ج78: قصة الإسراء والمعراج - ما هي آراء الصحابة التفسيرية لبعض آيات سورة النجم في قوله تعالى (ثم دنا فتدلى) وقوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) وقوله (ولقد رآه نزلة اخرى) - هل جاء عن الصحابي أنس بن مالك أن الله أوحى لنبيه ما أوحاه وقد دنا النبي وتدلى لرب العزة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة

قصة الإسراء والمعراج علما وحكمة 

(الفصل الثامن والسبعون)

#- فهرس:

:: الفصل الثامن والسبعون :: عن رحلة المعراج - الجزء السادس عشر/ عن المعراج لمقام الخصوصية الذي قال فيه النبي (فَأَوْحَى اللهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى) وفيه تم فرض الصلوات الخمس ::

1- س191: ما هي آراء الصحابة التفسيرية لبعض آيات سورة النجم عند قوله تعالى (ثم دنا فتدلى) وقوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) وقوله (ولقد رآه نزلة اخرى) ؟

#- أولا: ما جاء عن الصحابي أبا ذر الغفاري.

#- ثانيا: ما جاء عن الصحابي عبد الله بن عباس.

#- ثالثا: ما جاء عن الصحابي عبد الله بن مسعود.

#- رابعا: ما جاء عن الصحابي أبي هريرة.

#- خامسا: ما جاء عن السيدة عائشة.

@- سؤال هام جدا: هل طلب النبي من جبريل أن يريه هيئته الملائكية ؟

2- س192: هل جاء في روايات الإسراء والمعراج عن الصحابي أنس بن مالك أن الله أوحى لنبيه ما أوحاه وقد دنا النبي وتدلى لرب العزة ؟

#- أولا: من روايات الإسراء والمعراج التي أشارت بوضوح عن وحي الله لنبيه بدون واسطة.

#- ثانيا: روايات عن الإسراء والمعراج تكلمت عن مسألة الدنو والتدلي بين النبي وربه.

*******************

:: الفصل الثامن والسبعون ::

*******************

..:: س191: ما هي آراء الصحابة التفسيرية لبعض آيات سورة النجم عند قوله تعالى (ثم دنا فتدلى) وقوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) وقوله (ولقد رآه نزلة اخرى) ؟ ::..

 

- إذا كنا ننظر إلى سورة النجم باعتبارها لها إشارة إلى قصة المعراج .. فمن المهم أن نعلم ما هي بعض آراء الصحابة في تفسير بعض آيات هذه السورة ..

- فمن ذلك:

====================

#- أولا: ما جاء عن الصحابي أبا ذر الغفاري ..

 

1- عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ التيمي، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه بن خزيمة في التوحيد .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر صحيح.

 

2- جاء في (أثر صحيح) بلفظ آخر فيه توضيح للأثر السابق أنها ليست رؤية عين .. عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكِ بْنِ الرِّشْكِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: (رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنيه) رواه ابن خزيمة في التوحيد واللفظ له ..، وكذلك النسائي في السنن الكبرى إلا أنه ذكره بلفظ: (ولم يره ببصره) .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر صحيح عند بن خزيمة والنسائي.

 

=====================

#- ثانيا: ما جاء عن الصحابي عبد الله بن عباس ..

 

1- وفي (أثر صحيح) .. عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ({مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} النجم:11 ..، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} النجم:13 ..، قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ) صحيح مسلم .. وذكره الدارقطني في رؤية الله.

 

- وسبق وقد ذكرت أن المقصد بالمرتين – والله أعلم - هو ما جاء في سورة النجم في قوله (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) وقوله (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) وهذا هو الظاهر بالمرتين في الرواية .. أو يكون المقصد هو الرؤية بالعين وبالقلب .. أو الرؤيا يقظة ومناما .. والله أعلم بمقصد بن عباس بالمرتين ..

 

2- وفي (أثر حسن) .. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (فِي قَوْلِ اللهِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.

 

#- وفي رواية بلفظ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] قَالَ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البيهقي في الأسماء والصفات .. بنفس السند السابق عند الترمذي .. والإسناد حسن.

 

#- وفي رواية بلفظ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (قَدْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ) رواه ابن حبان في صحيحه .. وقال: معنى قول ابن عباس: قد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه .. أراد به بقلبه .. في الموضع الذي لم يصعده أحد من البشر ارتفاعا في الشرف. (انتهى النقل) ..،  وقد أشار لصحة هذا الأثر الشيخ شعيب الأرنؤوط و الألباني.

 

3-  عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (رَآهُ بِقَلْبِهِ) صحيح مسلم.

 

=======================

#- ثالثا: ما جاء عن الصحابي عبد الله بن مسعود ..

 

#- الرؤيا الأولى في سورة النجم يفسرها ابن مسعود على أنها حدث أرضي:

1- وجاء في (حديث صحيح) .. عن أَبُي عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: (سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:9- 10] قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح البخاري ومسلم.

 

2- (أثر صحيح) .. عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ({مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح مسلم.

 

3- جاء في (أثر صححه البعض وأرى فيه ضعف) .. عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: (فِي قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] .. قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ .. قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) رواه أحمد والحاكم وابن حبان وابن حبان .. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ..، وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق وذكرت اعتراضي منذ قليل على هذا التصحيح في البند ثالثا من هذا الفصل تحت عنوان : (عن مفهوم الرفرف الأخضر عند العلماء وهو الذي جاء في كلام الصحابي عبد الله بن مسعود).. فارجع إلى آخر حديث فيه ..

 

- ومعنى (حلة من رفرف): أي رآه في هيئته بأجنحته الملائكية .. فهذه هي حلته أي ما يتحلى بها في هيئته وهي من رفرف لأنها أجنحة يرفرف بها أي يتحرك بها حين معراجه للسماء .. والله أعلم .

 

- ملحوظة: أتى في رواية ابن حبان بلفظ: (حلة من ياقوت) بدلا من (حلة من رفرف) وهي رواية يصححها البعض ..

 

#- ولكن لو انتبهنا لآخر رواية سنجد الحديث فيها عما حدث بين السماء والأرض .. وليس في الملكوت الأعلى .. ولعل هذا هو المشار به إلى ما قاله النبي: (بَيْنَا أَنَا أَمْشِى، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِى، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِى زَمِّلُونِي (أي غطوني لتذهب عني رعشة الهيبة من رؤية ما رأيت)) صحيح البخاري.

 

- فيكون تفسير بن مسعود .. لآية سورة النجم رقم (10-11) .. هو لرؤية النبي لجبريل حينما كان على كرسي بين السماء والأرض ..

 

- إذ أن سورة النجم تتكلم عن رؤيتان وليس رؤية واحدة .. وبعض العلماء يخلط في الاستدلال بين هذا وذاك في نقل تفسير بن مسعود ..!!

 

4- ولكن انتبه أخي الحبيب:

- أجد هنا إشكالية صادفتني .. وهي إشكالية في كلام الصحابي بن مسعود .. إذ أنه تم الرواية عن بن مسعود مسبقا في الآية رقم (18) من سورة النجم أن النبي رأى جبريل وعليه ستمائة جناح .. بل ونقل هذا عن كلام النبي . وهذه هي الرواية:

 

أ- عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:: ({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} النجم:18 .. قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح مسلم.

 

ب- وفي الرواية الأسبق عن أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: (سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم:9- 10] قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح البخاري ومسلم.

 

- فجزئية رؤية جبريل وله ستمائة جناح .. ظهرت مرتين في الرؤيتين .. والراوي أيضا لتفسير بن مسعود هو زر بن حبيش .. والسائل هو أبي اسحاق الشيباني ..!!

 

ج- إذن: هذا معناه أنه رأى جبريل مرتين بهيئة الستمائة جناح .. مرة بين السماء والأرض .. ومرة في الملكوت الأعلى عند سدرة المنتهى .. وهذا كلام لا أظنه صحيح .. ليه ؟

 

- لأنه لم يصادفني أي حديث يقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى جبريل بهيئة الستمائة جناح إلا في الملكوت الأعلى عند سدرة المنتهى .. بل وظهوره بين السماء والأرض لم يظهر بهيئته الملائكية بستمائة جناح حينما كان جالسا على كرسي بين السماء والأرض وكان ظهوره بهيئته التي كان ظهر بها للنبي أول مرة في غار حراء .. وأكيد لم يكن بستمائة جناح وإلا كان ذكر لنا هذا .. بل وما كان في رؤيته في السماء ليلة المعراج أي تكريم إضافي للنبي برؤيته الستمائة جناح وعليهم اللؤلوء والياقوت ..!!

 

د- وعن نفسي أظن .. أن هناك خطأ عمن نقل عن (زر بن حبيش) أو الخطأ من (زر بن حبيش) نفسه .. في نقله التفسير عن بن مسعود خاصة في تفسير الآيات (9-10) من سورة النجم .. إذ أنه التفسير غير مطابق مع تفسير الآيات المذكورة .. فالآيات تتكلم عن حالة قرب شديد .. في حين تفسير بن مسعود يتكلم عن رؤية جبريل وله ستمائة جناح ..!! فما علاقة هذا بذاك ؟!!

- ولذلك أقول أن من نقل التفسير عن ابن مسعود .. قد اختلط عليه التفسير بين تفسير الآية (18) والآية (10) من سورة النجم .. فجعلهما تفسير متكرر في آيتين عن نسيان أو خلط ..  ولكن الحقيقة هي آية واحدة التي قد ظهر منها جبريل أن له ستمائة جناح وهو ما قاله النبي بنفسه وكان عند سدرة المنتهى .. وهذا ما أرجحه .. والله أعلم.

 

هـ- ثم وجدت ما يؤيد إمكانية حدوث هذا الاختلاط نقل تفسير بن مسعود كما في الرواية التالية:

- جاء في  (أثر صحيح) .. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنِ أبي اسحاق الشَّيْبَانِيِّ، عنْ زِرٍّ، عنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود: ({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، أَوْ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّ مِئَةِ جَنَاحٍ) رواه ابن خزيمة في التوحيد.

 

- وهذا الأثر السابق يدل على أن هناك نسيان حدث من الراوي في تحقيق تفسير عبد الله بن مسعود .. بالرغم من أن سياق الآيتين السابقتين في الرواية هما عن موقف واحد .. ولكن الغرض من الأثر السابق هو أنه لا مانع من حدوث خلط في التفسير المنقول عن ابن مسعود نتيجة نسيان من روى عنه .. والله أعلم .

 

#- الرؤيا الثانية في سورة النجم يفسرها ابن مسعود عن النبي وعن نفسه على أنها لجبريل أيضا ولكن قت المعراج في ليلة الإسراء:

1- (حديث حسن) .. عَنْ زِرٍّ "بن حبيش"، عَنْ عَبْدِ اللهِ "بن مسعود": (فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] .. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى .. عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، يَنْفُضُ (أي يتساقط) مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ (أي عجائب الجواهر الملونة التي تصيب بحيرة ودهشة وتعجب لشدة جمالها ومن ذلك): الدُّرُّ (أي اللؤلوء) وَالْيَاقُوتُ) رواه أحمد .. وقال محققو المسند: إسناده حسن من أجل عاصم بن بهدلة، وبقية رجاله ثقات..، (قلت خالد صاحب الرسالة): وكذلك رواه الشاشي في مسنده برقم 662 بسند صحيح .. وجاء في آخرها لفظ: (يَنْتَثِرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ) .. ورواه ابن خزيمة في التوحيد بسند صحيح وجاء في آخرها بلفظ: (تَنْهَالُ مِنْهَا تَهَاوِيلُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ) .

 

2- وفي (أثر صحابي موقوف صحيح) بلفظ آخر عن ابن مسعود .. عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ..وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْوَاحِ وَيُقْبَضُ ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُقْبَضُ مِنْ فَوْقِهَا ..

- {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16] .. قَالَ "بن مسعود": فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ ..

- قَالَ "بن مسعود": فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغَفَرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتِ) رواه أبو نعيم في الحلية واللفظ له ورواه ابن منده في الإيمان .. (قلت خالد صاحب الرسالة): السند صحيح في حلية الأولياء وقال أبو نعيم: صحيح متفق عليه ..، وفي كتاب الإيمان الحديث حسن لأن فيه (محمد بن سعيد بن إسحاق) وهو ممن حاله صدوق ومقبول لأن ابن المقريء وصفه بالصلاح (راجع تاريخ الإسلام ج7 ص749)..

 

- وهذه الرواية من الصحابي بن مسعود .. نجده قد ربط إسراء النبي بقوله تعالى (يغشى السدرة ما يغشى) .. وما أوحى الله به من فرض الصلوات على النبي .. وهذا لم يحدث إلا في ليلة الإسراء والمعراج .. وهذا دليل قوي جدا على أن الإسراء ومعراج كانا معا في ليلة واحدة بدليل تفسير هذا الصحابي الذي فسر آيات سورة النجم بالمعراج الذي حدث في ليلة الإسراء .. فضلا عن أنه يشير إلى أن آيات سورة النجم تشير للمعراج بلا ريب.

 

5- وفي (أثر صحيح) .. عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: ({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} النجم:18 .. قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) صحيح مسلم.

 

6- وفي (أثر صحيح) .. عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ "بن مسعود" رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} [النجم: 18]، قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ) صحيح البخاري.

- (رفرفا): إما بمعنى فرشا كالبساط أو ثيابا .. ولونها أخضر .. . (أفق السماء) جهة السماء من أعلى.

 

#- وفي (أثر صحيح) أتى الأثر السابق بلفظ جاء فيه .. عَنِ الْأَعْمَشِ: (فِي قَوْلِهِ: عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] .. قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفْرَفًا أَخْضَرَ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ) رواه أحمد وبن مَنْدَه العبدي في الايمان .. وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.. (قلت خالد صاحب الرسالة): والسند عند "بن منده" صحيح أيضا.

 

7- جاء في  (أثر صحيح) .. مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنِ أبي اسحاق الشَّيْبَانِيِّ، عنْ زِرٍّ، عنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود: ({لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، أَوْ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: جِبْرِيلُ فِي صُورَتِهِ لَهُ سِتُّ مِئَةِ جَنَاحٍ) رواه ابن خزيمة في التوحيد.

 

@- إذن مما سبق يتبين لنا أن الصحابي عبد الله بن مسعود: يرى أن تلك الآيات (9-10) من سورة النجم .. تتكلم عن نزول جبريل من السماء على النبي في بداية الدعوة..، والآيات من رقم (17-18) تتكلم عن رؤية جبريل في المعراج السماوي .

 

===================

 

#- رابعا: ما جاء عن الصحابي أبا هريرة ..

 

#- عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ({وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ) صحيح مسلم.

 

===================

 

#- خامسا: ما جاء عن السيدة عائشة ..

 

1- جاء في (حديث صحيح) .. عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: (كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ (أي الكذب) ..

- قُلْتُ: مَا هُنَّ؟

- قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ ..

- قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي (أي أمهليني) ، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13]؟

- فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ..

- فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]؟، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]، قَالَتْ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، وَاللهُ يَقُولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ} [النمل: 65]) صحيح مسلم.

 

#- انتبه لهذه الرواية: أن السيدة عائشة نسبت تفسير آية سورة التكوير وسورة النجم إلى النبي وأنه هو من قال أنه رأى جبريل مرتين.

 

2- وجاء في (حديث صحيح) .. عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي (أي أصابني فزع من هول ما ذكرت) مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ، مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ [ص:141]: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ ..وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ) صحيح البخاري.

 

#- انتبه لهذه الرواية: أن السيدة عائشة لم تنسب رؤية جبريل مرتين للنبي وإنما قالته كخبر عن نفسها ..!!

 

2- وجاء في (حديث صحيح) .. عن مسروق قال: قلت لعائشة: (فأين قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [سورة النجم: 8 - 9] قالت: ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرّجل، وإنّه أتاه هذه المرّة في صورته التي هي صورته، فسدّ الأفق) صحيح البخاري ومسلم.

 

 

#- انتبه لهذه الرواية: أن السيدة عائشة هنا فسرت الرؤية الأولى في سورة النجم باجتهادها .. ولم تقل أن النبي هو من أخبرها بذلك .. فانتبه.

 

- ويشهد لذلك ما جاء في (حديث صحيح) .. عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (ثَلَاثٌ مَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ....... إلى أن جاء في آخر الرواية: (قَالَ مَسْرُوقٌ: فَاسْتَوَيْتُ جَالِسًا فَقُلْتُ لَهَا: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] . فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مُنْهَبِطًا قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ) رواه اسحق بن راهويه في مسنده .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح.

 

- فلا يوجد دليل يقول أن النبي فسر قوله تعالى: (دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ) .. على أنه خاص بجبريل .. وإنما هو اجتهادات الصحابة مثل بن مسعود وأبي هريرة والسيدة عائشة ..

 

- ولو كان تفسير النبي للدنو والتدلي هو خاص بجبريل .. فلماذا لم يذكر ذلك هؤلاء الصحابة الثلاثة أن النبي أخبرهم بذلك .. كما اخبرهم في قوله (ولقد رآه نزلة أخرى) إذ أخبر بذلك السيدة عائشة وبن مسعود أنه رأى بجبريل عليه السلام ..؟!!

 

- لأن هذا اجتهادهم الخاص في الرؤية الأولى التي في سورة النجم على أنها لجبريل عليه السلام .. وليس أكثر من ذلك .. بل ولماذا اختلف العلماء لو كان لديهم يقين بأن هذه تفسيرات النبي .. ؟!!

 

3- وجاء في (حديث ضعيف) .. ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ أَوَّلُ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَجْيَادَ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، فَصَرَخَ بِهِ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ؛ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ثَلَاثًا؛ ثُمَّ خَرَجَ فَرَآهُ، فَدَخَلَ فِي النَّاسِ .. ثُمَّ خَرَجَ .. "أَوْ قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ" .. أَنَا أَشُكُّ (أي الراوي يشك هل سمع لفظ "ثم خرج" أم لفظ "ثم نظر") .. «فَرَآهُ» .. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 2] .. إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَدَلَّى} [النجم: 8] .. "جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" .. {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] .. يَقُولُ: الْقَابُ: نِصْفُ الْأُصْبُعِ .. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِرَاعَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا) رواه بن جرير الطبري .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الأثر ضعيف وفيه (عبد الله بن لهيعه) وهو ضعيف الحديث .

 

#- ملحوظة: هذه الرواية من تفسير السيدة عائشة للرؤية الأولى في سورة النجم .. وليست عن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم .. وفي كل الأحوال الرواية ضعيفة.

 

@- إذن: خلاصة ما جاء عن السيدة عائشة بملخص عام هو أن الرؤيتان في سورة النجم إنما يقصد بهما رؤية سيدنا جبريل عليه السلام ..

 

#- انتبه جدا لما سأخبرك به:

@- أول رواية عند الإمام مسلم .. جاء فيها أن السيدة عائشة نسبت تفسير آيتين للنبي وهما آية في سورة التكوير وآية في سورة النجم  .. والبخاري في صحيحه لم يذكر تفسير السيدة عائشة مرفوعا للنبي في تفسير الرؤيتان من سورة النجم .. بالرغم من كونه ذكر القصة بين مسروق التابعي وبين السيدة عائشة .. وأظن لو كان تبين للبخاري تأكيد أن هذا تفسير النبي لكان ذكره في روايته .. ولكنه لعله شك في ذلك واكتفى بذكر التفسير منسوبا للسيدة عائشة .. والله أعلم .

 

- ليه بقولك كده .. ؟

- عشان لما نروح لتفسير كلام العلماء لسورة النجم .. قد تقول لماذا بعض العلماء يفسرون آيتين الرؤية في سورة النجم بتفسير بن عباس دون تفسير النبي الذي ذكرته السيدة عائشة ؟!!

 

- وذلك لأن ما أظنه هو أن البعض وجد اضطراب في هذه القصة بين الرفع للنبي والوقف على عائشة .. فمرة رواية ترفع التفسير للنبي كما عند الإمام مسلم .. ورواية أخرى لنفس التابعي تروى عنه ولكن فيها وقف على أن التفسير لكلام السيدة عائشة كما في صحيح البخاري ..

 

- ولذلك لعل بعض المفسرين قال أنه طالما توجد رواية نسبت التفسير للسيدة عائشة وليس للنبي .. فاعتبروا الأخذ بما رواه البخاري في صحيحه لتقديمه على صحيح مسلم .. وبالتالي فتكون المسألة اجتهادية بين الصحابة حينئذ في التفسير .. والمفسر حسب اجتهاده وترجيحه للأدلة التي توافرت له يميل إلى الرأي الذي يراه أصوب وأوجه في التفسير .. والله أعلم.

 

- إذ لا يعقل أبدا .. أن يجد المفسر كلاما فيه تفسير للنبي ويطمئن له يقينا أن النبي قاله .. ويخالفه إلى غيره .. مستحيل تصور ذلك .. ومستحيل أن لا يكون بلغه خبر السيدة عائشة إذ أنه في صحيح مسلم ..!!

 

#- خلاصة القول في هذا الفصل:

1- أن هناك من فسر الرؤيا الأولى والثانية من سورة النجم .. على أنهما رؤية الله .. كابن عباس وأبي ذر الغفاري ..

 

2- وهناك من فسر الرؤيا الأولى والثانية من سورة النجم .. على أنهما لجبريل عليه السلام .. كابن مسعود والسيدة عائشة .

 

3- والملاحظ أن الحديث المروي عن لفظ النبي .. وهو ما ذكره ابن مسعود والسيدة عائشة عن النبي .. إنما هو ما جاء في تفسير قوله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) النجم:13 .. وأن المقصد به رؤية جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح.

 

- يعني الوارد عن النبي (إن صح نسبة ذلك إليه) في تفسير الرؤيتان المذكورتان في سورة النجم .. إنما هو تفسير آية واحدة فقط وهو قوله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى).. والباقي تفسير الصحابة واجتهادهم .

 

- وهذا يجعلك تفهم فيما بعد حينما نذكر تفسير كلام العلماء للرؤيتان في آيات سورة النجم .. لماذا اختلفوا .. فذلك لاختلاف اجتهادات الصحابة وأنه ليس هناك نص قاطع بتفسير الآيات إلا آية واحدة فقط (ومحتمل رفعها للنبي ومحتمل غير ذلك) .. وسيأتي الكلام عن كلام المفسرين في فصل قادم إن شاء الله .

 

- والله أعلم .

 

4- سؤال هام جدا: هل طلب النبي من جبريل أن يريه هيئته الملائكية ؟

- ذكرنا سابقا أن السيدة عائشة قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى جبريل إلا مرتين على هيئته الملائكية وله أجنحة .. مرة في الأرض .. ومرة في السماء ..

 

- ولكن توجد رواية عن السيدة عائشة قيل فيهما: بأن النبي طلب من جبريل أن يريه صورته الملائكية .. فأراه ذلك .. وبذلك تكون هذه رؤية ثالثة .. وهنا يظهر تعارض معنا وإشكالية ..؟!!

 

- ولكن لا يوجد تعارض ولا إشكالية لأن هذه الرؤية التي طلب فيها النبي رؤية جبريل على هيئته .. لم تصح الرواية عن السيدة عائشة التي يظهر منها طلب النبي من جبريل أن يراه .. بل ووجدت رواية أخرى عن ابن عباس تشير لهذا المطلب .. وكلا الروايتان ضعيف ولم يصح .. وإليك توضيح هاتين الروايتين لتكون على علم بها:

1- جاء في (حديث ضعيف) .. عن رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، وَيَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَا: نا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، أَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ فِي صُورَتِكَ» فَقَالَ: أَوَتُحِبُّ ذَاكَ؟ فَقُلْتُ: «نَعَمْ» فَوَاعَدَهُ جِبْرِيلُ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ لِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ فَلَقِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِدِهِ فَنَشَرَ جَنَاحًا مِنْ أَجْنِحَتِهِ، وَقَالَ: رَوْحٌ (أحد رواة الحديث): جَنَاحَيْنِ مِنْ أَجْنِحَتِهِ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ شَيْئًا وَأُجِيبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ) رواه اسحق بن راهويه في مسنده وكذلك رواه بن حميد في مسنده .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف .. فيه (موسى بن عبيده الربذي) وهو ضعيف عند علماء الحديث .. وفيه (مسلمة بن أبي الأشعث) وهو مجهول الحال ..

 

2- وفي (حديث ضعيف) ..عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (سَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: ادْعُ رَبَّكَ ... فَدَعَا رَبَّهُ .. فَطَلَعَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَجَعَلَ يَرْتَفِعُ وَيُشِيرُ .. فَلَمَّا رَآهُ صَعِقَ (أي سقط على الأرض من الرهبة مغشيا عليه) فَأَتَاهُ) رواه البزار في البحر الزخار .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث ضعيف جدا .. فيه شيخ البزار (مُحَمد بن الحسن الكرماني) مجهول الحال ..، وفيه (إدريس بن بنت وهب بن مُنَبِّهٍ – واسمه إدريس بن سنان الصنعاني) وهو ضعيف .. قال عنه ابن عدي: إدريس بن سنان ليس له كبير رواية وأحاديثه معدودة وأرجو أنه من الضعفاء الذين يكتب حديثهم. (الكامل في ضعفاء الرجال ج2 ص34 ترجمة 196).

 

***********************

 

..:: س192: هل جاء في روايات الإسراء والمعراج عن الصحابي أنس بن مالك أن الله أوحى لنبيه ما أوحاه وقد دنا النبي وتدلى لرب العزة ؟ ::..

 

#- الغرض من هذا السؤال هنا .. حتى يتبين لك لماذا بعض العلماء كان من أسباب تفسيرهم لآيات سورة النجم على أنها المعراج الذي حدث ليلة الإسراء والمعراج .. وذلك لروايات جاءت عن الصحابي أنس بن مالك وجاء فيها لفظ الدنو والتدلي .. وبالتالي بعض العلماء ربطها مع سورة النجم لأنها تكلمت عن الدنو والتدلي ..

- وهذا ما أوضحه لك في الروايات التالية والتي بعضها أتى في صحيح البخاري أو بسند صحيح في روايات أخرى .. والبعض الآخر فيه ضعف .. فتابع معي ..

 

#- أولا: من روايات الإسراء والمعراج التي أشارت بوضوح عن وحي الله لنبيه بدون واسطة..

1- جاء في (حديث صحيح) .. ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ .. قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِس ...

- إلى أن قالت الرواية: (ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ .. قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ ..، قَالَ: " فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي .. فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ .

- قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً) صحيح مسلم.

 

2- هذا الحديث واضح جدا في أن الوحي كان إلى النبي بصورة مباشرة وواصحة وصريحة .. بدلالة (فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى) وبدلالة (فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى) وبدلالة (فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ) وبدلالة (قال: يا محمد) .. فهذه الألفاظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. وهو لم يرجع إلى الله ويقول يارب ويكون جبريل واسطة بينه وبين الله .. فهذا كلام لا يمكن أن يصدقه عقل ولا يقبله قلب مؤمن .. إذ أن الدعاء لا واسطة فيه .. أيكون بين النبي وربه في مقام الخصوصية ؟!! أكيد لا يكون هذا .. فضلا عن أن أسلوب المخاطبة لا يدل إلا على الخلوة بين النبي وربه .

 

#- وعموما سبق الكلام على جزئية الدلالة على وحي الله للنبي بدون واسطة .. وذلك في الفصل السادس والستون تحت عنوان (س156: هل كان جبريل مع النبي حاضرا في مقام الخصوصية حينما تكلم الله مع النبي ؟) ..، وكذلك في الفصل السابع والستون تحت عنوان: (س157: ما الذي أفاده قول النبي (فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلْتُهُ التَّخْفِيفَ) ؟).

 

#- ثانيا: روايات عن الإسراء والمعراج تكلمت عن مسألة الدنو والتدلي بين النبي وربه ..

1- جاء في حديث (سند صحيح ومتن قد اعترض بعض العلماء على أجزاء منه) .. عن عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ .. ومما جاء في الرواية: (حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى .. وَدَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى .. فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ .....إلى آخر الرواية) صحيح البخاري. (قلت خالد صاحب الرسالة): سبق وناقشنا رواية البخاري السابقة عن (شريك بن عبد الله) في هذه الرسالة .. وأن بعض العلماء قد اعترض عليها لمخالفتها في أجزاء لم تأت في باقي روايات الإسراء والمعراج .. فتوقفوا عن الأخذ بما جاء فيها .. وقد تكلمنا عن هذه الرواية كثيرا في فصول مختلفة من الرسالة هنا .. فارجع للفصل الحادي والأربعون من السؤال (102- وحتى السؤال – 104)..، وكذلك في الفصل الثالث عشر عند السؤال رقم (34).

 

#- ومما اعترض عليه بعض العلماء جزئية (دنا للجبار رب العزة فتدلى) .. ولكن اعتراضهم في تلك الجزئية لا أراه صواب .. لأن شريك بن عبد الله بن أبي نمر لم ينفرد بتلك الزيادة .. وهذا يتضح من الروايات التالية التي سأذكرها لك .. فتدبر .

 

#- والملاحظ هنا في الرواية السابقة .. أن قوله (ودنا للجبار رب العزة فتدلى) .. ليس من قول النبي وإنما حكاية من أنس بن مالك .. لأن هذه الرواية كلها مروية عن طريق الحكاية عن أنس بن مالك ولم يتم رفعها للنبي صلى الله عليه وسلم .. والله أعلم.

 

2- وفي (حديث صحيح): عن حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية عند سدرة المنتهى قال: (فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا ..

- قَالَ: فَدَنَا فَتَدَلَّى .. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى .. وَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ ........ إلى آخر الحديث) رواه البيهقي في دلائل النبوة .. بزيادة قوله (دنا فتدلى) عما جاء في رواية صحيح مسلم ..

 

#- والملاحظ هنا أن قوله (قال: فدنا فتدلى) .. ليس من قول النبي لاختلاف سياق الرواية .. وهذا غالبا اجتهاد أنس بن مالك وفهمه الخاص لهذه الآية .. والله أعلم .

 

@- وفي (حديث صحيح) بنفس السند السابق ولكن بطرق مختلفة ولفظ مختلف .. عن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن، ثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى، ح/ وأنبا محمد بن محمد بن الأزهر، ثنا علي بن عبد العزيز، ح/ وأنبا أحمد بن محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن يحيى بن إبراهيم، ح/ وأنبا أحمد بن إسحاق، ثنا إبراهيم بن حاتم البصري، قالوا:حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الرواية عند سدرة المنتهى قال:  (ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرَتُهَا كَالْقِلَالِ .. فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا ..

- قَالَ (أي النبي): فَدَنَا فَأَوْحَى إِلَيَّ مَا أَوْحَى وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلَاةً ...) رواه ابمنده في الإيمان .. بزيادة لفظ (فدنا) عما جاء في صحيح مسلم .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث صحيح .. وبالرغم من أن ابن منده ذكر أربعة طرق مختلفة وجميعهم عن (الحجاج بن منهال) إلا أن الأربعة طرق الذين ذكرهم بن منده لم اجد فيهم طريق صحيح إلا طريق واحد .. وما عدا ذلك ففي كل طريق يوجد مجهول أو ضعيف .. ففي الطريق الأول يوجد (عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن) مجهول الحال ..، وفي الطريق الثاني يوجد (محمد بن محمد بن الأزهر الجوزجاني) وهو ضعيف الحديث قد ضعفه أحمد والدارقطني ووثقه الحاكم وبن حبان ..، والطريق الثالث وهو الصحيح إذ أن (أحمد بن محمد بن إبراهيم (وهو بن حكيم – صدوق حسن الحديث) أما عن أحمد بن يحيى بن إبراهيم (وهو بن المنذر السعدي وهو ثقة) ..‘ وفي الطريق الرابع يوجد (أحمد بن اسحاق الكوفي – وإبراهيم بن حاتم البصري) كلاهما مجهول الحال.

 

#- والملاحظ هنا أن قوله (قال: فدنا فأوحى إليَّ) .. أن هنا الكلام منسوب للنبي لأنه قال (إليَّ) .. فيكون الإمام أنس بن مالك مرة رويت عنه على أنها من من لفظه .. ومرة عن لفظ النبي .. فيكون الأصل أن الصحابي أنس بن مالك قد سمعها من النبي .. والله أعلم.

 

3- (حديث حسن) .. عن أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا كَثِيرُ بْنُ حُبَيْشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ومما جاء في الحديث: (ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى .. فَدَنَا إِلَى رَبِّهِ فَتَدَلَّى، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] .. فَفَرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى ....... إلى آخر الحديث) رواه ابن خزيمة في التوحيد واللفظ له ..  ورواه الطبري في تفسيره ولكن بلفظ (ثُمَّ مَضَى حَتَّى جَاءَ السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَدَنَا رَبُّكَ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) ..، .. (قلت خالد صاحب الرسالة): الحديث حسن .. و (محمد بن عمرو) صدوق الحديث وله أوهام (راجع تهذيب الكمال ترجمة رقم 5513) .. و (كثير بن حبيش) صدوق الحديث (راجع الجرح والتعديل لأبي حاتم ج7 ص150) .. وذكره ابن حبان في الثقات .. وضعفه الأزدي بلا سبب .. علما بأن أهل التراجم في خلاف عليه بين كونه (كثير بن حبيش أم خنيس) والراجح عندي هو (كثير بن خنيس) وهو ثقة لأنه هو الذي يروي عنه محمد بن عمرو بن علقمه وحديثه في مسند أحمد برقم 13092 في حديث (وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ " قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ).

 

#- ملحوظة: سياق الرواية فيه انتقال من كلام النبي لكلام الراوي .. فكان كلام النبي .. ثم في جزئية (فدنا إلى ربه فتدلى) أو بلفظ (فدنا ربك فتدلى) فهذا من كلام أنس بن مالك وليس من كلام النبي .. وهذا يجعلنا نقول أنه اجتهاد أنس بن مالك ..!!

 

4- وجاء في (حديث ضعيف) .. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: (لَمَّا كَانَ حِينَ نُبِّئَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَنَامُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ .. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنَامُ حَوْلَهَا، فَأَتَاهُ مَلَكَانِ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ ..

- إلى أن قالت الرواية: (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ سِدْرَةُ نَبَقٍ أَعْظَمُهَا أَمْثَالُ الْجِرَارِ، وَأَصْغَرُهَا أَمْثَالُ الْبَيْضِ .. فَدَنَا رَبُّكَ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَجَعَلَ يَتَغَشَّى السِّدْرَةَ مِنْ دُنُوِّ رَبِّهَا أَمْثَالُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ أَلْوَانٌ .. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ وَفَهَّمَهُ وَعَلَّمَهُ .. وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَمَرَّ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ فَقَالَ: «خَمْسُونَ صَلَاةً» ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ قُوَّةً وَأَقَلُّهَا عُمُرًا، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَجَعَ فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، ثُمَّ مَرَّ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، كَذَلِكَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ: لَسْتُ بِرَاجِعٍ غَيْرَ عَاصِيكَ (أي لا أرجع لربي مرة أخرى وليس ذلك عصيانا لنصيحتك وإنما لأنه علمت ذلك في قلبي).. وَقُذِفَ فِي قَلْبِهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا يُبَدَّلُ كَلَامِي، وَلَا يُرَدُّ قَضَائِي) رواه الطبراني في تهذيب الآثار .. (قلت خالد صاحب الرسالة): في السند (محمد ابن حميد الرازي): وهو ضعيف الحديث والبعض وثقه ولكن العمل على تركه .. ، وكذلك (ميمون بن سياه) مختلف فيه بين التوثيق والضعف وقد وثقه أبو حاتم والبخاري وضعفه بن معين وأبي داود (راجع ميزان الإعتدال ترجمة 8964) ..، وأبو هاشم الواسطي هو (يحيى بن أبي الأسود الرماني) وهو ثقة.

- وهذه الرواية بالرغم من وجود ضعف فيها .. إلا أن الروايات السابقة تشهد لها بصحة جزئية (دنو الرب من النبي) .. والله أعلم.

 

#- خلاصة القول فيما سبق:

1- أن الله أوحى إلى نبيه في مقام الخصوصية .. ولم يكن ذلك في حضور جبريل عليه السلام .

 

2- أن الله دنا من النبي وأوحى إليه ما أوحاه .. أو أن النبي دنا من ربه فأوحى إليه ما أوحاه .. على حسب اختلاف ألفاظ الروايات.

 

3- أن رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر .. والتي اعترض عليها بعض العلماء على أجزاء منها ومنها جزئية (دنا للجبار رب العزة فتدلى) .. إنما هو اعتراض غير موفق على تلك الجزئية .. لأن شريك بن عبد الله لم ينفرد بتلك الجزئية كما قالوا .. بل تابعه عليها ثابت البناني وكثير بن حنيش وميمون بن سياه ..

 

4- أن أحد الروايات المروية عن ثابت البناني عن أنس بن مالك .. جاء فيه لفظ  (فَدَنَا فَأَوْحَى) وهو لفظ منسوب للنبي .. وليس لأنس بن مالك .. وهذه الرواية يظهر منها بذلك أن أنس بن مالك قد سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ..

 

5- أن ألفاظ روايات قصة الإسراء والمعراج .. تتطابق إلى حد كبير مع بعض ما جاء في سورة النجم .. وهذا ما جعل كثير من العلماء يربطون بين روايات الإسراء والمعراج وبين سورة النجم بخصوص ما جاء فيها من قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم:8-10 ..، وما جاء في قوله تعالى: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) النجم11-14.

 

@- أخي الحبيب ..

- إذا كنت قد استوعبت ما سبق في هذا الفصل .. فتستطيع أن تستوعب سبب اختلاف العلماء في تفسير بعض آيات سورة النجم حتى الآية (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) النجم:18.

- وننتقل إن شاء الله في الفصل القادم لنتعرف على ما قاله العلماء .. في تفسير بعض آيات سورة النجم .. والله ولي التوفيق.

*****************

يتبع إن شاء الله تعالى

*****************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذه الرسالة وكل مواضيع المدونة مصدرها - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات والرسائل العلمية .