أعطى الله خواتيم سورة البقرة للنبي في ليلة المعراج إذا كان من المتفق عليه عند غالب العلماء أنها نزلت بعد هجرته للمدينة ؟

#- أولا: تفسير العلماء لمفهوم قوله (وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) ليلة المعراج.

#- ثانيا: قول العلماء أن سورة البقرة مدنية .. ليس معناه أن كل آياتها مدنية .. بل محتمل أن يكون قليل من آياتها مكيا أي نزل بمكة.

#- ثالثا: هل صح قول النبي أنه أخذ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش.

#- رابعا: حديث لم يصح عن النبي وجاء فيه أنه أخذ الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ليلة المعراج.

#- خامسا: ما الذي يشير إليه لفظ ابن مسعود (وأعطي) ؟

******************

:: الفصل الرابع والخمسون ::

*******************

 ..:: س127: كيف أعطى الله خواتيم سورة البقرة للنبي في ليلة المعراج إذا كان من المتفق عليه عند العلماء أنها نزلت بعد هجرته للمدينة ؟ ::..

#- من المسائل التي تتعلق برواية بن مسعود التي ذكرناه في الأسئلة السابقة .. وهي ما جاء فيها: (قَالَ "بن مسعود": فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ) رواه مسلم وأبو يعلى وابن أبي شيبة وأحمد.

 

#- وهنا سؤال قد يخطر على البال:

- فيقال: كيف أعطي الله لنبيه خواتيم سورة البقرة .. إذا كان هذه الآيات في خواتيم سورة البقرة قد نزلت في المدينة أي بعد المعراج بسنوات .. كما قال علماء التفسير .. وكما يظهر ذلك مما جاء في حديث أبي هريرة وابن عباس الذي جاء فيه:

#- (حديث صحيح) .. عن أبي هريرة قال: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ "، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا (أي أقرَّت) أَلْسِنَتُهُمْ .. فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] .....) صحيح مسلم.

 

#- وفي (حديث صحيح) .. عن سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284]، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ..

- فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ (أي أستجبت).. {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ (أي أستجبت).. {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} [البقرة: 286] " قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ) صحيح مسلم.

 

- وجاء هذا الحديث السابق في رواية أطول عن أبي هريرة .. وأكتفيت بذكر الرواية القصيرة عن ابن عباس .. وكلاهما في صحيح مسلم.

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: تفسير العلماء لمفهوم إعطاء النبي خواتيم سورة البقرة ليلة المعراج ..

- سأنقل لك هنا أخي الحبيب من أجمل ما يمكن أن تقرأه في توجيه وفهم كلام العلماء لأثر الصحابي عبد الله بن مسعود لجزئية إعطاء النبي خواتيم سورة البقرة ليلة الإسراء والمعراج .. فمن ذلك:

1- التفسير الأول: عن بعض العلماء لمفهوم قوله (أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)  ..

#- قال الإمام فضل الله التوربيشتي رحمه الله (المتوفى: 661 هـ):

- وفيه: (وأعطى خواتيم سورة البقرة): ليس معنى قوله: (أعطى) أنها أنزلت عليه .. بل المعنى أنه استجيب له فيما لقن في الآيتين .. من قوله: (غفرانك ربنا) إلى قوله: (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) .. ولمن يقوم بحقها من السائلين. (الميسر في شرح المصابيح ج4 ص1277).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

1- الذي ذكره الإمام التوربيشتي رحمه الله هو ما عليه غالب مفسري الأحاديث ..  والمقصد من كلامه رحمه الله حسب ما فهمت منه - والله أعلم -  أن معنى إعطاء النبي خواتيم سورة البقرة .. هو أن النبي تم تلقينه بهذه الدعوات الموجودة في خواتيم سورة البقرة في مقام الخصوصية مع الله .. وقد أستجاب الله له في ذلك.

 

- أي أن لفظ بن مسعود (وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) فالإعطاء هنا ليس تنزيل فلم يقل (أُنزل عليه) .. فالمقصد هنا إعطاء فضيلة استجابة الدعوات التي دعاها بعد ان لقنه الله بها في مقام الخصوصية .. والتي أنزلت فيما بعد في هيئة آيات قرآنية كفضيلة لأمته كلها وليس خصوصية نبوية فقط .. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ذلك من ربه في مقام الخصوصية أن يمنح ما تجلي به عليه من خصوصية عطاء أن يجعلها لأمته أيضا فضلا منه وكرامة جل شأنه .. وقد استجاب له في ذلك.   

 

#- وحقيقي هذا الرأي من الإمام التوربيشتي وعلى بساطة كلماته .. وحسب ما فهمته منه .. فهذا رأي محترم جدا جدا ..

 

2- وبالتالي مما سبق أيضا أفهم الآتي: أن كان كلام الصحابي بن مسعود .. هو أنه أراد تعريفنا بأن مما دعا به النبي مولاه ليلة المعراج هي الدعوات التي أنزلها الله بعد ذلك في هيئة آيات قرآنية بعد ذلك بحروف نورانية هي خواتيم سورة البقرة .. وذلك لتكون عطاء ومشرب ووسيلة إجابة لكل مؤمن يدعو بها ..

 

3- وبالتالي نفهم مما سبق أيضا .. أن النبي يكون قد أخبر الصحابة .. أن خواتيم سورة البقرة هي الدعوات التي كان لقنها الله لنبيه ليدعوه بها ليلة المعراج في مقام الخصوصية .. إلا أنها لم تكن قرآنا مأذونا له فيه ليتلوه على الناس.. حتى أنزله عليه فيما بعد في المدينة وتحولت هذه الدعوات من مجرد دعوات إلى قرآن يتلى إلى يوم القيامة وفيه عطاء لكل أمته صلى الله عليه وسلم .

 

4- ومما سبق يتبين لك .. أن حديث أبي هريرة وابن عباس .. الذي جاء فيه نزول خواتيم سورة البقرة .. فما هو إلا إظهار لبعض الدعوات النبوية في ليلة المعراج .. ولكن في هيئة حروف قرآنية نورانية تتناسب مع جميع الخلق حين الدعاء بها ويتم الإستجابة لها ..

- وحينما أتى الإذن للنبي بإظهار الدعوات التي دعا بها ربه ليلة المعراج .. فأنزلها الله وأوحى إليه بها جبريل للنبي .. وقال لصحابته أن يرددوا خلفه خواتيم سورة البقرة وكلما رددوا دعاء .. قال الله: قد فعلت .. أي قد أستجبت لكم .. إلى أن ختم النبي الآيات .. وأخبرهم أنها مما ألهمه الله بها من دعوات ليلة الإسراء إلا أنها الآن أصبحت قرآن يتلى إلى يوم القيامة .

 

5- إذن لا يوجد تعارض بأي حال من الأحوال .. بين ما ذكره عبد الله بن مسعود الصحابي وبين حديث أبي هريرة .. أو بمعنى أدق لا يوجد مشكلة في كون خواتيم سورة البقرة قد قام الله بتلقينها للنبي في حضرة الخصوصية على سبيل الدعاء .. وبين إنزال هذه الدعوات في المدينة في هيئة قرآن يتم تلاوته ومجاب فيه الدعاء لجميع الأمة كرامة من الله وفضلا ..

 

2- التفسير الثاني: عن بعض العلماء لمفهوم  قوله (أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)  ..

#- من الآراء التفسيرية الجميلة التي قرأتها هو ما ذكره الإمام شمس الدين القرطبي رحمه الله (المتوفى: 671هـ) .. إذ قال رحمه الله في تفسيره:

- قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه). "روي عن الحسن ومجاهد والضحاك" .. أن هذه الآية كانت في قصة المعراج .. وهكذا روي في بعض الروايات عن ابن عباس.

 

- وقال بعضهم: جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم .. إلا هذه الآية فإن النبي صلى الله عليه وسلم: هو الذي سمع ليلة المعراج .

 

- وقال بعضهم: لم يكن ذلك في قصة المعراج، لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية.

 

- فأما من قال: إنها كانت ليلة المعراج قال: لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم وبلغ في السموات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل: إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله .

 

- فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربك .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التحيات لله والصلوات والطيبات. قال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .

 

- فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ..

- فقال جبريل وأهل السموات كلهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد هـ ورسوله.

- قال الله تعالى: (آمن الرسول) على معنى الشكر أي صدق الرسول.

- (بما أنزل إليه من ربه) فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال: (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى.

 

- فقال له ربه: كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها ؟ وهو قوله: (إن تبدوا ما في أنفسكم).

- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) يعني المرجع.

 

- فقال الله تعالى عند ذلك: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) يعني طاقتها ويقال: (إلا) دون طاقتها.

- (لها ما كسبت) من الخير .. (وعليها ما اكتسبت) من الشر..

- فقال جبريل عند ذلك: سل تعطه ..

- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا) يعني إن جهلنا ..، (أو أخطأنا) يعني إن تعمدنا .. ويقال: إن عملنا بالنسيان والخطأ.

 

- فقال له جبريل: قد أعطيت ذلك .. قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان.

- فسل شيئا آخر فقال: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) يعني ثقلا ..، (كما حملته على الذين من قبلنا) وهو أنه حرم عليهم الطيبات بظلمهم .. وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوبا على بابهم.

- وكانت الصلوات .. عليهم خمسين .. فخفف الله عن هذه الأمة وحط عنهم بعد ما فرض خمسين صلاة. ثم قال: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) يقول: لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا ..، ويقال: ما تشق علينا .. لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه .. (واعف عنا) من ذلك كله ..، (واغفر لنا) وتجاوز عنا ..، ويقال: (واعف عنا) .. من المسخ .، (واغفر لنا) من الخسف .. (وارحمنا) من القذف .. لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف .

- ثم قال: (أنت مولانا) يعني ولينا وحافظنا .. (فانصرنا على القوم الكافرين) فاستجيبت دعوته. (تفسير القرطبي ج3 ص426).

 

@- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- وتفسير الإمام القرطبي رحمه الله .. حسب ما فهمت منه يقصد به الآتي – والله أعلم:

1- يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل قوله تعالى: (لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ) البقرة: 284.

وحدث اضطرب للصحابة من هذه الآية لوجود بعض المشقة فيها حسب ما فهموا إذ سألوا النبي كيف يحاسبنا الله على ما لا يمكننا السيطرة فيه على ما في أنفسنا وهي لا إرادة لنا فيها .. فقال لهم النبي قولوا سمعنا وأطعنا ..

 

2- ثم بعد ذلك حدثت حادثة الإسراء والمعراج .. وكان فيها أن أخذ النبي عطية وهدية من الله .. وهي خواتيم سورة البقرة التي تطمئن الصحابة فيما كان أصابهم من اضطراب حين نزول قوله تعالى: (لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ) ..

 

#- وحسب تفسير الإمام القرطبي .. فالآيات (285-286) من سورة البقرة .. هي آيات مكية .. وليست مدنية .. وهذا ظن بعض السلف كما ذكر القرطبي في بداية تفسيره ..

 

@- ومن طريف الأمور .. أن ما ذكره الإمام القرطبي .. قد خطر ببالي فعلا قبل أن اقرأه واطلع عليه .. وكنت كاتبه هكذا:

1- نزل قوله (لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ) .. فقال لهم النبي قولوا سمعنا وأطعنا .. وانتهت المسألة هنا حتى ينزل وحيا من الله يحسم المسألة .

 

2- ثم حدث المعراج .. ونزل عليه خواتيم سورة البقرة .. (مع ملاحظة أن بعض العلماء قال ونزل معها الفاتحة أيضا مستدلا بحديث .. نزول الفاتحة وخواتم سورة البقرة من كنز من تحت العرش .. ولكنه ليس حديث صحيح – والله أعلم)  ..

 

3- ثم نزل ملك من السماء .. وكان جبريل جالس مع النبي في هيئة بشرية .. ونزل هذا الملك يبشر النبي بمزيد فضل للفاتحة وخواتيم البقرة بأنهما نورين لمن يقرأهما ..

 

#- ثانيا:  من الجيد أن تفهم أخي الحبيب .. أن قول بعض العلماء أن سورة البقرة مدنية .. ليس معناه أن كل آياتها مدنية .. بل محتمل أن يكون قليل من آياتها مكيا أي نزل بمكة ..

- وسورة البقرة وإن كان كل آياتها مدنية .. إلا أن هناك خلاف في أن بعض آياتها مكية .. وإليك قول بعض العلماء ..

 

#- قال الإمام يوسف بن علي أبو القاسم الهُذَلي (المتوفى: 465هـ):

- سورة البقرة مدنية .. إلا ست آيات منفردات منها: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) نزل عليه لما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه ..

 

#- إلى أن قال الهُذلي رحمه الله:

- (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) نزلت في حجة الوداع.

- و (آمَنَ الرَّسُولُ) نزلت بقاب قوسين. (راجع الكامل في القراءات والأربعين الزائدة عليها ص112)..، وكذلك (راجع الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص90)

#- ثالثا: هل صح قول النبي أنه أخذ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش.

- جاء (حديث صحيح) .. عن حذيفة بن اليمان قال .. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط صحيح مسلم.

1- وهذا الحديث نفهم منه أنه أخذها من عطاء إلهي خاص من كنز تحت العرش ويشار بالكنز للعطاء الإلهي الخاص لأهل الخصوصية .. وتحت العرش باعتبار تلقي مكان هذا العطاء ..

 

2- وكما سبق وأوضحنا أن باعتبار أحد التفسيرين بهذا العطاء .. يكون توجيه الحديث النبوي .. يعني سواء حضرتك أخذت بالرأي الأول للإمام التوربيشتي أو الرأي الثاني للإمام القرطبي .. ستقوم أيضا بتفسير ماهية عطاء هذه الآيات .. حسب ما يطمئن قلبك ..

 

3 - ومن المثير للإهتمام .. أن هذا الحديث النبوي يؤكد ما قاله الصحابي عبد الله بن مسعود .. إلا ان الحديث النبوي لم يذكر ليلة الإسراء .. وإنما الذي ذكرها هو الصحابي عبد الله بن مسعود .. ولذلك توقف بعض العلماء عن إدراجه في ليلة الإسراء واكتفوا بسرد الحديث السابق على كونه فضيلة عن خواتيم سورة البقرة .

 

#- رابعا: حديث لم يصح عن النبي وجاء فيه أنه أخذ الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ليلة المعراج.

- من الأحاديث التي قد تصادفها في أحاديث الإسراء والمعراج .. أن يأتي شخص بجزء من حديث أبي العالية عن أبي هريرة والذي جاء فيه أن الله أظهر فضيلته على النبي وقال له من جملة ما قال: (وَآتَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي (أي سورة الفاتحة) لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ .. وَأَعْطَيْتُكَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ .. وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتَمًا) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق تخريج هذه الرواية من قبل وأنها ضعيفة ولم تصح .. راجع الفصل الرابع والثلاثون .. تحت عنوان (س93: ما هي الأحداث الغير صحيحة التي قيلت في قصة الإسراء فقط من بداية القصة وحتى ركوب النبي للبراق ؟).

#- خامسا: ما الذي يشير إليه لفظ ابن مسعود (وأعطي) ؟

- قوله (واُعطي): للدلالة على أنه عطاء خاص بين الله وحبيبه ولم يكن جبريل في ذلك المقام .. 

- إذ لا يعقل أن يناقش النبي ربه في مسالة الصلوات بواسطة .. ثم يقال أُعطي الصلوات الخمس وخواتيم البقرة وتم غفر المقحمات .. بواسطة جبريل .. فهذا حينئذ كلام لا يقبله العقلاء .. ولا يدل عليه السياق ..!!

 

#- وخلاصة القول أخي الحبيب:

1- نزول خواتيم سورة البقرة ليلة المعراج حسب ما جاء في أثر الصحابي عبد الله بن مسعود .. على توجيهين:

أ- الأول: ومحتمل أن تكون دعوات قد لقنها الله للنبي في مقام الخصوصية ومن جملة ما أوحى به إليه على سبيل الدعاء .. ثم بعد ذلك نزلت خواتيم سورة البقرة وفق ما دعا  به النبي ربه ليلة المعراج .. ونفهم هنا أن النبي أخبرهم حين نزول خواتيم سورة البقرة أن هذا كان مما دعا به الله في مقام الخصوصية ..

 

ب- الثاني: محتمل فيه أن يكونوا نزلوا فعلا ليلة المعراج .. ويكون أن الصحابة لما سمعوا قوله (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) وقالوا سمعنا وأطعنا .. فحدث بعد ذلك ليلة المعراج وأنزلت خواتيم سورة البقرة .. وعلى ذلك يكون رواية أبي هريرة وابن عباس على سبيل الحكاية لأنهما لم يحضرا القصة وإنما سمعوها .. لأن الآيات حينئذ تكون مكية.

 

2- هناك خلاف بين العلماء في أن خواتيم سورة البقرة كلها مدنية أم ان كلها مدنية ماعدا بعض الآيات فيها كخواتيم سورة البقرة .

 

3- وقد صح عن النبي أنه قال بأنه أخذ خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش.

 

@- ملحوظة هامة أخي الحبيب:

- بالرغم من أن مفهوم الإخفاء في الآية هو إضمار الشر بعزيمة تحقيق .. يعني يسكن فيك صفات عن إرادة منك مثل الرغبة في حب الشماتة والحسد والنفاق وذلك عن رغبة وإرادة منك في ذلك .. أو تريد أذية أحد وأنت مُصِر على ذلك ولكن الظروف غير مناسبة لتفعل ذلك ولكن لازالت العزيمة فيك بالأذى كلما سمحت الفرصة .  

 

- إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم .. أراد أن يرفع عزيمة أصحابه في العمل مع الله .. ويرتقي بهم في درجة المراقبة القلبية .. مع التسليم .. لأن في التسليم لأمر الله كرامة خاصة ..

 

- ثم أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك .. أن إخفاء ما في النفس من أحاديث نتيجة غضب مثلا لا حرج فيه طالما لم تظهره في الواقع .. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) صحيح مسلم.

- والله أعلم . 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .