ج73: قصة الإسراء والمعراج - هل مقابلة النبي لله فوق سبع سموات ليلة المعراج فيه اتهام لله بالمكان والمحدودية - هل يصح القول في قصة المعراج أن النبي قابل الله في مكان أو اتجاه فوق سبع سموات - الفرق بين الواحدية والأحدية - الفرق بين الرؤية الذاتية والتجلي الصفاتي - لا يقال أين الذات الإلهية ولكن يقال أين الله.

  بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثالث والسبعون)

#- فهرس:

:: الفصل الثالث والسبعون :: عن رحلة المعراج - الجزء الحادي عشر/ عن المعراج لمقام الخصوصية الذي قال فيه النبي (فَأَوْحَى اللهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى) وفيه تم فرض الصلوات الخمس ::

1- س175: هل مقابلة النبي لله فوق سبع سموات ليلة المعراج فيه اتهام لله بالمكان والمحدودية ؟ 

#- أولا: هل قصة المعراج قالت أن الذات الإلهية في مكان وأن النبي قد قابل الذات الإلهية في ذلك المكان ؟

#- ثانيا: هل يصح القول في قصة المعراج أن النبي قابل الله في مكان أو اتجاه فوق سبع سموات ؟

#- ثالثا: هناك فرق بين المعراج النبوي السماوي وأن تقول أن للذات الإلهية مكان .. فلا يصح أن تخلط الأمور ببعضها ..

#- رابعا: ما الفرق بين الواحدية والأحدية ؟

#- خامسا: ما هو الفرق بين الرؤية الذاتية والتجلي الصفاتي ؟

#- سادسا: لا يقال أين الذات الإلهية ولكن يقال أين الله .. لأن الفارق كبير ..

*******************

:: الفصل الثالث والسبعون ::

*******************

..:: س175: هل مقابلة النبي لله فوق سبع سموات ليلة المعراج فيه اتهام لله بالمكان والمحدودية ؟ ::..

 

 - من شبهات المنكرين لمعراج النبي حتى مقابلة الله فوق سبع سماوات .. أن هذا فيه اتهام لله بالمكان والتحيز والمحدودية .. وهذا كلام باطل لا يصح قوله في الله لأن هذه من صفات المخلوق وليس من صفات الخالق.

 

- فمن غير المعقول أن يقال: بأن الله في السماء أو فوق السماء أو عند العرش .. لأن كل هذه التوصيفات تدل على أن الله محصور بالمكان والزمان .. والله خالق الزمان والمكان .. فكيف يقال حينئذ أن النبي قابل الله في مكان في السماء أو فوق السماء أو أي مكان .. وأنه كان يذهب إليه ويعود كذا مرة وكأن الله في مكان محدد في السماء ؟!!

- وبالتالي فهذه القصة باطلة وغير صحيحة .. ولا يمكن تصديقها لأن فيها اتهام لله بأنه مخلوق لو صدقنا أنه في السماء أو فوق السماء .. فهذا كذب على الله .. (انتهى ملخص ما أرادوا قوله من الشبهة).

 

#- ملحوظة: من ألفاظ أصحاب هذه الشبهة على الإنترنت قولهم: " فكيف بعد ذلك يُقال أن الله له مكان يذهب إليه النبي ويعود هكذا باستخفاف وحماقة ؟!" ..!!

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

- لا يختلف إنسان مؤمن عاقل على أن كل وصف لله فيه نقص فهو باطل بل وكذب على الله .. ولا يختلف إنسان مؤمن عاقل على أن من يصف الله بأنه في مكان محدد محكوم فيه بهذا المكان فهذا حينئذ كلام باطل ..

 

- لكن ما يقوله أصحاب هذه الشبهة .. لا وجود له في قصة الإسراء والمعراج لا من قريب ولا من بعيد .. بل ويحمل كثير من المغالطات التي يدل على عقلية من يقول بذلك الفهم الخاطيء .. تعالوا نشوف كده ..

 

#- أولا: هل قصة المعراج قالت أن الذات الإلهية في مكان وأن النبي قد قابل الذات الإلهية في ذلك المكان ؟

- لم تقل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قابل الذات الإلهية في مكان بعد السموات السبع ومستوى صريف الأقلام .. في مقام (فأوحى إلى عبده ما أوحى).

 

- إذن: لماذا قلتم أيها المنكرين للمعراج أن القصة تقول بأن الله في مكان ما فوق السموات السبع ؟!!

- أليس هذا كذب صريح منكم .. بغض النظر عن قلة عقلكم في فهم الفرق بين رؤية الذات الإلهية والتجلي الصفاتي لله .. فهذا كلام نتكلم فيه بعد قليل ليعرف المؤمنين مدى جهلكم العلمي وبلادة عقلكم في الفهم .

 

#- ثانيا: هل يصح القول في قصة المعراج أن النبي قابل الله في مكان أو اتجاه فوق سبع سموات ؟

- هذا يختلف على فهمك أنت لكيفية هذه المقابلة .. يعني إيه ؟

- يعني هنا مفهومين واعتبارين لهذه المقابلة ..

1- الإعتبار الأول: لو اعتبرت أن هذه المقابلة هي مقابلة الذات المحمدية للذات الإلهية .. فأنت أكيد ضال ومنحرف عن الحق تماما .. وهذا يتطلب أن تكون فاهم ليه أصلا أنت ضال لو قلت بذلك .. وغالب المؤمنين لا يعلمون لماذا يكون متهم بالضلال والإنحراف .. لأنه بذلك لو قال أنها مقابلة ذات لذات .. لكان الله محصور ومحكوم في مكان .. وأصبح المكان محيط بالله وليس الله هو المحيط بكل شيء .. فتكون قد جعلت من المخلوق خالق ومن الخالق مخلوق .. ولذلك يقال لك أنت ضللت لأنك اتهمت الله بصفة نقص من صفات المخلوقين وهو أنه محكوم بالمكان الذي ظهر فيه بذاته .. وهذا بكل تأكيد كلام باطل ولا يصح في حق الله .. (والمؤمن الذي لا يعلم فهو معذور طبعا لأن هذه مسألة تحتاج للمعرفة بما يليق وبما لا يليق في حق الله وهذا له فهم وعلم خاص بعلم الإلهيات والعقائد) .

 

2- الإعتبار الثاني: لو اعتبرت أن هذه المقابلة كانت مقابلة جذبية (أي مكان جذب الله النبي إليه) وليس مقابلة ذاتية (أي قابل النبي فيها ذات الله الأحدية) .. وإليك أمثلة في ذلك لتوضيح ما سبق بكل بساطة:

#- المثال الأول: مثل مقابلة الله لموسى في الأرض إذ قال تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النمل:7-9.

 

- إذن موسى هنا يقال أنه قابل الله في ذلك المكان .. ولكن هذا المكان وهذه الجهة التي ذهب إليها موسى هل هي باعتبار الله أم لاعتبار موسى ؟

- أكيد باعتبار موسى عليه السلام .. لأن الجهة والمكان من صفات المخلوقين لأنهم محكومين بالمادة .. فجذبه الله للمكان الذي يستطيع موسى السعي إليه ليكلمه الله .. وهذه توصف بأنها مقابلة معية وليس مقابلة ذاتية .. أي كان الله مع موسى بكلامه .. وليس مع موسى بذاته ..!!

- فأنت حينما تتكلم مع شخص من خلال الفون .. فأنت تتكلم معه بصوتك وليس بحضور ذاتك معه ..!!

 

#- المثال الثاني: صلاة المؤمنين في اتجاه القِبلة ناحية مكان الكعبة .. فهل الذات الإلهية تسكن الكعبة ولذلك أمرنا الله أن نتوجه إليها لنصلي إليه في هذا الإتجاه وهذه القِبلة ؟!!

 

- أكيد .. لا .. وإنما هي جهة أرادنا الله أن نتوحد بالصلاة إليها حتى لا نفترق ويصلي كل شخص بمزاجه وهواه ويتجه اتجاه معين ويختص نفسه باتجاه مخالف للآخر .. فأبطل الله هذا الخلاف من بدايته وأراد لنا أن نتوحد في اتجاه واحد لتكون صلاتنا واحدة ولها اتجاه واحد ومحدد لا خلاف عليه.

 

- وهذه القِبلة أو الإتجاه للكعبة .. باعتبارنا توجهنا نحن وليس باعتبار وجود الذات الإلهية في ذلك المكان .. لأننا المحكومين بالجهة والمكان وليس الله .. والله يخاطبنا على قدر ما نفهمه ونستطيع فعله في حدود خلقتنا لأننا محكومين بالمادة .. فهذا الإتجاه للقبلة هو اتجاه أراده الله منا أن نتوجه إليه حين الصلاة وهو سيقبلها منا بهذه الكيفية ..

 

#- إذن مما سبق: يتبين لنا أن الإتجاه والمكان فهذا باعتبار المخلوق وليس الخالق .. لأنه لابد للمخلوق من سعي في نطاق ماديته ليفهم المقصود من مولاه وهو الله .. أو ليتحقق مراد الله فيه كما طلب منا السعي لطلب الرزق .

 

@- الآن بعد ما سبق بيانه .. لو قلت أن النبي قابله الله في مقام الخصوصية فهذا كلام صحيح .. ولكن باعتبار وجود النبي في المكان المخلوق والإتجاه المطلوب المخصص له من الله التواجد فيه لأن الله سيتجلى عليه في هذا المكان بما يريد الله في ذلك المكان من عطاءات وكرامات ولطائف وعرفان لا يحيط العقل بذلك .. أي يدهشه الله بفضله عليه. 

 

- أي كانت مقابلة النبي لمولاه عن جذبة جذبها له مولاه لكليته أي لكل ذاته الشريفة .. ليتجلى الله عليه بأنواره ويكلمه في مقام الخصوصية الذي اختص به نبيه كما اختص موسى بمقام الخصوصية في الأرض ليكلمه في منطقة الطور .. وشتان بين من يكلمه الله في الأرض وبين من يكلمه الله في مقام العِندية فوق سبع سموات وآخر ما خلق الله .. وليس وراءه خلق بعد ذلك أي جعل النبي يصل إلى قمة المخلوقات الإبداعية في الكون وهو عند مستوى العرش.

 

#- وهنا لطيفة مهمة أجدها في نفسي: أن كل من التزم باستقامة نفسه في اتجاه القِبلة التي طلبها الله منه وقت الصلاة .. وخضع وسلم تسليما لذلك (ظاهر وباطنا) .. فله تجلي خاص من الله عليه بعطاء يدهشه به يوم القيامة مثل غفران الذنوب جزاء أدبه وخضوعه لله في فعل ما طلبه الله منه دون تشكيك أو اعتراض.

 

- ولو استقام لك الظاهر والباطن في قبلة الله التي طلبها منك في صلاتك إليه .. ستجد الله مقبلا عليك وقريبا منك وأنت ساجد تدعوه .. حتى تشعر بأُنس اللقاء في معية الله.

 

- والفرق بين الإستقامة الأولى والثانية .. فالأولى استقامة خضوع وتسليم للأمر الإلهي .. والثانية استقامة حال الباطن أثناء اداء الصلاة إلى الله .. فتأمل.

 

@- وبعد معرفة كل ما سبق من البند أولا وثانيا وهو كافي جدا للرد على الشبهة .. لكني أريد أن أزيدك معرفة في العقيدة عشان تزداد بصيرة .. وإليك تفصيل في جزئية متخصصة جدا في العقيدة نادرا ما تجدها في كتب أهل العلم .. وذلك لمن يحب أن يقرأ ليعرف جهالة أصحاب هذه الشبهة وكذبهم في قصة المعراج .. فتابع معي ..

 

#- ثالثا: هناك فرق بين المعراج النبوي السماوي وأن تقول أن للذات الإلهية مكان .. فلا يصح أن تخلط الأمور ببعضها ..

- المعراج النبوي السماوي .. هو مسار صعود النبي إلى ما فوق السماء السابعة حتى وصل لمستوى صريف الأقلام عند العرش .. فهذا هو كان معراج النبي ووجهته وقبلته في معراجه .. وخد بالك قوي من كلمة قبلته ووجهته ..

 

- أما مكان الذات الإلهية .. فهو لا مكان للذات الإلهية .. لأنه يستحيل عقلا أن يكون لله مكان نجزم فيه بوجود الذات الإلهية .. يستحيل عقلا .. وإلا كان في ذلك مخالفة صريحة لاسم الله الأحد وإنكار للأحدية الإلهية .. لأن الأحدية الإلهية لا مكان لها ولا زمان تتغير فيه بمتغيراته .. لأن الله هو خالق الزمان والمكان ومحيط بهما .. وهو المحيط بكل شيء جل شأنه .

 

#- إذن: في رحلة المعراج .. لا يقول من لديه إدراك وفهم سليم .. بأن السماء مكان الذات الإلهية .. وإلا قلنا أن الأرض أيضا مكان للذات الإلهية لأن الله يقول: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الزخرف:84.

 

#- وإنما قد يقال أن الله في السماء باعتبار الواحدية وليس باعتبار الأحدية .. يعني إيه الكلام ده ؟

- تعالى نشوف في البند التالي ..

 

#- رابعا: ما الفرق بين الواحدية والأحدية ؟

- الواحدية: هي تجلي الله بمختلف الصفات في الكون .. القوي والقيوم والقادر والسلام والرحيم وكل أسماء الله وصفاته التي تعرفها.

 

- ولذلك دائما في القرآن حينما تجد صفة الواحدية مع الله .. فستجد قبلها أو بعدها من الآيات تتكلم عن عجيب صنع الله في الوجود .. ولكنك لن تجد صفة الأحدية أبدا .. ليه ؟

- عشان أنت لم تستوعب معنى الأحدية .. تعالى اشرحها لك .

 

ب- الأحدية: هي الذات الإلهية التي لا نعلم عنها شيئا إلا من خلال ما يتجلى به علينا من أسماءه وصفاته .. ولكن الذات الإلهية من حيث هي فلا نعلم عنها شيئا ولا مكان لها .. ولا زمان تتأثر به .

 

#- وإذا لم تستوعب الفرق بين الواحدية والأحدية .. تعالى أحكيهم ليك بأسلوب آخر وهو الفرق بين التجلي الصفاتي (الواحدية) والتجلي الذاتي (الأحدية) ؟؟ 

 

#- خامسا: ما هو الفرق بين الرؤية الذاتية والتجلي الصفاتي ؟

- هناك فرق بين التجلي الذاتي لله وبين التجلي الصفاتي لله .. وهذا هو ما يسبب الخلط والتضارب في عقول البعض .. لعدم التمييز بينهما .. ومعنى كلمة تجلى .. أي ظهر .. ومعنى تجلى الله لنا أي ظهر لنا بهذه الصفة لنعرفه بها ولا ننسبها لغيره لأن صفات الكمال لا تصح لغيره جل شأنه .. وهنا أميز لك الفرق بين التجلي الذات والصفاتي ..

 

1- التجلي الصفاتي: وهو ظهور الله بصفاته في الوجود لتعرف من هو الله الذي تعبده والمستحق العبادة وحده دون غيره .. فظهر لنا بقدرته وقهره ورحمته ورزقه وغير ذلك من صفاته التي عرفنا عليها من خلال رسله وأنبياءه .. أنه الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن السميع البصير العليم ... وهكذا إلى آخر صفات الكمال التي تليق بالله جل شأنه .

 

2- الرؤية الذاتية: هو ظهور الذات الإلهية في الوجود أو يراها أحد المخلوقين في الدنيا .. فهذا محال عقلا حدوثه .. يعني مستحيل العقل يتصور ذلك .. لأنه لو تجلى بذاته في وجوده فهو أصبح محكوم بهذا الوجود .. وأصبح الخالق مخلوق .. والمخلوق محيط بالخالق .. وهذا حينئذ ليس إله ولا خالق .. ولذلك حينما يقول أصحابنا النصارى أن الخالق ظهر في شكل عيسى .. فهذا اعتراف صريح بأن الله ليس أحد في معتقدهم .. لأنه لو كان أحد ما كان يتصور العقل ظهور الذات الإلهية محكومة بما خلقه هو جل شأنه .. وبالتالي فمعتقدهم في الله فيه ضلال وانحراف .

 

#- ملحوظة: يوجد مصطلح التجلي الذاتي يقال في بعض الكتب الإسلامية التراثية القديمة .. ويقصد به هو التجلي الصفاتي .. ويقصدون تجلى بنوره فأوجد الوجود وتجلي بنوره فأبدع الوجود وظهر بما كان من أمر الله وأراده جل شأنه.

 

#- وبناء على ما سبق .. تفهم لماذا النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما سأله أحد الصحابة هل رأيت الله ؟ فقال: نور أنى أراه .. أي كيف أراه ..

- فكان التجلي هنا على النبي في مقام الخصوصية هو تجلي أنوار وليس رؤية لذات القهار .. فانتبه وتذوق الكلام .

 

#- سادسا: لا يقال أين الذات الإلهية ولكن يقال أين الله .. لأن الفارق كبير ..

- من الأمور المهمة التي أريدك أن تعرفها أخي الحبيب .. أن هناك فرق بين أن تقول: أين الله ؟ وبين أن تقول: أين الذات الإلهية .. وإليك توضيح ذلك.

 

أ- قولك أين الذات الإلهية: هو سؤال خطأ وفيه ضلال وانحراف خطير واتهام لله بالنقص .. لأن الله لا يصح أن تسأل عنه بالأينية أي ب (أين) .. لأن السؤال بالأين يتعلق بمكان المخلوق وليس بمكان الخالق جل شأنه.

 

- فثبوت المكانية للذات الإلهية .. معناه أنك قمت بتجسيد الله في صورة مخلوق ناقص محكوم بالمكان .. فانتبه .

ب- أما قولك أين الله: قد يكون المقصد من ذلك التعريف بالله من خلال صفاته .. فيكون الرد هو في السماء أو في الأرض أو هو معنا أو هو أقرب إلينا من حبل الوريد .. لأن المقصد هو ثبوت إحاطة القدرة الإلهية على كل شيء لأنه القاهر فوق عباده ومخلوقاته جميعا. 

- ولذلك لما سأل النبي فتاة صغيرة وقال لها: (أيْنَ اللَّهُ؟ قالَتْ: في السَّمَاءِ، قالَ: مَن أنَا؟ قالَتْ: أنْتَ رَسولُ اللهِ، قالَ: أعْتِقْهَا، فإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) صحيح مسلم.

 

- والمقصد من النبي: بموافقته على ما قالته لأنها أثبتت صفة العلو لله .. لأن النبي أكيد لن يقول لها بل هو في السماء والأرض لأن الله يقول: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الزخرف:84 .. فعقلها الصغير سيتوقف حينئذ عن الإدراك وستقول: هل يوجد إله في السماء وإله في الأرض ؟!! وستتوه في وسواس لا ينتهي معها .. ولذلك اكتفى النبي منها بإثبات صفة العلو في حق الله .. أي هو القاهر فوق خلقه المتصرف فيهم من السماء للأرض.

 

- علما بأن الفتاة الصغيرة لم تقل (فوق العرش) .. بل قالت: (في السماء) .. وأكيد الله جل شأنه ليس في السماء ساكنا ولا السماء محيطة به ..!! بل وأكيد معنى قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الزخرف:84 .. ليس معناه أن الذات الإلهية مكانها في السماء وفي الأرض ..!!

 

#- وأكيد مثلا قوله تعالى في حق عيسى عليه السلام: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) آل عمران:55. ليس معناه أن الله رفعه إلى فوق العرش أو جعله يجالس ذاته العلية حينما قال (إليَّ) ..!!.. بل المقصد أنه رفعه إليه إلى محل عنايته الخاصة في السماء حسب ما قدره الله له .. ليعيش فيه إلى حين نزوله مرة أخرى .. فهذا مستوى يقيم فيه مؤقتا بدليل وجوده في السماء الرابعة .. وليس معنى قوله (رافعك إليَّ) أي لذاتي أو فوق سماواتي .. بل رفعه للسماء الرابعة في مكان مخلوق في السماء .. فانتبه يا مؤمن من هذا الكلام حتى لا يضيعك بعض من يقوم بتسويق عقائده الخاصة لك ويكفرك إن لم تؤمن بها ..!!

 

- وإذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد تكلم مع ربه من فوق سبع سموات .. فموسى تكلم مع ربه من تحت سبع سموات .. ويونس ناجى ربه وهو في بطن الحوت وبطن البحر تحت مستوى الأرض .. لأن الله موجود دائما في كل مكان محيط بالمكان والزمان ولا يشغله شأن عن شأن ..

 

#- ومعنى قول العلماء أن الله فوق سبع سموات وما بعد العرش ليس بمعنى أنه يسكن فوق السموات السبع أو يسكن بذاته فوق العرش .. بل هو فوق عالم الخلق أجمع محيط به لأنه جل شأنه فوق المكان والزمان لأنه خالق الزمان والمكان .. ولا علاقة برفع اليدين للسماء بكون الله في السماء كما تصور من قال بذلك .. لأننا ندعوه ونحن ساجدون ورؤوسنا في الأرض في الصلاة .. وإنما الإشارة إلى الله برفع اليدين للسماء إنما هو لأن محل التجليات الربانية والعطاءات الإلهية وتتنزل الملائكة من هذا الإتجاه السماوي لينفذون أوامر الله .. والإتجاه السماوي للدلالة على قهر الله بسلطانه على جميع خلقه إذ أن السماوات والعرش آخر منتهى خلق الله والله فوق كل ذلك بقهر عظمته وسلطانه وقيوميته .. إذ أن قاهر السموات العلا بالتدبير والتصريف فهو قاهر بمن هو دون ذلك .. ومعيته جل شأنه مع الجميع أينما كانوا وإلا فكيف ناجي يونس ربه وهو بطن الحوت وظلمات البحر لأنه يعلم أن الله محيط به سواء كان رفعه في عند العرش فوق سبع سموات أو نزل به في باطن الأرض .. فتأمل.

  

@- المهم مما سبق هو أنه لا علاقة للمعراج .. بمسألة أن ذات الله تسكن في السماء كما تصور هؤلاء المنكرين للمعراج .. وزعموا بالكذب في قصة المعراج أن النبي قابل الذات الإلهية في مكان أو جهة .. لا .. لم يحدث ولم تقل القصة بذلك .. بل النبي هو من جذبته العناية الإلهية لمحل الكرامة العلوي وجعل الله للنبي جهة خاصة بحكم ماديته البشرية التي جذبه بها مولاه .. وذلك ليوحي إليه ما يريد أن يوحيه إليه بدون واسطة ..، وتشريفا للنبي صلى الله عليه وسلم ..، وإظهار لعلو مكانته صلى الله عليه وسلم .

 

#- خلاصة القول أخي الحبيب:

1- قصة المعراج لم تتكلم عن أن الله في جهة أو مكان كما قال بعض الكذابين .. من المنكرين للمعراج.

2- النبي لم يقابل الذات الإلهية فوق سبع سموات.

3- المعراج النبوي إنما هو لمكان أراد الله لنبيه أن يوحي إليه فيه .. فهذه جذبة عناية من الله لنبيه لمقام الخصوصية ..

- أما أن يقال أن الله في مكان أو جهة وقت أن أوحى للنبي .. فهذا ما يريده المنكرين للمعراج أن يشرحوه لك .. وهذا هو الكذب الكبير منهم في قصة المعراج لأنه لم يقل أحد أن النبي قابل الذات الإلهية في مكان أو جهة ..

4- يجب أن تفرق بين رؤية الذات الإلهية والتجلي الصفاتي لله في الوجود .

5- ويجب أن تفهم متى يشار إلى الله بالأينية .. حتى تكون حريص كل الحرص حينما تتكلم عن الله .. فأنت تتكلم عن خالق السموات والأرضين .. فانتبه لأنك مسئول أمام الله عما تنطق به عن الله جل شأنه..

- والله أعلم .

 

#- ملحوظة هامة:

- ستجد دائما أصحاب الشبهات الذين يريدون هدم قصة المعراج لديهم خصائص متعددة مثل الكذب في الأمانة العلمية المصحوب بالعوج النفسي والاستعلاء العقلي المصحوب بغبائهم الغريب .. والتحقير الدائم لعلماء الدين والإستخفاف بهم وكأنهم هم العلماء والجهل شاهدا عليهم .. والغرض هو تحريض المؤمنين على هجر الحديث النبوي الصحيح وكأنهم يعادون النبي صلى الله عليه وسلم .. !!

 

- فإذا كان الشبهة السابقة قد كتبتها بأسلوبي ليفهم المؤمن ما يريد قوله لهم هؤلاء المنكرين لقصة المعراج .. إلا أن في سياق كلامهم الكثير من التحقير والتكذيب والاستهزاء .. قد تركت ذكره لحقارة ما فيه من إساءة لعلماء المسلمين.

- واكتفيت فقط بنقل جملة واحدة مثل قولهم: "فكيف بعد ذلك يُقال أن الله له مكان يذهب إليه النبي ويعود هكذا باستخفاف وحماقة ؟!" ..

- وهذه المقولة السابقة قد ذكرتها لك بلفظها لسبب .. وهو أن تعرف كيف يؤثرون عليك نفسيا ويتهمونك في عقلك إن لم تؤمن بأفكارهم .. وكأنهم يقولون لك: لو أنت اعتقدت في هذه القصة فأنت تكون قد جعلت العلماء يستخفون بعقلك وأصبحت أحمق .. !! يعني فتح مخك وافهم وبلاش تكون من جماعة الأغبياء وتصدق قصة المعراج ..!! ثم تقول في نفسك: مستحيل أقبل أكون هكذا .. وهذه القصة فعلا باطلة .. !!

- فهذه هي منهجيتهم ونفسيتهم .. فاحذرهم.

- والله من ورائهم محيط .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .