ج76: قصة الإسراء والمعراج - هل يوجد دليل على رؤية النبي لربه بالبصر ليلة المعراج - هل يوجد رواية في أحاديث المعراج قالت بأن النبي رأى ربه - كيف يرى النبي ربه في مكان نوراني والله لا يحيط به مكان - هل رؤية النبي لربه في مقام النور معناه أن الله محاط بهذا النور - كيف رأى النبي ربه ليلة المعراج بالبصر - هل لا يصح رؤية الله ببصر النبي لأن هذا معناه القول بتشابه للذوات في الرؤية في حين أن النبي مخلوق والله خالق - ما الفرق بين قولك (تجلى الله على النبي فرآه) وبين (أن النبي رأى ذات الله) -لماذا الخلاف في مسألة الرؤية بالعين والقلب.

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل السادس والسبعون)

#- فهرس:

:: الفصل السادس والسبعون :: عن رحلة المعراج - الجزء الرابع عشر/ عن المعراج لمقام الخصوصية الذي قال فيه النبي (فَأَوْحَى اللهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى) وفيه تم فرض الصلوات الخمس ::

1- س180: هل لا يصح رؤية الله ببصر النبي لأن هذا معناه القول بتشابه للذوات في الرؤية في حين أن النبي مخلوق والله خالق ؟

2- س181: هل يوجد دليل على رؤية النبي لربه بالبصر ليلة المعراج ؟

3- س182: كيف رأى النبي ربه ليلة المعراج بالبصر لو افترضنا ذلك ؟

4- س183: لماذا الخلاف في مسألة الرؤية بالعين والقلب ؟

5- س184: هل رؤية النبي لربه في مقام النور معناه أن الله محاط بهذا النور ؟

6- س185: كيف يرى النبي ربه في مكان نوراني والله لا يحيط به مكان ؟

7- س186: ما الفرق بين قولك (تجلى الله على النبي فرآه) وبين (أن النبي رأى ذات الله) ؟

8- س187: هل يوجد رواية في أحاديث المعراج قالت بأن النبي رأى ربه ؟

9- س188:  كيف يمكن تجميع ملخص لمسألة رؤية النبي لربه ؟

*******************

:: الفصل السادس والسبعون ::

*******************

 

..::  س180: هل لا يصح رؤية الله ببصر النبي لأن هذا معناه القول بتشابه للذوات في الرؤية في حين أن النبي مخلوق والله خالق ؟ ::..

 

- قال بعض من يعترض على رؤية النبي لربه بالبصر .. فيقولون: لا يصح ذلك لأن رؤية الذات الإلهية لأنه لا يراها إلا من يشبهها أو يماثلها .. وبما أن الله لا شبيه له ولا مثيل فيستحيل للنبي أن يرى الله ببصره ..!!

 

#- الجواب ببساطة:

- هذا المنطق الذي تم الكلام به مردود على قائله عقلا وشرعا .. ليه ؟

1- لأن الله .. جعل لموسى القدرة على سماعه وليس موسى مشابها لسماع الله لأنه ليس إله .. وأيضا الله هو من جعل محمد يسمعه ويراه وليس محمد مشابها لسمع الله ورؤياه .. فالذي ينكر الرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم .. عليه أن ينكر السماع لموسى عليه السلام .. فإذا كانت العين وسيلة إدراك .. فالأذن أيضا وسلة إدراك .. فلماذا ارتضيتها لموسى .. وأنكرتها على النبي محمد .. وجعلت منها مسألة تشابه في الذوات لو قلت أن النبي رأى الله ؟!! 

- مش كده ولا إيه ؟!!

 

#- إذن: الأذن السمعية والرؤية العينية هنا ليس باعتبار الأذن والعين البشرية العادية .. وإنما باعتبار ما تجلى الله به من جميل صفاته السميع البصير على النبي فتبدلت أوصافه صلى الله عليه وسلم فكان يسمع بالله ويبصر بالله ما لا يستطيع سمعه وإبصاره في حالته العادية .. ولذلك قال تعالى في أول سورة الإسراء: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء:1 .. لتفهم أن الله تجلى على نبيه بخصوصية هذين الإسمين ليريه من آيات ربه الكبرى .. وكما قلنا سابقا أن بعض آراء التفسير قال أن السميع والبصير في الآية هو النبي صلى الله عليه وسلم وذلك باعتبار تبدل الأوصاف فعليا قبل الإسراء والمعراج.

 

- فإذا تذكرت ما سبق .. وعلمت أن الرؤية النبوية إنما هي رؤية خاصة من الله له أنعم بها عليه كما سينعم بها على المؤمنين في الآخرة كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة:23.

 

2- ثم من قال لك أن الله أراد لنبيه أن يحيطه علما بالذات الإلهية حتى تنكر رؤيته بالبصر ؟!!

- إذ أن رؤيتك للشيء ليس معناه إحاطتك به .. فنحن نرى الشمس والنجوم والقمر ولم نحط بها علما وإنما نرى مجرد صورة مصغرة جدا لهذه الأشياء ولا نستطيع أن نصف منها شيئا سوى أن نقول هذا قمر يظهر بالليل وهذه شمس تشرق بالنهار ..!! 

 

- ارحموا عقولكم .. واكتفوا بالإيمان طالما العقل عندكم بعافية شويتين .. وكفاية النقل من الفكر الإعتزالي لأنه كما فيه من العقل ما فيه .. ففيه من الغباء ما فيه ..!!

 

3- ومن الملفت للإنتباه: أن إنكار رؤية النبي لربه بالبصر مطلقا .. فيه شبهة إنكار للقدرة الإلهية بكن فيكون .. وإنكار على الإرادة الإلهية بأن الله يفعل ما يشاء .. وإلا فلماذا سأل موسى ربه أن يراه .. ولو كان هذا ممتنع لكان الله نهاه عن ذلك وأنكره عليه ..!!

 

- فلا أدري لماذا البعض حينما يتكلم عن الله يتجاهل قدرته وإرادته طالما لا تتعلق بالمستحيل عقلا أو شرعا ؟!!

 

4- ومن حيث المنطق الغريب للمعترض على الرؤية بالعين ويجيز الرؤية بالقلب .. فنقول له:

- ما الفرق بين رؤية الله بالقلب أو بالعين بالنسبة للنبي .. إذا كان كلاهما واحد وأن ما يراه بقلبه فكأنما رآه بعينه ..؟!!

 

- فهل رؤية النبي لربه بالعين فيها شبهة اتهام بالمساواة بقدرة الخالق على رؤية البشر .. ولذلك لا يصح القول بالرؤية البصرية .. ولكن رؤية النبي لربه بقلبه لا يعتبر فيها شبهة اتهام بالمساواة مع الخالق لأن القلب أدركه برؤيته ؟!!

 

- فكيف يعقل ذلك وكلاهما وسيلة إدراك بشرية .. وبنفس منطقك لا يصح من كلاهما حينئذ رؤية الله وإلا كان القلب والعين فيهما شبهة مساواة للذات الإلهية ولذلك تمت الرؤية حسب منطقك أنت الغير معقول أصلا ..!!

 

- وإنما أحسب أن المنكر للرؤية البصرية لم يفهم ما الفرق بين الرؤية البصرية والقلبية .. إذ أن الرؤية القلبية منفي عنها الإحاطة والتكييف وتوصيف الذات الإلهية الأحدية .. فالإمتناع عن ذكر رؤية العين لأن العين من خصائصها التكييف والتحديد والتوصيف للذاوات .. فتأمل.

 

- وإنما لما كان القول برؤية النبي لربه بالعين .. مقصدها هو تجلي مخصوص من الله لنبيه بأحسن صورة يراها .. فلا حرج لأن هذا تجلي صور وليس تجلي ذات .. كانعكاس صورتك على المرآة وانعكاس صورة القمر على سطح البحر .. فليست هذه ذوات وإنما صور .. فافهم.

 

5- وأخيرا أقول: من قال أن أصحاب الرأي القائل برؤية النبي بالعين أو بالبصر أنهم يقولون أن النبي رأى الذات الإلهية الأحدية .. حتى تنكر عليهم ؟!!

- فإذا كان القائل أن النظر بالعين معناه رؤية الذات الإلهية الأحدية .. فهنا يكون الإنكار .. وما عدا ذلك فلا محل للإنكار أو الإعتراض ..

 

***********************

 

..:: س181: هل يوجد دليل على رؤية النبي لربه بالبصر ليلة المعراج ؟ ::..

 

1- إذا كان يوجد ضعف في الروايات التي أتت عن ابن عباس بأنه رأى ربه بالعين أو بالبصر ..

 

- إلا أنه من وجهة نظري .. يوجد ما هو أقوى من الأثار والأحاديث وهو كلام الله .. إذ قال تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) النجم:16-17 .. فلو كان النور الأعظم الذي رآه النبي عند سدرة المنتهى هو مجرد نور .. ما كان الله جل شأنه قال: (ما زاغ البصر وما طغى) ..!!

 

- فكيف يقال: لم ير النبي شيئا مع هذا التجلي النوراني الذي غطى وأحاط مستوى سدرة المنتهى .. ؟! وإن لم يكن النبي رأى شيئا فلماذا وصف الله بصر النبي بأنه ما انحرف يمينا ولا شمالا وما تجاوز الحد المسموح به للنظر إليه بقوله (ما زاغ البصر وما طغى) ...؟!!

 

2- وهذا الآية في سورة النجم .. تدل على أنها رؤية عين اليقين وتحقيق بالبصر بلا أدنى شك .. ولا علاقة هنا برؤية جبريل .. إذ أن الإختلاف في رؤية النبي لجبريل أو الله .. فيما سبق ذلك من آيات .. وهذا خلاف نذكره في موضعه إن شاء الله .

 

- وأجد عن نفسي .. أن الدلالة بهذه الآية من أقوى ما يمكن أن يستدل به مؤمن على رؤية النبي لربه ليلة المعراج دون إنكار عليه .. حتى لو قيل أنه رأى أمور أخرى .. فليأت بدليل الإنكار على عدم رؤية الله .. إذ أن رؤية الله جائزة ولسنا في حاجة لإظهار دليل إثبات .. إذ أن دليل الإثبات مثبت بجواز الرؤية أصلا .. فتبقى أن تثبت أنت إنكار ونفي ذلك في الآية بدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة ..!!

 

- فإذا لم يكن لديك ذلك .. فالآية لازلت محتملة لرؤية النبي لربه جل شأنه بالبصر .. بقدرة أعطاها له الله .. وبتجلي خاص للنبي صلى الله عليه وسلم ليرى ربه ..

 

3- وأرى أن هذه الآية كافية بإسقاط كل الروايات والآثار .. إذ لا يعلو نص على كلام الله .. ولكن هذا على افتراض أن آيات سورة النجم تشير لليلة الإسراء والمعراج .. فإن فهذا هذا خلاف آخر بين العلماء .. نذكره حين الكلام على آيات سورة النجم إن شاء الله.

 

- وسواء الآية أشارت لليلة المعراج أم تشير لمعراج آخر .. كما ظن بعض العلماء .. فلازال احتمالية رؤية النبي لربه قائمة في قوله (ما زاغ البصر وما طغى).

 

4- أما عن الآيات الكبرى التي أتت في قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) .. فهي عندي تحتمل رؤية الصورة الربانية حين مكالمة النبي والوحي إليه ليلة المعراج .. إذ أن النبي لم يرى الذات الإلهية .. ولذلك قال النبي (رأيت ربي) ولم يقل إلهي أو خالقي .. لمنع العقل عن التوهم برؤية الذات الإلهية الأحدية.

 

- وبالتالي لا معترض لمن يقل أن الآيات الكبرى لا تقال على الذات الإلهية .. وهذا حق فعلا .. ولكن لما كان من الآيات رؤية النبي لربه في أحسن صورة تجلى بها عليه .. فهذا حينئذ مظاهر تجليات .. والتجليات من الآيات .. فتأمل.

 

- والله أعلم .

 

*************************

 

..:: س182: كيف رأى النبي ربه ليلة المعراج بالعين لو افترضنا ذلك ؟ ::..

 

- من المسائل التي قيلت اعتراضا على رؤية النبي بالعين .. هو سؤال البعض: عن كيفية رؤية النبي ربه بالعين ليلة المعراج .. والعين مخلوقة لا ترى الخالق ؟!!

 

- والإجابة ببساطة:

1- هل كنت علمت الكيفية التي كلم الله بها موسى عن جبل الطور ؟!!

- لأنك إن كنت عرفت هذه الكيفية .. فستعلم كيف رأى النبي ربه ليلة المعراج وكيف سمعه .. !!

 

2- فإذا قلت: أن الذي أسمع موسى هو الله .. من باب (كنت سمعه الذي يسمع به).

 

- فسأقول لك: وهل الذي أعطى للنبي القدرة على رؤيته وسماعه كان أحد غير الله ؟!! وكان ذلك من باب (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يرى به) ..!!

 

3- وإذا كنت ممن يقول بأن النبي رأى ربه بقلبه .. فكيف رآه بقلبه .. وقلبه مخلوق والمخلوق لا يدرك الخالق ؟!!

- وكيف سمع الله موسى بأذنه المخلوقة .. أو حتى بقلبه .. وهو مخلوق .. والمخلوق لا يدرك الخالق ..!!

- وهذا منطق فاسد الذي تبحث فيه عن الكيفية .. فأي كيفية تبحث عنها بعد أن سلبت القدرة الإلهية المقدرة في إعطاء مقام الخصوصية للأنبياء والرسل وساويتهم بعموم البشر .. وكأن الله غير قادر على تبديل أوصاف البشرية بأوصاف أخرى تحتمل سماعه ورؤيته ..!!

- فهذا وسواسك أنت الذي أوجدته في نفسك من منطق تفكرك الغير صحيح .. وذلك لما ارتضيت محو القدرة الإلهية من المسألة في حين بدأ الله تعالى بالتسبيح في أول آية الإسراء للدلالة على أن كل ما سيحدث لا علاقة له بقانون الأسباب ..!! 

 

- ولعلك نسيت .. قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي) صحيح البخاري ومسلم ..، وفي رواية بلفظ: (إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي فَيُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي) رواه أحمد وقال محققو المسند: إسناد صحيح.

 

- ولعلك نسيت .. أن الله يبدل أوصاف العباد البشرية بأوصاف ربانية كما جاء في الحديث القدسي: (وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ (أي فعلك لأي عمل صالح بعد فعلك للفرائض) حتَّى أُحِبَّهُ .. فإذا أحْبَبْتُهُ .. كنتُ سمْعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصرُ به .. ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها .. ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها .. وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ .. ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) صحيح البخاري.

 

4- ومن ناحية أخرى .. أقول: لو أنت وقفت في المرآة .. فمن ترى ؟

- فلو قلت: أنت ترى صورتك .. فهذا صحيح.

- ولو قلت: أنت ترى ذاتك .. فهذا كلام غير صحيح لأنك ترى صورة ولا ترى ذاتك .. لأنك لا تحيط بذاتك من خلال انعكاس صورتك على المرآة .. ولو لمست صورتك على المرآة فأنت لا تلمس ذاتك.

 

- ولو رأيت أحد على الفيديو شات أو على التليفزيون أو على صورة معلقة على حائط .. فهل ترى ذاته أم صورته ؟ أكيد ترى صورته ولا حكم لك على هذه الصورة أصلا أي لا تستطع التصرف فيها مثل أن تضربها لأنها مجرد مثال يظهر أمامك .

 

- إذن: ما المانع أن تكون رؤية الله البصرية هي مجرد رؤية انعكاس لله وليس رؤية للذات الإلهية لأن الذات الإلهية لا يحاط بها علما كما شرحنا ذلك من قبل ..

 

- وقول النبي: (نور أنى أراه) فهذا حق فعلا .. إذ كيف يرى الذات الإلهية الاحدية في هذا النور .. فالنفي لرؤية الذات الإلهية الأحدية وليس نفيا لرؤية الله مطلقا .. وإلا كان قال: لم أره ..، (وانتهت المسألة تماما حينئذ ولا تعقيب على كلام النبي) ..، وإذا كان النبي أخبر أبا ذر عن رؤية الله بقوله: (نور أنى أراه) ..، فأبا ذر أيضا هو من أخبرنا أن النبي رأى ربه بقلبه ..

 

- ومن المقرر أن النبي يرى بقلبه كما يرى بعينه .. ونعجب من ينقل بعض كلام أبا ذر ولا يذكر قول أبا ذر عن أن النبي رأى ربه بقلبه ..، فهذا تصرف لا يليق بالباحثين .. إلا من غفل عن ذلك فله عذره .. والله أعلم .

 

5- وبالمناسبة .. هذه الرؤية البصرية ما هي إلا في حقيقتها رؤية قلبية لأنها انعكاس على مرآة القلب لأن القلب النبوي مرآة استقبال الحق ولذلك نزل القرآن على قلبه متمكنا منه ..

- ولا أدري لماذا الصراع العلمي أو الفكري في مسألة رؤية الله ؟!!

 

- وهذا ينقلني لنقطة مهمة جدا .. ستتعجب منها أخي الحبيب ..

- وهو ما أراه غريب لأنه أصل من أصول العلم ..!!

 

*********************

 

..:: س183: لماذا الخلاف في مسألة الرؤية بالعين والقلب ؟ ::..

 

- حقا أتعجب من الخلاف حول مسألة الرؤية بالقلب أو بالعين .. ليه ؟

- لأنه إذا كان مقرر عند علماء الدين .. أن ما يراه النبي بقلبه كأنما رآه بعينه .. فعلام يختلفون ؟!!

 

أ- فإذا قلت رآه بقلبه .. فهو رؤيا حق ويقين .. كأنما رأى ذلك بعينه بالضبط .. ولا تداخل للشيطان في الصور القلبية.

- ولا تنسى أن تحلية جبريل عليه السلام لباطن النبي بماء زمزم وبقبضته النورانية في بداية رحلة الإسراء حينما شق صدره .. وهذا كان له سبب وجيه في استقبال تجليات الحق التي سيواجهها النبي خلال الإسراء والمعراج .. وفي كل مقام سيتواجد فيه .

 

ب- وإذا قلت رآه بعينه .. فالقلب يصدق ما يرى من الحق وينكر ما يرى من الباطل .. ولذلك أنكر النبي ما كان يراه وقت حدوث السحر له .. لأن القلب أنكر الصور العينية الكشفية .. فعلم النبي أن هذا باطل.

 

- المقصد مما سبق .. لماذا يحلو للبعض التوسع في الخلاف .. ويريد أن ينتصر لرأي بالإجبار وفرض الرأي .. والمسألة لا تحتاج لكل هذا ..؟!!

 

************************

 

..:: س184: هل رؤية النبي لربه في مقام النور معناه أن الله محاط بهذا النور ؟ ::..

 

- قال بعض من ينكر رؤية النبي لربه مطلقا في ليلة المعراج .. كيف يكون النبي رأى ربه في ذلك النور .. والنور مخلوق .. والمخلوق لا يحيط بالخالق ؟

 

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- أولا: لم يقل أحد أن الله تجلى على النبي في ذلك النور .. وإنما تجلى الله عليه بهذا النور ..!!

 

#- ثانيا: إذا كنت تؤمن أن الله قد تجلى عند الشجرة لموسى وكلمه فسمعه .. فلماذا لم تقل كيف تجلى وكلمه الله .. والكلام الإلهي لا تستطيع الأسماع أن تسمعه ؟!!

- فهل معنى كلام الله مع موسى في الأرض أن الله أصبح داخل الأرض بذاته الأحدية حينما كلم موسى ؟!! أو أن الله كان محاطا بالنار وقت أن كلم موسى عند تجلي الله بناره على الشجرة .. ؟!! أكيد .. لا .. لأن هذا تصور سخيف جدا .

 

- فالذي أعطى موسى كيفية سماع ربه في نفسه .. هو الذي أعطى محمد كيفية سماع ليسمع ربه ويراه .. ولذلك قبل أن تنكر على النبي محمد رؤيته لربه .. فعليك أن تنكر على موسى سماعه لربه من باب أولى ..

 

- فالذي يقال على رؤية النبي لربه .. يقال على سماع موسى لربه .. لأن السماع والرؤية كلاهما بأدوات بشرية وهي الأذن والعين ..

 - فكما تجلى على موسى بسماعه .. فهو تجلى على النبي بسماعه ورؤيته ..!!

 

#- ثالثا: يقول البعض أن النور كان حجابا للنبي ولذلك لم يرى ربه ..

1- وهنا أقول ببساطة: فهل صعد النبي فوق سبع سموات حتى العرش .. ليحجبه الله عن رؤيته ؟!!

- بل والبعض قال: أن الله حجبه عن سماعه وجعل جبريل الواسطة بينه وبين ربه .. مع أن هذا مخالف تماما لنص روايات حديث المعراج ..

- وهنا العجب ونقول: ما الفرق حينئذ بين كون النبي في الأرض أو فوق سبع سموات ؟!!

- ولو كان أراد فقط مكالمته .. لكان كلمه على الأرض كما كلم موسى ..!!

 

2- ثم يأتي المعترض بحديث أن الله "حجابه النور" .. وأن هذا الحجاب هو الذي كان فيه النبي ولذلك لم يرى ربه ..

- والآن نقول ببساطة: ما علاقة هذا برؤية الله إن أراد الله ذلك ..؟!!

 

3- وطالما أن الله حجابه النور .. والنور هو مشهد حسي .. فما علاقة ذلك برؤية النبي لربه سواء بالبصر أو بالقلب .. إذا كان خالق النور وخالق القدرة على رؤية السماع هو الله ؟!!

- وكأنهم جعلوا الحجاب الذي خلقه الله حاكم على الله .. ولا يستطيع الله أن يلغيه ويمحوه لو أراد لأحد أن يراه ؟!!

- وإلا فكيف يتجلى الله في الوجود بقدرته ويدبره بقيوميته ؟!!

 

- فالذي تجلى على الوجود فأبدعه .. هو الذي تجلى على النبي بسماعه ورؤيته سواء بالبصر أو بالقلب ..

 

- أما بالبصر: فنقول بوسيلة أوجدها الله في بصر النبي كما يرى الملائكة والجن .. ولا يراهم باقي البشر العاديين .. فالذي أعطاه القدرة على رؤية ذلك فهو يعطيه القدرة على ما هو أبعد من ذلك ..!!

 

- أما بالقلب: فنقول بوسيلة أوجدها الله في قلبه ليبصر بفؤاده .. فيراه في أحسن صورة.

- وسواء هذا أو ذاك .. فلا نقول برؤية الذات الأحدية .. وإنما نقول برؤية تجلي خاص للنبي وسماع بتجلي خاص للنبي ..

- فما هذا التخبط الذي عند البعض ..!!

 

- وفي الحقيقة أن تجلي الله بالنور من عند سدرة المنتهى وإلى مقام الخصوصية  .. لم يكن حجابا للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان لغيره مثل جبريل .. فإنما هو حجاب الستر الجميل على النبي بنور مولاه ليؤنسه بما أوحاه إليه .

 

3- وقول النبي رأيت نورا .. أو نورا أنى أراه .. فهذا من حيث رؤيته البشرية العادية ومن حيث نفي الإحاطة بالذات الإلهية .. أما من حيث تغير أوصافه البشرية ويرزقه الله العين الربانية ليراه في أحسن صورة متجليا بذلك عليه .. فهو لم ينفي ذلك ولم يقل: لم أراه .. بل قال: " رَأَيْتُ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى " رواه أحمد بسند صحيح ..، ولم يقل رأيت إلهي .. فرؤية الربوبية هو رؤية صور يتجلى بها الله على نبيه ليريه من جماله جل شأنه ما يريه .. كما تجلى عليه في المنام وقال: " أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ " رواه الترمذي بسند حسن.

- والله أعلم.

 

**********************

 

..:: س185: كيف يرى النبي ربه في مكان نوراني والله لا يحيط به مكان ؟ ::..

 

- من غرائب ما يقوله المعترضين على رؤية النبي لربه ليلة المعراج: طالما النبي في مكان سماوي نوراني .. فالله لا يتم رؤيته في مكان .. لأن المكان مخلوق .. والمخلوق لا يحيط بالخالق .. فكيف يرى النبي ربه في مكان مخلوق وإلا قيل أن المكان أحاط بخالق المكان ..!!

#- قلت (خالد صاحب الرسالة):

#- الإجابة ببساطة: وكأن الله تصوروه أنه لا يستطيع فعل شيء إلا من خلال تواجده في مكان هو خلقه فيحل فيه ليفعل ما يريد ..!!

- ولا يخفى على مؤمن .. أن هذا التصور في حق الله هو كفر صريح .. ليه ؟

- لأن فيه اتهام للذات الإلهية بعجزها عن تدبير الملك إلا بحلولها في المكان والزمان .. !!

- إذ كيف يدبر شئون ملكه وهو خالق المكان والزمان وهو القيوم جل شأنه ؟!!

- والله أعلم .

 

*********************

 

..:: س186: ما الفرق بين قولك (تجلى الله على النبي فرآه) وبين (أن النبي رأى ذات الله) ؟ ::..

 

#- ملحوظة هامة جدا: هناك فرق بين أن نقول تجلى الله على النبي فرأى الله .. وبين أن تقول أن النبي رأى ذات الله .. فالفارق كبير جدا .. إزاي ؟

 

أ- لو قلت كلمة (تجلى الله على النبي فرآه النبي) فأنت تقصد هنا ظهور الذات الإلهية بوصف صورة ما في خيال الرآئي ولكن ليس هو الذات الإلهية .. مثلما قال النبي: (أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح واتفق معه البخاري في ذلك ..

- وهذا الحديث قيل في رؤيا منامية يعني صورة مثالية روحية وليست صورة حقيقية لنفس الذات الإلهية لأن الله لا تحكمه صور ولا هيئة ولا شكل.

 

ب- بخلاف لو قلت: "رأى النبي ذات الله" .. فأنت تكون حكمت أن النبي رأى ذات الله الأحدية .. وهذا باطل لا محالة.

 

#- ومن النوع الأول كان العلماء ومن السلف والخلف الذين قالوا: أن النبي رأى الله في مقام الخصوصية .. فيقصدون تجلى عليه برؤية خاصة رآها في قلبه أو نظر إليه بعينه فرآه بصورة خاصة كما يحدث في الرؤيا المنامية وحقيقة إدراكها القلب أيضا .. وليس أنه رأى ذاته ..

- والله أعلم .

 

***************************

..:: س187: هل يوجد رواية في أحاديث المعراج قالت بأن النبي رأى ربه ؟ ::..

 

- من الأمور المهمة التي أريدك أن تنتبه لها .. أنه لا يوجد رواية حديث في المعراج قالت بأن النبي رأى ربه في ليلة المعراج .. إلا من خلال بعض الروايات .. وأذكرها لكم بعد قليل.

 

#- ولكن غالب العلماء .. يأخذون رؤية الله ليلة المعراج من كلام الصحابي بن عباس في تفسيره لآيات سورة النجم ..

 

- ولكن ما يهمنا هنا الكلام عن هذه الروايات التي تكلمت عن المعراج .. وجاء فيها أشارة من ألفاظها ولكن دون تصريح .. أن النبي رأى ربه ليلة المعراج.

 

- فمن تلك الروايات الآتي:

1- جاء في (حديث صحيح) .. عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم .. ومما جاء في الرواية عند وصوله لسدرة المنتهى قال: (فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا .. فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى .. فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...... إلى آخر الحديث) صحيح مسلم.

 

#- فقوله (فأوحى الله إلي ما أوحى): فيه دلالة على خصوصية المقام بين النبي وربه ولا غيرهما في هذا المقام .. ولا مانع أن يكون النبي رأى ربه في مقام الخصوصية هذا .. ويظهر ذلك من الرواية التالية لنفس الرواة ولكن جاء فيها زيادة لفظ (فدنا فتدلى .. وهذه هي الرواية:

 

#- في (حديث صحيح): عن حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية عند سدرة المنتهى قال: (فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا ..

- قَالَ: فَدَنَا فَتَدَلَّى .. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى .. وَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ ........ إلى آخر الحديث) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. بزيادة قوله (دنا فتدلى) ..

 

#- والملاحظ هنا أن قوله (قال: فدنا فتدلى) .. ليس من قول النبي لاختلاف سياق الرواية .. وهذا غالبا اجتهاد أنس بن مالك وفهمه الخاص لهذه الآية .. والله أعلم .

 

2- (حديث حسن) .. عن أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا كَثِيرُ بْنُ حُبَيْشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى .. فَدَنَا إِلَى رَبِّهِ فَتَدَلَّى، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] .. فَفَرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ....... إلى آخر الحديث) رواه ابن خزيمة في التوحيد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث حسن .. و (محمد بن عمرو) صدوق الحديث وله أوهام (راجع تهذيب الكمال ترجمة رقم 5513) .. و (كثير بن خنيس أو حبيش) صدوق الحديث (راجع الجرح والتعديل لأبي حاتم ج7 ص150) .. وضعفه الأزدي بلا سبب وذكره ابن حبان في الثقات ..

 

#- ملحوظة: سياق الرواية فيه انتقال من كلام النبي لكلام الراوي .. فكان كلام النبي .. ثم في جزئية (فدنا إلى ربه فتدلى) فهذا من كلام الراوي بكل تأكيد وليس من كلام النبي .. وهذا يجعلنا نقول أنه اجتهاد أنس بن مالك وليس من كلام النبي ..!!

 

3- (حديث صحيح في متنه نكارة) .. عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ الْمَسْرَى، بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّهُ عَرَجَ جَبْرَائِيلُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ عَلَا بِهِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى .. وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مَا شَاءَ .. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاةٍ عَلَى أُمَّتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره .. (قلت خالد صاحب الرسالة): وهذه الرواية أصلها في صحيح البخاري .. ولكن بعض العلماء اعترض عليها لمخالفتها باقي روايات الإسراء والمعراج في اجزاء منها .. فتوقفوا عن الأخذ بما جاء فيها وتركوها .. وقد تكلمنا عن هذه الرواية كثيرا في فصول مختلفة من الرسالة عنا .. وقد تكلمنا عن هذه الرواية كثيرا في فصول مختلفة من الرسالة عنا .. فيمكنك الرجوع مثلا إلى الفصل الحادي والأربعون – تحت عنوان: (س103: ما هو حديث المعراج الذي في صحيح البخاري ومسلم واعترض على صحته كثير من أكابر العلماء ؟).

 

- وقول أنس بن مالك (فدنا فتدلى) أو (دنا الجبار رب العزة فتدلى) .. يجعل العقل يذهب لاحتمالية حدوث الرؤية من وراء هذا القرب والتدلي .. على أن الدنو أو القرب من النبي من خلال الرفرف الأخضر .. والتدلي من الله بمعنى التجلي بكل كمال على النبي .. والمكاشفة هنا قد تكون بالعين وإدراكها القلب أو بالقلب مباشرة وظاهره كان نورا يراه.

 

- أو يكون الدنو والتدلي من النبي بمعنى اقترب لأخر مكان خلقه الله .. حتى تدلى ساجد فيه لله .. فكان أقرب ما يكون من مولاه وأوحى إليه ما أوحاه .. وحينئذ تكون المكاشفة بالقلب ..

 

- أو يكون الدنو والتدلي من الله لنبيه .. فيكون دنو وتدلي بطريق التجلي الصفاتي وليس الذاتي .. وتكون هنا المكاشفة لله إما بالقلب أو بالعين ولكن إدراكها بالقلب ..

 

- وغير ذلك من أقوال في مفهوم التدلي والدنو .. وسيأتي في بحث خاص إن شاء الله .

 

#- ملحوظة هامة: لعل ما قاله الصحابي بن عباس أن الرؤية كانت بالقلب .. فلأن هذا يثبته أيضا ما جاء في بداية الرحلة حينما شق جبريل صدر النبي وغسل صدره وقلبه بماء زمزم .. فكانت هذه النفحة الباطنية لاستقبال ما سيراه النبي ويسمعه من ربه جل شأنه ..

- والله أعلم .

 

#- خلاصة ما سبق:

- لا توجد رواية صريحة في أحاديث المعراج قالت بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه .. وإنما الصريح فيها هو مكالمة ربه له في مقام الخصوصية .. أما عن مسألة الدنو والتدلي في الروايات فإن الظاهر فيها هو رأي وتفسير أنس بن مالك لآية سورة النجم كما هو رأى عبد الله بن عباس .. ولكن هذا التفسير ليس من كلام النبي في الروايات ..

 

- وهذا يدفعنا للبحث .. في سر اهتمام وربط بعض الصحابة بعض آيات سورة النجم برحلة  المعراج ..  وهذا له فصل خاص به إن شاء الله ..

 

************************

 ..:: س188:  كيف يمكن تجميع ملخص لمسألة رؤية النبي لربه ؟ ::..

1- اعلم أخي الحبيب:

- قد حاولت في هذا الفصل مناقشة بعض الإعتراضات .. على من أنكر رؤية النبي لربه بالعين .. أو من أنكر رؤية النبي مطلقا سواء بالقلب أو بالعين .. وذكرت ما هو أشهر ما تم تدوينه من مسائل أو صادفتني أثناء بحثي .. وطبعا لم أذكر مسائل لم ينكر رؤية النبي لربه بالقلب .. لأن هذا أصلا لا إنكار ولا اعتراض عليه إلا من حيث من أنكر الرؤية مطلقا .. وهذا أجبت عليه في المسائل السابقة .

 

#- وبالرغم من أني أقول أن الرؤية النبوية لله هي بالقلب .. كما قال عبد الله بن عباس وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهما وعموم جمهور علماء المسلمين .. فهذا من باب الإلتزام بالنصوص لا غير .. وإلا فالذي قال بالبصر فهو لم يخطيء وإنما أخطأ من لم يفهم كلامهم .. إذ لم يقل أصحاب الرؤية البصرية بأن النبي قد رأى الذات الإلهية الأحدية حتى ينكر أحد رؤية النبي بالبصر ..!!

 

- إذ أن هذا الإنكار إنما يقال على من يقول برؤية النبي للذات الإلهية الأحدية .. وقد سبق توضيح مفهوم الذات الأحدية في فصل سابق والفرق بين الواحدية والأحدية .

 

- ولكن أن يقال بتجلى الله على نبيه بصورة ربانية يراه بها .. فلا حرج في ذلك .. فهي كالصورة المنامية لا اختلاف فيها .. إذ تجلى الله عليه في أحسن صورة .. كما أتاه في المنام في أحسن صورة .

 

2- واعلم أخي الحبيب ..

- أن من أجاز رؤية النبي في الدنيا وقالوا رؤية النبي لربه في المعراج .. هم جماعة كثيرة جدا من علماء المسلمين سلفا وخلفا .. منهم عبد الله ابن عباس وسائر أصحابه، وأنس بن مالك، وأبو ذر، وعروة بن الزبير، وكعب الأحبار، والزهري، ومعمر، وعروة بن الزبير بن العوام، وكان الحسن البصري يحلف أنه رأى ربه .. وهو قول الأشعري وغالب أتباعه .. والإمام أحمد وابن خزيمة .. وغيرهم كثير .. ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه، وعن أحمد كلا القولين. 

 

#- وعموم العلماء على رؤية النبي لربه .. في كل زمان ومكان .. ولم ينكر إلا من شذ في ذلك وليس معه حجة للإنكار إلا مجرد آراء تفسيرية لبعض الصحابة في تفسير بعض آيات لسورة النجم ..

 

3- واعلم أخي الحبيب:

- أن كثير أيضا من العلماء وبعض التابعين .. توقف عن الخوص في تلك المسألة فلا هو ينفي ولا هو يثبت .. ويقول الله أعلم .. ومن هؤلاء التابعي سعيد بن جبير ومن تبعه من علماء المسلمين .. كما أشار لذلك الإمام أبو العباس القرطبي وكذلك القاضي عياض .

 

4- واعلم أخي الحبيب:

- أن الثابت عن حديث النبي هو أن النبي رأى ربه .. ولكن دون تحديد للرؤية أكانت بالقلب أم بالعين .. بل ودون تحديد في اليقظة أم المنام .. والذي حدد الرؤية بالقلب هما الصحابيان بن عباس وأبا ذر الغفاري.

 

5- واعلم أخي الحبيب ..

- أن الذي جعل من رؤية النبي لربه بأنها كانت في المعراج .. هو الصحابي عبد الله بن عباس من خلال تفسير آيات سورة النجم كاجتهاد منه .. ثم تبعه كثير من علماء المسلمين .. وإلا فلا يوجد نص صريح من روايات المعراج يقول بأن النبي رأى ربه في ليلة المعراج .. ولكن توجد نصوص محتمل الظن فيها رؤية النبي لما جاء فيها من ألفاظ القرب والوحي الخاص بين الله ونبيه في مقام الخصوصية .. وسبق وذكرنا شيء من هذه الروايات.

 

6- واعلم أخي الحبيب ..

- أنه لم ينكر رؤية النبي لربه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلا السيدة عائشة فقط .. وظاهر لفظ كلامها أنكرت رؤية النبي لربه مطلقا في الدنيا سواء يقظة أو منام ..

 

- أما يذكره بعض العلماء في كتبهم من أن بن مسعود وأبي هريرة وابا ذر أنكروا أو نفوا رؤية النبي لربه .. فهذا كلام غير صحيح .. ولا وجود له أصلا في كلام بن مسعود وأبي هريرة وأبي ذر الغفاري ..

 

- فأقصى ما جائنا عن بن مسعود وأبي هريرة هو تفسير لبعض آيات سورة النجم ..، وما جائنا عن أبي ذر الغفاري هو سؤاله للنبي عن رؤيته لربه .. بل ولم ينفي أبا ذر رؤية النبي لربه بل أثبت له الرؤية القلبية وهذا ما لا يذكره كثير من العلماء في كتبهم إذ لم ينبهوا لذلك .. وإليك بعض الروايات التي تؤكد ما ذكرته لك وذلك للتذكرة لمن فاته الفصول السابقة .. 

أ- فجاء عن عبد الله بن مسعود أنه قال في تفسير قوله تعالى: ((فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10))، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح البخاري.

ب- وجاء عن أبي هريرة في تفسير قوله تعالى: ((وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى)، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ) صحيح مسلم.

ج- وجاء عن أبي ذر الغفاري قال: (قَالَ: (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ) صحيح مسلم.

- وجاء رواية عن أبي ذر عن النبي بلفظ: (رأيت نورا) صحيح مسلم.

- ثم قال أبي ذر الغفاري: عَنْ أَبِي ذَرٍّ: (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه بن خزيمة في التوحيد.

- وفي رواية أخرى قال أبو ذر الغفاري: (رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنيه) رواه ابن خزيمة في التوحيد واللفظ له ..، وكذلك النسائي في السنن الكبرى إلا أنه ذكره بلفظ: (ولم يره ببصره).

 

#- وكل ما سبق من روايات عن الصحابة الثلاثة .. فهو صحيح وقد سبق تحقيق هذه الروايات .. في الفصل الخامس والسبعون.   

 

@- إذن: يتبين لك أخي الحبيب مما سبق .. أن الصحابة الثلاثة "بن مسعود وابي هريرة وأبي ذر الغفاري" .. لم ينكروا ولم ينفوا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه .. بل وأثبت أبا ذر الغفاري الرؤية القلبية للنبي في رؤيته لربه .. ومن قال أنهم أنكروا رؤية النبي لربه .. فقد أخطأ في ذلك وجانبه الصواب .. إذ لم يتحقق من الأمر جيدا .. وبمكنك مراجعة الفصل الخامس والسبعون تحت عنوان (س178: هل أنكرت السيدة عائشة وأنكر الصحابي بن مسعود وأبي هريرة وأبي ذر الغفاري رؤية النبي لربه ليلة المعراج ؟).

  

7- وانتبه أخي الحبيب من الإنترنت ولمن يكتب في قصة الإسراء والمعراج ..

- فمن قبيح ما تجده فيمن ينشر الكتب أو يكون معلما .. فتجد البعض فيهم ينتصر لما يراه فقط .. ويفرض رأيه على الآخرين .. وكأن الرأي الذي قال به هو وحي يوحى .. حتى يصل لمرحلة أن يتهم الآخرين بأنهم على الباطل ليجعل من رأي نفسه هو على الحق وحده دون غيره ..!!

 

#- مع أن المسألة كان يكفي أن يقال فيها الآتي:

أ- هناك من قال: أن النبي رأى الله بقلبه.

ب- وهناك من قال: أن النبي رأى الله ببصره.

ج- وهناك من قال: أن النبي لم يرى الله.

د- وهناك من توقف عن الترجيح وقال: الله أعلم .

 

#- وانتهت المسألة بالكامل عند هذا الحد .. ثم من يريد التوسع فليذهب للبحث .. وليكن مستوعبا هذا الخلاف ويقبل الرأي والرأي الآخر طالما له حجته وقوته في الإستدلال بمنتهى الأمانة العلمية .. وليس لأنه يميل لرأي فيسعى لتأكيده بأي وسيلة ..!!

 

@- ولكن لعل الله أراد أن يجعل من بعض المسائل فتنة في نفوس البعض ويختبرهم بها .. وكثير من الناس يفتن بتلك المسائل ويجعل من كلام المشايخ حجة شرعية وعقيدة يفرضها على الناس لهوى في نفسه ..!! وحسابه عند ربه.

 

8- واعلم أخي الحبيب:

- كونك تنكر .. رؤية النبي لربه ليلة المعراج .. فهذا اختيارك ..

- وكونك تثبت رؤية النبي لربه ليلة المعراج بالعين .. فهذا اختيارك ..

- وكونك تثبت رؤية النبي لربه ليلة المعراج بالفؤاد .. فهذا اختيارك ..

- وكونك تتوقف عن الخوض في المسألة وتقول الله أعلم .. فهذا اختيارك ..

 

- ولكن اجعل اختيارك للرأي الذي تميل إليه .. من خلال حجة مقنعة لك عقلا وقلبا ولها دليل يرضيك في قلبك تطمئن له ..

 

9- أخيرا أخي الحبيب ..

- إن إنكار رؤية النبي لربه ليلة المعراج ليس فيه اتهام له في عقيدته .. بل أقصى ما يقال له أنه لم يوفق في حكمه .. ولا يكفر بذلك .. لأن مسألة رؤية النبي لربه ليلة المعراج هي محل خلاف.

@- ورحم الله الإمام أبو العباس القسطلاني رحمه الله (المتوفى:923هـ) إذ قال: رؤيته عليه الصلاة والسلام لجبريل .. هي أصل الإيمان لا يتم إلا باعتقادها، ومن أنكرها كفر قطعًا ..، وأما رؤيته لربه تعالى .. فغايتها أن تكون مسألة نزاع لا يكفر جاحدها بالاتفاق .. وقد صرح جماعة من الصحابة بأنه لم يره. (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ج2 ص566).

 

#- ويقصد بتكفير منكر رؤية النبي لجبريل .. لأنه لا يقول بذلك إلا من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس نبيا ولا رسول ولا يوحى إليه بشيء .. يعني أنكر جحودا نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

10- أخيرا أخي الحبيب ..

- تعلَّم أن تأخذ من العلماء الجميل منهم لأنهم مجرد مجتهدين .. فكلامهم يحتمل الصواب والخطأ .. واعلم أن كلام العلماء ليس حجة شرعية وإنما هو رأي تستنير به في فهم العلم دون التعلق بمذهب أو طائفة .. فلعل الحق مع الغير .. ولا تحكم على المؤمنين برأي شيخ أو عالم  فلعله مخطيء .. واعلم أن الحجة الشرعية هي ما قاله الله ورسوله ثم ما أجمع عليه الصحابة وعلماء المسلمين .. وجزى الله علمائنا وسلفنا عنا خير الجزاء بقدر نواياهم في الإرشاد وكتابة العلم الديني .. والله عليم خبير .

- والله أعلم.

 

@- أخي الحبيب:

- إذا كان كل ما سبق خلال الفصول السابقة نتكلم فيه عن رؤية النبي لربه .. وذكرت لك الخلاصة فيها .. ولكن تبقى لنا فيها جزئية وهي تفسير آيات سورة النجم التي اختلف الصحابة في تفسيرها حتى فسرها عبد الله بن عباس وأنس بن مالك على أنها مرتبطة برحلة المعراج .. والبعض الآخر من الصحابة كان له تفسير آخر .. والعلماء بعضهم ظن أن معراج سورة النجم هو خلاف معراج ليلة الإسراء والمعراج .

- واسأل الله التيسير في كتابة هذا الجزء القادم عن سورة النجم إن شاء الله .

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .