ج56: قصة الإسراء والمعراج - ما هو معراج صريف الأقلام الذي صعد إليه النبي ليلة المعراج ؟

   بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل السادس والخمسون)

#- فهرس:

:: الفصل السادس والخمسون :: عن رحلة المعراج – عن المعراج لمستوى صريف الأقلام ::

1- س130: ما هو معراج صريف الأقلام الذي صعد إليه النبي ليلة المعراج ؟

#- أولا: ما الدليل على عروج النبي لمستوى صريف الأقلام ؟

#- ثانيا: من كلام العلماء في تفسير المقصد من صريف الأقلام والإشارة في ذلك.

******************

:: الفصل السادس والخمسون ::

*******************

 

..:: س130: ما هو معراج صريف الأقلام الذي صعد إليه النبي ليلة المعراج ؟ ::..

 

- سبق وتكلمنا عن معراج النبي من أول وصوله السماء السابعة ثم صعوده وارتقاءه ..

 

- حتى رأى البيت المعمور في السماء السابعة .. أو كان بداية ظهوره في منتهى السماء السابعة .. ثم ارتقى "ولعله أراه الله النار وحقيقتها – حسب ظني وهو ظن بعض العلماء".

 

- ثم وصل إلى الجنة .. وشاهد فيها ما شاهده من أنهار وطيور وفواكه وغير ذلك مما بلغنا وعرفنا .. وهناك ما لم نعلم به في رؤية الجنة لأنه لم يأذن الله لنبيه بأن يذكره لنا.

 

- حتى وصل إلى شجرة أو سدرة المنتهى .. وعند وصوله إليها حدث عندها تجلي بنور إلهي عظيم .. وتغير شكلها وتساقط عليها مثل فراش من ذهب ولعل المقصد بالفراش أنه أنوار تهبط وتطوف بالشجرة .. وتغيرت أوصاف الشجرة وتحلَّت أغضانها بأنواع من الجواهر العجيبة.

 

- وكان مما تغير وصفه في ذلك المكان هو هيئة سيدنا جبريل عليه السلام .. إذ رآه النبي صلى الله عليه وسلم في هيئته الملائكية المخلوق بها .. وهو أن هيئته لها ستمائة جناح.. وفي جناحيه أشكال من عجائب الجواهر الملونة التي تصيب بحيرة ودهشة وتعجب لشدة جمالها ومن ذلك من اللؤلوء والياقوت وغير ذلك مما يعجز البيان عن التصريح به .

 

- ثم رأى رفرفا أخضر كالبساط أو الوسادة .. أتى إليه مرفرفة وكأنها طائرة وتقترب وتدنو منه ليجلس عليها حتى ترتقي به كوسيلة انتقال .. "وهذا ما أظنه في مفهوم الرفرف الأخضر – وليس الرفرف الأخضر هو جبريل كما ظن البعض – وسبق مناقشة ذلك" .. راجع الفصل الخمسون تحت عنوان (س123: هل رأى النبي جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح في ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى ؟ وهل جبريل هو الرفرف الأخضر؟) ..، عند البند خامسا: هل الرفرف الأخضر هو مثل بساط صعد عليه النبي للقاء الله ؟)

 

- فكان هذا الرفرف الأخضر .. هو وسيلة الإرتقاء إلى مستوى صريف الأقلام الذي سنتكلم عنه .. لأن جبريل عليه السلام توقف عند حدود سدرة المنتهى ولم يرتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

 

- فكان ذلك الرفرف الأخضر كالبساط الطائر - الذي انتقل عليه النبي صلى الله عليه وسلم لمستوى صريف الأقلام.

 

- فما هو مستوى صريف الأقلام وما دليل ذلك ؟

- وما هو كلام العلماء في مفهوم صريف الأقلام ؟

- فهذا ما نتابعه في السطور التالية إن شاء الله ..

============================

 

#- أولا: ما الدليل على عروج النبي لمستوى صريف الأقلام ؟

 

- جاء في (حديث صحيح) .. عن ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ .. يَقُولَانِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ) صحيح البخاري ومسلم.. ورواه بأسانيدهم الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير وأبو نعيم في معجم الصحابة والبيهقي في البعث والنشور والبغوي في معجم الصحابة وغيرهم ..

 

- هذه المرحلة تم ذكرها بعد انتهاء النبي من مروره على السماء السابعة .. وقد وجدت البعض يجعل العروج لمستوى صريف الأقلام هي مرحلة سابقة لمرحلة سدرة المنتهى .. ولكن غالب العلماء على أنها مرحلة بعد حدوث تجليات النور عند سدرة المنتهى .. لأن سدرة المنتهى إذا كانت تبدأ ظهورها من نهاية السماء السابعة فكيف يكون مستوى صريف الأقلام قبلها وهو مستوى بعد السماوات السبع ؟!!

 

1- المهم هنا أننا نتعامل مع رحلة المعراج .. على أن المعراج إلى مستوى صريف الأقلام إنما تم بعد الوصول لأصل شجرة سدرة المنتهى فوق السماء السابعة .. وحدوث التجليات التي سبق وذكرناها مثل رؤية النور الأعظم والألوان العجيبة التي رآها النبي ولا نظير لها في عالمنا وظهور عوالم من نور تهبط على هذا المكان كالفراش .. ومع هذا التجلي حدث انقلاب لصورة جبريل عليه السلام وتحول لهيئته الملائكية المخلوق عليها وله ستمائة جناح .. ثم مع هذا التدلي بالنور دنا إلى النبي رفرفا أخضر كالبساط أو الوسادة العظيمة ليجلس عليه النبي مكرما ليتم العروج به إلى مستوى صريف الأقلام تاركا جبريل عليه السلام وراءه عند مستوى سدرة المنتهى.   

 

2- ويقصد بقوله (صريف الأقلام):

 .. الصريف هو الصوت .. وصريف القلم هو صوت القلم حين الكتابة به ..

أ- هذه الأقلام (على افتراض أنها أقلام على ظن بعض العلماء) .. فهي تكتب بلا واسطة .. وإنما بالقدرة التي أودعها الله فيها ..

 

ب- وقال بعض العلماء .. أن هذه الأقلام يكتب بها الملائكة ما يوحي به إليها فتكتبه .. ولكن هذا كلام فيه نظر .. لأن لو كانت الملائكة تكتب هذا لكان ظهر لنا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. فضلا عن أن هذا المستوى لم يظهر لنا فيه أي ملائكة أصلا ..!!

 

ج- بل والذي أظنه عن رأي خاص بي – والله أعلم .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه سمع صوت كتابة الأقلام .. فلا هو رأي أقلام ولا ملائكة .. وإنما هو سمع صوت يشبه صوت الأقلام حين كتابتها .. والقدرة الإلهية سارية بكن فيكون .. فالله يأمر بظهور الكتابة .. فتظهر الكتابات بلا وسائط ملائكية أو أقلام .. ثم يتم إلقائها إلى الملأ الأدنى لمستوى صريف الأقلام عند سدرة المنتهى ثم إلى الذين يلونهم وهكذا لتنفيذ أوامر الله في الوجود .. (وهذا مجرد رأيي الخاص - والله أعلم) .

 

====================

 

#- ثانيا: من كلام العلماء في تفسير المقصد من صريف الأقلام والإشارة في ذلك

 

1- قال الإمام يحيى بن هُبَيْرَة الذهلي (المتوفى: 560هـ) رحمه الله:

- لما تجاوز مقامات الأنبياء لم يقل: وعرج جبريل بي .. بل قال: (فعرج بي) بإضمار الفاعل (حتى ظهرت) يعني وحدي .. ولم يقل فظهرنا ..

- فكأنه يشير إلى: أنه انتهى إلى مقام لم يرق إليه راق سواه (لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام).

- ومعلوم أن سمع الآدمي لا يبلغ صريف القلم إلا عن مكان قد تناهى في القرب.

- وصريفه: صريره وصوت حركته في المخطوط فيه .. ويدل أيضًا على أن الله سبحانه وتعالى أقام محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في مقام الأمانة الذي لا ينطوي فيه عنه سر حتى سمع فيه صريف الأقلام بما كان ويكون إلى يوم القيامة ..

- وهذا مقام لا يبلغه غيره - صلى الله عليه وسلم -. (الإفصاح عن معاني الصحاح ج2 ص157-158).

 

#- قال الإمام القاضي عياض رحمه الله (المتوفى: 544هـ):

- وقوله: (حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام): ومعنى (ظهرت): أى علوت .. ومنه قوله تعالى: (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) التوبة:33..، و (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) الفتح:28.

- وقول النابغة: "وإنا لنبغى فوق ذلك مظهرا" ..

- والمستوى: يكون بمعنى العلو والمصْعَد، قال ابن عباس فى قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ) فصلت: 10.. قال: صعد أمره.

- وقد تكون: بمعنى موضع متوسط مما شاء الله من ملكوته .. وقيل فى قوله تعالى: (مَكَانًا سُوًى) طه:58: أى متوسطاً ..

- وقد يكون مستوى: أى حيث يظهر عدل الله وحكمته لعباده هناك .. ويقال للعدل: سواء - ممدود مفتوح - وسوِى - مكسورٌ مقصور - وقيل ذلك فى قوله تعالى: (كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم) آل عمران:64.

- وصريف الأقلام: تصْوِيتُها فيما يكتب بها، وكذلك صريف الفحل بأنيابه: صوت حكِّ بعضها بِبَعْض.

 

- وفيه حجة لمذهب أهل السنة .. فى الإيمان بصحة كتابة الوحى والمقادير فى كتاب الله من اللوح المحفوظ وما شاء بالأقلام، التى هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وجنسه وصورتُه مما لا يعلمُه إلا اللهُ أو من أطلعه على غيبه من ذلك من ملائكته ورُسلِه، ومما لا يتأوله ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان، إذ جاءت به الشريعة، ودلائل العقول لا تحيله، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمةً من الله تعالى وإظهار لما شاء من غيبه لمن شاء من ملائكته وخلقه، وإلا فهو الغنى عن الكتب والاستذكار .. لا إله غيره.

 

 #- وفي علوّ منزلة نبيّنا - صلى الله عليه وسلم .. وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبلوغه حيث بَلَغَ من ملكوت السموات .. دليلٌ على علُوّ درجته، وإبانة فضله ..

 

- وقد ذكر البزَّار خبرًا في الإسراء عن عليّ - رضي الله عنه .. وذكر مسير جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على البراق .. حتى أتى الحجاب .. وذكر كلمةً وقال: (خَرَج ملكٌ من وراء الحجاب، فقال جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: والذي بعثك بالحقّ إن هذا الملك ما رأيته مُنذ خلقتُ، وإني أقرب الخلق مكانًا) ..، وفي حديث آخر: (فارقني جبريل، وانقطعت عني الأصوات) .(إكمال المعلم بفوائد مسلم ج1 ص509-510).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على الأحاديث التي أشار إليها القاضي عياض:

أ- ملحوظة: الحديث الذي أشار إليه القاضي عياض بخروج ملك من وراء الحجاب .. هو حديث موضوع لم يصح .. فقد جاء الحديث ببعض هذه الهيئة .. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: (لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا : الْبُرَاقُ   ....) رواه أبو بكر البزار في مسنده .. وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي إلا بهذا الإسناد وزياد بن المنذر فيه شيعية ، وقد روى عنه مروان بن معاوية وغيره...، وقال الهيثمي في المجمع: وفيه زياد بن المنذر وهو مجمع على ضعفه ..، (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث فيه (زياد بن المنذر) .. قال ابن عبد البر : اتفقوا على أنه ضعيف الحديث منكره ، و نسبه بعضهم إلى الكذب .. وقال بن معين: كذاب عدو الله ليس يسوى فلسا .. وقال النسائي: متروك .. وقال بن حبان: كان رافضيا يضع الحديث..، هذا بخلاف أن المتن منكر جدا لأن بداية الأذن كان في المدينة وليس بمكة.

 

ب- ملحوظة أخرى : الحديث الآخر الذي أشار إليه القاضي عياض (فارقني جبريل) .. هو أثر مروي عن ابن عباس بسند ضعيف جدا .. إذا جاء فيه .. حكي عن النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاس فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي قَوْلِهِ دَنَا فَتَدَلَّى قَالَ فَارَقَنِي جِبْرِيلُ فَانْقَطَعَتِ الْأَصْواتُ عَنّي فَسَمِعْتُ كَلَامَ رَبّي وَهُوَ يَقُولُ: لِيَهْدَأْ رَوْعُكَ يَا مُحَمَّدُ ادْنُ ادْنُ) ذكره القاضي عياض في الشفا.. (قلت خالد صاحب الرسالة) : باسناد منقطع بين النقاش وبن ابن عباس .. وهناك مشكلة أخرى وهي أن أبي بكر النقاش نفسه متهم في روايته للحديث بالرغم من جلالة قدرة بعلوم القرآن والتفسير.. وسيأتي مزيد تحقيق لهذه الرواية .. إن شاء الله.

 

2- قال الإمام القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي (ت 685هـ):

-  (ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام).

- (ظهرت له): أي علوته .. قال تعالى: (ومعارج عليها يظهرون) الزخرف:33.

- و (المستوى): على صيغة المفعول اسم مكان من (الاستواء) , واللام إما للعلة بمعنى: علوت لاستعلائه .. أو للاستواء عليه .. أو بمعنى (إلى) كما في قوله تعالى: (بأن ربك أوحى لها) الزلزلة:5.

- و(صريف الأقلام): صريرها .. وأصله: صوت البكرة عند الاستقاء.

- والمعنى: بلغت في الارتقاء إلى رتبة من العلياء اتصلت بمبادئ الكائنات, واطلعت على تصاريف الأحوال .. وجري المقادير .. فلذلك أخبر -صلوات الله عليه- عن حوادث مستقبلة .. وأشياء مغيبة .. فانكشفت الحال على ما قال. (تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ج3 ص394).

 

3- قال الإمام فضل الله بن حسن التُّورِبِشْتِي رحمه الله (المتوفى: 661 هـ):

 - (ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام): ظهرت أي: علوت .. قال الله تعالى: (ومعارج عليها يظهرون) و"المستوى" على مثال "الملتقى": المستقر وموضع الاستعلاء .

#- ثم بعد كلام قال الإمام التوربيشتي:

- و (صريف الأقلام): عبارة عن الاطلاع على جريانها بالمقادير .. والأصل فيه صوت البكرة عند الاستقاء (أي صوت احتكاك الحبل على البكرة الحديد لحظة نزول وصعود الدلو من وإلى البئر) .. يقال: صَرفَت البكرة تصرف صريفا ..، وكذلك صريف النار (أي صوت النار وهي تلتهب بشدة) ..، وصريف ناب البعير (أي صوت احتكاك أسنان البعير) ..

- والمعنى: إني أقمت مقاما بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن (أي ما هو كائن وسيحدث من غيب الله) .. وظهر لي ما يراد من أمر الله ..، وتدبيره في خلقه .. وهذا والله هو المنتهى الذي لا تقدم لأحد عليه. (الميسر في شرح مصابيح السنة ج4 ص 1276- 1275 – وما بين الأقواس شرح مني لمقصد الإمام التوربيشتي رحمه الله).

 

4- قال الإمام الطيبي رحمه الله (743هـ):

- و (صريف الأقلام) بالصاد المهملة: صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه, وما ينسخونه من اللوح المحفوظ .. أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده الله من أمره وتدبيره. (شرح المشكاة للطيبي - الكاشف عن حقائق السنن ج12 ص3750)

 

5- قال محمَّدُ بنُ عزِّ الدِّينِ الكَرمانيّ، الحنفيُّ، المشهور بـ ابن المَلَك (المتوفى: 854 هـ):

- (ثم عرج بي حتى ظهرت):أي صعدت وعلوت.

- (لمستوَى): بفتح الواو أي: إلى مكان عالٍ، فاللام بمعنى: إلى .. كقوله تعالى: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) الزلزلة:5 ..، وقيل: المستوى: المستقرُ ..  وموضع الاستعلاء .. واللام للعلة .. أي: علوت لاستعلاء مستقر.

- (أسمع فيه صريفَ الأقلام): أي صوتها عند الكتابة في جريانها على اللوح ..

- وقيل: المعنى: بلغت في الارتقاء إلى رتبة من العلياء حتى اطلعتُ على تصاريفِ الأحوال وجري المقادير من غير توسط جبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام. (شرح مصابيح السنة لابن الملك ج6 ص287).

 

6- قال الإمام السندي رحمه الله (المتوفى: 1138 هـ):

- (صَرِيفَ الْأَقْلَامِ) أي: صوت الأقلام الجارية بالأقدار .. والأقدار كانت تقررت وفرغ منها .. فهي إلى الآن تكتب وتجري بها الأقلام في دواوين أُخر لأمور يعلمها مالكها جلت عظمته. (حاشية السندي على مسند الإمام أحمد عند الحديث رقم 20326).

 

7- قال الإمام القسطلاني رحمه الله (المتوفى: 923هـ):

- والمستوى: المصعد.

- وصريف الأقلام - بفتح الصاد المهملة-: تصويتها حالة الكتابة.

- والمراد: ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى.

- والقدر المكتوب قديم .. وإنما الكتابة حادثة .. وظاهر الأخبار أن اللوح المحفوظ فرغ من كتابته .. وجف القلم بما فيه قبل خلق السماوات والأرض .. وإنما هذه الكتابة فى صحف الملائكة كالفروع المنتسخة من الأصل .. وفيها الإثبات والمحو على ما ذكر فى الآية.

- وذكر ابن القيم: أن الأقلام .. اثنا عشر قلما .. وأنها متفاوتة فى الرتب .. فأعلاها وأجلها قدرا .. قلم القدر السابق، الذى كتب الله به مقادير الخلائق .. كما فى سنن أبى داود، عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أول ما خلق الله تعالى القلم، قال له: اكتب، قال: رب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شىء حتى تقوم الساعة) .. فهذا أول قلم وأجلها، وقد قال غير واحد من أهل التفسير: إنه القلم الذى أقسم الله به. (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ج2 ص479-480).

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة) .. تعقيبا على بعض كلام القسطلاني:

أ- قوله (والقدر المكتوب قديم .. وإنما الكتابة حادثة) .. القدر المكتوب قديم باعتبار وجوده في اللوح المحفوظ .. والكتابة حادثة وهي ما تنقله الأقلام من اللوح المحفوظ ليتم تحقيقها في الوجود .

 

ب- يقصد بقوله (وفيها الإثبات والمحو على ما ذكر فى الآية) .. هو ما جاء في قوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) الرعد:39.

 

ج- ما نقله القسطلاني عن ابن القيم (المتوفى:751 هـ) .. من وجود اثنى عشر قلما .. هو كلام لا دليل عليه ولا وجود له في النصوص الشرعية .. ولا أعرف من أين أتى بن القيم بهذا الكلام الغريب الغير معتاد منه .. بل والأغرب أنه شرح حقيقة كل قلم وما يكتب من مقادير للعباد .

 

#- إلا أنني وجدت نظيره عند الإمام محي الدين بن عربي رحمه الله (المتوفى:638 هـ) إذ قال: "وهذه الأقلام رتبتها دون رتبة القلم الأعلى ودون اللوح المحفوظ فإن الذي كتبه القلم الأعلى لا يتبدل وسمي اللوح بالمحفوظ من المحو فلا يمحى ما كتب فيه وهذه الأقلام تكتب في ألواح المحو والإثبات وهو قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت)" . (راجع الفتوحات المكية ج5 ص14).

 

- وهذا الذي ذكره الإمام بن القيم رحمه الله .. من وجود اثنى عشر قلما .. فهذا قد ذكره في كتابه "التبيان في أقسام القرآن" .. تحت عنوان (فصل: والأقلام متفاوتة في الرتب) وتجد ذلك في طبعة دار المعرفة لبنان ص207.

 

- وقد ذكرت جزئية كلام ابن القيم في كلام القسطلاني .. للدلالة على توضيحها لتنتبه إلى أنه لا يوجد شيء في الدين يقول بأنه يوجد اثنى عشر قلما .. وان ما ذكره الإمام بن القيم من تفاصيل حول هذه الأقلام وما تكتبه .. إنما هو قد يكون عن حال كشفي خاص به .. وإلا فمن أين أتى به ؟!!

 

#- أخي الحبيب:

- ما سبق كان خاص بالتعريف بصريف الأقلام والمقصد منها .. ولنا عودة في الفصل القادم إن شاء الله لاستكمال بعض المسائل الخفيفة حول صريف الأقلام .. 

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .