ج62: قصة الإسراء والمعراج - ماذا كان الإمام البوصيري يقصد بمدحه النبي (فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا .. وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ) وعلاقة ذلك بمستوى صريف الأقلام والمعراج النبوي - نفحة لقضاء الحاجات من توجيهات سيد السادت صلى الله عليه وسلم في حديث الأعمى- (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ...)

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثاني والستون)

#- فهرس:

:: الفصل الثاني والستون :: عن رحلة المعراج – الجزء السادس / عن مسائل عن مستوى صريف الأقلام الذي وصل إليه النبي ليلة المعراج ::

1- س144: ماذا كان الإمام البوصيري يقصد بمدحه النبي (فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا .. وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ) وعلاقته بمستوى صريف الأقلام وقصة المعراج ؟

- يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لَي مَنْ أَلُوذُ بِهِ  ....  سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ

- وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولَ اللهِ جَاهُكَ بيِ  .... إِذَا الكَرِيمُ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ

- فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا     .... وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ

#- أولا: هذا شرح أبيات الإمام البوصيري مؤيدا بمصدرها من كلام الله ونبيه صلى الله عليه وسلم.

#- ثانيا: ملحوظة هامة جدا أخي الحبيب حتى لا تكون من الذين كذبوا على الإمام البوصيري بالباطل وقاموا بتكفيره.

#- ثالثا: نفحة لقضاء الحاجات من توجيهات سيد السادت صلى الله عليه وسلم في حديث الأعمى.. (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ...)

******************

:: الفصل الثاني والستون ::

*******************

 

..:: س144: ماذا كان الإمام البوصيري يقصد بمدحه النبي (فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا .. وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ) وعلاقته بمستوى صريف الأقلام وقصة المعراج ؟ ::..

 

- بمناسبة وصول النبي لمستوى صريف الأقلام وسماعه لما تكتبه أقلام القدر .. ثم انتقاله لمستوى العرش الذي فيه اللوح المحفوظ .. فقد مدحه الإمام البوصيري بكونه يعلم علم اللوح والقلم .. فقد قال الإمام البوصيري رحمه الله:

 

#- والأبيات الشعرية للإمام محمد بن سعيد البوصيري (المتوفى:696 هـ):

- يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لَي مَنْ أَلُوذُ بِهِ .... سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ

- وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولَ اللهِ جَاهُكَ بيِ .... إِذَا الكَرِيمُ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ

- فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا .... وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ

 

- وهذه الأبيات كنت سأذكرها في المعراج الأخير الذي فيه اللوح المحفوظ .. إلا أني فضلت أذكر هذه الأبيات هنا .. لتشابة المستوى التاسع بالعاشر من حيث المعرفة الغيبية بالقدر .. فضلا عن ازدحام المعراج العاشر بالمسائل وما بعده إن شاء الله .

 

#- أولا: هذا شرح أبيات الإمام البوصيري مؤيدا بمصدرها من كلام الله ونبيه صلى الله عليه وسلم.

#- النداء بقوله (يا أكرم الخلق) .. هنا هو حالة ذوقية عن استشعار حضور قلب بين يد النبي صلى الله عليه وسلم .. كأنه يقول السلام عليك يا أكرم الخلق .. ففتح رابطة روحية قلبية بينه وبين النبي من خلال النداء المصحوب بسلام عليه والذي هو باب وصل للنبي لأنه يبلغ النبي من خلال الملائكة كما أبلغنا النبي بذلك إذ قال: (إِنَّ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ (أي يسعون الأرض) .. يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ (أي لمن يسلم علي)) رواه أحمد وغيره وقال محققو المسند إسناده صحيح على شرط مسلم.

 

#- وكما جاء في الحديث الصحيح: (أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، قَالَ: " إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ .. فَقَالَ: ادْعُهُ (أي ادعو لي يا نبي الله) .. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ .. وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ .. وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ .. يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ .. فَتَقْضِي لِي .. اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح رجاله ثقات.

 

#- وفي رواية بلفظ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ فَيُجَلِّي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي (أي بقبول توجهي إليك)).

- قَالَ عُثْمَانُ "بن حنيف" (الصحابي راوي القصة): فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا (أي عن مجلس النبي) .. وَلَا طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ (أي أصبح بصيرا معافى)) رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح ..

 

#- والشاهد من الحديث السابق هو قول الرجل الأعمى: (يا محمد) في حين لم يكن النبي أمامه .. وأنما كان متوجها إلى الله بهذا الدعاء .. فلماذا قال (يا محمد) ولم يكن حاضر أمامه بدلالة قول الحديث (وَلَا طَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ) .. إذن هو ذهب متوجها لربه في مكان غير الذي كان فيه النبي مع عثمان بن حنيف أو لعل كان غيره موجود من الصحابة .

 

- فالنداء من الأعمى على النبي (يا محمد) هو اتباع نبوي .. وفيه حال ذوقي بظهر الغيب قد استشعره الأعمى في قلبه .. حينما توجه بالنداء للنبي .. وكأن النبي جالس أمامه يدعو فطلب رجاءه منه في قضاء حاجته بشفاعته له عند الله .. فانتقل من دعاءه من حال الغيبة في الدعاء إلى الله إلى حال الحضور كأن النبي حاضر أمامه إلى حال الغيبة مرة أخرى إلى الله ..

- وعموما أعذر من لم يستطيع أن يفهم هذا الحال إلا من ذاقه فعرفه ..

 

#- وإذا عجزت عن فهم ما سبق .. فمن السهل عليك جدا أن تفهم هذا الحال القلبي الذوقي التي تشبه تماما قولنا في تشهد الصلاة حينما نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) .. فأنت تنتقل من حال التحيات لله .. إلى السلام على النبي بصيغة المخاطب الحاضر أمامك .. فافهم .

 

- ولذلك لما استشعر الإمام البوصيري .. حدوث هذه الحالة الذوقية الروحية بقلبه وكأنه واقف أمام النبي مستحضرا نفسه أمامه .. مسلما عليه ومادحا له .. وراجيا مطلبا منه الله معطيه له يوم القيامة .. فقال حينئذ:

 

1- أكرم الخلق: لأنه أكرم الخلق عند الله لأنه أتقاهم وهو سيد ولد آدم .. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ .. وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) رواه بن ماجه .. وقال الأرنؤوط:

- و(أول شافع) أي أول من يؤذن له في الشفاعة .. و(أول مُشفَّع): أي مقبول الشفاعة فلا ترد شفاعته .. ولا يؤذن بالشفاعة لأحد قبله ولا معه لأنه سيد الناس يوم القيامة وأكرم الخلق على الله .

 

#- جاء في (أثر موقوف صحيح) .. عَنْ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: (كَانَ أَكْرَمَ خَلِيقَةِ اللَّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى - أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه أسد بن موسى في الزهد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح وهو أقدم إسناد متصل لهذه الرواية وجدته .. ورواه ابن المبارك في الزهد (وفيه انقطاع عند ابن المبارك) .. ورواه البيهقي في البعث والنشور وشعب الإيمان، وبن أبي الدنيا في صفة النار، وأبو نعيم في صفة الجنة، والحارث في مسنده، والطبراني في الكبير، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي .. والله أعلم ..

 

- وجاء في (حديث فيه ضعف): (وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَلَا فَخْرَ) رواه الدارمي والترمذي وقال هذا حديث غريب .. (أي فيه ضعف) .

 

- وجاء في (حديث فيه ضعف) عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب ..، والحديث في سنده "ليث بن أبي سليم" وهو ضعيف.

 

- والحديث يشهد له قوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات:13 .. وليس في الخلائق أتقى من النبي صلى الله عليه وسلم .. فهو أكرم الخلق عند الله.

 

2- ألوذ به: احتمي بشفاعته .. لأنك سيد الناس يوم القيامة ويرجو بك الخلاق ربهم لبدأ الحساب .. يوم يقول الناس لكل نبي (اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ) فبهم يلجئون لربهم لأنهم أصفياءه وخاصته ..

- وسبب آخر لقول البوصيري ذلك .. هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) رواه بن ماجه .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح.

 

#- وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في موقف القيامة .. قال: (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ .. وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟

- يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ .. يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ .. فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ . فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ .. أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ .. فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ .. وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ . وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ .. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ .. أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ .. أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ .. وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي .... ).

- "ثم يذهبون لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى والجميع يقول نفس قول آدم": (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي .....) .

- "ثم يقول لهم عيسى عليه السلام": (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ .. اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ .. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ .. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ .. فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا .. لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي .. ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ "أي أسأل مطلبك" تُعْطَهْ "أي أستجيب لك فورا فيما تطلب" .. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي .. فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ .. أُمَّتِي يَا رَبِّ .. أُمَّتِي يَا رَبِّ .. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ) صحيح البخاري. (وما بين علامات التنصيص - " ..." - توضيح وليس من الحديث وذلك للإختصار لأن الرواية طويلة).

 

2- الحادث العمم: يوم القيامة .. والحادث أي الواقع لا محالة .. والعمم أي الذي يعم ويشمل ويحيط كل الموجودين.

- وذلك كما قال تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الغاشية:1 .. والحديث هو الخبر .. والغاشية هي التي تغشى أي تغطي وتحيط الناس بأهوالها وشدائدها بسبب ما فيها من مواقف يظهر الله فيها بجليل عظمته ..

 

3- جاهك بي: يقصد بالجاه المقام العظيم والمكانة العليا والكرامة الكبرى .. وهنا هو يقصد مقام الشفاعة لأن هذا من جاه النبي أي الكرامة العظمى يوم القيامة.

 

- كما جاء (حديث صحيح) .. قال النبي صلى الله عليه وسلم (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. "ثم ذكر الحديث إلى قوله": فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ .. ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي .. ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ .. ارْفَعْ رَأْسَكَ .. سَلْ تُعْطَهْ .. وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ .. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ .. أُمَّتِي يَا رَبِّ .. أُمَّتِي يَا رَبِّ ....) صحيح البخاري.

 

- (حديث صحيح) .. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) رواه بن ماجه .. وقال الأرنؤوط: حديث صحيح.

 

#- قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى (المتوفى: 728 هـ):

- وقد اتفق المسلمون: على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاها عند الله .. لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه .. ولا شفاعة أعظم من شفاعته .. (انتهى النقل من الفتاوي ج 1 ص 145).

 

4- تجلى باسم منتقم: أي ظهر الله بجلال اسمه المنتقم .. لينتقم ممن عصاه واغضبه.

- إذ جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم على لسان الأنبياء قولهم يوم القيامة في الحديث السابق ذكره: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ..) صحيح البخاري.

 

- وذلك يوما قال الحق فيه: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) الدخان:16 ..، والبطش: هو الأخذ الشديد بعنف ..

 

- ويقول جل شأنه: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر:16-17.

 

5- من جودك الدنيا: الجود هو كثرة العطاء .. والمقصد هو أن من كثرة عطاء خيرك الذي أعطاكه الله في الدنيا وهو هدايتك للناس إلى طريق مستقيم ..

- وذلك كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) الشورى:52-53 ..، فكان خيرا في الدنيا .. وسببا في خير الآخرة لدخول الناس للجنه ..

- وجاء في (حديث صحيح) .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ) صحيح مسلم.

 

- وفي (حديث صحيح) .. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ .. وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) صحيح مسلم.

 

6- ضرَّتَها: أي مثلها في الخير أعطاكه الله في الآخرة .. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "ثم ذكر الحديث إلى قوله": فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ....... "إلى آخره" ) صحيح البخاري.

- بالإضافة لشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته .

 

- والمعنى ببساطة: من جودك خير الدنيا بالهداية .. وضرتها أي الآخرة لك فيها جود إكرام وخير من الله لك على الناس بالشفاعة العامة لبدأ الحساب .. وعلى أمتك بالشفاعة الخاصة ليغفر الله لهم .

 

7- وأتى البوصيري معللا مطلبه فقال (فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا) وأتى بحرف (الفاء) للتعقيب على سبب طلبه ذلك .. و(إن) يقينا منه في تحقيق صفة الجود في الدنيا والآخرة متحققه فيه صلى الله عليه وسلم يقينا بلا شك منه في ذلك .. وأظن ذلك استمدادا أو قياسا من مثل قوله تعالى السابق (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ..

 

- وكأن البوصيري يقول: وقد علمت عنك يقينا أن من خير الله الذي أعطاه لك هو خير الدنيا بالهداية .. وكذلك أعطاك خير الآخرة بالشفاعة .. وكان من علومك التي أعطاكها الله علم الغيب الخاص الذي اختصك به من اللوح والقلم .. ومن كان هذا حاله من الله فهو له باب كرامة خاصة عند الله .. فلا تنساني في كرامة شفاعتك يا أكرم الخلق وسيد الناس يوم القيامة .

 

8- أما قوله (وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ): أي ويقينا كذلك أن من جملة علومك التي علمكها الله هو ما ألهمك به من مكنون علم الغيب بما تم تدوينه في اللوح ودونه القلم .. وذلك يوم أن عرج الله به ليلة المعراج فوق سبع سموات.. حتى وصلت لمستوى صريف الأقلام وما بعد ذلك عند العرش إذ مكان اللوح المحفوظ وما جرى به القلم الأعلى فيه ..  فأوحى لك ربك ما أوحى ..

 

- والمقصد مما سبق .. هو كان توضيح من البوصيري سبب طلب جاه النبي أي شفاعته يوم القيامة .. وذلك لما أكرمه الله به من خير الدنيا وخير الآخرة وأكرمه من علم الغيب بما لم يحظى به نبيا ولا رسول ولا جن ولا ملك من الملائكة .. لأنه أكرم الخلق وسيد الناس يوم القيامة.

 

#- ثانيا: ملحوظة هامة جدا أخي الحبيب حتى لا تكون من الذين كذبوا على الإمام البوصيري بالباطل وقاموا بتكفيره

1- من المحتمل أن تجد أحد الأشخاص يكذب .. لكن أن تجد من هو موصوف بكونه الشيخ العالم الجليل صاحب الفضيلة .. ويكذب بل ويشهد شهادة زور على مؤمن .. فهذا حينئذ هو محل الإستغراب .. !!

 

- في زماننا وجدت من ينتسبون لأهل العلم .. ويلقبون بالمشايخ أصحاب الفضيلة .. فيصف الإمام البوصيري بأنه مشرك وفي قصيدته كفر .. ويكذب في تفسير الأبيات الشعرية السابق ذكرها للإمام البوصيري .. ويفسرها بهواه بمنتهى الكذب بل ويخلط معها آيات من القرآن ليوهمك أن البوصيري مخالف للقرآن ويستحق التكفير .. ويفتري عليه بالكذب ويزعم أن البوصيري ينسب للنبي ما هو لله وأن قصيدته ممتلئة بالكفر والشرك ومما يشير إليه هو أبيات الشعر الثلاثة السابق ذكرهم .. ويفسرهم بمنتهى الكذب والإحتراف في تزوير الكلام عن حقيقته ..!!

 

- ولعل الله جعل من هؤلاء يكذبون ويشهدون عليه شهادة زور .. لحكمة الله يعلمها .. فلعل الله يسلبهم صالح أعمالهم ويمنحها الإمام البوصيري يوم القيامة فيأتون من المفلسين .. فالله أعلم بحكمته من وراء تسليط هؤلاء على الإمام البوصيري بالكذب عليه .. ولعلها كرامة له يوم القيامة وظاهرها الإساءة له في الدنيا .. والله أعلم .

 

2- ومن تفسير كلامهم للبوصيري: (وأما قوله : " فإن من جودك الدنيا وضرتها) : فمناقض لما اختص الله به نفسه يوم القيامة من الملك إذ قال تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ...!!!!

 

- فهل قال الإمام البوصيري أن الرسول يملك الدنيا والآخرة متخكما فيهما بالخلق والعدم والتصريف التام والتدبير والمحاسبة .. حتى يقال أن البوصيري نسب للنبي ملك الله ؟!!

- فإذا لم يكن هذا الكذب فما هو الكذب إذا كان أصلا البوصيري لم يذكر كلمة الملك ؟!!

 

- أين هذا في كلام الإمام البوصيري بالله عليكم بأنه نسب للنبي ملك الدنيا والآخرة ..؟!!

 

- أليس هذا الكذب عليه المصحوب بشهادة زور عليه بتكفيره أمام المؤمنين لهتك عرضه .. ما هو إلا نتيجة غل كامن في نفس قائله نتج عنه كذب وبهتان واضح على الإمام البوصيري .

 

- اللهم أخرج من صدورنا الحقد والغل والحسد .. وخسيسة الكذب والباطل أجمع .. آمين يارب العالمين .

 

3- ولكن هنا سؤال يحيرني ومهم جدا وهو: إذا كان هذا هو حال الشيخ المفتي صاحب الفضيلة هو أن يكذب ويشهد شهادة زور على عالم من علماء المسلمين بالباطل .. فما هو حال الجاهل وصاحب الرذيلة في مفهوم هؤلاء ؟!!

 

- أخي الحبيب: مثل هؤلاء الذين امتلأت صدروهم غل وكذب على المؤمنين .. تجنبهم وأسقطهم من حياتك .. إذ كيف تتبع من حاله تكفير المؤمنين وهتك عرضهم والتشهير بهم بالباطل والكذب في تفسير كلامهم ليحرض الناس عليهم ؟!!

 

4- وسبب ما ذكرته من توضيح كلام البوصيري .. لثلاثة أسباب:

#- الأول: هو مشاركة مدح الإمام البوصيري للنبي بأن من علومه علم اللوح والقلم .. وهو مناسب لما نتكلم فيه هنا عن المعراج ومقام صريف الأقلام وما بعده .

 

#- والثاني: قمت بتوضيح المقصد من كلام الإمام البوصيري .. لعل الله يكرمني برحمة منه .. وذلك بكرامة وبركة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

 

#- والسبب الأخير .. بسبب ما وجدته بصورة مستفزة جدا .. من كثرة نقل الشهادة الزور والكذب على الإمام البوصيري والتشهير به على الإنترنت في بعض مواقع الفتوى التي لم تتقي الله فيما يكتبون .. ولم يتقوا الله في المؤمنين حتى هتكوا عرضهم بالتفسير الكاذب عليهم بما لم ينطقوا به ولم يكتبوه ولم يقصدوه .. والغريب أنهم لم يأتوا بشرح واحد عمن شرحوا قصيدة البردة .. وقد قرأها علماء المسلمين طوال سبعمائة عام ومرت عليهم وشرحها كثير من علماء المسلمين ..!!

 

#- حقا .. جزاهم الله بما كتبوا ونشروا وكذبوا وهتكوا وحرَّضوا وكفَّروا .. وكل من تابعهم في ذلك وشاركهم وهو يعلم حقيقة تفسير هذه الأبيات الشعرية .. ثم أصر واستكبر على اتباع الباطل في الكذب والشهادة الزور .. والله شاهدا على الجميع ومحيط بهم وبما تحمله صدورهم.

- والله أعلم.

 

#- ثالثا: نفحة لقضاء الحاجات من توجيهات سيد السادت صلى الله عليه وسلم .. (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ...)

- قبل أن أختم هذا الفصل وبمناسبة حديث قد ذكرته منذ قليل وهو حديث الأعمى .. فأحببت ان أذكر لك الآتي.. عسى أن ينفعك الله به:

#- جاء في (حديث صحيح) .. عن عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الفسوي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدني، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: (أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عثمان بن عفان في حاجة .. فَكَانَ عُثْمَانُ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ .. وَلاَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ .. فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ .. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ ..

- فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ . ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ .

- ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي تقضي حَاجَتِي .. تَذْكُرُ حَاجَتَكَ

- ثم رح حَتَّى أَرُوحَ (أي تعال إلي حتى أذهب معك) . فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ .. فَصَنَعَ ذلك .

- ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بن عفان .. فجاء البواب، فأخذ بيده فأدخله على عثمان .. فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ .. فقَالَ له: حَاجَتُكَ ؟ فَذَكَرَ له حَاجَتَهُ .. فَقَضَاهَا . ثم قَالَ ما فهمت حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَ السَّاعَة .. وقال انظر مَا كَان لَكَ مِنْ حَاجَةٍ .. (أي راجع نفسك إن كان لك حاجة أخرى) ..

- ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ (أي من عند عثمان بن عفان) .. فَلَقِي عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، فقال له: جزاك الله خيرًا .. ما كان ينظر في حاجتي .. ولا يلتفت إلي حتى كلمته (أي حتى كلمته أنت يا بن حنيف وتوسطت لي عنده) ..

- فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته (أي لم أذهب لعثمان بن عفان لأتوسط لك عنده) .. ولكني سَمِعْتُ رَسُول الله صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَه ضَرِيرٌ فَشَكَى إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ .. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَتَصْبِر؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ .. إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ.

-فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ .. ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ .. ثم قل: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ . يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي  فَيجْلِي لي بَصَرِي .. اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي (أي تقبل دعائي لك) .

- فقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضرر قَطُّ) رواه يعقوب الفسوي "راجع مشيخة يعقوب بن سفيان الفسوي ص94 حديث رقم113" .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح ..، ومن طريق يعقوب الفسوي .. رواه الإمام البيهقي بسنده (وهو صحيح) إذ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ .... فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ....(انتهى النقل) .، ومعنى فذكره بطوله (أي ذكر متن الحديث السابق) .. وشيخ البيهقي وهو (الحسن بن أحمد – أبو علي بن شَاذَان) ثقة ..   

 

#- التعريف برجال سند الحديث:

أ- (عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ): ثقة ..، (يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الفسوي): ثقة.

 

ب- (أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ): قال عنه أبو حاتم أنه ثقة ..، قال ابن عدى: قبله أهل العراق ووثقوه ..، وذكره ابن حبان فى الثقات ..، و قال أبو الفتح الأزدى : منكر الحديث غير مرضى ..، قلت "ابن حجر": لم يلتفت أحد إلى هذا القول بل الأزدى غير مرضى ..، ثم رأيت فى " التمهيد " فى ترجمة سعد بن إسحاق : قال أبو عمر : أحمد بن شبيب عن أبيه ، متروك .. فكأنه تبع الأزدى ، فإنه إنما أنكر عليه حديث سعد بن إسحاق الذى أشار إليه أبو عمر ، و الله أعلم .. (راجع تهذيب الكمال ج1 ص327 ترجمة رقم 47 – تهذيب التهذيب ج1 ص36).

 

ج- (شبيب بن سعيد التميمى): وثقه علي بن المديني والدارقطني ..، وقال أبو زرعة والنسائي: لا بأس به ..، وقال أبو حاتم: وهو صالح الحديث لا بأس به ..، وقال أبو أحمد بن عدى : و لشبيب نسخة الزهرى عنده عن يونس ، عن الزهرى أحاديث مستقيمة .. وحدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير ..، وذكره ابن حبان فى كتاب الثقات..، روى له البخارى، وأبو داود فى الناسخ و المنسوخ، والنسائى .. (راجع تهذيب الكمال ترجمة 2690 ج12 ص362 ..، وتهذيب التهذيب ج4 ص307)

 

#- خد بالك أخي الحبيب .. الحديث المذكور هنا ليس برواية (بن وهب عن شبيب بن سعيد) كما في رواية الطبراني .. وإنما هنا من رواية (ابنه أحمد عن أبيه شبيب) .. فالسند صحيح .. فأبصر وانتبه.

 

د- (رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ): ثقة .

 

هـ- (أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدني – وهو عمير ابن يزيد الخطمي) ثقة ..، وانتبه إلى أنه يوجد خطأ في كتابة السند بلفظ (المديني) والصواب هو (المدني) ... لأن (أبو جعفر المديني) شخص آخر ولا علاقة له برجال هذا السند أصلا وهو راوي ضعيف .. بخلاف أبي جعفر الخطمي المدني وهو ثقة وهو من رواة هذا الحديث.. فانتبه.

 

و- (أبو أمامه – أسعد بن سهل بن حنيف): ثقة .. ويقال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم .

 

ز- (عثمان بن حنيف): صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

  

#- وفي (حديث صحيح) .. عن الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الشَّاشِيُّ الْقَفَّالُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَرُوبَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ (المدني)، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي حَاجَتِهِ، وَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فشكا إِلَيْهِ ذَلِكَ.

- فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

- ثُمَّ قل: اللهم إني أسألك وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَتَقْضِي لِي حَاجَتِي، وَاذْكُرْ حَاجَتَكَ.

- ثُمَّ رُحْ حَتَّى أَرْفَعَ (أي تعالى إلى عندي حتى أرفع أمرك إلى عثمان بن عفان فتدخل إليه) .. فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَصَنَعَ ذَلِكَ (أي صلى ودعا) ..

- ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .. فَجَاءَ الْبَوَّابُ (أي حاجب مدخل مجلس عثمان بن عفان) .. فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ .. فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ (أي البساط) .. فَقَالَ انْظُرْ مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ .. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ .. فَقَالَ لَهُ جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا .. مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ حتى كلمته .. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ مَا كَلَّمْتُهُ .. وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: أو تصبر ؟

- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ .. وصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.

- ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجَلِّي لِي عَنْ بَصَرِي .. اللهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي .. قَالَ عثمان: فو الله ما تفرقنا وطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ) رواه (أبو سعيد عبد الملك – الخركوشي) في مناحل الشفا ومناهل الصفا في شرف أحوال المصطفى رواية عنه أبو القاسم القشيري .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح السند .. ولا يعيب سقوط (عثمان بن حنيف) من الرواية .. لأن ابن أخيه أسعد بن سهل حضره وأخذ عنه ... والرواية السابقة عن يعقوب الفسوي شاهد لها باتصالها.

 

#- التعريف برجال سند الحديث:

أ- (أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الشَّاشِيُّ الْقَفَّالُ): ثقة ... قال عنه الذهبي: كان إمام عصره بما وراء النهر ..، وقال عنه الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النّهر، يعني في عصره، بالأصول، وأكْثَرَهُمْ رِحلةً في طلب الحديث. (تاريخ الإسلام ج8 ص245 ترجمة 171).

 

ب- (الحُسين بْن محمد بْن مودود - أبو عَرُوبَة بْن أَبِي مَعْشَر الحرّانيّ): ثقة .. قال عنه الذهبي: أحد أئمّة هذا الشأن..، وقال عنه ابن عدي: كَانَ عارفًا بالحديث والرجال ..، وقال عنه أبو عثمان البجلي والوليد بن مسرّح: كَانَ من أثبت من أدركناه وأحسنهم حفظًا، يرجع إلى حسن المعرفة بالحديث والفقه والكلام. (راجع تاريخ الإسلام ج7 ص339 ترجمة رقم361) .

 

د- (الْعَبَّاس بْن الفَرَج، أَبُو الفضل الرّياشيّ): قد وثقه الخطيب البغدادي. (راجع تاريخ الإسلام ج6 ص99 ترجمة رقم271) ..

 

هـ- (أحمد بْنُ شَبِيبٍ) ثقة ..، وأبيه (شبيب بن سعيد) ثقة ..، و(روح بن القاسم) ثقة .. ، و (أبو جعفر المدني الخطمي ) ثقة ..، و(أبي أمامة أسعد بن سهل) ثقة .. وقد صرح بسماع القصة من عمه الصحابي عثمان بن حنيف .. في الحديث السابق ..

 

#- خلاصة القول في هذا الحديث:

- أن هذا الحديث صحيح .. وقد تركت الرواية التي تم الكلام عليها بكونها ضعيفة .. مثل روايات الطبراني وأبو نعيم الأصفهاني .. وقد ذكرت لك أخي الحبيب ما هو صحيح من هذه الرواية واجتهدت في تحقيقه .. حتى يتبين لك أن الصحابة حتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرشدون لهذه الطريقة في قضاء الحاجات .. وهي طريقة النبي في إرشاد الأعمى لقضاء حاجته من الله.

 

- أما من قال بضعف هذه الرواية فقد أخطأ .. ولم ينتبه لما ذكرته مما سبق .. إذ بنى حكمه على روايات أخرى فيها ضعف .. ولست هنا لمناقشة الروايات .. وإنما فقط أردت أن أذكر لك خاصية في قضاء الحاجات إن أردت أن تستخدمها فهذا شأنك .. وافعل ما يطمئن له قلبك .. الله أعلم .

 

#- لو لاحظت قول الصحابي (عثمان بن حنيف) حين قال: (ما كلمته) .. أي لم أذهب إلى عثمان بن عفان لأتوسط لك عنده .. ثم ذكر لهذا الرجل الحديث النبوي .. ليخبر الرجل أن وساطته عند عثمان لن تنفع إذا كنت أنت أيها الرجل لم تكن مخلصا في صلاتك ودعاءك بهذا الدعاء .. ولو أخلصت فلا حاجة لك لواسطة لأنه بهذا الدعاء قضيت حاجة الأعمى .. وكذلك أنت حاجتك تقضى بإذن الله ..

- والله أعلم .

***************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .